آخر 10 مشاركات
مشاعر طي النسيان- شرقية-للكاتبة المبدعة:منى الليلي( ام حمدة )[زائرة] *كاملة &الروابط* (الكاتـب : أم حمدة - )           »          ملك الظلام (14)الجزء الأول- للكاتبة ندى حسين*مميزة*كاملة&الروابط (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )           »          كنا فمتى نعود ؟للكاتبة/ الكريستال " مميزة "(مكتملة) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رواية أحببت فارسة أكاريا (الكاتـب : الفارس الأحمر - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          رواية/ و ان خان الزمن بقول وافي.. ماني بتركي ولا اظنك سعود ! (الكاتـب : غيـاهـب - )           »          لعنة الحب والزواج(81) للكاتبة كارول مورتيمور(الجزء الثاني من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          467 - أريد قلبك ـ ريبيكا وينترز ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-08-17, 11:40 PM   #1

صفاء_الروح

? العضوٌ??? » 381566
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 123
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » صفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond repute
Rewity Smile 1 لا توبة بعد عشق الشياطين


بسم الله الرحماان الرحييم..


عالم الأحلام أنا بسميه.. عالم رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. بيقدر ويشجع.. بطريقة حلوة ومنمقة.. وعشان كدة حبيت أنشر أولى رواياتي لكم.. قلمي بعد أن قرأ صاحبه ما فقه من كلمات قرر الكتاابة.. رواية تحت عنوان.. لا توبة بعد عشق الشياطين.. أتمنى ألاقي إعجابكم وكذا تشجيعاتكم ونقدكم البناء الذي به نستمر.. هذه أول خطوة لي.. فأما أسير للأمام وإما العكس فلكم القراار..



أترككم مع المقدمة:



. . . . . . . . . . . . المقدمة . . . . . . . . . . . .
بشعرك الليلكي اصنعي..
تميمة لفك لعنتي..
قد علمت يا فاتنة الشمس في الدجى..
أن لا مفر لك من قبضتي..
ظننت عشقي هينا..
فعفوا يا فاتنتي..
هذه لعنة منها لا توبة..
في الحاضر ولا المستقبل..
أغواك عشقي فسقطت..
في درك أسفل بين قبضتي..
فتحول العشق لمسخ..
يقتات على نزيف قلبك..
فامسحي عبارتك واصمتي..
كفى نحيبا من قسوتي..
ما يزيدني ضعفك سوى..
قوة وظلم متحجر..
ستندمل جروحك وتنضب دموعك يا صغيرتي..
فأخرج لك من قمقمي مزمجرا..
لا توبة بعد عشق الشياطين..



فصول الرواية
المقدمة ...... اعلاه
الفصل الاول ..... بالاسفل

الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس ج1
الفصل الخامس ج2
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع







التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 22-01-18 الساعة 11:01 AM
صفاء_الروح غير متواجد حالياً  
قديم 15-08-17, 11:49 PM   #2

صفاء_الروح

? العضوٌ??? » 381566
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 123
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » صفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond reputeصفاء_الروح has a reputation beyond repute
افتراضي ......الفصل الأول....

الفصل الأول....
....
....

هروب افتراضي....



وضع المنشفة المهترئة التي تدلت جوانبها بقطرات فاحمة بسبب الأوساخ داخل الدلو المليء بالماء العكر بعد أن أنهى غسل السيارة الموجودة أمامه.. ملامحه الجامدة تنعكس على زجاج السيارة اللامع بسكون.. ضجيج المنطقة الصاخب يحيطه كأنه جزء لا يتجزأ من كينونته.. سحب خرقة جافة كانت ماثلة على كتفه ليصفع بها السيارة بقسوة كأنه يلومها على تذكيره بحقيقته القاسية.. كتفاه العضليان يشتدان بقوة وهو يقوم بعمله.. قميصه نصف المفتوح لصدره يظهر بعضا من عضلاته المشدودة بقسوة.. ربت على سطح السيارة بكفه وهو يصيح بغلظة.. (.. توكل على الله..).. دس ما قدم له الرجل من مال في جيب قميصه القطني البال.. ابتعد خطوتين للخلف لتمر السيارة.. لبضع ثوان ظل شاردا في إثرها قبل أن يربت أحدهم على كتفه بثبات.. حانت منه نصف التفاتة لذاك الشخص لتظهر ندبته.. ندبة شاردة على وجهه القاسي، الجامد.. تنحنح العم موسى ليجلي حلقه قبل أن يهمس.. (.. ليباركك الله يا بني...).. ارتكز على عصاه الخشبية وهو يعود أدراجه نحو الطاولة البلاستيكية تحت أحد الشمسيات.. رفع كفه يناديه بطريقة صامتة.. قبل أن يجلس على أحد الكراسي من نفس نوع الطاولة بعناء.. قهقه العم موسى بمرح رافعا أحد حاجبيه الكثيفين وهو يمد عصاه بين قدميه.. (.. الحركة رائجة اليوم..).. هز الماثل أمامه رأسه بجمود ولم ينبس ببنت شفة.. بصره يرتكز على نقطة بعيدة في الفضاء.. تنهد العم موسى بقلة حيلة.. صدق من قال.. (.. يا ليت السماء تمطر ذهبا..).. فإن حدث أمر خارق للطبيعة لربما أشعلت في هذا الجامد فتيل اهتمام.. لكنه يجزم بأنه لن يفعل.. ارتشف من قهوته -كما يحبها خالية السكر- باستمتاع، وصوت أحد المطربين الشعبين يتداخل مع أوركسترا بائعي أجزاء السيارات في الجوار.. (.. سآخذ نصف اليوم إجازة..).. قالها الجالس بجانبه من دون مقدمات.. تمتم العم موسى بجدية.. (.. ولما؟؟..).. استند الأول بظهره على الجدار المهترئ وراءه.. متشدقا باقتضاب.. (.. عمل مهم..).. كان صوته غليظا باردا لا يسمن فضوله ولا يغنيه عن الأجوبة.. قطب العم موسى حاجبيه بضيق من فجاجته وهو يطالع تكشيرته بغموض.. ضرب بعصاه الأرض وهو يصيح.. (.. عملك يقتصر هنا فقط لا مكان آخر..).. نهض الآخر قائلا بجمود.. (.. إذن أنا أستقيل..).. .........
(.. صُــــــوان!!!..).. صاح بها العم موسى بحدة بعد أن أعاد ضرب عصاه بالأرض.. لكن في هذه المرة كانت الضربة حادة.. التفت صوان بهدوء ونظرة إجرامية تطل من عينيه.. (.. صُـــــوان، قد مات..).. أغمض العم موسى عينيه بقوة لتشتد خيوط تجاعيده حولهما.. لن يستنزف طاقته في نقاش عقيم كهذا.. تنهد بتعب مستندا على عصاه ليقوم... (.. اسمعني جيدا يا بني..).. ربت على كتفه مهمهما بصدق.. (.. كلنا نملك نقطة بيضاء في الداخل، خلف أحصنة قلوبنا المغلفة بالسواد.. حاول أن تجدها فقط.. ستعاني بالطبع.. لكنك ستنجح في نهاية المطاف..).. هز رأسه بلا فائدة حين وجد وجهه خاليا من التعابير فقرر إغلاق الموضوع قبل أن يتفاقم.. بوقار قال.. (..حسن افعل ما تريد لكن على عملك أن يكون منتهي..).. نظر له الآخر بجمود وهو يلتفت للوراء.. (.. سلام..).. وكانت تلك الكلمة المقتضبة هي آخر ما وصلت لآذان العم موسى.. ........ ظل يتتبع بعينيه المتعبتين طيفه إلى أن اندثر بين غفور الناس المحتشدة.. ........... (.. آه..).. تنهد وهو يعود أدراجه نحو كرسيه.. ........ صــــــوان.. أو الأصح كما لقب نفسه شيطــــــــان.. هذا ما أصبح اسمه مذ وقت طويل.. أغمض عينيه بقسوة ليطرد ما باغته من ذكرى.. ليس بإمكانه تغيير ما فات.. هز رأسه باستسلام مرتشفا من قهوته بعضا من القطرات مقنعا نفسه بما قال...





تدلت علب التسوق الكثيرة ذي الماركات العالمية من مرفقيها المرمريتين بثراء واضح.. تضحك بفرحة طفولية بذخة كأنها حصلت على دمية طالما تمنت اقتناءها.. شعرها المصفوف بعناية يهفهف حول كتفيها بدلال.. يخطف الأنظار بلونه الجذاب الذي استغرق وضعه ما يناهز الساعتين.. تتهادى بخطواتها الريمية كغزال فتي لا ينال التعب منه أبدا.. كما يقول المثل خلقت وفي فمها ملعقة قدت من ذهب.. فلا معادن أخرى تستطيع إرضاءها إلا إذا كانت أكثر قيمة أو لمعانا.. لذا ترى خاتمها الماسي بجوهرة نادرة صممت خصيصا لها تزين بنصرها النحيل.. خطيبها ذي السلطة العالية، أحد أعضاء المجلس البرلماني الوزاري.. رغم أنه يكبرها بما يزيد عن عشر سنوات إلا أنه نجح في اختبار مواصفات الرجل المثالي الذي سيوفر لها دائما ما تريد في مجتمعها المخملي بنجاح.. أو لنقل قد تفوق.. كانت لتتحسس من برود علاقته بها لكنها تمتلك ضِعف البرود.. هذا ما يعيبها.. كما تقول والدتها سيدة المجتمع الراقي.. يكتفي باتصالات فاترة يكون فحواها الاطلاع بشرود غير مهتم عن سيرورة ترتيبات الزفاف.. ينهال عليها بهدايا قيمة براقة تسد تلك الحاجة الدفينة بأعماقها للاهتمام لذا تكتفي بالصمت.. والرضا.. قد تكون في السادسة والعشرين لكن خطيبها يتهمها في بعض المرات بعدم النضوج.. لأنها تتصرف أحيانا برفقته على سجيتها الطبيعية المطلقة.. وحين نالت صده القاسي قررت إبقاء حاجز التكلفة بينهما.. حتى لو نادته حبيبي لتهز جدران حصونه الحجرية لا تنال أي رد يسد جوع عاطفتها المحتاجة.. فكلمة الغزل تلك ليست سوى لفظة مستعارة كالأقنعة مهما طال الوقت سيلزم خلعها.. تعود اللسان عليها، بيد القلب لا.. كلمات ملزمة على عاتقها لإرضاء المحيط الأرستقراطي الموجودة فيه فقط.. وبئس العادات!!.. انتفضت من سيل أفكارها على اهتزاز هاتفها بحقيبتها الجلدية الفاخرة.. وضعته على أذنها وهي تجيب بهدوء.. (..مرحبا عم سالم، ألن تأتي لتقلني؟؟.. زحمة سير لن تنفك إلا بعد ساعتين على القليل!! ما هذا الحظ التعس؟!..).. انعقد حاجباها بضيق واضح ثم أغلقت الخط وهي تشتم حظها العتر.. لا تمتلك سيارة رغم أنها ماهرة في القيادة.. إلا أن أبويها يخافان عليها بشكل مرضي مبالغ فيه حين تستقل إحدى السيارات حتى وإن لم تكن هي من تقود.. قد كان هذا مذ أربع سنوات كما تذكر.. حين كانت بعمر الثاني والعشرين.. رغم أن كل ما تتذكره لقطات ضبابية غير واضحة لكنها تجزم بأنها كانت فترة مشؤومة.. هزت رأسها بعدم اهتمام واضعة نظاراتها الشمسية على عينيها الفيروزيتين.. لن تنكر.. دائما ما تكون فتيات الطبقة الباذخة فاتنات.. فقد ورثت ما يكفيها من جمال.. وهذا سبب من الأسباب التي جعلت خطيبا كالذي يزين خاتمه إصبعها من نصيبها.. سحبت هاتفها مجددا لتتصل بأحد من عائلتها ليقلها لكن نفس الرد المعتاد يصفع أذانها بأن هذا الهاتف مغلق أو خارج التغطية.. ليس غريبا.. تحمد ربها بأن ردا كهذا لاقها أفضل من سماع رد جاف أو أعذار واهية.. لذا قررت سلك الطريق الأسهل باستقالة سيارة أجرة.. ..... تجربة حماسية لم تقدم عليها من قبل.. كان قلبها ينبض بحماس.. كأن الأيام عادت للماضي وهي طفلة في عمر العاشرة تريد تقديم عملها العلمي لمدرسها وتخاف ردة فعله.. نفس الشعور داهمها وتلقف جوارحها.. نظرت حولها تختلس النظر لبعض المشاة الذين يحاولون إيقاف سيارة أجرة.. فحاولت التقليد.. لذا توقفت على ناصية أحد الشوارع التي ساقتها قدماها إليها.. لا تذكر آخر مرة قد استقلت فيها حافلة أو سيارة أجرة كعامة الناس.. ربما لم تفعل أبدا!! قد يبدو للبعض غريبا أو شاذا لكنها تجده عاديا.. ولا مرة اضطرت لفعل أي شيء.. مدللة لحد الموت.. استرجعت بعض المشاهد التي شاهدتها بالأفلام كيف يشيرون الناس لإيقاف سيارة أجرة ما، ففعلت المثل حين لمحت إحداهم تمر، وما إن كادت ترمش بعينها حتى توقفت أمامها تلك السيارة.. فانتظرت وانتظرت.. إلى أن أنزل السائق نافذته ليسألها بجمود زعزع دواخلها.. (..لن نضل طوال اليوم هنا.. أستركبين أم سأرحل؟؟..).. فتحت فاهها بصدمة لوقاحاته المفرطة.. لم يكلمها أحد بهاته الطريقة الفجة سابقا.. اشتعلت نار زرقاء خلف نظاراتها وهي تجيبه بهدوء أعصاب تصنعته بشق الأنفس.. وما زادها غضبا هو ملامحه المختفية خلف ظل قبعة قميصه.. (..ألم تكلم آنسة من قبل؟؟.. ما هاته البجاحة؟؟..).. ارتفع أحد طرفي فمه بابتسامة متهكمة.. (..ما تملكينه أنت من بجاحة يجعلني أقف مبتدئ الأهلية أمامك.. أكنت تنتظرين أن أفتح لك الباب مثلا؟؟..).. عقدت حاجبيها بانشداه مرير وهي تتلقى صفعته التالية على وجهها اللامرئية.. لن تنكر قد انتظرته ليحل لها البوابة.. لم تعطي للأمر أي قيمة فقد ظنته أمرا عاديا.. مبدئ إتكيت قديم.. متوارث في عالمها.. رفعت ذقنها بكبرياء وهي تجيبه بصفاقة.. (.لست متعطشة لكرمك أبدا، لكن حسب ما أرى تمحص لي من هو بحاجة ماسة للكرم..) ختمت كلامها وهي تمرر بصرها على نصف وجهه الظاهر بازدراء.. هز رأسه ببرود متقبلا كلامها المهان -المنمق- برحابة صدر.. لكن عيناه الشبيهتان بليلة وحيدة بلا قمر انعكس فيهما شيء من الغضب.. شعلة استوقدت سرعان ما اطفأها ببرود نفسه.. أما هي قد علمت أنها تمادت بسهام كلماتها ولربما قد نشرت سموم كلامها في شرايينه.. لكنها احتفظت بواجهتها الجامدة الراقية كأنها سعفة نخلة تواجه أعاصير عاتية في صحراء نظراته الحارة.. كان هو أول من قطع ذاك الصمت الثقيل قائلا بصوت جامد لا يعبر عن شيء.. (..لربما معك حق.. كل منا يبحث عن ما يفتقره لربما أبحث أنا عن الكرم وهذا أفضل من أن أبحث عن الحب والاهتمام..).. وكأنه أصاب وترا حساسا أوداها في مقتل.. قد يكون كلامه غير مقصود.. فهو لا يعلم عنها شيء.. -حسب ما تظن هي-.. لكن رغم ذلك فقد حفر كلامه أغاديدا من الألم على وجهها الذي شحب فجأة.. لم تعرف كيف وجدت صوتها لتجيبه بألم لم تستطع إخفاءه.. (..ارحل..).. كما بدى أنه لم يستمع لكلامها قط أو الأصح أنه تجاهلها بل قال ببرود وكأنها لا تستحق حتى نظراته.. (..سيحل الظلام قريبا ولن تجدي من يقلك لذا اركبي..).. ألهذه الدرجة تبدو مثيرة للشفقة!!.. ما باتت أن كانت تتمطى بقوتها وجمالها الذي أطاح بأغنى وأعتى الرجال تحت قدميها.. لكنه عرى روحها أمام نظراته ليرى حقيقتها التي ترتجف ببرود الوحدة.. رفعت أنفها بما شابه شمم الجبال وهي تهمس بإصرار.. (.. قلت ارحل..).. وبالفعل شغل محرك السيارة غير آبه بإرضائها أو حتى الاعتذار لها.. مخلفا ورائه عجاجة رمادية كحياتها العكرة التي تخنقها في كل لحظة.. وما إن تأكدت من رحيله حتى تهادا كتفاها بتعب.. جرَّت قدماها اللتان ترتكزان على حذائها البراق العالي فوق الأرض الإسمنتية بإهمال.. قد حرك فيها كلام ذاك السمج صاحب سيارة الأجرة أمواجا تميد بسفن أفكارها المهترئة لتتحطم أشلاء فوق صخور الواقع.. تطلعت لمشترياتها بنظرات خاوية وتهكمه يتكرر في عقلها دونما هوادة سؤالا.. أحقا هذه الهدايا تسد حفرة الاهتمام التي تزيد عمقا كل يوم داخل روحها؟؟.. وكلما تصل لهاته النقطة بالذات تترنح أشباح ذاكرتها بجنون.. وضعت أناملها على عضديها تدلكهما بإرهاق.. ها قد بدأت طقوس أشباح ذاكرتها حول نار أعصابها لتشعل روحها اضطرابا ضبابيا.. لا تستطيع التحمل.. ها هو الألم المعتاد قد شن حربه مجددا وهي تقف لا حول لها ولا قوة أمامه.. دائما ما تكون أمامها أحد الخادمات لتتدارك الموقف بحنكة.. لكن هي لا تعرف.. فقط الألم هو من يتحكم بها الآن.. قد كان هذا مذ أربع سنوات.. تحديدا.. أصبح هذا الصداع يداهمها كلما احتكت بمشاهد غريبة.. رفعت بصرها تنظر حولها بضياع.. فها قد استكان الليل فوق الشوارع بهدوء غير شاعرة به.. وهي ما زالت ضائعة هنا لا تعرف أحدا.. لا تستطيع فعل شيء.. لذا فعلت ما تلتجئ إليه أي فتاة عند الألم.. الدموع.. .. وما إن تهاطلت على خديها الزهريتين دمعتان حتى شهقت باستنكار حين وجدت إحدى السيارات تصطف أمامها.. دققت النظر فيها لتتعرف على من يتطفل على خلوتها مع ضعفها.. وما إن وصل الإدراك لعقلها المتشتت حتى زمت فمها بضيق ويداها ترتفعان لا إراديا كي تمسح عباراتها المنهمرة.. لن تسمح له أبدا برؤية لحظة انكسارها.. ذاك السمج.. أنزل النافذة بهدوء ونظرة باردة تطل من عينيه المختفيتين تحت سواد ظل قبعته.. (..قلت لك هذا من قبل ولا ضير في إعادته لن تجدي من يقلك..).. مال بجذعه ليفتح باب المقعد الخلفي وهو يهمس بثقة أغاظتها.. (اركبي..).. بللت شفتيها بتوتر وقدماها الرخوتان تتجهان صوب باب السيارة بكل هدوء.. ووداعة.. شبح ابتسامة ظهر على شفته قائلا بجمود.. (..أحسنت..).. التفت بحدة على أثر كلمته تلك.. فستانها المنمق هذا لا يدل على أنها طفلة؟؟.. أيهادنها الآن ضخم الجثة هذا؟؟.. أين لسانها السليط الذي يفلق الحجر نصفين؟؟.. تابع جسدها حملة غدره حين انشق ثغرها عن.. ربع ابتسامة..
........
وساد الصمت.. صمت يرقص بخفة على أوتار الهواء المشدود ليخنقها.. تنهدت بقنوط مسندة جبهتها على زجاج النافذة.. لما انصاعت له وركبت؟؟.. كان بإمكانها أن ترفض بكل بساطة!!.. أهذا ما يسمى بتأثير الدجالين؟؟.. كانت قد سمعت بانتشارهم في الآونة الأخيرة.. أيعقل أنها ستكون إحدى الضحايا؟؟.. انتفضت كالملسوعة إثر أفكارها تلك.. ليس من العقل أن تنساق خلف أفكارها المجنونة؟؟.. مجرد خزعبلات.. أقنعت نفسها بحدة ومعدتها تتقلب برعب.. شاءت الأقدار كلها اليوم أن تجعلها تجن؟؟.. لم يبقى لزفافها سوى أسبوع واحد فقط.. أستموت قبل أن تزف بالأبيض؟؟.. أو ستفقد عقلها من هذه الأحداث التي تضغط على أعصابها بأبسط تقدير.. انتشلها صوت هاتفها المزعج من لجة أفكارها العميقة.. بين أناملها النحيلة أمسكته وهي تتطلع لاسم خطيبها على الشاشة.. أ الأمر حقيقي؟؟.. خطيبها يتصل بها؟؟.. لم تبق في دوامة استغرابها طويلا إن سرعان ما أجابت بهدوء.. (مرحبا..).. (..أين أنت؟؟..).. قلبت عيناها بسأم.. حديث رائع يجمع بين خطيبين اثنين لم يبق لحفل زفافهما سوى القليل.. دلكت جبهتها بعدم اهتمام وهي تجيب بفتور.. (..في سيارة أجرة وأنا على..).. (..سيارة أجرة؟؟!!..).. قاطعها بانتفاضة عنيفة.. رفعت كتفا كي لا تهول الأمر.. (..مجرد سيارة لما كل هذا الانفعال؟؟..).. آتاها صوته حادا مزمجرا بقسوة أخافتها.. (..لما كل هذا الانفعال؟؟.. أستظلين ساذجة لأمد الحياة هكذا؟؟..) هتفت به بحدة.. (..آزر..).. كانت لتحمد ربها بكرة وأصيلا كونها لم تكن أمامه في تلك اللحظة لترى سحنته المزمجرة.. لم يزعجه صوتها العالي أو مناداة اسمه متجردا.. قد يسمح لها لماما بمناداته "حبيبي".. إن كانت قد سقطت من إدراكها هفوة.. لكن لا يرحمها أبدا إن تعمدتها.. قال ببرود جمدها.. (..أين أنت الآن؟؟..).. همست بخنوع العنوان الذي التقطته بؤبؤتيها المنكسرتين وهي تتهرب من عيني ذاك السائق الغريب.. بعد أن همست له بالعنوان والذي كان قريبا من مسكنها أغلق الهاتف بصفاقة في وجهها.. كان فمها على شكل دائرة تتطلع لشاشة هاتفها المغلقة بعد أن رج في أذنها الصوت الرتيب للهاتف.. التفت لها ذاك السائق وابتسامة ميتة مائلة تشق طريقها بين شفتيه للحياة.. (.. نرجو أن تكون الخدمة قد نالت إعجابك!!..).. كان رأسها منكوسا بخجل عارم من ذاك الموقف الذي تعرضت له أمامه.. وما زاد الطين بلة تهكمه أو ربما سخريته منها.. رفعت عيناها ببطء نحوه.. لتشهق بعنف وهي تلمح ندبته الغائمة على خده الأيسر.. (.. يا إلهي!!..).. همست بها بصدمة وأصابعها تسد فاهها لتكتم صرخة خوف.. التمعت عينيه بغرابة سائلا إياها ببرود.. (.. أ أخفتك؟؟..).. وكالمرجل دارت أفكارها السابقة عن الدجالين والخاطفين.. هيئة هذا الجبل الصخري مثلهم.. تمالكت جسدها من انتفاضاته.. ثم أمالت ظهرها على الظهر الوثير للسيارة بعنفوان لا يناسب الموقف.. أرجعت خصلة شاردة خلف أذنها وهي تجيب بثقة.. (.. لا..).. قهقه بخشونة دبت رعشة بأوصالها.. ليغمز بتشجيع.. (.. جيد..).. بلعت ريقها بتوجس.. إجاباته المقتضبة تثير حس التيقظ لديها.. انقبض قلبها وهي تسمع طقطقة أصابعه على المقود برتابة.. كعداد ما قبل الموت.. زفرت أنفاسها المشحونة ليسألها بهدوء.. (.. أنزعج أخوك لأنك استقلت سيارة أجرة؟؟..).. أجابته بسرعة.. (.. ليس أخي بل خطيبي..).. انقبضت أصابعه على المقود وماقتيه تحولتا لصفحة قاتمة.. تداركت هي ما تفوهت به.. قرصت نفسها لوما وهي تؤنب نفسها.. (.. غبية دائما غبية.. ما الداعي لتبرري له؟؟..).. كانت ساهمة في معاقبة نفسها غير دارية بالمعركة التي تقام على وجهه المشحون.. لتتدارك الموقف أجلت حلقها مبادرة بقسوة.. (.. هذه أمور شخصية لا دخل لك بها.. فطبعا سيخاف علي وأنا أستقل خردة بالية كهذه!!..).. مط شفتيه باهتمام مزيف ولكأن كان لكلامها أي أثر عليه.. (.. حقا؟؟!!.. لما لم يتواضع سيادته ليوصلك هو بسيارته الفخمة إذن؟؟!!..).. عضت على شفتيها بحنق من فظاظته.. ثم أشاحت بوجهها المحمر بغيظ اتجاه النافذة.. ما أنقذها من حرجها هو وصولهما للعنوان.. تنفست الصعداء حينها.. فهذا الجبل الحجري لم يكن دجالا أو خاطفا.. دست كفها في حقيبتها لتستخرج بعضا من الأوراق النقدية.. انتبه لحركتها تلك فطالعها بتسلية من المرآة الأمامية.. مدت يدها نحوه بفضاضة.. (.. خذ..).. رفع حاجبا واحدا وجدته هي كفوهة المدفع الذي سيرميها للهاوية.. (.. ما هذا؟؟..).. تشنجت قسمات وجهها بارتباك.. تذكرت أن هذا ما شاهدته في أحد الأفلام فهم يقدمون بعضا من الأوراق للسائق بعد أن يوصلهم.. انفكت عقدة حاجبيها بعد أن تذكرت ما تسمى به.. صاحت بفخر.. (.. أجرتك!!..).. نظر لرزمة المال مجددا باستهزاء.. وقبل أن يرد وجد من يفتح باب السيارة بحدة.. ...... التفتت ناحية الباب لتجحظ عيناها بدهشة.. (.. أبي؟؟..).. كان صدر أبيها يصعد وينزل بانفعال شديدين آثار توجسها، تفحصها بسرعة قبل أن ينحدر بعينيه اتجاه السائق.. انشدهت ملامحه لوهلة وحاجباه الكثيفان ينعقدان بصدمة.. طالعه بحدة وحدقتيه تتلظ بنار الجحيم.. أما الآخر ارتدى نظاراته السوداء مشيرا بأصبعيه على جبهته بطريقة بحرية كأنه يحييه.. انتفض من وقفته المريبة حين وضعت يدها على مرفقه.. (.. أبي؟؟ أ أنت بخير؟؟.. لما تقف هكذا..).. بشق الأنفس رسم ابتسامة على محياه وهو يربت على خدها مطمئنا.. (.. لا شيء صغيرتي.. هيا ادخلي وأنا سألحق بك..).. رفعت عيناها نحو السائق الواثق الجالس بعنفوان وهي تومئ برأسها مترجلة من السيارة.. أهو أحد معارف أبيها؟؟ كانت تلك الأسئلة تدور في عقلها كالرحى قبل أن تختفي خلف باب المنزل خاطفة نظرات مبهمة نحو السائق المجهول.. ..........
وما إن اختفت حتى صر والدها على أسنانه هاسا بتهديد.. (.. ما الذي تفعله هنا؟؟..).. رفع حاجبا مدعيا البراءة.. (.. جئت لأحييك فقد مر وقت طويل مذ زرتك آخر مرة..).. خبط بكفه باب السيارة صائحا بغيظ.. (.. احتفظ بسلامك لنفسك.. هيا ارحل من هنا..).. قهقه بقسوة وهو يطقطق بلسانه.. (.. ما هذا يا سيد ماجد؟؟ سرعان ما نسيت العشرة!!؟؟..).. مرر ماجد كفيه بغيظ حول وجهه.. (.. كان هذا مذ زمن بعيد وكلما تذكرت الأمر أتمنى لو يعود بي الزمن لأحيل حياتك جحيما..) ثم أردف بعد أن رمقه باستحقار.. (.. لكن لما أكبد نفسي عناء ذلك وأنت متمرغ في أسفل دركه..).. طأطأ برأسه دراميا واضعا كفه على قلبه.. (.. مقبولة منك يا حماي العزيز.. على كل أنا "صهرك" الحبيب وعلي تقبل كلامك مهما كان..).. ..... هدوء.. كاذب.. مخادع.. عكس الأعين التي تقف مشتعلة تحارب بنار غضبها.. بدأت قطرات المطر الفاترة بالتهاطل.. كرقصة هادئة صامتة.. لكنها لم تفلح بتخميد حريق الغضب المشتعل بصدر ماجد.. نظر الأخير له بفتور قائلا بتهكم.. (.. صُـــــوان..).. التفت صوان بحدة حين استمع لاسمه الذي يمقته.. اسم كان له في مضى قبل أن يتجرد منه كليا.. تخلى عن الاسم صحيح.. لكنه لم يتخلى عن معناه.. صُــــــوان.. الحجر.. ارتسمت على شفتي ماجد ابتسامة متهكمة حين لمح تشنج عضلة بفكه.. تنهد بتفكه تمثيلي مصححا باستهزاء.. (.. أو الأصح شيطان كما هو معروف عنك؟؟!!..).. لجم تشنجه مرتديا قناعا من البرود الذي يتقنه.. بالطبع لن يظهر أي ردة فعل.. صفحة وجهه خامدة.. كالبركان.. قد تهدد بالانفجار الآن.. أو ربما لاحقا.. قال بصوت أجش.. (.. صدقت..).. ألصق بشفتيه ابتسامة مستهترة وهو يردف.. (.. وكما هو معروف عن الشياطين حضورهم قبل الاحتفال للمباركة..).. امتقع وجه ماجد.. كأن الدماء انسحبت قطرة قطرة منه لتروي ظمأ ذاك الشيطان أمامه.. وهذا ما أرضاه.. وبشدة.. (.. مبارك الزواج..).. قالها بنظرة يغطيها ألاف من الوعود.. في حين أن الاخر قد انحسرت كلماته في جملة واحدة تخفي بين زوايا حروفها خطابات من التهديد.. (.. ما الذي تريده؟؟..).. ... (.. مباركتك..).. غمز بعينه حين قالها.. كلمة كالفرمان.. تتغير النفوس بعدها لسعادة تامة أو تعاسة كاملة.. وقبل أن يرد الآخر -مبهوت الملامح-،، حياه بطريقته البحرية وهو يتطلع لصورتها البعيدة المنعكسة على الزجاج الأمامي لسيارته وهي خلف الستار، وعلى دواسة البنزين داس لينطلق للبعيد.. ......


أرجعت بهلع الستار لتغطي به النافذة الزجاجية الضخمة.. صدرها يهبط ويعلو باستطراد.. قد رآها.. عضت على شفتيها بحنق وهي تجزم أنها أظهرت نفسها كطفلة أمامه.. تسترق النظرات نحوه كعاشقة ساذجة خلف ظهر عائلتها.. ربتت على قلبها تهادن نفسها.. كم هي غبية.. أغمضت عينيها تسترجع لقطات تصادمهما.. شخص وحشي غريب لم تر منه شبها.. انتفضت من مكانها كالملسوعة حين ناداها أبوها بحدة.. (... شُــــموس..) ابتعدت عن الستائر بخطوات مرتبكة وهي تطالع وجه أبيها المحتقن.. أجلت حلقها قبل أن تهمس بدلال تخفي ورائه فضولها الذي نهش روحها.. (.. قد أطلت معه الحديث أبي.. أهو أحد معارفك؟؟..).. لوح بيده في الهواء بانفعال.. (.. لا!!..).. تراجعت خطوتين هولا من نبرة صوته.. الأب المثالي ذي النبرة الموزونة يخرج من شرنقته اليوم.. ويصيح.. يبدو أن ذاك الجبل الحجري له تأثير سلبي على الجميع.. فحتى السيد ماجد لم يسلم من كلامه السليط.. قاربت ما بين حاجبيها تتساءل بحيرة.. (.. أ أزعجك لهذه الدرجة؟؟..).. اقترب منها والدها يتفحصها بنظراته الثاقبة.. كالآلة التي تتأكد من سلامة البضاعة.. سألها بهدوء متجاهلا سؤالها وماقتيه تهتزان بترقب.. (.. ألمح لك عن شيء؟؟..).. هزت كتفها دلالة على السلب ليتنهد الأول براحة.. لكن لم تدم تلك الراحة طويلا إذ سرعان ما صاح بها.. (.. كيف تركبين سيارة أجرة؟؟..).. بضيق عقدت حاجبيها.. (.. ما الأمر الجليل في الموضوع؟؟..).. تراخى على الأريكة بتعب مهمهما بصوت خفيض.. (.. جليل.. الأمر جليل يا شموس..).. كيف سيشرح لها؟؟.. بالطبع لن يفعل.. زواجها لم يبقى في عداده سوى أسبوع واحد ولن يفسده بتفاهات لا أساس لها من الصحة.. لاحقته أعينها الفضوليتين.. تريد تفسيرا لما ألقاه على مسامعها مذ قليل.. لكنه قطع الحبل قبل أن يشتد مهمهما بتهديد طفيف.. (.. لو لم يتصل بي آزر في الوقت المناسب لما علمت بالأمر أبدا.. احذري يا شُموس كفاك تهاونا..).. ككعكة مزينة بسكر زهري كانت شفتيها.. صاحت باستنكار وقدمها تهتز بعصبية لطالما رافقتها حين تنفعل.. (.. ما به خطيبي الشهم هذا؟؟.. أ أنقذني من عجلات سيارة الأجرة مثلا؟؟ لما يهول الأمور دائما؟؟..).. يا للسخافة.. يخافون عليها من سيارة أجرة!!.. قضمت شفتيها وصورة ذاك السائق ذي الندبة تتجسد في ذاكرتها.. الحق يقال.. هي نفسها قد أصابها شيء بل كثير من الخوف حين رأته.. شخص غريب.. كوحش بري خرج من دهليز الحكايات مزمجرا.. هزت رأسها تنفض عنها شباك تلك الأفكار المتناقضة.. لم تفكر يوما بهذا العمق لكن حين قابلته انقلبت موازين أفكارها.. لقاء واحد ذو مفعول جامد.. طالعت أباها الذي اشتدت تجاعيده فوق حاجبيه كخيوط العناكب المشتبكة كأنه غارق حتى النخاع في أفكاره.. تجشأ بعد حين قائلا.. (.. لن تجدي من هو أفضل من آزر يا شُموس..).. تبرمت باستنكار.. (.. صدقا بدأت أخاف منه.. صار يخنقني مذ الآن.. هذا وهو بعيد عني بآلاف الأميال!!.. فما عساك وهو قريب؟؟..).. ضحك بابتسامة مطمئنة.. (.. هذا متوارث في عائلة الصيادين..).. غمز بعينيه مازحا.. (.. وسيحين دورك قريبا وستخنقينه بنفس الطريقة وربما أكثر..).. اكتفت بابتسامة باردة فاترة تخوي ورائها تمنيها بمعجزة للهروب من هذه الزفة المقيتة.. وقبل أن يقوم أباها لمكتبه.. أرجعت رأسها على ظهر الأريكة بإعياء.. ستتزوج بابن عمها المصون الذي لم تلتقي به إلا لماما.. أو على شاشات التلفاز كأقصى تقدير.. البرلماني الصياد.. أسيكون برلمانيا على حياتها أيضا؟؟.. تساءلت بشرود.. كان لا بد لها من هذا الارتباط كما هو معروف في المسلسلات.. لإتمام صفقة ما بالطبع وتشديد الأواصر العائلية.. نفس القصة الرتيبة الدائمة.. لكن أسيقع في حبها أو سيكون له منوال آخر في منحى قصتهما؟؟.. انشق ثغرها على ابتسامة فاترة مستهزئة وهي تعلم أنها ستخرج خاسرة من معركتها قبل أن تحاول حتى.. آزر الصياد لن يقع في حبها ولو انشق القمر لنصفين.. اشتد ألم رأسها عما كان قبلا فقررت أخذ قسط من الراحة كي تزيد بشرتها الذهبية لمعانا قبل دوامة تجهيزات الزفاف.. فلديها مهمة.. مهمة كونها عروسة العام.. ..........




رمى بمفاتيح السيارة نحو أحد الشباب ببرود.. التقطها الآخر بسرعة وهو يحييه بحفاوة.. (.. أرجوا أن تكون قد لاءمت عملك المستعجل!!..).. هز رأسه بلا جواب.. مستلا سيجارة من أحد العلب في جيبه.. أشعلها بهدوء مبادرا بصوت خشن.. (.. أ المعلم موجود؟؟..).. هز الآخر رأسه بالإيجاب صائحا بلهفة.. (.. أكيد وهو بانتظارك..).. مج من سيجارته للمرة الأخيرة قبل أن تكون المسكينة تحت قدمه يدهسها ببرود.. ولج للداخل بخطوات رتيبة.. في أحد المنازل البعيدة عن مركز المدينة.. وقف بثبات حين صاح أحد الرجال ذوي اللحية الكثيفة بفرحة.. (.. شيطــــــان!!..).. جلس على جانبه وعقدة جبينه لم تنحل بعد.. نفث الرجل ما يدخنه من سيجار خاص به.. مطالعا إياه بتدقيق.. ربت على كتفه برتابة وهو يبادره بالسؤال.. (.. إذن أ حانت اللحظة؟؟..).. هز رأسه بالوجوب متمتما باقتضاب.. (.. أسبوع فقط..).. مد -المْعلم- يده بانطلاق كأنه سيستقبل أحدا بالأحضان.. ليصيح بانشراح.. (.. نحن في الخدمة..).. هز الشيطان رأسه مهمهما.. (.. سيكون الأمر بسيطا..).. قال المْعلم بتأييد وهو يمج من سيجارته نفسا أكبر.. (.. ركز على الانتقام يا شيطان.. فقط الانتقام ولا شيء آخر..).. ....... غامت عيناه في الأفق البعيد.. بعيد عن المدار الساقط به هو الآن.. تتغير النفوس كتبدل الفصول.. فتكون تارة حارة تلهب المشاعر بشمس عاطفتها.. وأخرى قاسية تحضنها بصقيعها.. وأخرى تهتز نفوسها فتتساقط أرواحها ذابلة بانكسار.. وتارة تزهر بريعان يفوح شداه ببتلات سعادتها.. لكنه هو الشيطان.. لم يهيمن على روحه ولا فصل.. كأن روحه نبذت من الفصول كذلك.. مجرد جمود.. وهدوء.. عواصف ترعد بحصى سجين براعم تفتحت بحياء في روحه المتصدعة.. ذابلة قبل تفتحها.. غيوم متلبدة تحجب الضياء المتذلل بقسوة لينير.. فينقشع النور ويشرق الظلام.. كل ما هو عليه قاس كاسمه.. فلا لوم يقع عليه.. فالحجر لا يلام إن انشق من الجبل.. بل يزيد في إبراز قسوته أكثر فأكثر.. ليصبح جبلا مع سيرورة الأيام.. ........ (.. الله.. الله.. وأخيرا يا ولد جئت للزيارة؟؟..).. اعتدل في جلسته مبتسما بمجاملة واضحة.. (..لم يكن العمل رحيما معي..).. مطت شفتيها بعدم اقتناع وهي تطالعه بتدقيق.. تخصرت كأنها تجهز خطابات لإلقائها.. أدرك المعلم أنها على وشك إلقاء فتوتها طويلة المدى ليقول بسرعة بعد أن أطفأ سيجارته في مكانها.. (.. ثريــة..).. صاحت به بحدة.. (.. نعم يا ولد؟؟ أتحسبني أحد صديقاتك لتناديني من دون ألقاب؟؟..).. طقطقت بلسانها بازدراء وهي تصيح.. (..لا حول الله "لالة ثرية" بعد هذا العمر يأتي من يسخر منها ؟؟..).. نكس برأسه وهو يصحح بحرج.. (.. حاشى لله.. أنت في كفة والعالم بكفة يا لالة ثرية..).. صغرت عينيها تطالعه بشك.. (.. ممممم.. جيد..).. حولت عيناها الصغيرتان الذي أحاطهما إطار من تجاعيد زخرفها الزمن نحو الشيطان.. (.. إذن كيف حال عملك؟؟..).. أجاب باقتضاب.. (.. جيد..).. قضمت شفتيها بتفكير.. هذا الهيكل الجبلي الذي يجلس الآن بخيلاء أمامها لم يكن على هذا الحال مذ تلك الحادثة المشؤومة.. تتذكر يوم أن جاء مرتجفا في ليلة ماطرة أمام باب المسجد وكيس هلامي موضوع بين حضنه الصغير يؤنسه.. حين اقتربت منه لتسأله بحنان عن هويته.. حدجها بنظرات نارية.. أرعبتها وقد كان حينها لم يتجاوز التاسعة بعد.. جلست بجانبه وهي تربت على فخذه بتشجيع.. (.. أعانك الله يا بني..).. صمتت قليلا قبل أن تكمل حديثها بنبرة حانية.. (.. قد مرت مدة طويلة على آخر مرة أتيت فيها إلى هنا.. لن ترحل قبل أن أضيفك شيئا..).. قال ببرود.. (.. لا لم آتي هنا للضيافة.. زيارة صغيرة فقط..).. زمت فمها بضيق من أسلوبه.. تداركت الأمر بخبرتها الطويلة في التجلد والتحمل.. مجيبة بتأنيب طفيف.. (.. هذا بيتك.. اتي له متى شئت..).. للحظة أظلمت عيناه قبل أن يجيب بجمود وصوته الخشن يبرده بصعوبة لكي يكون لينا.. (.. أنا لست ناكرا للجميل.. سآتي كلما سنحت لي الفرصة بذلك..).. لم ترد.. تعلم أنها لو نبست بحرف زائد ستكون القطرة التي تجيش ما بكأس صبره.. انسحبت للمطبخ كي تكمل ما تجهزه من أعمال بتوتر.. توتر لا يصيبها إلا إن كلمته هو بالذات.. أما هو وما إن انسحبت.. حتى تهاطلت عليه الذكريات كالعواصف.. "لالة ثرية".. كما أمرته مذ لقائه الأول بأن يناديها.. ولو مر على لقائهما ما يزيد عن العشرين عاما، إلا وأن الزمن لم يغير من طبعها شيئا.. سيدة ترعى الأطفال في منزلها العريق الذي ورثته عن أباها.. حين لم يطرق الزواج بابها لجأت لاحتضان اللقطاء واليتامى لتسد جوع أمومتها.. معظمهم ذكور.. نظر له المعلم بقسوة.. (.. شيطا ثرية خط أحمر..).. نظر له باستهزاء وصوته يقصف بإدراك.. (.. لن تعلمني هذا يا.. المعلم..).. المعلم.. أطلقته عليه لالة ثريا من ما كان يعلمه من علوم وخبرة رغم صغر سنه.. قد كبرا سويا.. المعلم والشيطان.. وكلاهما لهما ماضي خفي.. أغمض عيناه بتعب وعينان كالشموس بحرارتها شقت ظلمة سكونه.. اعتدل في جلسته بتحفز.. كم يحب القطط الشرسة.. فهو خير خبير بترويضها.. وضع على رأسه قبعة قميصه القطني منسحبا بخفة من منزل لالة ثريا بعد أن همهم بكلمات مبهمة للمعلم.. بخطواته سار متلكئا تحت المطر الخجول.. استل من جيب سترته أصفاد مذهبة.. وبابتسامته المائلة الميتة همس بترقب.. (.. ومن قال أني لم أجهز هدية للعروس؟؟!!.. أجمل هدية هي أسواري..).. قام بقفل الأصفاد مستمتعا بالصرير الذي تصدره.. وبنشوة أضاف.. (.. لم يبقى سوى القليل وتكون هذه الأسوار تزين معصميك المدللتين..).. رماهم بطريقة بهلوانية قبل أن يلتقطهم من جديد.. لتظهر ابتسامته من تحت ظل قبعته بعد أن أضاء البرق بقوة عائدا أدراجه مع هزيم الرعد المجلجل..
...........



بحذائين رياضيين امتلئا بأثار الطين شقت طريقها بخفة في ممر المطار المكتظ.. مدت يدها أفقيا بفرحة غالبها الاشتياق كأنها تحضن الهواء.. لاحمت كفيها معا لتمد جسمها المرتعش القليل من الدفء.. ثم همست بصوتها المبحوح الخاص.. (.. وأخيرا..).. حكت أنفها المحمر بخفة قبل أن تكمل سيرها لاستلام حقيبة سفرها.. وضعتها بخفة على كتفيها كالكشافة مهرولة بسرعة نحو باب الاستقبال وحدقتيها السوداويتين تتسعان بترقب.. ست سنوات لم تر أحدا من أهلها.. لكنها عادت أخيرا.. ولن تعود.. أرجعت خصل شعرها فاحمة السواد خلف أذنها بعدم اهتمام وهي تقف على رأس قدميها علها تلمح أحدا من أفراد أسرتها.. خاب ظنها حين صفعت الوحدة نفسها.. لم يأتي أحد لاستقبالها كما تمنت في أبسط أمالها.. انعقد حاجبيها بضيق طفيف.. أيعقل أن يكونوا قد نسوا موعد وصولها؟؟.. اصفر وجهها على ذكر الاحتمال وتلوت معدتها بفتور.. أستتعامل بخبرتها المنعدمة مع هذه الأجواء؟؟ ماذا إن تعرضت للسرقة؟؟.. ضربت جبينها وهي تهمس كالمجانين لنفسها.. (.. حمقاء.. وستظلين حمقاء للأبد!!.. بالطبع هم مشغلون بترتيبات الزفاف..).. التفت بحماس كما ولم يكن الحزن ولا القلق يغلفان ملامحها الرقيقة مذ قليل فقط.. حكت باطن كفيها بحماس طفولي قائلة باندفاع.. (.. وهذه فرصة لأتذكر بعضا من معالم مدينتي الحبيــــــــــبة..).. سارت بخطوات مهرولة نحو بوابة المطار الضخمة لتخترقها كأحد الشهب النارية.. ليس هناك أجمل من البلاد العربية.. كم قرأت عن عظمة رجالها وحياء نساءها.. بلاغة اللسان والفقه.. الآثار العظيمة.. وهذا ما جعلها تدرس التاريخ العربي وتتعمق فيه.. نظرت لساعتها بنفاذ صبر تر كم سيسمح لها الوقت بالتحرر.. أشارت لأحد سيارات الأجرة المصطفة أمام بوابة المطار لتنطلق بها للبعيد.. لكنتها غريبة هذا أول ما لمحه السائق ذو الملامح الخشنة مما شجعه على استغلال انعدام خبرتها بالتعامل لكسب بعض العملات.. وبعيدا عن أفكاره الانتهازية كانت هي قد التصقت بالنافذة كطفلة مبهورة الأنفس.. تهمس بين الحين والآخر بتكبيرات متكسرة الحروف انشداها مما التقطته عينيها.. "سويسرا المغرب" كما هو معروف عنها.. مدينة ""إفران"" الثلجية.. وفي أوائل شهر شباط تتساقط الثلوج بتناغم على الأشجار الشامخة بزهو.. لترسم أبهى حلة لها.. كعروس هاربة بثوبها الأبيض من خيوط الشمس الدافئة.. تطلعت لغروب الشمس الذابل خلف الجبال المختمرة بشال الصقيع.. لوحة فنية متكاملة الألوان فلو اجتمع فنانوا العالم أجمع متحدين، لما خطت فراشيهم ما يماثلها.. انتفضت من تأملاتها حين سألها السائق بفضول.. (.. أأنت سائحة؟؟..).. ابتسمت بعفوية وهي تجيب بانطلاق.. (.. لا.. أنا مغتربة فقط..).. أدار المقود مستمرا في إلقاء أسئلته... (.. إلى أين الوجهة؟؟..).. نظرت للثلوج المكتسحة للطرقات، سيكون من الصعب الآن التمشي والتنزه كما خططت.. ستكتفي بكأس شاي في حديقة القصر الذاهبة له.. قالت بتقرير.. (.. إلى قصر ماجد الصياد..)... هز رأسه وهو يتأملها بفضول.. وجهها الأبيض الصغير الذي يحيطه بعض خصلات شعرها الليلكي الثائر من ربطتها.. عيناها ذي الأهداب الطويلة التي لا تكف عن الاتساع أبدا مذ استقلت سيارته.. لم يستطع كبح لسانه أكثر حين سألها.. (.. أيقربك السيد ماجد الصياد؟؟..).. رفعت حاجبيها من أسئلته اللحوحة.. فهي وإن عاشت في مجتمع منفتح لكنه لا يتدخل أبدا في الخصوصيات.. مطت شفتيها بغرابة.. (.. أظنه من غير اللائق أن تسألني في مثل هذه الأمور؟؟..).. قضمت لسانها بعتاب حين لمحت اهتزاز ذقنه من حرجه.. هي والصراحة رفيقان.. ليس من مقدورها المجاملة.. هزت كتفها بمرح لتخفف من حدة الموقف هاتفة بجذل.. (.. على كل الجو جميل..).. همهم بكلمات مبهمة تدل على استيائه.. تظاهرت بعدم الفهم وابتسامة مشرقة لونت ثغرها.. أرجعت حدقتيها دائمتا التوسع نحو النافذة لتتأمل تساقط الثلج النقي.. رافعة الكاميرا المحيطة بعنقها لتلتقط بعضا من الصور.. صورا ستظل ذكرى لأول يوم لها ها هنا.. أشعل السائق أحد الأغاني الأثيرة من مذياع سيارته ليرطب الجو المشحون قليلا.. فصدح الصوت كالأثير مطربا.. زامن الثلج المتساقط بكثافة.. تهادى رأسها بتعب على الزجاج الذي لونته طبقة من البخار المتجمد.. لتبادر بالرسم عليه بأناملها قلوبا تخترقها السهام المثلمة.. ثغرها القرمزي غاص في ابتسامته المتفاخرة كأنها رسمت لوحة تتهافت لها الأيادي لشرائها.. ما جعل أفكارها تقف عند حدها البوابة الحديدية الضخمة التي توقفت أمامها.. تطلعت بفضول من نافذتها بعد أن مسحت عليها بخفة بكفها لتتضح لها الرؤية أكثر.. أسدان قدا من رخام كتمثالين وضعا على الجانب.. تكابل الثلج عليهما ليزيد من صورة أثريتهما وهيبتهما.. تنهد السائق قبل أن يقاطع تأملها.. .. (.. قد وصلنا..).. هزت رأسها بدون معنى ورهبة القصر ألجمت لسانها.. قد تغير القصر.. تغير كل ما فيه.. وبات يحاكي غموض قصور قصص ألف ليلة وليلة.. مدت يدها ببعض النقود للسائق الذي ولى بسيارته عائدا أدراجه.. قصر يقع في أقصى الشمال.. بجانبه تقع بعض من القصور بعد نطاق بعيد.. رفعت رأسها للأعلى وبندقية حديدية غطى الثلج هيكلها الخارجي تحد البابين الحديدين من الوسط.. اقتربت بخطوات مترددة نحوها.. وكفيها المتعرقين -في هذا الجو القارس- يجتمعان في قبضة أمام صدرها الذي يعلو ويهبط بحماس وترقب.. رجعت للخلف برهبة حين علا نباح بعض من الكلاب ذات الحجم الضخم خلف تلك البوابة.. مسحت على جبينها بتعب وهي تقر الآن بأهمية هاته البوابة فإن لم يكن للأخيرة وجود لربما كانت لقمة سائغة بين أنياب تلك الكلاب.. وبينما كانت تخطو للخلف بخوف غدر بها أحد الحجارة لتصبح صريعة الأرض في ثوان.. تأوهت بصوت مكتوم.. يا إلهي ما الذي ينتظرها بعد؟؟.. تفحصت سروالها الأسود الجلدي بعناية حريصة فقد أنفقت فيه ما يقارب راتبها الشهري كاملا.. وجدت من يمد لها كفه صائحا بنبرة عربية صحيحة.. (.. أأنت بخير يا آنسة؟؟..).. رفعت وجهها الذي زاد بياضه عن ما كان قبلا لتتعرف على هوية هذا المنقذ ولو كان متأخرا.. بالطبع لن يأتي أمير همام لينقذها.. فقد كان ذاك –المنقذ المنتظر- سوى حارس ولو كان ذو بنية ضخمة كالمصارعين.. نهضت بخفة قبل أن تهمس بلكنتها المتكسرة بفكاهة.. (.. حمدا لله.. فإن لم أتعرض لإصابة جسمانية فقد نلت ما يكفيني من رهبة نباح الكلاب..).. تبسم بتودد لها.. متأملا حركاتها النشيطة وهي ترتب هندامها الملطخ ببعض الحبيبات الثلجية.. تنحنح قبلا ليسألها بجدية.. (.. لكن ما الذي تفعلينه هنا؟؟..).. شهقت بإجفال من سؤاله.. برطمت بشفتيها بعتاب طفولي.. (.. الله.. الله.. ألم تعرفني؟؟..).. قلب شفتيه بتهكم.. (.. والله أستمحيك عذرا فلست ساحرا لأكشف الهوايات من الأوجه فقط أنا لا مؤاخذة حارس بسيط..).. مطت شفتيها للجانبين باستياء.. لكن قبل أن تفتح شفتيها لتجيب كان ذاك الصياح المفاجئ هو الأسبق في الوصول للأذان.. (.. سحـــــــــــــــــــر!!..). . التفت بتحفز لهذا الذي صاح باسمها.. اتسعت حدقتيها بمفاجئة لتهتف بدورها وهي تصفق بتحفز.. (..شمــــــــــــــــوس!!..).. هرولت في اتجاهها لتلتقفها بحضنها المشتاق الصائح بلهفة.. ارتدت شموس للخلف إثر قوة الدفع التي باغتتها لتسقط بغتة للأرض بحدة.. زادت سحر في ضمها وهي تطلق صيحات فرحة.. أبعدتها شموس بحدة عنها وهي تصيح بعتاب طفولي.. (.. لا حول الله.. أ دبابة أنت؟؟.. ما هذا؟؟.. أهذا ما تسميه بعناق؟؟..) طقطقت بلسانها في تعجب وهي تجزم بصدمة.. (..ستقتلين زوجك من الضمة الأولى يا دبابة..).. جذبت سحر خدا شموس كالمطاط وهي تقهقه بجذل.. (.. والله كبرت وستتزوجين..).. سحابة سوداء مرت على عينيها الفيروزيتين.. لكن بحنكتها تداركت الأمر لتقول بنبرة متعالية.. (.. بالطبع حبيبتي..).. رفعت الأخرى حاجبيها بحماس عاضة على شفتيها بترقب.. (.. أهو رومانسي؟؟..).. تلاعبت بالثلج كي تخفي توترها هامسة بتصنع.. (.. لا أريد تشويه عالمك الوردي حبيبتي فما زلت صغيرة..).. نهضت من على الأرض وهي تجذبها.. رفعت أحد حاجبيها بتغطرس.. (.. أتريدين المكوث هنا؟؟ لا مانع لدي فأنا لا أحب الثرثرة أصلا..).. (.. حقا؟؟..).. قالتها سحر وهي تمط شفتيها بزعل طفولي.. التفت شموس وهي تتشاغل بنفض الثلوج العالقة في معطفها ذي الفراء قائلة بقوة مصطنعة.. (.. أجــــل..).. وقبل أن تخطو خطوة للأمام تجمدت في مكانها حين أصابتها كرة ثلجية بقوة على رأسها.. التفت ببطء كزة على أسنانها بحنق.. (.. سحــــــــــــــر..).. لتهرول الأخيرة من قبضتيها بخفة مثيرة حنق الأخرى.. تأملهما الحارس بانشداه.. فالآنسة شموس المتكبرة تلعب بطفولة في الشارع بلا تحفظ.. ضيق عيناه بتفكير محاولا معرفة هوية هاته الزائرة الساحرة.. لكنه عاد خائب الرجا حين اختفيتا كلتيهما في الداخل ولا زال صياحهما يملأ المكان العريق..




تلاعب بأنامله الخشنة بذاك الخاتم الماسي البراق.. ها قد قارب الموعد على الانتهاء وسيصبح رجلا متزوجا.. آزر الصياد.. الذي عزف عن الزواج حتى كاد أن يصيبه سخط جده الأكبر.. وهذا ما لا يحمد عقباه ولا يرجوه.. ابنة عمه أهل لها وهي أهل له.. هذا كان قول جده في مجلس القبيلة.. أغمض عينيه وهو يتذكر دعوته للقبيلة مذ أشهر فاتت من أجل حل بعض الأمور المعقدة.. لكنه أدرك متأخرا أن تلك الأمور المعقدة ما هي إلا هو نفسه.. حين ضرب جده بعصاه القاسية من خشب الصندل مصدرا فرمانه الذي لا نقاش فيه بقرار زواجه من ابنة عمه شموس.. خرجت من صدره أنفاس متلبدة بجموده وغموضه.. قد صدر الحكم وما عليه إلا التنفيذ.. وضع ذاك الخاتم جانبا كأن فيه مرضا سيعديه، بعد أن حدجه بنظرات خاوية.. دلك رقبته بتعب منسحبا من حجاز مكتبه لمكان فسيح تتنفس فيه روحه المكلومة بصمت.. سينسحب لمكانه الأسعد الوحيد.. وضع عباءته السوداء المزخرفة بنقوش من الفضة على كتفيه.. هو الآن في مسقط رأسه.. قبيلة الصيادين.. عليه أن يلتزم بالقوانين الصارمة والتي تقع على رأسها أن شيوخ القبيلة عليهم أن يُلزموا باللباس التقليدي العريق.. أهمها العباءة.. فتح الباب بهدوء متلكئا في خطواته المهيبة.. طالع حراسه بنظرات آمرة قائلا بصوت أجش.. (.. ابقوا هنا..).. أومئوا بطاعة منسحبين للخلف بوداعة.. ليكمل سيره خارج القصر الأحمر الضخم.. قصر متوارث من مئات السنين.. قصر آل الصيادين.. شهد هذا القر أفراحا وأتراحا.. لون الدم ولون السعادة.. ...... نزل الدرج برتابة وهالة الفخامة تحيط به.. فإن ورث منصب الصيادين كان لا بد أن تحيطه تلك الهالة.. هالة الرهبة.. تتأمله الخادمات خلسة من خلف الجدران المزخرفة الضحمة.. مستنشقين عبق عطره الرجولي.. .... دلف خارجا بين الحدائق الواسعة اللامتناهية التي تحيط بالقصر.. غابات كثيفة مزدانة بشجر الصنوبر والصفصاف شاهقتي الطول.. مر بهن مستمتعا بصفعات الهواء البارد على وجهه.. وحفيف الأوراق يطرب سمعه المرهف.. لو أراد أن يضيع عمره في مكان ما لاختار هذا من دون منازع.. عيناه الرماديتان تتبعان سرب الطيور المهاجرة.. فاردة أجنحتها في كبد السماء وشمس المغيب كالعسل تلونها.. وصل لشجرته الموعودة.. شجرة الزيتون البالغة مائة عام.. زرعها جده الأكبر الأول.. مذ أن كانت هاته الأراضي محتلة من المستعمرين.. افترش الأرض بأريحية مستندا على جذعها برأسه.. شحنة قوة.. هذا ما يحتاجه وشجرته لن تبخل عليه بها أبدا.. استل كتابه من بذلته العصرية تحت عباءته.. رواية.. توارث حب القراءة من أمه.. بالرغم من أن القراءة والأدب يعتبر خاصا بعامة الناس ولا تليق بالشيوخ وعلية القبيلة والقوم.. فيختلي بنفسه هاربا للقراءة.. كان قد قارب على صفحات النهاية.. لكن عقيق أحد الصقور ألهاه وشتت تركيزه.. وضع الكتاب جانبا وذاك الصقر يجثم على مرفقه بخضوع.. داعب آزر ريشه بفخر وهو يكلمه.. (.. إذن يا فخر أ حلقت اليوم كما تحب في العالي؟؟..).. أومئ ذاك الصقر برأسه كأنه يفهم ما يقوله صاحبه.. استمر آزر في مداعبته وملاعبته.. "فخر".. الصقر الذي أهداه جده إياه في صغره.. أمره بأن يجعله مطيعا قويا.. ففعل، لكنه بدل أن يذيقه تمارينا قاسية جعله يثق فيه بمداعبته وكلامه معه.. فأحبه.. وحين ذهب راكضا ليري إنجازه لجده.. استشاط الأخير غضبا فكسر عنق الصقر.. قائلا بجمود.. (.. أنت هكذا كسرته.. لم يكن عليك أن تجعله يحبك بل أن يخاف منك.. الحب يكسرك.. فلا تقع في الحب أبدا لأنك ستكسر..).. كم بكى ليلتها حزنا على صديقه.. وقسوة جده.. لكن ما باليد حيلة.. إذا كانت نهاية طريق الحب هي الكسر.. فلن يسلكه أبدا.. فتح عينيه الحمراوين من صديد ذكراه.. لا للحب مكان في قلبه ولا معتقداته.. لذا لم يكن لقرار زواجه أية رد فعل.. بل هذا أفضل.. لا يريد أن يحب أحدا ليكسره.. فقد كانت أول الأبجديات التي تعلمها مذ نعومة أظافره هي الكسر.. عصفت بحار فضته الرمادية هياجا مطلقا صقره ليحلق بقوة للفضاء..



أمسكت سحر بكأس الشاي بين كفيها المتجمدتين من البرد.. ارتشفت بعضا من قطراته وهي تبتسم بحالمية.. اليوم هو يوم شموس الأخير لها معهم.. مذ أن وصلت وهما يلعبان بالثلج.. كم شعرت بالسعادة حين اخترقت ضحكات شموس أذانها.. الغبية!!.. تظن أنها لم تلاحظ غمامة الحزن التي تسيطر على ملامحها الناعمة.. لم تعرف السبب بعد.. كم حاولت أن تسحب منها بعضا من الأجوبة لتطفئ نار قلقها.. لكنها لا تجيبها سوى بكلمات مبهمة، لطيفة، غبية، مثلها تماما.. ستعرف السبب آجلا أم عاجلا.. فدمية "باربي" لا يناسبها الحزن مطلقا.. أسندت كأس الشاي جانبا فاردة كفيها أمام المدفئة وشالها الأبيض الذي ناقض شعرها فاحم السواد يلفها بقوة من كتفيها.. زفرت بخفوت وأنظارها تنتقل بعفوية نحو النافذة الزجاجية الضخمة التي تعرض مشهد تساقط الثلوج بغزارة.. ضحكت وفكرة أن شموس ستزف في مثل هذا الجو تضحكها.. مجنونة.. اختارت هذا الوقت من السنة لأن الثلوج تتهاطل بكثرة فتلغي العديد من تقاليد الزفاف التي لا تطيقها.. لو كان مدير عملها يعلم بهويتها الحقيقية لسمح لها بأخذ إذن الإجازة سابقا لكن و يا لطبع المدراء المتيبس مع المتدربين من عامة الشعب تدفعها للجنون.. لم يكد يسلمها ورقة الإجازة حتى نهل من قوتها النسبة الأكبر.. فلو أتت قبلا لألزمتها بتطبيق جميع مراحل الزواج التقليدي.. وقفت مدبرة المنزل فوق رأسها لتخبرها بعودة أصحاب القصر.. وما كادت المدبرة تكمل ما جاءت لقوله حتى تجاوزتها سحر بفرحة طفولية لم تستطع كبحها.. ..... كان ماجد واقفا يراقب هطول الثلج بفخامة.. حاجبيه الكثيفين ينعقدان بتفكير سرعان ما طار أدراج الرياح حين تعلق أحدهم في ظهره صارخا بشوق.. (.. أبــــــــــي..).. لم يصدق أذناه أولا.. نفس اللكنة والصوت الطفولي.. التف بسرعة وعيناه تتوسعان بصدمة.. (.. سحر..).. همس بها بدون تصديق وهو يسحبها لحضنه الواسع.. تمرغت في حضنه وهي تبكي بتأثر.. رفع وجهها بين كفيه مهمهما بعدم تصديق شل لسانه للحظات.. (.. عدت.. عدت أخيرا يا سحري..).. أومئت برأسها ودموعها تنهمر دونما هوادة.. سألها بعتاب وهو يتلقفها في حضنه مجددا.. (.. ولما لم تخبريني سابقا؟؟ من جلبك من المطار؟؟..).. ابتعدت عنه عاقدة حاجبيها باستغراب.. (.. كيف؟؟ ألم يكن لديك علم قد أخبرت أمي بعودتي.. ألم تخبرك؟؟..).. احتدت ماقتيه لثواني قبل أن يربت على رأسها بحنو متداركا انفعاله بتقدير.. (.. لا، لم تفعل..).. قهقهت بصفاء وهي تهمس.. (.. لا تلمها.. المسكينة أمي، ستكون ترتيبات الزفاف قد أنستها..).. أسندت رأسها على صدره وهي تسأله.. (.. وعلى ذكر الأمر أين هي أمي؟؟..).. انفرجت شفتيه ليجيب لكن دخول أحد السيدات ذواتي الهيئة الخلابة جعله يصمت.. ابتعدت عن حضنه مسرعة نحو الداخلة من جديد وهي تصيح بنفس نبرتها المرحة.. (.. أمـــــــــــي..).. تجمدت ماقتي تلك السيدة لثواني.. عيناها الزرقاوان صارتا شفافتين وكأنهما مرآة على وشك الانكسار.. رفعت ذراعها الأيمن بثقل نحو ظهرها لتربت عليه بفتور.. كان أمجد يراقب المشهد من بعيد وعيناه تحتدان بوعيد.. التقت أنظارهما لثواني كأنها الحرب الباردة.. ابتعدت سحر لتقبل وجنة أمها بشوق.. (.. اشتقتك يا أمي..).. جذبتها من كفها نحو أبيها وهي تبادر بحماس.. (.. ست سنوات مرت ولم أر أي واحد منكم.. مذ آخر زيارة لكم لي في المدرسة وقد كان عمري حينها 14 سنة..) انتفضت عضلة في فك أمجد ساحبا سحر لحضنه يقبل رأسها بحنان.. (.. والآن قد عدت.. ولن تعودي أبدا لن أتركك مجددا يا سحري..).. رفع عينين متحديتين للبؤبؤيتين الزرقاوين هامسا بتأكيد وأحد حاجبيه ارتفع بشك.. (.. صحيح يا عالية؟؟..).. تصنعت الأخرى ابتسامة مجاملة وشفتاها تهتزان بتوتر.. (.. أكيد..).. ما أخمد حدة الموقف هو دخول شموس ببرطمتها التي تتصنع الغيرة.. لان الجو قليلا لكن الأعين لم تخف حدتها.. وكان لماجد نصيب الأسد في هاته الحدة.. ...... بعد حين من الوقت تناولت الأسرة العشاء مجتمعين في جو لم يخل من مغامرات سحر بلكنتها المنكسرة الغريبة التي تدخل البهجة للقلوب بسماعها فقط.. لكن لم تكن جميع الوجوه مرتاحة.. قبل أن تنسحب شموس ساحبة سحر خلفها.. ................ طالع ماجد وجه علياء المتوتر بتأنيب قاس.. أبعد كأس الماء من شفتيه هامسا بهدوء.. (.. الحمد لله..).. طالعته علياء بخوف.. بروده لا تستسغه.. أسيكون الهدوء الذي يسبق العاصفة؟؟.. بخطوات مرتكبة لحقت به.. كان قد أصبح في مكتبه.. نظرت لبابه المغلق في ترقب.. تخاف المواجهة.. فكيف/ بما ستبرر الأمر؟؟.. جرت قدميها الرخوتين نحو الباب لتطرقه بخفوت.. كلمة واحدة بصوت أجش شجعتها على فتح البوابة والدخول.. أغلقت الباب متقدمة نحو مكتبه الفسيح.. جلست أمامه تطالعه بنظراتها المرتبكة.. في حين كان هو منكبا على بعض الأوراق يطالعها بتركيز ونظارتيه تزيد من هيبته.. تنحنحت بخفوت كي تجلي حلقها.. داعبت عنقها بأناملها المرتبكة كأنها تشجع نفسها لتناديه بخفوت.. (.. ماجد..).. لم يرفع عينيه عن أوراقه بل كان رده سوى هدوء يقطعه صوت ارتطام الثلوج الرتيب على نافذة مكتبه.. همست بانكسار وهي تسبل عيناها.. (.. أنا آسفة..).. رفع عينيه نحوها يحدجها بقوة.. يربت على سطح المكتب بقلم حبره الذهبي ليزيد الصوت الرتيب من توترها.. قال بهدوء.. (.. ظننت أنك تجاوزت الأمر..).. وكأن هدوؤها ما كان إلا قشرة سرعان ما انحلت منها إذ احتدت ماقتيها برفض قاطع لما قاله مجيبة باندفاع.. (.. لن أتجاوزه أبدا.. وأنت تعلم الأمر جيدا..).. ضيق عينيه مشدوها من ردة فعلها العدائية.. توقف عن الضرب بقلمه.. (.. قد مرت عشرون سنة يا علياء..).. استند بذقنه على مرفقيه وهو يسألها.. (.. لنفترض أن تكون الموازين مقلوبة، أ كنت ستقبلين؟؟..).. ملامحها انشدهت لبعض الوقت.. قبل أن تحتد مجددا.. (.. أرأيت يوما زوجة أب جيدة؟؟..).. صعق من ما قالته.. كز على أسنانها حانقا من لسانها الناري.. (.. هي لا تعلم بالأمر.. لما تحقدين عليها كل هذه الدرجة؟؟..).. هست من تحت أسنانها بحقد دفين.. (.. يكفي أنها ابنة تلك المرأة..).. انتفض كالملسوع من مكتبه صائحا بقوة.. (.. عليــــــــاء.. ولا كلمة عنها، اخرجي الآن..).. صعقت للحظة تطالع غضبه الكاسح.. لم تستطع التحرك لكنه ضرب المكتب بكفيه معيدا أمره بصوت جوهري.. (.. الـــــــــآن..).. لا يصل ماجد الصياد لذروة غضبه إلا إن ذكر هذا الموضوع بالذات.. استدارت بخوف لتغادر المكتب بعنفوان تتصنعه.. تراخى قدماه على الكرسي ليهمس كأنه يخاطب شخصا ما.. (.. آســــــــــف..)... وضع رأسه الذي غزته بعضا من خصلات الشيب مستمرا في همسه.. (.. أنا آســف..)..
......
.....
.....
.....
أشرقت شمس يوم جديد.. لتعلن ولادة اليوم الموعود.. زفاف شموس وآزر الصياد.. شموس الفتاة التي تهافت عليها المعجبون سابقا لتلقي عليهم سوى نظرة ستكون ضحية لزواج مدبر.. وهذا لإرضاء جد العائلة المبجل.. تلبدت مشاعرها بغيوم خيبتها.. ولو أنها لم تصل لدرجة الحالمية التي تملكها جل الإناث.. إلا أنها توقعت بأبسط تقدير أن تتعرف عليه قبلا.. صحيح هو ابن عمها.. لكن بعده عنها كبعد الأرض عن السماء.. ما تعرفه عنه هو أنه دائم العبوس.. هذا فقط ولا شيء آخر.. ...... دارت شموس بفستانها الأبيض كدمية شقراء فاتنة.. يهفهف الفستان من حولها بفخامة.. تحيطها هالة ملائكية ساحرة.. كخيوط الشروق الأولى للشمس بدت.. تسحر الأنظار وتخطف القلوب والألباب.. تاجها الماسي يزين فروة رأسها التي أنبتت سلاسل من الذهب المصفى اللامع.. طرحتها الشفافة التي تغطي عينيها الفيروزيتين لفتها بسكون ساحر.. تأملتها سحر بحدقتيها السوداوين بإعجاب واضح لتصيح بتهليل.. (.. خلابة يا شموسي..).. ضحكت شموس برقة وهي تضم باقة زهر الجوري الأحمر.. كفستان سحر.. عادة متوارثة في عائلتها بأن تحمل العروس باقة أزهار بنفس لون فستان أختها.. بكت سحر بتأثر وكلمات غير مفهومة تتسرب من ثغرها الذي يكتم شهقة بكاءها.. سحبتها شموس لحضنها.. فأطلقت سحر العنان لعبراتها أخيرا.. قالت شموس بتهكم.. (.. أنا العروس ولم أبكي بقدرك.. هيا لمي الدور..).. تغضن أنف سحر من برود أختها لتقرصها بعتاب.. (.. لا حول الله.. ولا ذرة رومانسية واحدة؟؟.. فليرزق الله زوجك و-ابن عمنا- الصبر والسلوان..) مطت شفتيها للجانبين كالعجائز مغمغة باستياء.. (.. سبق السيف العذل والمسكين الآن وقع في الفخ..).. ضحكت شموس بسخرية بداخلها.. الرقيقة سحر.. تظن أن ابن عمها رجل متيم بحبها لحد النخاع.. لا تدري المسكينة أنه سيحطم عالمها الوردي إن تعرفت على شخصه.. رفعت عيناها الذابلتين للمرآة وهي تتمنى أن يرزق أختها برجل يحبها ويقدر طيبتها.. عادت بها ذاكرتها لليلة أمس حين سحبتها لغرفتها.. هجمت سحر عليها بسيلولة من الأسئلة التي فرت منها بحنكة.. فأقنعتها بأنه رجل مرح مقدام والأهم كما قرأت في التاريخ العربي هو شيخ لأحد القبائل المعمورة.. ضحكت بخفوت واتساع عيني سحر وتنهداتها الحالمة يعودان ليسخرا من حالها.. ولن تنسى صيحة الحماس التي جعلت الطيور تفر من أعشاشها حين أخبرتها.. (.. صحيح يا سحر بعد عقد القران سنتوجه للقبيلة مباشرة كي نتمم الزفاف هناك حسب عادات الصيادين..).. صرخت سحر بحماس طفولي وهي تقفز على السرير بمرح.. (.. أجواء رائعة يا شموسي.. ستتزوجين بطريقة رائعة.. أحصنة ومفرقعات وحناء..).. هزت رأسها من ما داهمها من ذكريات حين هتفت سحر بجذل وهي تطل من شرفة أختها الزجاجية.. (.. أظنهم قد وصلوا..).. رفعت طرف فستانها قليلا لتتخذ حريتها في السير.. سألتها سحر بفضول.. (.. أرني شيخ الشباب..).. قلبت عيناها بسأم وهي تضحك بداخلها متهكمة بسخرية ولو "شيخ العبوس".. رفعت الطرحة لتتضح لها الرؤية.. كان منتصبا في الأسفل بشموخ.. أمام أبيها ويرتدي.. مهلا أسيرتدي في زفافها عباءة؟؟.. تنهدت بضيق وهي تشير بإصبعها في اتجاهه.. (.. صاحب العباءة السوداء..).. اصطبغ وجه سحر بحمرة طفيفة وهي تدقق فيه.. يمثل وبشدة الأمراء العرب قديما.. شعره الكثيف الأسود وكذا طوله الشاهق.. لحيته الخفيفة المشذبة بعناية.. والأهم عباءته المطرزة.. تنهدت بهيام مصطنع.. (.. كأنه فارس مقدام..).. زمت الأخرى شفتيها بازدراء.. كابحة رغبتها في السخرية منه.. لكنها صاحت باستفزاز وابتسامة ماكرة تلون محياها.. (.. سأخبره إذن..).. أصبح وجه سحر أحمرا من خجله وهي تصيح بحدة.. (.. لا..).. ضحكت شموس باستمتاع من منظرها.. تمثل سحر الهشة العروس المثالية بحق.. لكن لعريس آخر.. فآزر لا يستحقها.. قضمت لسانها وهي تجد نفسها تتخيل لهذا الذي سيصبح زوجها -بعد لحظات- عروسا أخرى.. جلست بتعب على سريرها جاذبة هاتفها الموضوع بإهمال على أحد الخزانات.. المئات من رسائل التهنئة والمباركة.. كانت ستقفل الهاتف فليس الوقت مناسبا للرد والكلام المعسول.. أعصابها مشدودة وتكاد تنفجر.. لكن ما استوقفها رسالة ما.. من رقم مجهول.. فتحتها بفضول لتقرأ محتواها.. اتسعت ماقتيها برعب وصدمة، كلما استمرت في قرآءة ما بعثه ذاك الرقم المجهول.. وختمها بصورة لها.. وهي بفستان زفاف!!.. لكن وليس هي بهذا.. بل بآخر وتتعلق بذراع رجل آخر.. مجهول الملامح.. كتمت شهقتها وهي ترى التاريخ.. مذ أربع سنوات تحديدا.. مادت بها الأرض واضطربت سفن أفكارها.. ألن تكف الحياة عن مفاجئتها؟؟.. انتصبت على قدميها الرخوتين وهي تسحب سحر المشدوهة بصدمة.. هال سحر رؤية الشحوب الكاسح في وجهها.. سألتها بقلق.. (.. ما الأمر يا شموس؟؟ لما تبدين شاحبة هكذا؟؟..).. همست شموس بكذب وهي تحاول مداراة رجفتها.. (.. سأدخل دورة المياه اسبقيني للأسفل..).. عقدت سحر حاجبيها وهي تسألها بفضول.. (.. أأنت بخير؟؟ أمتأكدة؟؟..).. ابتسمت الأخرى بشحوب.. (.. بالطبع مجرد مغص خفيف..).. مثلت أنها ستذهب لدورة المياه فانسحبت سحر وقد عاد المرح يغطي ملامحها.. رفعت شموس كفها نحو فمها تكتم شهقة بكائها.. أزالت الطرحة بعنف لتنسدل شموس خصلاتها على ظهرها المتهدل بحزن.. رفعت ذيل الفستان وقد لمعت عيناها بقوة.. فتحت النافذة التي تطل على الحديقة الخلفية.. تأملت الجو الخال بحدقات متزعزعة قبل أن تقفز بقوة.. هـــــاربة في ليلة زفافهـــــــــــا.. هروبا افتراضي..


لقائنا الأسبوع المقبل في نفس الموعد:elk : أرائكن جميلاتي بالتفصييل ودمتم سالمين...



التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 16-08-17 الساعة 11:27 AM
صفاء_الروح غير متواجد حالياً  
قديم 15-08-17, 11:49 PM   #3

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

[imgr]https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSXZfdyujStnPaYfy9wmsfFg8t-gfB2JdVzZlCPrjpkJaT-B4bP[/imgr]

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

قديم 16-08-17, 11:29 AM   #4

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك الاطلاع على موضوع تعدد العضويات فهو مهم جداً
https://www.rewity.com/forum/t291277.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html


um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





قديم 16-08-17, 09:53 PM   #5

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
Bravo

(.. أنت هكذا كسرته.. لم يكن عليك أن تجعله يحبك بل أن يخاف منك.. الحب يكسرك.. فلا تقع في الحب أبدا لأنك ستكسر..)..

تتغير النفوس كتبدل الفصول..
فتكون تارة حارة تلهب المشاعر بشمس عاطفتها..
وأخرى قاسية تحضنها بصقيعها..
وأخرى تهتز نفوسها فتتساقط أرواحها ذابلة بانكسار..
وتارة تزهر بريعان يفوح شداه ببتلات سعادتها..
لكنه هو الشيطان..
لم يهيمن على روحه ولا فصل..
كأن روحه نبذت من الفصول كذلك
.. مجرد جمود.. وهدوء..
عواصف ترعد بحصى سجين براعم تفتحت بحياء في روحه المتصدعة
.. ذابلة قبل تفتحها..
غيوم متلبدة تحجب الضياء المتذلل بقسوة لينير..
فينقشع النور ويشرق الظلام.. كل ما هو عليه قاس كاسمه..
فلا لوم يقع عليه..
فالحجر لا يلام إن انشق من الجبل..
بل يزيد في إبراز قسوته أكثر فأكثر..
ليصبح جبلا مع سيرورة الأيام.. .....




modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

قديم 16-08-17, 09:56 PM   #6

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

[imgr]https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQvTr9DV0XTqadTIs3dvWRgiheRydgh2 uxgBvV9GboHBlEwGq7qVA[/imgr]
















[imgl]https://i.ytimg.com/vi/P_Pmb04Cv5k/hqdefault.jpg[/imgl]





[imgr]https://i.ytimg.com/vi/7EnpSYdaVmc/hqdefault.jpg[/imgr]


[imgl]https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT67wHdXKP9eS3Kw_FCHifVNicV6QtW8 R_f3lmiQUxT_dK5tOvg[/imgl]




[imgl]https://up.graaam.com/uploads/imag-6/uploadadf818f060.jpg[/imgl]


modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

قديم 16-08-17, 09:57 PM   #7

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

[imgr]https://www.rue20.com/wp-content/uploads/2015/08/bern.jpg[/imgr]

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

قديم 16-08-17, 10:25 PM   #8

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
Elk

. هـــــاربة في ليلة زفافهـــــــــــا
اذا ستهرب ل الشيطان صوان زوجها المفقود ام هي من فقدت الذاكرة
وسحورة هي المناسبة ل ازار شيخ الصبادين هي من ستحيي قلبه الميت
جميلة جدا في انتظارك


modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

قديم 16-08-17, 10:53 PM   #9

fatifleur12

? العضوٌ??? » 321973
?  التسِجيلٌ » Jul 2014
? مشَارَ?اتْي » 745
?  نُقآطِيْ » fatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حبيتها كتير في انتظار البارت الثاني

fatifleur12 غير متواجد حالياً  
قديم 16-08-17, 11:02 PM   #10

sosomaya

? العضوٌ??? » 331749
?  التسِجيلٌ » Dec 2014
? مشَارَ?اتْي » 612
?  نُقآطِيْ » sosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond reputesosomaya has a reputation beyond repute
افتراضي

يسلمو كتير عالرواية الحلوة

sosomaya غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:17 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.