آخر 10 مشاركات
واثق الخطى ملكاً فى قلبي *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : حياتى هى خواتى - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          أسيـ الغرام ـاد -ج2 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائــد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          قطار الحنين لن يأتي *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : رُقيّة - )           »          فجر يلوح بمشكاة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          لُقياك ليّ المأوى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : AyahAhmed - )           »          كاثرين(137)للكاتبة:Lynne Graham (الجزء1من سلسلة الأخوات مارشال)كاملة+روابط (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > الأقسام العامه > الملتقى الإسلامي

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-01-08, 03:29 AM   #1

بحر الندى

مراقبة عامة وقائدة فريق التصاميم والفوتوشوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية بحر الندى

? العضوٌ??? » 166
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 21,296
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » بحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc
¬» اشجع naser
?? ??? ~
ربي ثقتي بك كبيرة .. و انت الحامي لي من كل ضرعدو .. فخذ حقي منهم بقدرتك و قوتك ..وحسبي الله ونعم الوكيل,,
?? ??? ~
My Mms ~
ALARM [..*..][... الهجرة النبوية .. منعطف تاريخي ...][..*..]


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هجرة نبوية

هي الهجرة التي قام بها محمد بن عبد الله رسول الإسلام )صلى الله عليه و سلم (إلى المدينة المنورة بعد 13 سنة من بعثته وكانت المدينة المنورة تسمى يثرب.
الدلالة اللغوية لللهجرة
يقصد بها: الخروج من أرض إلى أرض ، وانتقال الأفراد من مكان إلى آخر سعيا لتحقيق أغراض للمهاجر.


الدلالة الدينية
ولما كان الانتقال جهدا لأصحابه نفسيا وماديا حيث يترك أرضه الأولى وما له فيها من ذكريات ومنافع، إلى أرض أخرى جديدة لا يدري ماذا يحدث له فيها: كان التوجيه القرآنى والترغيب النبوى مصاحبا للمهاجرين الذين اضطهدوا في أرضهم لإيمانهم بربهم وما اقتضاه إيمانهم من إنتقالهم إلى العبادة الصحيحة والمعاملة الحسنة ومكارم الأخلاق ، فأخرج المؤمنون من ديارهم ، وأوذوا في سبيل الله ، فكان التوجيه النبوى أن تكون الهجرة لله وحده "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" ، يؤجرعليها بما جاء من الوعد الصادق، "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، من أغراض محدودة. قال تعالى في بيان مكانة المهاجربن في سبيله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{البقرة-218}. وقال سبحانه: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ{آل عمران-195}.
وكما أثنى الله على المهاجرين أثنى على من أحسنوا استقبالهم ونصرتهم قال جل شأنه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}التوبة:100 ، وقال سبحانه: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}الحشر:6.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار"[1].

الهجرة إلى الحبشة (الأولى والثانية)
الهجرة الأولى إلى الحبشة: وقد هاجر المؤمنون عندما اشتد بهم تعذيب المشركين بمكة المكرمة إلى الحبشة مرتين. قال الرسول صلى
الله عليه وسلم للمعذبين: "إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ، فالحقوا ببلاده ، حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه". تقول السيدة أم سلمة رضي الله عنها: "فخرجنا إليها أرسالا حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا ولم نحس منه ظلما)[2].

الهجرة الثانية إلى الحبشة:
ثم بلغ المهاجرين إلى الحبشة أن أهل مكة أسلموا، فرجع بعضهم فلم يجدواالخبر الصحيح فرجعوا إلى الحبشة، وهاجر معهم في الهجرة الثانية جماعة آخرون.
وكان المهاجرون يعبرون عن دينهم وما دعاهم إليه خير تعبير مما يدعو الآخرين إلى احترامهم وتقديرهم إذ أحسنوا في عرض عقيدتهم وأخلاقهم ، دون تضليل أو كذب ولو كان فيما يقولون بعض المخالفة لما كان عليه أهل الحبشة من تحريف في المعتقدات.


الهجرة الكبرى إلى المدينة
وكانت الهجرة الكبرى - والتى أذن الله فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم بتحقيقها وأراه موضعها - إلى المدينة المنورة، فاتخد الرسول صلى الله عليه وسلم لها أسبابها ، واختار فيها الرفيق ، والدليل الخبير، وأمن مصدر الزاد ، والأخبار والمتابعة، ورد الأمانات إلى أصحابها ، وواجه طغيان المشركين بتدبير محكم ، ومضى في طريق هجرته ومعه الصديق أبو بكر، وفشلت محاولات المشركين في تتبعه وإعادته وتجلت عناية الله في الطريق وشهدت بذلك "أم معبد" كما شهد سراقة حتى وصل إلى المدينة المنورة فاستقبل بفرح المؤمنين ،

وأقام مسجدا وحمل فيه الحجارة مع أصحابه ،
وآخى بين المهاجرين والأنصار،
ووضع ميثاقا عظيما لتنظيم العلاقة بين المقيمين من المهاجرين والأنصار واليهود في المدينة المنورة
وظهرت آثار الهجرة في مغالات التأسيس للدولة والأمة،
وسميت المدينة بدار الهجرة والسنة كما في صحيح البخارى، وصارت الهجرة إليها من سائر الأنحاء الأخرى التى بلغها الإسلام تقوية للدولة إلى أن قال النبى صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجاً : "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا" (متفق عليه) وبقي معنى الهجرة في هجر ما نهى الله عنه ، وبقت تاريخا للأمة.


الهجرة وبداية التأريخ الهجري
للهجرة عند المسلمين معان عميقة في الوجدان والعقيدة، إذ تفصل بين الحق والباطل بالهجرة إلى الله، بالهجرة من الشرك والكفر إلى الإسلام، وبذلك تعد الحد الفاصل بين عوائد المجتمع الجاهلي ونظامه وتأسيس دولة الإسلام بالمدينة المنورة. ولذلك كله بدأ التأريخ الهجري أو (تقويم هجري) عند المسلمين انطلاقا من سنة الهجرة النبوية من مكة إلى يثرب التي أصبحت بعد ذلك تسمى المدينة المنورة.
........................
[..*..][... الهجرة النبوية .. منعطف تاريخي ...][..*..]



[..*..][... الهجرة النبوية .. منعطف تاريخي ...][..*..]

تطلق "الهجرة" على الترك والتخلي عن الشيء , فالمهاجر من هجر ما نهى الله عنه - كما في الحديث الشريف - ، وهي بهذا المعنى مطلقة من قيود الزمان والمكان ، إذ بوسع كل مسلم أن يكون مهاجراً بالالتزام بأوامر الله والهجر للمعاصي .

لكن الهجرة النبوية تتعلق بترك الموطن والانخلاع عن المكان بالتحول عنه الى موطن آخر ابتغاء مرضاة الله رغم شدة تعلق الانسان بموطنه وألفته للبيئة الطبيعية والاجتماعية فيه ، وقد عبّر المهاجرون عن الحنين الى مكة بقوة وخاصة في أيامهم الأولى حيث تشتد لوعتهم .

وتحتاج الهجرة الى القدرة على التكيف مع الوسط الجديد "المدينة المنورة" حيث يختلف مناخها عن مناخ مكة فأصيب بعض المهاجرين بالحمى ، كما يختلف اقتصادها الزراعي عن اقتصاد مكة التجاري ، فضلاً عن ترك المهاجرين لأموالهم ومساكنهم بمكة . لكن الاستجابة للهجرة كانت أمراً إلهياً لابد من طاعته ، واحتمال المشاق من أجل تنفيذه . فقد اختار الله مكان الهجرة ، كما في الحديث الشريف "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة الى أرض بها نخل ، فذهب وهلي الى أنها اليمامة أو هجر , فاذا هي المدينة يثرب" .

وما أن بدأ التنفيذ حتى مضت مواكب المهاجرين تترى نحو الموطن الجديد .. دار الهجرة .. وقد شاركت المرأة في حدث الهجرة المبارك منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية التي تعرضت لأذى بالغ من المشركين الذين أرادوا منعها من الهجرة ثم استلوا ابنها الرضيع منها حتى خلعوا يده ..

لكنها صممت على الهجرة ونجحت في ذلك رغم الاخطار والمصاعب . وخلدت أسماء بنت أبي بكر ذكرها في التأريخ وحازت لقب ذات النطاقين عندما شقت نطاقها نصفين لتشد طعام المهاجرَين ، رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر رضي الله عنه وقد تتابعت هجرة النساء في الاسلام حتى شرعت في القرآن {
إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} - الممتحنة 10 - ونزلت الآيات الكريمة تأمر بالهجرة وتوضح فضلها منذ السنة التي وقعت فيها لغاية سنة 8هـ عند أوقفت الهجرة بعد فتح مكة واعلان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله ( لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا ) .

والأمر بالهجرة الى المدينة لأنها صارت مأرز الايمان وموطن الاسلام ، وشرع فيها الجهاد لمواجهة الاعداء المتربصين بها من قريش واليهود والأعراب ، فكان لابد من إمدادها بالطاقة البشرية الكافية مما يفسر سبب نزول القرآن بهذه الآيات الواعدة للمهاجرين : {
إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله} - البقرة 218 - {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة} - النحل 41 - { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة } - النساء 100 - .


وقد حاز المهاجرون شرفاً عظيماً في الدنيا فضلاً عن ثواب الله ووعده الكريم ، فقد اعتبروا اهل السبق في تأسيس دولة الاسلام فنالوا رضى الله والقربى منه {
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم } وهكذا خلد الله ذكرهم في القرآن الذي يتعبد المسلمون بتلاوته الى آخر الزمان .

الهجرة من سنن الأنبياء عليهم السلام

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أول نبي يهاجر في سبيل الله بل مرّ بهذا الامتحان كثير من الانبياء .. وقد أخبرنا الله تعالى بأن ابراهيم عليه السلام هاجر من موطنه الى مصر وغيرها داعياً الى التوحيد ، وأن يعقوب و يوسف عليهما السلام هاجرا من فلسطين الى مصر وأن لوطاً هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته . وأن موسى عليه السلام هاجر بقومه من مصر الى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون .

وهكذا فان الهجرة من سنن النبيين ، وقد كانت هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة لهجرات النبيين . وكانت نتائجها عميقة شكلت منعطفاً تاريخياً حاسماً .


المنعطف الحاسم


لقد أدت الهجرة الى قيام دولة الاسلام في المدينة ، والتي أرست ركائز المجتمع الاسلامي على أساس من الوحدة والمحبة والتكافل والتآخي والحرية والمساواة وضمان الحقوق ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو رئيس هذه الدولة وقائد جيوشها وكبير قضاتها ومعلمها الأول . وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم شريعة الاسلام ، وكان القرآن ينزل بها منجماً ، فكان الصحابة يدرسون ما ينزل ويطبقونه على أنفسهم ، ويتعلمون تفسيره وبيانه من النبي صلى الله عليه وسلم فتكون جيل رباني تمكن من الجمع بين عبادة الله وعمران الحياة وعمل تحت شعار : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا .

وفي خلال عقد واحد توحد معظم الجزيرة العربية في ظل الإسلام ، ثم انتشر في خلال عقود قليلة تالية ليعم منطقة واسعة امتدت من السند شرقاً الى المحيط الأطلسي غرباً حيث آمن الناس بالاسلام ، واستظلوا بشريعته العادلة واقاموا حضارة زاهرة آتت أكلها قروناً طويلة في حقول التشريع والتربية وعلوم الكون والطبيعة.



فما أحوج المسلمين اليوم إلى هجرة إلى الله ورسوله: هجرة إلى الله بالتمسك بحبله المتين وتحكيم شرعه القويم، وهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، باتباع سنته، والاقتداء بسيرته، فإن فعلوا ذلك فقد بدأوا السسير في الطريق الصحيح، وبدأوا يأخذون بأسباب النصر، وما النصر إلى من عند الله.

ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.


..............يتبع...............

و الان مقالات عن اهمية الهجرة النبويه




بحر الندى غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 08-01-08, 03:31 AM   #2

بحر الندى

مراقبة عامة وقائدة فريق التصاميم والفوتوشوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية بحر الندى

? العضوٌ??? » 166
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 21,296
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » بحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc
¬» اشجع naser
?? ??? ~
ربي ثقتي بك كبيرة .. و انت الحامي لي من كل ضرعدو .. فخذ حقي منهم بقدرتك و قوتك ..وحسبي الله ونعم الوكيل,,
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الهجرة النبوية.. سِرّية واستراتيجية
محمد عبده يماني *


شاء الله ان تكون الهجرة النبوية هي الحدث الثاني المهم بعد البعثة النبوية الكريمة ونزول القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ينظر بعمق في خطوات الهجرة النبوية وترتيباتها يلاحظ انها لم تتم بصورة عفوية ولا بتحرك عشوائي او مجرد رغبة في الخروج او الهروب من مكة المكرمة، ولكنها كانت نقلة استراتيجية مهمة حرص فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على حماية الدعوة بعد ان اشتد الضغط عليها في مكة المكرمة، وازداد عناد قريش وظلمها وقسوتها عليه وعلى اتباعه رضوان الله عليهم، حتى امعنت فيهم تعذيبا وظلما بدون وجه حق، فكان لا بد من الانتقال الى مكان أمن آخر يسمح للدعوة بأن تتنفس الصعداء، فجاء امر الله عز وجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الاذن بالهجرة، ولكن المتتبع لمراحل الهجرة النبوية يلاحظ ان النبي، صلى الله عليه وسلم، احاطها بسرية كاملة، حرص فيها على ألا يعلم احد بموعد الهجرة ولا طريقها، ولا وجهتها، واخفى كل ذلك حتى عن اقرب المقربين له سيدنا ابي بكر الصديق، رضي الله عنه، الرجل الذي وقف معه وآمن به وآزره، وأحبه حبا عظيما. وكان هذا الصحابي الجليل اول من آمن من الرجال برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبدعوته، ومع ذلك اخفى النبي، صلى الله عليه وسلم، خطة الهجرة وخطواتها عنه وعن الجميع، وهو بهذا يعلم الأمة كيف يتصرف القائد عندما يتصدى لحدث مهم، او ينتقل الى مرحلة أخرى، وكأننا به يعلمنا ويعلم الأمة: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، فأحاط ترتيبات الهجرة بسرية تامة، وعندما بدأ يتحدث الى ابي بكر الصديق، رضي الله عنه، في المرحلة الأخيرة، انما كان يوجهه حتى يعد لوازم الرحلة وأدواتها من رفيق خبير بالطريق، وراحلة تنقل النبي، وأخرى تنقله ثم اخبره في آخر الأمر بموعد الرحلة وطريقها، وأنها كانت الى المدينة المنورة بإذن الله وأمره.
وهكذا خطط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتمها على افضل وجه، وهو الذي يعلمنا: «ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه». هكذا تحرك سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بطريقة سرية واستراتيجية ومسؤولية، وعندما جاء الاذن وجاء الأمر اخبر الصديق في الوقت الملائم.

ولا شك ان المتتبع لمراحل الهجرة يدرك ان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يغادر مكة المكرمة التي احبها وولد ونشأ وترعرع بين جنباتها الا بعد ان دعا الله عز وجل: «اللهم، وقد اخرجتني من أحب البقاع الى، فاسكني في احب البقاع اليك»، فكانت الهجرة الى يثرب المكان الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لهذه الهجرة، واصبح اسمها بعد ذلك المدينة المنورة والتي اشرق فيها نور الاسلام بوصول خير الأنام اليها، هذا المكان الطيب الطاهر الكريم والمهاجر الأمين الذي اختاره الله عز وجل لرسوله، صلى الله عليه وسلم.

وتبقى الحقيقة الأساسية، وهي أن الهجرة مراد الله وأمره وتدبيره عز وجل. هذه هي الصورة المشرقة لصمود رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والذين معه رضوان الله عليهم. وهناك قضية مهمة وهي ان الهجرة الى المدينة لم تكن مجرد تحرك عشوائي او تصرف عابر او خروج او هروب من مكة، لكنها كانت نقلة استراتيجية مهمة حرص فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أن يحمي الدعوة بعد أن اشتد الضغط عليها في مكة المكرمة وازداد الإرهاب والظلم والقسوة على أتباعه رضوان الله عليهم.

ولا شك أن العامل الآخر هو أن المدينة المنورة قد بدأت تستقبل الإسلام، ودخل فيه واعتنقه عدد من اهلها. وكان هذا الأمر مهما شجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على التوجه إلى المدينة المنورة. أضف إلى ذلك أنه في ذلك الوقت كان لها دور أساسي، باعتبارها مركزا مهما من الناحية التجارية ومن الناحية الزراعية، وكانت مدينة تعج بالحركة والنشاط بالإضافة الى كونها ملتقى القوافل التي كانت تمر من الشام إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشام، وهذا أيضا جعلها مؤهلة أن تلعب دوراً أساسيا في انتشارالدعوة الإسلامية.

وقد فرح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عندما جاء الاذن بالهجرة الى المدينة لأن فيها أخوال جده من بني النجار، فكان يأنس من دون شك للذهاب الى المدينة ولقائهم ليعوضوه عن قسوة الأهل في مكة وظلم ذوي القربى من قريش وعنادهم وغطرستهم، فوجد في اخواله في المدينة صدرا رحبا وأنصارا كراما».

وهناك قضية اساسية يجب ان نلفت النظر اليها ونتدبرها، وهي ان عمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان عن قوة إيمان وثقة في الله عز وجل، قبل ان تكون المسألة مسألة عدد وعده، فقد كان اتباعه قلة وضعافا ولكنهم أقوياء بإيمانهم بالله، وصبروا على كل الأذى الذي احاط بهم وفي نهاية الأمر كان الحق احق ان يتبع، لأن تلك سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، فكان وقوف هذه القلة المؤمنة وصبرها واحتسابها وصمودها درسا قويا لكل الاجيال القادمة، كان الواحد منهم كالطود الشامخ لأنه مؤمن بنصر الله عز وجل، ومؤمن بالمبادئ التي يدافع عنها، وقد خسر المشركون وباءت جهودهم بالفشل، ولم يستطيعوا أن يطفئوا نور الله عز وجل، فقد ابى الله الا ان يتم نوره ولو كره المشركون، وهذه المواقف الايمانية تذكرنا بموقف أمنا هاجر وأمنا خديجة.

ومن ينظر في قصة الهجرة وترتيباتها، يحس بأبعاد ذلك التخطيط الدقيق الذي سبقه التوكل والعزيمة والامتثال لأمر الله عز وجل ثم تلاه الأخذ بالأسباب، فهذا أبو بكر الصديق يتشوق للهجرة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يدعوه إلى التريث حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي أدرك فيها أبو بكر الصديق، أن الوقت قد حان وأن الصحبة حاصلة وأن الهجرة قد أذن بها الله عز وجل.

وجاء اليوم المشهود، وجاء، صلى الله عليه وسلم، إلى دار أبي بكر في وقت لم يكن من المألوف أن يزورهم فيه، فقد كان يلم بدارهم كل يوم صباحا أو في العشي، ولكنه لم يكن يزورهم أبدا في الهاجرة، واشتداد الحر في مكة، كما حدث في ذلك اليوم، فقال الصديق، رضي الله عنه: ما جاء برسول الله، (صلى الله عليه وسلم) إلا أمر عظيم، وربما توقع كنه هذا الأمر وانه الساعة التي كان ينتظرها. لقد اخبره عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى قد اذن له في الهجرة، وعليه ان يعد العدة ويستعد للخروج معه رفيقا مؤنسا معينا في هذه الرحلة الخالدة بخلود كتاب الله المجيد، فبكى أبو بكر من شدة الفرح، ومنذ الساعة تزايد إحساسه بالمسؤولية عن سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن نجاح هذه الرحلة الميمونة، استأجر دليلا خبيرا ماهراً مؤتمنا، من بني عبد بن عدي، تسلم الراحلتين يعتني بهما ويعلفهما حتى تأتي الساعة الموعودة، ثم رتب مع عامر بن فهيرة مولاه أن يرقبهما حتى إذا استقرا في الغار ويروح عليهما باللبن من غنيمات أبي بكر كل يوم ليشربا لبنها ولتختفي آثار أقدامهما تحت أرجل الغنم، وكلف ابنه عبد الله أن يأتيهما كل ليلة ـ حين تهدأ الرجل ـ محاذرا ـ ليخبرهما بما سمع من حديث المشركين وخططهم وتدبيرهم، وكلف اسماء بنت أبي بكر أن تعد سفرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما سيحملانه في هذه الرحلة من زاد وماء.

هذه اذا ملامح من الهجرة النبوية توضح الصمود والصبر والرغبة فيما عند الله عز وجل ولكنها في الوقت نفسه توضح لنا أن الهجرة النبوية لم تكن قضية مفاجأة ولا أمرا عفويا، بل كان فيها الإعداد والتنظيم والتخطيط الذي سبقه التمهيد لهذه الهجرة سواء بعقد بيعة العقبة الأولى أو الثانية أو الثالثة يوم كان ينتهز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مواسم الحج فيلتقي بأهل يثرب ويدعوهم ويهيئهم، ثم ما فعله مع الخزرج في العام التالي واخذ، صلى الله عليه وسلم، يتدرج في البيعة، ثم عندما أرسل مصعب بن عمير إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخبره بالرجال والنساء الذين دخلوا في الإسلام فحرص الرسول، صلى الله عليه وسلم، على لقائهم في موسم الحج التالي وتمت البيعة والرسول، صلى الله عليه وسلم، يحادثهم ويقول لهم: «ابايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فردوا عليه: نعم، والذي بعثك بالحق نبيا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الدروع ورثناها كابر عن كابر».

هكذا مهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لهذه الهجرة ثم خطط لها لخداع المشركين يوم طلب من سيدنا علي بن أبي طالب البطل المغوار أن ينام في فراشه، فهذه التنظيمات من كتمان تام لخبر الهجرة، واختيار ملائم للتوقيت والخروج في وقت الهزيع الأخير من الليل وسلوكه طريقا غير الطريق الذي تألفه قريش، كل هذه الأمور تعلم الأمة أهمية التخطيط في حياتها وأهمية التنظيم وأهمية الشورى وأهمية التعاون، ثم العزم والتوكل على الله والصمود في سبيل مرضاة الله عز وجل مهما كانت الصعاب ومهما كانت الكوارث ومهما كانت التحديات.

إنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلمنا الدروس والسنة الشريفة ولذلك فقد حرص عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أن يؤكد على قضية مهمة: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، لأنه القدوة ولأنه الأسوة ولأن هؤلاء الرجال أخذوا عنه.

وانه لأمر مهم ان نستغل المناسبات الاسلامية المهمة لتذكير النشء والاسرة والمجتمع بأهمية مثل هذه الايام التي هي ايام الله عز وجل. والهجرة النبوية واقعة حقيقية وقضية أساسية في حياة هذه الأمة، ولهذا فمن المناسب الوقوف عندها دائما، وان نحكي لأولادنا احداثها ووقائعها، ولكن المهم هو ان نقف عند هذا الحدث التاريخي ونتعلم منه قضايا أساسية أهمها تلك اللمحات المشرقة في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي لم يهاجر حتى اذن له الله سبحانه وتعالى بالهجرة وصمد وكافح وصبر على كل ألوان الأذى والبلاء والرزايا في مكة المكرمة، ومن أهله وذويه، ثم من أهل الطائف من أعراب وغيرهم، كل ذلك يعطينا درسا في أبعاد هذه الهجرة وذلك لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صمد وكافح وصبر امتثالا لأمر الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى قدم لنا في حبيبه، صلى الله عليه وسلم، القدوة والأسوة لكل من يريد ان يتصدى للدعوة الإسلامية ويدعو الى الله بصدق وإخلاص وبحكمة وموعظة حسنة فلا بد ان يصبر ويتحمل الأذى في سبيل ذلك، كما تحمل الرسول، صلى الله عليه وسلم، من اقرب المقربين له وممن حوله، ومن أهله وذويه، وكان من الممكن ان يجنبه الله عز وجل كل هذه البلايا، ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى سابقة جعلت فيه القدوة والأسوة لهذه الأمة.

وختاما فهذه لقطات من جوانب الهجرة النبوية التي نتعلم منها كل يوم دروسا جديدة من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة وهو الأسوة لهذه الأمة، وعلينا ان نتعلم ونعلم اولادنا جوانب من السيرة العطرة ونربيهم عليها.

والله الموفق وهو الهادي الى سواء السبيل.

* وزير الاعلام السعودي الأسبق


بحر الندى غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 08-01-08, 03:33 AM   #3

بحر الندى

مراقبة عامة وقائدة فريق التصاميم والفوتوشوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية بحر الندى

? العضوٌ??? » 166
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 21,296
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » بحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc
¬» اشجع naser
?? ??? ~
ربي ثقتي بك كبيرة .. و انت الحامي لي من كل ضرعدو .. فخذ حقي منهم بقدرتك و قوتك ..وحسبي الله ونعم الوكيل,,
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

التطبيقات الدعوية للهجرة النبوية
إعداد: صبحي مجاهد - 01/02/2006م

تعتبر الهجرة النبوية كنزًا دعويًّا كبيرًا، يقبل عليه الدعاة يستخرجون جواهره ويلتقطون نفائسه، وفي هذا السياق كانت هناك الكثير من الرؤى التي حاول بعض العلماء توضيحها للدعاة حتى يمكنهم استثمار المنهج الدعوي للهجرة النبوية في مجالات دعوتهم العصرية، مؤكدين على أن عطاء الهجرة لا ينتهي، وأنها وإن كانت حدثا حدث وانقطع، فإن عطاءها ودروسها لا تنتهي.

فعن التطبيق العملي في مجال الدعوة الإسلامية للهجرة النبوية يرى الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق أنه يجب على الدعاة أن يأخذوا من الهجرة النبوية العطاء الفكري والروحي والإيماني؛ لأن الهجرة النبوية كان لها أكبر الأثر في بناء الدولة الإسلامية منذ اللحظات الأولى، مشيرا في هذا الصدد إلى ضرورة أن يستفيد الداعية من الهجرة التحمل والصبر وعدم اليأس من الدعوة مهما تعرض لأذى، ومهما عانى ومهما واجه من تحديات، فرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون الأوائل تحملوا في سبيل الله ما شاء الله لهم أن يتحملوا، وصبروا على ما أوذوا، ولقد كانوا في تحملهم قدوة لغيرهم.
فعلى الدعاة أن يفهموا أن رب العزة كان يستطيع بقدرته أن ينقل رسوله إلى المدينة بيسر وسهولة كما نقله في الإسراء والمعراج دون تعب أو إيذاء لأصحابه، أو الحاجة إلى الاختفاء عن أعين المشركين، لكن الله أراد أن يجعل الرسول قدوة للهداة والمصلحين والدعاة من بعده في التخطيط والتحمل.
الهجرة ليست مجرد قصة
الدكتور محمد متولي منصور الأستاذ بجامعة الأزهر، يلفت نظر الدعاة إلى ما يجب مراعاته عند حديثهم عن الهجرة النبوية، فيقول: "تعود بعض المتحدثين عن الهجرة في كل عام أن يذكروا لنا فقط قصة الهجرة، التي أصبح الناس يحفظونها عن ظهر قلب، ولعل أقوم طريق للاحتفال بمثل هذا الحدث الإسلامي العظيم أن نأخذ منه الدروس والعظات والعبر، التي تنفع الأمة في حاضرها، وتأخذ بيدها إلى مستقبل أفضل".
ويضيف الدكتور منصور: "إن في الهجرة دروس عديدة، من أهمها فيما يتصل بجانب الدعوة الصبر والجلد وتحمل المشاق في سبيل تبليغ الدعوة، وذلك واضح من خلال الهجرتين الأوليين على الحبشة لبعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمتهم عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الدروس التي نتعلمها من الهجرة: التضحية والفداء ولو كان ذلك بأغلى ما يملك الإنسان وهو الروح، ويتضح ذلك من خلال مبيت أول فدائي في الإسلام وهو علي -رضي الله عنه-مكان الرسول ليلة الهجرة".
ويتابع الدكتور منصور: "ومن الدروس الدعوية أيضا للهجرة النبوية: المرحلية والتدرج في الدعوة، ويتضح ذلك من خلال عدم اتخاذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قرار الهجرة إلا بعد أن مهد لها، وبدأ الصحابة يهاجرون إلى المدينة فرادى وجماعات، ثم انتظر هو الإذن بالهجرة، وهاجر في الليلة التي حددها الله عز وجل له.
نتعلم أيضا من الهجرة: أخذ الرأي والمشورة ممن لديهم الخبرة في المجالات المختلفة، وذلك واضح في استعانة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعبد الله بن أريقط كدليل يدلهما على الطريق، ورغم أن ابن أريقط كان يهوديًّا إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وثق بأمانته. كما كانت هناك أدوار موزعة في الهجرة على أشخاص عدة، رجالا ونساء، وهذا يدل على أن العمل الدعوي يحتاج إلى ما يسمى روح الفريق".
برنامج عملي لاستثمار الذكرى
ويحدد الدكتور محمد متولي منصور برنامجًا دعويًّا لاستثمار ذكرى الهجرة النبوية، فيقول: إن أبرز ما يجب أن يتميز به البرنامج الدعوي لاستثمار حدث الهجرة هو:
أولا: تناول حدث الهجرة تناولا موضوعيا، فبدل أن نقتصر فقط على سرد قصة الهجرة يجب علينا:
1 - أن نعنى بتناول الآيات القرآنية الكريمة التي تحدثت عن الهجرة في القرآن الكريم، وسنلاحظ أن الهجرة في القرآن تسبق دائما بالإيمان، وتكون متبوعة بالجهاد في سبيل الله، ومعنى هذا أن أساس الهجرة هو الإيمان، وأن حارس الهجرة هو الجهاد في سبيل الله بمفهومه الواسع.
2 - أن يركز الداعية على الدروس المستفادة من الهجرة، والتي أشرنا لها.
ثانيًا: التركيز على أن الهجرة بمعناها الشرعي قد انتهت، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية"، ودعوة الناس إلى الهجرة بمفهومها الدعوي، وهي هجرة المعاصي إلى الطاعات، وهجرة الرذائل إلى الفضائل، وهجرة اللامبالاة إلى العناية بأمور المسلمين، وهذا يُفهَم من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
ظلال الهجرة على نفس الداعية
الدكتور عزت عطية الأستاذ بجامعة الأزهر، بدوره يوضح أن الداعية لكي يُفعِّل ذكرى الهجرة النبوية في نفسه لا بد له أن يلتزم بعدة أمور، أهمها أن يكون زاهدًا في الدنيا، راغبا في الآخرة، مُجِلا لمبادئه، مستعدا للتضحية من أجل دعوته إذا اقتضى المقام التضحية، مستثمرا الفرصة المناسبة لتحقيق الغرض الدعوي بغير تعجل وبغير اندفاع، مصاحبا من يعينه على دعوته، ويقتنع بمبادئه، ويفيده بمشورته، فلا يتصرف وحده، ولا يتحرك بغير تخطيط محكم، ولا يتجه إلا إلى غاية محددة، على طريق ثابت.
ويضيف الدكتور عطية: "كما ينبغي على الداعية -اقتداء بالمنهج النبوي في الهجرة- أن يكون صابرا على نقل قناعاته وفكره للآخرين، فإذا لم يجد من يقتنع برأيه وفكره بحث عن آخرين يقتنعون به؛ لأن انتشار الحق ليس بالرغبة، وإنما بالتوفيق الإلهي، كما عليه ألا يُدخل أطماع الدنيا في قلبه، فلا يطلب الرئاسة، وعليه أن يكتفي بما رزقه الله، ويبذل للآخرين ليكون قدوة عملية تثبت صحة المبادئ التي قامت عليها الهجرة النبوية".
ويسوق الدكتور عزت عطية أمثلة من الهجرة النبوية كدليل على كلامه حيث يقول: "إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذل جهدا كبيرا في الدعوة بمكة، لكن الأغلبية الكافرة وقفت في وجه الدعوة عنادًا وحقدًا وإنكارًا للحق، وحرصا على التخلص من التكاليف، والعيش على مقتضى الهوى والرغبة، فعرض نفسه على من ليسوا من أهل مكة، وهو الأمر الذي كان بداية للقيام بالهجرة، فمنهم من رفض وعاند، ومنهم من اشترط شروطا ماديا، أو شروطا تتصل بالجاه والملك، فأعرض عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من اقتنع بالدعوة وفتح لها الأبواب، وبذل الغالي والنفيس، فصارت بلدهم بلدا له، وانطلقت الدعوة الإسلامية في طريقها الذي أخضع لها العالم كله، بفضل البحث عمن يقتنع ويؤمن بها".
ويؤكد الدكتور عطية أن الداعية إذا لم يخلص لدعوته، فإنها لا يمكن أن تحقق غرضها، وستخضع لمساومات وتنازلات حتى لا يبقى من أصولها شيء، ثم تضيع.
ويستطرد الدكتور عزت كلامه بالتأكيد على أن مناسبة الهجرة أكبر حافز للدعاة بأن ينشطوا في الدعوة بكل الأساليب الممكنة، ويقول: "لا يمكن للداعية أن يستثمر معاني الهجرة النبوية في تكوين نفسه والآخرين إلا إذا عرف الأسس التي قامت عليها الهجرة، والأغراض التي كانت مقصودة منها، فالأسس التي قامت عليها الهجرة هي الاقتناع بالرسالة، والتصميم على نشرها، بناء على المعرفة بألوان الكفر المختلفة. الأمر الثاني هو الوصول إلى الإقناع العقلي الذي لا يُلزم بالهداية القلبية للإسلام، وإنما يُلزِم بالإنصاف بألا يعاند غير المسلم الحق. ومن أجل ذلك كانت الدعوة قائمة على أساس علمي متجرد يوصل للحق سواء دخل الإنسان الإسلام أو لم يدخل.


بحر الندى غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 08-01-08, 03:36 AM   #4

بحر الندى

مراقبة عامة وقائدة فريق التصاميم والفوتوشوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية بحر الندى

? العضوٌ??? » 166
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 21,296
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » بحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc
¬» اشجع naser
?? ??? ~
ربي ثقتي بك كبيرة .. و انت الحامي لي من كل ضرعدو .. فخذ حقي منهم بقدرتك و قوتك ..وحسبي الله ونعم الوكيل,,
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الهجرة.. انطلاق وانعتاق وتضحية ونصر


سامية عبد الوهاب- 08/03/2003





بالطبع كان لا يمكن للحال أن يستمر على ما هو عليه من الاستضعاف والحصار والمطاردة للمؤمنين، وكان لا بد أن تأتي اللحظة التي ينعتق فيها المأسورون؛ لينطلقوا إلى عالم جديد فيه من مقومات الحياة البشرية الطبيعية ما يثمر الخير، ويصب في صالح الإنسانية جمعاء.

نعم كانت فترة المحن طويلة نسبيا، وكان لا بد أن تكون محن يمحص فيها الرجال الذين سيواجهون مسئوليات البناء والتعمير والتقدم والرقي والحضارة، وإطلاق النور الإلهي والتشريع السماوي وإشاعة العدل والرحمة، ومجالدة المتكبرين وبغاة الاعوجاج.

وطالما أن المبادئ راسخة والأهداف واضحة فلا مجال للمساومة ولا التخلي عن بديهياتٍ تصير الحياة بدونها ضياعًا وهراء، وإن لاح سراب من بعيد، وأغرى الخصوم بشيء من المال أو الجاه أو السلطان. فالحق أن الثبات على المبدأ والصبر والتحمل في سبيل الدعوة إليه إنما يقود حتمًا إلى نصر وتمكين، ولو بعد حين.

التمكين.. متى يتحقق؟ ولمن يكون؟

وبالطبع لا يقول أحد بأن هذا التمكين لا بد أن ينعم به هؤلاء أو أولئك ممن ساروا على الدرب، وأبلوا في سبيل دعوتهم البلاء الحسن، إنما الأمر لله من قبل ومن بعد، ولا يمكن لعاقل أن يشترط لعمله أن يُختتم بنتيجة حتمية يحددها هو كما يريد. فلو كان الأمر كذلك لكان الأولى به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن الله تعالى بشره بامتلاك خزائن كسرى وقيصر، ومع ذلك لم يتحقق له ذلك في حياته الكريمة صلى الله عليه وسلم.

ويجب أن نعلم أن القدر لا يحابي أحدًا؛ فالأسباب المادية جزء لا يتجزأ من عُدة النصر، طالما أن فريق المؤمنين بوسعه الحصول عليها، أو على ما يستطيع منها؛ فالله تعالى يقول: {وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ} [الأنفال: 60].

والله تعالى حين يرى من عباده أنهم لم يقصروا في ناحيةٍ، علما ودراية، تخطيطا وتكتيكا، حرصا وحذرًا، تدريبا ومشقة… إلخ، ثم تغلب كِفة الخصم على كفة المؤمنين.. يرسل جنودًا لم يروها، وتتدخل المشيئة الإلهية لنصرة الصابرين المحتسبين اليقظين المجتهدين.

الأخوة.. ملاط البناء

والأخوة هذه الدرة الثمينة التي نفتقدها كثيرا بين المسلمين اليوم، وإن بدت في بعض الأحيان على هيئة مظاهر لفظية بينهم، أو ابتسامات وحوارات لا تنجلي عن تداخل حقيقي ومشاركة إيجابية مع الآخرين.

ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن كثيرًا من الناس لا يحفظ من تعاليم الإسلام إلا ما يحرج به غيره من الزملاء والأصحاب حين يطلب من أحدهم مساعدة أو يمد يده ليأخذ ما لا حق له فيه، مدعيًا أن ذلك من حق الأخوة، ويصبغ على ذلك مسحة شرعية، ويحول الموقف إلى دعابة ومناظرة مغرضة.. في حين تجد هذا الشخص لا يبذل كثيرًا ولا قليلاً من هذه الحقوق التي يتحدث عنها لأي إنسان؛ فهو فقط يضع نفسه موضع الآخذ بصفة دائمة!

مقاطعة من نوع مختلف!

لا يغيب عن الأذهان ما سبق الهجرة في سنوات الحصار المرير بمكة ما فعله مشركو مكة من مقاطعة الصحابة اجتماعيا واقتصاديا لمدة 3 سنوات حتى استيقظ الضمير الإنساني داخل بعض المشركين فعمل على فك هذا الحصار الجائر.

وفي الجهة المقابلة وجدنا المسلم حين ضاقت عليه الأمور إلى حد لا يطاق بدأ في مقاطعة من نوع مختلف، مقاطعة جوانب في الحياة تعتبر أساسية لكل أحد، مقاطعة بالجملة للبيئة التي يحتكرها هؤلاء الأوغاد ولا يدعون فيها متنفسا للآخر، مقاطعة الوطن من أجل الإيمان والعقيدة، مقاطعة الأهل بالهجرة بعيدًا عنهم رغم ارتباطهم برباط اللحم والدم ورغم المشاعر والحنين والألم النفسي الرهيب، لكن كل ذلك تلاشى وذاب بحرارة ونداء الإيمان.

كلمة أخيرة

إن وطن المسلم هو عقيدته، وأهله هم إخوانه في العقيدة، والدعوة الإسلامية دعوة عالمية للناس كافة؛ فهي لا تعرف حدودًا ولا بقاعًا ولا أجناسًا، بل ميدانها هو العالم كله.

وكان لا بد للإسلام الذي يمثل رفضًا للواقع الفوضوي في ذلك الزمان أن يتمثل في صورة حسية يطبّق فيها تعاليمه على أرض الواقع، ويوجد البدائل والحلول المنبثقة من قيمه وتعاليمه للمشكلات التي تعاني منها البشرية، ويضع المنهاج الذي يجب أن يسير عليه الإنسان إن أراد الفلاح في الدنيا والآخرة.

ولقد هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم أدركوا أن الإسلام لا بد أن تكون له دولة تحميه وتسهر عليه، وتقيم شعائره وأركانه، وتطبق تعاليمه وقيمه، هذا هو الإسلام كما نزل على محمد، دين ودولة، عقيدة وشريعة، إيمان وعمل، لا انفصام بينه وبين الحياة.


--------------------------------------------------------------------------------


بحر الندى غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 08-01-08, 03:40 AM   #5

بحر الندى

مراقبة عامة وقائدة فريق التصاميم والفوتوشوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية بحر الندى

? العضوٌ??? » 166
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 21,296
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » بحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond reputeبحر الندى has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc
¬» اشجع naser
?? ??? ~
ربي ثقتي بك كبيرة .. و انت الحامي لي من كل ضرعدو .. فخذ حقي منهم بقدرتك و قوتك ..وحسبي الله ونعم الوكيل,,
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



][`~*¤!||!¤*~`][الهجرة النبوية في فكر الشيخ الغزالي* ][`~*¤!||!¤*~`][
وصفي عاشور أبو زيد **- 25/02/2004



الشيخ محمد الغزالي

لقد تمتع الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- بثقافة موسوعية أنتجت لنا العديد من الكتب في شتى نواحي الفكر والمعرفة؛ فنجد له تراثًا في العقيدة والتفسير، والأخلاق والتصوف، والفكر والفلسفة، والأدب والدعوة، والإصلاح والتغيير، وغيرها.

ومن أبرز المجالات التي أبدع فيها الشيخ الغزالي مجال السيرة النبوية التي له فيها صولات وجولات مع الأحداث، وتعليقات على كثير من المواقف والغزوات، يشعر القارئ معها بفكر جديد وفهم فريد لأحداث ووقائع السيرة العطرة.

ومن القضايا المهمة التي تحدث عنها الشيخ في السيرة في غير موضع من كتبه قضية الهجرة النبوية التي تمر علينا ذكراها في هذه الأيام، وقد تمركزت أفكار الشيخ حولها فيما يلي:

أولا: الهجرة حدث أكبر من أن تعلق عليه سورة واحدة

وهذه واحدة من مناقب الشيخ في فهمه للهجرة النبوية؛ ذلك أننا أَلِفْنا أن يتنزل القرآن تعليقًا على ما يكون من أحداث؛ فيوجه المسلمين التوجيه الذي يفتقرون إليه؛ فإن كان نصرًا بيّن أسبابه وكسر الغرور الذي قد يصاحب المنتصرين، وإن كانت هزيمة بيّن أسبابها ومسح التراب الذي عفر جباه المنهزمين.

لقد نزلت سورة الأنفال في أعقاب غزوة بدر، ونزلت سورة الأحزاب في أعقاب الخندق، ونزل النصف الأخير من سورة آل عمران في أعقاب أحد.. فهل نزلت في أعقاب الهجرة سورة لا سيما بعد نجاح رحلتها كما حدث في أعقاب الغزوات؟

ويجيب الشيخ على هذا التساؤل قائلا: "لم يقع هذا، ولكن وقع ما هو أخطر وأهم، كأن الله -سبحانه وتعالى- حكم بأن قصة الهجرة أكبر من أن تعلق عليها سورة واحدة، وأن تمر مناسبتها بهذا التعقيب وينتهي الأمر؛ فحكم -جل شأنه- بأن تكون ذكرى الهجرة قصة تؤخذ العبرة منها على امتداد الأيام، وتُذكر في أمور كثيرة وفي مناسبات مختلفة"(1).

ومن ناحية أخرى يرى الشيخ أنها لم تُذكر في سورة واحدة مثل المعارك؛ لأن "هذه المعارك استغرقت أيامًا قليلة، أما الهجرة فشأن آخر.. لقد ظلت أفواج المهاجرين متصلة سنين عددًا، وتطلَّب التعليق عليها مواضع عديدة"(2).

ومن ثم ذُكرت الهجرة في سور: البقرة(3) وآل عمران(4) والنساء(5) والأنفال(6) والتوبة(7) والنحل(8) والحج(9) والممتحنة(10) والتغابن(11) والحشر(12)... وكان التعليق في كل سورة إبرازًا لمعنًى مقصود(13).

ثانيًا: وزن الإيمان في الهجرة

والإيمان في فكر الشيخ له وزن لا يستهان به عموما، وفي الهجرة خصوصا؛ فليست الهجرة انتقال موظف من بلد قريب إلى بلد ناءٍ، ولا ارتحال طالب قوت من أرض مجدبة إلى أرض مخصبة، إنها إكراه رجل آمِنٍ في سربه، ممتد الجذور في مكانه على إهدار مصالحه وتضحيته بأمواله والنجاة بشخصه، وإشعاره بأنه مستباح منهوب قد يُسلَب أو يَهلك في بداية الطريق أو نهايتها، وبأنه يسير نحو مستقبل مبهم لا يدري ما يتمخض عنه من قلاقل وأحزان، ولو كان الأمر مغامرة شخص بنفسه لقيل: مغامر طياش؛ فكيف وهو ينطلق في طول البلاد وعرضها حاملاً أهله وولده؟! وكيف وهو بذلك رضيُّ الضمير وضاء الوجه(14).

ما السر وراء تحمله ذلك كله؟ وليس الأمر تحملا وحسب، إنما تحمُّلٌ يصاحبه فرحة وسرور، وصبر يحوطه رضًى وحبور، إنه الإيمان الذي يزن الجبال ولا يطيش، هذه الصعاب لا يطيقها إلا مؤمن تربى على تعاليم النبوة، وقبَس من أنوار الوحي، وتضلَّع من هدْي الإسلام.

أما الهياب الخوَّار القَلِق فما يستطيع أن يفارق أهله ووطنه، فضلا عن أن يكون بذلك مطمئن النفس رضيَّ الضمير.

ثالثًا: إيمان بالمستقبل وثقة بالغيب

هكذا يعبر الشيخ "إيمان بالمستقبل وثقة بالغيب"، وكان المنتظر أن يقول "إيمان بالغيب وثقة بالمستقبل"، لكنه عبر مع المستقبل بالإيمان ليرفع الثقة بالمستقبل إلى درجة العقيدة والإيمان بالغيب.

فلن تكتمل حقيقة الدين في قلب إلا إذا كان الإيمان فيه بالغيب قسيم الإيمان بالحاضر، ولا يصح تدين ما إلا إذا كان الإنسان مشدود الأواصر إلى ما عند الله، مثلما يتعلق بما يرى ويسمع في هذه الدنيا؛ فالمجاهد مثلا يقاتل من أجل النصر للعقيدة أو الشهادة لنفسه، لكن النصر عنده غيب، خصوصًا إذا وهنت الوسيلة، وقل العون، وترادفت العوائق، بيد أن هذا النصر ينبع من الإيمان بالله؛ فهو يمضي في طريقه المر واثقًا من النتيجة الأخيرة. إن غيره يستبعدها أو يرتاب فيها، أما هو فعقيدته أن اختلاف الليل والنهار يقربه منها وإن طال المدى؛ لأن الله حقَّ على نفسه عون الموحدين ونصر المؤمنين.. فلماذا الخوف من وعثاء الطريق وضراوة الخصوم؟ ولِمَ الشك في وعد الله القريب أو البعيد؟!

إن المهاجرين الأوائل لم ينقصهم إيمان بمستقبل أو ثقة بغيب، إنما نهضوا بحقوق الدين الذي اعتنقوه، وثبتوا على صراطه المستقيم، على الرغم من تعدد العقبات وكثرة الفتن، من أجل ذلك هاجروا لمَّا اقتضاهم الأمر أن يهاجروا، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل عقيدتهم.

ومع أن الله تعالى وعد المؤمنين أن رسالتهم ستستقر، وأن رايتهم ستعلو، وأن الكفر لا محالة زاهق، إلا أنه علق أفئدتهم بالمستقبل البعيد وهو الدار الآخرة: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (الزخرف 41- 44). ومن هنا لا يعتري النفسَ مللٌ، ولا الجسم كلل؛ لأن أشواقه ممتدة إلى المستقبل البعيد، وآماله قد طارت لتحط في أفراح الآخرة عند رب العالمين.

فليس شرطًا أن يرى المرء ثمرة جهاده والتمكين لدينه وهو حي، بل ربما يطويه الموت، ولم يعرف بعدُ نتيجة الصراع بين الهدى والضلال، وهذا كثير الوقوع، لكن وعد الله لا يتخلف: "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون"؛ فيكون هذا المرء جسرًا تعبر عليه الأفكار والمبادئ إلى جيل يرى نصرتها والتمكين لها.

والخطة المثلى أن يؤدي المرء واجبه المجرد دون استعجال لنتائج المعركة المحتدمة بين الحق والباطل؛ لأن الله قد تولاها بذاته العلية.

في إطار هذا الإيمان العميق لبى المسلمون نداء الهجرة عندما طولبوا بها، واستجابوا لنداء الله ورسوله غير خائفين ولا جازعين(15).

رابعًا: فكرة لا رحلة

فالهجرة في فكر الشيخ ليست رحلة ولا عملاً ترفيهيًّا، ولم تكرَّم الهجرة لكونها سفرًا فحسب؛ فما أكثر المسافرين قديمًا وحديثًا بين مكة والمدينة.

إن الشيء الواحد قد يكون عملاً مضنيًا أو لعبًا مريحًا مسليًا، فالمظهر والشكل لا يتغير، لكن الذي يتغير هو البواعث والجوهر والملابسات.

فصيد السمك رياضة مرحة يلهو بها بعض المترفين الناعمين، بينما هو عند أناس آخرين حرفة يرتزقون منها مع الكدح والمكابدة، والرحلة من قطر إلى قطر قد تكون للتنعم والاسترواح، وقد تكون مشيًا في مناكب الأرض لتحصيل علم، أو جمع رزق، أو فرارًا من شر محظور إلى خير منظور.

وهكذا كانت الهجرة.. خطواتٌ يتحرك بها القلب المؤمن في الحياة؛ فتتحرك في ركابها الثقة الغالية والتضحية النبيلة، إنها طريق الأبطال تزدحم بالفدائيين من حملة العقائد، يتركون البلد الذي اضطُهد دينهم فيه ليلتمسوا في مهجرهم مأمنًا لعقيدتهم ومتنفسًا لدينهم، ويقيموا فيه مجتمعا يحتضن الشعائر والشرائع.

وفي الهجرة نفسها خرج رجل إلى المدينة من أجل عشيقة يهواها، وشتان بين المهاجرين لعقيدتهم ودينهم وبين من يخطو خطوات الشهوة الصغيرة، تتحرك بصاحبها؛ فلا تفرق بينها وبين خطوات الدابة التي حملته، ورب قاعد في بلده أشرف نفسًا من هذا المهاجر التافه(16).

خامسًا: ليست تخلُّصًا من فتنة بل لإقامة مجتمع آمن

والهجرة في فكر الشيخ الغزالي ليست تخلصًا من فتنة أو فرارًا من أذًى، وإلا لم يكن هنالك مبرر للمكث ثلاثة عشر عامًا في هذا الجو الملبد بسحب الكفر والاضطهاد، إن الذي يبرر هذه المدة هو تمهيد المؤمنين بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- لإقامة مجتمع جديد في بلد آمن ذهب إليه مصعب بن عمير ليستتبع الناس ويستقطبهم للإسلام؛ ذلك أن إقامة الدين في مجتمع مكة أضحى دونه خرط القتاد؛ لما اتصف به من عناد وجبروت، فلم يكُ يصلح لهذا الفكر، والدعوة ما زالت وليدة غضة طرية، والمسلمون قلة مستضعفة، فلم يكن هنالك بدٌّ من التهيئة للدين في مكان آمن، عندئذ يقوى المسلمون وتشب الدعوة.

ويعلق الشيخ قائلا: "ولا شك أن نجاح الإسلام في تأسيس وطن له وسط صحراء تموج بالكفر والجهالة هو أخطر كسب حصل عليه منذ بدأت الدعوة، وأصبح فرضًا على كل مسلم قادر أن يسهم في بناء هذا الوطن الجديد، وأن يبذل جهده في تحصينه ورفع شأنه، وأصبح ترك المدينة -بعد الهجرة إليها- نكوصًا عن تكاليف الحق، وعن نصرة الله ورسوله؛ فالحياة بها دين؛ لأن قيام الدين يعتمد على إعزازها"(17).

سادسًا: الهجرة تطبيق لقانون السببية

الأخذ بالأسباب في فكر الشيخ الغزالي دين، وهو معنًى يكرره الشيخ كثيرًا كلما عرض للحديث عن الهجرة أو للكلام عن تخلف المسلمين وتقدم غيرهم(18)، لم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: إننا أوذينا وأُخرِجنا من ديارنا؛ فعناية الله ينبغي أن تلاحقنا، وحماية الله يجب أن تحوطنا، ولا حرج في بعض التقصير فإن الله سيجبر الكسر ويسد النقص... إلى آخر هذا الكلام، لم يقل النبي هذا، إنما استنفد كل وسيلة بشرية يمكن أن تؤخذ، فلم يترك ثغرة، ولا أبقى في خطته مكانًا يكمله الذكاء والفطنة.

ومع أن محمد بن عبد الله -عليه السلام- أولى الناس بتوفيق الله ورعايته، وأجدر الخلق بنصره وعنايته؛ فإن ذلك لا يغني عن إتقان التخطيط وإحكام الوسائل وسد الثغرات شيئًا مذكورًا.

ومن هنا جعل -صلى الله عليه وسلم- يفكر في الاختباء في الغار وفي تضليل أعدائه؛ فكان يتجه جنوبًا وهو يريد أن يتجه إلى الشمال، وأخذ راحلتين قويتين مستريحتين حتى تقويا على وعثاء السفر وطول الطريق. وهذا دليل مدرَّب ليعرف ما هنالك من وجوه الطرق والأماكن التي يمكن السير فيها بعيدًا عن أعين الأعداء، وهذا علي بن أبي طالب ينام مكانه ليضلل الكافرين، وذلك يسير بالأغنام وراءهما يمحو آثار المسير، ولكي يكون على دراية تامة باتجاهات العدو ونواياه تأتيه الأخبار عن طريق راعي أبي بكر، كما أتت بعض الأغذية عن طريق بنت أبي بكر... هل بقي من الأسباب شيء لم يؤخذ، أو من الوسائل لم يستنفد، أو من الثغرات لم يُسد؟ كلا كلا..

إن منطق الإسلام هو احترام قانون السببية؛ لأن الله تعالى لا ينصر المفرطين ولو كانوا مؤمنين، بل ينتقم من المقصرين المفرطين كما ينتقم من الظالمين المعتدين، "وإذا تكاسلت عن أداء ما عليك وأنت قادر، فكيف ترجو من الله أن يساعدك وأنت لم تساعد نفسك"(19). كيف ينتظر المرء من الله أن يقدم له كل شيء وهو لم يقدم له شيئًا؟!

وليس معنى الأخذ بالأسباب الاعتماد عليها، بل الطريقة المثلى في التصور الإسلامي أن يقوم المسلم بالأسباب كأنها كل شيء في النجاح، ثم يتوكل على الله كأنه لم يقدم لنفسه سببًا، ولا أحكم خطة، ولا سد ثغرة.

وهذا هو الفرق بين موقف المؤمن والكافر من الأخذ بالأسباب؛ فالمؤمن يأخذ بالأسباب ولا يعتمد عليها ولا يعتقد أنها هي التي تفعل أو تترك، بل يؤمن أن الأمور بيد الله، وأن النتائج تتم بقدرة الله، وأن شيئًا لا قيام له إلا بالله.

بينما يعتقد الكافر -إن جاز أن تكون له عقيدة- أن الأسباب هي الفاعلة والمعوَّل عليها، ولا علاقة لها بالتوفيق الأعلى.

إذن فالإسلام يحترم قانون الأخذ بالأسباب، غير أن المسلمين لم يكونوا على مستوى دينهم مع هذا القانون، يقول الشيخ في ذلك متحسرًا: "ومع حرص الإسلام على قانون السببية، وتنفيذ النبي -صلى الله عليه وسلم- له بدقة؛ فأنا لا أعرف أمة استهانت بقانون السببية وخرجت عليه وعبثت بمقدماته ونتائجه كالأمة الإسلامية"(20).


--------------------------------------------------------------------------------

* نقلا عن مجلة الوعي الإسلامي، العدد 449 بتصرف

(**) باحث مصري في العلوم الشرعية

(1) خطب الشيخ الغزالي: 4/211، دار الاعتصام. بدون تاريخ.

(2) علل وأدوية: 14، 5دار الكتب الإسلامية. طـ ثانية . 1405هـ.

(3) راجع آية: 218.

(4) راجع آية: 195.

(5) راجع الآيات: 97-99.

(6) راجع الآيات: 26-30.

(7) راجع الآيات: 38-40.

(8) راجع الآيتين: 41-42.

(9) راجع الآيتين: 39-40.

(10) راجع آية: 10.

(11) راجع آية: 14.

(12) راجع الآيات: 8-10.

(13) راجع: شرح الشيخ وإبرازه لمقصود كثير من الآيات في الخطب: 4/ 211-217، وعلل وأدوية: 145-150.

(14) راجع: فقه السيرة: 182، بتعليقات الشيخ الألباني. دار الدعوة. طـ ثانية. بدون تاريخ.

(15) راجع: ركائز الإيمان بين العقل والقلب: 95-100 دار الاعتصام. بدون تاريخ.

(16) تأملات في الدين والحياة: 107ـ 108، دار الدعوة. طـ أولى. 1410هـ.

(17) فقه السيرة: 181.

(18) راجع مثلاً فقه السيرة: 187-188، والخطب: 2/32-33، 3/232.
(19) علل وأدوية: 144.
(20) راجع الخطب: 2/33.


بحر الندى غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 08-01-08, 07:07 PM   #6

سيدة الرماد

مشرفة سابقة


? العضوٌ??? » 36
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 4,039
?  نُقآطِيْ » سيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond reputeسيدة الرماد has a reputation beyond repute
افتراضي

بارك الله بيكي حبيبتي

سيدة الرماد غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحميل رواية موسم الهجرة إلى الشمال للكاتب الطيب صالح سماالياقوت منتدى الـروايــات الـعـربـيـة 50 17-04-17 05:43 PM


الساعة الآن 02:06 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.