14-06-17, 11:02 PM | #1 | ||||
| الخروج أشعر كأنني مكبل بقيود غير مرئية، ومعصوب العينين، وأسقط فى حفرة لا قرار لا، عاجزاً عن التفكير بأي شئ أو إدراك ما يحدث حولى حقيقيةً. فى رأسى طنين، وصورٌ لا أحتمل رؤيتها تظهر عنوةً فى مخيلتى فتهيُّج ما بداخلي ، وكيانٌ ما يحاول انتشالى.. لكننى لا أستجيب. * * * كل يوم استيقظ في الرابعة فجرا فى هذه الغرفة الفخمة الفسيحة، على هذا السرير المريح القريب من النافذة، فأجد نفسى أنظر إلى رسومات بديعة فى السقف. الستارة المنسدلة على النافذة بها قطع تدخل منه أشعة الشمس عند سطوعها. سجادة بنية اللون تغطى معظم الأرضية، ودولاب صغير فى الركن الغربى، وفردتى شبشب تنتظر قدماىّ، ومشاهد من حلم البارحة تتلاشى. أخرج من الغرفة الكبيرة. اتجول فى أنحاء القصر بلا هدف حتى أتذكر أن علىّ الذهاب إلى الحمام. وفى طريقى، أجد الخدم فيحيونى بحرارة عند مرورى بجوارهم ثم يستأنفون أعمالهم. فى الحمام أُطيل المكوث، لأنى قد بلغت من الكبر عتيّا ولا أرى في حياتي جديد، وبالتالي لا قيمة للوقت الذى يمر علىّ الآن، فلا بأس إذن من إهداره. عندما أنظر فى المرآة، فإنني لا أجد أي أثر لهذا الشاب الوسيم متقد الذهن، المستهين بالدنيا، الحالم. وبدلاً منه، أحملق فى عجوز كئيب هزيل البنيان جامد الملامح غارق فى الصمت، وأصلع. أتناول فطورى المؤلَّف من الجبن القريش والعسل الممزوج بالطحينة وحزم الجرجير والفجل، في حدود التاسعة، فى فناء القصر المحاط بسور عالٍ تتوسطه بوابة حديدية ضخمة، غير مستمتعاً بضىّ الشمس الدافئ أو منتعش بهذه النسمات المداعبة لوجهى أو مبتهج بالمنظر الطبيعى البديع، الآثر. ويكون متواجداً بالقرب منى (واقفاً طبعا) واحد من الخدم في حالة إذا احتجت شيئا.. إنهم حمقى، لا أريد منهم غير أن يكفوا عن الثرثرة الهامسة مع بعضهم طوال فترة عملهم بهذه اللغة العربية الركيكة المبهمة، إذ أن جميعهم وفدوا إلى هذا البلد العربى من بقاع أفريقية غير عربية، بل أتمنى أن يصمتوا تماما ويتحدثوا بالإشارة. الأصوات جميعها، تزعجنى، تُربكنى، تشوش علىّ، لأنها ببساطة تفقدنى تناغمى مع البؤس. بعد ذلك أتوجه، وحدى، إلى أسطبل الخيول القابع خلف القصر، أدخله، أتفحص الخيول وألعب معها، ثم أُطلق بعضها ليركضوا فى هذه الناحية التي خصصتها لهم من الحدائق الشاسعة المحيطة بالقصر، المزيّنة له، وأجلس لمشاهدتهم. وبعد حين، أشعر بالملل، فأعيدهم، وأعود. عند الظهيرة تصبح الشمس حارقة، مهلكة لكبار السن أمثالى. واتقاءً لها، أبقى مستكيناً في جلستى في مدخل القصر الفسيح بينما يتحرك من حولي الخدم ليتموا أعمالهم من تنظيف المكان وترتيب محتوياته وإعداد مائدة الغداء التى لا تخلو عادةً من اللحوم. أكره أن يحوم أحداً حولى هكذا. بعد تناول وجبتى الثانية، على مهلٍ، يجتاحنى الشعور بالإرهاق فاصعد إلى غرفتى وأجلس على حافة السرير، لا أبسط بدنى عليه وإلا نمت فوراً، فأنا إن نمت.. أرى أشياء مروعة. أدخل المكتبة قبيل غروب الشمس، فالتقط كتاب عشوائيا، لا أستطيع إكمال بضعة صفحات إذا كان المحتوى رتيب، أما إن كان مشوقاً فإنني ألتهمه، والنصوص من هذا النوع الأخير لا يشترط أن تكون قصة قصيرة أو رواية أو شعراً، فقد قرأت ذات مرة كتاب فيه فصل بعنوان (المجاز في القرآن الكريم)، وقد أورد المؤلف فيه آيات أستخدمت فيها كلمات لا يقصد بها معناها الأصلى، وإنما معنى بليغ، مجازى. فمثلاً قوله تعالى”ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا“ كلمة (أعمى) هنا ليس مقصوداً بها الضرير، وإنما أعمى البصيرة الذي يعجز عن رؤية الحقيقة. بهذا المعنى (المجازى) فإن أكثر الناس عميان لكن لا يعلمون. مساءً، أعود أدراجى، أقصد غرفتى، فأظل فترة فى السرير قبل النوم أقضيها فى إسترجاع الذكريات أو التفكير في أى شئ. أتأمل تاريخ هذا القصر الذي ورثته عن أبي الذي ورثه عن جدى الذى كان طبيب مشهور عالج ذات يوم ابن أحد (الكبار) من مرض عضال فاعطاه نظير ذلك، ذلك القصر! كان لى ثلاثة أخوة، أمنا ماتت بعد ولادتى، وعندما بلغت اثنتى عشر عاماً أخذوا أخى الأكبر البالغ من العمر آنذاك سبعة و عشرون عاماً ليشارك في الحرب التى أختلقها (طويل العمر) ليوجد لنفسه مبرراً للبقاء في الحكم، فقُتل فيها. أما أخى الثانى فكان يواعد فتاة، ثم تركها وذهب لأخرى، فقتلته التى هجرها. عشت مع أخى الثالث (أطال الله في عمره) بعد وفاة والدنا المفاجأة، المفجعة، سنين سود حتى أمتلكنا زمام أمورنا بعدما واجهنا بشراسة (أصدقاء أبى) الذين ما إن سمعوا بالخبر حتى حاولوا الانقضاض علينا والاستيلاء على ما ورثناه. لا سامحهم الله. عملت مع أخى الأخير بالتجارة، وربحنا منها مالاً وفيراً، ثم سافر، وانقطعت أخباره. سرت أعيش وحدى في هذا البناء الهائل ولم أتزوج. كل الأحبة يرتحلون، فيأخذون من نور أرواح المحبين.. قبس. * * * لا أعرف ماذا أصابنى مساء هذا اليوم الشتوى ، وكأن أحدا همس فى روحى، فأيقظها. وجدت نفسى أنسل من السرير، وحملت مصباح صغير بقلبه الزجاجى شمعة. تحركت بحذر فى ممرات القصر كى لا أوقظ الخدم، حتى خرجت فانهمرت علىّ قطرات المطر الباردة المتدفقة. ركضت بمقدار ما يسمح به السن والحال، مندفعاً نحو الاسطبل. اهتاجت الخيول وتقافزت فى أماكنها عند دخولى غير المتوقع وأقتيادى هذا الفرس أبيض اللون إلى الخارج حيث سرت به حتى وقفت أمام البوابة الحديدية الضخمة التي كان لى من الجرأة أن رحت أدفع ضلفتيها بكلتا يداى شيئا فشيئا حتى أنفتح منها مساحة تكفى لعبور شخصين متجاورين. أمتطيت الحصان و أجتزتها، وشققت طريقى في المدى المفتوح. * * * تأليف/ عمر حامد فؤاد التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 15-06-17 الساعة 11:17 AM | ||||
15-06-17, 09:30 AM | #2 | ||||
| * ملحوظة: هذه هى قصتى القصيرة الثانية بعد (تشتَُت) التى يمكنكم قراءتها على هذا الرابطhttps://www.rewity.com/forum/t377664.html والطريف هنا أن (تشتَُت) استغرقت كتابتها ثلاثة أيام،بينما أخذت هذه القصة ضعف هذه الفترة تقريبا، مع أن الأولى أطول من الثانية! * سؤال للمناقشة: هل الحجم هو العامل الوحيد المميِّز للقصة القصيرة ؟ و إذا كانت الإجابة بنعم، فهل هذا يعنى أن عشرون قصة قصيرة تكون رواية، وكيف يمكننا فى هذه الحالة أن نفرق بين القصة القصيرة والمقال الذى يتضمن سرد لموقف أو قصة ما ؟! | ||||
15-06-17, 10:06 AM | #3 | ||||
نجم روايتي
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اسلوبها جميل واللغة جيدة وكلماتها معبرة اذا حانت لحظة الخروج من القصر الملعون بفقد ساكنيه وهو قرر ان يتحرر من اللعنة وينطلق بعد ان مات الاحبة وترك وحيد جزين صحيح الثراء والمال ليسا كل شئ فطورى المؤلَّف من الجبن القريش والعسل الممزوج بالطحينة وحزم الجرجير والفجل، في حدود التاسعة، فى فناء القصر المحاط بسور عالٍ تتوسطه بوابة حديدية ضخمة، غير مستمتعاً بضىّ الشمس الدافئ أو منتعش جملة بديعة تبين المه من وحدته عل الرغم من كل ما حوله ونوعية اكله غريبة عل اصحاب القصور ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا“ كلمة (أعمى) هنا ليس مقصوداً بها الضرير، وإنما أعمى البصيرة الذي يعجز عن رؤية الحقيقة. بهذا المعنى (المجازى) فإن أكثر الناس عميان لكن لا يعلمون. ونعم بالله اللهم لا تجعلنا منهم اسلوب بديع وسريع وان كنت في تشتت كنت اكثر اسهاب وغموض ولكن هنا الم الشخص الوحيد جسدته باسلوب جميل ولحظة النهاية كانت عي بداية له موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . | ||||
15-06-17, 11:34 AM | #5 | |||||||
مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي
| اولا اعلق على القصه اسلوب جميل يصلك للفكره من الحكايه دون لف ودوران رجل عاش حياته داخل قوقعة رسمها لنفسه لم يخرج منها بم يحاول ادخال اي تجديد لحياته لم يكسر روتينه يوما حتى اكله نفس الاكل يوميا ... ومع مرور السنين اعتاد على الروتين لكن اخيرا كأن وميض او مصباح انير بداخله وقرر ان يخرج من قوقعته ..... تركت النهايه مفتوحه ... لان هذا الخروج ممكن ان يكون خروج وقتي ويعود لقصره وقوقعته وروتينه ... وممكن ان يكون خروج نهائي يؤدي الى خروجه من هذه الحياة ... وممكن يكون بدايه لتغيير كامل بنمط حياته فما تبقى بها ليس بقدر ما ضاع .... وربما يكون للقدر صدفه ويكون خروجه سبب بلقاء من يغير حياته هل تعلم ممكن ان يكون هناك تكمله لقصتك اما عن اسألتك انا اعتقد ليس طول القصه القصيره مهم بقدر ان تكون اوصلت فكرتها فهناك قصص بعدة اسطر تكون رائعة وهناك بعدة صفحات وتكون طول بلا فائدة مجرد مط المقال اعتقد يختلف عن القصه .. لست كاتبه حتى اعرف كيف اقول لك الفرق ولكن المقال يتكلم بالعموميات وعن ظاهرة واعتقد انه يكون بلسان الكاتب لاادري ولكني لااراديا افرق بين القصه والمقال ... كيف لااعرف .. اسأل اصحاب المهنه هههههههههههههههههه لايمكن ان تكون مجموعة قصص روايه لكن ممكن جمع مجموعة قصص قصيره بكتاب وتكون باسم مجمعة قصصيه لكن ممكن ان تكون الروايه حبكتها مستنده الى مجموعة حكايات مختلفه وقصص مختلفه لكن هناك تداخل بينهم ... هذه هي الروايه .... مجموعة ابطال كل له حكايتهم وتتقاطع طرقهم بطريقة ما ,,,, بانتظار جديدك | |||||||
16-06-17, 06:08 AM | #7 | ||||
| قصة رائعة وذات أسلوب سلسل اعجبني عدم استسلم الشخص لرتابة حياته في نهاية المطاف وقراره افسرها حتى ولو كان بالهروب بالنسبة للسؤال الصراحة انا لست بمتخصصة في هذا المجال ولكن حسب رأي المتواضع ان القصة القصيرة تعتمد على الحجم إن كانت طويلة فهي بالتالي رواية اما ان كانت قصيرة فلا أعتقد أن الحجم قد يلعب دور فيها واعتقد ان الفرق بين المقال والقصة هو الأسلوب اعتقد ان القصة تميل إلى استخدام المحسنات اكثر من المقالة والله اعلم | ||||
16-06-17, 10:52 AM | #8 | ||||
| أسعدني كثيرا إعجابك بالقصة.. وبالنسبة للفرق بين القصة القصيرة والمقال، فقد قلتِ أنه الأسلوب، وهذا صحيح.. لكن هناك أمور أخرى، منها أن القصة القصيرة غالباً ما تكون رمزية ويكون الإمتاع فيها أكثر من الإقناع (وهذا لا يوجد فى أغلب المقالات). | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|