مقلمة مزركشة

[نورريم]

لم تكن المرة الأولى التى تجلب شيئاً جديدا إلى الصف وتتباهى به أمامنا بل ولابد أن تؤكد على ثمنه أكثر من مرة فلربما لم يسمع أحدهم فى المرة الأولى فيعلم من أي إحدى الإعادات عن مدي غلاء الشئ الذي جلبته معها ومدى تميزه.
لم أكن أكرهها ولم أكره تفضيل المعلمات لها وجلوسها على كرسيهن حين تقف لتكتب أسماء المشاغبات فيما هن يصححن الدفاتر،لم أكره اعتنائها بشعرها البالغ النعومة وملابسها البالغة التأنق ، ولم أكره جمالها الذي يعجب به كل من يأتي من المعلمات إلى صفنا التعس .باختصاركانت هي أحلى فتيات الصف وأكثرهن تميزا .
حتى جاء يوم تكريم الأوائل والذي لم يعلن قبله عن أسمائهن فقد أحبت مديرة المدرسة أن تجعلها مفاجأة للفائزات ........وكانت المفاجأة
فلقد سمعت اسمي ولكنني لم أصدق فقاموا بتكراره مرة أخرى إلى أن وكزتني احدى زميلاتي بالصف لأذهب للتكريم أمام طالبات المدرسة جميعاً وكانت سعادتي لاتوصف حين تقدمت بخطى واثقة ولم أكترث لمعلمة الإجتماعيات التي قالت موجهة حديثها لطالبتها الأثيرة: ولماذا لست أنت الأولى من هذه الطالبة التي تفوقت عليك؟
ولم أهتم لأني علمت حينها أنني لست الأولى على طالبات صفي فقط بل الأولى على جميع طالبات مدرستي وقد قبلتني مديرة المدرسة على جبيني ؛فدمعت عيناي حينها لما استشعرته من حرارة تهنئتها، وسلمتني علبة أدوات مدرسية كاملة تحوي أقلاما عدة للكتابة طوال العام وأدوات هندسية ، وأقلام تلوين وشارة كتب عليها اسمي وشهادة تقدير حملتها جميعا وكأني أبحر بها بعيدا عن كل ما آلمني سابقا وأستجلب بها السعادة من مكان سحيق.
بعد انتهاء الطالبور الصباحي صعدت الطالبات جميعهن إلى فصولهن ومثلهن فعلت ولكن المدللة زميلتي لم تتركني وشأني بل اجتثت مني جائزتي عنوة وتقاذقتها مع مثيلاتها من التافهات
ولكنني لم أحفل بهن بل جلست أراقبهن بلا أي غضب أو حتى انزعاج وقلت لهن ساخرة :عندما تنتهين من لعبكن أيتها الصغيرات أعدنها إلي.وبعد فترة قصيرة أعادتها إلي زميلاتي فقد كنت محبوبة لباقي طالبات الصف فيما عدا الفتيات الثلاث الاتي يهللن لها .
معلمة العلوم
كانت معلمة العلوم هي الوحيدة التي تؤمن بأني استحققت هذا التكريم وكانت تخصني ببعض التشجيع الذي استحثني على مواصلة هذا التفوق وقد كانت تستأمنني على بعض الأشياء البسيطة كأقلام السبورة وفي أحد الأيام أعطتني عشرة أقلام وأخبرتني أن أحتفظ بها لها وأعطيها منها وقت الحاجة.
اهتمام معلمة العلوم بي لم يفت على زميلتي المدللة وقد أثار الروح العدائية فيها وان لم تصرح بالعداوة ولكنها أكنت الشر في أعماقها
وقامت بسرقة أقلام المعلمة من حقيبتي أثناء الفسحة وكانت وحدها بالصف وتحقق لها ما أرادت حين قتلت حقيبتي بحثا ولم أجد بها أقلام المعلمة والتي غضبت مني وعاقبتني على إهمالي فلم تعد تبسم لي وتهتم بي كذي قبل.
على إثر هذه الحادثة انتابتني حالة من الحزن والكآبة ولم أدر ما أفعل .ولكن فجأة وبعد مرور أربعة أيام طلبتني المعلمة في مكتبها وعلمت من المعلمة أن احدى الطالبات أخبرتهاعن سرقة زميلتي المدللة للأقلام والتي وجدتها مخذولة وكسيرة تتوسل للمعلمة ألا تخبر أحدا فرأفت لحالها وأخبرت المعلمة أني يكفيني أنهاقد عرفت الحقيقة وأن ثقتها فيَّ ستعود مرة أخرى؛ فعفت عنها وأخبرتنا ألا نخبر أحدا .
ولما كنت ماهرة في الأشغال اليدوية ترائى لي أن أصنع لنفسي مقلمة مزركشة أودعت فيها مهارتي وأحلامي في أن أحمل شيئا مميزا أكافئ به نفسي؛فسهرت على صناعة هذه المقلمة بعد انتهائي من دروسي وقد اسغرقتني لوقت طويل.
وفي صباح اليوم التالي حملتها الى المدرسة وأنا أشعر ببعض الثقة في نفسي، وما إن رأينها زميلاتي حتى جن جنونهم ببديع شكلها وتناسق ألوانها .
لفت نظر زميلتي المغرورة تلك الجلبة فتقدمت مني وأمسكت بمقلمتي ورأيت اعجابها بها فسألتني عن المحل الذي اشتريتها منه وذهلت حين أخبرتها بأني من صنعتها فتركتها ومضت بدون كلمة واحدة.
كانت معرفتي لسرها قد قتل الشر في أعماقها وكسر حدة الطبع فيها أشفقت عليها وأردت أن أداوي بعض جراح نفسها ؛ففكرت وتوجهت إليها قائلة:هل هذه المقلمة هدية مني؟
فدمعت عيناها وأطرقت قائلة:إنني لاأستحقها بعد ما كان.
فابتسمت لها قائلة: هل تقبلينها كبداية لصداقة حقيقية؟
فابتسمت هى الأخرى وحينها تواعدت عيوننا بعهد لصداقة قوية
أحسست حينها أنني سعيدة أكثرمما لو كنت احتفظت بالمقلمة المزركشة


[