آخر 10 مشاركات
وقيدي إذا اكتوى (2) سلسلة في الغرام قصاصا * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : blue me - )           »          96 - القرار يعود لك - ايما دارسى - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          112 - دمية وراء القضبان - فيوليت وينسبير - ع.ق (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          سيدة الشتاء (1) *مميزة* , *مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          499 - أكثر من حلم أقل من حب -لين غراهام - أحلام جديدة جديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          219 - صديقان ...وشيئا ما - جيسيكا ستيل (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          أرواحٌ تائـهـة في غياهِبِ القَدَر (الكاتـب : الـميّادة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > مكتبات روايتي > منتدى الـروايــات الـعـربـيـة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-03-09, 08:49 PM   #1

عبير الرومانسية
 
الصورة الرمزية عبير الرومانسية

? العضوٌ??? » 9772
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 5,769
?  نُقآطِيْ » عبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond repute
افتراضي قصة " نصيب " للكاتب توفيق الحكيم


مرحبا احلى اعضاء

هذه القصة القصيرة هي واحدة من مجموعة قصص من كتاب " مدرسة المغفلين " بقلم الكاتب توفيق الحكيم





نصيب


في حياة كل رجل لحظة يشعر فيها فجأة بأنه مثل غطاء الطبق الذي لا يجد طبقه , والويل لمن لا يفطن الى هذا الشعور الا متأخرا , انه يترك عندئذ كل شيء وينقلب مجنونا بتلك الفكرة المسيطرة : البحث عن شطره الآخر .
كان بطل هذه القصة من هذا النوع من الرجال . شاب مجد طموح تخرج في الجامعات مهندسا بارعا . درس في مصر ثم في الخارج وكان في مقدمة أقرانه دائما . لا يعرف غير العمل ولا تنظر عيناه غير طريق مستقبله الناجح .
وقد ركض في هذا الطريق بالفعل حتى بلغ درجة " مدير أعمال " وكاد يشرف على الخامسة والثلاثين وهو مستغرق هذا الاستغراق في عمله الهندسي . واذا بغتة تدهمه هذه اللحظة الحاسمة . واذا هذا الغطاء الذي كان يجري على " سنه " ناهبا الارض كأنه كل شيء , قد اصطدم بجدار تلك اللحظة العجيبة , فوقف ودار حول نفسه دورات ثم انبطح على ظهره ورن معدنه رنينا مكتوما وكأنه يهمس : " ما انت الا غطاء الطبق ! " وأفاق المهندس بعدئذ وليس في رأسه غير فكرة واحدة : الزواج .


ودهش أصدقاؤه لرنين هذه الكلمة في فمه , فهم لم يسمعوها قط منه , ما الذي حدث ؟ وهم الذين طالما فاتحوه من قبل في هذا الامر , فلم يجدوا منه غير الصدوف وعدم المبالاة . لقد كان كلما ذكرت أمامه " الزوجة " - أو النصف الآخر , أو شريكة الحياة - يبدو عليه كأن الموضوع لا يعنيه ولا يفهم مغزاه , ويبتسم أحيانا ابتسامة المتعجب لغلو الناس في الوصف واسرافهم في التعبير . لقد كان يحس احساسا أكيدا انه كامل بنفسه . وأنه واحد صحيح لا نصف ولا ثلث ولا كسر من عدد . انه درس الحساب والجبر والرياضيات العليا فمنذا يقنعه بأنه أقل من رقم , وأنه نصف فقط , وأن هنالك نصفا آخر في مكان ما ينقصه ليكون الناتج واحدا صحيحا ؟ هذه المسألة الحسابية الآدمية من الذي وضعها ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟ لا .. لا .. انه لا يظن الطبيعة مشغوفة الى هذا الحد هي الأخرى بعلم الحساب .. لتجعل من الرجال والنساء أرقاما أو كسورا من ارقام تجمع بينها وتطرح . كان هذا كلامه فيما مضى . أما الآن فهو يقول لأصحابه : " صدقتم , الحياة حساب .. الحياة مسألة حسابية . أنا كسر .. أنا نصف .. اجمعوني من فضلكم على النصف الآخر !" .

لكن بقيت المعضلة الكبرى : كيف العثور على ذلك النصف ؟ هل يترك الامر للمصادفة أو عليه هو بالسعي ؟ هل القدر هو الذي يخط على لوح الوجود بالطباشير جامعا الانصاف بعضها الى بعض ؟ أو أن على الرقم المشطور أن ينفلت هو بنفسه من تحت أصبع القدر وطباشيرته ويسرع زاحفا على اللوح بحثا عن بقيته ؟
ولبث المهندس أياما لا يلقى على معارفه المتزوجين غير هذا السؤال الذي لا يتغير : " كيف عرفت زوجتك ؟ " , وكانت الاجابات مختلفة , فمنهم من يقول : " رأيتها في سهرة عند بعض الاقارب أو الأصدقاء " , ومنهم من يجيب :" قابلتها في سوق خيرية فاعجبتني , فسألت عنها " , ومنهم من يذكر :" كانت على البلاج , فتبعتها وعرفت عنوانها ", ومنهم - وهم الندرة في هذا الزمان ممن يؤمنون بالنصيب او اليانصيب , ولا يرضون بطرائق الاختيار الحديثة - همسوا له :" والله البركة في الخاطبة أم شلبي ".

وحار المهندس في هذه الأساليب جديدها وقديمها , ولكنه لم ينكر ولم يرفض ولم يعترض .. لقد قبلها كلها . كل سبيل يؤدي الى شطره الآخر لن يتردد في سلوكه . لقد فتح عينيه واسعتين وذهب بهما يجوس خلال السهرات والطرقات والشواطيء والاسواق . لكن .. واأسفاه , أما هذه فقصيرة وأما تلك فطويلة .. والأولى أنفها لا يروقه والثانية فمها لا يعجبه .. ثم اذا هو أغضى عن المظهر فمن يدريه بالمخبر ؟ لقد جند كل أصدقائه وزوجاتهم للبحث معه . ذلك أنه لم يكن له أقارب في القاهرة ... فان أهله في الريف .. وليسوا ممن يحسنون فهم ما يريد .. ولم تكن صلته بهم تبيح لهم التدخل في شئونه , فقد كانوا أقارب من درجة بعيدة .. لأن والديه ماتا بعد تخرجه في الجامعة بقليل .. لذلك كان اعتماده على معارفه .. وأغلبهم كان يرتاب في أنه يأخذ الأمر اليوم على سبيل الجد . فكانت معاونتهم له ضئيلة فاترة في أكثر الأحيان , ثم زادهم فتورا وانفضاضا من حوله ما رأوه من تردده في الاختيار وعدم بته في الأمر , ونبذه كل فتاة عرضت عليه بحجج مختلفة .على أنه لم يكن في الحقيقة متعنتا ولا متعللا , انما هو ذهنه كان قد صور له امرأة بملامحها وخصالها , وأوهمه أن تلك هي نصفه الذي لا يرضى به بديلا , فهو لا يريد أن ينتقي الا طبقا للأنموذج الموضوع في رأسه . وطال بحثه عبثا وذهب جريه سدى . فقعد ذات مساء يائسا ونظر الى السماء قائلا : " تعبت أيها القدر ! الكلمة لك أنت الأن . سأغمض عيني وأمد يدي , فضع فيها من تشاء !" . وما جاء الصباح حتى أرسل في طلب الخاطبة أم شلبي , نعم ... ولم لا ؟ ما دام قد نزل عن نماذجه وصوره , وقنع بالنصيب المكتوب في اللوح , وأسلم قياده للقدر يخط بيده ما يريد .. فماذا يصنع غير ذلك ؟ اليست أم شلبي من عملاء القدر أو من أدواته ؟ ... من يدري ؟ لعلها هي الطباشيرة في اصبعه . اذ لا يمكن للقدر أن تكون له وسيلة أخرى يفرض بها في مثل هذا الامر ارادته السماوية . وأقبلت تلك " الطباشيرة " فاذا هي امرأة ضخمة بدينة سمينة جسيمة كأنها فيل . وهل ينتظر أن يملأ يد القدر أو يليق بأصبعه حجم أقل من هذا الحجم ؟! وعرض المهندس الخاطب طلبته , ووصف لها على قدر الامكان بغيته . فمضت المرأة واختفت أياما ثم عادت ومعها سجل حافل بأسماء الأسر , ومنديل كبير يضم عددا من الصور الفوتوغرافية لفتيات على كل طراز . فوقع في حيرة جديدة : كيف يتخير وأيها يختار ؟ وحدثته الخاطبة فيما حدثت عن فتاة تصلح .. ولكن - يا خسارة ! - تقدم اليها خاطب طيب من السهل رفضه . تصلح لي ؟ وأين صورتها ؟ .. وخيل الى المهندس في تلك اللحظة أن هذه الفتاة هى امرأته ونصفه وحلمه , وأن عليه أن يختطفها من منافسه اختطافا . وأين صورتها ؟ فالت الخاطبة ان أهلها رفضوا كل الرفض أن يعطوها أية صورة لها ... ولكنها جميلة وأي جمال ... فتشبث المهندس بأذيال الخاطبة وصاح : " لا بد من الصورة " . ففكرت مليا ثم نظرت اليه نظرة دهاء , فمثلها لا يعجز عن الحيلة . لقد لمحت في بهو الدار صورة الفتاة معلقة على الحائط .. فهي ستذهب اليهم لتخبرهم بأمره .. ثم تغافلهم وتخطف الصورة المعلقة وتأتي بها اليه . نهضت من فورها وذهبت وتركت المهندس فريسة ذلك الاحساس . انها هي . انها هي .. لقد وجدها أخيرا . ما سر هذا الشعور ؟ أتراه الغموض الذي يشملها ؟ انه لم يرها وينازعه فيها منذ الآن منازع .. كيف هي ؟ وهل يفوز بها ؟ انه واثق ان صورتها هي صورة المرأة التي يبحث عنها . ولبث يفكر في ذلك طول مسائه ... وتقدم الليل وأراد أن يأوى الى فراشه .. ولكن النوم استعصى عليه فقام وأضاء المصباح الكهربائي الصغير فوق رأسه , وتناول كتابا يهدىء من أعصابه الثائرة .. واذا نظره يقع على صفحة تحتوي قصة قديمة لرجل من بلاد السند كان يبحث هو أيضا عن زوجة أحلامه , فكان بحثا ممضا على غير طائل , فقال له قائل :" لا تيأس . ابحث عن الزوجة ولو في الصين " فلم يبطىء الرجل . وركب في الحال البحر الى بلاد الصين فكسر المركب به وبمن معه في وسط البحر . فنجا مع بعض القوم على خشبة من خشب المركب , ووقعوا في مكان لا يدرى أي مكان هو , فأقاموا فيه أياما لا يجدون قوتا حتى أشرفوا على الموت , فقال بعضهم لبعض : " تعالوا نعاهد الله على أنفسنا أن ندعو له فلعله يرحمنا ويخلصنا من هذه الشدة " فقال بعضهم : " أصوم في كل عام شهرين " , وقال البعض : " أصلي في كل ساعة ركعتين " , وهكذا . الى أن قال كل منهم شيئا والرجل طالب الزوجة ساكت فقالوا له : " قل شيئا ! " , فحار ولم يجيء على لسانه الا قوله : " لا آكل لحم فيل أبدا ! " فصاحوا به : " الهزل في مثل هذه الحال ؟ ! " فأجابهم . " والله ما تعمدت الهزل , ولكني منذ بدأتم وأنا أعرض على نفسي شيئا أدعه لله فلا يخطر على بالي غير الذي لفظت به " . ومرت اللحظات بهم , فقال أحدهم : " لم لا نطوف في الارض متفرقين بحثا عن القوت , فمن وجد شيئا أنذر به الباقين , والموعد هذه الشجرة ؟ " . فتفرقوا في الطريق , واذا أحدهم يرجع بعد قليل بولد فيل صغير , فلوح بعضهم لبعض فاجتمعوا . وأخذوا الفيل الصغير واحتالوا فيه حتى شووه , وقعدوا يأكلون , وقالوا للباحث عن الزوجة : " تقدم وكل معنا " , فقال : " أنسيتم اني منذ ساعة تركته لله ؟ اني لم أرجع في شيء تركته لله ابدا ... ولو كان في ذلك موتي جوعا " , وأكل أصحابه بدونه , وأقبل الليل فتفرقوا الى مواضعهم التي كانوا فيها يبيتون . وأوى هو الى أصل شجرة كان يبيت عندها , فلم يكن الا لحظة , واذا بفيل عظيم قد أقبل وهو ينعر والخلاء كله يندك بنعيره , وهو يطلب القوم . فقال بعضهم : " قد حضر الأجل " , فاستسلموا وتشهدوا وأخذوا في الاستغفار والتسبيح , وطرحوا أنفسهم على وجوههم , فجعل الفيل يقصد واحدا واحدا , فيشمه من أول جسده الى آخره فاذا لم يبق فيه موضع الا شمّه , شال احدى قوائمه فوضعها عليه ففسخه ثم تركه كالعجين , وقصد آخر ففعل به مثل ما فعل الاول ... الى أن لم يبق من القوم غير الباحث عن الزوجة , وهو جالس منتصب يشاهد ما يجري ويستغفر ويسبح ويقول : " قاتل الله ذلك الذي نصحني هذه النصيحة الشؤم , وأخرجني من بلادي في طلب .. " ولم يتم كلامه ... فان الفيل لم يمهله وقصده للفور . فارتمى الرجل على ظهره مستقبلا الموت , وجعل الفيل يشمه كما شم أصحابه من قبل , ثم أعاد شمه مرتين أو أكثر , ولم يكن فعل ذلك بأحد من الآخرين , وروح الرجل في خلال ذلك تكاد تخرج فزعا .. ثم لف خرطومه عليه فشاله في الهواء , فظنه الرجل يريد قتله بقتلة أخرى , فجهر بالاستغفار ولكن الفيل رفعه بخرطومه وأجلسه فوق ظهره , وانطلق به يهرول تارة , ويتهادى أخرى .. الى أن طلع الفجر واشتد ضوؤه , فاذا الفيل قد أنزله من فوق ظهره , وتركه على الارض أمام باب قصر فخم .. ورجع الى الطريق التي جاء منها .. ولبث الرجل في موضعه لا يعقل ولا يعي من الفزع والجزع .. ولم يثب الى رشده الا وهو داخل القصر .. فانتبه الى نفسه .. فاذا هو في فراش وثير وثياب جديدة والى جواره فتاة كالبدر هي ابنة صاحب الدار .. طفقت تعنى به وهو ينظر اليها ويهمس قائلا : " أمن الموت الى الحياة .. وأي حياة ! انها هي .. هي ! " نعم كانت هي ضالته التي تجشم من أجلها السفر والبحر والخطر .. فقد تزوجها بعد ذلك وكانت نعم الزوجة والخدين والشريك ..

وانتهى المهندس من مطالعة هذه القصة القديمة , وهو يقول لنفسه : أم شلبي .. هذا الفيل الآدمي .. من يدري .. لعلها هي الأخرى تحملني غدا الى تلك الأسرة التي أجد في فتاتها ضالتي ! .. وطلع الصبح . وانتصف النهار .. وجاءت الخاطبة تحمل في ملاءتها , صورة في اطار , أمسك بها المهندس متلهفا وتفرس فيها مليا .. ثم طفق يقول كالمخاطب لنفسه : " نعم .. لا بأس .. حقيقة اني أردت امرأتي هكذا ! " وسحبت أم شلبي الصورة من يده برفق , قائلة له انها ستقع في الحرج اذا تفقدوا الصورة قبل ردها .. وأن عليها الآن ان تعود بها فورا لتضعها في مكانها .. وأن ما يجب عليه عمله منذ الساعة وقد راقته الفتاة أن يمضي قدما الى أهلها فيعرض طلبه , قبل أن يرتبطوا بالخاطب الآخر , واذا شاء فانها تدبر له موعد المقابلة مع أبيها في أقرب وقت .. فقال لها : " نعم أسرعي , الخير فيما اختاره الله .."

لم يمض يوم حتى عادت أم شلبي تلهث وتدعوه الى زيارة والد العروس , عصر ذلك اليوم , وتوصيه أن يكون حريصا على الذهاب في الموعد المحدد بغير ابطاء ولا تأخير , فان أهل الفتاة رفضوا بادىء الأمر الكلام في شأن أي خاطب جديد فهم قد رضوا عن الخاطب الأول , ولم يروا مبررا لترك هذا الباب مفتوحا بعد ذلك , ولكن الخاطبة بذلت أعظم الجهد في اقناعهم بمقابلة هذا المهندس الكفء , فمن يعلم أين النصيب ؟ وما ضرهم أن يأذنوا له في زيارة قصيرة , لقد احتالت وصنعت ما استطاعت لتفتح له ذلك الطريق المغلق , فلم يبق الا أن يصنع هو ما يستطيع ليقنع والد البنت , وهو شيخ وقور متقاعد من رجال الجيش , دقيق في نظامه , صارم في أحكامه , فقال المهندس للخاطبة : " لا تخافي . في الساعة الخامسة بالضبط أكون هناك ! " .
وقد بر بوعده , فما أزفت الرابعة والنصف حتى كان قد تهيأ وتجهز وارتدى خير ثيابه , ووقف أمام المرآة يضع منديله الحريري في جيب الصدر ,
وينظر اليه وقد تدلى وتهدل , فرأى أن يخفي بعضه ولا يبرز غير طرفه , اعتدالا في ادعاء الاناقة , واقتصادا في ابداء الخيلاء , ورضى عن مظهره .. فنزل الى الطريق قاصدا بيت العروس , وسار في الشارع وكل شيء فيه مبتهج فرح , وقد غمر الاطمئنان قلبه فبدد حيرته , لقد انتقى له القدر شريكته , فلم يبق الا أن يتقبلها منه شاكرا , آه للانسان ! ما أشد عجزه ! هنالك مسائل لا يرتاح الى حلها الا اذا سقط عليه المفتاح من السماء ! وهنالك مواقف يواجه فيها الانسان مفرق طرق , فلا يسعفه الا دفعة في ظهره من يد القدر نحو احداها ..
كانت مثل هذه الخواطر تجول في ذهن المهندس وهو يواجه مفرق طرق " ميدان سليمان باشا " واذا فجأة يحس دفعة في ظهره شديدة قاصمة قد طرحته على الارض , واذا شيء كالعجلات يمر فوق جسمه .. وكان هذا مبلغ وعيه لكل ما حدث ..

ليس يدري على التحقيق كم من الزمن مضى عليه وهو في اغمائه , لكنه عندما تنبه وجد نفسه على فراش وثير في سرير مستشفى , وجسمه كله مغلف بالاربطة الصحية وقد سمع من يهمس حوله قائلا : " لا تتحرك " فحول بصره جهة الصوت , فرأى طبيبا وممرضا وممرضة في ثيابهم البيضاء , وقد علم منهم أنه قد أجريت له عملية " جراحية " وأنه قد كسر له ضلع , وأنه في هذا المستشفى منذ أيام , وأن حالته كانت خطرة بادىء الامر , ولكن الخطر زال الآن , وهو لا يدري ما الذى حدث حتى وصل الى هذه الحالة , وأحب ان يستفسر فمنعه الطبيب من بذل أي حركة أو جهد .. ولم يسمح له الا بالرد المقتضب على أسئلة رجال الضبط الذين جاءوا لسماع أقواله في الحادث , وقد أجابهم بأنه لم ير شيئا .. لا السيارة التي صدمته ولا لونها ولا سائقها , فختموا محضر تحقيقهم وانصرفوا عنه , وتأمل هو حاله لحظة واكتفى بالهمس في أعماق نفسه :
- ضلع مكسور ! .. هذا كل ما وصلت اليه .. أنا الآن " كسر " بحق دون أن أظفر مع ذلك بالتي تكملني !
ثم ذكر آخر يوم كان فيه صحيحا .. وكان سائرا الى بيت العروس ترى ماذا تم في هذا الامر ؟ أترى الفتاة ما برحت من نصيبه ؟ أم أن الخاطب الاول قد سبقه اليها , بينما هو طريح , كالجواد الذي سقط في ميدان السباق ؟ كيف السبيل الى معرفة النتيجة ؟ لو استطاع على الاقل أن يبعث في طلب " أم شلبي " ليعلم منها ... ولكن ما الحيلة في هذا الطبيب الذي يمنعه من الكلام والحركة ؟ فليصبر يوما آخر أو يومين .. يا لسوء حظه اذا كان قد فقدها بسبب هذا الحادث ! الويل للجاني الذي صدمه عند ذاك . انه لن يغتفر له أبدا .. لا كسر ضلعه , بل تلك الطامة الأخرى , ضياع نصفه الآخر بعد أن عثر عليه ..
وحانت منه التفاتة الى ما حوله , فوجد ما أدهشه : باقات من الورد والازهار الغالية في الآنيات , وقارورات فاخرات من ماء " الكلونيا " , وكتب مجلدة مذهبة لقتل الوقت , وصناديق ثمينة مفعمة بالحلوى ومملوءة بالسجاير .. وكل ما يمكن أن يهدى الى مريض معزز مدلل . عجبا ! . من هذا الذي يهتم بترفه كل هذا الاهتمام , ويعنى بشخصه كل هذه العناية ؟! وسأل طبيبه بايماءة من عينه عمن أحضر كل هذه الهدايا .. فلم يزد الطبيب على أن قال بسرعة وبلهجة من يقول شيئا معروفا للجميع :
- الست .
والتفت الطبيب الى مرءوسيه يصدر اليهم الأوامر الأخيرة قبل انصرافه . وغادر الجميع الحجرة من فورهم , تاركين المريض مستغرقا في الدهشة : " الست " ! ومن هي هذه " الست " ؟! وعادت الممرضة وفي يدها انبوبة زجاجية وحقنة , ملأتها ثم وخزت المريض بابرتها .. فانتظر حتى فرغت من عملها , فسألها أن تحدثه قليلا عن تلك " الست " .. وكانت الممرضة ثرثارة .. فتدفقت تصفها بأنها أجمل وأكرم سيدة رأتها ..
وطفقت تخبر المهندس المريض بطائفة من التفاصيل لم تزده الا عجبا واستغرابا , فهذه " الست " الحسناء تأتي كل يوم لتسأل عن صحته ..وهي في كل مرة تأتي بالأزهار الجميلة , وتضع النقود في أيدي ممرضيه بسخاء وترجوهم أن يخصوه بكل عنايتهم , وأنها كانت في ساعات الخطر الأولى تسأل عن تطورات حالته في جوف الليل بالتليفون عدة مرات .. وأنها حضرت " العملية الجراحية " منتظرة في حجرة مجاورة كي تطمئن على عواقبها . وأنها أصرت على استدعاء " كونسولتو " من الاطباء قبل اجرائها لتزداد اطمئنانا وأنها دفعت نفقات كل ذلك من جيبها بدون تردد ..بل الأعجب أن وجوده في هذا المستشفى في هذه الحجرة من الدرجة الأولى الممتازة بكل ما يلزم له من علاج وغذاء ورفاهية وترف هي التي تتولى نفقاته , وأن المال يسيل من بين أصابعها كالماء في هذا المستشفى من أجله .. ولا هم لها ولا تفكير الا في شيء واحد : " انقاذ حياته بأي ثمن " .. تلك هي كلمتها التي ترددها كل يوم وكلما جاءت .. ولكل من تقابل من أطباء وممرضين .. وختمت الممرضة حديثها قائلة ببساطة :

- طبعا .. زوجتك .. طبيعي أنها تهتم بحالتك وتضحي بكل شيء !.. ان شاء الله أبشرها بالأخبار السارة عن قريب ! ..
وخرجت من الحجرة مسرعة , وتركته يقول كالمخبول :
- زوجتي ! ؟

وجعل يعالج حل هذا اللغز , الى أن اهتدى الى رأي شبه معقول :
لعل هذه " الست " التي يحسبونها هنا زوجته ليست في حقيقة الأمر سوى تلك الفتاة " العروس " التي كان ذاهبا لخطبتها . ولعلها علمت بالحادث , وأثر في نفسها ما وقع له وهو في طريقه اليها . فحملها ذلك التأثر الشديد لهذا الاخلاص كله على العناية به . اذا كان ذلك حقا فهي اذن الشريكة المنشودة . نعم ما أكرم نفسها ! وما أسعده بمثلها ! ثم لماذا تتحمل هي نفقات علاجه ؟ أتراها اعتبرت نفسها زوجته منذ الآن , لمجرد أنه كان ذاهبا يطلب يدها ؟ .. اذا كان هذا ما وقع في نفسها , فانه ليقرها عليه .. فهو أيضا يعدها زوجته من الآن .. بل منذ اللحظة التي سقط فيها تحت السيارة من أجلها .. يا لها من زوجة عزيزة .. ان رسمها في رأسه الساعة مشوش مختلط .. ولكنه مع ذلك يذكر بعض ملامحها التي شاهدها في الصورة ذات الاطار .. لا بد له على أي حال أن يراها سريعا , ليشكرها على الاقل . وانتظر حتى جاءت الممرضة فقال لها :
- أريد أن أرى .. زوجتي .
فأجابته الممرضة بأنها لم تحضر بعد , ووعدته بأن تدخلها عليه توا عند حضورها . ولبث المريض يعد في انتظارها الدقائق ثم الساعات , ثم جاءه الليل , ثم مر يوم وثلاثة وأربعة .. دون أن يسمع من الممرضة سوى ألفاظ الدهشة والاستغراب . فهي أيضا تعجب لاختفاء هذه السيدة الآن .. بعد أن كانت تجيء المستشفى في اليوم مرتين .. ووقع المهندس لا في الهم والغم وحدهما بل في الحيرة أيضا والحرج .. بماذا يعلل للممرضة وللآخرين هذا التصرف العجيب من زوجته المزعومة ؟ . فآثر الصمت أمامهم والاقلاع عن ذكرهم . ولكنه ظل الأيام يحاول عبثا أن يكشف لنفسه حقيقة هذا السر . الى أن بدرت ذات يوم من الطبيب بادرة أنارت قليلا هذا الأمر . فقد قال له وهو يفحص ضلعه المكسور :
- حالتك الآن على ما يرام . تستطيع الآن أن تضطجع على وسادة خلف ظهرك , وأن تتكلم كما تشاء .. وأن تقرأ هذه الكتب والصحف والمجلات التي ترسلها لك الست ..
فصاح المريض كالغريق الذي وجد خشبة :
- الست ؟ .. أين الست ؟ ..
فقال الطبيب باسما :
- انها الآن مطمئنة غاية الاطمئنان بعد أن أكدت لها منذ أسبوع زوال كل خطر ..
- ولكني .. أعني .. هل حضرت ؟
- لا .. لقد قالت لي في آخر مرة أنها لم تعد ترى ضرورة للحضور , ما دام الخطر قد زال .. وأنها تكتفي الآن بالسؤال عن الحالة بالتليفون مرة كل يومين أو ثلاثة ..
- هل أستطيع أن أكلف أحدا بطلبها بالتليفون ؟
- بالتأكيد .. أعط رقم التليفون للممرضة وهي تقوم بذلك في الحال اذا شئت .
- رقم تليفون " الست " معروف هنا طبعا ..
- لا أظن .. انها هي التي تطلبنا دائما .. ومع ذلك الا تعرف أنت الرقم ؟ ..
- آه .. طبعا .. طبعا ..
وضحك ضحكة يخفي بها ورطته .. وانصرف الطبيب , وتركه يتخبط في ظلام أكثف مما كان فيه . من هذه السيدة التي تعطف عليه كل هذا العطف وهو في الخطر , فاذا انقشعت غمته وتحسنت حالته , انصرفت عنه في غير اكتراث كأنها لا تعرفه ؟ ! ثم كيف يتصل بها الآن والمسالك دونها موصدة ؟ ونادى الممرضة ورجا منها أن تبحث في ادارة المستشفى وفي كل مكان عن عنوان " الست " أو رقم تليفونها . موهما اياها أن زوجته هذه تتعمد اخفاء مكانها وتتكلف هذا التصرف معه , لأسباب خاصة , لكن الممرضة لم تعثر لهذه السيدة على عنوان معروف ولا على رقم تليفون .. وكل ما يعلمونه عنها في المستشفى أنها هي التي تحضر وهي التي تستفسر دون أن تترك خلفها أثرا .. ولم يجد المريض آخر الأمر غير وسيلة واحدة .. ما كاد يهتدي اليها حتى صاح فرحا كمن وجد الفرج .. والتفت الى الممرضة قائلا :
- اسمعي ! .. أرجوك .. اذا سألت عني " الست " بالتليفون في المرة القادمة , فأخبريها أنه قد حدثت لي نكسة , وأني لن أعيش أكثر من ساعتين !
فترددت الممرضة . فأقنعها بورقة مالية دسها في كفها .. فقبلت المجازفة بهذه الأكذوبة لوقت محدود . ومضى يومان .. واذا الممرضة تدخل على المهندس مهرولة لاهثة وهي تقول :
- تكلمت ..
- صحيح ؟ .. تكلمت ؟ ..
قالها وقد كاد قلبه يثب من جوفه . فأكدت له الممرضة أن " الست " تكلمت الساعة بالتليفون لتستفسر , فأجابتها بالرد المتفق عليه , فذعرت وألقت بالسماعة , وهي قادمة بعد دقيقتين . فلم يدر المريض ما يصنع من الفرح .. ومد يده على غير وعي منه يلتمس زجاجة عطر الكلونيا ليتطيب ..وهو يوصي الممرضة أن تدخلها عليه للفور , وألا تنسى أنه يحتضر ..
وخرجت الممرضة تستقبل القادمة ولم يمض قليل حتى سمع المريض صوت المرأتين يقترب .. فأغلق عينيه نصف اغلاق , واستلقى بلا حراك ومثل دور من يموت .. ودخلت " زوجته " المزعومة وتسمرت بالعتبة تنظر اليه شاحبة الوجه .. فكاد ممثل الموت يموت حقا .. من هذه المرأة ؟ انها ليست صاحبة الصورة التي في الاطار ! .. هو الذي وطن النفس وأعد الذهن لرؤية امرأة يعرفها .. أو يعرف رسمها على الأقل ؟ ها هو ذا أمام امرأة جديدة لم يرها قط في حياته , ولا يدري عنها شيئا .. وانهار كل ما كان قد بناه في لحظة . فليست هذه المرأة بالعروس التي كان ذاهبا لخطبتها .. وليست هذه العناية وهذا الاهتمام وليد تلك الأسباب التي كان قد رتبها واستنبطها واستنتجها . هذه امرأة غريبة عليه وعلى ذهنه وفكره .. لم يرها من غير شك في الماضي , ولم يصادفها في حقيقة أو خيال .. فمن تكون ؟ ومن أين طلعت له ؟ وما سر عنايتها به ولهفتها عليه .. وقلقها في ساعات أزماته .. وتكلفها جميع نفقاته ؟ . هذا هو اللغز الذي فاق جميع ما عداه .

ولكن هذه المرأة التي لم يعرفها ولم يرها .. ما أجملها ! انه تخيل فعلا يوما ما نوعا من الجمال تمناه في امرأته .. ولكنه لم يستطع تخيل حسن كهذا .. انه لكثير عليه هذا الجمال .. ثم ما أروع وجهها في هذا الشحوب .. لقد شحب وجهها هكذا حزنا عليه .. أهو في يقظة حقا ؟ .. ثم ما هذا الذي يرى .. يا للعجب ! . انها دمعة فضية تترقرق في عينيها الواسعتين كأنها قطرة ندى . ولم تتحمل الحسناء ألمها - فيما يبدو - أكثر من ذلك . فاندفعت خارجة من الحجرة , وهي تمسح دمعتها بأناملها القرمزية بالأصداف , والممرضة في أثرها .. ولم يبد المريض حركة ولم يلفظ همسة فقد أذهله ما رأى عن كل شيء .. ولم يثب الى رشده , وتستيقظ له ارادة , الا بعد أن عادت اليه الممرضة وحدها راجية ملحة في الرجاء أن يكف عن هذه الأكذوبة , وأن يسمح لها أن تخبر الحسناء بالحقيقة , قبل أن تتحرج الأمور , ويبلغ ادارة المستشفى الأمر , فتتعرض هي للمؤاخذة , ذلك أن " الست " تصر على استشارة الأطباء , وبذل كل عطاء لانقاذه من الموت , ولم تنتظر الممرضة رأيه أو جوابه .. وأقبلت عليه تعينه على الاستواء قليلا .. وتضع الوسادة خلف ظهره , وجذبت احدى المجلات المصورة ودفعت بها اليه , وأعلنته أنها ذاهبة تخبر " الست " بالحقيقة , وتعود بها لتراه وهو في حالته الحقيقية .. وخرجت عنه وهو مضطجع كالطفل الذي لا ارادة له ولا عزم ... المتقبل كل ما يجري له ويفرض عليه .. وأخذ يعبث بصفحات المجلة المصورة بعين زائغة وفكر شارد . واذا بصره على الرغم منه يقع على صورة يعرفها .. عجبا ! . انها صورة للعروس التي رأى رسمها في الاطار .. نعم . هي بعينها في ثياب العرس البيضاء والى جانبها شاب في ثياب السهرة " الفراك " وتحت الصورة عبارة " قران بهيج " .. لقد زفت اذن الى خاطبها الأول .. حسنا فعلت , انه لا يأسف الآن عليها كثيرا .. وأرسل بصره الى الباب نافد الصبر معلق الأنفاس .. واذا الممرضة تدخل وهي تجذب الحسناء جذبا رقيقا الى داخل الحجرة , وقدمت اليها مقعدا بجوار السرير , وانصرفت في الحال .. ومر كل ذلك مرا خاطفا , فلم يشعر المهندس بالحسناء الا وهما منفردان وجها لوجه , ولم يكن من اليسير أن يجد أحدهما الكلام الذي يبدأ به .. فوقعا أول الأمر في صمت عميق محرج .. قطعته الجميلة قائلة , وكأنما تتنفس الصعداء :
- أف ! الحمد لله على أنك بخير ! لقد كاد يغمى علي الساعة عندما حسبتك تموت ! ..
فرنا اليها والى فمها وهي تنطق هذه الكلمات , وكأنه لا يصدق أن هذا القول موجه اليه . ثم تمالك قليلا وقال لها :
- حياتي شيء مهم عندك ؟
- جدا .
- لا يوجد غير تعليل واحد لكل هذا , اني مت حقيقة وانتقلت الى جنة الخلد , وما أنت الا حورية مكلفة بملاطفتي .. ولكن .. أين الشجر والثمر والكوثر . ولماذا هذا السرير والممرضة والمستشفى !!
- لا .. أنت من حسن الحظ حي .. لأنك لو كنت مت ودخلت جنة الخلد , كنت أنا دخلت السجن .
- السجن ؟ وما المناسبة ؟ !
- آن الأوان أن أعترف لك يا سيدي بجريمتي .. أنا التي صدمتك بسيارتي .. واني بالطبع متأسفة جدا . ولكنه القدر .. أقوى منا ومن ارادتنا . كنت مسرعة وهذا خطير مني ولا شك ولكني كنت مدفوعة برغبتي في شراء ثوب حريري رأيته في الصباح وخفت أن تسبقني الى شرائه أخرى . وعندما مرت العجلات على جسدك .. لم أقف ومضيت في السير بعين السرعة .. لا عن قسوة مني ونقص في المروءة .. بل عن خوف شديد استحوذ علي .. لقد هربت من جسدك الملقى على الارض كمن يهرب من شبح . وعدت توا الى بيتنا غائبة العقل . ورأتني والدتي فهالها اضطرابي , وقصصت عليها ما حدث , فنصحتني أن أخبر والدي بكل شيء . وهو من رجال القضاء . فلما سمع والدي القصة حار هو الآخر فيما ينبغي عمله . فان التبليغ عن هذا الحادث معناه التعرض للحكم اذا مات المصاب , كما قال لي , واذا لم نبلغ فاننا نتحمل تقريع الضمير طول حياتنا , وان كرامته كقاض تمنعه من أن ينصح أحدا ولو كان ابنته بالهرب من العدالة .. وان حنانه كأب يمنعه كذلك من أن يدفع بابنته الوحيدة الى السجن .. وانتهى به التفكير الى أن ترك لي حرية التصرف . بعد أن أفهمني كل النتائج المحتملة لهذا الفعل .. وجعل يعنفني على جنوني في سرعة القيادة . ونصحني أخيرا أن أتتبع حال المصاب على الأقل وأن أعمل على علاجه وانقاذه .. فانه اذا شفى لن يقع علي من العقاب أكثر من غرامة مالية , ولهذا بادرت أسأل أقسام البوليس عن المصاب في حادث السيارة عصر ذلك اليوم في ميدان سليمان باشا .. الى أن اهتديت اليك .
وأصغى المهندس الى حديثها , وكأنه يهبط رويدا رويدا من السحاب حتى لاصق التراب . وما فرغت روايتها .. حتى نظر اليها قائلا :
- يا لك من مجرمة أثيمة ! .. كسرت ضلعي , وأضعت خطيبتي , وبددت أحلامي ! . وكل هذا لن تعاقبي عليه بأكثر من غرامة مالية !
- لأنك شفيت والحمد لله !
- أنا شفيت ! وما قيمة شفائي ؟ ان موتي الآن خير من حياتي .. أكل هذا العطف الذي نلته منك .. وهذه الدمعة التي سقطت من عينيك , وهذا الشحوب الذي بدا عليك لم يكن من أجلي ولا خوفا علي , بل خوفا على نفسك من الحبس ؟ ! . اسمعي أيتها الآنسة .. أو الست .. أو الزوجة المزعومة .
- الزوجة ؟
- طبعا .. وماذا تريدين أن يكون ظنهم هنا بسيدة مثلك تعنى هذه العناية برجل مثلي ؟ لقد خطر في بالهم بالضرورة أنك زوجتي , ولم يخطر في بالهم أنك قاتلتي !
- لا تقل اني قاتلتك .. فهأنت ذا الآن في صحة جيدة .
- كم كنت أتمنى أن أموت لتدخلي أنت الحبس ..
- الى هذا الحد تبغضني ؟
- هل أبلغت الحكومة أنك أنت الجانية ؟
- لم أبلغ بعد .. لقد رأيت أن أنتظر حتى تشفى ..
- واذا كنت مت ؟
- كنت ذهبت وقدمت نفسي للبوليس .
- أأنت واثقة أن القضاء كان يحكم بحبسك في حالة وفاتي من الحادث ؟
- كان ذلك مرجحا لأني من أرباب السوابق .
- أنت ؟ من أرباب السوابق ؟ !
- نعم .. في حوادث السيارات .. سبق لي أن صدمت حمارا محملا بالحطب في طريق عزبتنا في صيف العام الماضي , ومنذ ستة أشهر صدمت حمارا آخر يحمل قصبا في سكة الهرم .
- حضرتك أخصائية في صدم الحمير ؟!
فنظرت اليه وهو مغلف في أربطته الصحية .. وضحكت ولم يفطن هو الى " النكتة " ومضى يقول :
- أيتها الجانية .. أنا بصفتي المجني عليه , لا بد أن يسمع رأيي في جريمتك . هل تريدين حكمي أو حكم المحكمة ؟
- حكمك .
- حكمت عليك بالحبس .
- تريد حبسي ؟ !
- في أحضان الزوجية .
فنظرت اليه وابتسمت ابتسامة المحكوم عليه الذي رضى بالحكم ولن يستأنفه أو يناقض فيه .


مضى عام على زواجهما , فأدرك المهندس أن " القدر " حقا قد عرف كيف يهديه الى " طبقه " وشطره ونصفه وزوجته المثلى .. وقد آمن أن للقدر من الوسائل أحيانا ما لا يخطر على بال البشر .. وهل كان مثله يتصور أنه سيلقى شريكته يوما بهذه الطريقة ؟ ! ان كلمة " النصيب " التي يذكرها الناس دائما في بساطة ليست الا مظهرا من مظاهر فن " القدر " العجيب في تدبير مصائر الآدميين ..
واحتفلا في المساء بمرور العام على ذلك الزواج , فهمس في أذن زوجته قائلا :
- كان لا بد لحواء أن تأخذ من آدم ضلعا حتى توجد , وكان لا بد لك من أن تكسري لي ضلعا حتى أجدك !



النهاية
ودمتم بود




عبير الرومانسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-09, 10:49 AM   #2

هبة

روايتي مؤسس ومشرفة سابقة وقاصة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية هبة

? العضوٌ??? » 3455
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 23,166
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » هبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond reputeهبة has a reputation beyond repute
افتراضي

فعلا النصيب غلاب و الانسان ما بيعرف وين نصيبه الا لما يصيبه شكرا لك

هبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-09, 05:54 PM   #3

عبير الرومانسية
 
الصورة الرمزية عبير الرومانسية

? العضوٌ??? » 9772
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 5,769
?  نُقآطِيْ » عبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبة مشاهدة المشاركة
فعلا النصيب غلاب و الانسان ما بيعرف وين نصيبه الا لما يصيبه شكرا لك

العفو يا قمر وشكرا على مرورك العطر


عبير الرومانسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-04-09, 08:21 PM   #4

ضويت ع خلان
 
الصورة الرمزية ضويت ع خلان

? العضوٌ??? » 83555
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 24
?  نُقآطِيْ » ضويت ع خلان is on a distinguished road
افتراضي

يسلمووووووووووووووووووووو ووووووووووووو

ضويت ع خلان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-04-09, 11:28 PM   #5

عبير الرومانسية
 
الصورة الرمزية عبير الرومانسية

? العضوٌ??? » 9772
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 5,769
?  نُقآطِيْ » عبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضويت ع خلان مشاهدة المشاركة
يسلمووووووووووووووووووووو ووووووووووووو

شكرا لمرورك العطر
تحياتي


عبير الرومانسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-09, 07:33 PM   #6

ΜāŘāΜ ~ Ś

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ΜāŘāΜ ~ Ś

? العضوٌ??? » 134
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 17,112
?  نُقآطِيْ » ΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond reputeΜāŘāΜ ~ Ś has a reputation beyond repute
افتراضي

أختيار جميل منك يا عبير .. القصه جميله جدا من كاتبنا الرائع توفيق الحكيم .. و النهايه اعجبتني كثيراً ..


ينقل لقسم منتدى الكتّاب والأدباء العرب ..


ΜāŘāΜ ~ Ś غير متواجد حالياً  
التوقيع


.. يااا حضن أمي .. ماأقسى رحيل الأمهات ..
رد مع اقتباس
قديم 05-04-09, 07:50 PM   #7

بيكفي انك حلاني

? العضوٌ??? » 85581
?  التسِجيلٌ » Apr 2009
? مشَارَ?اتْي » 96
?  نُقآطِيْ » بيكفي انك حلاني is on a distinguished road
افتراضي مشكورين

مشكوورين علي المجهووووود الكبير جدا موقع نجاح 100\100
تحية لكل الاعضاء


بيكفي انك حلاني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-09, 08:06 PM   #8

عبير الرومانسية
 
الصورة الرمزية عبير الرومانسية

? العضوٌ??? » 9772
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 5,769
?  نُقآطِيْ » عبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maram مشاهدة المشاركة
أختيار جميل منك يا عبير .. القصه جميله جدا من كاتبنا الرائع توفيق الحكيم .. و النهايه اعجبتني كثيراً ..


ينقل لقسم منتدى الكتّاب والأدباء العرب ..


يسلمووووو مرام ومشكورة عالمرور وردك الحلو وما تواخذيني يا قمر عذبتك معي بنقل الموضوع كان لازم انتبه من الاول واحطه بالقسم المناسب


عبير الرومانسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-09, 08:12 PM   #9

عبير الرومانسية
 
الصورة الرمزية عبير الرومانسية

? العضوٌ??? » 9772
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 5,769
?  نُقآطِيْ » عبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond reputeعبير الرومانسية has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بيكفي انك حلاني مشاهدة المشاركة
مشكوورين علي المجهووووود الكبير جدا موقع نجاح 100\100
تحية لكل الاعضاء


وتحية عطرة لك ايضا واهلا وسهلا بك في المنتدى ونتمنى لك اوقات ممتعة معنا والكثير من الافادة


عبير الرومانسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-04-09, 10:51 PM   #10

الظاهر بيبرس

? العضوٌ??? » 3540
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 19
?  نُقآطِيْ » الظاهر بيبرس is on a distinguished road
افتراضي

فعلا عدو المراة
كم استمتع وانا اقرا قصص توفيق الحكيم
ذات الحس الفكهاى الجميل


الظاهر بيبرس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:30 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.