16-03-09, 02:40 AM
|
#6 |
? العضوٌ???
» 6485 | ? التسِجيلٌ
» Apr 2008 | ? مشَارَ?اتْي » 93,121 | ?
نُقآطِيْ
» | | | | | | الفصل الثاني - أبحاجة أنت إلى أية مساعدة ؟ ما إن رفعت ميشيل لوجان رأسها حتى ارتسم الخوف واضحا على محياها . أما هو فسكن تماما عندما تعرف على شخصها كما لو كان فى مواجهة جدار ما . لكنهما لم يظلا على حالة التجمد هذه طويلا : لأن حركة أنيقة بيد الفتاة أشارت إلى البخار المنبعث من تحت غطاء حقيبة محرك السيارة المنتظرة بجوار حافة الطريق . بينما قالت الفتاة : - لقد أسلمت الروح . أجابها بنبرة ودية دليلا على أن قدرة آل ستوارت على التغلب على روح العداء تفوق آل لوجان خاصة وان ميدان القتال بين العائلتين كان على بعد لا يقل عن ثلاثة آلاف كيلو متر منهما : - سوف ألقى عليها نظرة . بينما انحنى إيان ستوارت فوق حقيبة محرك السيارة رمقته ميشيل بنظرات القلق وهما في ذلك الطريق المهجور الذى تحف به أشجار الجوز الهندي . كما لو كانت تخشي مفأجاة ما وهي بصحبة شاب من آل ستوارت . لم يفته ملاحظة موقفها المضحك هذا . ومع هذا التمس لها عذرا في أن والدها الذي كان أحري به أن يكون أكثر تعقلا .. ما إن يفأجا بها بصحبة إيان حتى يحرمها من الميراث أو يهددها بذلك على الأقل . لكن شارل لوجان في أتلانتا على مسافة آلاف الأميال من هذا الطريق المشمس بجزيرة مارتينيك والذى يمتد إلى حصن فرنسا .. بما لايدع مجالا لأية احتمالات أن يرى أحد من المعنيين بالمشكلة أن ممثلين لطرفي النزاع العائلي - القائم على مدى بضعة أجيال متعاقبة - قد التقيا في هذه البقعة بطريق المصادفة . تأملت ميشيل عدوها بأكبر قدر من الموضوعية . خلبها جمال طلعته الذى ينم عن ممارسة منتظمة لأحدث أنواع الرياضة البدنية بطول قامته وقوامه الرياضي . إذ كان من ذلك النوع من الرجال الذي ما يلبث أن يلفت أنظار الجنس الآخر . ارتدي بنطلونا من الجينز مع قميص أبيض . وميشيل التى عادة لاتحس سوى جاذبية طفيفة نحو ذوي الشعر الأشقر وجدت نفسها عاجزة عن أن تحول بصرها عن خصلات الشعر المتموجة الشقراء التى زينت مقدمة رأسه مظللة عينين زرقاوين كاد أن يتسما بالشفافية . كان تعارف ميشيل وإيان ستوارت من نوع خاص جدا . إذ أمتلكت كل من أسرتيهما مسكنا فاخرا وشركة إنشاءات راسخة الأركان في أتلانتا . كما أن جوناثان شقيق ميشيل في مثل عمر إيان . ومن هذا المنطلق اشترك ثلاثتهم في مباريات رياضية وفي مسابقات للفروسية . كما اشترك الشابان في مباريات كرة القدم التى كانت تقام بين الجامعات . تبلغ ميشيل من العمر ستة وعشرين عاما . وإيان واحدا وثلاثين . وكانت هذه هى المرة الأولى التى يلتقيان فيها على انفراد وهما بالغان . ظلت الفتاة طوال حياتها تسمع الكثير مما يشين آل ستوارت بصفة عامة وجيرانهم المنتمين إلى هذه العائلة على وجه الخصوص . وكانت هي تضيف ذرتها من الملح في كثير من المناسبات . كان بإستطاعتها أن تعد قائمة كبيرة تعدد فيها مساؤي هذه العائلة ومنها ما يرجع تاريخه إلى القرن الثاني عشر , ومع ذلك لم تر سببا واحدا لإدانة إيان او الإعراض عنه . إذ رأت أن ذلك يتعارض مع الحس السليم . خاطبها قائلا : - يؤسفني أنه لن يمكنني إصلاح محرك سيارتك . يتطلب الأمر استدعاء ميكانيكي لفحصه . أنا فى طريقي الآن إلى قلعة فرنسا , وعلى استعداد لأن أرسل إليك فنيا للعناية بالسيارة إذا رغبت أو .. وأضاف بعد لحظة تفكير : - أرى أنه من الأفضل أن أصطحبك معي إلى هناك . توترت أعصاب ميشيل عندما سمعت ذلك وتمنت لو أن الأرض انشقت أمام هذا الإفك وابتلعتهما معا .. لكن ما لبث عقلها أن تولى عنها القيادة . ومع ذلك لم يخل الموقف من الإحساس بوخز الضمير . قالت : - أشكرك على كرم معاملتك . سأطلب من الفندق أن يتولى عملية الإصلاح . - في أي فندق تنزلين ؟ - في الأركاديا . - وأنا أيضا أنزل فيه . انخرطت ميشيل - وهي في سيارة إيان - في تفكير عميق سعيا وراء الاقتناع بان قبولها عرض إيان لايعتبر خيانة للأسرة وإنما هو رجاع إلى راجاحة عقلها . إذ إنه ليس ثمة مسوغ لأن ترفض مساعدة رجل لم يقدم لها أدنى إساءة من قبل . قالت : - من دواعى حسن طالعى أنك مررت بي الآن ! كان من المحتمل أن اظل على قارعة الطريق اليوم كله . - ساورني الشك لحظة في أنك ستقبلين دعوتي . - كان من المحتمل أن أرفضها لو كنا في أتلانتا . لكن .. والتفتت تمسح بنظراتها المناظر الطبيعية للريف الاستوائي الذى يضارع الفردوس ببهائه والذى ترامت أطرافه على جانبى الطريق . رمقها إيان بنظرة جانبية خاطفة . فقد انقضت سنوات وسنوات منذ أن ألتقى بها آخر مرة في مثل هذا القرب . لايزال يذكرها . كان ذلك يوم الاستعداد لمباراة في الفروسية حين سقطت من فوق صهوة جوادها , ورفضت اليد التى بسطها نحوها حتى يساعدها على النهوض . من قبيل الشكر المقنع عاملته بأسلوب غاية في الرقة متوجة ذلك بفوز في السباق . لقد تغير بعض الشئ . اختفت النحافة الشديدة التي ميزت ساقيه منذ عشر سنوات عندما التصق بنطلونه الجينز بفخديه . وضم قميصه الأزرق أنذاك كل عضلة فى صدره الرشيق الذى طالما ضربت الأمثال بمدى جاذبيته وأكد ذلك الشرط محكم الربط - الذى أبعد به شعره الطويل عن وجهه الساحر - رقة عظمتي وجنتيه . أحست برقته وسمو اخلاقه . سألها : - وماذا تفعلين في هذه البقعة الخلابة ؟ اجابته بصوت متهدج قليلا : - أقضى عطلة . لايمكننى تحمل مناخ نوفمبر المطير في أتلانتا . لهذا السبب رتبت للسفر مع صديقة لي . لكن حالة العمل لديها حالت دون سفرها معي وبذلك لن تصل إلى هنا قبل بضعة أيام . وأنت ؟ - جئت لقضاء بعض المصالح : - أنت مهندس . ألست كذلك ؟ - بلى . مثل أخيك . لا أعلم رأى والدك في اختيار جوناثان لهذا التخصص . لكن والدي لايزال مقتنعا بفكرة أننى أهل لمتابعة الخطط لا لتنفيذها . ولا يريدني أن أسير على نهج خطاه . وجميعنا متمسك برأى والدي على طول الخط . - كاد والدي أن يصعق عندما علم برغبة جوناثان في أن يصبح مهندسا . أبي رجل صارم كما تعلم , لكنهما توصلا - فيما بينهما - إلى حل وسط مقنع . لأن باختيار جوناثان هذا المجال تتاح له فرصة التعاون مع والدي في العمل . - وما رأى والدك في مجال تخصصك ؟ - سيئ للغاية ! لم يتمكن حتى الآن اعتياد فكرة أن ابنته الصغيرة قد أصبحت باحثة معتمدة . -لماذا لم تلتحقى بالعمل بشركة الأسرة ؟ فكرت ميشيل قليلا وهى تنظر أمامها بلا هدف : - كان العمل بشركتنا هدفي الأول . لكننى تبيت أننى دائما ما أختلف مع والدي في الرأى بشأن بعض الأمور . فمثلا لست على استعداد لأن أبذل مثل هذه الجهود المضنية في كراهية على هذا .. على هذا القدر من القسوة . كانت هذه هى المرة الأولى التى يتعرض أحدهما فيها إلى الحديث عن العداء القائم بين عائلتيهما . وإذا لقى رأى ميشيل استحسانا من نفس إيان اشتدت رغبته في مواصلة الحديث معها فيه . لكنهما كانا قد وصلا إلى الفندق . تقدم أحد الحراس منهما للعناية بسيارة إيان فتوجها معا إلى رواق الفندق في صمت تام . وقد هال كلا منهما إحساس داخلى بنوع من الألم لفكرة أفتراقهما . بادرها إيان بقوله بعد ما استقلا المصعد : - ما رأيك فى أن نتعشى الليلة معا ؟ تسمرت ميشيل في مكانها . فقد ترامت إلى مسامعها على مر الأيام عبارات فحواها أن لا شئ في الوجود أسوأ من علاقة بأحد من أفراد آل ستوارت .. وهذا الرجل هو الوحيد الذى تحبه وتقدره دون جميع رجال العالم . لكنها أيضا تحب أباها الذي يتمسك برأيه هذا بكل قواه . ومن ناحية أخرى فإن رفض منطقها احترام نظرية والدها هذه والالتزام بها لايعنى محوها من ذهنها تماما . فتح باب المصعد عند الطابق الثالث حيث تقع الحجرة التى تنزل الفتاة فيها وعندئذ ضغط إيان على أحد الأزرار وهو الذى يجعل باب المصعد يظل مفتوحا وقال مخاطبا إياها : - مطعم الفندق متميز للغاية . أحست ميشيل بارتياح شديد مفاجئ إزاء فكرة دعوته إياها إلى العشاء لم يكن مرجعه تغاضيه عن ميراث العداوة القديمة التى يرجع تاريخها إلى خمسة قرون مضت , بل كونها فتاة تتحلى بالحس السليم والأفكار النقية فضلا عن أنها أهل لان تقرر بنفسها ما إذا كانت هناك عداوة حقيقة وأن تختار بنفسها الرجل الذى يناسبها . وارتاب - بناء على ذلك - أن هذا الرجل وعائلته ما قدما إليها أدنى الأسباب التى من شأنها أن تبرز كراهية لهما . - ميشيل ؟ كانت هذه هى المرة الأولى التى ينطق فيها باسمها الذى غادر شفتيه متسما بمذاق جديد خاص . حثها التحدى الذى قرأته في عينيه - في تلك اللحظة - على اتخاذ قرارها . قالت معلنة بصوت مفتقر إلى الحماس : - اتفقنا . - عظيم ! أنتظرك في السابعة بالرواق . ما إن أغلقت ميشيل باب حجرتها من خلفها حتى انفجرت ضاحكة على نحو هستيرى وقد ارتعدت أوصالها . استلقت فوق فراشها بغية استعادة بعض توازنها . لكن ما لبثت أن سمعت رنين الهاتف : - ميشيل ؟ لقد بدءوا من جديد . هكذا قال شقيقها دون مقدمات . لم تكن بحاجة إلى أن تسأله عم يعني . لأن جوناثان كان مصمما - على الدوام - على أن يحطيها علما - وأولا بأول - باخطاء آل ستوارت وآثامهم . سألته : - ماالذى حدث ؟ ولم تستطع أن تمنع نفسها من التفكير في أنه إذا علم جوناثان بأن إيان ستوارت ينزل في ذات الفندق الذي تقيم فيه حاليا فلن يتورع عن أن يصر على عودتها إلى أتلانتا على الفور - أشتروا المفتشين . تحول صوت جوناثان المرح عادة إلى صوت أجش ينطق بالانفعال كما يحدث في كل مرة يرد فيها ذكر آل ستوارت على لسانه . استطرد قائلا : - وهذا ما يعني أن عمالنا يتعين عليهم انتظار إشارة الضوء الأخضر عن التركيبات الكهربائية وأعمال السباكة و .. - جوناثان كيف حدث أن أعتقدت أنهم قد اشترواموظفين مسؤولين ؟ - من خلال زجاجات المشروبات وما يجرى من أسفل المناضد . - هل لديك أية أدلة على ذلك ؟ - إلا تلمحين يا ميشيل ؟ تعلمين أن آل ستوارت ليسوا على هذا القدر من السذاجة . تنهدت الفتاة مستندة إلى حافة الفراش . هذا الشقيق الذى تكن له حبا جما .. مثل والده تماما .. أعماه حقده على آل ستوارت . قالت : - آسفة يا جوناثان . أرى أن هذا الاتهام إنما هو نابع من عمق كراهيتك لهؤلاء الناس . اجابها جوناث بمزمجرة اعتراض قبل أن يسألها : - وجاكي ؟ كيف حالها ؟ - لن تصل قبل بضعة أيام . حدث في آخر لحظة أن كان هناك سبق صحفي عاجل تعين عليها الاضطلاع به . - وماذا أنت فاعلة ؟ كادت ميشيل تكبح ضحكة ألحت عليها : - اسمعنى يا جوناثان . إننى فتاة ناضجة قادرة - منذ زمن بعيد - على الاستمتاع بوقتي بمفردي على مدى أيام عديدة . - أنصحك بالحكمة . الفتيات الناضجات أولى بتوخى الحذر من الصغيرات خاصة وأنك بعيدة الآن عن البيت والأهل . - لاتقلق . وأرجوك ان تعدنى بألا تقترف بالإشتراك مع والدي عملا انتقاميا على فعلة تصورتما أن آل ستوارت قد ارتكبوها . - تصورنا ؟ هل هذا كل رأيك ؟ من المؤكد أن والدي سوف يتصل بك هاتفيا في الغد يا ميشيل . وحتى ذلك الحين عليك أن تحذري أولئك السمر الوضعاء ! إلى اللقاء يا ميشيل . أعادت ميشيل سماعة الهاتف إلى موضعها وقد أعتراها اضطراب شديد . لم تحس بالذنب أن أخفت عن جوناثان وجود إيان . طالما كان شقيقها هذا كاتم أسرارها منذ وفاة والدتهما . لكن فكرة تناول العشاء مع إيان ولدت فيها اضطرابا مشوبا بوخز الضمير . ألقت نظرة على ساعة يدها كانت الخامسة . بقيت ساعتان على الموعد المرتقب . سوف تجلس إلى مائدة عشاء مع عدو والدها وشقيقها تشاركه وجبه بدعوة منه وهو ما يكفى لإيجاد صدع لا يرأب في علاقتها بأفراد أسرتها . لو أنهما علما بما سوف يكون .. وجدت إيان ينتظرها بالرواق لدى مغادرتها المصعد . توجهت إليه بخطى واثقة وقد غمرها إحساس بأنها قد هدمت قلاعها . اختارت أن ترتدي لهذه المناسبة ثوبا طويلا أنيقا باللون الأزرق القاتم مقفلا بإحكام حول الرقبة تاركا الذراعين والظهر عارية تماما . أحست بالاطمئنان أن رأت نظرات الاستحسان تستحوذ على عينيه البراقتين . أما هو فارتدي بنطلونا أسود مع قميص أبيض مفتوح من تحت سويتر باللون البنى الفاتح من قبيل توخى الإعتدال . قال هامسا : - خشيت ألا تاتى . فأجابته بصدق : - لم تخطئ تماما . - ما الذى حملك إذن على الوفاء بوعدك واحترام موعدك معي ؟ - في تصورى أنه تصرف أتحدي به العالم من حولي . أحب أن أكون بنفسى الرأى في الأمور وفى الأشخاص . رمقها إيان بابتسامة تصاحبها نظرة فاحصة : - ومن المعلوم أن الأمر الذى لن يعلم أحد عنه شيئا لن يكون ذا أثر عليك .. - هذا صحيح . لكن كان بوسعك أن تستأجر مصورا يسجل لحظات لقائنا وتبعث بالصور إلى والدي .. وبينما توردت وجنتها خجلا . بهت إيان إزاء سلامة تفكيرها قبض على ذراعها مصطحبا إياها إلى حجرة الطعام وهو يقول : - لكننى لم أفعل شيئا كهذا . - أعتذر . لا أدري ما الذى دفعني الى أن أقول ذلك . - إنهم علموك الارتياب في دوافع جميع أفراد آل ستوارت . - وهل تحترمون أنتم أفراد عائلتنا ؟ - نعم . رفعت ميشيل رأسها نحوه فرأت أن قامتها تبلغ كتفه بالتمام سألته : - لماذا ؟ جاء استفسارها فضولا أن تعرف : ما إذا كانوا قد لقنوا ذات نوعية التعليم أم أن ذويهم قد اكتفوا بعزلهم عن عائلتها ؟ انتظر إيان حتى استقرا إلى مائدة بركن هادئ زينتها نبتة من السحلب الاحمر الخلاب ثم أجابها : - لأننى أفترض فيك الصدق يا ميشيل . إذا ما رأيت محاربتي فسوف تفعلين ذلك علنا . - ذهبت جميع محاولاتى أدراج الرياح ؟ - نعم . وأود أن تفترضي في ذات الصفة . ترددت لحظة لكنها لم تستطع أن تدحض ما قال : - أود ذلك من كل قلبي .. بل ان المنطق ذاته يدفعني إليه . قال متمتا : - لكن .. - لكننى فكرت في ذلك مليا وانا في حجرتي . هل تعتقد أنه بعد خمسة قرون من الزمان تتحول عدم الثقة إلى نوع من الصفات الوراثية ؟ - آمل من صميم فؤادى ألا يكون الوضع قد تطور إلى ذلك ! - وهذا أملى أيضا . ثم استطردت تقول ممسكة بقائمة الطعام : - إننى جائعة جدا . لم أتناول طعام غداء اقتصاد للوقت حتى أتمكن من إتمام جولتي بالجزيرة . أضفت الإضاءة الخافتة عليه ضربا من الانتشاء أكده موقفه منها المتحير تارة والمتحفظ تارة أخرى . ومع كل ذلك لم يكف عن النظر إليها لحظة واحدة . لم يصدق أنه جالس إلى مائدة واحدة مع ميشيل لوجان التى طالما خلبت لبه إلى حد لم يمكنه إخفاؤه عن والده . نظرة عينيها الرماديتين ووجهها الرقيق كان لهما فعل المغناطيس القوي عليه . ومنذ لحظة الإمساك بذراعها بالرواق تمنى لو أنه يستطيع أن يمد يدا إلى بشرة ظهرها الذهبية الحريرية يتلمس نعومتها ويستمتع بسحر عطرها الانيق المثير . منذ لحظة التقائه الأولى بعينيها الساحرتين انتابته دهشة شديدة لم يفقه لها معنى محددا وإن علم بغريزته أن شيئا ما - يستحيل تجاهله - قد بدأ يعتمل بداخله . قالت وقد توردت وجنتاها قليلا : - أرى أن أخذ دجاجا . وأنت ؟ تنبه إيان إلى أنها ربما تكون قد تضايقت من ثبات نظرته عليها . قال دون أن يدرى ما الذى اقترحته ؟ - وانا أيضا . شابكت ميشيل يديها فوق قائمة الطعام قائلة : - لا أنا ولا أنت يمكننا أن ننسى كل تلك الشكوك فهى موجودة بغض النظر عما إذا كانت مورثة أو كانت منبعثة من داخل نفوسنا . - لا أرى سببا واحد يبرر كراهيتي نحوك يا ميشيل . ولا أرى مثل هذا السبب لديك أيضا . - أعلم . لكن عدم توفر الكراهية شئ ورباط الصداقة شئ آخر حتى لو تولد فينا الإحساس بالرغبة لأن هذا الأمر خاص بنا . سألها وهو ينحنى نحوها : - لماذا ؟ كان بحاجة إلى أن يقرأ ما تقوله عيناها حتى يتعرف على مشاعرها وأحاسيسها خاصة أنه أراد أن يقنعها بأمر بدا له جليا . - إننا بمفردنا فى هذا المكان يا ميشيل لا يراقبنا أحد . لا والد ولا شقيق .. الجميع هنا سوف يسخرون منا لو أنهم علموا أننا في عداد الأعداء , لأنهم جميعا يرون أننا لا بد أن نكون صديقين أو .. عاشقين . سرت في جسدها قشعريرة لم تألفها من قبل عندما سمعت هذه الكلمة الأخيرة التى نطقها إيان بصوت أجش مفعم بالأحاسيس . تجاهلتها ميشيل لكنها لم تجرؤ على لقاء نظرته خشية مما عساها أن تقرأه في عينه . تقلصت معدتها وثقلت أنفاسها . - ميشيل ؟ أجابته بصوت خافت دون أن تنظر إلى وجهه : - عندما كانت طفلة صغيرة كنت أجهل أن ستوارت هو اسم لإنسان . لاننى علمت بما لا يدع مجالا للشك - من أسلوب نطق والدى لهذه الكلمة - أن ستوارت يعني شيئا بشعا . وضع إيان يده فوق يديها : - وكنت أنا حتى سن السابعة أعتقد أن لوجان سبة . لكننى لم أكن قد بلغت السابعة كما لم تكونى سوى طفلة صغيرة . كل هذا بدأ معنا وكبر . لهذا كان من الطبيعى أن نعتنق عشوائيا تقاليد عائلية لازمتنا على مدى ثمانية أجيال . تاملت ميشيل اليد الدافئة الباعثة على الاطمئنان التى احتوت يديها وأنست في نفسها القدرة على النظر إلى وجهه . قالت بنبرة متواضعة : - لا أرى أننى سأكون الرائدة المقنعة في هذا التحول المنشود هناك الكثير مما قد أتعرض لخسارته بل سوف أفقده بالتأكيد .. كان حب والدها وحب شقيقها لها ما تعنيه . شدت يد إيان على يديها ثم أرخت قبضتها . قال : - حسن جدا . إنه إذن شئ آخر غير الكراهية . يمكننا الآن على الأقل أن نتناول عشاءنا في هدوء . لن تعلم أى من أسرتينا بامر وجودنا على ذات الجزيرة . أمرا بما يطلبانه من طعام . وللمرة الأولى في حياتها على الإطلاق عرفت ميشيل مذاق الإحباط الحقيقى . لو توفر لديها الاقتناع بالأسباب التى تؤدي إلى توطيد السلام لاستطاعت بمعاونة إيان وضع نهاية لهذه المشاحنة الشرسة القائمة بين العائلتين ولخاطرت بخوض التجربة لكنها تعرف أبها وأخاها حق المعرفة وبما تنتفى معه كل احتمالات قيام مثل هذا السلام . قال إيان مخاطبا إياها بنبرة حانية : - لاتيئسى ربما بانتهاء جولتنا يكون الوضع قد تغير إلى الأفضل . أجابته : - لا أعتقد ذلك . ربما لا تحمل لنا ضغينة لكن جوناثان مفعم بالكراهية . وأبى يهجره العقل والحس السليم كلية كلما ذكر آل ستوارت . هو الذى حقن شقيقي بكل هذه السموم . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ما من شك في أنه إذا حمل لك إنسان مشاعر الكراهية على مدى مثل هذه الفترة الطويلة - بما فى ذلك من النيات السيئة - فلابد من أنك ستضطر بمرور الوقت إلى أن تقابل مشاعره بمثلها مهما كنت حسن النيات . قطب إيان حاجبيه : - يقولون : إن والدك أكثر مرارة من والدى . أتعلمين لماذا ؟ هزت راسها قائلة : - لا . لكن جوناثان يعلم شيئا عن ذلك . عندما كنا صغيرين أفهمني في أحد الأيام أن والدك فعل بوالدي أمر بشعا منذ زمن بعيد لكنه رفض أن يكشف لي عن ذلك الأمر . - من المؤكد أنها رواية نسائية . سألته بضيق : - ولماذا تقول ذلك ؟ - لأنه لو لم تكن كذلك لأخبرك جوناثان بذلك الأمر . ما ذلك الذى حدث ؟ امرأة مجهولة زادت الوضع سوءا ؟ من المعروف أنه في الصراع بين الرجال من الممكن أن تكون النساء أسلحة أو ضحايا . سرت في جسد ميشيل قشعريرة شديدة تبعها غضب عميق . كل ما أوحى به إيان هو عقد هدنة ما لكنه لم يتطرق إلى فكرة أن يضمهما فراش واحد . فراش واحد ..؟ ثقلت انفاسها وأصابها دوار عابر . مرت بمخيلتها صور عنيفة قاسية ومثيرة بما لا يدع مجالا للشك . أحتوها - وللمرة الأولى طوال حياتها - إحساس ملح بأنوثتها ومتطلباتها . - فيم تفكرين ؟ أحست ميشيل بأن وجنتيها تتوردان . لن تخبره بتلك الصور المثيرة التى تراود ذهنها . سمعته يحدثها باقتناع مذهل : - كل ما أرجوه هو أن ناخذ الامور بقدر أكبر من البساطة . وألا نشعر - ونحن هنا - إلا بأننا موجودان معا . ميشيل أتثقين بي ؟ - لا أدرى ماذا أقول . لكن إذا توفرت لي الشجاعة اللازمة لذلك فسيكون أمني ومصالحى هما الثمن الأكيد . عندما اقترب النادل ليقدم لهما طلباتهما ظل إيان منتظرا معلقا إجابته حتى يصبحا بمفردما . ورأت هى أن تتحين هذه الفرصة وتسيطر على اعصابها التى هزتها تلك المشاعر المذهلة غير المتوقعة التى لم تعرف طريقها إليها قبل الآن . تناولت من الطعام ما لم تستسغ له مذاقا لإنشغالها بما عساه أن يكون . لماذا يثير هذا اللقاء - المفاجئ بإيان وهذه الدعوة المتهورة إلى العشاء - كل هذه المشاعر العاصفة بداخلها ؟ وكيف أن إيان من بين جميع رجال العالم هو الذى استطاع أن يبعث فيها كل هذه الأحاسيس ؟ تفجرت بداخلها ثورة من المشاعر المختلطة المتضاربة . سلام في وجود إيان ؟ لا . أصبح هذا مستحيلا من الآن فصاعدا . فالمشاعر التى أثارها بداخلها تتنافى مع السلام والراحة . - ميشيل . رفعت نحو وجهه الوسيم - الذى أصبح الآن مألوفا إلى حد بعيد - عينين تنطقان بما يعتمل بداخلها فاضرمت فيه أحاسيس فاقت بعيدا على الاحتمال . كان قد اكتفى بلمس يديها الذى أسقط بداخله حاجزا كان يحجب شيئا مفزعا . أحست كانها تختنق . ثم إنها بحاجة إلى أن تبتعد عنه فترة من الزمن تخلد فيها إلى تفكير مترو . قالت وهى تنهض من فوق مقعدها : - أستأذنك . سألها بصوت ينم عن قلق شديد : - ماذا بك ؟ لم تهتد إلى اجابة . بل لاذت بالفرار بين نظرات الفضول التى رمقها بها رواد المطعم الذين مرت بموائدهم . سمعته يناديها وكان ذلك حافزا لها على أن تسرع الخطى إلى الخارج . كان من دواعي مفخرة الفندق أن ألحق به شاطئ خاص , وكان ذلك الشاطئ خاليا تماما من الرواد في تلك الساعة المتأخرة من الليل . تخلصت ميشيل من حذائها قبل أن تسلك الطريق المؤدي له , حيث سارت بمحاذاة حوض السباحة الذى تلألأت مياهه تحت أضواء الكشافات الكهربائية المختفية خلف الصخور . تلمست بعد ذلك الطريق المظلم الذى التف حول الأشجار الاستوائية لينتهى عند الشاطئ والامتداد المظلم لمياه الحبر التى انعكست فوقها أشعة القمر .ما إن بلغت ميشيل الرمال المبتلة حتى ضاعفت سرعتها . داعبت خصلات الشعر - التى تسللت إلى خارج جديلتها الرقيقة - وجنتيها وإذعنت جونلتها لحركة الريح بينما حدت هى تركض فرارا من لقائه . | | | | | |
| |