آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          206- العائدة - كاي ثورب - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          [تحميل] أعشقه و هو في دنيتي الجنه و صعب أنساه لأني نسيت أنساه ، لـ }{!Karisa!}{ (الكاتـب : Topaz. - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          ارقصي عبثاً على أوتاري-قلوب غربية(47)-[حصرياً]للكاتبة::سعيدة أنير*كاملة+رابط*مميزة* (الكاتـب : سعيدة أنير - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          حصريا .. تحميل رواية الملعونة pdf للكاتبة أميرة المضحي (الكاتـب : مختلف - )           »          بين نبضة قلب و أخرى *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          حصريا .. رواية في ديسمبر تنتهي كل الأحلام .. النسخة الكاملة للكاتبة أثير عبدالله (الكاتـب : مختلف - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام غربية

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-05-13, 09:49 PM   #41

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



" أكره هذه البدلات...أشعر و كأنني بطريق سخيف..."
تدمر جوشوا لمرة لم تعد تعرف عددها، هزت آنجلا عينيها الى السماء وهي تعدل عقدة عنقه على شكل فراشة بأصابعها، الطاقم المكون من ثلاث قطع و المقصوص على مقاسه يناسبه بشكل مذهل، لكنه بمزاج شيطاني منذ الصباح ولا ترغب بالدخول في دوامة نقاشات تعكر صفو مزاجها، شخصيا هي سعيدة... مسرورة... و عاشقة.
زوجها الوسيم رائع جدا في طاقمه الراقي كما كان في حميميته ليلة امس بينما يبرز مواهب العشيق الرائع الذي كان عليه دوما، تتمنى لو ينتهي دوما شجارها بتلك الطريقة الذيذة...
بالتأكيد أصابتها الخيبة الشديدة عندما استيقظت ولم تجده بجانبها، لكن امتعاضها لم يدوم لاكثر من نصف ثانية، قبل ان تبتسم و تتمطى كقطة مدللة اتت لتوها على التهام فريسة سمينة.
" البطارق لا تترثر مثلك او تتدمر" قالت وعيناها تلتحمان بعينيه عبر المرآة.
بريق الغضب لمع في قعر العينين الخضراوين قبل ان ينتزع سترته بحركة جافة و معها ربطة عنقه منهيا بذلك تجربة البدلة الذي تم تجهيزها خصيصا لزفاف الغد في اليونان.
" بحق الجحيم لما يجب أن أحضر عرس ذلك الرجل الذي لا يصلني بأي رابط؟؟.. حتى انني لا أستلطفه... و لا أطيقه "
" لكنه مهم بالنسبة لي و لعائلتي جوش... وبما أنك زوجي فعليك مرافقتي"
التقطت سترته التي أهملها عن عمد فوق السجاد وأعادتها الى الخزانة قبل أن تلتقط قميصه البيضاء ثم بنظاله الذي قدفه بعيدا بركلة جافة.
" بالتأكيد هو مهم لك... كنت تنوين الزواج به في الماضي"
" رباه كنت لأرتكب اسوء جرم بحق داتي بينما أهيم بك أنت..." التقت نظراتهما مجددا و لمحت بريق سريع من الغطرسة و الفخر و الاعتزاز في عينيه " نيوس صديق قديم جدا و عزيز... كل عائلتي ستكون هناك... و اطمئن لن تشعر بالملل أو الضيق لأن مارك سيكون أيضا و الجزيرة رائعة... انه اشبين نيوس و لن يفوت زفافه حتى و ان وقفت كل المستحيلات أمامه..."
التكشيرة التي مرت بسرعة على وجه ملامحه الوسيمة لم تخفى عنها، الاشارة لعلاقة نيوس و مارك الوطيدة لا تروق لزوجها الذي يشعر ببعض الهجران من طرف شقيقه الذي اختفى في الفترة نفسها الذي عاد فيها هو الى لندن و حياته التي نسيها.
قطعت ببطء المسافة بينهما و التقطت اصابع يده بين اصابعها دون الابتعاد عن نظراته الملتحمة بوجهها.
" في صغري كنا نمضي بعض العطل في جزيرة القمر... أعدك أن تحبها... سوف نزور معا الأماكن التي كنت اتسلل اليها خفية بينما يتملص نيوس و مارك من رفقتي"
" هل هو الحنين لحب الطفولة و المراهقة؟؟"
أقطبت آنجلا، انه يهاجمها و يشكك بأقل كلمة تتجاوز حدود شفاهها، الغضب وجد طريقه سريعا لصدرها، تركت اصابعه بحركة جافة ثم كتفت ذراعيها فوق صدرها وقد فقدت صبرها مع لعبة القط و الفأر التي يمارسها منذ عودته:
" تعلم جوشوا؟؟ أنت حر بالتفكير كيفما تريد... لا يحق لك محاسبة حب المراهقة لأنني لم أكن الأولى في حياتك عندما التقينا... نيوس كان فارس أحلام مراهقتي أعترف بذلك، لكن هذا ليس سببا لمهاجمتي كلما راق الأمر لكبريائك السخيف... اذا كنت تتعمد كل هذا كي تتخلف عن الحضور فلا بأس... سأذهب بمفردي أبق في 'ستارهاووس' و أهتم بطفليك لحين عودتي..."
" كي تعبثي ما تشائين معه؟؟"
فتحت فاهها غير مصدقة قبل أن تنفجر في غضب محتدم:
" أنت لا تُطاق... سوف تصيبني بالجنون جوشوا... كيف يُعقل أن تفقد ثقتك بي بهذا الشكل؟؟"
" سؤال وجيه... أنتظر الاجابة منك أنت..."
عادت المفاجئة لتشلها مجددا، حملقت اليه بعد أن استعادت وعيها بعد الصفعة القاسية و الموجعة التي وجهها اليها قبل ثوان، تلعثمت بشدة وهي تقول:
" هل أنت جاد؟؟"
" بالتأكيد أنا جاد..."
جاد...؟؟ فكرت آنجلا برعب بينما تحملق بعجز الى لوحه وجهه الرخامية التي أضحت عليها، كان خاليا من التعبير و نظراته جليدية... كان الرجل الذي لا يمث بصلة لحبيبها ووالد طفليها، سمعته يتابع و كأنها تمضي وسط طريق في الجحيم " بشكل أو بآخر ترفض ذاكرتي استعادتك كليا... لماذا؟؟؟ لماذا آنجلا... مالذي يجب الا أعرفه؟ مالذي يرفض عقلي الباطني استعادته الى السطح؟؟"
تجرّأ و فجّر ما يؤلمها في وجهها...
لعنت الدموع التي تسارعت الى عينيها... لم يعد بإمكانها التحمل... المزيد من الشقاء خارج حدود صبرها، استعملت كل طاقتها في فترة اختفائه، كانت تعتمد على الحب الذي ربطهما كي تبقى قوية، منذ العثور عليه مجددا سمم حياتها بدل اسعادها، أذلها... أحرجها و أهانها في أكثر من مناسبة... بلعت كبريائها الجريح و تحلت بالقوة في سبيل المحافضة على زواجهما... الأن يتهمها بأشياء مُريعة ترفض حتى التعمق في معانيها.
" لم يتبقى سوى أن تتهمني بمحاولة قتلك..." قاطعها بشراسة و عيناه تلمعان بإشمئزاز:
" لكن لأي هذف؟؟ هل مللت مني ... هل حنينك وحبك لحياتك السابقة كان أقوى من تحمل الروتين الممل الذي يقتصر بالنوم يوميا قرب نفس الشخص و الاهتمام بالأطفال؟؟ كان يكفي طلب الطلاق اللعين... "
تراجعت بعنف الى الخلف وقد شحب وجهها، مستحيل... رباه... لا..لا...لا... لابد انها تحلم، لابد أنه كابوس، لا يعقل أن جوشوا... حبيبها جوشوا يشك بها؟ يتهمها بهذه القسوة و الحقارة... لا... انها تعيش كابوسا... سوف تستيقظ، لا... آه كلا لا بد ان أدنيها خدلتاها... لا يمكن أن يتهمها... بحق الله.. هذا هراء بالتأكيد.
" هل أصبت؟؟" صرخ بها بوحشية بعد أن فسّر شحوب وجهها بطريقته، بدى واثقا من اتهاماته و شكوكه بشكل آذاها حتى الأعماق.
أي زواج ترغب في إنقاده؟؟ أتى جوشوا على تدمير كل ذكرياتهما و حياتهما معا.. هذا الاتهام كان القشة التي قصمت ظهر البعير...
بلعت دموع الخيبة و المهانة، دموع الاشمئزاز من نفسها و من ضعفها، تسللت الى روحها كراهية من نوع جديد لم تشعره حتى و هو يخفي عنها أمر زواجه من 'آنا' في الماضي، أرادت ايلامه كما فعل معها منذ عودته مجددا الى حياتها، استلت خاتم زواجها من أصبعها... الخاتم الذي لم يبرح مكانه منذ ان وضعه في أصبعها ووعدها بالسعادة الأبدية ... كتمت رغبتها العنيفة بضرب وجهه به، لن تمنحه متعة ان يكتشف كم آذاها... سمعت نفسها تقول بهدوء:
" اتخدت قرارك بإتهامي... لا فائدة لما يمكنني قوله"
" اريد تفسيرا..." اصر بصلابه.
" لو زارني الحنين من أجل حياتي السابقة... لو تلاشى حبي و انتهى، و رغبتُ بالتحرر منك جوشوا ديكاتريس... كنتُ لأرمي بخاتمك كما اللحظة و أخرجك نهائيا من حياتي ببساطه..." وضعت خاتمها في يده " لم اكن لأحاول اغتيالك بشكل ملموس... لأنني و بكل بساطة سأغتالك بإبتعادي... لا تبحث عني وأعلم منذ هذه اللحظة بأنك خارج حياتي و كياني ..."
من خلال دموعها لمحت التردد على وجهه المكفهر، منحته ظهرها و هربت من غرفته التي دخلتها قبل قليل وهي تطير من الحماسة بشأن عطلة وجيزة مع زوجها في أشد الجزر رومانسية في بحر ايجيه... كم هي غبية... كم هي غبية، لما لم تكتشف الحقيقة بسبب نفوره؟؟ بسبب شكوكه التي ظنتها غيرة؟؟ لماذا لم تفهم بأنه يحملها مسؤولية الاعتداء الذي تعرض له؟؟... لماذا يشك بها هي بالدات؟.. رباه...لقد تكبدت معاناة الا شيء، ضحت بمفردها في سبيل انقاد الفراغ و الاوهام... جوشوا حطم قلبها، لن تغفر له يوما أو تنسى ادلاله لها.
" انتظري"
أغمضت عينيها و توقفت مرغمة بالقرب من الباب، يدفعها القليل من الأمل على منحه فرصة بالرغم من أنها على دراية تامة بالكسر الذي حذث لتوه في روحها.
" مهما آلت اليه علاقتنا و زواجنا... لا أريد أن يتضرر طفلاي... اتركيهما خارج حلبة نزاعاتنا..."
سمعت بوضوح صدى تحطم قلبها و تناثر أجزائه أمام قدميها، ما يهمه هو 'ليلي و أندريس جينيور'... تسللت يدها الى صدرها و أحست بانها على شفير الانهيار العصبي أو ازمة نفسية مستعجلة تهدد حواسها، لم تستطع حتى اجابته... العذاب كان أقوى من تحمل سماع كلمات أخرى.
***
دارت لينيتا حول نفسها، وجهها مشع بالحماسة كطفلة حصلت على أكبر بوضة حلمت بها، الاحساس بنعومة القماش الحريري حول ساقيها كان أكثر من رائع... تطلعت نحوها ازواج من الأعين بتعابير مختلفة، منها مهنية و اخرى متفقدة... لكن نظرات التقدير في اعين الرجل الذي يجلس في الزاوية مانحا الحرية لخبيري الموضة من يهمها... وما رأته في عينيه فاق توقعاتها... انه يجدها فاثنة كما تشعر بنفسها.
عمت الفوضى ردهة الجناح الي يتقاسمانه في الفندق الباريسي و انتشرت حمالات الفساتين الموقعة من طرف أشهر المصممين الفرنسيين والعالميين هنا و هناك، كان تحت تصرفها ثلاث اشخاص دوي خبرة يهتمون بالفستان الذي سترتديه غدا في حفل الزفاف، لقد جربت الكثير و الكثير لدرجة لا تتذكر العدد... لكنها أغرمت بلون قطعة القماش المغرية ما ان لامست جسدها... المرأة تبثت بشوكتين القماش حول خصرها مما ابرز اكثر نحوله.
" ما رأيك حبيبي؟"
" أنت رائعة... " أجابها بإبتسامته المعهودة و احست بالاعتزاز في هذه النظرات الزرقاء التي تثبتها بفخر... " سوف نآخده..."
" سأعدله بشكل أفضل و يمكن استلامه بعد ساعتين" شرحت المصممة و هي تغرز مجددا ابرها حول الكتفين و في الثنورة الى ان حصلت على اللوك الذي يناسب زبونتها بشكل احسن.
بعد سلسلة الاختيارات اللامنتهية ترك خبراء الموضة الكثير من العلب الكارتونية خلفهم، فساتين صيفية بألوان بهية و أحذية تسلب الالباب و حقائب يد رائعة... كل ما يمكن ان تحلم به امرأة في خزانة ملابسها.
" مارك... هذا كثير..."
" لم نتوصل بباقي الطلبية حبيبتي... نحن في عاصمة الموضة لما لا نستغل وجودنا لأدللك كما تستحقين"
شعرت به خلفها، اغمضت عينيها بينما تلف خصرها ذراعيه و تهاجم عنقها المكشوف انفاسه العطرة، كانت تشعر بنفسها رهينة احاسيسها الثائرة المألوفة، ابتسمت و ضمت يديه المعقودتين فوق بطنها بينما تشعر بشفاهه الدافئة على كتفها..
" هل سنخرج الأن وقد انتهينا من مهمة اختيار فستاني؟؟"
عادت شفاهه لتطبع سلسلة قبل صغيرة على طول عنقها مما ارسل قشعريرة لذيذة في سائر جسدها، تنهدت عند غياب رده و همست:
" مارك..."
" أمممم"
" هل سنتناول طعام الغداء في برج 'ايفل' و نتسكع في ساحة 'نوتر دام دو باري'؟؟"
" لا..."
الخيبة كادت تدفعها للصراخ معترضة، تركته يديرها في حلقة ذراعيه الموصدة، ملامحه الجميلة مسترخية في قرار صارم بتنفيد خططه حتى النهاية، دفع شعرها خلف ادنها و لامس دقنها باصابعه قبل أن يردف:
" ستنشر صورنا في جرائد المساء ما ان نضع قدمينا خارج هذا المكان..."
" نحن سجينين الى ان نعلن رسميا عودتي؟"
" لا أعتبر وجودي معك سجنا... بل حظا وفيرا"
رباه كم تعشق هذا الرجل و كلماته الرقيقة التي تنجح بازاحة همها و ضناها كالسحر، بالأمس توهمت بأنه يتهرب من مشاركتها السرير، لقد أمضيا وقتا طويلا عن بعضهما و تتفهم وضع مسافة بينهما و الانتظار المضني من طرفه، يريدها أن تكون جاهزة لما سيعقب... وهي جاهزة بالتأكيد... فقط لو يدرك كم تشتاق اليه و ترغب به... احست بنفسها مستعدة لكل شيء كي تغريه مجددا و تنتمي اليه كما لم تكن لرجل اخر غيره...
" انت محق... نستطيع استغلال وجودنا معا بشكل أفضل"
ابتسم لها... ابتسامة مجاملة لا غير، تعرف متى يتبنى صورة هذا الرجل الذي ينوي التفاوض ليجنب نفسه مواقف لا يريدها.
" سبق وخططت لكل شيء... وخططي ستروقك"
هزت حاجبها مستفسرة.
" ساونا... جاكوزي و تدليك... ثم ستمضين وقتا طويلا جدا بين أيدي خبيرة و تقومين بكل ما تحلم به النساء من تصفيف شعر و تجميل و تقليم الأضافر..."
شحب وجهها قليلا و بلعت اعتراضها الهائج، خططه لا تروقها بالمرة لكنها منطقية، غدا سيطيران الى اليونان وعليها القيام بكل هذه الأمور لتناسب المكانة المحجوزة لها بجانب مارك أنطونيو ريتشي، هزت رأسها موافقة... تمنحه نفس الإبتسامة التي جاملها بها قبل قليل... أحيانا لا تفهمه، بالتأكيد لا تشك بحبه ولا مشاعره لكنه... يبدو غامضا أحيانا لدرجة تشعرها بالقلق،لم تمنع نفسها من السؤال.
" و أنت؟؟"
" سأتقاسم معك الساونا و الجاكوزي و أدلل نفسي معك بالتدليك... بعد ذلك سأعمل بينما يقوم خبراء التجميل بإسعادك ... "
امام القلق الذي أطل من عينيها سارع للايضاح:
" لن افارقك لحظة واحدة و لن اتركك بمفردك بين ايادي الغرباء ...لا تقلقي"
تشابكت أصابعهما و طبع قبل مطمئنة على أطراف كل أصبع من يدها قبل أن يضعها على صدره و يتطلع اليها بحرارة، الاندارات التي انطلقت مدوية في عقلها قبل قليل خفت و زالت حدتها، انه يرغب بمنحها بعض الوقت، شكوكها عائدة فحسب لثقتها الضئيلة في نفسها... خرجت لتوها من ظلمة حامت حول حياتها لسنوات طويلة، لولا ادواردو ريتشي لما التقت طريقها مجددا بتوأم روحها.
" أحبك مارك أنطونيو..." تأوهت بصوت مرتعد من المشاعر " أريد لو يعود كل شيء كما كان في الماضي و ننعم بالسعادة التي نستحقها... أريد لو نضع الماضي خلفنا"
راقبته يحني رأسه نحوها و يلتقط شفاهها في قبلة حارة كما لم يجرؤ معها للان، كان يكتفي بالعناقات الطويلة و القبل الرقيقة التي لا تعني الشغف الحقيقي الذي تشعره في هذه اللحظة و يدفع الدم لغليان في شرايينها، تجاوبت معه بالطريقة التي يأملها منها، و أحاطت عنقه بذراعيها لتضمه الى قلبها أكثر... تريده أن يتكهن شوقها له... أن يدرك بأنها ليست هشة مثل الزجاج و يتوقف عن التعامل معها كمريضة... تريده أن ينظر اليها كما السابق... امراة مثيرة يرغب بها، متعة مؤثرة طفت فجأة... متعة في طي النسيان عادت الى السطح مجددا و شغلت قلبها.
طرقات على باب الجناح وضعت حدا للشغف الذي ألمّ بهما، بدت خيبة مارك واضحة لدرجة دفعت السعادة لقلبها... هذا هو مارك الذي تعرفه... الممتلئ بالولع و النشوة نحوها... مارك العشيق الرائع الذي بصمها الى الأبد.
" لا بد أن الطلبية الأخيرة وصلت..."
ثم راقبته يبتعد بإتجاه الباب ليفتحه، لامست شفاهها المتورمة بأصابعها التي ترتجف قليلا بينما يدلف رجلين الى المكان يحملان اكياس عديدة تحمل أسماء دور ازياء معروفة... تعرفت فورا على اسم مشهور لنوع راقي من الملابس الداخلية و المايوهات، غرقت في تفقد الأكياس بنهم و فضول بينما يُمضي مارك على أوراق الاستلام و يغلق الباب خلف العاملين.
" رباه... هذا كثير جدا"
" خدي ما ترغبين و سنعيد الباقي" أجابها من فوق كتفها قبل أن يلتقط بكيني رائع من قطعتين بلون زهرة الرمان " مارأيك بعرض ازياء خاص لي فقط... سأرى ما يليق بك"
الإثارة لونت خدودها ووافقت على العرض فورا، يبدو النهار أكثر اشراقا مما توقعت... القيام بعرض أزياء مثير لمارك أنطونيو ما تأمله منذ أن سقطت عيناها عليه منذ أيام...
" أجلس على الكنبة و سأبدا بتجربتها فورا... "
أثقلت النشوة نظراته الزرقاء فأدلف في يدها قطعة مثيرة من الستان الأحمر و ساومها:
" ابدئي بهذا..."
" هذا ليس لباس بحر..." لاحظت وقد احمر وجهها أكثر.
" أعرف... منذ أن اقتنيته و أنا أموت رغبة برؤيته عليك..."
هربت ضحكتها الأجشة من بين شفاهها لا اراديا و أسرعت الى الحمام لتغير ملابسها، قلبها يخفق بعنف في صدرها و آمالها تزداد ضخامة... هل سيتخليان عن خططهما بشأن حمام البخار و الجاكوزي و يمضيانه في الجناح يكتشفان مجددا شغف أحدهما للأخر؟؟
هذ ما تتمناه من قلبها... عندما انعكست صورتها أمامها في المرآة ادركت بأن أسهم اثارتها و اغوائها تصعد بسرعة البرق... لن يقاومها مارك في هذا القميص أبدا... وهي... مستعدة للعب أوراقها الرابحة كما يتطلبه الوضع و كسر حواجزه.
***
" هل تظنين أن عمك سينتشلك في كل مرة من مأزقك فلور؟؟"
كشرت فلور بإمتعاض وهي تتجاهل النظر مباشرة في عيني خالتها... رباه كم تشعر بالسوء من نفسها... بالكاد تصدق ما رأت في الجريدة التي قدفتها بها خالتها قبل قليل.
تعترف بأن ليلة امس تجاوزت الخطوط الحمراء بإستهتارها المتعمد، لكن الله وحده يعلم كم كانت تشعر بالوحدة و التعاسة بسبب حياتها التي خرجت من سيطرتها... لقد أطلقت العنان لعذابها و تسلت كما لم تفعل منذ سنوات طويلة...
" الصحافة تبالغ خالتي"
" بربك فلور... لقد تم تصويرك بقنينة شمبانيا .."
قاطعتها فلور بثقة:
" فارغة... لم أمد يدي على الكحول منذ معرفتي بحملي، أحب هذا الطفل ولن اضره مطلقا... بالأمس استمتعنا فحسب كما تتطلبه عادات حفل دفن العزوبة... لم اكن ثملة و لم اتعاطى المخدرات كما يشير كاتب المقال اللعين... كما أنني أنوي مقاضاته" أمام ملامح كاثي القلقة أتممت بصدق " أقسم بأنني أقول الحقيقة..."
" اصدقك عزيزتي، لكن ادواردو قلق بشأن استغلال دراكو فالكوني لموقف أمس كي يقلب المحكمة ضدك... لا أحد يتعاطف مع أم مستقبلية مستهترة تعرض نفسها و طفلها للخطر..." قاطعته فلور وقد انسحب الدم من وجهها:
" لستُ أمّا مستهترة وبالنسبة للسافل دراكو فليحترق في الجحيم اذا عاد أمره لي..."
" للاسف وحدك من سيحترق بالنار التي تنوي حرقه بها.. فلور... الى ماذا تخططين؟؟ لما هذا الظهور الثائر المفاجئ في الصحف؟؟ مالذي تريدين اثبائه لمن حولك ... أعرف بأنك لست بكل هذا السوء "
كادت أن تنفجر في الضحك المُرّ و التعس، لا يوجد غير كاثي الحنونة التي تحاول انقاذها من نفسها، حياتها تدمرت بسبب فرجينيا ديكاتريس و دراكو فالكوني، كلاهما استغلها بطريقته... حياتها ككل ليست سوى سلسلة مآسي.
وبينما تحاول انتزاع نفسها من حوض الشوك الذي وجدت نفسها فيه، تتلقى اتصالا من الكونت ديكاتريس... و يجرؤ على منادتها بإبنتي و يطلب مقابلتها... رباه... كم تكرهه و تكره فرجينيا و دراكو و تكره نفسها.
" لا أرغب بإثبات شيء لأحد... بالأمس... كنت أتسلى كما تتطلبه تماما التقاليييييييد..."
دكرتها خالتها بقسوة دون أن ترمش:
" أنت لست اي فتاة عادية لتتسلى...أنت أم عازبة في شهرها السادس من الحمل ... ووالد طفلك ينتظر الفرصة ليحرمك من هذا الامتياز... أنت فلورانس ريتشي و الجميع ينتظر فرصة لتلويث سمعتك و انتقاضك ... أولهم دراكو فالكوني الذي جاهذ ادواردو لإبعاده عن طريقك..."
أعمت دموع التعاسة عينيها و أشاحت بوجهها بعيدا كي لا ترى خالتها كم اثر بها كلامها... حربها الباردة مع دراكو ما يدفعها للجنون مؤخرا، تشعر بنفسها مقيدة و سجينة و متأهبة، بينما الحقير يستمتع بأوقات محمومة مع زوجته الفاثنة... بالكاد تنتهي الصحف الايطالية من التكلم عن سعادتهما كي تجد فرصة أغنى للعودة في سيرتهما مجددا... أين هي من حياته؟؟ هي والطفل الذي ينمو في أحشائها و يخطط لسلبها اياه و اتمام حياته بجانب الشقراء التي تكبد من أجلها عناء اغوائها شخصيا و اذلالها.
بقيت رهينة كلام خالتها و أحزانها حتى بعد أن رحلا من قصر الدوقية الى المطار حيث تنتظرهما الجيت الخاصة التي ستنقلهما الى اليونان... شخصيا لا تهتم قيد أنملة بسمعتها ولا بلإشاعات المتسربة بكثرة مؤخرا بشأنها.
لم يحاول أحد دخول قلبها من ابوابه الصحيحة، تكللت حياتها العاطفية بعلاقات حب فاشلة و حياتها الخاصة تاثرت بنفس اللعنة... والدها ليس والدها و الصورة التي رسمتها دوما عن والدتها تكسرت دون رجعة... ان أدرك العالم بأنها الإبنة الغير شرعية 'لأندريس ديكاتريس' فسيجن من المفاجئة... فلورانس الجريئة ورتث عشقها للابتذال من والدها 'الدون الجوان'... سُمعتها ستزداد حسنا و جمالا ما ان يتسرب الموضوع و يصبح عامّا.
مرت الأمسية هادئة بشكل زاد من تعاستها، 'رالف' و'جو' لا يتكلمان كثيرا و هي تشعر بحيرتهما، وبعد العشاء عندما سمحت لهما بإستعمال الالعاب الالكترونية لساعة قبل النوم وافقا بإقتضاب... رحيل كاثي و ادواردو اثر بهما بشكل أو بآخر.
بعد أن وضعتهما بيلا في سريريهما و بقيت برفقتهما كما عاهدت تسللت هي خارج القصر و جلست بمفردها على المنضدة بلفها الصمت الثاقب في المكان... اختفت الشمس و استل الليل ستارته ولون السماء بسواد حالك بلا نجوم... نفس السواد في صدرها.
عادت أدراجها بعد أن ملت من الدوران في دوامة أفكارها الحالكة و قصدت الغرفة التي تستخدمها كلما أقامت عند ابن عمها في التوسكانا، كان يجب ان تفكر ألف مرة قبل قبول الاهتمام بالتوأمين و العودة الى ايطاليا... مجرد الشعور بانها و دراكو يتقاسمان نفس السماء و الهواء يقلب موازين روحها... ذلك الرجل دمرها كما لم يتمكن مخلوق قبله... انها فلورانس ريتشي... الوريثة التي تترك الشبان يتهاتفون عليها و يتكبدون مشقة دخول حياتها... الشيء الذي ميز دراكو عن غيره... عاملها كساقطة متمرسة قبل أن يرميها في سلة المهملات و ينسى أمرها.
جمال الديكور الملكي حولها لم يجلب لها أي متعة، تقدمت من الشرفة المفتوحة على مصرعيها كي تغلقها، الستائر الحريرية تتطاير بفضل النسائم المشبعة برائحة الزهور و كروم العنب و الزيتون، محملة بعبق التوسكانا الذي لا ينسى، أمسكت بالقماش الناعم في يديها لتعيده الى مكانه بينما تتأهب لإغلاق الأبواب الزجاجية، انطلقت صرخة مدوية من شفاهها وهي ترتد الى الوراء بفضل الدخيل المتشح بالسواد الذي أطبق يده على شفاهها كي يمنعها من الاسترسال في صراخها الشبه هستيري... ضعف نبض قلبها بينما اتسعت عينيها الخضراوين بصدمة و عدم تصديق وهي تتعرف على الملامح الداكنة الصقلية... توقف الصوت في حلقها و انسحب الدم من وجهها بينما خدرها الرعب ولم تقوى حتى على الفرار أو الهرب...
مستحيل... عقلها المرهق منذ سهرة أمس يتلاعب بها... لا يمكن.. لا يمكن ان يكون هذا الرجل في غرفة نومها... في قصر الدوقية حيث انتشر العشرات من حرس الأمن.
" 'كارا'... أنا أيضا افتقدتك"
ارتجف فمها تحت كف يده وتملكتها رهبة مميتة من هذا المخلوق الضخم، وهي تمتطي طائرة الصباح لم تكن تتكهن و لو في أشد كوابيسها رعبا بهذا اللقاء الغير عادي... آخر مرة التقيا كان في لندن... عندما أوصلها الى مزرعة عائلتها في اوكسفورد.
كان يخنقها بحبس أنفاسها، وضعت يديها على يده تحاول ابعادها دون جدوى، لمعت عيناه السوداوان بتسلية و كأنه يقوم بتهدئة حيوان خائف.
" سأزيل يدي ان وعدتني بعدم الصراخ..."
هزت رأسها موافقه، لا تنوي الصراخ .. تسعى فحسب لإلتقاط أنفاسها... عندما أبعد يده ببعض الحذر تراجعت بعنف الى الوراء، تتطلع اليه بذهول و عدم تصديق.
" مالذي تصنعه هنا؟؟"
" انه الحب 'كارا'... اكتشفت بأن مصير ليلتي الأرق بينما يصلني خبر وصولك الى ايطاليا... خططت لرؤيتك و قمت بما قام به روميو طويلا مع جولييت"
أعمت دموع الغضب عينيها وهي تراه يسخر بطلاقة منها، أمام هذه القشرة المتهكمة شعرت بالغضب الذي يتآكله... دقت نواقيس الخطر في صدرها مجلجلة و نظرت حولها تريد الاحتماء بأي شيء... في صقلية لم يتردد بتوريم وجهها... السافل.
" مالذي ... تريده مني دراكو؟؟" لعنت الصوت المهتز و الخالي من الثقة الذي انفلث من بين شفاهها.
ابتسم ملئ فمه... ابتسامة لم تصل أبدا الى عينيه بينما يرتوي بنشوة من الرعب المرسوم في وجهها و صوتها.
" قلتُ بأنه يمككنا امضاء سهرة لطيفة معا... هناك ملاهي لا بأس بها في الجوار..."
بسرعة التقطت معنى كلامه المبطن، لم يكن يدعوها، مجرد تمهيد لمصيبة قادمة.
" أنا متعبة... لا أريد السهر.."
" ياللخسارة... حتى انني جهزت كل ما يلزم لسهرة لطيفة... الشامبانيا... شبان تعر من كل الجنسيات... هل تميلين لجنسية محددة أم نكتفي بما هو متوفر؟؟"
اختفت ابتسامته و معها أسنانه البيضاء المتناقضة مع بشرة وجهه السمراء، التحول الجدري في وجهه أوقف قلبها عن النبض، شعرت بأن ساعة الحساب حانت ووضعت يديها تلقائيا أمام وجهها عندما قطع المسافة بينهما.
" بدلي ثيابك فلور لأننا سنسهر معا الليلة، أنصحك ان تقبلي فورا عرضي ولا تدفعيني للغضب... فعندما أغضب... لا أكون مسؤولا على تصرفاتي"
أبعدت يديها عن وجهها و تطلعت اليه وكأنه يتكلم بلغة لا تفهمها، هل يظن حقا بانها ستتبعه بهذه السهولة؟؟ اذا كانت تشعر بالرعب في قلب بيت مارك انطونيو في وجوده فكيف سيكون عليه الأمر عندما تصبح رهينته... على ملعبه؟؟
" بالأمس..." بدأت وهي ترطب شفتيها جافتين " كنت احتفل مع صديقاتي"
" هنئيا 'كارا'... لأننا الليلة سنحتفل بشيء مميز ايضا" ثم اندفعت اصابعه الى المكان الذي تكره أن يلمسها أحد فيه... بطنها " أتمنى انه استفاق من تأثير الشمبانيا عليه منذ ليلة أمس... التعامل مع أم مثلك لا يكون سهلا في كل الأوقات..."
شعرت بكلماته تصفعها الواحدة تلوى الأخرى.
" لم اشرب الكحول منذ حملي دراكو..."
" بالتأكيد 'كارا' أصدقك... فأنت النبل بعينه..." أبعدت وجهها عندما حاول ملامسة وجنتها بيده بعاطفة زائفة " الصحافة تبالغ... صورة جرائد اليوم مزيفة"
هزت رأسها بالنفي، غصة مؤلمة منعت عليها التكلم بوضوح:
" الصورة ليست مزيفة... كنا بصدد... بصدد" توقفت عن الشرح بينما يُحني نحوها رأسه و كأنه لا يسمع جيدا ما تقول، صوتها كان ضعيفا و منخفضا، عندما هز عينيه السوداوين نحوها كانتا باردتين كالجليد، صعقتها كمية الكره في نظراته السوداء.
" اسمعيني فلور... عندما عاشرتك كنت أعرف تماما أي فتاة رخيصة أنت... حياتك البائسة ككل لا تهمني... تستطيعين الاحتراق في الجحيم مع كل الرجال الذين مروا في حياتك و سيمرون لأن القائمة طويلة جدا... لكن هذا الكائن الذي ينمو هنا..." ثم عاد يحط بتملك يده الكبيره على بطنها و يتفرس في عينيها بإشمئزاز " هذا الكائن مسؤوليتي أنا الى حين خروجه... بعدها... لا يهمني أمرك سواء من قريب أو بعيد"
بلعت جراح كبريائها وهزت نحوه نظرات باردة، تحاول مسايرته في هذا الحوار المذل، استرجاع ولو القليل من كبريائها.
" أنت أسوء خطأ ارتكبته في حياتي"
" اعفيني مجاملاتك " أجابها بنعومة و عادت يده تلامس تدويرة بطنها البارزة بتملك دون أن تقدر على ابعاده " هل ستغيرين ثيابك أم نمضي السهرة معا في هذه الغرفة الجميلة؟؟"
" أنت ممنوع من الاقتراب مني هل نسيت؟؟" قذفته بأول ما جاء على لسانها..." ان عرفت المحكمة بخرقك لـ..."
" لا أظنها ستفكر مرتين أمام دفاعاتي ... الصورة وحدها كفيلة بقلب موازين كل الأمور"
اصفر وجهها وأدركت بانها سقطت في الشرك الذي حذرتها منه خالتها، تشم رائحة خديعة من هذا المتغطرس الخالي من الرحمة... بحق الله... لم تكن قد فكرت بنتائج هذه الصور بينما تقبل التحدي الذي قذفته بها ايفيت و ترقص بمياعة مع قنينة شامبانيا فارغة... في ظرف ليلة قامت بتدمير كل عمل عمها، ليس من السهل التخلص من الصورة التي رسمتها لنفسها طول عمرها.
" أحب طفلي دراكو..."
" قلت بأنني أصدقك..." بنعومة مرت اصابعه مجددا على بطنها قبل أن تلتقط اصابعها الباردة وتضغط عليها و كأنه يواسيها " أنا مستعد لتناسي حماقاتك ففي النهاية... ما أزال عالق في زواج لا أرغبه من ديامانتي و أموري معقدة بشدة... هل يمكننا ... التكلم ولو لمرة كبالغين دون هذه التهديدات و الحرب بيننا؟؟"
عالق في زواج لا يرغبه؟؟؟ بالكاد فلور تصدق هذه الادعاءات... هذا الوحش الضاري أمامها يتلاعب بها فحسب... انه متيم من ديامانتي الجميلة و ما يهمه هو الحصول على ابنه بأقل أضرار ممكنة.
" فلنمضي فلور... أعدك ان نتحذث فحسب... "
" لا"
تعبير شرير ارتسم على وجهه مما جعلها تتراجع الى الخلف، كانت مستعدة لفعل اي شيء كي تتواجد في هذه اللحظة بعيدة بألف ميل عن هذا الوجه المشوه من الغضب.
" ان خرجت من هنا من دونك 'كارا' فتحملي وحدك نتائج ما سيعقب... احذريني... لستُ سهلا أبدا و إمكانية احتفاضك بمفردك بإبني مستحيلة... لا يوجد قانون في الكون سيفرقني عنه"
" بيننا المحاكم دراكو..." من اين وجدت هذه الشجاعة التي تملكتها فجأة؟؟
تقسم أنها المرة الأخيرة التي ستعرض فيها نفسها لأنتقاضات العالم... طفلها هو من أهم أولوياتها... طفلها سيكون لها الم يعدها عمها بذلك؟؟ تهديدات دراكو باهتة و بدون اية قيمة.
" لا باس..." سمعته يهز كتفيه و كأن فرصة تراجعها عن موقفها قد ولت " فقد أعلنت الحرب بيننا فلورانس ريتشي... سوف أذكرك بهذه الليلة عندما تجثين مستقبلا على قدمي طلبا الرحمة"
" هذا سيحذث... في أحلامك فقط" ردت ببرود.
لكنه لم يرد، القى نظرة أخيرة على بطنها قبل أن تبتلعه ظلمة الليل و يختفي في الشرفة كما ظهر...
بقيت لوقت طويل مسمرة مكانها.. لاهثة... ضائعة... تتسائل اذا كانت قد عاشت هذا اللقاء أم حلمت.
لكن الرائحة الرجولية لوالد طفلها بقيت عالقة في الهواء مما يبرهن تواجده معها قبل لحظات قصيرة.
تركت نفسها للخدر الذي هاجمها و انهارت على سريرها ترتجف بحجة من الخوف و الصدمة و القلق.
***
" مارايك؟؟"
أطلق نيوس تصفيرة اعجاب طويلة أمام التحفة المرصة بالماس و الزافير، قبل أن يعود للتطلع ببهجة الى مارك انطونيو و يركز على ربطة عنقه الأنيقة من خلال المرآه أمامه، يعدلها بأصابعه الخبيرة.
" سوف تغرم فورا بخاتمك مارك... صدقا... هل تنوي طلبها للزواج الليلة؟؟ ليلة زفافي..."
" رباه..." العصبية المرتسمة على وجه مارك دفعت نيوس للضحك مجددا " منذ أن أشتريته في باريس بالأمس و أنا مصاب بمغص أمعاء حاد و معه الاسهال..."
ارتدى نيوس سترة الزفاف الكحلية التي ناسبته بشدة و القى نظرة اخيرة على أناقته قبل أن يعود لصديقه الذي يبدو شاحبا بشدة و كأن ملاك الموت بإنتظاره في أحد الأركان.
" بالكاد اصدق قصتكما الغريبة أنت ولينيتا... اسف ... لكن عندما أعلمتني هاتفيا كدت اضحك في وجهك من فرط ما وجدت قصتك خيالية... و عندما رأيتها... ظننت بأنها 'آنا' من تتلاعب بك و تأخد مكان توأمها"
" ليست 'آنا'... نيوس انها 'لينيتا'...حبيبتي.."
" أعرف... أعرف لست مضطرا للتفسير... مكانك كنت لأتزوجها فورا بعد كل هذه المعاناة.. "
أعقب الصمت، وغاص مارك مجددا في أفكاره، ينظر الى خاتم الخطوبة و كأنه ينتظر حذوث معجزة، تنهذ نيوس وجلس بالقرب من صديقه و اشبينه...
" أعرف عقدتك بالنسبة للزواج..."
" اتوسل اليك لا تتمم..." أغلق العلبة ووضعها في جيب سترته " لا أريد أن أمرض قبل مراسم الزفاف... مجرد التفكير في الخطوة القادمة بعد أن أضع خاتمي في أصبعها يصيبني بالغثيان"
" فكر في ايجابيات هذا الزواج مارك" نصحه بلطف.
قاطعه هذا الأخير متهكما:
" كما تفعل أنت في هذه اللحظة؟؟... بحق الجحيم نيوس... فكر في سلبياته أيضا فالوقت لم يفت... يمكنك انهاء كل شيء "
هز نحوه صديقه نظرات مندهشة و كأنه يستمع لسخافة مخبول.
" أريد هذا الزواج... وعلينا الاسراع و الالتحاق برجل الدين قبل وصول 'ليز' الى المكان... اليست هذه هي العادة؟؟"
ثم عاد اليه التوثر بينما يعود الى المرآة لغرس الزهرة التي ارسلتها خطيبته مع مارك خصيصا لسترته.
هل يشعر كل العرسان في العالم بهذا الفراغ يوم الزفاف؟؟ و كأنهم قادمون على بيع أرواحهم للشيطان؟؟ ابعد افكاره وسخر من نفسه... ليز الجميلة لا تشبه الشياطين في شيء... انها المرأة المناسبة له و لخططه... رغم الحرب العنيفة مع سبيريوس فلن يتنازل عن خططه... فليختنق العجوز في غيضه.
سينسى كل توثره ما ان تسقط عيناه على عروسه بفستان الزفاف...
" لم المح ديامانتي بعد... أين اختفت؟؟"
تصلبت ملامح وجهه و معها اطراف اصابعه على ياقة سترته الى أن أبيضت مفاصلها، لام نفسه لمرة لا يذكر عددها بشأن اخفاء الأمر على مارك... و كان يأمل أن يتحذثا بهدوء عن ديامانتي ما ان تنتهي مراسم الزفاف التي ستبدا قريبا جدا.
" ديامانتي... رحلت من الجزيرة منذ اسابيع..."
ترك مارك مقعده و وقف ورائه مباشرة، البدلة التي يرتديها انعكس لونها الرمادي على وجهه الذي تحجرت ملامحه بينما يحاول تفهم الأسباب، بدى و كأنه يصارع الموت في هذه اللحظة.
" نيوس... بحق الشيطان"
" هل كنت تعلم بانها متزوجة مارك؟؟" ثم استدار ليواجهه و كأنهما عدوين لا صديقين يتهيآن لعيش لحظات مصيرية في حياة احدهما " هل كنت تعلم بأنها الأميرة ديامانتي دراكو فالكوني؟؟"
أقطب مارك امام هذا الخبر الغير متوقع ولم يرد سوى بالتساؤل المرسوم في نظراته الزرقاء.
" أتى زوجها للبحث عنها فعادت اليه دون ان تنظر الى الوراء... نهاية سعيدة لا؟؟"
" اعدتها اليه بهذه البساطة؟ لقد كانت ترتجف رعبا من مجرد ذكر اسمه نيوس... هل كنت اخرقا لهذه الدرجة؟؟"
بحق الرب... كتم نيوس غيضه و عذاب ضميره الذي كان يردد نفس الكلام في صدره، تركها الى مصيرها بدل حمايتها..
لكنها هي من اعترض عندما حاول التدخل اليس كذلك؟؟ هي من تلاعبت به و سخرت منه بأشد الطرق بأسا.. ثم ذلك الاتصال... رباه.
" رفضت تدخلي في امورها..." قال بهدوء مزيف يحاول اخفاء امتعاضه.
" اكاد لا أعرفك" صرخ به مارك بغير تصديق " لقد ائتمنتك عليها... مالذي حذث بالضبط نيوس؟؟؟ هل حطمت قلبها كما سبق و حذرتك الا تفعل؟؟ هل تركتها لمصيرها انتقاما لإخفائها عنك أمر زواجها؟؟"
من الجيد أن تجد صديقا يفهمك دون حاجتك للكلام... لكن في هذه اللحظة تزعجه شفافيته أمام مارك انطونيو... تزعجه كلماته التي تلامس جروح يجاهذ لإخفائها و تناسيها.
" نيوس... لقد وعدتني"
" لم اعدك... قلت لك حرفيا 'حسنا' وهذا لا يدخل ضمن تعهداتي... عندما سقطت عيناي على ديامانتي أدركت بان أمر مقاومتها مستحيل... لكنها تلاعبت بي رغم جهودي بإكتشاف غموضها و كسر حصنها ... شعرت بطعنة الغدر بينما أرى دراكو فالكوني بلحمه و شحمه في شقتي بأثينا يطالب بما يعود اليه"
هز مارك رأسه بعدم تصديق، رغم كل تبريراته لا يبدو مستعدا لسماعه ولا تفهم مواقفه.
" شعرت بطعنة الغدر؟؟ في اي قائمة دخلت قريبتي بينما تعاشرها و تهتم لأمرها؟؟ هل الغيت خططك بشأن ليز؟؟.. من الذي طُعن في هذه الحالة؟؟"
أمام صمته انفجر مارك بوجهه غاضبا.
" أنت حقير نيوس"
" لقد اهتممت بأمرها حقا، لقد اردتها بشدة مارك و هي من تركني..."
يبدو بأن غضبه فاق تحمل سماع صوته أو تبريراته أكثر، راقبه يغادر المكان كالعاصفة و يغلق خلفه الباب بهياج.
***




أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-06-13, 12:07 PM   #42

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن عشر

"تركتها ترحل... بهذه البساطة؟"
أحتفظ جوشوا بهدوئه أمام الرعب وعدم التصديق والغضب اللذان تخللا صوت الكونت المهتز هياجاً، ضرب بكفيه على سطح مكتبه إلى أن أرتجت جدران الغرفة وهددت بسقوط حائط الكتب القيمة.
أسود وجهه أكثر بينما يقرر جوشوا الاحتفاظ بصمته ويستفزه دون قصد، أظلمت عيناه الخضراوين وزم شفاهه بحنق.
"أقدمت على أفظع غلطة في حياتك يا بني... فليرفق الله بك... تزداد غباءاً كل يوم وأكاد لا أعرفك"
"كلانا بحاجة لمسافة..." ما إن تجاوزت الكلمات شفاهه حتى عاد والده ينفجر في غضب محتدم فاقد السيطرة.
"ألم تكفيك المسافة التي وضعتها بينكما هنا في البيت؟.. فليكن في علمك أنا في صف آنجلا وحفيداي حتى النهاية... كنت شاهداً على معاناتها وعذابها طيلة الأشهر الماضية وأجد شكوكك نحوها ساقطة"
"ربما لا نرى الأمور بنفس المنظار أبي لكنني بحاجة للوصول إلى الحقيقة..." ألتقط أنفاسه متأهباً لنتيجة ما سيعقب تصريحه القادم "قررت البحث عن أمي"
عم صمت مطبق ومهيب المكان، تعلقت عيناه بوجه والده الذي أضحى مثل لوح من رخام ثم أنزلقت نظراته على ذراعيه القويتين المتصلبتين على سطح المكتب، أقطب بينما ينتبه الى المحبس الفضي في أصبع اليد اليسرى...
"ما هذه القصة أيضاً..."
عاد ينظر إلى وجه الكونت المسود غضباً، جاء صوته بارداً كالجليد.
"بما إن لينيتا دا ماتا حية ترزق فلا أرى داعياً من استمرار اختباء أمي... أريد أن أراها... أحتاج لذلك"
أقطب أندريس وغمرت الدهشة نظراته.
"لينيتا دا ماتا حية؟؟ بحق الجحيم من أين لك بهذا..."
"آنجلا أخبرتني قبل أيام... القصة معقدة جداً يبدو إن أحدهم أخفاها في مصح عقلي طيلة السنوات الماضية... بحق الله لا تتطلع إلي وكأنني أهذي... تكلم مع صديقك المتغطرس إدواردو ريتشي ولا تجرؤ على التفكير بأن أمي من وراء أختفائها لأنها لن تربح شيئاً من قيامها بأمر شنيع...."
"أمر شنيع..." صرخ أندريس بعدم تصديق بينما يغادر جوشوا مقعده "متى قامت والدتك بشيء لطيف لأحد؟؟"
"لا أريد التكلم معك عنها لأنني أعرف كراهيتك نحوها..."
عاد يرمش بعدم تصديق، ما الذي يحصل بحق الله... لماذا هذه الرغبة المفاجئة لرؤية والدته التي تكبد معاناة زجها في السجن دون جدوى... تبخرت في الطبيعة ولم تترك ورائها أي أثر.
فجأة ترددت طرقات مستعجلة على باب المكتب وظهرت فرجينيا، هبط غضبه في الوقت الذي وقعت عيناه عليها... على زوجته.
كانت تمسك جريدة في يدها، عاد يقطب بينما يرى وجهها غارقاً في الدموع، نسي جنون جوشوا وأستفزازته بشأن آنجلا وإمانويلا... ترك مكانه بسرعة وخطى نحوها بينما تشير إلى الجريدة وتتمتم بصوت مهتز:
"فلورانس... آه أندريس ..."
"ما الذي حدث لها؟؟"
التقط الجريدة من بين أصابعها المرتجفة وحاول العثور على ما يترك زوجته في هذه الحالة من التعاسة.
"إنها حامل... رباه... كيف يعقل أن أعرف بالخبر من الصحافة بينما أبنتنا تخفي عنا أمر بهذه الأهمية"
شعر جوشوا وكأن آلة حادة أخترقت بطنه فجأة، فلورانس... فلور... أبنتهما؟
انسحب الدم من وجهه بينما تلتقط عيناه محبس فرجينيا الشبيه بمحبس والده، عندما وصلا هذا الصباح معاً... لم يعطي الموضوع أهمية كبيرة... فرجينيا من الديكاتريس والريتشي وجودها في ستار هاووس... مع الكونت أو مع أي فرد آخر من الريتشي عادي... سفرهما الغامض معاً ربما ترك له بعض الشكوك... والده يعشق و يكره هذه المرأة منذ سنوات... يستطيع تخمين الكثير وراء هذا السفر إلا... الزواج!
"هل تزوجتما؟"
بدت الحيرة على وجه فرجينيا الغارق في الدموع، وكأنها تتساءل عن سبب وجوده في هذا المكان، راقب الكونت يأخذ وقته بتفحص الصورة التي نشرت بالأمس قبل أن يواجهه بعد أن أمسك بيد هذه الأخيرة بحركة مدافعة.
"تزوجنا في المالديف... لا أظنني بحاجة لتبرير تصرفي لأحد"
أستفزازه بدا مباشراً، عاد يثبت المرأة التي غرق وجهها في حمرة من الإحراج قبل أن يبصق بجفاف:
"أنا لا أنتقضك أبي فأنت راشد وتعرف ما تفعل..."
ألتقط بسرعة قصده، وما الغريب... طالما كان أندريس ديكاتريس متيقظاً وذكياً.
"سوف نتمم كلامنا قريباً..."
لكنه رفض هذه المبادرة.
"لقد أتخذت قراري..."
"قرار سخيف ولا معنى له... بربك جوشوا... أعد التفكير"
كانت نظرات فرجينيا التي جفت تتنقل ببعض العجز بينهما، شبهها هي وفلور ضئيل... لما لم يفقه بالقواسم المشتركة بين مستهترة آل ريتشي ووجهه شخصياً؟
"بالنسبة لفلور... هل صحــ..."
قاطعه والده بثبات:
"إنها أبنتي"
الآلة التي مزقت أحشائه شعر بها جوشوا تجد طريقها إلى قلبه هذه المرة وتقسمه إلى أجزاء صغيرة، تنقل بنظراته مطولاً بين فرجينيا ووالده وتذكر الاشمئزاز الذي يتآكله كلما سقطت عيناه على تلك الفتاة المتمردة الجمال والخضراء العينين... تلك الفتاة التي تحمل دمه في الحقيقة ويجهل روابطهما الروحية.
"لا تخبر آنجلا بشأن زواجنا ولا بشأن فلور..." سمع المرأة تقول بصوت متردد قليلاً "نحتاج لبعض الوقت كي نشهر ذلك..."
"لا تقلقي سيدتي... آنجلا آخر شخص قد أسر له بشيء حالياً."
* * * * *
لمحها هاكان ما إن تجاوزت جمارك المطار، حقيبتها الصغيرة منزلقة خلفها وابتسامة عريضة تشع من وجهها الأسمر الجميل... لقد أفتقدها بشدة، لكنها لن تتجاوز عتبة المطار.. عليه وضعها في أول طائرة عائدة إلى الألسكا.
"نيرفلي.. عندما أخبرني جوشوا بوصولك اليوم لم أصدق"
عانقها بإيجاز قبل أن يمسك يدها بثبات ويجرها خلفه إلى مقهى المطار الشبه مكتظ، رغم محاولتها بالتملص لم يتركها إلا وهو يجلسها ببعض العصبية على مقعد فارغ في منضدة منزوية، الغضب الذي ألتمع في عمق العيون القاتمة لم يمنعه من أخذ مكانه أمامها والتطلع إليها بصلابة.
"ما الذي آتى بك؟؟"
"لقد دعاني جوش..."
"جوش يمر بأسوأ أزمات حياته... لقد أنفصل عن زوجته التي أخذت أبنيهما معها وعادت إلى منزل والديها، دعوته ومجيئك في هذا الوقت بالذات ضرب من الجنون"
"لم آتي لسرقته من زوجته 'هاكان' أنت أدرى بمشاعري نحوه... إنه مجرد صديق" ثم أخرجت شيئاً مربعاً مصنوع من الجلد الفاخر و مدته إليه "وجد شيلان هذا في حدود القبيلة... 'سورا' تظن بأنه يخص الشخص الذي تسلل ليلاً لقتل 'الزائر'."
ألتقط بحركة جافة ما تمده إليه وفتحه بسرعة كي يسقط أنفا بأنف مع معلومات خاصة لأوراق ثبوتية، شعر بالسخونة تغمر كل جسده بينما تتساءل شقيقته الصغيرة بفضول:
"إذاً؟؟"
أغلق هاكان ما في يده ثم أدلفه في الجيب الخلفي لبنطاله الجينزي.
"إذاً لا شيء... ولا تخبري جوش بهذا يجب أن يبقى سراً بيننا... عموماً لن تتمكني من أخباره بشيء لأنني سأعمل على أن تركبي أول طائرة عائدة إلى الولايات المتحدة"
هزت عينيها إلى السماء غير متأثرة بتهديداته.
"هل تظنني سأقبل العودة دون زيارة لندن ولا رؤية جوشوا؟ لقد تكبدت مشقة ساعات لا منتهية من الطيران كي أحقق حلمي أخيراً بالسفر إلى أوروبا... ثم... سأعرج على فرنسا وإيطاليا قبل عودتي... أملك ما يكفي من المال لأتناول البيتزا في 'نابولي' وأشتري قنينة عطر من 'باريس'..."
ابتسمت ابتسامة عريضة وتظاهرت بالبراءة وهي تسأله:
"لما تبدو غاضباً مني؟؟ جوشوا من أرسل لي بطاقة السفر بالنسبة له صداقتنا أهم من تعقيداتك"
"لا تتلاعبي بالمفاهيم أرجوك... إن لمحتك زوجته فستحصل مصيبة"
"إن كانت زوجته لا تثق به إلى هذا الحد فليست مشكلتي... أتيت إلى لندن وسأستغل زيارتي إلى حين عودتي..."
هاكان لا يصدق عناد شقيقته، بعد شد وجذب مستحيل وافقت هذه الأخيرة على عرضه بالإقامة في فندق، بالنسبة إليه مستحيل أن تطأ قدميها عتبة 'ستارهاووس'... عالم الأثرياء غامض وطريقه شائك... يحمد الرب لأنه لا ينتمي إليه ولا يريد أن يعرض شقيقته الصغيرة إلى صدمة التعرف عليه، عليها أن تبقى خارج حياة.
* * * * *
رغم براكين الغضب المتفجرة في صدره هذه اللحظة أحتفظ مارك أنطونيو بملامح وجهه جامدة، وقوفه في هذه اللحظة قرب نيوس بعيد عن كل أماله بالرحيل لكنه مضطر لهذا البرتوكول ومسايرة الأحداث التي تجبره على التسمر قرب المذبح وانتظار العروس التي ظهرت في هذه اللحظة في المدخل... مشرقة وجميلة بفستانها الأبيض متأبطة ذراع والدها.
ألقى نظرة خاطفة على نيوس ووجده يحملق بنظرات مقتضبة نحو خطيبته، فيما يفكر؟ في سفالته مع قريبته؟
بلع غيضه مجدداً... لقد حاول الاتصال ببيت والد ديامانتي... أي خاله ولم يجبه أحد سوى الفراغ، كي يعثر على رقم دراكو فالكوني يحتاج لوقت أكبر... ماذا يملك ليقوله؟ أليس من الأفضل التنقل شخصياً لاقتحام ملعب ذلك الرجل ورؤية قريبته؟ نيوس خذله وتخلى عنها.. لكنه شخصياً... لن ينام مطمئن البال إذا لم يتحدث إليها ويطمئن عليها.
توقف صوت الأورغ بينما يستلم نيوس خطيبته ويبتعد ليمنحهما بعض الخصوصية أمام رجل الدين، ألقى نظرة من فوق كتفه والتحمت عيناه بلينيتا المتوهجة وسط فستانها الترابي والذهبي اللون، كانت تجلس بالقرب من والده وكاثي وعمته ألينا، تبدو مرتاحة بجواره عكس مشاعرها المقتضبة في الماضي، ابتسمت له في هذه اللحظة وعاد يتذكر الخاتم النائم في قعر جيب سترته ومعها الأحساس المريع في صدره، تحركت شفاهها بقول صامت وألتقط المعنى دون حاجته لسماعها 'أحبك'.
المكان أكتظ لحد الانفجار.. أقارب نيوس لم يفوتوا هذه المناسبة، آنجلا تخلفت عن المجيء لأسباب ما ومعها ميا، وصلت هداياهم بدونهم وقلبه منقبض بشدة بسبب تجاهل جوشوا لمكالماته... لا يعرف ما الذي يحدث لكنه يعرف بخيبته الشديدة لفكرة عدم رؤية شقيقه قريباً.
أنطلق رجل الدين بكلام يوناني لم يتمعن مارك في معانيه، أنتقل بنظراته من نيوس إلى ليز... عكس خطيبها تبدو هذه الأخيرة سعيدة ومشعة.
أضطر الرجل قطع كلامه بينما يرتفع صوت أجش في المدخل متدمراً، كل الرؤوس التفتت نحو الممرضة التي تدفع كرسي سبيروس المتحرك، امتعض وجه نيوس وخطيبته بينما هذا الأخير يرفع صوته أكثر متدمراً.
"لا أحد يفتقد وجود عجوز مريض... لا أحد يسأل عني..." ثم رمق نيوس بعداء "حتى حفيدي الذي يتأهب للزواج..."
"سبق وأخبرتني بأنك مرهق جداً لحضور المراسم..." سمع مارك صديقه يقول بصوت هادئ مُخفي غله من مقاطعة جده الفاضحة، أنحنى على كرسيه المتحرك ليساعد الممرضة بدفعه "والآن خذ مكانك لنتمم المراسم جدي..."
تجاهله سبيروس وراقبه مارك يثبته فجأة بعينيه ويأمر الممرضة.
"خذيني بالقرب من مارك أنطونيو..."
سمع وشوشة ليز لنيوس، كانت غاضبة جداً وهو يتفهمها، عندما هدأ الوضع ووجد رجل الدين مناسباً أتمام الكلام الطويل عن علاقة الرجل بزوجته والرابط الروحي والديني وتبادل الاحترام شعر بيد سبيروس على سترته، أشار له وأنحنى مارك نحوه مجبراً.
"هناك شبه كبير بينكما أنت وعزيزتي ديامانتي"
لم يكن يهمس، نيوس ألتقط كلمات جده واستدار نحوهما يرمقه بنظرات قاتلة:
"إن وجدتها أخبرها بأنها ثرية..."
لم يفهم مارك قصده، نيوس الذي يحاول تجاوز الفضيحة بكل قواه طلب من رجل الدين الأسراع.
"لستُ موافقاُ على هذا الزواج..." عاد يقول سبيروس لمارك ويرغمه على الانحناء مجدداً نحوه "نيوس يعشق ديامانتي لكنه سافل جداً كي يعترف بذلك"
هذه المرة لا شك بأن كل من في الصالة سمع هذا التعليق الخالي من أي لباقة، توقف مجدداً رجل الدين وشعر مارك بأنه من واجبه التدخل كإشبين العريس.
"لما لا نتمم هذا الكلام في الخارج كيريوس سبيروس؟؟"
"شكراً أيها الوسيم أفضل تقاسم أفكاري مع الحضور..."
"جدي..." همس 'نيوس' مسود الوجه من الغضب "أرجوك أوقف هذه الكوميديا فوراً"
"أنا أقوم بإيقافها يا حفيدي..."
تجاهله كما فعل منذ دخوله، العيون الممتلئة بالدموع لليز لم تدفع العجوز للتراجع، الكل بدى متيقظاً لما سيعقب، ألقى مارك نظرة على والده الذي أسرع لنجدة نيوس.
وصل إدواردو ووضع يديه على كتفي العجوز النحيلتين كي يثير انتباهه، تجمهر بضعة أقارب أيضاً وأضحى الوضع بائسا لليز التي اقتربت من العجوز وهمست من خلال دموعها:
"لما تفعل هذا 'كيروس سبيروس'؟... أعرف بمشاعرك نحوي لكنني لم أتوقع أن تفسد زفافي..."
"لا تتظاهري بالبراءة أمام الكل 'ليز' فما يهمك في 'نيوس' هي أموال 'ليونيداس' التي لم تحصلي عليها مع موت زوجك... لكنني أحذرك... تلك الأموال التي تحلمي بها لن تكون لكِ يوماً... المستفيدة الوحيدة هي..."
"توقف..." هتف نيوس بحزم، آخر أمانيه أن يتم نشر أسراره أمام كل ضيوف زفافه... "أمنعك من الاستمرار..."
"ما الذي يقصده..." سألت ليز بصوت تائه.
"ألم تخبرها بأن ثروة 'ليونيداس' لن تكون لك في حالة زواجكما؟"
أنسحب الدم من وجهها وأبقت فاهها فاغراً وكأن حجراً بثقل السماء نزل على رأسها... تراجع مارك متهيئاً لما سيعقب هذا التصريح الخالي من الرقة بينما يلتقط المعنى المبطن، بحق الجحيم... العجوز لا يبدو مستعداً للاستسلام أمام ملامح فريسته المتشحة بالأبيض... تعالت الهتافات الغير مصدقة بينما تلتقط العروس تنورة فستان زفافها وتركض خارج المكان، مقاعد عائلتها بدأت تخلو رويداً، شعر بلينيتا بجانبه حتى قبل أن يراها، لامسته أصابعها فأطبق عليها بدفئ والتفت نحوها كي يهدأ من قلقها، لم تكن تفهم كلمة واحدة من الحديث المحتدم بين نيوس وجده الذي طلب منه الأنفراد لكن هذا الأخير رفض وتبع 'ليز'.
غرق المكان في فوضى غريبة وأحتفظ مارك بحبيبته الضائعة بالقرب منه كل الوقت اللاحق، لكن ليز لم تعد أبداً... وارتفع فجأة صوت محركات الطائرة النفاثة في السماء... ليز أو نيوس غادر الجزيرة ووصل سبيروس لمبتغاه وأفسد زفاف حفيده... الشيء الذي أسعد مارك ولم يثير سخطه أبداً.
أخيـــراً... لن يرتكب نيوس غلطة حياته.
* * * * *
تبخر كل صبرها وتصنعها اللامبالاة معه بينما ترى حفيدتها بيلا تقتحم المطبخ بتلك الابتسامة الشبه ذابلة، لقد حان وقت الوداع هي تعرف... حفيدتها ستطير إلى والدتها في أستراليا كما قررت منذ أيام، رأت قبل قليل أبنها ينتظر في شاحنته القديمة كي يقلها إلى المطار.
"سوف نفتقدك عزيزتي..."
صوت ماريا الممتلئ بالحنان والحزن دفع الدموع إلى عيني 'سنيورا بينا'، دموع البؤس والتعاسة... ربما هذا أفضل، على الأقل بيلا لا تعرض نفسها للسخرية والإزدراء بالزواج من رجل فاحش الثراء مثل سيد القصر... ستكون بأمان في العالم الواقعي... ستكون في أمان بأستراليا.
"جدتي؟"
هل أنتهت من توديع الكل؟؟ هل حان حقاً موعد الرحيل بهذه السرعة؟
أمضت بيلا طفولتها ومراهقتها حرة طليقة في أراضي 'تيرا بيلا'، كيف ستتحمل عذاب فراق هذا المكان؟
لملمت أجزاء روحها المكسرة واستدارت نحوها، العذاب المرتسم على محياها الجميل أسقط دموعها بلا تردد ،وأحتضنت الجسد الصغير كما سبق وفعلت مراراً منذ سنوات طويلة.
"آسفة أن أخيب ظنك وأملك جدتي"
سمعتها تردد بصوت مختنق في صدرها بينما تضمها أكثر لدرجة الاختناق.
"لم تخيبي أملي..."
حتى في مسامع بيلا أضحت نبرتها مزيفة، إنها تعرف صلابة جدتها وقوتها، وتعرف متى تكون غاضبة من أحد، لا هي ربما لم تغضبها... لكنها كسرت الصورة التي طالما عرفتها بها... لقد حطمت فؤادها وفؤاد الجميع.
"لست مضطرة للرحيل..." سمعت جدتها تقول ببعض الأمل.
كلا هي مضطرة... إنه فحسب نداء الرابط الروحي الذي طالما جمع بينهما، بغض النظر عن فضائحها الأخيرة مع شقيق السيد فالكل مستعد للتعامي والاستمرار بطبيعية سواها بالتأكيد... حياتها تكسرت بالكامل وعليها أستردادها.
سبق وتجاوزت محنة إعاقة شديدة ويمكنها تجاوز محنة قلب محطم... تقصد مدمر.
عليها الرحيل، قصر الدوقية توسكيا يذكرها بأليكس... كل شيء يذكرها به، السماء وحقول العنب ونوار الشمس... زقزقة العصافير وخرير المياه المتدفقة في الجداول القريبة، صهيل سلطان ورفرفة أجنحة الحشرات... قطرات الندى.. أشعة الشمس وصدى أنفاسها في صدرها... ستجن إذا تجرأت على البقاء أكثر في هذا المكان.
غصة مؤلمة في حلقها منعتها من التعليق، مازالت في صدمة عمرها بسبب تمردها على أليكس... أليكس الذي أعلن حبه بسخاء أمام الجميع ورفضته... لكنها كانت مجروحة الفؤاد وناقمة، تلذذت برفضه كما سبق وأهانها، لذتها لم تدم إذ إنها أفرغت مخزون دموعها بينما تراه يرحل دون أن يلقي نظرة أخيرة على القصر..
النهاية قاسية...
النهاية مريرة.... ونهاية... مناسبة وعادلة لكليهما.
إنه الأمير... يملك كل شيء ويتمتع بكل شيء... يملك روحها رغم رفضها له... بينما يهجر المكان لم ينتبه إلى إن قلبها بقربه... على المقعد الخلفي الفارغ متضرعاً ومتوسلاً.
"افتقد... افتقد نفسي" الإجابة الهشة من بين شفاهها عادت تغرق عينا الجدة بالحزن والتعاسة "افتقــــــدني بشـــــــدة 'نونا' أرجوك أغـــــفري لي... "
"انتظري وصول السيد على الأقل... عليكما الكلام قبل أن تختفي من القصر وحياة طفليه" صوت ماريا مختنقاً كالعادة بالعاطفة والمشاعر.
شعرت بيلا بقلبها يتمزق بشدة، التوأمين أخذا مسألة سفرها بذعر حقيقي، رالف غضب بشدة... حتى إنه لم يودعها... طلب منها أن تمنح والدهما فرصة، أخبرها بأن هذا الأخير مريض من فكرة الزواج وعليها مساعدته.
قد يكونان ذكيان لكنهما صغيران جداً على فضح الحقيقة ونشرها أمامهما... ليس هي من عليها القيام بذلك... بل والدهما.
"التوأمين... التوأمين سيتفـــــهمان موقـــــــفي ما إن يكتـــــشفا إن والدتهما حيــــــة ترزق... ثم..."
صمتت وأنسحب الدم من وجهها بينما زحف الرعب تدريجياً في كل خلية من خلايا جسدها، الكل أنتبه لهذا التغيير في سلوكها وتابع نظراتها المتصلبة على مدخل المطبخ.
"تكذبين..."
الصوت المختنق للصغير دفع ركبتيها للارتخاء والعجز، صرخت من قلبها بينما ينطلق هذا الأخير هارباً.
"رااااالف..."
وضعت يديها على وجهها الشاحب وتضرعت للجميع بعينيها وكأنها تتمنى أن ينفي أحدهم المصيبة التي حدثت للتو.
كان هناك تصفير دراماتيكي قلبي في ندائها، عويل متألم ووجع، لكن الصغير لم يلتفت أو يتوقف... لم يستجب لها.
* * * * *
"إلى متى ستبقين على هذا الحال؟"
النبرة المواسية والرقيقة لميا دفعت دموع آنجلا تلقائياً لعينيها.
ذرف دموع الخسارة هذا بالضبط ما فعلته منذ تركها 'لستارهاووس' بالأمس، كل شيء مر بسرعة... تبادل الاتهام والمعاناة.. وكأن السنوات الست لزواجهما لم تكن... لكنها متألمة حتى النخاع، ليست متأكدة من استرداد أجزاء قلبها المحطم ذات يوم.
"أنا بخير..." همست من خلال دموعها التي عادت تمسحها بسرعة بينما تترك 'ليلي' الأرجوحة وتتوجه نحو المنضدة التي تجلسان عليها في الحديقة الشاسعة لمنزل والديها.
الصقت ابتسامة مضيئة على وجهها وأبعدت كل أثار التعاسة عليه بينما تركض أبنتها لحضنها... الأطفال يشعرون بالكبار بلا أدنى شك وليلي تبدو متوترة منذ رحيلهما عن بيت جدها... ليلة أمس كانت كابوس حقيقي، رفضت النوم في سرير غريب وطالبت والدها قربها... أعتادت حضوره خلال نومها وقيامه بقراءة قصة لها... في الرابعة صباحاً تسللت هذه الأخيرة لغرفتها واندست بين الأغطية تبحث مجدداً عن والدها، ضمتها إليها آنجلا وهدهدتها إلى أن استسلمت للنوم مجدداً...
"هل سيأتي أبي الآن؟"
"تركت له رسالة... لن يتأخر بالمجيء" قالت برقة وهي تقبل وجهها الصغير متأثرة بالنظرات الخضراء القلقة.
بسرعة أختفى القلق من الوجه الطفولي الجميل وقفزت مجدداً على الأرض جدائلها الشقراء بلون القمح تلعب في الهواء ببهجة، عادت بسعادة إلى أرجوحتها بينما أختفت ابتسامة آنجلا وسكنت نظراتها في هدوء مقلق.
ليلي تشبهها جداً ربما ورثت حساسيتها أتجاه والديها كما كانت نفسها لكنها أخذت كل شيء من جوشوا، حماسته... ذكائه... وتلك النظرة العميقة التي يتبناها هذا الأخير عندما يحاول كشف غور أحد... غورها هي بالتحديد... وأندريس جينيور صورة طبق الأصل من جده ووالده... لم يرث شيئاً من آل ريتشي.
"إنها متعلقة جداً بجوشوا..." سمعت قريبتها تعلق بهدوء.
"أعرف... كما كنت شخصياً مع والدي" ردت آنجلا دون أن تبعد نظراتها على أبنتها التي تستمتع بوقتها هذه المرة في الممر المنزلق والمنتهي بمسبح من الكويرات صغيرة متعددة الألوان "عليها أن تتعود رويداً على حقيقة الوضع... لا أنوي مباغتتها ولا حرمانها من جوشوا... إنها تخشى أن يختفي كما المرة السابقة ويعود إلى الألسكا... خائفة من أن يهجرها مرة ثانية"
عقب الصمت كلام آنجلا، لا تبدو ميا مستعدة لانتقاض جوشوا الذي تحبه ولا الوضع برمته، الوضع الذي سينقلب إلى دراما مريرة وجحيم حقيقي ما أن يصل الخبر إلى خالها إدواردو.
تعرف ميا ما تبقى عليها فعله، رؤية 'هاكان' لمعرفة آخر الأخبار وحثه على الأسراع ليتم تسوية كل شيء وتستعيد علاقة آنجلا وجوشوا طبيعتها.
* * * * *
تهادى إلى مسامع لينيتا همس الأمواج الغير بعيدة بعد أن هدأ المدعوين بعد صدمتهم بإلغاء الزفاف ورحيل العروس.
من ملامح مارك أنطونيو تعرف بأن ما حدث قبل قليل لا يؤثر سلباً عليه، يبدو مضيئ النظرات وبالكاد يخفي ابتسامته ورضائه، ليست بحاجة لذكاء كي تتكهن إن خلف قناع نيوس ليونيداس المحايد تعاسة كبيرة... هذا الأخير لا تربطه مشاعر حقيقية مع خطيبته... تقصد خطيبته السابقة.
ألقت نظرة حولها ووجدت مارك منهمكاً في الكلام مع والده قبل أن يعود إليها ويستأذنها، أخبرها بأنه بحاجة لرؤية صديقه... بلعت خوفها من البقاء بمفردها سريعاً بينما تأخذ مكان مارك كاثرين ريتشي، وعندما اقترحت عليها هذه الأخيرة المشي على الشاطئ وافقت فوراً.
جزيرة القمر قطعة حقيقة من الفردوس، لم تهتم لجدائل فستانها المكلف وهو يستقبل المياه المالحة لبحر أيجيه، كانت قد حررت قدميها من صندالها العالي كما فعلت كاثرين وتمشيا طويلاً على حافة الشاطئ، من بعيد في جنوب الجزيرة توضحت لها رؤية قوارب الصيادين وسوق السمك الصغير، والبنايات البيضاء المنتشرة بشكل بهي، هذا المكان يترك صدى في روح لينيتا... عالم متكامل صغير وبعيد عن العالم الحقيقي... ستكون بأمان مع مارك من الهجمات الخارجية التي تخشاها بشدة... فقط لو يستطيعان العيش هنا ولن يعودا إلى إيطاليا...
"منذ متى هاجر مارك إلى إيطاليا؟؟"
"بعد موتك بسنة..." ضحكت كاثي بعصبية وعصرت ذيل فستانها الأرجواني الذي تجاهد كي لا يفسده الماء "أقصد... أختفائك"
"أنت مصيبة في التعبير الأولي سيدة ريتشي... فقد كنت ميتة حقاً طيلة السنوات الماضية"
"طالما ناديتني كاثي..." تدخلت المرأة برقة وهي تتوقف عن التقدم نحو الصخور المغرية وتبتعد للرمال الجافة "سأظل الصديقة التي كنتها معك لين... لا تغيري شيئاً بيننا... هذه القصة المريبة أخذت من حياتكما أنت ومارك ما يكفي... عليكما نسيان مرارة الماضي وعيش الحاضر بنهم مع توأميكما... إنهما رائعين جداً... قمت بتربيتهما بنفسي في عامهما الأول قبل أن يأخذهما مارك معه إلى التوسكانا..."
شعرت بغصة مؤلمة جداً في حلقها، موجة لطيفة عادت تبلل بشوق أجنحة فستانها، برودة المياه على بشرتها النابضة كان منعشاً بحق.
"لما لم يتزوج؟" السؤال خرج بصعوبة شديدة.
السؤال الذي حيرها منذ لقائهما مرة ثانية، النظرة الحذرة التي ألقتها كاثي نحوها لم تهمها بقدر ما همها تلقي الجواب.
"مارك... لم يكن يوماً متحمساً للزواج"
هزت لينيتا حاجبيها بإستغراب.
"لكننا كنا مخطوبين وعلى وشك الزواج..."
التقطيبة العميقة التي ارتسمت على جبين كاثي دفعت قلبها للعدو بإنطلاق في صدرها، مرت بضعة ثوان ثقيلة بالتوقع قبل أن تهز كاثي كتفها المكشوف وتبتسم بلطف:
"أقصد أنه لم ينساك أبداً...ولم يرغب بأن تأخذ أخرى مكانك"
السعادة التي تدفقت في شرايينها كادت أن تصيبها بذبحة صدرية، لم تستطع منع نفسها من الابتسام والابتسام وكأنها فقدت رشدها.
"أنا أيضاً لم أنساه يوماً... كان في داخلي بشكل أو بآخر... أريد لو نتمم خططنا ونتزوج ونتحد كعائلة حقيقية مع توأمينا... لن أسمح لأحد بتدميرنا مجدداً"
هل كان القلق ما لمحته في النظرات الرمادية؟؟؟ مضغت شفتها بعصبية تنتظر مشاركة هذه الأخيرة حماستها أو حتى... أو حتى منحها بعض المباركة... هي ليست والدة مارك لكن رأيها يهمها.
"بالتأكيد عزيزتي... سيكون كل شيء على ما يرام"
* * * * *
"أتمنى إنك راضٍ ومرتاح أيها العجوز الشيطاني؟"
رغم الغضب الأسود في صوت نيوس الذي اهتزت له جدران غرفة سبيروس لم يمنع هذا الأخير نفسه من الابتسام برضى.
"لقد رحلت وأنتهى الكابوس..."
"لم ينتهي شيئاً سبيروس... سوف أستعيدها وأشرح لها الوضع وأتزوجها في لندن برضاك أو بدونه ولن ترى وجهي مجدداً في هذه الجزيرة... سوف تموت وحيداً"
أسود وجه سبيروس وأدار كرسيه المتحرك من أمام الشرفة ليواجه حفيده الذي كان قد تخلص من سترته وفك ربطة عنقه، عيناه محمرتان من الغضب و شفاهه مزمومة بكراهية.
"سفرك إليها لن يفيدك بشيء نيوس... لن تعود إليك بعد أن أطلعتها على ما أستنكرته بشدة، زواجكما لن يعيد إليها ثروة زوجها المرحوم وثروتي الخاصة ستؤول لشخص آخر في حالة ارتباطكما... لقد رحلت مع شيك بسبعة أرقام نيوس... لن تفسخ العقد بيننا"
لم يرد نيوس، كان في حالة من الغليان النفسي مما منعه من الاقتراب من جده ورميه من الشرفة ليشفي غليله، تراجع خطوة إلى الوراء، لم يصدم من تصرف ليز فما كان بينهما ومنذ البداية هو تبادل المصالح لا غير، لكنه أراد بشدة تربية مراهقي أبن عمه، لن يحصل يوماً على وريث وهذا يحبطه بشدة.
"بدل الركض وراء أرملة أبنة عمك فكر في الموضوع نيوس... أبحث عن المرأة التي تعني حقاً شيئاً لك... تلك المرأة التي بدلت تسريحة شعرك من أجلها"
"أذهب إلى الجحيم سبيروس... "
دار على عقبيه يعميه الحقد والغضب والقهر... المرأة التي غير تسريحة شعره من أجلها تحمل اسم رجل آخر ولم يعد من حقه التفكير فيها.
"ديامانتي..." بدأ سبيروس مما أخرج مخالب نيوس مجرد سماع اسمها يجعله في كل حالاته.
"متى ستتوقف عن التفكير برومانسية مثل النساء؟ ديامانتي متزوجة كانت بيننا مغامرة وأنتهى الأمر... دعني أختار المرأة التي أريد بنفسي وسأبحث عن ليز مجددا لأقنعها بالزواج..."
"ديامانتي لا يعني لها ذلك الصقلي شيئاً..." تابع جده غير متأثر بتهديداته "لقد منحت أمانها لك لكنك خذلتها... أعدتها إليه كالغبي"
عاد اتصال ديامانتي يلاحقه بإصرار... صوتها المتضرع والمتوسل، لكن لا... هو ليس جده، إنها شيطانة متلاعبة وكاذبة محترفة... خلف ذلك الجمال الاستثنائي روح فاسدة حتى الأعماق.
"إنها مغرمة بك... سبق واعترفت لي بذلك"
سمع جده يقول بإصرار، وأدلف نيوس يديه في جيوب بنطاله وبصوت خال من التعبير قال:
"سبق وفعلت الشيء نفسه معي... لكن حبها لا يعني لي شيئاً... فلتحافظ به كذكرى بجانب الرجل الذي تحمل فعلياً اسمه"
أمام التعبير القاتم لجده غادر نيوس الغرفة... عقله تعصف به عواصف من الأفكار السوداء والذكريات البعيدة، بطبعه ليس عاطفياً أو ميالاً للرومانسية، لكن مرور ديامانتي العابر في حياته ترك مذاقاً مراً وحلواً... المخادعة الصغيرة التي سخرت منه في أكثر من مرة و قللت منه أمام نفسه كما لم تنجح امرأة قبلها... بدل التوجه إلى جناحه الخاص وجد خطواته تتوجه رأساً إلى الرواق المستقل حيث الغرفة التي سكنتها ديامانتي لأشهر طويلة... بعد أن لامست أصابعه المقبض الذهبي للباب الكريمي اللون تسللت إليه نفس الرعشة الغريبة التي تزور حواسه كلما قادته ساقيه إلى هنا لرؤيتها... دفع الباب بمهل يتفقد المكان ببعض الأمل السخيف... ابتسم ساخراً من نفسه عندما سقطت عيناه على السرير الفارغ وطاولة الزينة العارية من أدوات التجميل التقليدية، من زجاجة عطرها ومشطها العريض المذهب الأطراف تماماً مثل خصلات شعرها الحريرية... الغرفة مرتبة بعناية... لم يُلمس سريرها منذ أن هجرته سيدته... هذا السرير الذي جمعهما معاً في أكثر من مرة، لمعت ذكرى في رأسه بينما يدنو من المقعد الذي أستقبل جسده المضطرب لساعات طويلة من الانتظار المضني.
"هل يعقل أن تنتظر عودتي حتى..." ثم ألقت نظرة جافة إلى ساعة يدها وتابعت "الثالثة صباحاً كي تطمئن على سهرتي؟؟ ألم يمكنك الانتظار حتى الصباح؟؟"
"ما الأمر ديامانتي؟ ألم تعتادي على حضور ذكري في كل مكان تتواجدين به؟؟ الكل مستعد للفت انتباهك وربما... الحصول على عطفك..."
كانت قد هزت رأسها بتحد...
"لكنك لست كالبقية 'دون نيوس'... فقد نسيت أمري ما إن جلبتني إلى هذه الجزيرة... لم تفعل شيئاً للفت انتباهي ولا للحصول على اهتمامي"
"كاذبة..." تمتم نيوس من بين أسنانه وهو يتوقف عن ملامسة ظهر المقعد المخملي، لقد تلاعبت به... كانت عذراء ولم تخبره، تعمدت سجنه في حبالها إلى الأبد بمنحه ما لم تمنحه إلى دراكو فالكوني.
أدلف أصابع يديه في كومة شعره الكثيف الحالك وركل بهياج المقعد أمامه إلى أن أرتكن هذا الأخير في إحدى الزوايا دافعاً قوائمه إلى السماء، إنه يكره هذا المكان كما صاحبته، يكره ضعفه إتجاه قريبة مارك أنطونيو ويكره قراره بجلبها معه إلى جزيرة القمر، لو لم يراها العجوز سبيروس لما أنتهى حفل زفافه إلى كارثة.
"أنت هنا..."
أستدار على عقبيه واكتشف مارك على عتبة الباب، صعقه الشبه بينه وبين ديامانتي بهذا التعبير الشبه قلق في عمق نظراته الزرقاء.
"كيف وجدتني؟؟" سأل بعد صمت وجيز وتوجه نحو المقعد ليعيده إلى مكانه ويعيد السيطرة على نفسه.
"إحدى الخادمات رأتك تدخل المكان... هل أنت بخير؟؟"
واجه بحر ايجيه المتلألئ بألف لون تحت أشعة الشمس القوية وتذكر نزهات ديامانتي الطويلة على حوافه الندية، كانت تسبح وتقرأ على الشاطئ، لا يخفي جسدها الشاب سوى قطعة مغرية من الثياب الزاهية، من مكتبه تجسس عليها طويلاً، وألهمه جمالها في صفقاته، لوهلة ظن بأنها له حقاً... ملكه... حتى إنه شعر بالغيرة العمياء في أثينا بينما يمسك بيدها بتملك ويرمقها الرجال برغبة يائسة.
"رحلت ليز وأنتهى زفاف خططت له طويلاً... دفع لها جدي كي لا تعود أبداً"
"ربما هذا أفضل" الصوت القريب جداً لمارك أزعجه.
مطلقاً لم يخفي مارك مشاعره تجاه ليز، لكن... متى كانا متفقين فيما يخص النساء؟؟ بينما مارك يعيش علاقاته طويلاً ويظل وفياً لصديقاته كان شخصياً يستبدلهن بالسرعة نفسها التي يتنفس بها... لكن ليز حالة استثنائية، إنها أم لولدين من أليونيداس... كان سيحصل على كل شيء... الأبوة والمال.
"لابد إنك تشعر بالغبطة مارك..."
كلاهما فهم معناه، لم يرد صديقه بسرعة، كان الضغط يرتفع بينهما تدريجياً وعندما سمع صوت مارك لم يكن ليجبه على سؤاله بل للاستفسار.
"هل هذه غرفة ديامانتي؟؟"
أستدار نحوه، أستحق النظرات المتهكمة التي رمقه بها مارك.. كان يشمت به.
"لم أشأ إلحاق الأذى بها مارك.."
"أنت نذل حقير" أجاب صديقه ببساطة وأنارت وجهه ابتسامة عززت الغمازة في خده "لكنك حصلت على ما تستحق... ربما تمنحك الحياة فرصة جديدة.."
أقطب نيوس، يتمعن في كلمات صديقه الغامضة، راقب هذا الأخير يتفحص الغرفة ببعض الفضول قبل أن يهز حاجبيه بغير تصديق:
"جعلتها تقيم في جناح الخادمات؟"
"لقد كانت مجرد موظفة... بحق الله"
"لقد كانت قريبتي نيوس" علا صوت مارك أكثر منه وأكفهر وجهه وتلاشت وسامته بينما يرمقه بنظرات قاتلة "قريبتي التي أسأت معاملتها وهذا ما لن أغفره لك يوماً"
* * * * *
جالت فلور بعينيها في الحقول الخضراء اللامنتهية بيأس، عملية البحث دامت أكثر مما يمكن أن يتحمل صبرها، ورؤية بيلا منهارة وغارقة في دموعها يزيد من بأسها، رالف أختفى منذ ساعتين الآن ولا أحد يعرف مكانه، كما إنها عاجزة تماماً بتهدئة جو الذي رفض تماماً كل محاولاتها... للمرة الأولى تجد نفسها أمام علامة أستفهام عملاقة... ما الذي سيكون عليه الوضع مع طفلها؟ أي أم ستكون وقد أخفقت في المهمة التي أوكلتها لها خالتها بالاعتناء بتوأمي أبن عمها؟ إنها فاشلة تماماً... فاشلة وستكون أماً سيئة...
هرولت نحو رئيس الأمن الذي ظهر فجأة يغمرها الأمل، ملامح وجهه لم تكن تبشر بالخير، شعرت بقلبها ينفجر بعنف في قفصها الصدري.
"ألم تجدوه؟"
هز رأسه بالنفي مما دفع بيلا للنحيب مجدداً ولوم نفسها بقسوة، كان يفترض أن ترحل هذه الأخيرة منذ مدة لكنها تركت طائرتها تطير بدونها إلى أستراليا ومنذ أختفاء رالف وهي كالمجنونة... لا أحد يستطيع نكران عشق هذه الأخيرة لتوأمي رئيسها.
"لم يغادر الممتلكات الخاصة هذا ما نحن متأكدون منه" أضاف الرجل بثقة "لابد إنه يختبئ في مكان ما..."
"أنا مضطرة للاتصال بمارك انطونيو..." سمعت فلور نفسها تقول بصوت ممتلئ بالخجل، لقد تركوا التوأمين في رعايتها بحق الجحيم وكل ما فعلت هي... التفكير والتفكير في لقائها المستحيل مع دراكو فالكوني... كيف ستكون حياتها بعد أنجابها؟ هل ستنسى طفلها في سيارتها أو أحد الأسواق التجارية؟
أقشعر بدنها بعنف تحت ضغط أفكارها السوداء بينما تخرج بيد مضطربة هاتفها النقال من جيب فستانها الفضفاض.
" 'سنيورينا فلورانس'... أتوسل إليك لا تخبــــــري 'دون مارك أنطونيو' شيئــــاً"
أمسكت بيلا بيدها تمنعها من تركيب الرقم، وجهها الشبه طفولي غارق في الدموع و ينيها الفيروزيتين فقدتا لمعانهما المعتاد وأضحيتا حمراوين ومنتفختان.
"لقد أختفى طفله بيلا..."
"رالف لم يخــــتفي... إنه في مكان ما في هذه الحقـــــول الشاســــــعة... وربــــما فوق إحدى الأشجـــــار يراقب ما نفــــــعله... أرجوك انتظــــــري قليلاً سوف أعــــــود للبحث عـــــنه"
تنتظر؟ لا... لا تريد تحمل مسؤولية رافييل إذا أصابه مكروه، تدرك بأن عائلتها في اليونان للاحتفال بزفاف نيوس ليونيداس الذي طالما مثل فرداً من العائلة... لكن في التوسكانا يزداد الوضع خطورة أما فيما يخصها شخصياً... فقد بدأت تشعر بإنقباضات غير أعتيادية منذ أن عرفت بإختفاء أبن مارك... أمام نظرات بيلا المتضرعة أعادت هاتفها إلى جيب فستانها وهمست:
"ساعة أخرى بيلا لا أكثر... إن فشلنا في العثور عليه فسأعلم مارك..."
* * * * *
فتحت ديامانتي عينيها عندما تسللت مجددا إلى مسامعها تلك النغمة للكنة الغريبة التي يستعصي على عقلها فكها، لحسن حظها إن الغمامة السوداء التي كانت تحول بينها وبين الرؤية الواضحة تلاشت تقريباً وتسلل إلى مسامعها صوت أمواج البحر القريبة ونور الشمس الساطع من خلال الستائر المتطايرة في نافدة ضيقة.
عادت تغلق عينيها بعد أن لف رأسها دوار عنيف وأبقت جفنيها مغلقين بينما سمحت لأذنيها ألتقاط الضجيج حولها... قهقهات وتلك اللهجة مجدداً... صوت أمواج البحر، أجنحة نحلة غير بعيدة منها ثم... ضحكات طفولية.
عادت تفتح عينيها بينما تسللت يديها إلى بطنها بفزع... الذاكرة بدأت تعود رويداً إليها... هروبها من قصر دراكو... المستشفى... ثم مواجهتها القاسية مع الدوقة 'سانتا مورغو ديل ماريا' و... وحدتها الموحشة والمرعبة بين أمواج البحر الباردة والمرعبة.
جلست على السرير الذي ضمها لأيام لا تعرف عددها، كانت تشعر بالألم في كل عضلة من جسدها وبثقل غريب في رأسها، توجهت نظراتها نحو المخرج المجرد من الباب ولا يعزله على الخارج سوى خرقة تشبه الستائر، عادت تتطلع إلى الحجرة الفقيرة والعارية من الاثاث و تتساءل عن المكان الذي تتواجد فيه، حصير متآكل الأطراف موضوع على أرضية متهالكة وأدركت سبب آلام مفاصلها عندما تفقدت السرير الذي تنام عليه... كان أي شيء سوى سرير.
عادت تنظر مباشرة أمامها عندما دنى من مسامعها أكثر الصوت الطفولي الحماسي وتم إزاحة الستائر ليظهر طفلاً كبير العينين يعلو وجهه الشديد السمرة تعابير المرح والحماسة، اقطبت ديامانتي بينما الدخيل يحملق لها بإصرار... البنطال الذي يرتديه أعيد خياطته عدة مرات على ما يبدو وسترته أكبر من سنه، شعره المشعث مقصوص بطريقة خاطئة.
راقبته يدنو منها يتطلع إليها بنفس الاصرار بينما عيناه السوداوين تلمعان بشدة، امتدت يده فجأة إلى شعرها الأشقر وتمتم بكلمة لم تفهم معناها قبل أن يترك خصلاتها الذهبية تعود إلى مكانها ويركض خارجاً، بقيت مكانها مسمرة تحاول مجدداً أستيعاب ما يحدث لها عينيها عالقتان على الباب العاري والستارة التي تتلاعب بها نسمات البحر، حمت حاسة شمها الحساسة من هجوم رائحة المعز النتنة حتى قبل أن يطل الحيوان عليها بنفس فضول الصبي، رغبة عارمة في الغثيان أجتاحتها مما غمرها بسعادة مفاجئة هزت أعماقها... طفلها حي... إنه هنا و يرسل لها أشارات عبر جسدها، أبعدت يدها على أنفها وعادت تلامس بطنها المسطحة، هرب الحيوان الصغير بعد أن أقلقه وصول الدخلاء، كانت سيدة بوجه مدور وخدود حمراء، بشوشة الملامح، تخفي رأسها وجسدها تحت لحاف رقيق أسود، أشرق وجهها ما إن رأتها ودنت منها مسترسلة في لغتها التي لا تفقه فيها ديامانتي شيئاً، لكنها فهمت على الأقل إن السيدة سعيدة برؤيتها مستيقظة، عقل ديامانتي عمل بسرعة، حاول الاستفسار عن مكان تواجدها لكن السيدة لم تتجاوب بل خرجت من الغرفة وتركتها تحت النظرات الفضولية للطفل ذو الثماني أعوام تقريباً.
"ما اسمك؟" سألت ديامانتي الصغير الذي لا يتوقف عن تثبيت خصلات شعرها وكأنها مصدر الالهام، سؤالها بقي عالقاً في الهواء، الطفل لا يفهم لغتها... من خلال هندام المرأة تتكهن إنهم قبيلة عربية.
"هل أنا في تونس؟" عادت تسأل ببعض الاصرار "تونـــــــــس؟؟؟" ثم أشارت إلى المكان "تونس؟؟"
عاد الصغير يتمتم بكلمات غير مفهومة و يشير إلى خصلات شعرها المنتشرة حولها، التقطت ديامانتي خصلاتها الذهبية وتفقدتها بحيرة... هل أصبح لونها أخضر؟ ثم أشار الطفل إلى السماء ثم شعرها، وعندما أدرك بأنها لا تفهمه التقط قطعة من الحطب الجاف وراقبته يرسم على الأرض الترابية دائرة كبيرة قبل أن يصلها بخطوط كثيرة.
"تريد القول... شمس؟؟" سألته.
الطفل أمسك مجدداً بخصلات شعرها وأشار إلى الرسم.
"شعري مثل الشمس.." ابتسمت له بلطف "إنه أشقر جداً أعرف وهذا يروق الأطفال..." فجأة دنى منها أكثر وبدا بملامسته بنهم قبل أن يبدأ بفتله بين أصابعه المتسخة، شمت رائحة الحطب المحترق والماعز ونسائم البحر المملح والطين في ملابسه المهترئة... رائحة الحرية.
دخلت فجأة المرأة المتشحة باللحاف القاتم محملة بصينية طعام، ما إن رأت الصبي ويديه في شعرها حتى نهرته بشدة، التقطت مسامعها كلمات عربية سريعة لكنها تعجبت بينما تتعرف على اسم خديجة من بين الكلمات... بالكاد تصدق إن من يلامس شعرها في هذه اللحظة هي طفلة وليس طفلاً.
لا تعرف كم مر عليها من الوقت بدون طعام لكنها هجمت على الأطباق المعدة بخبرة أنثى الفت الطهي بطريقة تقليدية، حساء الشعير والخبز واللحم المقدد كان لذيذاً لدرجة لم تغمرها رغبة في الغثيان منذ أن وضعت الملعقة بين شفاهها... كان هناك ألف وألف سؤال في رأسها لا تجد له جواب، لكن أمامها الوقت لتطرح أسئلتها... ما يهم إنها وطفلها نجيا من الموت بأعجوبة.... بأنهما حيان يرزقان وحران.
* * * * *
"كيف تجرؤ على الكذب على لينيتا؟؟"
استدار مارك أنطونيو وإدواردو في الوقت نفسه الذي فتح باب الجناح وأقتحمته هذه الأخيرة كالعاصفة.
"غرازيا ديو... لأن هذا الاتهام لا يخصني...."
لم تعلق كاثي على ملاحظة إدواردو الشبه هامسة، كانت من الغضب ما قد يفقدها عقلها، كيف يجرؤ على خداع تلك المسكينة؟
"لا أعرف عما تتكلمين..." بدأ مارك بصوت جاف.
"آه كلا أنت تعرف جيداً... رباه بالكاد أعرفك"
غرست نفسها أمامه كي تتطلع مباشرة في ملامحه الجامدة ونظراته الباردة.
"أوهمتها بأنكما كنتما مخطوبين وعلى وشك الزواج... هل يجب أن أذكرك برأيك الصريح في الأمر؟؟؟ كنت تصاب بنوبة من الهستيرية كلما ذكرنا كلمة الزواج أمامك"
أطلق إدواردو تصفيرة طويلة مما زاد من غضب كاثي التي رمقته بنظرة سوداء وعادت تثبت مارك الذي أقطب بقلق.
"من الذي أخبرك بالأمر...؟"
"لينيتا بنفسها... "
"رباه كاثي... بما أجبتها؟؟"
"كنت مضطرة للتلاعب بالكلام كي لا أسقط في شرك أكاذيبك... مارك... ما الذي ستفعله بعد أن تستعيد كل أحداث ماضيها وتتذكر نفورك من مجرد فكرة أرتباط مقدس؟؟"
"لكنني أريد الزواج حقاً بها"
عاد إدواردو يتدخل لكن ليس بتصفيرته المتهكمة، ملامح وجهه فقدت كل تسلية واستعادت جديتها.
"سقطت في شرك أكاذيبك؟؟ مارك... إنه الزواج... هل أنت متأكد؟؟"
اللون القاني الذي تلون به وجهه قبل قليل بسبب أحراجه أنسحب رويداً وترك خلفه شحوبا مقلقاً.
"توقف عن ألقاء أسئلة بطريقتك الأحترافية الاستفزازية أبي فلسنا أمام القاضي..."
"نريد فقط إجابة مارك" تمتمت كاثي بغضب أقل وقد لمعت عيناها بلهب قلق بينما ترى الشحوب الذي كسا وجهه "هل أنت قادر على وضع خاتم الزواج في أصبع تلك المسكينة...؟"
"سبق ووضعته في أصبع بيلا..." دافع عن نفسه بعصبية.
"لا تقارن بين الوضعين مارك... بيلا لم تهمك بالشكل الذي عليه لينيتا... كل أرتباطك معها سيكون جاداً و...أبدياً"
هذه المرة لم يجب مارك على إدواردو، أستمر بالتنقل بينهما بنظرات طفل تائه أنفاسه تسارعت بينما أصابعه تسللت إلى عقدة ربطة عنقه تفكها بحركة مرتعشة، تبادلت كاثي وإدواردو النظرات قبل أن يأخذ هذا الأخير نفساً عميقا ويقول:
"أعرف... أعرف بأن الأمر لن يكون سهلاً بالنسبة لي... لكنني عندما فقدتها قبل سنوات عشت تعساً ووحيداً، وكنت أتخذت قراري بالزواج منها إذا نجاها الله من الموت بينما أصلي ما أستطعت في أروقة المستشفى... لن أهدر فرصة الانتماء لها بعد أن أعادها لي القدر بسبب... بسبب صعوباتي"
"تقصد عقدك" لامت كاثي إدواردو عبر نظراتها بسبب تعبيره القاسي.
"حسناً أصبت... يجب تسمية الأمور باسمائها دوماً..." علق مارك بعد تفكير مقتضب "إن تطلب الأمر فسأزور طبيباً نفسياً"
أنزعجت كاثي لتعبير الضياع في عمق النظرات الزرقاء لأبن زوجها، بدا كطفل صغير غير واثق مما يقول أو ما يحدث، الطريق التي ينوي السير فيها لا تبدو أقل ظلمة من الغمامة التي أعمت عيناه في هذه اللحظة.
"ماذا عن لين؟" قررت البوح بمخاوفها والكشف عن أفكارها "بعد أن تكتشف تفاصيل ماضيكما معاً... ستدرك بأنك خدعتها"
"عندما ستستعيد الماضي سيكون الأوان قد فات لأننا... سنكون زوجاً وزوجة"
قبل أن تنفجر قهراً من خططه الخالية من أي أنسانية ترك لهما هي وإدواردو المكان خالياً وصفق باب الغرفة ورائه.
"إدواردو..." صرخت بعصبية بعد أن تهرب هذا الأخير من التعليق "تكلم مع أبنك... أنصحه بمصارحة تلك الفتاة قبل أن يوقعها في شرك خططه..."
"هناك شيء واحد إيجابي من كل هذه الدراما حبيبتي..." رد إدواردو بشبح ابتسامة "أكاد لا أصدق إنه تكلم عن الزواج دون أن يرمي طعام معدته خارجاً"
أبقت كاثي فاهها فاغراً، الطنين المزعج في أذنيها بدأ بالارتفاع رويداً لحد الانفجار..
"من سيحمي مصالح لينيتا إذا نويت ترك مارك يتصرف على هواه؟"
لكن ملاحظتها لم تهزهز ضميره كما تمنت، انفجر غضبها وأستيائها.
"أراه فيك إدواردو... أنت أيضاً تزوجتني لأسبابك.. أنتما متشابهان وحقيران معاً"
"لكننا وصلنا للسعادة كاثرين..." حاول ملامسة وجنتها لكنها قذفته بنظرات سوداء عدائية، تنهد بعمق قبل أن يدلف يديه في جيوب بنطاله "أسمعي حبيبتي... وضع مارك حساس للغاية وأنا واثق بأن ما ينويه لن يضر لينيتا بالطريقة التي ترينها... مارك بحاجة للتماسك إنه يحمي حبيبته - التي فقدها بطريقة غامضة - بالانتماء إليه عبر الزواج والذي كان يفر رعباً من مجرد سماعه... كاثرين... بنظرك... أي برهان حب آخر تريدين كي تعرفي بأن أهداف مارك نبيلة؟.. لقد مكث في مصح عقلي بحق الله... من يفعل ذلك؟؟"
"لا أشكك بحبه لتلك الفتاة إدواردو... بقي عازباً منذ موتها المزعوم وهذا بالتأكيد خير برهان... لكن يجب أن يصارحها قبل أن يجرها إلى المذبح..."
هز إدواردو كتفيه بغير اكتراث:
"كلميه أنت... طالما كنتما مقربان جداً..."
وبهذا يكون الوضع كله على عاتقها فقط، زمت شفتيها وقررت التصرف بمفردها، إدواردو لا يجد عيباً في خداع مارك للينيتا حتى وإن كان بنية حسنة، لكنها سبق وعانت من مرارة قلب مجروح وعذابه، عندما أكتشفت إن الرجل الذي أحبته بهستيرية تزوجها ليداوي فقط كبريائه المجروح.
"أنت محق... طالما كنا مقربين أنا ومارك... سوف أتصرف بطريقتي"
* * * * *
ابتسمت لينيتا ملئ فمها لمارك انطونيو الذي لحق بها في الشاطئ، بدى أقل صرامة بهندامه الشبه المهمل، كان قد تخلص من سترته وربطة عنقه وشمر على ساعديه، شعره فقد تسريحته وتبعثر يمنة ويسرة مما منحه وسامة بدائية تقريباً، شعرت بالغرور بينما تكرر لنفسها بأن هذا الرجل لها فقط... بأنه بقي عازباً ولم يستطع نسيانها... لم يستبدلها بامرأة كما أسرت لها كاثرين ريتشي.
"هل صديقك بخير؟" سألته عندما أخذها بين ذراعيه ليضمها إليه بنفس العفوية والتلقائية... تشعر بأنها أغلى ما في الكون عندما يتصرف بهذه الطريقة.
"لا تقلقي من أجل نيوس... لا شيء في العالم قادر على تحطيم قلبه..."
"مارك... كيف تقول ذلك؟ لقد هجرته خطيبته أمام المذبح..."
أبتعد قليلاً كي يتمكن من النظر إلى عينيها، أنزلقت أصابعه من خصرها نحو ساعديها وفركهما قليلاً قبل أن يمسك بأصابعها ويشبكهما بحميمية بأصابعه.
"هل تؤمنين بالقدر؟"
أمالت رأسها قليلاً إلى اليمين وأجابت:
"كثيراً..."
"كان على زفاف اليوم أن ينتهي بهذه الطريقة... وآخر ما أريد هو أن أنحرف على خططي وأخوض معك حوار طويل بشأن نيوس وزواجه الذي لم يتم...."
عادت أصابعه تضغط على أصابعها وطبع قبلة سريعة على وجنتها قبل أن يجثو أمامها فجأة، فتحت لينيتا شفاهها لتعترض وشعرت بأن قلبها ينفجر في قفصها الصدري بينما تراه يخرج علبة صغيرة سوداء ويفتحها أمامها بترقب.
"لا أعرف من أين ابدأ..." أنتبهت إلى أن أصابعه ترتجف قليلاً وغمرها الحنان لهذه العصبية التي يحاول التحكم فيها بدون جدوى "لا أريد أن نفكر في الماضي فما يهمني هو المستقبل معك حبيبتي ومع طفلينا... لينيتا داماتا... هل تقبلين الزواج بي؟"
هذه المرة أصابعه الأنيقة الخطوط اهتزت أكثر، أنحنت عليه وأمسكت بيديه اللتين وجدتهما أبرد مما ينبغي مقارنة بالجو اللطيف للجزيرة، جلست على ركبتيها بالمثل وارتجفت ابتسامتها.
"و تسألني مارك... بالتأكيد أقبل..." عانقته بشدة كي تتأكد من أنها لا تحلم أو تهذي "أتمنى إن الخاتم على قياس أصبعي لأنني سأموت إن لم يكن كذلك..."
ابتعدت عنه بابتسامة مشرقة ومدت يدها اليسرى إليه مترقبة، تمضغ شفتها السفلى بعصبية وحماسة بعض التردد في حركات مارك... أخيراً قرر ألتقاط يدها ودس الخاتم في أصبعها، عكس تخوفاتها ناسبها الخاتم بشكل صارخ.
"رباه حبي... إنه رائع... رائع جداً"
بعفوية ألقت نفسها عليه وقبلته بحرارة، رغم أحساسها به متشنج تحت ذراعيها لم تمنح الأمر أهمية، إنها أكثر سعادة من الانتباه لتفاصيل مماثلة.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-08-13, 12:46 AM   #43

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع عشر

ارتاحت آنجلا بينما ترى جوشوا يتأخر أكثر في غرفة 'ليلي' و يحقق أمنيتها بروي قصتها المفضلة، النهار بدى لها طويلا جدا و ممتلئا بالتعاسة لكن السواد تلاشى فورا من امام عينيها ما ان لمحت سيارة جوشوا تجتاز البوابة الحديدية لمنزل والديها... ليلي بالتأكيد ارتمت بين احضان والدها ولم تتركه أبدا وآنجلا قاومت بشدة القيام بالشيء نفسه...
عندما خرج هذا الاخير من غرفة ابنته أخيرا كانت هي بإنتظاره في الرواق، تضم اليها ذراعيها و تحملق اليه بحيادية مخفية شوقها فما يهمها في هذه اللحظة هي طفلتها التي لا تفهم حقيقة الوضع و تسال عنه كل دقيقة... اما فيما يخصهما... فقد انتهى الكلام ... انهاه هو بنفسه...
" لقد نامت..." سمعته يقول بخفث و يشير الى غرفة نومها.
سبقته الى هناك و اغلقت الباب ورائه ما ان التحق بها، راقبته من خلال رموشها يلقي نظرة سريعة على محتويات الغرفة التي طالما استعملتها في الماضي... تأملته قليلا عضلاته القاسية تحت القماش الخشن للجنز،عاد الى بناطيل الجنز و السترات الجلدية، عاد الى الشاب الذي التقته في اوكسفورد ووقعت رهينة الحب من النظرة الاولى، جوشوا يرفض واقعه و حاضره... فكرت بمرارة بينما تدرسه عن كثب... يحن الى جوشوا فرنانديز من امامها ليس 'ديكاتريس' ابن الكونت اندريس..
" ليلي متأثرة بما يحذث... انها طفلة فائقة الذكاء "
قاطعته ببرود وهي تكثف ذراعيها فوق صدرها:
" ورتث هذا منك"
مرت نظراته الخضراء بسرعة على وجهها وكأن لا شيء مميز في ملامحها، وكأنها لم تعني له الكون كله ذات يوم، الألم مزقها بحدة فهزت دقنها بكبرياء متصنعة الصلابة... لقد اتهمها أمس بمحاولة قتله... هل يوجد ما هو أشد ألما من هذا؟؟
بالكاد تصدق الكابوس الذي هي بصدد عيشه، ورغم كل حقدها و غضبها من جوشوا تريد حمايته من والدها، ان علم بأنها هجرت 'ستارهاووس' لأن هذا الأخير اتهمها بأبشع اتهام و طردها من حياته بشكل أو بآخر... فسيقلب الأرض على رأسه.
" لن تعذبك ليلي بأسئلتها عني... أخبرتها بأنني مسافر لفترة من الزمن...سأتصل بها بإستمرار"
هزت حاجبيها و بلعت بصعوبة ريقها، التفاحة التي تشكلت في حلقها رفضت الاختفاء و السماح لها بالتنفس بحرية.
" تُسافر؟؟"
هز رأسه بالايجاب و عم الصمت، لا تعليق أو تعليل... سوف يسافر.
الى أين و مع من؟؟
اسئلة لم تحصل على أجوبتها رغم تعابير وجهها الواضحة، كان متكثما... انه لا يثق بها و لا ينوي تقاسم مشاريعه معها، تستطيع ترديد كل مساوئه و كرهه ما تشاء، لكنها تعشقه من قلبها و الغيرة تكاد تحرقها حية.
" لا أعتقد بأن المتحريين سيسعدهم ابتعادك عنهم بعد أن عدت و نجوت من الموت بأعجوبة"
" انت محقة... لقد نجوت باعجوبة..."
تمعنت في كلماته و احست بها تقتلها مجددا، تفاقمت كراهيتها لشكوكه لكنها بلعتها أمام الغيرة التي ترفض السنة نيرانها الانطفاء.
" كم ستغيب؟؟... ليلي متعلقة جدا بك و عندما اختفيت مؤخرا كان الوضع صعبا جدا عليها"
" سأتصل بإبنتي يوميا فلا تقلقي..."
لا تقلق؟؟ لكن هل يسخر منها؟؟ جلالته يقرر فجأة السفر و ترك زواجهما الذي اصبح على المحك لمصيره؟؟ مالذي ستقوله للعالم بأسره عندما يفتضح أمرهما؟ كيف ستحمي محيطها من شراسة والدها؟؟ والدها الذي لن يتأخر بتمزيق جوشوا اربا...
بلعت اعتراضاتها مع مخاوفها السوداء و هزت كتفيها بلا مدعية الا اهتمام... كبريائها عاد قويا وجرف معه كل شيء.
" لم يعد هناك ما يقال اذن...تصبح على خير"
هز رأسه بالموافقة دون ان تتجاهلها نظراته كما اعتاد مؤخرا، هزت دقنها بصلابة و تبثته بعينيها الزرقاوين بهدوء.
" احتاج لبعض الوقت آنجلا... "
ابقت نظراتها صلبة تنتظر نهاية هذا الكلام الذي فاجئها به.
" ليليان و اندريس جينيور هما كل حياتي... لن نتنازع من اجلهما بسبب ما يحذث... فقط احتاج لبعض الوقت كي استعيد نفسي"
(أنت كل حياتي آنجلا من غير الممكن ان اعيش بدونك) هذه الكلمات العاطفية و الاتية من الماضي تناقضت بشدة مع ما التقطته ادنيها في هذه اللحظة... ليليان و اندريس جينيور كل حياته... اين هي شخصيا من حياته؟
" لن اتنازع معك عليهما جوشوا... احب طفلاي ولن اتسبب لهما بالمعاناة..." قدفت شفاهها بثبات لسعادتها " لكن ما بيننا شخصيا انتهى... اذا كنت تطلب الوقت بسببي فأنا اعفيك من اي اعتذار... ما اريده ان تبقى على اتصال بليليان ولا تختفي لانها عانت بشدة قبل اشهر بسبب اختفائك..."
لن أبكي... شجعت نفسها بينما تراه يحملق اليها و لا يعلق على كلامها سوى بهزة ساقطة من رأسه... راقبته بقلب محطم يتوجه الى الباب.
" لست وراء ما حذث لك..." صرخت فجأة مستسلمة للنار في صدرها " ولن اغفر لك يوما شكوك... لن اسامحك ابدا"
بعد دقيقة انغلق الباب خلفه و غرقت الغرفة في صمت غريب... احست آنجلا بأن الموت قريب جدا منها بسبب العذاب الذي يتآكلها... لقد خسرته.
تمنت لو يدافع عن نفسه امامها لكنه اكتفى برمقها بنظراته الغامضة قبل ان يرحل و يتركها لذلها...
خسرته للابد.
اي جحيم ينتظرها امام هذا الواقع المؤلم؟ لا مستقبل لها بدون 'جوشوا ديكاتريس'... لا معنى لوجود الشمس نهارا ولا لهذا القمر الذي يعرض نفسه بإجلال في هذه اللحظة في قلب السماء الحالكة المخملية... دنت من شرفة غرفتها و تعلقت عيناها بالقامة الطويلة لمعذبها تظهر في الظلام الدامس و تدلف بسرعة في السيارة الرياضية التي تحمل رمز عائلة صنعت مجدا منذ عصور.
اعمت غيمة من الدموع الكئيبة عينيها بينما يتردد صوت محرك السيارة مدويا في صمت الليل و تنطلق الالة الحذيثة بسرعة البرق.



أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-08-13, 12:47 AM   #44

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسمر 'هاكان' للحظات قرب باب الشقة الصغيرة التي يسكنها منذ وصوله الى لندن يشكك في حقيقة الرؤية أمامه.
قبل لحظات بينما يتردد جرس الباب في الأرجاء ظن بأن جوشوا استجاب أخيرا لنداءاته المتكررة، أقطب قليلا قبل أن يتمتم:
" آنسة ريتشي؟؟"
" يجب أن أكلمك..."
دون أن تنتظر رده اقتحمت الشقراء خلوته وتركت له مهمة اغلاق الباب، الشيء الذي لم يفعله بالتأكيد، لايريد هذه المرأة الفاثنة في شقته و في هذا الوقت المتأخر لسيما و أن جوشوا سيصل في اي وقت وعليهما خوض كلام طويل.
راقبها تتطلع حولها بفضول و استغل غفلتها لينزلق بعينيه على القامة الهيفاء الملفوفة في قماش ناعم مثل خصلات شعرها الشديدة الشقرة، هل ملمسه ناعم مثل منظره؟؟ ميا ريتشي بالتأكيد امرأة كاملة... و خطيبها الفرنسي صاحب اللقب الثقيل العيار من من حقه اكتشاف مدى نعومة شعرها...
" ظننت انك تعيش في ستارهاووس..." تسلل صوتها البارد الى مسامعه مما أشعره بالغضب مجددا، انها تعامله بنفس التنازل و تتطلع اليه من برجها العالي " الى جانب رئيسك"
" جوشوا صديقي انسة ريتشي... و كما ترين... لا استغل كرمه و اعيش بعيدا تماما عن قصره الجميل"
تلونت البشرة الرقيقة الشاحبة و هربت منه العينان الزرقاوين و هي تجيب.
" لم اقصد ان اكون وقحة... انا فقط عصبية"
نعم هي عصبية، لكن عصبيتها تزيد من زرقة عيناها جمالا و من وجهها ضياءا.
" زواج قريبتي على المحك... جوشوا يتهمها لابد انك تعرف بأنها تعيش في منزل والديها... لن يتأخر خالي بحشر انفه ما ان يعود و ستنتهي المسألة بكارثة..." نظراتها البهية أظلمت فجأة و دنت نحوه بملامح متألمة " هاكان... وعدتني بأنك ستنهي المسألة سريعا في لقائنا الأخير... "
متى وجد اسمه دو رنة حالمة؟ للمرة الاولى تناديه هذه الفاثنة الشبيهة بأنثى ذئاب الالسكا بنظراتها الزرقاء المميزة بإسمه... كان يتسائل ان كانت تعرفه على الاقل.
" أرجوك انهيه اذن..."
طالما أخد هاكان الحياة بالطريقة التي تأتيه بها، الصراع الذي حذث بين والديه دفعه للحذر من مفاجآت القدر السيئة، و عندما بدأ الناس بالحكم عليه بسبب لون بشرته و شعره و جذوره الهندية أدرك بأنه بعيد عن التأقلم مع أناس سطحيون، و أحب أكثر حريته في قلب جبال الألسكا... ربما يتفهم الأن... بينما يأخد وقته بالتمتع بجمال المخلوقة الشقراء أمامه .. ما أحسه والده بينما يقع تحت سحر والدته البيضاء... سبق و قرر عدم تكرار تجربته... و ينوي احترام قراره، لكن لا بأس بروي ضمأ هذا الشوق الذي يسحق كيانه كلما تواجد مع 'ميا ريتشي' في مكان واحد.
بعد مدة قليلة سيناديها الكل بالدوقة... سيكون قد عاد الى وطنه و نسي كليا اقامته الوجيزة في لندن.
" آنجلا تعاني..."
كان مأخودا بعينيها الواسعتين و بالكآبة في عمقهما، يفترض أن ترسم التعاسة خطوطا قبيحة على الوجه لا العكس.استعاد رشده و ادرك بأنها تنتظر اجابة:
" لا يمكنني اعلامك تفصيليا بكل شيء آنستي... كما أنه يتعدر علي اجبار جوشوا للبقاء مع زوجته فدوري يقتصر على حمايته فقط..."
توقف عن الكلام عندما انتبه للشحوب المقلق الذي زحف الى وجهها، دون تفكير دفع يده الى جيب بنطاله الجنزي و أخرج المحفظة الجلدية الأنيقة ليعرضها أمامها، راقب تقطيبة دقيقة تداعب المساحة الضئيلة بين حاجبيها الرقيقين قبل أن تمد يدها ذات الأصابع الأنيقة نحو المحفظة و تلتقطها لتفتحها.
" وصلتني اليوم... تم ايجادها في حدود قبيلتنا..."
احتاجت ميا لبعض الوقت كي تفهم معنى تلميحاته، هزت رأسها نحوه بعدم تصديق وقد تعرفت فورا على صاحب الاوراق الثبوتية.
" أنت لا تقصد..."
" لدي شكوك آنسة ريتشي"
كم تمقت بروده، فكرت ميا بغيض وهي عاجزة على سبر غور النظرات البندقية القاسية ما ان اجتازت عتبة هذا الجحر الصغير الذي يناسب أكثر فأر على رجل هندي يخفي مساحة غرفة الاستقبال بجسده الضخم.
بالتأكيد احتاجت لشجاعة كبيرة كي تقرر مواجهته في أرضه بعيدا عن الحماية، انها لا تخشاه لكنها تكره الضعف الذي يتسلل اليها كلما تبثها بنظراته الغامضة و الباردة.
لا تنكر أنها اصيبت بالدهشة عندما أكد لها الكونت ديكاتريس بأن الهندي لا يعيش في 'ستارهاووس'، و لا تنكر ايضا أن ذلك أشعرها بالراحة، كانت ترفض تخيله استغلاليا أو متطفلا... شكوكها عززتها غيرة آنجلا... قريبتها تغار من 'هاكان' لأنه يأخد كل وقت زوجها أو يأخده منها بإعتقادها.
عادت تركز مجددا على الأوراق الثبوتية و ازدادت تقطيبتها عمقا و هي تقول:
" انت لا تصدق بأنها مذنبة؟؟... انها تعشقه بكيانها"
رأته يهز كتفيه العريضين دون أن يعلق، و تدكرت قيامه بتمارين رياضية في المزرعة، من خلال ياقة قميصه تتلألأ بشرته السمراء صحة و نعومة، هذا الرجل سيتسبب بحرب حقيقية ان قرر عرض نفسه مع موديلات 'جورجيو ارماني' سيقوم بإلغاء كل عارض فخور بجسمه وواثق من نفسه، اذا كان الجميع يعتمد على خبير كمال الاجسام ليحصل على نتيجة حسنة فهذا البربري يترك هذا الدور للطبيعية المتوحشة حيث ترعر مثل باقي ذئاب الالسكا.
ابتعدت قليلا الى الوراء و قد تورد وجهها لأفكارها... لقد تأثرت بوقاحة فلور... لو عاد الامر لقريبتها لسارعت بوضعه في سريرها...ماذا عنه هو؟ هل كان ليقبل بمغازلة سمراء بعينين خضراوين و جمال ذهبي يسلب الالباب؟.. اين هي من خبرة و جمال فلور البدائي؟
" المذنب الحقيقي يريد توريط قريبتك، من هاجم جوشوا في خيمته لم تكن امرأة بل رجلا قويا وقد تقاتل معه وقد تعمد ترك حقيبة قريبتك في حدود القرية وهذا يعني شيئا واحدا.. ان هذا الشخص على مقربة شديدة منها..."
" هل آنجلا في خطر؟"
" لا استطيع اجزام شيئ... اثق بتسترك آنستي ربما من الافضل حاليا ان يعيش كل من قريبتك و جوشوا في مكان مختلف عن الاخر..."
لامست ميا جبينها المشتعل و فركته ببعض الحيرة قبل أن تعود بعينيها الى الوجه الجامد أمامها... متى ابتسم هذا الرجل آخر مرة؟؟
" من الأفضل أن تُسافر آنجلا" سمعت نفسها تقول.
" سيكون أفضل... هذا سيشتت المذنب لبعض الوقت... عموما لم أعد بعيدا عن الحقيقة..."
أمسكت ميا حقيبة يدها التي وضعتها عند دخولها فوق طاولة المعيشة ووضعتها على كتفها، اكتفى الهندي بالتطلع اليها بنفس الطريقة الباردة و المزعجة، شعره الشديد الطول معقود بصرامة خلف رقبته، يبدو همجيا و متوحشا و بنفس الوقت يجسد الفحولة و الاثارة... كان الرجل الأكثر جاذبية سبق لعيناها أن سقطت عليه.
" لو لم أكن حاملا لسارعت بإغوائه..." ابتسمت داخليا لكلام فلور الذي قذفت به في أذنها دات مرة و تجالت الغيرة التي لسعتها، هاكان لا يخصها شعورا بالغيرة من كلام ابنة خالها غبي و سخيف.
" أعتذر لمرة ثانية على التطفل..." قالت بهدوء مصطنع و هي تحسب المسافة بينها و بين الباب... الباب الذي سيخلصها من دوامة الهلع التي اكتسحتها.
" عندما يتوفر لدي اي جديد سأعلمك بنفسي..."
" للاسف علي العودة الى فرنسا في نهاية الاسبوع... سأحاول اخد آنجلا معي "
لف الصمت المكان، كانت تنتظر جوابا ما لكنها لم تتلقى سوى ظلال تلك النظرات الغامضة على وجهها، بدوره ينتظر أن تخلي المكان كي يتمتع بحريته، يبدو حذرا على الدوام، سخرت من نفسها و مرت من قربه متسلحة بعزيمة أقوى، هاكان متشبع بتقاليد غريبة جدا لا تفهمها، انه رجل عصامي و ليس ذنبه هذه الشعلة المتقددة في داخلها، انها هنا لمساعدة آنجلا و جوشوا... و قريبا ستعود الى فرنسا و تتزوج خطيبها الذي تتقاسم معه حب صنع العطور و تبني حياة سعيدة معه.
هل حقا هذا ما يتقاسمان؟؟ حبهما لمهنتهما؟؟ لا تنكر أن 'إيثان' جدبها في أول لقاء لهما، وخطوبتهما نهاية طبيعية لمسيرتهما معا، لكنها تجد نفسها مترددة فجأة أمام تصرفاتها الغريبة ازاء رجل أخر... رجل مختلف تماما عن الدوق 'ايثان لويس لامبر'.
" عمت مساءا سيدي" قذفت بينما تضع يدها على مقبض الباب.
" لم يسبق لأحد أن ناداني بسيدي... "
تجمدت اصابعها على المقبض و استدارت نحوه، للمرة الأولى تلمح شبح ابتسامة على الوجه الغريب الوسامة، تستطيع تخيله مرتديا زي الهنود الزاهية الألوان و ترافقه في رحلة طويلة نحو المجهول ذئاب الالساكا و يحمي كتفيه فرو دب قطبي... ما يزين هذا الرجل هو طبقة رقيقة جدا من التحضر... وهي تعشق ذلك، شعرت بنفسها تذوب مجددا أمام شبح ابتسامته و تسائلت ان كان هناك رجل قادر على منافسة هذا البربري الفاثن أمامها، أو اذا كانت امرأة قادرة على مقاومة هذه الرغبة العنيفة بملامسة هذا الوجه الكامل التفاصيل و الذوبان تماما تحت قدميه؟؟
" لستُ الأنسة ريتشي بالمقابل... والدتي من حمل الشهرة أما فيما يخصني فأنا ابنة الطبيب أندريا طوريزي فلافيو و أنا فخورة به..."
عادت تظهر تلك الابتسامة المتحفظة و تتركها في حالة ضياع تام قبل أن يشير حوله و يقول بهدوء:
" صنعت شراب محلي لقبيلتي وهو بارد... هل ترغبين بتدوقه؟؟"
اذا كانت ترغب بتدوقه؟؟ شعاع دافئ دفئ الشمس دغدغ أعماقها، وقفزت مشاعرها تأهبا للموافقة السريعة، كانت تموت رغبة في البقاء و التأكد بأن لون عينيه عسلي و ليس بندقي، تريد رؤية ابتسامة حقيقية على وجهه بدل ملامحه الجادة و الباردة عادة، عضت على شفتها بحركة مترددة و هزت كتفيها:
" لا أظنها فكرة حسنة.."
نعم... ليست فكرة حسنة، انها لا تثق في نفسها كفاية و ترى نفسا سلفا متعلقة بكتفيه تتوسله بيأس أن يقبلها.
" أعرف بأن المكان لا يشبه في شيء قصور عائلتك التي آلفتها..."
التهكم الواضح في صوته و نظراته جرحها، هل يظنها زائفة الى هذه الدرجة؟؟ اذا كانت مترددة في قبول دعوته فلأنها خائفة من نفسها و سخافة ما تشعر به.
" أم أن جذوري ما يخيفك؟"
" سبق و اخبرتك بأنني لا اهتم..." دافعت عن نفسها بصلابة.
" اثبتي لي ذلك..."
ثم تركها مكانها و ادار لها ظهره ، اذا كان يظن بأنها غير قادرة على هذا التحدي الصغير فهو يحلم...تركت أصابعها مقبض الباب قبل أن تتبعه الى المطبخ الصغير.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-08-13, 12:47 AM   #45

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

" هل ستصارحني نعم أم لا؟؟"
العناد المرتسم في عمق العينان الرماديتين هزهز من ثقة 'مارك أنطونيو' الذي شعر بأنه يدخل في دوامة من القلق منذ اتصال فلور به، الاتصال الذي ترك كل حواسه في حالة تأهب... تركوا جزيرة القمر بسرعة البرق و لا ينوي اقلاق حبيبته بشيء، عليه الا ينسى أبدا حالتها الهشة، الطبيب كان واضحا جدا... قد تدخل في أزمة عصبية لأقل الأسباب، أحاط و جهها بيديه و لامس جبينها بشفاهه:
" مشاكل صغير في قصر الدوقية..."
" اذا كانت مشاكلك صغيرة لما ترفض أخدي معك الى البيت؟؟ لما تريد تركي مع زوجة والدك في هذا فندق؟؟"
لقد حطوا الرحال منذ نصف ساعة في التوسكانا ولا ينوي اضاعة الوقت بالتجادب مع لينيتا التي تهتز غضبا بسبب تكتمه بينما ابنه مفقود، لا يجب أن يتأثر بالتعبير الهش و القوي في عمق عينيها، أخدها في هذا الوقت بالضبط الى قصر الدوقية ضرب من الجنون.
" ما أن أسوي المسألة حتى أعود اليك..."
زمت شفتيها وحررّ وجهها مجبرا، عليه الاسراع... انه بصدد تضيع دقائق ثمينة في هذا المكان، خطا نحو كاثي القلقة و تكلم بلإيطالية:
" أرجوك اهتمي بها جيدا..."
" سأموت من القلق على 'رالف'... أريد المجيئ أيضا."
أخطأت كاثي بنطق اسم الصغير، لم تتأخر لينيتا بإقحام نفسها مجددا في الحذيث :
" لن أبقى هنا مارك... اعرف بأن هناك مشكلة كبيرة أريد المجيء معك"
اعترض بقوة و كأنه سمع نكتة سخيفة:
" لا تستطيعين الدخول الى هناك بهذه البساطة، علي التحذث مع التوأمين قبل أن يروك"
" اذن اخفني في احد غرف بيتك الى أن تكلمهما... لن أبقى هنا "
تنهد بإنزعاج وهو يراقبها تسترد سترتها الرقيقة و حقيبة يدها، كاثي بدت سعيدة لهذه المداخلة، أخدت بدورها حقيبة يدها و سبقتهما الى المصعد دون ثانية تاخير ...
" لينيتا..."
" لا مارك... السيد ادواردو سبقنا الى هناك و هذا يعني بأن الامر متأزم حقا .. اريد أن أكون لجانبك و جانب طفلينا أرفض أن تتركني على الحياد".
دون كلمة أخرى لحقت بكاثي في المصعد ولم يكن أمامه سوى الخضوع و اللحاق بهما.
***
" رالف..."
اهتز رالف من الرعب عندما فاجئه صوتا يعرفه جيدا وراء ظهره، كانت الشمس قد تركت السماء منذ زمن و الظلمة الحالكة بدأت تحول بينه و بين ما يحيط به.
" كيف وجدتني 'جو'؟؟"
" لا تنسى أننا توأمين..." تسلق بخفة الشجره و ماهي الا ثوان حتى ظهر لهما من بعيد القصر متلألئا بألف ضوء وسط العتمة التي بدأت تزحف" الى متى تنوي دفع الجميع الى الجنون؟؟ بيلا ليست بخير..."
" انها تنوي تركنا... ان عدتُ أنا فسترحل الى الأبد... "
جلس 'جو' قرب توأمه على فرع الشجرة الذي اهتز تحت ثقلهما، عم الصمت لبعض الوقت قبل أن يقرر 'جو' رمي ما في صدره:
" كان يجدر بي مصارحتك 'رالف'... بالنسبة لبيلا و العم أليكس..."
أقطب رالف جبينه و تكمش أنفه الصغير في تعبير قوي:
" أعرف ما بينهما فأنا لست غبيا... لكنهما لا يليقان ببعضهما، يجب أن تبقى بيلا مع والدي، لا أصدق مطلقا ادعاءاتها بشأن والدتنا الحية، انها مجرد خطة أخرى من 'دون مارك انطونيو' كي يتحرر من التزاماته..."
" تدّعي أن والدتنا حية؟؟؟" ارتسمت الدهشة على وجه 'جو' وهو يتطلع نحو توأمه بعدم تصديق " لا بد أنك اسأت الفهم"
" أعرف ما سمعته... انها أكاذيب و قصص مُختلقة، 'بيلا' تسعى وراء 'العم اليكس' ووالدنا بالتأكيد لا يصدق الفرصة التي أتيحت له اخيرا للتخلص من التزاماته نحوها... لقد اختفى بشكل غامض ما ان وصلنا الى المزرعة في اوكسفورد... "
تململ 'جو بإنزعاج في مكانه، اليد التي نوى الاستناد عليها كي يجد وضع أكثر راحة ضغطت في الفراغ و فقد توازنه، عفويا اندفعت ذراعي 'رالف' نحوه ليحميه من السقوط لكن أذرعهما تشابكتا بينما هوى باقي جسد 'جو' نحو الأسفل بشكل خطر.
" لا تتركني رالف" بصعوبة نطق 'جو' بهذه الكلمات.
عادت الجاذبية لتتحكم بثقله و تهدد ببلعه، بينما 'رالف' العالق بكل قوته في فرع الشجرة يجاهذ بصعوبة كي يجد توازنهما معا.
" لن أتركك أبدا..." وعده 'رالف' بصوت مهتز، وضغط على اسنانه بينما يحاول التحكم في أصابعه التي بدأت بالتعرق بسبب الهلع و الخوف.
عاد جسد جو للانزلاق الى الأسفل مجددا بشكل شرس مما أحبط محاولات 'رالف' و بدأ بالصراخ بأعلى صوته.
" النجدة... النجدة"
" رالف..." صوت 'جو' المبحوح من الخوف عاد يخنق نداءاته اليائسة و المتكررة" أترك يدي... سوف نسقط معا..."
" لا..." ثم بعزم أكبر استجمع قوته و عاد يتشبث بساعدي شقيقه الذي حاول بدوره دفع نفسه للأعلى بدون جدوى.
" أتركني 'رالف' أنا ثقيل مقارنة بوزنك..."
" أنت في هذا الوضع بسببي... أرفض الاستسلام"
أعاد الكرة لمرتين ثلاثة الى أن دوى صوت طرطقة مهددا من فرع الشجرة الذي يهتز بعنف بسبب ثقلهما، عاد 'رالف' يطلب النجدة بصوت أقل ثقة، أعمت الدموع عينيه و ضغط على أسنانه بينما يشعر بأصابعه تنزلق عن ساعدي شقيقه.
" أتركني..."
" لا... لا " صرخ بإهتياج.
صراخه امتزج بأصوات و أنوار مصابح متنقلة، دوى فجأة صوت 'بيلا' التي ظهرت من خلال العتمة و كأن قادم من السماء و هرعت بإتجاه جدع الشجرة بسرعة جنونية و قد تكهنت خطورة الموقف، ما ان وصلت أسفل الشجرة العملاقة حتى انزلقت أصابع 'رالف' و سقط جسد 'جو' الصغير بين ذراعيها بتأويهة خافثة.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-08-13, 12:48 AM   #46

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسللت اصابع ديامانتي الى بطنها تتحسس اسفله بتكشيرة عابرة قبل ان يختفي الالم كما اختفت اخر اشعة الشمس وراء البحر و تركت الوانها النارية على صفحته الهادئة، السلام يعم هذه المنطقة النائية، قبيلة من الغجر العرب و البسطاء اختاروا عيش حياتهم بسلام في هذه المطقة الغنية جدا و الجميلة، تبعتها الهمهمات من سكان القبيلة الصغيرة ما ان خرجت من الكوخ برفقة المرأة الممتلئة التي تهتم بها لدرجة كبيرة... منذ قريبها 'مارك انطونيو' لم تشعر بهذا النوع من الاهتمام و الحنان.
اخفت نفسها في لحاف قاتم و خصلات شعرها الشقراء ايضا... لاتريد ان تنفر منها نساء القبيلة ولا ان يلهث ورائها الرجال... للان لم تفلح بفهم قصة وصولها حية الى
هذا المكان و تجهل الموقع الجغرافي... لا احد يفهم لغتها او يروي فضولها، استسلمت امام واقع انها حية ترزق مع ابنها... ابنها و نيوس ليونيداس.
رفضت السماح للدموع بملئ عينيها و تابعت رحلة الشمس نحو الافق... ماذا بعد دراكو فالكوني؟هل يعرف بموتها المزعوم؟؟ ام ان دوقة 'سانتا مورغو ديل ماريا' حاكت قصة مناسبة لإختفائها؟ في كلتا الحالتين الوضع يناسبها بشدة، تخلصت من كابوسها المرعب و اضحى الامير الاسود ارملا... نعم... هناك بعض الاشخاص الذين ينجحون بتغيير هويتهم و تقمص شخصيات اخرى و بدأ حياة جديدة... سوف تنسى ماضيها تماما و تصبح الأم العزباء الخالية من اي عقد لهذا الطفل الذي غرق معها لكنه لم يمت او يهجرها كما فعل والده و انكرها و اغلق الخط بوجهها بدل مد يد العون و مساعدتها... رباه كم تحقد عليه و تمقته... مطلقا لن تغفر له يوما، اجمل انتقام سيكون حرمانه من الوريث الذي ظن بأنه لن يحصل عليه من صلبه يوما.. فليحترق في الجحيم مع زوجته الباردة.
الظلمة اسرعت بلف المكان و قررت العودة الى المخيم قبل ان تقلق عليها المرأة الغجرية.
" انتبهي فالمنحذر وعر..."
استدارت ديامانتي في مكانها و شعرت بأن جبل من الحديد انهال على جسدها الممتلىء بالرضوض سلفا، ابيض و جهها و معه شفاهها، واتسعت عينيها من الرعب و حاولت التراجع الى الخلف فشعرت بحجيرات صغيرة تنزلق من تحت قدميها بشكل خطر... بالكاد تلتقط انفاسا برئتين يهتز قلب مجنون بينهما...
" فرانكو..."
هل القدر يأخد نشوة قاتلة بتعذيبها بهذا الشكل؟ منذ لحظات كانت ترتجف حماسة للمستقبل المشرق الذي ينتظرهما هي وطفلها و الان.... تجد نفسا امام رئيس حرس دراكو و الذي يشعرها بالخوف و الهلع بمجرد ان يضع عينيه القاتمتين عليها... لقد وجدها دراكو... وجدها كما ينجح في كل مرة.
هذه المرة خسرت للابد...
" اهدئي برنسيبيسا..."
برنسيبيسا... اللقب الذي تكرهه من قلبها ما هو الا تحذير و توضيح لنواياه.. لقد عثر عليها و سيعيدها الى صقلية و جحيم زوجها... نعم... لم ترى رجلا اشد ولاءا لرئيسه مثل فرانكو.
" لا تقترب... ان حاولت الاقتراب فسأرمي نفسي من هنا..."
تهديدها نجح بايقاف الرجل الضخم الجثة في مكانه، ملامحه استرخت قليلا ولم يحاول استغفالها بل بقي مكانه يحملق اليها بهدوء.
" لا تستطيع تخيل العذاب الذي عشته تحت سقف بيت رئيسك الحقير..." صرخت به هائجة و هي تشير الى الصخور الحادة القمم و المهددة في الاسفل"هل تظنني خائفة من الموت؟ لا... فليكن في علمك... افضل القفز الى الاسفل بدل اللحاق بك و العودة الى 'دراكو فالكوني' "
" لو كنت انوي اعادتك اليه لاستغليت فقدان وعيك بينما التقطك من بين امواج البحر..."
الصدمة شلتها تماما و ابقت فاهها مفتوحا، فرانكو من انقدها و اتى بها الى هنا؟ لا...مستحيل... انه يتلاعب بها ... يريد فحسب استغفالها و جدبها من قرب المنحذر كي يلقي بها مجددا تحت رحمة دراكو... الشك الذي ارتسم في وجهها دفع الرجل للقول.
" لم افقد اثرك برنسبيسا... حتى و انت تتركي مصيرك الى عدوتك..."
احمر وجهها، يئسها دفعها للتصرف بالطريقة الخطأ، تعرف بأن عشيقة دراكو السابقة ماتزال مهووسة به، لكنها لم تتخيل بأن تحاول قتلها للتخلص منها الى الابد.
" لما تساعدني؟" سألت مباشرة بعد حرب الافكار و الشكوك بداخلها " لا بد ان أميرك قد جن جنونه في هذه اللحظة..."
مد يده نحوها لكنها لم تثق به ولم تلتقطها.
" نعم... الأمير غاضب في هذه اللحظة لأن طلاقه يتم تأجيله للمرة الثانية بسبب هروبك... بالنسبة اليه انت هاربة فقط ولا يعرف ابدا بشأن ما فعلته بك 'ديل ماريا'.. ان اخبرته... فقد كان ليدرك بأنني رأيتك تسقطين من اليخث وكان ليطالب بك في قصره مجددا..."
" اكاد لا اصدق أنك قمت بالتستر علي..."
" لم انوي يوما خيانة رئيسي برنسبيسا... لكنني امنحك الفرصة للنجاة لسيما و انت تحملين طفل رجل آخر"
اصفر وجه ديامانتي و تطلعت اليه بنظرات تائهة.
" سمعتك تخبرين الدوقة بذلك" رد على نظراتها المتسائلة " طفل من نيوس ليونيداس... رجل الاعمال اليوناني"
لم تجبه و بقيت تحملق اليه ببلاهة، متى ذكرت اسم عشيقها السابق للدوقة ديل ماريا؟ ام انها مجرد استنتاجات رجل ذكي؟
" سأسهل عليك التواصل معه.. انه الوحيد القادر على الوقوف في وجه الأمير... عندما يعلم بشأن طفله ستحل المشكلة بأقل اضرار ممكنة..."
" لا اريد التواصل مع أحد... هذا الطفل ملكي فحسب..." قاطعته بصوت اجوف وهي تترك مكانها اخيرا لتقترب نحوه" نيوس صورة مشابة لدراكو... كلاهما حقيران... اذا كنت خائفا علي من ردة فعل زوجي ازاء حملي فأعلم بأنني في وضع اشد خطورة مع نيوس... سوف يستحوذ عليه و يقتلعه من احشائي كي يرميني بعدها كخرقة بالية... لم اعد اثق في احد سوى نفسي..."
***
" شكرا لله لأنكما بخير"
رغم الكلمات المتضرعة التي نطق بها 'مارك انطونيو' احست 'بيلا 'بعمق سخطه و غضبه بينما يضم اليه 'رالف' ثم 'جو' كل منهما بدوره، كانت ماتزال ترتجف من شدة الرعب و التعب النفسي و بالكاد تمنع نفسها من التفكير بالمصيبة التي كان من الممكن ان تحصل لو لم تصل مع جدها و عمها الى المكان في الوقت المناسب... 'جوزيف' كان ليموت حتما، اقشعرت لهذه الفكرة و احست بتأنيب الضمير مجددا.. كل ما حصل لصغيرها بسببها.
" يجب ان نتكلم نحن الثلاثة.." سمعت رئيسها يقول بهدوء للتوأمين،هزت عينيها الى دونا 'كاثرين' التي بدت عصبية كباقي سكان القصر، 'رالف' نجح بزرع الرعب في قلب الجميع.
" تقصد نحن الاربعة..." اقطبت للطريقة العنيفة التي رد بها رالف على والده " بيلا لا تتجزأ منا ... "
شعرت بدمها يتجمد في شرايينها و ازداد وجهها شحوبا بينما يهز 'مارك' رأسه الاشقر نحوها و يلتقي بنظراتها للمرة الأولى.
" لما لا تأخدان حماما فأنتما متسخان حتى العظم" تدخل ادواردو ريتشي في هذه اللحظة، أبعد مارك عينيه أخيرا على الفتاة التي هربت من بنظراتها الفيروزية التي انطفأ بريقها الاعتيادي، بدت التعاسة مرتسمة على وجهها، و ليس متأكدا ان كان السبب وراء هذا التعابير القاتمة أم أليكس.
" فكرة جيدة عزيزي" قالت كاثرين بحماسة و هي تدفع بيدها نحو التوأمين ليتبعاها" بعد حمام دافئ ستكونان بمزاج جيد للكلام"
'رالف' البعيد تماما عن تنفيد أوامر البالغين عاد يتحدى والده كرجل كبير.
" بيلا كانت بصدد الرحيل الى استراليا اليوم... نريدك أن تعتذر منها لأنك هجرت الجميع في ظروف غامضة و هذا جرحها"
أقطب مارك وعاد يبجث عن نظراتها التي اسودت تحت كلام الصغير.
" هل كنت راحلة دون علمي؟؟"
" تركت لك رسالة 'دون مارك أنطونيو'..."
مارك الذي كان يجلس القرفصاء وقف بطول جسده الفارع ليواجهها، كان يبدو بمزاج شيطاني و سيء جدا، لم ترى ملامح وجهه جامدة و خالية من التعبير كما هي في هذه اللحظة.
" رسالة؟..."
عقب الصمت الكلمة الصغيرة التي فضحت سخطه، تجلدت نظراته الزرقاء أكثر و اشار نحو نهاية البهو الفسيح حيث تقع المكتبة و قال بصوت عملي" تعالي معي"
كانت بصدد تبعه عندما وضع رالف نفسه بينها و بين الطريق وهتف.
" نريدك ان تبقي في 'بيلا تيرا' ايزابيلا..."
" طفح الكيل..." نهره مارك بغضب وهو يشير الى السلالم " ان كنت تريد النوم هذه الليلة بدون كدمات حقيقية على مؤخرتك 'رافييل' فإختفي الأن...."
لكنه لم يتزحزح من مكانه مما دفع شفاه مارك الى التقلص بشكل مهدد.
" لا تظن بأننا مستعدين لتقبل اي اعذار كانت ... ان رحلت بيلا فسنرحل أيضا "
هذه المرة تقدم منه مهددا اكثر من اية مرة، تشنجت بيلا بعنف لكنها لم تتدخل لحماية الصغير، عموما لم يضرب رئيسها أطفاله يوما، قد يكون غاضبا الليلة بسبب الرعب الذي تسبب به اختفاء رالف لكنه لن يضع أصبعا عليه.
" لقد سمعت كل شيء.. كل شيء..." استطرد الصغير دون ان تخيفه نظرات والده " تظن بيلا بأن عليها الرحيل لأن والدتنا حية... لكنني لا اصدق ابدا... لأن الأموات وببساطة لا يعودون للحياة..."
لف الصمت الثقيل المكان، بحثت 'كاثرين' على نظرات زوجها الذي احتفظ بيدها في يده منذ أن بدأ التبادل المحتدم بين 'رالف' و 'مارك أنطونيو'، لا يبدو ان الطبيب تقدم قيد أنملة في العلاج النفسي معهما ، 'رالف' يبدو عنيفا و فاقد السيطرة بينما توأمه تائها و عيناه ممتلئتان بالدموع و التعب... طالما كانا متناقضين... ربما يتقاسمان الملامح نفسها لكن شخصية رالف اقوى، جو مسالم كما كان والده دوما.
" مهما يكن اصل تلك المرأة التي تنوي جلبها لتحيك بها قصصا جديدة في سبيل التملص من الزواج ببيلا فلن نتقبلها في حياتنا"
" التكلم معي بهذه الطريقة مرفوض تماما.. لن تغادر غرفتك قبل أن أسمح لك... انت ممنوع من اللعب بالأجهزة الألكترونية ممنوع من الحاسوب أو حتى التجول في الحديقة لشهر كامل... و الأن... اذهب الى غرفتك..." تشنج 'جو' بينما نفخ 'رالف' بعدم الموافقة
" فورا"
صرخ به مارك بحدة مما جعله يستجيب لأمره لكن ليس قبل أن يرميه بنظرات سوداء حانقة.
في الوقت نفسه الذي اثار انتباه كاثي حركة في أعلى السلالم انحى ادواردو عليها و همس.
" هل لديك أدنى فكرة عن امكانية فهم لينيتا للغة الايطالية؟؟"
أقطبت للسؤال قبل أن تدرك معناه :
" اللعنة..."
" كانت مختبئة في أعلى السلم...يجب ان تلحقي بها فورا كاثرين"
***
" تعالي فلور... سأوصلك الى المستشفى"
شعرت بالدموع تملأ عينيها للرنة العذبة لصوت والدها الذي تزامن وصله للتوسكانا مع وصول عميها و مارك انطونيو مع لينيتا من اليونان، احذاث النهار الطويل و المخيف لم يمر مرار الكرام على كل من في البيت، و عندما رأت 'رالف' أخيرا بين ذراعي 'بيلا' في الردهة لم تكن الراحة ما تسببت لها بإنقباضات أشد ألما، حاولت مسايرة الحوار الطويل الذي دار بينها و بين والدها، بالتأكيد تتفهم غله من الطلاق الذي اجبر عليه تقريبا من فرجينيا، لكنها ما لا تفهمه هو اصراره على التشبث بحلم مستحيل، هل يظن حقا بأنها ستعود اليه؟
" أنا بخير أبي... أحتاج فحسب للراحة..."
لا يبدو 'روبيرتو' مقتنعا بكلامها، راقب نظراتها الخضراء تتوه خارج حدود الغرفة بينما يدها تتحسس القماش الخفيف لكنزة الحوامل التي ترتديها.
" أنت شاحبة كالأموات... عندما أفكر بهذا الندل الذي تركك تتحملين مسؤولية طفل بمفردك..."
استحوذ على اهتمامها بالكامل، توقفت يدها على تحسس بطنها و قالت بهدوء:
"أنا من لا يريده في حياتي أبي"
" هل أملك الحق على الأقل بمعرفة هويته؟؟"
لم تجب و أبقت عيناها ملتصقتان بوجهه دون أن ترمش، مفعول مهدئة الانقباض التي اخدت منه أربع حبات لا تأتي بمفعولها حتى الأن و بطنها أصبح بقساوة الصخر.
" أنا خائف عليك يا طفلتي..." عاد صوت 'روبيرتو' ليحنو من جديد مما زاد من تعاستها " لا أعرف أي لعنة اصابت عائلتنا، انهار كل ما ناضلت لبنائه منذ سنوات..."
لامس وجنتها بإبهامه، العذاب المثقل لنظراته الزرقاء في هذه اللحظة دفعها لكراهية فرجينيا أكثر فأكثر.
" أستغرب ولائك لها... " سمعت نفسها تقول بخفث" كيف استمريت بعشقها بينما تدرك منذ سنوات بأن المرأة التي أمضت نصف عمرها بالنوم بالقرب منك تفكر في رجل آخر..."
" أنت قلتها... تنام بقربي و ليس قربه"
" أبي... هل كان ذلك كافيا؟؟" تأوهت بغير تصديق.
" أحببتها بصدق.. أحببتها أكثر من الكونت ديكاتريس الذي تلاعب بعواطفها لسنوات بدل التقرب منها و فهمها كما يجب... آسف فلور... لم أكن قادرا على كراهيتها حتى و أنا أتمزق لكل كلمة أدرجتها بين سطور ذلك الكتاب اللعين"
شعرت بالغثيان للاجلال الواضح في كلماته الأخيرة، تركت سريرها بعد ان تعدر عليها التطلع الى بؤس والدها الذي لم يستسلم و عاد ليقنعها بما ترفضه كليا.
" ... نحن الاثنان نحتاج الى رفقة بعضنا... تعالي معي الى الجزيرة"
حيث الخطر المحدق؟؟، كيف ستتمكن من اخباره بأن صقلية هي أخر مكان تتمنى زيارته؟ الجزيرة مليئة بالذكريات السيئة و المذلة... هناك اكتشفت حقيقة والدها البيولوجي... و هناك أحبها 'دراكو' بأجمل الطرق و اذلها بأبشعها، صقلية بمثابة جحيم حقيقي، بدل مصارحة والدها تمتمت بهدوء:
" سوف أعود الى الولايات المتحدة... دافيد يعتمد على عودتي"
قاطعها والدها بهدوء:
"شقيقك في صقلية... لذا أريدك أن تأتي معي أيضا كي نحضى بعطلة حقيقية نحن الثلاثة"
الخبر جاء على شكل انقباضة عنيفة، وضعت يدها على مقبض باب الحمام، ما الذي يفعله دافيد في صقلية بحق الشيطان؟؟ لم يحبها يوما طالما شعر بنفسه بعيدا عن الصقليين رغم أن دمائهم تجري في عروقه، الا اذا كان قد اكتشف حقيقة حملها و أتى ليلعب دور الأخ الحامي... رباه... ربما هو بمواجة 'دراكو فالكوني' في هذه اللحظة.
" لم تطأ قدميه أرض الجزيرة منذ أن كان في السادسة عشر..." علقت بهدوء مُخفية ارتباكها، عليها الاتصال فورا بشقيقها لتعرف أسبابه الحقيقة لترك اشغاله و حبيبته الغالية فجأة في الولايات المتحدة و المجيء الى صقلية... طالما استهزء من حنين والدهما لأرض طفولته...مالذي غير رأيه اذن؟؟ احتمت بالحمام من والدها و أخرجت هاتفها المحمول و ركبت الرقم على الفور، لعنت بينما تتولى العلبة الصوتية الاجابة بدل منه.
تنفست بعمق لتتخلص من الالم الذي يأبى الاختفاء رغم مهدئاتها، و الأن ماذا؟؟ البقاء في ايطاليا خارج مخططاتها، تعلمت الا تستهين أبدا بتهديدات دراكو و لقائهما الاخير كان كارثيا و تتوقع اي هجوم منه في اية لحظة، وبينما تقرر أخد أول طائرة للوس أنجلس تجد نفسها أمام والدها المتحطم كليا بسبب طلاقه...كيف سترحل دون ان تُشعره بالهجران مثلما فعلت فرجينيا؟
***
" كيف استطعت ان تفكري في الرحيل دون انتظار عودتي؟ تعرفين كم التوأمين متعلقين بظلك ايزابيلا"
عذاب ضميرها عاد يهزز كيانها بشكل خانق، و كأنه لم يكن كافيا عذابها في الساعات الأخيرة، كادت ان تصاب بالجنون منذ اختفاء 'رالف' ثم 'جو'، شعرت بأنها السبب وراء المآسي المتتالية، رئيسها محق، بغض النظر عما فعله بها شخصيا مؤخرا، تركها لمصيرها في المزرعة و اختفى دون كلمة تفسير واحدة، لكنها أقحمت التوأمين في تعقيدات قلبها مع اليكس، تمتمت بغصة مؤلمة في حلقها:
" أنا آسفة 'دون مارك أنطونيو' "
استرخت ملامح الهائجة و استكانت، راقبته من خلال دموعها المتجمدة في مقلتيها يمرر أصابعه الطويلة بين خصلات شعره الذهبية، كان يبدو مرهقا بالمقابل، تحت الاناره للمصباح فوق سطح المكتب ملامح وجهه الجميلة و المنشرحة دوما مشدودة و متقلصة، التجاعيد الصغيرة و اللذيذة حول عينيه الرائعتين أشد بروزا و عمقا، اللحية الوليدة لدقنه منحته سنوات اضافية لسنوات عمره الستة و الثلاثين، مطلقا لم تره يوما بهذا الشكل، كل ما يحذث بسببها فقط، لو انتظرت عودته و منعت روحها بالتأثر بلقاء اليكس... لو كانت قوية كفاية لما حذث ما حذث هي المسؤولة الوحيدة، الغصة في حلقها ازدادت حدة و ارتجفت بعنف بينما تتذكر مشهد 'جو' متعلق بيأس في يد 'رالف' ... رباه... لو لم تصل في الوقت المناسب... لو حذث مكروه لصغيرها الغالي 'جو'... هل كانت ستسامح نفسها يوما؟؟ أه كلا... مطلقا، تقطع صوتها بينما تستطرد بصوت معذب:
" ربيتــــ...ـــــهما منذ أن كانا في شهرهـــــما التاســـــــــع عشــــــر، اشعر بأنني أمهـــــ..ــــما حقا... أمٍ تخلت عن مسؤوليــــــتها اتجاهـــــــهما في أول عائـــــــق... أرجـــــــــــ...ـــوك اغفر لي..." انفلثت دموعا غزيرة على وجنتيها الشاحبتين و ارتجف صوتها الذي اتى أجشا من شدة الاسى" أقســــــ...ــــم ... أقســـم بأنني لم اشأ الحــــــاق الأدى بهـــــــما..."
كان يجلس خلف مكتبه على المقعد الجلدي بينما تقف كتلميدة مذنبة أمام مديرها برأس مطأطأة، مرت بضع ثوان لفهما فيها الصمت و ازداد تأنيبها لضميرها، تتسائل اذا كان هناك نهاية لهذا اليوم البائس و الطويل، نهاية لهذه المعناة الكبيرة في ذاخلها، تمنت لو تكون في هذه اللحظة داخل الطائرة التي اقلعت ظهرا من دونها الى استراليا.
" قرارك بالرحيل..." سمعته يتكلم أخيرا وهزت عينيها المتورمتان نحوه تنتظر اتمامه لكلامه" يعني بأن زيارة اليكس لم تأتي بنتيجة؟ "
ثار وجهها لثوان و عادت لها معاناة الأيام الأخيرة دفعة واحدة لدرجة آلمتها أنفاسها في صدرها،اندفعت اصابعها لوجهها كي تمسح الدموع التي تغسله بلا توقف:
" ما بيــــــــني و بيـــــــن 'دون اليكسندر' منتهـــــــي الصـــ...ـــــلاحية حتى قبــــــل أن يبدأ .. ارتكبــــ...ــــت غلطة فادحة سيدي و أنا بصـــــدد دفع الثــــــ...ــــمن..."
" اليكس يهتم لأمرك جديا بيلا..." قاطعها بجدية حازمة وبلا تأخير
تردد صدى هذه الكلمات في داخلها كصوت تحطم قنينة زجاج فارغة، شعرت به يترك مكانه بينما تحتفظ برأسها منحنيا... تتطلع الى سطح المكتب الامع و المصقول دون أن تراه حقا، أجفلها احساس يديه الكبيرتين على كتفيها الهشتين، ثم دنت أنفاسه المعطرة برائحة القهوة من أدنها و تمتم بهدوء:
" انسي الماضي و امنحيه فرصة... امنحي نفسك فرص السعادة، صدقيني الحياة لا تستحق أن نعطيها متعة اذلالنا و اتعاسنا..." تركته يديرها اليه ليتطلع الى عينيها المتورمتين بنظراته الزرقاء الثاقبة والمعبرة بشدة في هذه اللحظة، أحاط وجهها الشاحب بين يديه و لمحت شبه ابتسامة في زاوية شفاهه " و أنت... خُلقت لتكوني جزءا من السعادة 'بليسما ميا'"
و كأنها كانت بإنتظار هذا لتفقد السيطرة على روحها المتوجعة، الجروح العميقة عادت لتنفتح مجددا بشكل مفاجئ و دفعتها للتألم تحت فجاعة حريقه، لم تعد قادرة على التحكم بإهتزاز دقنها ولا ارتجاف جسمها ولا دموعها التي حفرت خنادقا عميقة على وجنتيها المخمليتين، اخفت وجهها خلف يديها و انفجرت في البكاء كما لم تجرؤ يوما امام احد، حتى في اسوأ الاوقات التي عقبت حاذثتها البالغة الخطورة في الماضي لم تحس بهذا الوجع و لا الالم... تشعر بأنا ستموت بسبب النار المتقددة في ذاخلها، تركته يأخدها بين ذراعيه و يضمها اليه كما يفعل عادة مع 'جو' أو 'رالف'... لقد انكسرت الى الف جزء أمام جبروت ما تشعره من عذاب، ابعدت يدها عن وجهها و مرغته في صدر رئيسها، الحنين المفاجئ الذي انشق من بين ضباب الشوق اخدها على حين غرة، هذا الجسد الذكوري الاستثنائي و الذراعين اللتين تحيطان خصرها بحمائية زائدة تذكرانها بأليكس، تركت يديها تتحسسان العظلات المختبئة وراء طبقة قماش القميص المقلمة في لمسة عابرة و ازدادت تعاستها وهي تستوعب للمرة المليون بأن كل شيء انتهى حقا.
" استطيع ان انهي عذابك ايزابيلا"
وجدت نفسها تضحك من خلال دموعها، 'مارك انطونيو ريتشي' الشهم و النبيل خلقا و خلقا، البطل الذي يسرع لإنقاذ الجميع من مآزقهم و ينسى مآسيه الشخصية، 'مارك انطونيو ريتشي' الذي انكسر القالب الذي شكله بعده مباشرة، لا يوجد في هذا العالم الكبير و القاسي اثنين منه...
" أعرف اين يقيم اليكس... بدل الطيران الى استراليا اذهبي اليه و امنحي نفسيكما فرصة السعادة..."
مسحت دموعها في الوقت نفس الذي ابتعدت عن ذراعيه الحمائيتين و تطلعت اليه بوجه متورم و ابتسامة رمادية حزينة.
" تعــــــرف 'دون مارك انطونيو'؟ عندما رأيــــتك للمرة الاولى في سن السابــــعة عشــــر ذهبت لأخبـــ...ـــر جميع اصدقائي بأن ملاكــــ...ــــا حقيقا حط رحالـــه في التوسكانا... تركت نفسي اتخيـــــلك الاميـــــر في احلام مراهقــــــتي... كنت مغرمة تقريــــــبا بك و مأخودة بطفــــــليك... عنـــــــدما ساعـــــدتني ماديــــــا و معنويا لإتمام دراستي في باريــــــ...ــــس، تحديت نفسي من كل الجوانب كي لا أخذلك أكثر مما فكرت في جدتي... كنــــت مثالي الاعـــلى..."
أطلت التعاسة من خلال نظراتها الفيروزية و همست:
" ... بعد الحاذثــــــة نضجت بســـــرعة ، لكن... مجيئ اليكــــس كسر حصـــــوني... كان يتقاســـــم اعاقتــــي و...و يشعــــر بي و كأنه الصورة المطابقة لروحي...و كأنه الإنعكــــاس الذي أراه في المرآة... لم يكن يهـــــرب من تأتأتي و لا يعاملـــــني كحيوان صغير فزع كالبقية، تماما مثلك انت... نسيتُ القواعد التي تعلمتـــــها و حدودي و تركت نفســـــي أغرق في حبه بشــــــكل يائس، اليكـــــس لم يعدني بشيء... لكن ما حصل بيننا في البنـــــدقية ثم في جبال الألب جعلنــــــــي أؤمن بأن مستقبـــــلا مشرقا ينتـــــظرنا... نســـــــيت بأنني حفيـــــذة السائس و بأنه الطفل المدلل لكاثرين و ادواردو ريتشي..."
لمحت بعض الامتعاض على وجه مارك و كأن تحليلها برمته مبتذلا:
" اختلاف الطبقات مجرد وهم يتشبث به البعض..."
" أنت ولـــدت وفي فمــــك معلقة من ذهب... ولدت من الريتشي و لن تفهم الصاعقة الهوجاء الذي يتسبب بها هذا الاسم بين الناس، خطوبـــــــتنا المزيفــــــة جعلتني ادرك بأن حياتـــــــي مستحـــــــيلة في عالـــــــمك... في عـــــــالم اليكس... انا لســـــــــت قوية كفاية ولا اريد ان امـــــضي العمر بالمــــــحاربة في سبيل الاحتـــــفاظ برجل قد يكل و يمل سريعا مني و من تأتأتي و اعاقـــــتي..."
تكسر صوتها و تهدج وهي تتمعن في كلماتها، صفعة الطبيبة سالي في مزرعة اوكسفورد ثناثر بفضلها الضباب الكثيف الذي حال بينها و بين الواقع، أضحت رؤية عالم حبيبها و مجتمعه واضحة:
" انا لســــت غنية ولا اعــــرف برتـــوكولات المجتمع المخملي ولم اتدرب منذ طفولتي على ان اكون زوجة او حبيبة مناسبة لرجل بمكانة شقـــــــيقك... حتى اننـــي لا اتكـــــــلم مثــــل الجمـــــيع و لا استعـــــــمل ســــــوى جزء ضئـــيل من عقــــــــلي المتضرر...استطـــــيع ان أحبه بعــــدد نجوم الســــــماء لكنني في الحقيقة اسوأ صفــــــقة يمكن لرجل اعــــمال مثل اليكس ان يقوم بــــــها "
مرت لحظات يتباذلان فيها النظرات، بدى مصرا على أن يدفها لتغيير رئيها، ووجدت الخلاص السريع في أول شيء تباذر الى ذهنها:
" قصـــــتك مع أم توأمــــيك خير دليـــــل... يكـــــفي أن تعـــــــمي الغيـــــرة احدهـــــم ليـــرتكب جريـــــــمة..."
اصفر وجه رئيسها تحت وقع كلامها المفاجئ، القسوة هي الوسيلة الوحيدة المتبقية لدفعه بفهم موقفها، عليه ان يفهم بحق الجحيم بأن اليكس محبوب جدا من عائلته، لديه شعبية كبيرة من طرف النساء، اعماله وجدت النور بين ليلة وضحاها و ثروثه الواعدة تسيل لعاب كل انثى مستعدة لاقتلاع عينيها شخصيا ان اقتربت ... اين موقعها هي من كل هذا؟؟ كما حذرتها جدتها سيقمن نسائه بسحقها كحشرة، تماما كما فعلت 'سالي فيليبو' عندما أدركت بخطوبتها المزيفة من الرجل الذي انتظرته لسنوات و لم ينظر اليها.
" اليكس يحبك..." تمتم بجفاف متجاهلا ملاحظتها.
" لا تكـــــن واثقا سيـــــدي... لسيما بعد الطريـــــقة المــــــذلة التي رفظــــــته بــــها امام الجمــــيع لا اظنه سينـــــظر نحوي مجـــــددا ولو بمحــــظ الصــــدفة... لقد فقدتــــه الى الأبـــد... وهذا افضل له و لي..."


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-08-13, 12:49 AM   #47

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

" أنظر... شهاب آخر"
تابع دافيد الذراع الممدودة امامه غير مكثرت للتطلع الى الشهاب الذي يبهر الى هذا الحد رفيقته التي تستند بظهرها على صدره و يحيط خصرها النحيل بذراعيه، الهواء المثقل بعبير الطبيعة النائمة في هذا الوقت المتأخر من الليل ململ شعرها الأسود الذي لامست خصلاته فكه الخشن، الذراع التي امتدت و تلألأت بشرتا السمراء على نور البدر الكامل عادت لتحتظن أصابعه على خصرها، لا يتذكر كم أمضيا من الوقت في هذا المظلم في شرفة بيته الساكن، يجلس على الأرض القاسية و يضم فتاة تمتلك من حماسة الأطفال الكثير... منذ سنوات عدة بالتأكيد.
بالكاد يصدق بأنه في صقلية، بأنه ترك أعماله عالقة و أيضا 'نيكول'... ليلحق بفتاة بالكاد تخرج من المراهقة، المهمة التي ظن بأنها ستكون بسهولة شربة ماء بدأت تأخد من وقته و أعصابه الكثير، الصبر لم يكن يوما من شيمه، فالخصلة التي يتميز بها 'روبيرتو ريتشي' لم يرثها لحسن أو سوء الحظ لا يعرف،لاسيما التحلي بالصبر لسلسة الأحاذيث العذبة التي تفننت بها 'بيانكا فالكوني' منذ أن قرر جلبها الى بيته لتناول العشاء و انهاء مهمته سريعا كي يطير بعيدا بعدها، بحق الشيطان لما تبدو مهمته بهذه الصعوبة بينما من السهل عادة الحصول بسرعة البرق على كل ما يريد من نساء؟؟ خططه سهلة وواضحة، على 'دراكو فالكوني' أن يتعلم الدرس بنفس الطريقة... الحقير الذي أغوى شقيقته و حطم قلبها و حياتها قبله... عليه ان يعرف بأنه لم يخلق بعد من يسبب الرعب 'لفلورانس ريتشي'... رغم كل الضغط الذي ولده هذا الاخير على ابنته الا ان بيانكا تستمر في مقابلته، للاسف انه لم يستطع وضعها بعد في سريره، اسرت له مؤخرا بأنها تفضل منح نفسها للرجل الذي ستتزوجه، بالتأكيد اختياراتها لا علاقة لها بالتقاليد المعقدة لهذه الجزيرة التي لم يزرها منذ سنوات عدة لكنه اختيارها الشخصي... و الاستسلام هو آخر ما يريد... سوف يغوي بيانكا كما فعل والدها السافل مع شقيقته و بعد ذلك سيهجرها ليعود الى حياته و الى نيكول.. نيكول التي يفتقد مزاجها وميزاتها... على الاقل لا تمضي ساعات في التطلع الى السماء و التكلم بغباء عن شهاب سخيف.
" هل تعرف بأن أمانيك تتحقق بتمنيها مباشرة بعد رؤية شهاب؟"
أقطب ديفيد قليلا بينما تلقي عليه الفتاة السمراء نظرة عابرة من فوق كتفها و تشبك اصابعها بأصابع يده قبل أن تلامس بشرته برفق، هذه الحميمة الشديدة تضغط على اعصابه، بيانكا ليست أبدا صنفه من النساء، انها صقلية بحق، وهو يفضل الشقراوات و يكون افضل لو كن اقل ثرثرة، حبيبته الحالية ممثلة، بطلة مسلسل تلفزيوني ناجح جدا و قد أحذث ضجة عالمية، علاقتما جيدة جدا و هادئة و مميزة و نيكول تملك ضعف اتجاه والدته فرجينيا و تعشقها و المرأتان تتفاهمان بشكل جيد و هذا يسعده، مؤخرا يفكر بجدية دعوتها لتقاسم شقته و حياته.. يفكر جديا بأمور كثيرة بشأنها، علي ان ينهي مهمته في صقلية و يعود الى أحضان نيكول.
" تمنيت شيئا اذن؟؟" ألقى كلماته الشبه هامسة في أذنها بعد أن ازاح خصلاتها الحرة جانبا.
" أممم..." هزت رأسا بلإيجاب قبل أن تضحك بتوثر عندما ضغط بشفتيه على بشرة عنقها النابضة." أريد ان نبقى معا الى الأبد دافيد..."
شعر و كأن سطل من الماء البارد صب على رأسه، ابتعد عن الشريان النابض في عنقها و ركز على نقطة غير مرئية في الظلام، بحق الجحيم متى منح الحق لهذه الفتاة بأن تتوقع مستقبلا معا؟؟ اذا كان ينوي البقاء الى الابد مع امرأة فبالتأكيد ابنة 'دراكو فالكوني' هي آخر امرأة قد يفكر بها.
تسائلت 'بيانكا' ان كانت قد عرت كثيرا على مشاعرها هذه المرة، انها حساسة فيما يخص ديفيد و تغير موقفه ازعجها، قدومه الى صقلية يعني لها الكثير انه متعلق بها و المشاعر التي اغرقها بها منذ سقوط عينيها عليه في حفل افتتاح معرض شقيقته ازدادت عمقا لتغدو شغفا و حبا كبيرين، لا تتخيل حياتها من دونه، اضحى الطعم الحلو للمرارة التي تعيشها بسبب مرضها.
رغم شعورها بابتعاده ضغطت اكثر على اصابعه الرجولية و احست بنبضها يتسارع بينما تبحث عن كلمات ملائمة للسؤال الذي تنوي طرحه منذ بعض الوقت.
" عندما قابلت دراكو في المستشفى... أخبرته بأنك تريدني في حياتك بموافقته أو بدونها... هل كنت صادقا دافيد؟؟ أقصد... هل أعني لك شيئا..."
شعرت بالغباء و شتمت نفسها للكلمات الشبه متضرعة التي أتى بها سؤالها لسيما الكلمات الأخيرة، أخدت نفسا عميقا تنتظر رده ببعض اليأس، اذا نفى الموضوع فستموت بالتأكيد، عم الصمت بينهما و لم يقطعه سوى الحفيف الهامس للاوراق اليابسة على الأرض الجافة، عدم تلقي جوابه بسرعة دفع الدموع الى عينيها، شعرت بالسخف لبقائها هنا بين ذراعيه كالجماد تنتظر وصول شيء لن يصل.
" سؤال سخيف..."
" أنت في الواحد و العشرين من العمر فقط بيانكا... تتكلمين عن كل هذا بجدية فائقة"
" أحبك لهذا أنا جادة..." ارتفع صوتها أكثر مما أرادت.
فجأة شعرت بالغربة في حضنه و أيضا بالضيق، تركها و لم يمنعها عندما هجرت مكانها مبتعدة عن دفئه و انتصبت واقفة، كانت ممتنة لأن الظلام الطفيف يمنع عليه رؤية تعابير وجهها و أيضا الحالة العاطفية التي هي عليها، دفعت يدها في شعرها لتبعد خصلاته عن وجهها بينما تحذر من الترميش كي لا تطرد عينيها الدموع العالقة، يكفيها الاذلال الذي احسته بينما يرد على اعترافاتها و كأنه يكلم طفلة صغيرة، راقبته يترك مكانه و يغرس نفسه أمامها بقامته الرجولية اليافعة، هزت رأسها لتثبت عيناه المتميزتان الزرقة حيث تتوهجان كياقوتتين وسط العتمة تماما مثل القطط المتوحشة، كانتا أول ما لاحظتمها عندما التقت عيناهما للمرة الأولى... وجدته فاثنا و ساحرا بشكل أدار رأسها، ربما والدها يكره 'آل ريتشي' لأسبابه المتعددة لكنها تثق بدافيد... انه مختلف و هي تعشقه من قلبها، كان معها في اشد أزماتها الصحية تأزما... أتى الى صقلية من أجلها بالأمس، ربما تستبق الأمور... ربما عليها التروي، عليها منح علاقتهما بعض الوقت قبل ان تتكلم عن العواطف...
" أنا آسفة..."
" لا نعرف بعضنا جيدا كي تغرمي بي 'بيانكا'..."
التهبت وجنتيها أمام اللكنة الواثقة و الهادئة لصوته التي عاد يستعملها و كأنه يكلم طفله ، بدى أشد خبرة منها، حتى أن يديه لا ترتجفان مثل يديها في هذه اللحظة بينما يمسكهما و يعصرما برقة.
" لا أقيس الحب بالزمن دافيد... أنا مجنونة بك منذ أن رأيتك للمرة الأولى..." أخدت نفسا عميقا و أردفت بسرعة " هذا لا يعني اي التزام عاطفي اتجاهي... أخبرتك... لأنني شعرت بأنه من واجبي اخبارك"
هز رأسه ببطء دون ان ينبس بكلمة، ملامح وجهه جامدة و خالية من أي تعبير، تمنت لو يعلق بشيء، اي شيء... أن يكسر الصمت باي كلمة كانت بدل تثبيتها بهذه النظرات الشفافة المشتعلة التي تدفع قلبها للاسراع لا اراديا.
" سبق و اقترحتَ بأن نذهب معا الى الجزرالعذراء و رفضتُ أنا بسبب والدي... ربما هذا ما يدفعك للتفكير بأنني لست مسؤولة بعد عن حياتي..." بللت شفاهها الجافتين بلسانها و قطعت الخطوة الفاصلة بينهما لتغدو قريبة جدا منه، هذه المرة عندما هزت راسها ارتطمت أنفاسه العطرة بوجهها " أنت محق... اتخوف من كل شيء و لا شيء.... دراكو يخنقني بحمايته الزائدة بسبب مرضي ربما... لكن حان الوقت لأقرر بنفسي ما اريده دون استشارته... و انا اريدك دافيد "
فجأة بدى التردد على وجهه و ملء الانزعاج نظراته لبعض الوقت قبل أن تتجرد من أي تعبير ليعود و يحملق الى وجهها بثبات..
" وقتي ضيق جدا بسبب العمل و علي العودة الى لوس انجلس بعد ثمان و اربعين ساعة..."
" فلنسافر الان و لا نضييع الوقت... ان رغبتَ فسأتي معك الى لوس انجلس"
" لا..."
توقفت عن الاصرار بعد الرفض القاطع الذي صدر منه، شعرت بموجة من الحيرة تكتسحها بينما تراقبه يبتعد عنها و يغرس أصابع يديه في شعره الحالك، يتخلل نعومته عدة مرات كإنسان مهزوم فجأة أو في حرب نفسية كبيرة، هل يجدها صغيرة أيضا على الاستسلام له روحا و جسدا؟ بحق الشيطان سبق و أصر على أن يتقاسما شيئا أكثر من القبل العابرة و بينما تدعن اليوم و تقبل أخيرا يقوم برفضها؟؟
" ما الأمر 'آموري ميو' (حبيبي) ؟؟"
نظر اليها فجأة بنظرة جعلتها تتصلب مكانها و تحبس أنفاسها، نظرة مشتعلة و قاسية، نظرة رجل حوى الكثير من الكراهية لها... الكراهية و شيء آخر تعدر عليها تفسيره:
" لست حبيبك 'بيانكا' فلا تستعملي هذه الكلمات معي... ارحلي الأن الى بيتك و لا تعودي "
رغم دفئ الجو أحست بالبرد فجأة بينما تسقط في بئر عميق من الحيرة و تشلها الصدمة وهي تراه يهجر الشرفة و يدخل الى باحة المنزل.
" دافيد..."
لا تعرف ان كان ندائها قد خرج حقا من حلقا ام بقي رهين صدرها الذي يغلي قهرا في هذه اللحظة.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-08-13, 12:50 AM   #48

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بقي مارك أنطونيو لدقائق مجمدا في مكانه بعد رحيل بيلا من المكتب، صدى كلمات تدفع بشرته للشحوب اكثر من شدة الغضب و اليأس" قصتك مع أم توأميك خير دليل... يكفي أن تعمي الغيرة احدهم ليرتكب جريمة..."
هو لم ينسى بالتأكيد أمر هذا الشخص الذي تلاعب بحياته لسنوات، أه كلا لم ينسى... ربما البحث جاري بكل سرية لكنه سيفقد رشده اذا لم يتوصل المكلفين بالقضية الى هوية السافل بسرعة، جرحه يزداد خطورة منذ عودة لينيتا الى حياته، يشعر بالعجز كلما نظر اليها... لم يتمكن من الحفاظ عليها في الماضي، فشل ببساطة بحمايتها وشعوره بالذنب سيعذبه لبقية حياته.
زم شفتيه بعد أن قذف سلسلة شتائم وهو يتذكر كلام 'رالف'... الله وحده يعلم كم ستكلفه مهمة اقحام لينيتا في حياة طفليه، يشعر بأنه سينهار تحت ثقل الأحذاث التي يمر بها مؤخرا، هزرأسه بحدة عندما تبادر الى مسامعه اسمه، وجد والده قرب الباب، ملامح قلقة على وجهه... مطلقا لا يسمح ادواردو ريتشي لملامح وجهه بالتغيير الا اذا كان هناك كارثة حقيقية.
" لينيتا ليست بخير... انها تمر بأزمة عصبية علينا الاتصال بالمستشفى فورا"
في أقل من دقيقة كان في جناحه حيث ترك لينيتا لترتاح قبل بعض الوقت، علقت عيناه على الجسد الهش و النحيل المكور على السرير يهتز في مكانه و كأن مسا كهربائيا قد أصابه، كانت ترتجف وتتصبب عرقا في نفس الوقت، تلوت معدته و تدكر المرة الاولى التي اصابتها فيها هذه الحالة، آنذاك الممرضة طردته من غرفتها و استدعت طبيبها الخاص... وهذا اخر ما يفكر بالقيام به... الاتصال بطبيبها. الطبيب الذي تفاوض معه بشدة كي يدعها تخرج من ذلك السجن الراقي.
بالرغم من معاناتها الظاهرة قاومت امواج ازمتها العاتية وحاولت الجلوس بشكل سليم عندما انتبهت لوجوده دون جدوى، بدت ضائعة و ضعيفة، لينيتا التي عرف معها مذاق السعادة مجددا هذه الايام الاخيرة اختفت و تركت مكانها هذه المرأة الشاحبة والمهتزة نفسيا، القلقة الملامح حيث في عينيها الرماديتين ارتسمت ابشع معالم الخوف ... كانتا متسعتين اكثر مما ينبغي... تماما مثل المرة الاولى التي التقت فيها نظراتهما في المستشفى.
انه يعيش كابوس مرعب، التفت بعنف نحو زوجة والده التي كانت بصدد الاتصال بالاسعاف، هاجم الهاتف الذي تحبسه بين أصابع يدها و أدنها دون تردد و نزع بوحشية الخيوط المتصلة بالجهاز و علبة الاستقبال قبل أن يلقي كل ما التقطت يده عرض الحائط و يتشتث الكل الى أجزاء.
مرت ثوان من الصمت الثقيل يجاهذ فيها للتحكم في أنفاسه، تجاهل النظر الى زوجة والده و عندما ابتعدت ساقيه أخيرا من مكانهما فكانتا لتسلكا طريقا واحدا، السرير الذي عليه لينيتا الشاحبة الملامح.
" اهدئي يا ملاكي... كل شيء سيكون على ما يرام..." جاء صوته واثقا و متزنا عندما تجاوز حدود شفاهه، بالتأكيد هو يعرف ما يقول، كل شيء سيكون على مايرام ... لن يسمح لأحد أخدها منه مجددا حتى ولو كان طبيبها الخاص أو حتى ممرضتها، لن يعيش جحيم بعدها بعد اليوم.
اشار ادواردو لزوجته بالاقتراب بينما يتابع بصمت الفوضى التي حصلت و تحصل أمامه، مارك أنطونيو فقد السيطرة تماما عن نفسه منذ أن أدرك بشأن لينيتا، أصبح يتصرف بطرق خالية من التعقل و ستقوده مخاوفه الى فقدان حبيبته مجددا، ربما وضع لينيتا أقل خطورة مما كان عليه، ربما بدأت تؤول للشفاء لكنها لم تتعافى بعد... بنظره أن الطبيب تسرع كثيرا بالتأثر بكلمات مارك المعسولة و المترجية، مارك خطر كبير على لينيتا...
راقبه يأخدها بين ذراعيه و يضمها اليه لبعض الوقت و كأنه يهدهد احد أطفاله، لا شك بأن مارك يعشق أم طفلي نعم... لكنها تمر بأزمة حقيقة و تحتاج للمساعدة و ليس للعناق و الكلمات الحانية التي يصبها بسخاء عليها.
" بربك مارك انها بحاجة الى ممرضتها... أنت تخلي بوعدك لطبيبها"
لم يجب مارك على كلام والده، جلس بالقرب من المريضة وأسندها بذراعه القوية كي يساعدها على الجلوس، الدموع التي انزلقت على وجنتيها مزقت كيانه، لامس وجهها بحركة حانية بينما ترمقه بأسف و كأنها تطلب منه الغفران على ضعفها، لقد وعدته في أكثر من مرة بأن تكون قوية و يدرك انزعاجها بسبب خذلانها لوعودها لاسيما بعد اصراره بعدم مرافقته لقصر الدوقية، نعم... هذا تماما ما رغب بتفاديه.
" انها بحاجتي فقط..." أجاب مارك والده بعد ان انتهى من منح الدعم الازم لها بلمساته الحانية و دس قرصا أبيض صغير في فمها المرتجف هامسا" أنت بحاجتي أنا فقط 'لين' اليس كذلك؟؟"
هزت رأسها ببطء دون ان تفارق عيناه وجهها الشاحب التقط قنينة الماء و ملئ الكأس بالسائل الشفاف قبل أن يضع حافته بين شفاهها المرتجفة.
" ابلعي دوائك و سوف تشعرين بتحسن بعد قليل يا ملاكي..." همس قرب جبينها و ضغط بشفاهه على بشرتها المبللة و الحارة... " أنا هنا معك... لن يشغلني شيء عنك بعد اللحظة أعدك ... لن يأخدك مني احد و لن يفرق شيئا بيننا أقسم لك..."
بدأت كلماته المطمئنة تأتي بمفعولها السحري و تباعدت هزهزاتها العنيفة لتصبح بعد عشر دقائق مجرد ذكرى، هجر والده و كاثي الغرفة منذ بعض الوقت بعد أن يئسا من محاولة اقناعه بالاتصال بالطبيب الخاص وحصل أخيرا على الحميمة الازمة مع لينيتا التي كانت ممددة على السريرمقبلا له تتركه يخنقها بعناقه دون أن تتدمر أو تبتعد، عيناها الرماديتان جفتا من الدموع و بدأ لون وجهها الطبيعي بالعودة رويدا وراقب اهذابها الكثيفة ترتجف كتمهيد للدخول في نوم عميق.
" مارك..." التقطت ادناه التنهيدة الصغيرة التي انفلتث من شفاهها.
" نعم يا جميلتي..." أزاح خصلات شعرها الاسود الامع الى الخلف اكثر ليكشف عن وجهها الحبيب الذي طالما زار لياليه خلال السنوات الصارمة.
" لا تهجرني ابدا... "
توقفت يده على شلال الحريرلشعرها القصير و شعر بألم مفاجئ في حلقه بينما يراقبها تستسلم للنوم الاارادي الذي تسببه مهدئاتها،الجدائل التي كانت تلامس خصرها في ما مضى اختفت، يستطيع تخيل ألف سيناريو لهذا، مجرد التفكير في شخص آذاها يتركه في كل حالاته، لكنه المسؤول الوحيد على مآساتها، لينيتا كانت محبوبة من الجميع و لم تكسب أعداءا عكسه هو... لا تهجرني أبدا... كيف تستطيع التخوف من هذا بعد ان وجدها؟ لن يتركها ابدا حتى و ان فكرت مثل 'بيلا' بأن هناك فرق شاسع بينها و بين اليكس بسبب مرضها... مرض لينيتا الذي يتحمل فقط مسؤوليته و ينوي الحصول على غفرانها بالكامل.
***


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-08-13, 12:56 AM   #49

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل العشرين

" منذ متى تعانين من الانقباضات و النزيف آنسة ريتشي؟؟"
سؤال الطبيب كان واضحا و رغم ذلك وجدت فلور صعوبة في الاجابة الفورية، راقبته يبتعد بإتجاه حوض الاغتسال ينزع قفازيه و يغسل يديه بالمطهر، القت نظرة قلقة الى الشاشة الصغيرة التي تعرض صورة بثلاثة ابعاد لجنينها، اذا أتت الى هذا المشفى الخاص في العاصمة 'فلورنسيا' فلأنها تثق بكفائة أطبائه و ايضا سريتهم، تستطيع تكهن الفوضى العارمة التي تركت فيها الجميع في قصر الدوقية بعد أن أيقضها الالم و النزيف في الخامسة صباحا، للاسف كان يجدر بها المجيء لاستشارة الطبيب باكرا كما نصحها والدها الذي ينتظرها في هذه اللحظة خارجا في قاعة الانتظار.
" ثمان و أربعين ساعة على ما أعتقد..." أجابت اخيرا بعصبية بعدما عاد يثبتها الطبيب بعينيه خلف نظارته الطبية" ما الأمر؟؟ هل الجنين بخير؟؟"
" آسف أن اخبرك بأنك تعانين من انفصال المشيمة الباكر..."
أقطبت فلور و حاولت استعياب الكلام الذي يصعب عليها تفكيك معانيه، بحتث في عقلها عن معلومات قد تكون مرت فيه بشأن انفكاك المشيمة دون جدوى، ما يهمها هو أن تعرف بشأن طفلها
" هل الجنين بخير؟؟"
" حاليا ابنك بخير..."
ابنك... ابنك، بدون قصد اتى الطبيب على كشف جنس جنينها، موجة من العاطفة و الانفعال اجتاحتها و دفعتها لتفقد الصورة المثبتة على الشاشة بالقرب منها مجددا، شعرت بالتعاسة و السعادة لهذه الانفعالات التي تحسها للمرة الاولى في حياتها... انه ولد... سوف ترزق بولد، بحق الجحيم لما رفضت التعرف على جنس طفلها بينما تسنح لها الفرصة أكثر من مرة؟؟ لأنها تخشى التعلق عاطفيا به قبل خروجه؟؟ لأنها تخشى أن يخيب ظن 'دراكو' ان كانت أنثى؟؟... تسارعت ضربات قلبها و تسائلت عن ردة فعله ازاء معرفته الخبر؟؟ هو الذي يرغب بشدة الحصول على ابن دكر... أغمضت عينيها و أحست بالاشمئزاز من انفعالاتها و تفكيرها بالرجل الذي تسبب لها بكل هذه المعاناة... بحق الشيطان لما عليها الاتمام بميوله؟؟ عليها الا تنسى اي خطر محدق هو 'دراكو'... بتدكر الخطر عادت الى الواقع وطرحت السؤال مباشرة.
"هل وضعي خطر؟؟"
"بطانة المشيمة قد انفصلت عن رحمك آنستي بعشر سنتمترات..." بدأ الطبيب بالشرح و قد دس يديه في جيوب بلوزته الطبية البيضاء" إذا كانت كمية كبيرة من المشيمة تفصل من الرحم، فالطفل من المحتمل أن يكون في محنة حتى الولادة، ان استمرت في الانفصال فسنضطر لتوليدك مبكرا بعملية قيصرية...."
اتسعت عينيها من الرعب و صرخت به غير مصدقة:
" بالكاد أدخل شهري السابع هل أنت جاد؟؟"
" قلت في حالة استمرار الانفصال... " طمئنها الطبيب بسرعة "سوف نبدأ العلاج منذ اللحظة و ستمكثين بضعة أيام هنا في المستشفى لحين زوال الخطر، عمر الجنين أقل من 36 أسبوع و لم ينضج كفاية سوف نعمل على أن يبقى أكبر مدة ممكنة داخل رحمك لنجنب كليكما الخطر..."
عادت فلور تحملق الى الشاشة بالكاد تصدق ما تلتقط أدنيها، عندما اصابتها الانقباضات لم تعتقد أن الوضع بكل هذا السوء، سبق و عاشت حمل قريبتها آنجلا... هذه الاخيرة كانت تعاني من انقباضات عابرة تنتهي بشربها المهدئات... انها المرة الاولى التي تسمع فيها بإنفصال المشيمة... مالذي سبب لها هذه الكارثة؟؟ اهمالها بلا ادنى شك... أعمت الدموع عينيها و عادت تنظر الى الطبيب الذي كان غارقا في كتابة شيئ ما على سجلها.
" لا اريد الولادة في شهري هذا..."
" ولا نريد ذلك أيضا..." رد الطبيب بصوت متفهم " قد تكون هناك حاجة استبدال حجم الدم للحفاظ على ضغط الدم واستبدال البلازما للحفاظ على مستويات الفيبرينوجين... سوف نعمل ما بجهدنا كي لا يخرج ابنك قبل أوانه و يستمتع بدفء رحمك أكبر مدة ممكنة "
" أعرف الكثير عن الولادات المبكرة دكتور" تمتمت فلور من بين اسنانها " أرفض أن يعاني طفلي من أي اعاقة أو أن يموت بعد الولادة... ان كانت لديك شكوك ازاء حالتي فسأرحل فورا الى الولايات المتحدة...."
قاطعها بمهنية:
" لن يفعلوا أكثر مما سنفعل آنستي... أنت في مشفى خاص بحالاتك...ثقي بكفائتنا و ابتعدي عن التوثر فهذا سيزيد من سوء حالتك..."
***
المكان مُريب للشك، اقطب جوشوا جبينه و تفحص البوابة الحديدية الكبيرة حيث ثلاث حراس بملابس رعاة البقر مسلحين يتناوبون على تدخين سجارة حشيش واحدة، بدى المشهد غير حقيقي لدرجة يتوهم المرء في المرة الاولى و كأنه مأخود من فلم أكشن و رعاة البقر.
هل يعقل انهم في المكان المقصود؟ أدار رأسه الى صديقه المكسيكي الذي يعرف قواعد اللعبة منذ زمن بعيد، فرناندو سارع بجلب المعلومات القيمة و نشرها امام عينيه ولم يتردد عندما اقترح عليه السفر معه و مع 'هاكان' الى 'نيومكسيكو'.
" متأكد بقدر تأكدك أنت من الوشام على ساعد مهاجمك في 'الالسكا'... "
عندما اقترح 'هاكان' شراء هذه السيارة الخردة التي كانت معروضة للبيع من طرف رجل مسن في حافة طريق غير بعيد عن مطار 'سانتا فيه' وافقه 'فرناندو' فورا الرأي، الأن يفهم جوشوا لماذا؟ لو وصلوا الى هذا المكان المفقود في 'نيومكسكو' بسيارة فارهة مثل سيارته لأثاروا الانتباه اينما حلوا.
" ثعبان صغير يخرج من مُقلة جمجمة... أتذكر جيدا و لن انسى تلك الليلة ما حييت"
" بدأنا نثير الانتباه أيها الاصدقاء..." سمع صوت 'هاكان' يقول من المقعد الخلفي بصوت شبه خافث، القى جوشوا نظرة متفحصة من تحت نظارته الشمسية الى الرجل القوي البنية الذي يمشي نحو سيارتهم بخطوات واثقة و نظرات شرسة و يضع على كتفه بندقية حذيثة الطراز، كان يبدو خطرا لكن جوشوا قطع مسافة كبيرة للوصول الى هذا المكان و عليه الاستمرار حتى النهاية.
" اللعنة..." تمتم فرناندو ببعض العصبية " ادرعجلة السيارة و لنمضي جوش..."
" أبدا..." قال جوشوا تاركا القلق للخطوة التالية، ان أخطأ فرناندو بجمع معلوماته فستكون نتيجة هذا اللقاء الهلاك.
نزع نظارته الشمسية و تبث الرجل الوحشي الملامح الذي أضحى على مقربة شديدة من السيارة، القى نظرة سريعة عليهم قبل أن تقسو نظراته القاتمة أكثر و يتكلم بالاسبانية السريعة.
" هذه ممتلكات خاصة... أمامكم ثانيتين للاختفاء قبل أن تصابون بآذى"
" كنا بصدد الرحيل..." تمتم فرناندو.
تجاهله جوشوا و معه شعوره بالإنزعاج الذي بدأ يتملكه بينما يرى الحارسيين الأخرين يسلكان نفس الطريق ليلتحقان بزميلهما الذي يبدو بمزاج سيئ سلفا و يتحرق لاستعمال بندقيته.
" أدعى جوشوا فرنانديز، قطعت مسافة كبيرة للوصول الى هنا و لن أذهب قبل رؤية السيدة 'خوانيتا لا ايستيريلا'..."
بعد نطقه بالاسم عم الصمت الرهيب المكان، بالتأكيد جوشوا يشعر بالرعب لمجرد التفكير بأن يتهور أحد الحراس الذين لا يشبهون الأدميين في شيء و افراغ بندقيتهم فيهم هم الثلاثة...
" اعد ما قلت..." هذه المرة كان أحد الحراس الواصلين الى المكان لتوه من أمر بلهجة حادة.
" أريد لقاء 'خوانيتا لا ايستيريلا' ..."
عاد الصمت ليطبق قبل أن ينفجر الثلاثة في الضحك الهستيري و كأنم سمعوا نكتة سخيفة، اقطب جوشوا... انه مؤشر سيء، سيء جدا، الثلاثة يستهزئون منه و من طلبه و كما تكهن سلفا، و ضع الحارس الذي اتى اليهم اولا فوهة بندقيته في رأسه قبل ان يقول من بين اسنانه الصفراء:
" ان لم تدر محرك سيارتك فورا و تختفي سأفجر دماغك المتذاكي..."
التهديد كان جادا لدرجة ان جوشوا تسائل لما منحه فرصة الفرار بدل تفجير رأسه؟؟ أعاد نظارته الشمسية على عينيه لكن الحارس أخدها منه بقوة وتأمل الاسم عليها قبل أن يضعا فوق وجهه المسود من القسوة:
" أصبَحت مُلكي ايها المتحاذق... و الأن اختفي"
" سوف أعود..." لم يعرف جوشوا لماذا أصر على تحدي الشيطان، بينما ينطلق بسيارته مبتعدا تعمد الرامي برميهم برصاصتين في الاطار الخلفي، عم الصمت بين الثلاثة وما هي الا بضع ثوان حتى انفجر في وجهه فرناندو:
" لكن هل أنت مريض؟؟ هل تظن نفسك في لندن؟؟ "
لم يجب جوشوا، ضغط أكثر على دواسة السرعة و عندما استجابت هذ الاخيرة بصعوبة بالغة افتقد سيارته البورش السريعة التي تركها في المطار، تيبست اصابعه على عجلة القيادة و هز عينيه الى هاكان قائلا:
" نسيت ان أسألك ان كنت تفهم الاسبانية..."
" لم أفلث كلمة واحدة مما دار ..." أجاب 'هاكان' متهكما" على الأقل رأسك كان الأقرب اليه و كنت الهالك الأول..."
" أحمق بائس..." تمتم فرناندو من بين اسنانه.
مرت ثانية من الصمت قبل أن ينفجروا في الضحك كما فعل الحراس قبل قليل، تخلص الثلاثة من توثرتم و استرخوا قليلا قبل أن يسترجع جوشوا جديته:
" اعترف بأنني عرضتكم للخطر لكن لم يكن ليجرؤ بالضغط على الزناد... لو عاد اليه الاختيار لفعل ذلك منذ أن سقطت عيناه علينا"
" أعترف بأن نفس الشعور تملكني... لكن لماذا؟؟" تسائل هاكان بدبلوماسية.
" على الأرجح انها توقعت زيارتي... ربما ترغب بإخافتي قبل تحقيق ذلك"
" الحمد لله أن الأسوء انقضى..." علق فرناندو متنهدا تنهيذة طويلة بينما تجتاز السيارة عدة اميال و تفصلهما أكثر عن ممتلكات'خوانيتا'.
" الأسوء ما هو قادم 'فرناندو' ولم ينقضي بعد..." اجاب جوشوا بكل صراحة بينما يبدأ سلفا بالتخطيط الدقيق للعودة قريبا، لم يعد يشتبه في تحريات صديقه، 'فرناندو' خبير في ميدانه يقتني معلومات من أصعب و أسر المصادر... عليه لقاء 'خوانيتا' ومواجهتها مع فريقها الذي ارسلته ورائه الى الالسكا... السؤال هو... هل هي من كانت وراء رشوة قبطان الطائرة و محاولة قتله؟؟
***
هزت آنجلا حاجبيها بغير تصديق بينما تراقب قريبتها ميا تواصل اصرارها على فكرتها المجنونة، صدقا.... احيانا ردات فعل ميا الغريبة تتركها بلا صوت.
" أرافقك الى فرنسا مع الطفلين؟؟ ميا... هل تتكلمين بجدية ام انك تسخرين مني؟"
" بحق الجحيم لما تظنين بأنني أستهزأ ؟؟ مالذي يزعجك في عرضي أخبريني..."
عادت آنجلا تمتعض بشدة من الاصرار المرتسم في عمق العينان الزرقاوين لإبنة عمتها، فقط لو كانت 'ليلي' او 'اندريس جينيور' مستيقضان و لم يستسلما للنوم العميق في قيلولتما لتعدرت بأحدهما و هربت من نظرات 'ميا' المتفحصة.
اشاحت بوجهها بعيدا، منطقيا هي في حاجة ماسة لعطلة، لكن كيف يمكنها الطيران بعيدا عن هنا بينما زواجها آيل للسقوط؟؟ كيف تستطيع وضع قدمها في ارض فرنسية دون أن تتذكر رحلة شهر العسل مع جوشوا الى باريس؟؟ كيف يمكنها أن تنسى العذاب الذي تعيش بسبب تحطم قلبها...
" لا أدري 'ميا'... " تمتمت بصوت خافث وهي تفرك ذراعيها و كأنا تشعر بالبرد فجأة و الحقيقة ان الشمس تلمع في سماء صافية و الجو دافئ و جميل، تمشيتا بصمت قرب بركة السباحة قبل ان تجلسان على منضدة اسفل شجرة وفيرة الظلال و تطلبان القوة من المطبخ.
أدركت 'ميا' بأن قريبتها اتخدت سلفا قرارها بمنح نفسها المساعدة من أحد، لكن ما أخبرها به هاكان بالأمس مرعب، كيف ستتمكن من حمايتها و اقناعها باخلاء لندن دون أن تعري عن قلقها أمامها؟؟
تذكرت لقائها بالحارس الهندي و غزا الاحمرار لا اراديا وجنتيها من الإثارة... غريب أن تشعر بكل هذه الحماسة لمجرد تذكر الأمسية الهادئة و الجميلة التي قضتها بين جذران مطبخ الصغير، السعادة تدغدغ حواسا كلما تذكرت أسنانه البيضاء التي تتلألأ وسط بشرته الشديدة السمرة كلما ابتسم... لقد قام بأكثر من هذا مرة أو مرتين... شاركها الضحك و تخلى عن حذره كما فعلت هي.
شيء ما نما بينما أمس.... شيء يشبه الصداقة المحرمة... يشبه الأحاسيس الممنوعة... شيء لذيذ محفوف بالخطر.
وصول جوشوا بخر كل السحر الذي عاشته، و اضطرت لهجر الجو الحميمي الذي لفها مع هنديها الساحر.
" لما تبتسمين بدون سبب؟؟"
هزت رأسها الى آنجلا التي اقطبت حاجبيها الرفيعان و اطل الفضول من عينيها الرائعتين.
" لا ابتسم بدون سبب ..." دافعت عن نفسها بلطف وهي تهز كتفيها.
" آه.. 'بير ديو'..( حبا بالله) أعرف هذه النظرات...) علقت آنجلا وهي تلتهم وجهها بنظراتها و تدفعها للاحمرار أكثر..." أنت امرأة عاشقة..."
اختفت ابتسامة و سعادة 'ميا' تذريجيا و تعلقت عينيها على وجه قريبتها و كأنها تراها للمرة الاولى...
" أنا لست عاشقة..."
" ومالعيب ايتها المعقدة " هتفت بها وهي تهز عينيها للسماء" 'ايثان' يستحق و ليس من العيب ان تتحمسي لفكرة العودة الى قلعته... انتما ثنائي رائع... حتى انني استغرب بأنكما لم تتجاوزا الحدود بعد... تعلمين ... عندما يكون الحب موجودا فالحذر يلغى تلقائيا من القاموس... أنا و جوش لم ننتظر حتى الزفاف كي نكتشف شغف احدنا للاخر..."
احست بالشفقة للتعاسة التي اطلت من وجه آنجلا بينما تجاهذ لاخراج هذه الكلمات الاخيرة دون ان يتكسر صوتها، شعرت بأن عليها التدخل لرسم الابتسامة مجددا على وشفاهها، بالامس قذفت جوشوا بكلمات بشعة و افرغت ما في جعبتها لكن هذا الاخير لم يرد او حتى يدافع عن نفسه... استمر فحسب بالتطلع اليها و كأنه جدار ادمي.
" أنت و جوش ثنائي استثنائي عزيزتي... طالما كنتما كذلك..."
" آه ميا..." تأوهت آنجلا وقد اندفت دموع اليأس الى مقلتيها، بدأت تنسى عدد المرات التي رأت فيها قريبتها تذرف الدموع " كم أنا تعسة و بائسة... لا ادري متى سينتهي هذا الكابوس... اريد استعادة رجُلي... اريد استعادة حياتي و سعادتي السابقتين... لا مستقبل لي من دون جوشوا هل تفهمين؟ "
هزت ميا رأسها ببطء وهي تتمعن في كلماتها المتضرعة و المتكسرة، فجأة شدت آنجلا على يديها و عصرتهما بقوة و هي تقول:
" تلك الابتسامة و النظرة على وجهك قبل قليل ما اريد استعادته... انت عاشقة لإيثان أي تتفهمين موقفي... تعرفين بأنني لا ابالغ عندما أقرّ بأن لا مستقبل لي من دون زوجي و حبيبي... لامعنى لوجودي على هذه الارض من دونه... رباه... سأموت ان استمر بصده لي"
شعرت بالراحة لمقاطعة الخادمة بوصولها لتعقيبها، راقبتا بعقل شارذ تضع الشاي و الفناجين البرسلانية الفارهة على الطاولة، تذكرت بساطة مطبخ هاكان و أحست ببعض الحنين لذلك الجو البسيط الخالي من التبختل و التفاخر، كانا كإنسانين عادين بحق السماء بعيدين عن هذا العالم البراق الذي خلقت و كبرت فيه، 'هاكان' لا يملك جذورها و لا مكانتها الارستقراطية... الا أنه تمكن من سحرها كما لم ينجح 'ايثان'.
" هناك امرأة تريد رؤيتك سيدة آنجلا... تدّعي بأن الأمر طارء" سمعت صوت الخادمة و كأنه قادم من بعيد، حتى أنها لم تتمعن في اجابة قريبتها التي انتهت بقبول دخول هذه الاخيرة الى الحديقة لرؤيتها.
" تلك الابتسامة و النظرة على وجهك قبل قليل ما اريد استعادته... انت عاشقة لإيثان أي تتفهمين موقفي"
جف حلقها بينما تستعيد كلام آنجلا... تتمعن في معاني و تزداد ضربات قلبها سرعة في صدرها، هل حقا أغرمت بالهندي دون أن تدري؟؟لا... انها مجرد الحماسة لشيء تدرك بأنه محرم و مرفوض سلفا في حياتها و محيطها... 'هاكان' وسيم جدا بالتأكيد... رجل من الديناميت يفجر حواسها و يجذبها بشكل خارق، لكن ما تحسه ليس الحب...
ما تحبه في 'هاكان' محدد و واضح... انها مثل سائر النساء لها ضعف اتجاه رجل مميز الوسامة مثله، لكن هذا لا يدخل في دائرة الحب لا من قريب أو بعيد... تحب ابتسامته النادرة، تحب نظراته الغامضة و كبريائه، تُحب شعره الحالك عندما يلمع بألف ضوء تحت أنوار المصابيح و يتوهج مثل الماس... تحب عندما يلتهمها بنظراته البندقية و يحاول سبر غورها...أه كلا... العسلية... حسنا من الصعب جدا تحديد لون عينيه لأنه يتغير في كل مرة ولا يدعها تحدد لونهما بشكل قاطع... و بالأمس... احبته اكثر بينما يجاهذ لطمئنتها و ازاحة قلقها، أحبت لمسته الهادفة لشعرها، أحبت تقاسم عصير قبيلته الغريب في فناجين من البلاستيك بدل البورسلان... احبت الطريقة المثيرة التي التقطت فيها اصابعه السمراء الطويلة فنجان البلاستيكي و شعرت بجفاف مريب في حلقها بينما تراقب شفاهه الرجولية تلامس حافته بإثارة... شعرت بالغيرة من ذلك الشراب الذي يبدو صانعه مغرما بذوقه لحد ما... شعرت بالغيرة لأنها ليست الفنجان و ليست اصابعه ما تحيط وسطها في تلك اللحظة.
" أنتِ؟؟ لا شك أن نظري يخونني..."
استعادت 'ميا' رشدها على الصراخ الهائج لقريبتها و سارعت بالبحث عن الشخص الذي تسبب لها بكل هذا الغضب و العصبية، فتاة في عمرهما تقريبا تتقدم بخطوات واثقة نحو المنضدة حيث هما، حسنا... الثقة ما ينقص ملامح السمراء صاحبة الشعر الأسود الحالك الطويلة و المصفف على شكل ضفيرة غنية على كتفها، أقطبت 'ميا' بينما تتفحص الفتاة التي ذكرتها فورا بشخص حاز على تفكيرها كليا منذ أيام... هل يعقل؟؟
" سيدتي لم آتي للشجار فذكرى لقاءنا الاخير ترك مذاقا مرا في نفسي... اتيت لأخبرك بأن لا شيء بيني و بين جوش..."
اللهجة الامريكية بدت واضحة جدا في انجليزيتها، تحركت من مكانها فورا بينما تنطلق آنجلا كالسهم نحو الفتاة بشكل مهدد..
" كيف تجرأين ايتها السخيفة على مناداته هكذا؟ من اعطاك الحق... بالنسبة اليك هو السيد جوشوا ديكاتريس قمتِ و قبيلتك بإنقاده و قد تقاضيتم اجركم لذلك... و الان تتجرأين على العودة بهذه البساطة و اقحام نفسك مجددا في حياتنا كما فعل شقيقك من قبلك؟؟ الا تفهمان؟ لا احد يريدكما هنا..."
بدى الموقف خيالي لدرجة تركت 'ميا' مفقودة لنصف ثانية، آنجلا و كلماتها القاسية تنزل على الفتاة مثل الصفعات، وضعت نفسها امام شقيقة هاكان لتحميها من قريبتها التي بدت فاقدة السيطرة على نفسها، بدت مثل نمرة شرسة مستعدة للهجوم و تمزيق وجه الفتاة اربا.
" لكن كيف يُعقل أن تستمرين بالاعتقاد بأن ثمة شيء بيني و بينه ..."
صرخت آنجلا بحقد و عينيها تتطايران شررا:
"بالتاكيد ليس هناك مجال للمقارنة بيننا ، أنت لست سوى معدومة سخيفة مسلوبة المبادئ و الكرامة"
شعرت 'ميا' بالفتاة تتشنج خلفها، اهانات آنجلا كانت قاسية و خالية من اللباقة بشكل مؤلم، مرت دقيقة من الصمت قبل أن تسمع الفتاة تتخلى عن محاولاتها باقناع آنجلا و تتكلم بصوت بارد:
" أخطأتُ بالمجيء الى هنا... ظننت بأن الناس بمركزك يتمتعون ببعض اللباقة... لكن لا جدوى... جوشوا محق بحذره و تصرفاته نحوك... أنت امرأة متجردة من التهذيب ووقحة"
اسود وجه قريبتها و صار مثل الرماد، استعملت 'ميا' كل قوتها لتمنعها من الوصول الى الفتاة و صفعها بعنف على وجهها، آنجلا تتصرف بوحشية غير مبررة اتجاه الزائرة التي قدمت لتعقد الصلح بينهما، ردة فعلها تذهلها شخصيا، تجردت من التحضر و صارت امرأة بدائية فحسب.
" دون الاكثرات للحشمة أو الكرامة تقومين بالمجيء الى هنا... فقط فليكن في معلومك أيتها الهندية، هنا ليست الالسكا و لا وجود لفجر الحالم أو غروب رومانسي... سأقوم بقتلك قبل أن تقتربي مجددا من زوجي... انه لي هل تفهمين؟ لي و لن اسمح لك حتى بالاقتراب منه"
" لا جدوى... انت حقا مثيرة للشفقة"
شعرت 'ميا' بأن انجلا تأثرت مرغمة بكلمات الفتاة الاخيرة، شعرت بها تبتعد من خلف ظهرها و تعود اذراجها بينما دقن قريبتها بدأ بالارتجاف من الضغط على صدرها، الموقف كان كابوسا حقيقا، آنجلا تعمدت جرح زائرتها الشابة و هذه الاخيرة ضغط عليها التجريح و دافعت عن نفسها، كل شخص مكانها كان ليقوم بالشيء نفسه.
" آنجلا..."
" الحقيرة أتت الى لندن لإغوائه و سرقته مني... لهذا تغير بعد ان شعرت به يتجاوب مؤخرا معي؟؟ تغير لأنها عادت الى حياته"
الدموع سارعت للتجمع في عيني آنجلا لكن الغضب عاد لينفض التعاسة و البؤس على ملامحها، عاد مزاجها يسوء أكثر و أكثر الى أن خشيت ميا ان تؤدي نفسها.
" الحقير يخونني معها... "
" آنجلا أنت تبالغين... هذه الفتاة كانت من الجرأة بأن أتت بقدميها اليك لتوضيح الالتباس لكنك أنت من هاجمها و أذلها بقسوة... لا تملئي رأسك بالسخافات فزوجك مسافر منذ أمس مع حارسه... لا تدمري نفسك أتوسل اليك..."
لكن 'آنجلا' لا تستمع اليها، تجاوزتها كالعاصفة و هرولت نحو مدخل الفيلا و كأن الشياطين تتعقبها.
بقيت 'ميا' متجمدة مكانها لثوان، جنون ما يحذث حولها يكاد يصيبها بالشلل الكلّي، آنجلا تغلي من الغضب بسبب غيرتها و عجزها وتجد الوسيلة في تلك المسكينة لتفرغ جمام غيضها، التقطت حقيبة يدها على عجل و هرولت نحو سيارتها في المرآب، لراحتها وجدت شقيقة 'هاكان' ماتزال في الجوار، خففت سرعة سيارتها و ضغطت على البوق لتثير انتباهها، عندما ادارت نحوها هذه الاخيرة و جهها كان غارقا في الدموع...
" ما الامر انستي؟ تلحقين بي لاتمام سلسلة الاهانات..."
" اصعدي الى السيارة ارجوك سأوصلك حيث تذهبين..." أمام الاعتراض الذي ارتسم على وجهها بادرت بهدوء " أنا و'هاكان' شقيقك صديقان و اصدق كل كلمة اخبرت بها آنجلا... أعرف بأنك في لندن بسبب محفظة الاوراق الثبوتية التي تخص قريبتي اصعدي الان و اعدك ان يكون كل شيء على مايرام"
***
*لايهمني ان فقدت كرامتي وكبريائي، لا يهمني أن تسخر من جنوني نحوك... فقط امنحني فرصة أخيرة أتوسل اليك*
بأصبع مرتجف ضغطت 'بيانكا' على زر الارسال، بقيت نظراتها ملتحمة بالشاشة الصغيرة لهاتفها الخلوي و تُصلي لمرة لم تعد تعرف عددها كي تتلقى ردا، لكن الدقائق مرت دون ان تتحقق المعجزة، هذه الرسالة القصيرة تلقت مصير الرسائل السابقة التي لم تتوقف عن ارسالها منذ أن طردها دافيد من بيته ليلة أمس و حطم قلبها.
لا... لن ينتهي الامر على هذا النحو، ركبت رقم محمول و ترددت رنتين قبل أن يطلب جاز الرد بترك رسالة، قطعت الخط بسرعة و سمحت لدموع العذاب بالانهمار على وجهها الشاحب، عادت اصابعها بالضرب على لوحة حروف هاتفها:
*أتوسل اليك أن ترد... صمتك يزيد من تعذيبي... أريد أن أعرف فقط مالذي فعلته لأستحق هذا العقاب*
ترددت ضربات على باب غرفتها، مسحت دموعها بسرعة و أدلفت هاتفا في جيب بنطالها الجينز قبل أن تفتح الباب الذي سجنت نفسها ورائه منذ أمس، كانت والدتها الطارق، شعرت بالانزعاج بينما تقوم هذه الاخيرة بتفحص وجهها المتورم و ملابسها المجعدة التي لم تغيرها منذ أمس:
" حسنا... هل أملك الحق بمعرفة الذي يحذث معك بيانكا؟؟ منذ أمس و جميع من في هذا البيت يجهل ما بك يا ابنتي"
لتفادي هذا النوع من الاسئلة رفضت العودة الى قصر 'دراكو' و أخدت الطريق الى بيت والدتها، اذا كانت زيارتها المتأخرة قد أدهشت هذه الاخيرة فلم تعري على مشاعرها، جهزت لها غرفتها فحسب و تركتها ترتاح، الشيء الذي لم تفعل بيانكا التي سهرت الليل بأكمله و لم تتوقف عن ارسال رسائل الى دافيد بعضها غاضب و الأخر متضرع و متألم، لكنه لم يرد و لم يطفئ النار المتقددة في ذاخلها... تجاهلها و تركها لعذابها.
" هل تشاجرتِ مع والدك؟؟" سألتها بلطف و هي تبعد شعرها المتهدل على وجهها.
" لا..." تنهذت بعمق و هزت رأسها ببطء " حتى أنه ليس في 'باليرمو'، أظنه سافر لغرض ما في روما أو فلورانسيا..."
" هكذا دوما والدك..." صوتها لم يكن فيه اي ملامة، عموما لم تكن تتحذث والدتها يوما بالسوء عن دراكو، تتصرف في أغلب الاحيان و كأنها جارية سابقة لولي العهد حتى أنها بالكاد تصدق أن بينهما نمت علاقة حقيقة في يوم من الايام وكانت هي ثمرتها" اذا لم يكن هو المسؤول عن هذه التعاسة في وجهك فمن المسؤول؟؟ جدّيك؟؟ زوجة والدك؟؟"
" مّامّا من فضلك... لا أحد مسؤول عن شيء...فقط اشعر ببعض الارهاق"
شعرت فورا بالذنب لرؤية الخوف على الوجه الاسمر لوالدتها، لم تكذب حقا منذ امس نسيت دوائها الاجباري و هي حقا تشعر بالمرض و العجز، لكنها نسيت اولوياتها و كل شيء و تنتظر بفارغ الصبر الرد على رسائلها و كأنه الامر الوحيد الذي سينقذها حقا من الهلاك... لا... ليس و كأنه سيهلكها، فعليا ستتدمر ان قرر دافيد قطع علاقتهما.
" هل أخدت دوائك كما يجب بيانكا؟"
هزت رأسها بالنفي و تجاهلت النظر الى عيني والدتها المعاتبتين، هذه الاخيرة شجعتها على العودة الى سريرها:
" غيري ثيابك و سأجلب لك بعض الطعام كي تأخدي دوائك حبيبتي "
عادت تلتقط هاتفها ما ان عادت الى سريرها، الشاشة سوداء ولا حياة فيها، أحست بطن من الخناجر تنغرز في قلبها و اشتعل غضبها، لكن مالذي فعلت له ليتفنن بتعذيبها بهذا الشكل؟؟ حسنا... اراد لعلاقتهما أن تتطور و هي قبلت في النهاية.... رفض ما منحت له لسبب تجهله، اذا ازعجه اعترافها بالحب فلم يكن مجبرا لتقاسمه معها... لقد تسرعت بقذف ما في صدرها، بسبب تهورها دافيد يعيش في صراع نفسي ربما... ويظن بأن اعترافها يدفعه لأي ارتباط أو التزام.
لكن لما لا يتكلم بحق الشيطان؟؟ لما لا يخبرها بمخاوفه كي تطمئنه بدل الصمت الذي سيدفعها للجنون.
اهتز رنين هاتفها فجأة مما انتزع منها شهقة مُفاجئة، بيدين متعرقتان من العصبية و قلب يخفق ألف دقة في الثانية ضغطت على زر الرد و اندفعت عفويا شفاهها بنطق اسمه.
" آسف أن أخيب أملك يا صغيرتي..."
الخيبة كادت تفقدها الوعي بينما تتعرف على صوت دراكو الشبه متهكم، كانت في حالة عاطفية ممزقة لدرجة منعتها من الرد بينما يسألها عن صحتها، لا شك أن والدتها اتصلت به لأنها قلقة عليها، لطالما كانت هذه الاخيرة رهن اشارة دراكو، تخبره بكل صغيرة و كبيرة بشأنها.
" لما رحلت بيانكا لما لم تعودي الى البيت؟؟"
" و كأنك لا تعرف بشأن رحيلي..." أجابت بلهجة متكسرة " رجالك يخنقوني و يلحقون بي اينما أذهب، بالتأكيد توصلت بتقرير كامل بالأمس ما ان وصلت الى بيت أمي"
" هذا صحيح." اعترف بهدوء " كنت اعرف بأنك أمضيت الليلة عند والدتك... ما الأمر بيانكا؟؟ صوتك ممتلء بالتعاسة"
" أنا افتقدك..." أجابت بصعوبة من خلال الالم الذي اكتسح حلقها و منع عليها الكلام..."متى ستعود..."
" طارء منعني من العودة هذا الصباح، لكن ليس غيابي و سبب التعاسة في صوتك بحق الشيطان اخبريني مابك؟؟" أمام ردها الصامت سمعت يأخد نفسا عميقا و يهتف ببرود " هل هو صديقك؟"
" لا..." تمتمت مدافعة بقوة و هي تخشى ان يفتضح امرها.
" اجد من الغريب ان تتركي 'باليرمو' بينما هو مايزال هناك"
" لقد سافر... عاد الى أمريكا"
عم الصمت بينهما، تركت بيانكا دموعها تغسل وجهها مجددا ووضعت يدها على شفاهها تمنع خروج شهقاتها، بعد لحظات اخد 'دراكو' الكلمة و جاء صوته ناعما مثل الحرير:
" فكري حاليا في صحتك ياصغيرتي، أخبرتني والدتك بأنك نسيت دوائك... أكرر بأن صحتك الأهم ليس لك الحق بالإهمال 'بيانكا'... اذا كنت في حاجة لطبيب فسأرسله فورا لك"
" لا دراكو... سأرسل بطلبه بنفسي لو تطلب الأمر"
" تعدينني؟؟" اصر من الطرف الأخر.
أغمضت عينيها المتورمتين بشدة لتخفف الألم الكاسح في رأسها و أجابت بلطف:
" أعدك... عموما أعرف بأنك ستسارع للاتصال بأمي لمراقبتي عن قرب"
سمعت ضحكته الناعمة منه فانفجرت الشمس في صدرها و ابتسمت تلقائيا للمرة الأولى بينما يُقرُّ بصوت مخملي:
" بالتأكيد سأفعل... أحبك صغيرتي"
" أحبك أبي... عد بسرعة أرجوك"
كل اثر للرقة و النعومة اختفت بينما يدير دراكو رقم والدة ابنته، ما ان سمع صوتا حتى استطرد ببرود:
" انها تكتئب بسبب سفر حبيبها... التصقي بروحها اذا امكن ولا تتركيها بمفردها"
" حسنا سأفعل..." أجابت أنطونيا بهدوء
" آه شيء آخر... لا انوي فتح مجال مناقشة آخر عبر الهاتف و تذكيرك بأن صديقك غير مرحب به في البيت الذي ادفع أنا مصاريفه اذا كانت ابنتي تحت سقفه"
" بيانكا اتت متأخرة ليلة امس و 'جاكوبو' كان نائما عندما وصلت ... "
قاطعا دراكو بصوت جليدي:
" في المرة القادمة ايقضيه ليُخلي المكان على الفور حتى و ان وصلت بيانكا في الثالثة صباحا... الاتفاق بيننا واضح اليس كذلك انطونيا؟"
" بلى دراكو... بلى"
" ابنتي قبل كل شيء... سأتصل لاحقا لآعرف بمستجداتها... وداعا"
أغلق الخط بعد أن سمع كلمة التوديع الشبه هامسة في الطرف الأخر، بالتأكيد أنطونيا ليست سعيدة بتدخل أيضا في حياتها العاطفية، لكن الاتفاق كان واضحا، لايريد رجل غريب في نفس المكان مع ابنته، واذا قررت انطونيا الزواج ذات يوم فلن يمنعها بالتأكيد للاسف أنها صاحبة شخصية ضعيفة و تختار عشوائيا عشاقها... فقد رشده قبل ثلاث سنوات عندما قام أحد أصدقائها بمغازلة بيانكا، منذ ذلك الوقت قرر وضع شروطا للوضع... اذا كانت تنوي الاستمرار بتقاضي المبلغ السخي الشهري منه فعليها احترام فترة وجود ابنتهما تحت سقف بيتها...
هز رأسه نحو مدخل مكتبه بينما يقتحم فرانكو خلوته، يعرف بأن لم ينام لثمان و أربعين ساعة، لكنه يبدو مثل المعتاد طري المظهر مستقيم و لا علامة ارهاق واحد متخاذلة على وجهه الجدي.
" كيف حالها؟؟"
" وضعها استقر، يقول الطبيب بأنها تتجاوب مع العلاج... الرواق ممتلئ بكل أفراد عائلتها... لا اظنه من المستحب الذهاب اليها الأن..."
هز 'دراكو' حاجبيه الكثين و داعبت السخرية نظراته القاتمة.
" تخالني أخشى أو أرتعب من عائلة ريتشي؟"
" لم اقل ذلك دراكو... الكل سيطرح الف سؤال اذا لمحوك في الجوار الا تظن؟"
" عمّها يعرف بأنني والد الطفل، لا أظنه سرا على باقي أفراد عائلتها المحترمة" ترك مقعده و غرس نفسه أمام رئيس حراسه، التقت نظراتهما لثوان و أجبر نفسه على الاسترخاء قليلا، كل عضلة في جسده تؤلمه بسبب قضاء وقت كبير منذ الصباح الباكر في قاعة رياضة اللياقة البدنية، ربما حمل وزن أكبر مما يحمل عادة، لكنه كان من الهيجان النفسي و الغضب ما يمنع من التفكير في عواقب أفعاله، ما ان أخبروه في المستشفى بأن حمل فلور في خطر حتى انفجر غيضه، انها المسؤولة الوحيدة عن هشاشة حملها، المسؤولة الوحيدة عما يحصل لطفله لو كانت امرأة عاقلة و غير متمردة لو كانت تمتلك القليل من العاطفة و المسؤولية اتجاه حملها لما غامرت في ليالي طويلة من السهر و الرقص و تعاطي كل أنواع المحرمات في حالتها، عندما اتخد قراره بسلبها طفله و حمايته منها فلأنه يعرف سلفا أي نوع من الأمهات ستكون... فليُلعن اليوم الذي وضعها القدر في طريقه.
" ماذا عن ديامانتي؟؟"
" فعلتُ حرفيا ما أمرت به..." رد بلهجة عملية.
" بلعتْ الطُعم؟؟"
هز رأسه بلإيجاب، يدرك 'دراكو حقارة اللعبة التي يلعبها مع زوجته لكنها حجمته بما في الكفاية و تحملها بما فيه الكفاية، الأدهى من كل هذا أنها حامل من نيوس ليونيداس... لن يغفر لها فعلتها ويقسم بأقدس ما في الكون أن يكون عقابه عسيرا.
" لدي تحفض عما يحذث دراكو..."
" احتفظ به لنفسك فرانكو..." ابتسم ابتسامة عريضة متجردة من الرقة أو الدفئ " هل أنت متأكد بأنا لن تتصل بليونيداس؟؟"
" أخبرتني بأنه سافل مثلك تماما و لا تريده في حياتها"
" فرانكو... هل أنت بصدد السقوط تحت سحرها؟؟ أراك متعاطفا جدا" سخريته لم تؤثر بالرجل الذي تابعه بنظراته يقترب من البار الصغير ليسقي نفسه كأسا.
" صدقني لو لم يعلموك بأنني أنا من وجدها لما ترددت بإخفاء الأمر عنك... لا أفهم مشكلتك... انها فرصتك لتحصل على الطلاق فرصتك لتخرجها كليا من حياتك و تتفرغ لأطنان المشاكل القادمة بسبب 'فلورانس ريتشي' بحق الجحيم لما تصر أن تدفعها الثمن؟؟"
" سوف أدفعها الثمن..." صحح دراكو بهدوء وعاد يرتشف المتبقي من كأسه " دعها تنجب طفلها بعيدا عن الأعين الفضولية فان بقيت الى جانبي سيجلب الأمر لي تعقيدات جديدة... تصور موقف ليونيداس من تكتم عشيقته السابقة عندما يكتشف الأمر... سمعت بأنه عاقر... ابن ديامانتي هو فرصته الوحيدة ليصبح أبا... تصور حقده بعد أن يعرف بعد فوات الأوان بأنها تلاعبت به كما فعلت معي..."
" لكن ما هي خططك؟؟"
هز دراكو كتفيه و كأن الأمر برمته لا يعنيه:
" هي من يرغب بالاختفاء عن الأنظار و سأحقق أمنيتها، سأدعها تعيش حياتها و تنجب طفلها في اسوأ ظروف معيشية ممكنة.. أريدها أن تُعاني حتى الأعماق، بعد ذلك... سوف أخطط للخطوة التالية..."
" أنت لست جادا..."
" بحق الجحيم كنتَ شاهدا على كل شيء منذ البداية، لقد تزوجتها لأنني اردتها بشدة و هجرتني في ليلة زفافنا جعلت منها أميرة و بالمقابل جعلت مني أضحوكة ... جعلت مني سخرية لعدة مرات بسبب هروبها المتواصل و منحت نفسها لنيوس ليونيداس... منحت ما يعود لي لذلك السافل قبل أن تُسر للشخص الغير مناسب بحملها الغير شرعي..."
" لا تنسى أن 'ديل ماريا' هي من القى بها في البحر..."
" لم أنسى و 'ديل ماريا' لن تفتح فمها بكلمة لأنها لن تجرؤ، أما فيما يخص تلك الساقطة فكان خير لها أن تموت بدل العيش و انتظار قصاصي"
***
" آه لا..."
فهم ادواردو سبب التمتمة المرتعبة التي انفلتت من شفاه زوجته بينما تلتقط عيناه قامة شخص يعرفه جيدا في رواق المستشفى، تلقائيا انتقلت عيناه بسرعة الى شقيقه الذي ترك مكانه يحملق في القادمين و كأنه لا يصدق عينيه.
" ما بها فلور؟؟ لما لم يجد احد منكم من الضروري اعلامي بحملها؟"
ليس هجوم فرجينيا ما زرع التوثر الشديد بين الجميع لكن وجود الكونت أندريس الذي يحتفظ بيد فرجينيا في يده و كأنه أمر عادي.
" لو كنت تهتمين بأمر ابنتنا لعرفت منذ زمن بمشاكلها" تدخل روبيرتو بعد أن وجد صوته.." لكن كل ما همّ منذ زمن هو نفسك فرجينيا"
" حسّن ألفاظك عندما تتكلم اليها" تكلم أندريس للمرة الأولى و هو يثبت روبيرتو بنظرات سوداء قاتلة.
" أندريس أرجوك..." تدخلت فرجينيا متوسلة قبل أن تبحث عن نظرات شقيقتها التي ماتزال تحت صدمة رؤيتهما معا" ما بها فلور؟"
" أ..أ...أنا... فلور تُعاني من انفكاك في المشيمة..." تمكنت من الشرح أخيرا وتركت البقية لإدواردو الذي لم يتعثر في الكلام مثلها.
كان يشعر كما يشعر الجميع بحدة التوثر و الضغط الطائر في الهواء، و نفس الوقت كان مستعدا للتدخل ان قرر 'روبيرتو' تهشيم و جه غريمه أو تملكت هذا الأخير رغبة مماثلة في مهاجمة شقيقه... لكل منهما أسبابه ... 'فرجينيا' و 'فلورانس' محور هذه النزاعات.
" هل وضعها خطر؟؟" سأل أندريس بإهتمام و قد منح التجاهل التام لروبيرتو الذي انفجر كقنينة غاز في وجهه.
" أين كنت أنت من قبل؟؟ تأتي اليوم الى هنا و كأنك تملك كل الحق..."
" أنا أملك كل الحق... لا أحد نبهني منكما أنتما الإثنان احتفظتما بالصمت والا ما كنت فوت ساعة واحدة من حياة ابنتي... لا تضف كلمة لوم واحدة روبيرتو لأنني أنا من له الحق بلومكما أنت و فرجينيا و لن يكفيني العمر مهما قلت أو فعلت"
زمجرة أندريس نجحت بإثارة انتباه الممرضين في الرواق، لكن هذا الأخير لم يكن مهتما للجلبة التي أحذتها الحقد و الكراهية تركتا اثارا واضحة على ملامح وجهه الارستقراطية، أندريس غاضب و ادواردو لا يحب هذا لأنه ينذر بالشؤم، سمع شقيقه يوجه كلامه لفرجينيا الشاحبة الوجه.
" تخرجين مع رجل يحمل لك الضغينة الآن ؟؟"
" ما تفعله لا يعينك بشكل أو بآخر، تجاوزتُ عُمر العشيقات وفرجينيا هي زوجتي الآن فإحتفظ بمسافة واسعة بينكما..."
أطبق الصمت الجليدي في المكان، هزت كاثي عينيها نحو شقيقتها التي تتهرب من الجميع بنظراتها و كأنها طفلة صغيرة مذنبة، انزلقت عينيها على يدها و اكتشفت خاتم الزواج يزين أصبعها، بحق الجحيم متى حذث هذا و أين؟؟ شعرت بالشفقة على شقيق زوجها الذي اصطبغ و جهه بالرمادي و كأنه يتأهب للموت، هذا الأخير يعشق فرجينيا من قلبه و الطلاق كان صعبا جدا عليه بينما يعيش مؤخرا أمل أن تعيد التفكير بشأنه و تعود اليه يجدها و قد تزوجت من حبيبها السابق...
" لما لست متعجبا..." تمتم روبيرتو و قد استعادت نظراته غطرستها " انت خبير في سرقة نساء الاخرين... لسيما زوجات رجال آل ريتشي"
" روب لا داعي لهذا الكلام" تدخل ادواردو و هو يبعده عن الكونت الذي كان مستعدا للمقاتلة حتى اخر قطرة دم.
" لكن من يتكلم عن السلب و قد تزوجتَها بينما تعرف بأنها تحمل طفلي... لا أعرف كيف تتطلع الى وجهك كل صباح في المرآة دون الشعور بالذنب لما اقترفته..."
" لو أحببتها حقا لما تركتها لغيرك أيها السافل"
" بالتأكيد اتى البطل المغوار ليحررها من سافل مثلي... أنت مثير للشفقة"
" سأضطر لطلب الأمن اذا لم تتوقفا عن الجدل... هنا مكان للمرضى و ليس لتسوية الأمور الخاصة ..."
اللهجة الحادة لرئيسة الممرضين وضعت حدا للنقاش الذي احتدم فعليا، زم روبيرتو شفتيه بكراهية و القى نظرة أخيرة على فرجينيا قبل أن يقرر اخلاء المكان لراحة الجميع.
" روبيرتو..." نادت فرجينيا وتحركت ساقيها لتبعه لكن يد اندريس التقطت ساعدها ببعض الحدة ليمنعها من الابتعاد، رمقته بنظرة سوداء مزدرية و تمتمت من بين اسنانها بغضب " لقد كنتَ قاسيا معه اتركني أندريس يجب أن الحق به"
دون أن تنتظر استجابته لطلبها نزعت ذراعها من يده و هرولت مبتعدة بإتجاه زوجها السابق.
***
تسللت أصابع 'نيوس' الى عقدة ربطة عنقه ليفكها قليلا بعد ان باغتته موجة خانقة استعصى معها التقاط انفاسه بحرية، دون ان يحرر بعينيه خيال الشقراء التي تليه ظهرها و تواجه الحائط الزجاجي المطل عل بانوراما الخلابة بعقل شارد تقدم نحوها بخطوات واسعة في بهو مكتبه اللندني.
ما ان انتهى من اجتماعه حتى أعلمته سكرتيرته بأن ثمة سيدة تنتظره في بهو مكتبه و رفضت ازعاجه و فضلت الانتظار، ربما فشل في التواصل مع 'ليز' التي كانت سبب عودته الرئيسيه الى لندن، أغرق نفسه في العمل المتأخر لينسى أو يتناسى أحذاث الأيام الأخيرة، كان يتمنى الحصول على القليل من الحرية، يتمنى لو يضحى انسانا عاديا لا يزن اسمه عليه شيئا ليتمكن من الخروج بمفرده في شوارع لندن دون حراسه الأربع ولا سترة الرصاص على صدره، يريد استنشاق الهواء ... يريد بعض الحرية... يريد استعادة نفسه و روتينه بحق الجحيم.
قبل بضعة اشهر كان سعيدا بحياته... سعيدا؟؟... ربما قانعا...لكن شائت الاقدار أن وضعت شقراء فاثنة بجسد يغوي قديس في طريقه، شائت الأقدار أن يرتشف للمرة الأولى في حياته مرارة الفشل.
و الأن بينما يغادر قاعة الاجتماع و تسقط عيناه على الرأس الأشقر البلاتيني و القامة النحيفة الملفوفة في فستان أنيق شعر بأن قلبه سيتوقف عن النبض في أية لحظة، بدت المسافة طويلة جدا بينهما... ديامانتي؟ هل عادت اليه؟
تعرقت بشرة جبينه و يداه وأضحى لعابه خشنا في حلقه بينما بنظراته يلتهم المراة الشاردة التي تتوهج جمالا مثل الأحجار الكريمة... اطبق بيده على ذراعها و ادارها اليه لتواجهه، التقت نظراتهما و راقب العيون الرمادية التي سلبته لبه في المرة الاولى بالتوسكانا تتسع من الدهشة، بالكاد يصدق بأنها امامه اخيرا، بأن يكفي ان يمد يده ليلمس هذه الوجنة الدائرية المتجرعة جمالا و صحة يستطيع ان يقتص من هذه الشفاه الكرزية الشبه منفرجة و يورمها قُبلا كما سبق و فعل عدة مرات.
" سيد ليونيداس أنت تؤلم ذراعي"
رمش نيوس بعنف و تراجع الى الخلف بينما يختفي الوجه الملائكي لديامانتي و يحل مكانه ملامح رسمية و نظرات احترافية للمكلفة بالصفقات الخارجية بشركة اكس/بوكتس للملاحة... المرأة كانت هيفاء شقرء جميلة، و هذا التقارب جعله يفقد صوابه و يظهر بمظهر غبي.
" أعتذر بشدة.... ظننتك شخصا أعرفه"
" لا بأس...آسفة للازعاج لكن الموضوع طارء أتمنى انك تملك عشر دقائق لي..."
أشار اليها لتتبعه و هو بالكاد يصدق ما حذث له اللحظة.
هل أتى على الهلوسة و كاد يُغرق موظفة من شركة أخرى قُبلا؟؟
هل اصبح يتخيل عشيقته السابقة في كل الشقراوات؟؟ بحق الشيطان لقد أصابه الجنون و معه لعنة ديامانتي سانتو بينيديتو... ان لم يعثر عليها فسيظل مفقودا الى أخر أيام حياته....لو حضر المشهد العجوز سبيروس لأنفجر في ضحك ساخر الى أن يذله تماما.
" اجلسي أرجوك سيدة 'رومبسون'، ثانية فقط و أكون معك..."
قبل أن يسمع ردها المهذب كان قد أغلق الباب الفاصل و أخد سماعة الهاتف ثم أدار رقما من بين الارقام التي يستعملها باستمرار خلال لحظة جائه الرد:
" أريدك في مكتبي خلال خمسة عشر دقيقة ..."
***
ربما قلبها يهدد بالانخلاع من مكانه، ربما تشعر بالضياع و سط كم من الاسرار التي يرفض رأسها فك شفراتها لها و منحها القليل من الذكريات المهمة كي تستطيع فهم حياتها بشكل أفضل، لكنها في هذه اللحظة بينما تتطلع من الشرفة الى البانوراما الخلابة التي تركتها بلا صوت و ابعدتها عن عالمها الأسود منذ أن وقفت هنا نسيت كل شيء، المكان قطعة حقيقة من الجنه، اختار 'مارك أنطونيو' المكان الائق لتربية طفليهما، لو كانت معهم لما أختارت أفضل من هنا، ايطاليا مشهورة بجوها الصحي و شمسها الامعة و الدافئة، ما تسقط عليه عيناها من خضرة أشجار و زرقة سماء واعدة يتردد صداها في كل خلية من كيانها...
ارتجف قلبها مجددا في صدرها بينما تبتعد بنظراتها نحو الأفق حيث امتزجت خضرة الأرض بزرقة السماء، مالذي يخبئ لهما القدر؟؟ هل حان الوقت أخيرا لتسعد مع مارك أنطونيو؟؟ حان الوقت لتصبح أم حقيقية لتوأمين تربيا لسبع سنوات تقريبا على أساس أنهما يتيمين؟؟
" مالذي تفعلينه هناك بقميص نومك 'لين' ستصابين بالبرد"
تركت الستارة التي سجنتها طويلا في يدها لكن ما قرات من قلق في عمق نظرات مارك الزرقاء لم يكن الخوف على صحتها ما يرسم كل هذا الرعب على وجهه، تركت يضع الروب على كتفيا و يفرك ذراعيها برقة قبل أن يغلق الباب المزدوج للشرفة.
" لا تفعل ذلك..."
" أفعل ماذا؟؟"
" لستُ مجنونة 'مارك' فتوقف عن الحذر لأنني لن أقفز من الشرفة بحق الله"
" أعرف بأنك لن تفعلي..."
بعصبية نزعت الروب عن كتفيها و قذفته على الصوفا قبل أن تجلس عليها " كيف تخشى أن اصاب بالبرد بينما الحرارة تفوق الثلاثون؟؟؟... يجرحني الا تثق بي، أنظر الى نفسك... تتردد على هنا كل عشر دقائق لتتأكد بأنني بخير و لم أؤدي نفسي... اذا كنتُ أرفض الخروج من الغرفة حاليا فلأنه اختياري، أريد التأقلم مع ما يحيط بي قبل مواجهة أناس أخرون و ليس لأني أنوي الانتحار أو ايداء نفسي "
أحس مارك فورا بخطئه ما ان لمح التعاسة على وجهها، بحق الله كيف سيُفهمها الرعب الذي تملكه ما ان دخل الغرفة و رآها قريبة من الدرابيزن ساهمة و بعيدة كل البعد عن العالم الواقعي، كيف سيشرح لها كوابيسه؟ كيف سيُعبر لها في هذه اللحظة بأنها أجمل امرأة في الكون بقميص نومها الحريري، و شعرها الداكن الذي يحيط و جهها الخالي تماما من أية زينة دون أن يقع في نفس الشرك الذي سقط فيه في باريس...رباه... الأمر كان رهيبا.
يتذكر الاثارة و الاعجاب الذين أحسهما ما ان حققت رغبته بإرتداء الرداء المثير الذي جلبه لها، الأمور لم تمر مثلما تمنى، لينيتا كانت ترغب به بنفس القدر الذي يرغب بها فخيب أملها، ما ان لامست أصابعه آثار العيار الناري في جسمها حتى ارتد الى الوراء و انقضت رغبته لتخلف الخواء بعدها فحسب.
" أرجوك لا تنظري لي بهذه الطريقة..."
تمتم وهو يجلس بالقرب منها و يأخد يدها بين يديه، هزت راسها ببطء و التقطت أنفاسا عميقة قبل ان تبلل بلسانها شفاهها الجافة:
" أريد ان استعيد ذاكرتي مارك كي أتمكن من خطو خطوة جديدة... أريد أن نغدو اسرة طبيعية و أن تنزاح هذه الغمامة من رأسي، أعرف بأنك تحتاج للوقت كي تقدمني للتوأمين لكنني مرتعبة من فكرة أن ينفراني أو أن يرفضاني في حياتهما... أخاف أن أفقدك و أفقدهما"
" لن تفقدي أحد اقسم لك..." أبعد خصلات عن وجهها ودسها برقة خلف أدنها" أمنحي نفسك الوقت ولا ترهقي عقلك لأن ذاكرتك ستعود عندما يحين الوقت لذلك... هيه... لين أنظري الي يا ملاكي"
عادت تنظر الي بعد ان هربت من لنصف ثانية، كانت عينيها ممتلئتان بالدموع و القهر و التعاسة، شعر بروحه تتمزق حتى الأعماق.
" أنا أحبك و سأحميك...هذه المرة لن أخفق بذلك أعدك"
ارتجفت ابتسامة صغيرة على شفاهها مما اشعره بالسعادة، نجح بإسعادها على الأقل، أخد يديها و ضغط بشفاهه على بشرتها الناعمة نعومة الأطفال.
" و أنا مجنونة بك" أجابته، دوما مبتسمة" أنت محق، الاصرار على عقلي للتذكر لن يفيدني بشيء، سأحاول التأقلم مع الوضع و أشجع نفسي أكثر على الاندماج بشكل أسرع في حياتي الجديدة... تعرف؟؟ أنت تملك قصرا رائعا"
" كل ما هو لي لك... أنت سيدة هذا القصر و سيدة قلبي"
لسبب ما عاد دقنها للارتجاف و عينيها للدموع، ضغطت على يديه و توسلته ببعض اليأس:
" قل بأنني لا أهذي قل بأنني هنا معك و بأن كل شيء حقيقي..."
أخد وجهها بين كفيه و منحها أجمل الاجابات، تعلقت بعنقه بقوة و بادلته القبلة بحرارة، هذه هي 'لين' و طعم 'لين'... الطعم الذي لم يجده في امرأة أخرى بعدها، ابتعد مرغما لكنها اعترضت و أعادته اليها بشغف مضاعف، نسي مارك ابن عمه دافيد الذي ينتظره في مكتبه، نسي تخوفاته من المستقبل و نسي ما حوله و لم يعد ما هو أشد أهمية من ذراعي لين و قُبلها و لمساتها..
" لين... " حبس يديها بين يديه ليمنعها من الاستمرار في فك أزرار قميصه، تطلعت اليه بعينين ممتلئتين بالرغبة و الشوق.." علينا التوقف..."
" الا ترغب بي؟؟"
" بل أموت رغبة بك... تعرفين يا ملاكي نحن في وضح النهار، لدي الكثير من الالتزامات منها المرور على المستشفى مع ابن عمي لرؤية فلور... تتذكرين فلور.. ابنة عمي التي تأزمت حالتها هذا الصباح و أخدتها المروحية الى المستشفى؟"
" لم انسى مارك... أنا آسفة من أجلها..."
ابتسم و عاد يقبلها مرة أخيرة و يرتب شعره و هندامه...
" مدبرة المنزل و 'ايزابيلا' ستكونان هنا لأجلك لحين عودتي، لن اتأخر يا ملاكي، إن غيرت رأيك بالخروج قليلا للحديقة فأستدعي 'ايزابيلا' لترافقك و تعرفك على المكان انا فتاة رائعة و ستتفاهمين معها... نملك أحصنة أيضا أتدكر جيدا اعجابك لهذ المخلوقات الجميلة... التوأمين ورثا هذا الشغف منك..."
ابتسمت له مجاملة و بدت مهمومة و مشككة، نفس النظرات التي رمقته بها في باريس، عندما تعدّر بألف عذر كي لا يتمم ما بدآه.
" اهتمي بنفسك..."
" مارك..."
استوقفته عندما وصل الى الباب ووضع يده على المقبض مستعدا لفتحه..
" ما الأمر يا ملاكي؟؟"
كانت بصدد قول شيء لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة و ابتسمت له بطبيعية قائلة:
" أبلغ ابنة عمك تعاطفي... أتمنى أن تُشفى سريعا"
***
تململت فلور في نومها و شعرت بحركاتها شبه مُكبّلة، فتحت عينيها لترى ما الذي يمنعها من تغيير و ضعية نومها و اكتشفت ذراعها موصلة بأجهزة طبية، تذكرت فجأة كل شيء، توعكها في بيت 'مارك أنطونيو'، ثم المروحية التي حطت في حديقة قصر الدوقية لأخدها الى هذا المستشفى الراقي، وضعت يدها على بطنها لتتأكد بأن طفلها ما يزال هنا.. في أمان تام. الارتياح الذي شعرت بتحسس بطنها و تلقي ركلة طفيفة من طفلها لم يكن كاملا... كان ينقصه شيء، تشعر بالاختناق في هذه الغرفة الشبه معتمة، الممرضة اسدلت الستارة كي تساعدها على النوم، المهدئات تشعرها بالضمأ و عجزها بالوقوف و التمشي قليلا لطرد هذا التخدر الرهيب في ساقيها يثير ازعاجها.
التقطت لوحة التحكم بالسرير و ضغطت على وضعية الجلوس كي تتمكن من التقاط قنينة الماء بالقرب من رأسها و روي هذا العطش الرهيب في حلقها.
" أخيرا استيقظت..."
نعم... هذا بالضبط ما يقلق راحتها...كان الأمر بمثابة صاعقة حقيقة جرفتها الى الأعماق، هرب الدم من جسدها مرة واحدة و الألم كان موازي لطعنة ألف سكين في مكان واحد... هوصدرها.
" دراكو..."
" مرحبا حبيبتي... أنا ايضا أسعدت برؤيتك"
الطنين في ادنيها يرتفع تذريجيا و يشكل معزوفة مرعبة مع ضربات قلبها القوية، كانت متيبسة و مخدرة لم تكن تملك القدرة على التحرك أو التنفس أو حتى ترميش عينيها اللتين اتسعتا الى آخرهما من الرعب، راقبته يخفي مساحة غرفتها بجسده العملاق، يدنو من سريرها بإبتسامة غريبة على وجهه القاسي الجاذبية.
" تطفحين جمالا حتى و أنت نائمة... مازلت احتفظ ببعض الذكريات المثيرة بهذا الشأن..." جلس على المقعد بالقرب منها و تحول اهتمامه الى بطهنا قبل أن تختفي ابتسامته " كيف يمكنني أن أنسى و أنت تحملين ثمرة تلك اللية"
" لا تلمس بطني..." خرجت من دوامة الا واقع التي كانت فيها عندما تكهنت نواياه بتثبيت بطنها أكثر من الازم " لا تقترب مني دراكو"..
التراجع الى الخلف كأرنب مذعور لم يفدها بشيء، كانت شبه مقيدة في سريرها اللعين، اخبرها الطبيب أنها ممنوعة تماما من مغادرته اذا احتاجت لإستعمال الحمام فعليها استدعاء الممرضة للقيام بالأمر في سريرها... نعم... الممرضة...استدعاء الممرضة ما سينقدها.
الشيطان قربها أدرك نواياها انقضّ على جهاز النداء و سجن معصمها قبل أن تصل اليه، تخبطت بعنف و تلوت كي تتحرر من قبضته دون جدوى، امتلئت عينيها بدموع الحقد و أصرت على اسنانها بينما يتحكم بمعصميها و يضعهما فوق رأسها بسهولة.
" اهدئي فستؤدين الطفل..."
لقد كان أقوى منها، يسجنها بكل سهولة و بيد واحدة، يتحكم بجسدها بليانة طبيعية وكأنها لا تزن شيئا، بينما يحصل باليد الاخرى على ما يرغب و يتحسس بطنها الذي قسى تحت ملامسته الخالية من القسوة و الشبه حانية.
" يقول الطبيب بأن الخطر سيزول ما ان ترتاحي بحق... على ابني أن يخرج في وقته و ليس قبل هل أنا واضح؟؟"
لقد كان غاضب...آه كلا... كان يغلي من الغضب و يقاوم بصعوبة رغبة في الانقضاض عليها و لوي عنقها، توقفت عن المقاومة فجأة عندما عاد يتطلع اليها بوجه خالي من التعبير و عينان تبرقان بشدة ببريق مهدد:
" انسي السهر المتأخر... الملاهي و حياتك السابقة المنحلة، عندما يخرج ابني سأوفر عليك مسؤوليته، تستطيعين فعل ما تشائين بحياتك ...ستكونين حرة"
" أنت لست طبيعيا دراكو..." تمتمت من بين أسنانها" مهما يكن انطباعك عني فانسى أمر استسلامي لتهديداتك لأني لن اتخلى عنه بسهولة... لن تأخده مني... عليك أولا المرور على جثتي لتحقيق ذلك"
هز حاجبيه الكثين و لوى شفته السفلى بإستياء قبل أن يهزكتفيه العريضين:
"لن يكون من داع للمرور على جسمك الجميل 'بيلا ميا'... فلننتظر حين تنجبين و لنرى ما سيحصل... بإنتظار ذلك... اهتمي بحملك"
لمس بطنها لمسة أخيرة ثم ترك معصميها بغتة و استبدلهما بوجهها، أخده بين راحتيه وتطلع الى عينيها بإصرار دفعها للارتجاف مجددا، كان قريبا جدا منها لدرجة شعرت بانفاسه تصفع بشرة وجهها و رأت انعكاس وجهها في مقلتيه... كانت تشعر بخوف حقيقي.
" لا أمزح فلورانس... اهتمي بإبني جيدا"
أخر ما توقعت أن يضغط بشفتيه على جبينها و يمنحها أكثر القبل قسوة تلقتها في حياتها، رسالته كانت واضحة ومرعبة بشكل أثلج الدم في شرايينها، عاد يتطلع الى عينيها و أسعده القلق في عمقهما.
" لن أكون رحيما إن خذلتني في المرة القادمة... ان أصاب ابني مكروه ما... فسيسعدني حينها أن ادوس على جسمك الجميل..."
ترك و جهها و أحست بالحرية لإلتقاط أنفاسها أخيرا، آثار قبلته على جبينها توازي بصمة حديد حار، لكنها لم تجرؤ على تحسسه ولا على القيام بأدنى ردة فعل، دراكو يتوجه الى باب جانبي يؤدي مباشرة الى جناح الأطباء الخاص بدل استعمال الباب المؤدي الى الخارج تابعته بعيين متسعتين الى آخرهما من الترقب و الحذر.
" لا تنظري الي بهذه الدهشة فلا رغبة لي برؤية فرد من عائلتك الغالية..."
" تملك الحق بالدخول أين ومتى شئت؟؟"
ابتسم ابتسامة عريضة و شرح بهدوء:
" انت في أيطاليا... أفعل ما اشاء هنا... الطبيب الذي يعاينك يتقاضى اجره مني، المروحية التي اصطحبتك هذا الصباح أتت بك في المكان الذي قررته أنا... سأعاود زيارتك متى شئت فإعتادي الأمر".
" سأرحل من هنا في أول فرصة " قالت بصوت أجوف وهي ترمقه بعداء... " لا تنسى أن لعائلتي نفس النفوذ التي تتمتع بها..."
" ممكن جدا... لكن حركاتك ستبقى مُراقبة أينما حطيتِ رحالك... الى أن تنجبين 'فلورانس ريتشي' حياتك مُلكي... أنت مُلكي"
" أكرهك... رباه كم أكرهك 'دراكو' و ألعن اليوم الذي التقيتك" صرخت به بعد أن نجح تهديده بإخراجها من صوابها." أنت رجل بغيض و لا تُحتمل..."
ازدادت ابتسامته اتساعا و كأنه يتسلى على حساب انزعاجها.
" لا تبالغي فلور فقد كانت ليلة استثنائية... ليلة من الخيال و لا تنسى... سأخبرك سرا قد يهدء من غيضك... لم اشعر مع امرأة كل النشوة التي شعرتها معك... كان ليسعدني تكرير التجربة، ربما سنفعل... ذات يوم ..."
" سيكون في أحلامك فقط..."
" لا تخافي سنستعمل الحماية هذه المرة..."
" اتمنى ان تحترق في الجحيم 'دراكو فالكوني'... أتمنى ان تدهسك شاحنة و تنهي أجلك اللعين"
انفجر ضاحكا و لم يجبها اكتفى بإالقاء نظرة مزدرية أخيرة عليها و يخرج من الباب الخاص تاركا اياها تتخبط في الجحيم بمفردها.
***
هاتفه ملتصق بأذنه لم ينتبه 'دراكو' للهجوم علي بينما يتوجه الى سيارته في مرآب المستشفى الا بعد ان وضع حارسه نفسه أمامه ليمنع المهاجم للوصول اليه، بعد قليل وضع حراسه الاربع أنفسهم حوله، اقطب جبينه و ابعد هاتفه النقال و التقت نظراته بعينان زرقاوان تتفجر فيها براكين من الغضب الاسود.
" بسببك ايها الحقير شقيقتي هنا..."
أقطب جبينه و ادلف ساعديه بين حراسه ليفسحوا له الطريق، آخر شخص يمكن ان يخشى هو فرد من عائلة ريتشي، انتقل بنظراته بين الرجلين أمامه، سبق و تعرف على دافيد الذي يفترض انه في أمريكا على ظن 'بيانكا'، لكنها المرة الاولى التي يجد نفسه امام مارك انطونيو ريتشي، من الواضح انهما وصلا لتوهما و شائت الصدفة ان يلتقيان في المرآب في توقيت واحد، ادهشه التشابه بين ديامانتي و قريبها، كان يمتلك كل خصال آل ريتشي حتى نظراته الباردة و الخالية من الرقة... هذا الاخير يحكم قبضته على ابن عم الثائر كي يمنعه من التقدم او الهجوم عليه... تحاربا لفترة في الاعمال لكنهما لم يتواجها الا اليوم...
" دافيد ريتشي... سعيد برؤيتك"
" اسمعني جيدا، أترك شقيقتي و شأنها لأنها بسببك تعاني مع حملها، لم تفقه بعد مع من تتلاعب دراكو فالكوني ابتعد عن عائلتي قبل ان تصيبك لعنتها"
" دراكو فالكوني؟" وجهُ مارك انطونيو تغير بينما ينظر اليه و كأنه يراه اللحظة، هز دراكو حاجبيه..
" هذا انا... مارك انطونيو ريتشي، أخيرا نلتقي..."
بسرعة استعاد غريمه وعيه و تخلص من دهشته قبل أن يتمتم من بين اسنانه موجها كلامه لقريبه:
" مالذي يحذث هنا بحق الجحيم؟؟"
"طفل 'فلور' من هذا السافل الذي يختبر حدود قوته على امرأة... لقد أمضت فترة حملها هاربة منه، لكن كل شيء انتهى... فلور تملك أسرة ستحميها، أقسم أن أدفعك ثمن الرعب الذي تسببت به لها سأجعلك تعاني"
" ليس ممكنا..." تدخل مارك انطونيو وهو يترك قريبه ليغرز نفسه أمامه " أين ديامانتي؟؟ مالذي فعلته لها يُفترض أنا عادت معك من اليونان الى صقلية... كيف يعقل أن تكون مع فلور و أنت متزوج من قريبتي؟؟"
" حسنا... يبدو انني أثير حنق كل رجال الريتشي..." ببعض الملل ألقى نظرة على ساعة يده" كان يسعدني أن أرد على كل أسئلتك العالقة 'دون مارك أنطونيو' لكنني على عجلة من أمري... ربما في المرة القادمة"
" أيها السافل" أمسكه من ياقة قميصه بعنف" أين قريبتي؟؟ أين ديامانتي؟؟"
اشار الى حراسه للابتعاد و عدم التدخل و تبادل نفس النظرات مع غريمه قبل أن يبعد يديه عن ياقة قميصه و يعدلها بهدوء..
" في المكان الذي يُفترض أن تكون فيه... ان كنتَ ميالا لخوض معركة فلننهي المسألة في وقت لاحق... سأتلذذ بتوريم وجهك الجميل"
" لما لا الأن أيها السافل أظهر قوتك لرجل بدل اختبارها على النساء..." زمجر مارك فاقد السيطرة.
" هذا يكفي"
علا صوت 'ادواردو ريتشي' في المرآب، شعر دراكو بأنه يوم نحس، رؤية كل افراد هذه العائلة يصيبه بالغثيان.
المحامي الذي نجح بإبعاده عن فلور في لندن و جد مكانه بينهما، حطت نظراته الباردة عليه و كأنها جبل من جليد، ربما هذه النظرات تنجح مع من هم أقل ثقة منه، تنجح مع المتهمين في المحكمة، لكهنا لا تؤثر به قيد أنملة.
" التزايد في الكلام مضيعة للوقت...لا يحتاج 'دون دراكو فالكوني' أن أدكره بالحكم... أما فيما يخص فلورانس، فسننقلها من هذه المستشفى، عليك الحصول على اذن المحكمة لرؤيتها و الإطمئنان على طفلك..."
" لستُ بحاجة لإدن المحكمة 'دون ادواردو ريتشي'، فلور ستتلقى زياراتي متى شعرتُ أنا برغبة في ذلك، الى أن يرى ذلك الطفل الذي تحمله النور لن يملي علي أحد منكم تصرفاتي... بالنسبة لعدم احترام حكم المحكمة فستتلقى شيك بالمبلغ المتفق عليه في مكتبك هذا المساء... و الآن عمتَ مساءا "



التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 24-08-13 الساعة 11:26 PM
أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-04-14, 10:31 PM   #50

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الواحد والعشرين

" 'بير ديو' هذهِ العائلة غنية بالأحداث والغموض... لسنا بحاجة لمتابعة مسلسل على التلفزيون فما نعيشه من مفاجآت كل يوم يغنينا"
تجاهلت 'ماريا' النظر إلى مدبرة المنزل التي توقفت عن توضيب المشتريات التي وصلت لتوها في البراد إزاء ملاحظتها، وتابعت تقشير البطاطا.
"حبيبة رب البيت لم تمت حقاً، الآنسة فلورانس ليست أبنة دون روبيرتو ريتشي و'دون دافيد' كان خارج صوابه بينما أخذ القهوة إليهما هو والسيد في المكتب... سمعته يقول بأن والد طفل شقيقته... أو نصف شقيقته ميت سلفاً... كان يهدد بقتله بعد اقتلاع عينيه"
"أنتِ من سيُطبق عليها هذا القصاص إن لم تغلقي فمكِ من الثرثرة ماريا..."
زمجرت 'سنيورا بينا' وهي تمسح يديها في مريولها بعد أن وضعت فواكه 'تروبيكال' تم جلبها خصيصاً لسيدة البيت حيث إن سيد القصر استأمن ربة البيت لإيجاد طباخة خاصة بالأكلات المحلية البرازيلية، إنه متيم بخطيبته ويفعل ما باستطاعته لإسعادها...
"كفى 'سنيورا بينا'... من حقنا أن نثرثر فما يحدث حقاً يثير الريبة، نحن نعيش وسط هذهِ العائلة الغنية بالمشاكل" تدخلت فاليريا بينما هزت جوليا رأسها موافقة وهي تعلق.
"الأدهى إن 'دونا فرجينيا' تزور القصر مع عشيقها بينما لم يمر الكثير من الوقت على طلاقها من دون 'روبيرتو' الذي يبدو محطم الفؤاد... صدقاً هذهِ المرأة وأبنتها متشابهتان... العجوز المتصابية"
"تقولين عجوز متصابية؟؟ بربكِ تلك المرأة حسناء وفي نضارة أبنتها... تبدوان شقيقتان لا أم وأبنتها انتبهي إلى لونك فقد أضحى أخضراً من الغيرة" قالت ماريا بسخرية.
"حسناً... أهم شيء هو إن 'بيلا' نفذت بجلدها قبل أن تصبح جزءاً من مشاكلهم..." بدلت فاليريا الموضوع.
"كم اتمنى تصديق ذلك بينما أراها تعاني مثل جروٍ ضال... حتى إنها نسيت الملح أمس في طعام السيدة لحسن الحظ إن هذهِ الأخيرة تفهمت ولم تفتعل فضيحة... تبدو لطيفة في نهاية الأمر... أقل وحشية وغطرسة من توأمها"
"تمزحين؟؟ إنها الرقة بعينها السيدة 'آنا' وحش كاسر.." ابتسمت ماريا بشماتة وعلقت بسخرية: "عندما أفكر بالجهد الجبار الذي بدلته هي وغريمتها الدكتورة... صدقاً السيد محظوظ بعدم الاقتران بإحداهما"
تبادلت النسوة النظرات واتسعت شفاههم في ابتسامة متواطئة، تعمدت مدبرة المنزل أن تُحدث ضجة بآنية الفواكه التي وضعتها أمام فاليريا كي تنهي الثرثرة.
"قشري هذهِ الفواكه لأن السيد يريد سلطة فواكه برازيلية على مائدة عشاء هذهِ الليلة، بالنسبة لكل ما يحدث فلا يثير حفيظتي، ما يهم هو إن 'بيلا' أصبحت بعيدة تماماً عن أي فرد من عائلة ريتشي لا سيما 'دون أليكسندر'، بعد أيام سترحل إلى أستراليا وستنسى محنتها وتتابع دراستها كما قررت..."
تمتمت ماريا متنهدة بحرقة.
"من الطبيعي أن تتعذب حالياً بسبب انفصالهما لا يجب نسيان كم أحبت ذلك الماجن والمستهتر... رباه حتى إنها حاولت وضع نهاية لحياتها بسبب هذا الحب المجنون"
خيال خجول ظهر فجأة في مدخل المطبخ ليمنع المزيد من الكلام في الموضوع، عادت مدبرة المنزل لمسح يديها بينما أطبق الصمت المطبق والعميق على المكان الكل يتطلع إلى المرأة السمراء الملفوفة وسط فستان قطني أبيض بسيط وتجمع شعرها خلف رأسها، لا أثر للزينة ولا لنظرات متعالية أو متغطرسة، كانت المرة الأولى التي تزور فيها سيدة المكان المطبخ وتبدو مترددة.
"دونا 'لينيتا'... سأستدعي إيزابيلا لأن لا أحد منا يفهم لغتكِ"
لراحتها يبدو بأن السيدة فهمت معنى كلامها، بعد قليل كانت بيلا في المطبخ، أشرق وجهها الحزين ما أن سقطت عيناها على المرأة وبادرتها بإنكليزيتها المتقنة.
"بم أخدمــــكِ سيدتــــي؟؟"
"أخبرني مارك بأنه يمكنني الاعتماد عليكِ إذا أردتُ القيام بجولة في المكان".
"بالتأكيد سيدتي... من أين ترغبين البدء بزيارتكِ؟؟"
ترددت لينيتا قليلا ثم قالت فجأة بثقة:
"غرف التوأمين"
* * * * *
أنزلق غطاء رأس ديامانتي ليكشف عن خصلات ذهبية مثل أشعة الشمس الصيفية، لم تعر انتباها لذلك بينما تستمر في غسل الخرقة التي تشبه الفستان في أعماق المياه النقية المتلألئة في عمق النهر الذي يصب مباشرة في المحيط الأطلسي.
ربما ليست الحياة التي تمنتها، تعترف بأن طريقة عيش الغجر قاسية ومرهقة للغاية بيد إنها لم تكن يوماً ميالة للكسل أو الخمول، تحب العمل بنشاط بالرغم من الغثيان الذي يدمر تماماً هناء يومها... أبن نيوس يكبر بسلام في أحشائها وهذا الأهم... حسناً... ربما الأمور لا تسير حقاً كما تتمنى، تشعر بنفور الغجريات وتحفظهم على وجودها، فرانكو أخبرها بأنها بأمان وتريد الإيمان بذلك، لكن أحلامها كل ليلة تتحول إلى كابوس حقيقي بسبب دراكو ونيوس، وتستيقظ غارقة في رعبها وصراخها وعرقها... كلاهما يريد الانتقام منها بطريقته.
عاد غطاء رأسها ينزلق أكثر بسبب نعومة شعرها فاستسلمت وأبعدته كلياً عن عنقها ووضعته قربها.
"طالما وجدتكِ فاتنة لكنكِ في هذهِ اللحظة تشبهين جنيات عدن"
الكلمات ألتقطتها إذنها بإيطالية متكسرة، شدت أصابعها على الخرقة ووقفت في مكانها لتواجه القادم، كان نفس الشخص الذي يقلق راحتها بنظراته كلما غادرت المُعسكر، وكان يأخذ مكانه مقابلاً لها كلما تجمعت العشيرة مساءاً حول النار.
تسارعت ضربات قلبها في صدرها بينما يتقدم نحوها، ألتفتت يمنة ثم يسرة، المكان خالٍ تماماً فرصتها في الفرار من الهجوم ضئيلة، هذا الرجل الذي أثار ريبتها منذ أن سقطت للمرة الأولى عيناها عليه وجد فرصته أخيراً للانفراد بها، بلعت ريقها بصعوبة بينما تتأمله للمرة الأولى عن قرب، لم يكن يملك شيئاً جميلاً في ملامحه الغريبة، نظراته البنية تضمر لها الشر... لا وقت للرعب، عليها النجاة مجدداً من تحرش أحدهم.
"أفهم الآن لما تُخفين شعركِ..." كانت أنفاسه مشبعة برائحة التبغ والقذارة "لو أسدلتِ خصلاتكِ الرائعة في المُعسكر لأغمي على جميع نسائنا..."
راقبت يده تدنو من شعرها، يبدو مصراً ومقرراً على تخطي الخطط الذي آتى بها، ابتعدت عن يده الممدودة وألتقطت غطاء رأسها بسرعة دفعت رغبتها في الغثيان تعود مجدداً، أمسك الرجل بها في الوقت نفسه الذي حاولت فيه الهروب.
"أتركني..."
"لا ترتعبي يا جميلتي فلا نية لي بإيذائك..."
مُجرد كلمات فعيناه كانتا تفترسانها افتراساً، أحست بالخطر يحرقها حتى العظم بينما يطبق بيده على عنقها ليتحكم بحركتها وشلتها الصدمة بينما يطبق بشفاهه القذرة عليها، رائحته النتنة نجحت بتفجير ما جاهدت لإخماده من غثيان، ما إن أفلتها لنصف ثانية حتى أفرغت ما في جوفها على صدره.
تراجعت مصّفرة الوجه بينما الرجل الذي فقه لما حدث تبدل من الدهشة إلى الغضب العارم.
"أيتها الساقـ..."
ارتفع الضجيج من حولهما في الوقت نفسه الذي حاول الإمساك بها وظهر بعض الشبان الآخرين من المعسكر، شعورها بالراحة تلاشى بينما تفقه للطريقة التي يتفحصون فيها شعرها ووجهها لنواياهم. فجأة ارتفع الكلام بالعربية واستعصى عليها الفهم، بدا الموضوع خيالياً لكنها لم تكن من الغباء كي لا تفهم بأن كل من حولها يريدها لنفسه، تركت غسيلها ووشاحها ونسيت تماماً غثيانها وركضت بكل قوتها هاربة بإتجاه المعسكر.
* * * * *
فكرت فلور بألف طريقة للقائها الحتمي ذات يوم مع والدها البيولوجي وفكرت بألف طريقة أيضاً بردات فعلها التي ستكون في أغلب الأحيان عنيفة، لكن في هذهِ اللحظة بينما تراه يدنو من سريرها ويتطلع مباشرة إليها بعيناه الخضراوين المتطابقتين لعينيها تداهمها مشاعر غريبة تهز كيانها... رباه كم تشبهه... لما لم تشك في الأمر يوماً بينما تجمعهما الصدفة في تلك المناسبات القليلة؟ لما لم تنتبه لشبهها بجوشوا أيضاً بينما تتغزل في مؤخرته أمام آنجلا بوقاحة؟ شعرت بالغثيان يهدد حنجرتها وازداد مرضها بإقترابه من سريرها وتسلل رائحة عطره الرجولية إلى أنفها.
"مرحباً فلورانس..."
كانت تتمنى أن ترد وتطلب منه الرحيل بصوت جاف ومحايد، إنه لا يعني لها شيئاً، مجرد قبوله في غرفتها تعني خيانة اتجاه والدها... والدها المدمر كلياً بسبب طلاقه من فرجينيا، عليها ألا تنسى ذلك وتتعاطف مع قدوم هذا الغريب الذي ربما تحمل جيناته لكنه لا يعني لها شيئاً...
تماسكت وألقت نظراتها على وجهه من جديد، غريب... 'عم أندريس'... هكذا نادته طويلاً كما فعلت آنجلا، لم تفقه يوماً لهذا الشبه بينهما، حتى إنها كرهت لون شعرها الأسود الحالك ولعنت جينات فرجينيا البرازيلية البحتة، رغبت ببريق روبيرتو العسلي وصبغت خصلاتها وغيرت لونه في سبيل ذلك، الآن تفهم بأن ليست فقط جينات فرجينيا السبب... الكونت يملك نفس اللون لشعرها... إنها أبنته رغماً عن أنفها... هذا التأكيد كان بمثابة صفعة مؤلمة لوجهها، هزت رأسها بحركة جافة وتمتمت بصوت جليدي:
"سبق وأخبرتك هاتفياً بأنني لا أريدك في حياتي سيدي الكونت"
"أعرف..." أجابها بابتسامة شبه تعسة وهو يجلس بجسده الرياضي على الكرسي الذي أحتله دراكو قبل ساعات... صارت أنفاسها مؤلمة في صدرها وضغطت على لسانها في جوف فمها كي لا تترك العنان لصوتها وتصرخ ما طاب لها لهذا النهار المرهق والمتعب... أولاً دراكو الحقير والآن الوالد الذي لا ترغب به... "آملتُ إن يُغير الحمل رأيكِ تجاهي... ستصبحين أماً... تعرفين الشعور الذي يرافق ذلك؟؟؟ أسوأ ما يمكن أن يحصل لأب في الدنيا هو أن ينبذه أحد أولاده"
(أنا لستُ أبنتك ولن أكون أبداً... أنا من الريتشي ولا أريد غير ذلك)
لكن الكلمات القاسية رفضت الخروج، شيء ما في ملامحه منعها، بحق الجحيم... إنها بصدد خيانة والدها بصمتها وجبنها... على هذا الرجل أن يرحل من هنا قبل أن يلمحه والدها ويتأذى منها أيضاً... لا تريد خيانته أيضاً... تكفي خيانة فرجينيا له.
"امنحيني فرصة... فقد حُرمت منكِ أيضاً بلا خيار..."
(لم أكن بحاجة لك لأن والدي منحني من الحب والحنان ما سيكفينني كل العمر)
للمرة الثانية لم تتمكن من قذف الكلمات، حلقها آلمها بشدة وأحست بالدموع تملأ عينيها، فليُلعن الحمل ولتُلعن هُرموناته التي تجعل المرأة غريبة الأطوار وضعيفة الشخصية وحساسة بشكل مقزز... يبدو إن الكونت فهم دموعها بشكل آخر، راقبته يمسك يدها في يده... أول لمسة من رجل منحها الحياة... أخدرت أصابعها إزاء الدفء الذي يمنحه جسده لها للمرة الأولى... كم تكره فرجينا... فلتحترق في الجحيم بسبب العذاب الذي تشعر به في هذهِ اللحظة.
"أريدكِ في حياتي يا أبنتي..."
"لا تناديني هكذا... لم أعتد أحداً غير أبي يناديني بأبنتي" تمكنت أخيراً الكلمات من تجاوز شفاهها، الصوت آتى باهتاً ورخواً وكأنها بصدد إعادة الروح لخالقها، بالكاد تتعرف على نفسها، ضعفها هذا نتيجة زيارة الحقير دراكو ونتيجة تهديداته، لحسن الحظ إن عمها أكد لها بأنه يقوم بترتيبات عاجلة لنقلها بعيداً عن إيطاليا... تقسم ألا تطأ رجليها أرض هذهِ البلاد مرة ثانية، سوف تختفي بطفلها إلى الأبد وستختفي من حياة دراكو والكونت أندريس بنفس الوقت... تقسم بذلك.
هز الكونت رأسه متفهماً وسحبت يدها من يده بسرعة لتدسها تحت غطاء السرير بعيداً جداً عنه لكن نفورها لا يبدو بأنه أحبط عزيمته.
"لستُ ناكراً للجميل فـ روبيرتو بالتأكيد كان أباً جيداً"
"قُل عظيماً..." تمتمت بتحدٍ وارتجفت صورته أمام عينيها من شدة غيظها، لما لا يفهم بأنها لا تريده؟... اسمه لا يهمها... إنها تعشق شهرتها وستبقى وفية طيلة حياتها لكنية ريتشي.. إنها من الريتشي بحق الجحيم.
عاد يهز رأسه يوافقها مجدداً على كلامها، ابتعدت بعينيها كي لا ترى البؤس يثقل نظراته الخضراء، تعرف كم تعذب بسبب فقدان أبنته أليسيا وربما يأمل بأن تحل محلها وتعوض عليه سنوات التعاسة الماضية... إذا كان يضع آماله عليها فإنه يحلم بالتأكيد.
"آسف لأنني لم أختر الكلمة المناسبة... نستطيع رؤية مجهوده من خلال كمية الجوائز التي حصلتِ عليها منذ صغرك... التنس، ركوب الخيل، السباحة... تواجده كان متكاتفاً وعظيماً بالتأكيد... لن أنسى جميله..."
لما تشعر بالتعاسة لهذهِ الكلمات..؟؟ تعرف بأن الكونت لم يكن يملك خياراً مثلها، والدتها أخفت عنه وجودها وعلاقتهما كانت قبل زواج والديها، ماذا لو لم تتزوج فرجينيا من الإيطالي الوسيم الذي ترك خطيبته من أجلها؟؟ ماذا لو ترعرعت تحت عناية الكونت أندريس؟؟ آه لا... مستحيل أن تتخيل حياتها مع والد آخر غير روبيرتو ريتشي... بحق الجحيم كانت فخورة بنصفها وجنسيتها الثانية الإيطالية... غير إنها في الحقيقة تحمل أصول ودماء يونانية... اهتزت الرؤية أمام عينيها اللتين حرقتاها متأهبة لاستقبال طناً من الدموع التي لن تسمح لها بالمجيء.
"رأيتُ عدة أشرطة فيديو لكِ..." سمعته يتابع بثبات أدارت وجهها نحوه ورأت ابتسامته الجميلة التي بدأت تُزعج عاطفتها الحساسة والهشة سلفاً إن أستمر على هذا المنوال فسوف تستسلم لا محالة، الكونت أندريس رجل ذكي بلا أدنى شك ويعرف الطريق ليحصل عليها... لكنها ليست مستعدة للاستسلام "كنتِ بطلة سباق السيارات الصحراوية لأكثر من سنة..."
"عشر سنوات متتالية..." صححت له عفوياً مما دفع ابتسامته للاتساع أكثر...عادت تشيح بوجهها شاعرة بالندم على تجاوبها، عليه حقاً الرحيل فلم يعد بإمكانها احتمال هذا الضغط الرهيب بسبب انفعالات هذا النهار الطويل جداً.
"ثلاث مرات للصغار ثم خمسة مرات للمراهقين ومرتين للراشدين... كيف يعقل ألا تدير رأسك هوليود وصناع الموضة؟؟؟ قريباتك كلهن نجمات لامعات..."
"ربما لأنني لم أكن حقاً من الريتشي..." علقت ببعض الاستخفاف والسخرية وهي تثبته ببرود "لم أرث منهم شيئاً مما ميزهم في هوليود...أحببت المخاطرة وكنت متمردة وصعبة... تماماً مثلك أيها الكونت"
"أريدُ التقرب منكِ فلورانس..."
"وأنا أريد السلام..." صرخت به بنفاد صبر وقد أصفر وجهها واندفعت شفتها السفلى في ارتجاف متكرر وكأنها على وشك البكاء "أرحل ولا تعد... لا أريدك في حياتي يكفيني رجل واحد وبالنسبة لي سيظل والدي ولن أغيره بك... أبداً أيها الكونت ديكاتريس"
طرقات على الباب وضعت حداً للنظرات المبهمة التي بدأ بتبادلها، فلور على حذرها وأندريس يجاهد لكسر الجليد ويتأهب ليغير رأيها، لم يكن إطراءاً أبداً ما قالته بالنسبة لتمرده، أندريس يعرف تماماً الصورة التي يراه بها العالم منذ شبابه، لكنه يرفض أن تفكر به أبنته على نفس المنهج أو أن تسيء الحكم عليه. كلامها مؤلم أدمى قلبه، إنها ترفضه ووجوده يزعجها... ردة فعلها مطابقة لردة فعل جوشوا في بداية تعارفهما... في السابق وجد نقطة ضعف أبنه واستعملها للحصول على ثقته، نقطة ضعفه كانت آنجلا، ومنحه الاسم والمكانة في المجتمع الراقي ليتمكن من استرجاعها... بالنسبة لـ فلور... فسينتظر إلى أن تُرزق بطفلها كي يحاول مجدداً...
اكفهر وجه أبنته الشاحب سلفاً ما إن تعرفت على هوية الطارق، أسودت ملامحها الجميلة بصورة مرعبة وزمت شفتيها باشمئزاز، لكن أندريس يُساند زوجته في هذهِ اللحظة ويدعمها بكل كيانه...
"لا بد إنني أحلم... لكن أي وقاحة هذهِ؟؟"
"لا يُعقل أن ترفضي رؤيتي لك حتى وأنتِ ممددة في هذا السرير فلور..." قالت فرجينيا بعصبية وهي تدنو من السرير.
"أرحلي من هنا..." صرخت المريضة بكل طاقتها وهي تشير إلى الباب وتحاول مغادرة سريرها كي تضع أكبر مسافة ممكنة بينهما "لا تتوقعي أن أغفر لكِ ما فعلته بي أو بأبي روبيرتو... أنتِ امرأة شريرة ومتجردة من الأخلاق لا أريد رؤيتك في كل حياتي"
شعر بالسخط لقسوة فلور بينما يرى وجه زوجته يشحب بشدة وبسيادة نفسها تنهار تحت قدميها، عينيها الكبيرتين لمعتا بإذلال كبير وبلعت كبريائها وهي تتمتم متوسلة تقريباً بصوت مبحوح.
"أريدُ فحسب مساندتك..."
"وجودك أسوأ ما قد يحصل لي في هذهِ المحنة...أنا أكرهك"
في ظرف ثانية امتلأت الغرفة بأفراد عائلة ريتشي بسبب عويلها وتهديداتها، تعرف أندريس على دايفيد الذي يرافق 'مارك أنطونيو'، وأحس بروحه تغلي من الغضب بينما يقرأ الرضا على وجه 'روبيرتو' للحرب القائمة في الغرفة على الأقل يوجد شخص يسليه الوضع... إدواردو وكاثي يحاولان مثل المعتاد تهدئة الموضوع بينما تشتعل فلور أكثر وكأنما يوقظان كل شياطين روحها.
"أهدئي فلور... لا تتكلمي مع والدتنا بهذهِ الطريقة" سمع دافيد يتدخل ببعض الحدة.
"أنت لا تفهم... هذهِ المرأة سممت حياتي وتأتي إلى هنا لتتظاهر أمام الجميع بعواطف في الحقيقة هي متجردة تماماً منها..."
"لا يحق لكِ التشكيك في حبي لكِ..." علقت فرجينيا بصوت يشبه النحيب... "ما حصل بيني وبين والدكِ يخصنا فقط..."
"أي والد من الاثنين تقصدينه؟؟ أخرجي ما لديكِ فرجينيا لأنني لا أريد أن يقتحم رجل آخر حياتي ويُخبرني بأنني أبنته أيضاً" ثم استدارت نحو شقيقها مستطردة "أنصحك بتحليل دم فوري دايفيد فربما لست من الريتشي أيضاً"
صمتت مرغمة عندما دوى صدى صفعة في المكان، وضعت فلور يدها على خدها وتطلعت إلى كاثي التي كانت وراء الأمر، انزلقت الدموع من عينيها بكثافة فالإهانة كانت قاسية على جميع من في المكان، ودخلت فلور في حالة تشبه الهستيرية النفسية، بعد أن رددت أبشع ما يمكن أن تتحمله فرجينيا التي انفجرت في بكاء صامت لفها أندريس بذراعيه، لحمايتها من التعرض أكثر للإهانة والإذلال قال برقة:
"فلنمضي حبيبتي..."
هزت نحوه وجه عاصف بالعواطف ومسود من التعاسة فأطرقت وتركته يقودها، مطلقاً لم يرها محطمة كما هي الآن.
"مهلاً لحظة..." استوقفتهما فلور بصوت مهتز من الحقد "هل أنتما معاً مجدداً؟؟"
"هذا يكفي بحق الجحيم فلور" صرخت كاثي بعدم صبر.
"لن يكون يوماً كافياً خالتي... تُتطلق أبي لتستبدله بهذا..."
احتقارها أخرج مخالب أندريس، بالتأكيد يحب فلور ويعشقها منذ أن عرف حقيقة إنها أبنته، لكن فرجينيا هي نقطة ضعفه الوحيدة وعليها أن تعرف بأنها تجاوزت الحدود بكلامها وإهاناتها، فجأة تملكته رغبة بصفعها أو جلدها لتسببها بكل هذا العذاب لزوجته، بدل ذلك أجاب ببرود.
"لقد تزوجنا..."
"بحق الجحيم أمي..." لم يكن الرد من فلور هذهِ المرة، جدار آدمي حال بين الباب وفرجينيا، أنفاس دافيد العالية بحرارة فوهة الجحيم، نجح رده بإخراجه عن صوابه، كان يرمقهما بنظرات قاتلة وغير مصدقة، يتنقل بينه وبين فرجينيا وكأنهما مخلوقين من الفضاء، اقترب من والدته التي تكورت أكثر تحت ذراعه من الخوف "ما هذا الهراء؟؟"
"دايفيد...." بالكاد سمع أندريس صوتها المختنق.
"قولي بأن الموضوع مزحة غبية..." قاطعته فلور بغضب:
"لكن ألا تفهم دايفيد؟؟ وفر غضبك لشخص يشعر به حقاً... إنها خالية من المشاعر..."
"فلور..." تدخل مارك أنطونيو وإدواردو في صوت واحد، بينما مسحت كاثي وجهها بيديها المرتعدتين بإستسلام وخيبة. لكن أندريس لم يتوقف رغم الهجوم الغير عادل على زوجته ونظر مباشرة لأبنته الشاحبة الوجه من الغيظ والكراهية وتكلم للمرة الأولى:
"أعشق والدتكِ وما فَعَلته في حقكِ كما في حقي لا يجعل منها مجرمة، لأننا أحياناً نضطر لبعض التضحيات والاختيارات التي أتمنى ألا تُجبري عليها يوماً، وسأصلي ألا تغرقي بأنانيتك فلورانس..."
* * * * *
" 'آنجلا ديكاتريس ريتشي' يا لها من مفاجئة..."
هزت آنجلا وجهها ورسمت تلك الابتسامة النادرة التي تعرف تماماً تأثيرها على الرجال.
تركت 'مانغا الأعمال' يلتقط يدها ليطبع قبلة تعكس تماماً شعوره بمجيئها شخصياً إلى مكتبه... جلست على المقعد الوثير بحركات مدروسة كما طلب منها بينما أخذ هو مكانه أمامها.
"لم أصدق عندما اتصلتِ بي عزيزتي... هل أنتِ واثقة مما تريدين؟؟"
"إذا كنت موافقاً على شروطي والمبلغ الذي سأضعه في حساب ولداي...."
ازدادت إشراقة الرجل أمامها كما ازدادت ضربات قلبها، هل هي واثقة مما تريد؟ كيف لزوجة غيورة أن تتصرف غير هذا؟ تريد أن تُثبت لـ جوشوا بأنها لم تفقد شيئاً من جمالها وأنوثتها، بأن منزلتها أعمق من تلك الهندية الدنيئة... بأن عشاقها من الرجال ما زالوا كثر وينتظرون أخذ مكانه بلهفة.
أجبرت نفسها على الابتسام مجدداً وتناست عصبيتها وترددها، كل شيء مباح في الحب والحرب، وجوشوا هو كل حياتها إن سلبته منها امرأة أخرى فستموت.
"أنتِ امرأة ذات ثمن مرتفع وعودتك المفاجئة بالتأكيد ستنعكس إيجابياً على شركتنا..." فك زراً واحداً من سترته الكحيلة وأخذ ملفاً من فوق مكتبه المصقول اللامع ثم نشره أمامها "عندما اتصلتِ هذا الصباح أسرعت بإعلام المحامي الذي أعد على وجه السرعة عقداً تمهيدياً... سنضيف ونعدل عليه ما تريدين آنجلا... لكن شرطي الوحيد ألا تتعاقدي مع شركة أخرى خلال تعاملنا وبعده بسنة كاملة"
"موافقة" أجابت آنجلا وهي تتفحص العقد بسرعة وتعيده إليه "سوف يرى محامي الخاص هذا مع محاميك... لن نختلف طوم إذا كنت أنا من سيختار الفارس؟؟"
"سيعجبك 'نات ليدجر'...إنه أسترالي وهو الوجه الجديد لعـ..."
"... لعطوركم أعرف طوم فلم أتخلف عن متابعة عالم الموضة بزواجي... لا أنكر إنه جذاب لكنه كامل جداً وتنقصه الرجولة..."
يبدو إن صراحتها لم تعجب طوم لكنها ابتسمت وقالت بمهنية:
"أريد رجلاً جديداً لم يظهر بعد في الساحة، رجلاً ذو جاذبية متوحشة ولا يملك جمالاً أنثوي..."
(رجل يشبه جوشوا كي يثير غيرته كفاية) أضافت في صدرها بمرارة ثم وقفت من مكانها، بدا طوم تائهاً للحظة قبل أن يحذو حذوها ويقول:
"لم نحتفل بشراكتنا بعد..."
"سوف نحتفل عندما تجد فارسي يا طوم... لن أظهر بمايوه من قطعتين على 'شاطئ نونجوي' ولا على 'خليج ترانك' ولن أشرب الشيكولا الساخنة في شاليه حالم أمام نار متقدة في مدفئة بين ثلوج شمال السويد مع 'نات ليدجر'... بل مع العارض الذي يتوافق مع أوصافي..."
التحدي كان صعباً، لكن فرصة ظهور 'آنجلا ديكاتريس ريتشي' مجدداً في عالم الموضة هو بمثابة معجزة حقيقية وفرصة يعرف طوم بأنه لا يجب عليه هدرها.
"سيكون لكِ ما تريدين..."
"وأنا أنتظر اتصالك بفارغ الصبر... مللت 'لندن' وأريد السفر بأسرع وقت..."
* * * * *
ما إن لامست قدمي جوشوا أرض الحديقة الداخلية لمحمية 'خوانيتا لا ايستيريلا' حتى أدرك بأنه لا مجال للتراجع وإن أضحى جزءاً من المغامرة الصعبة والحاضر والمستقبل الغامض.
الرؤية شبه مستعصية بسبب الليل المخيم لكنه يتحسس خطواته بخبرة عالية وكأنه سبق ومرّ من هذا المكان عدة مرات، لا يجرؤ على تخيل ما سيحدث بالضبط عندما يتم العثور عليه ولا ردة فعل 'هاكان' أو 'فرناندو' بإختفائه فجأة من الفندق الحقير الذي حجزوا فيه للمبيت... لكنه قطع مسافة بعيدة ليحصل على أجوبة لأسئلته، ربما يخاطر بحياته فقد شاهد عينة صغيرة من رجال 'خوانيتا' بيد إن التراجع هو آخر اهتماماته، عموماً... يعرف منذ زمن إن نهاية حياته ستكون سيئة لما لا ينهيها على الأقل بطريقته ويحمي عائلته؟
ظهرت أمامه فجأة البناية المصممة بطريقة مكسيكية، احتفظ بنفسه في العتمة وراء الأشجار النائمة التي تحميه تماماً من أعين الآخرين، وشعر بأنه أختار الوقت المناسب تماماً لاقتحام المكان.
خطا بحذر عدة أمتار قبل أن يختفي في ظل سقيفة يبتلعه الظلام ليمر من مكان غير بعيد من حارسين مسلحين، ترك بينهم مسافة أكبر بعد أن قرر تسلق السلم الخلفي بخفة لص محترف.
باب الشرفة كان مفتوحاً على مصراعيه، تسلل إلى الداخل بينما يشعر بأن حلقة مفقودة فيما يحصل حوله، الأمر كان سهلاً بشدة للوصول إلى الغرفة التي تبدو مرقد سيدة البيت.
الأنوار الخارجية ما ينير المكان الذي بدا شاسعاً وغامض المحتويات بسبب العتمة، لكنه يستطيع أن يميز السرير الكبير بأعمدته الثقيلة.
إحساس سيء للغاية تملكه، الوصول إلى داخل المكان كان بسهولة مشككة، كما أنذرت حواسه، دار على عقبيه بعد أن أنار المكان الثريا المتدلية من السقف واحتبست أنفاسه ترقباً بينما يحمي عينيه اللتين اعتادتا على العتمة.
"أنت كما كنت دوماً... فضولي ومتهور"
أبعد يديه عن عينيه اللتين ألتحمتا على المرأة التي تركت الصوفا حيث تجلس برشاقة أميرة، توقع رؤيتها لكن لم يكن متهيئاً لكمية المشاعر التي داهمته بينما تلتقي نظراته بوجهها المألوف جداً، تركها تقطع المسافة بينهما وتلامس فكه الخشن بأصابعها قبل أن ترتفع على أصابع قدميها وتعانقه.
"كم أشتقتُ إليك جوش..."
تردد قبل أن يضع يديه على خاصرتيها ليضمها إليه أكثر، دارت عينيه على محتويات الغرفة وشعر وكأن ناراً حارقة تبتلع مشاعره التي طفت على السطح بينما يرى صور مكبرة وموضوعة بعناية فائقة على الجدار وفوق طاولة زجاجية. شعرت بتوتر جسده وتصلبه، ابتعدت عنه قليلا لتتطلع إلى عينيه بابتسامة متكمة.
"ألا تفتقد والدتك؟؟"
"والدتي التي أرسلت قائلاً مأجوراً لقتل 'لينيتا داماتا' وتحطيم قلب أبنها البكر؟؟ لا... لا أفتقدها لا سيما وأنا أكتشف بأنها وراء محاولة التخلص مني بالمقابل"
أرجعت رأسها الأشقر إلى الوراء وانفجرت ضاحكة، كانت تستفزه وتسخر منه بلا أي تردد، راقبها تبتعد بإتجاه منضدة منقوشة يدوياً وتفتح علبة خشبية ثم إخراج سيجارة قبل أن تشعلها بولاعة ذهبية، كان شعرها الأشقر الجميل متموجاً ومصففاً بعناية، قميص نومها الطويل يهمس مع كل حركة تقوم بها، يكاد يقسم بأن شبابها تجدد.. كيف تنجح بالظهور عكس سنها الحقيقي؟؟؟ من يراهما معاً سيعتقد بأنها شقيقته الكبرى... كل احترامه لأطباء التجميل.
"عكس ما تظن جوشوا... لا أضمر لك الشر أبداً"
نفثت الدخان بعيداً وابتسمت ببرود دون التوقف عن تفحصه ببعض الإصرار، فجأة دنت من الصور المنتشرة ولامست وجه الطفلة الشقراء بجدائلها الرائعة التي تشبه كثيراً والدتها.
"حفيدتي رائعة... للأسف إنها تحمل جينات إدواردو أيضاً..."
"مازلتِ هائمة به أليس كذلك؟؟"
تمكن من كسر سخريتها وراقبها تستدير نحوه بعنف وتبرق عيناها بغضب أسود، سقط القناع أخيراً وأضحت أكبر سناً بينما يتشوه وجهها تحت ضغط سخطها.
"كيف تجرؤ على قول ذلك؟؟ لو كنت أهتم لأمره لما خنته مع والدك"
"أحذري 'خوانيتا' سوف تنفجرين من شدة غيظك"
زمت شفتيها بغضب واقتربت نحوه بخطوات مهددة.
"لا نية لي لبيع نفسي كما فعلتَ أنت... كنتَ جاحداً رغم كل ما فعلته لأجلك، بعت نفسك للكونت وبعدها لأبنة المحامي التي ملت منك بسرعة وحاولت التخلص منك"
سخريته تلاشت رويداً وزحف البرود إلى وجهه، عليه ألا يستخف أكثر بذكاء والدته ولا بنفوذها، كانت من الدهاء ما مكنها من الهرب بسهولة من العدالة والاختفاء في هذا المكان لتأسيس إمبراطورية.
هزت حاجبيها متسائلة بتهكم من صمته سحقت عقب سجارتها في المرمدة وغرست نفسها أمامه قائلة بصوت جليدي:
"تبحث عن الحقيقة جوشوا؟ أنت في 'نيومكسيكو' لذلك أم أنا مخطئة..."
"ما بيني وبين آنجلا لا يخصك... وأجد حنانكِ وجرأتكِ مبتذلة لعرض صور طفلينا بزهو على جدران غرفتك... كوني متأكدة بأنه غير مرحب بكِ في حياتهما"
هزت عينيها الزرقاوين إلى السماء كعلامة على مللها ثم عادت إلى سجائرها تلتقط هذهِ المرة العلبة بأكملها لتعرض عليه واحدة، عادت تهز حاجبها الرقيق أمام رفضه وظهرت أسنانها المصففة والبيضاء بعد أن منحته ابتسامة ساخرة:
"ربما تريد شيئاً أقوى؟؟ حشيش؟؟ بوديوم؟؟"
"هل هذهِ تجارتك...؟؟"
"حباً بالسماء يا بُني... أموالي كلها من مصدر نقي" تظاهرت بالصدمة وخيبة الأمل، وغيرت رأيها بمنحه سيجارة ألتقطت واحدة وأشعلتها "كنت أعرف بأنك ستأتي... كانت طريقتي الوحيدة لجلبك إلى هنا ورؤيتك أخيراً مادمت لم تفكر في البحث عني طيلة السنوات الماضية"
"تعمدتِ إرسال رجالكِ إلى الألسكا...." لم يكن سؤالاً بل يقيناً.
"و بما أنني أعرفك جيداً... فقد سررتُ بنتيجة خطتي... أعرف بأن ذاكرتك متضررة"
"لا" قاطعهاً ببرود "استعدت كل شيء فلا تحاولي التلاعب بي أو استغلالي"
لسبب ما يبدو إن كلامه ألجم لسانها وأخفى سخريتها، عم الصمت وتابع تفحص حركات أصابعها الأنيقة وهي تقرب السيجارة من شفاهها لتنفض الدخان في الهواء، شعر فجأة بأنه يدور معها في حلقة مغلقة، لم يجد بعد الأجوبة لأسئلته، ما تحاول تبريره إنها أثارت اهتمامه واستغلت طبيعته الفضولية في سبيل لقائها مجدداً فحسب،
"كنتُ صادقة عندما أخبرتك قبل قليل بأنني لا أضمر لك الشر" سمعها تقول بهدوء وتعاود مواجهته "ربما أكره حتى الموت زوجتك ومعها عائلتها... لكنني لم أفكر يوماً بإلحاق الأذى بك، عندما شاع خبر وفاتك المحتمل بسقوط الطائرة أرسلتُ رجالي إلى هناك تماماً كما فعل الكونت للبحث والتنقيب، صدق أو لا... أنت أبني وأنا أحبك"
"مارك أنطونيو أبنكِ أيضاً وقمتِ بإيذائه..."
"لا تذكر اسمه أمامي" الشحوب الذي تسلل إلى وجهها كان مرعباً ارتجفت أصابعها ومعها السيجارة العالقة بينهما "لا تقارن نفسك بأبن إدواردو... "
"فقط لو تعرفي أي نوع من الرجال هو أبن إدواردو... " تهكم بقسوة وقاطعته بحدة:
"لا يهمني أن أعرف... عندما رأيته في 'ريو دي جينيرو' حسبت نفسي أواجه إدواردو في العمر ذاته... عليك أن تفهم بدل تبني هذهِ الملامح المصدومة مثل النساء، مارك أنطونيو تربى مع والده وكبر مع كاثرين ديكاتريس، لا أشعر نحوه بشيء... الأمر الذي يختلف معك"
شعر برغبة عارمة للغثيان أمام كلامها القاسي، لحسن الحظ إن شقيقه ليس هنا ليسمع هذا... بصق مقاطعاً إياها باشمئزاز:
"لا يمكن أن تكوني آدمية... أنتِ مثيرة للشفقة"
أخطأ بالمجيء إلى هنا، أخطأ بترجي الأمل من لقائه مع 'خوانيتا لاايستيلا' ربما غيرت اسمها وهويتها لكنها أكثر خطراً وغدت وحشاً حقيقياً.
بدل عودة أدراجه من حيث تسلل فتح باب الغرفة وتبع الرواق الذي يؤدي حتماً للمخرج، عليه الرحيل حالاً ونسيان أمر هذهِ المرأة التي سممت حياته وحياة مارك أنطونيو وجميع من حوله، شعر بها تتبعه بفضل حفيف فستان نومها، تردد صوتها خلفه مختنق من الغضب.
"أنت من يثير الشفقة جوشوا، أنظر إلى نفسك... زوجتك تريد قتلك لكنك لا تحرك ساكناً... هذا الولاء لأبنة إدواردو يُعتبر إذلالاً... أنت رجل ضعيف بالتأكيد لم ترث هذا مني ولا من والدك الكونت الذي اشتهر بقسوته وحزمه في عمرك... مستحيل أن تكون أبني أو أبنه بخضوعك وتعاميك... عليك إنهاء زواجك والاختفاء مع طفليك قبل أن تنجح هذهِ المرأة بقتلك..."
لم يرد على استفزازاتها وتجريحها وتابع طريقه نحو الدرج المؤدي إلى الطابق السفلي، البهو امتلأ فجأة بالرجال الضخام الجثة ما أن وصل إلى أسفل الدرج، تعرف فوراً على الرجل الذي هدده هذا الصباح وسرق نظارته الشمسية، عموماً... ما يزال يحتفظ بها على رأسه..."سوف أحميك رغماً عن أنفك هل تفهم؟؟... أنت أبني رغماً عن أنفك وأنف من يقول العكس وليليان وأندريس جينيور حفيداي، شئت أم آبيت دمي يجري في شرايينهما..."
"لن أنسى القيام بغسل جيناتك أمي... لا أريد أن تكبر بذرة الشر بداخلهما كما أنتِ..."
تقدم من الرجال المسلحين أمامه دون أن يرمش، وجوه تشبه لوح الرخام ومتعرية من التعابير أو حتى الرحمة، كانوا بإنتظار إشارة واحدة للانقضاض عليه، تقدم من رجل واحد وتأمله عن قرب، الرجل الذي كان يستهزأ منه ومن أصدقائه هذا الصباح انسحب الدم من وجهه ما إن تعرف عليه بقي على حذره بينما أصابع جوشوا تدنو من رأسه قبل أن يسترجع فجأة نظارته وينفخ عليها ثم يمسحها بتمهل في قميصه:
"آسف يا صديقي إنها هدية من شخص عزيز... أرمني بالرصاص إذا كان هذا ما تأمله الرئيسة..."
"لا أحد يقترب منه... إنه تحت حمايتي حتى يعود إلى دياره" دوى صوتها عالياً ارتجت له الجدران من حولهم، استدار جوشوا نحوها وشعر بالشفقة مجدداً للشحوب الذي كسا وجهها، هل كانت تأمل حقاً أن يعقد هدنة معها ويبقى؟؟ ما فعلته بـ مارك وبهِ شخصياً أمر لا يغتفر... بحق الجحيم فقد قامت بقتل والدة حفيديها الذين لم تأتي على ذكرهما بينما تتغنى بحبها لولديه هو شخصياً... توأمي مارك أنطونيو ممسوحين تماماً من قاموس هذهِ المرأة... فقط لو تدرك كم هما رائعين تماماً مثل والديهما.
"لم تتركيني أرحل؟؟ ألا تخافين أن أبلغ عن مكانكِ السلطات الإنكليزية؟؟"
"لم أقتل 'لينيتا داماتا' واختفائها لم أكن مسئولة عنه بالمقابل، اسأل شقيقتها ولا تتهمني بشيء..."
اختفى تهكمه فجأة بسرعة البرق وقطب جبينه بغير فهم... إلى ما تلمح الآن بحق الجحيم؟ هل بدأت تتلاعب به مجدداً؟ إنه في مزاج سيئ للغاية ولا قدرة له على حل ألغازها...
"ما الذي تقولينه؟؟"
"لكن الذكاء لا ينقصك جوشوا ورثت دهاء والدك... للآسف إنك لست بعنفوانه وكبريائه وقوته...."
فتح فمه ليرد وأحس بأن الهواء انسحب من الغرفة والمكان، بحق الشيطان إلى ماذا تلمح؟ من خلال التحدي الذي ارتسم على وجهها أدرك بأنها ستحتفظ بالصمت ولن تجيبه على أسئلته، لكن شيء واحد كان يثير فضوله أكثر من الباقي، دنى منها وتطلع إليها ملياً قبل أن يوشوش كي لا يسمعه غيرها.
" 'خوانيتا لا ايستيلا'... هوية مكسيكية... اعترف بأنكِ واسعة الخيال أمي"
"زوجي 'ريكاردو لا ايستيلا' أكبر تاجر أسلحة في العالم... أتمنى إنك فهمت الآن فليست المخدرات ما تهمني... أنا محصّنة بشكل جيد من إدواردو وأندريس... كلاهما لا يستطيعان إيذائي... ووصولك إلى غرفتي لم يكن بالسهولة التي توقعتها فقد كنت مراقباً بالكاميرات منذ أن ركنت سيارتك خارجاً"
* * * * *
"كنت أتساءل... لو صادفتُ أحد التوأمين في الماضي هل كنت لأتعرف عليهما؟"
صوت سيدة قصر الدوقية الرقيق والمغلف ببعض التعاسة والحزن دفع قلب بيلا للانقباض بقسوة في صدرها، ألقت نظرة سريعة على الملامح الساكنة بالحزن قبل أن تركز أكثر على إعادة ترتيب الصور الفوتوغرافية التي أخذت وقتاً بشرح تفاصيلها.
"لســـــتُ أدري سيـــــدتي... لكنني أؤمن بالرابط المــــــقدس بين الأم وأطـــــــفالها..." ردت بيلا برقة وبعض الحذر، أكثر ما تتمنى هو إيلام سيدة القصر الرقيقة بشكل أو آخر، رغماً عن الجميع استولت على قلوبهم بدون أي مجهود يذكر، الكل كان قد انتبه لنظراتها التائهة والحزينة بينما تتنقل بين أرجاء القصر وكأنها شبح تبحث عن شيء لا تناله، الكل متعاطف معها ويحاول المساعدة بشتى الطرق، مشاعر السيدة إزاء رالف وجو واضحة ـ للآسف إن هاوية كبيرة تقبع بينهم... رالف يدخل في هستيرية ما أن تتجرأ بيلا على خوض موضوع والدته معه.
"ماتت أمي بينما تنجبنا..." كان قد رد عليها بحقد وعيناه تتطايران شراً "كنت آمل بأن تكوني تلك الأم التي نحلم بها أنا وجو... للآسف أحلامنا أجهضها إعجابك بعمنا الماجن... حتى إنه لا ينظر إليك بنفس طريقة أبي... إنه لا يقدركِ بيلا"
كم أبكتها هذهِ الكلمات فيما بعد، أنزوت في أحد الأركان وأفرغت مخزون دموعها، إذا ظن رالف بأن نظرات مارك إليها تنم عن الحب فهو واهم، السيد يحترمها... لكنه أصاب تماماً بوصف قدرها عند أليكس...
"كيف يمكنك تصنيفي هكذا بينما يقف حاجزاً ضبابياً بيني وبين عاطفتي؟؟ أشعر بأنني أعشقهما من قلبي لكنني خائفة من نفسي... "
تنهدت بحرقة وبدأت بالتحديق العميق لوجه رالف في الصورة، تشنجت ملامح وجهها الجميلة وبدت وكأنها على وشك حرق الصورة بتركيزها الشديد.
"إنهما من الريتشي وقد ورثا القوة والجبروت... الوصول إليهما سيكون شاقاً... رباه... حتى إنني لا أعرف من على هذهِ الصورة هل هو رالف أم جو؟؟"
اليأس في عينيها الرماديتين عاد يضغط على قلب بيلا التي دنت منها لتخفف عنها وجعها...
"برأيــــكِ من منهــــما في هذهِ الصورة سيدتـــــي؟؟"
عند غياب رد سريع منها تساءلت بيلا إن كانت قد اقترفت خطأ بسؤالها، آخر ما تريده هو إرباك المسكينة التي تتفهم أخيراً إضراب سيد القصر عن النساء طيلة سنوات خدمتها له... 'لينيتا دا ماتا' تجسد الرقة والطيبة والجمال، امرأة تشكل الجزء الضال لشخصية رجل مثل مارك أنطونيو ريتشي... إنهما ثنائي متكامل و متناسق بشكل كبير.
"أظن انه رافييل"
السعادة للإجابة الصحيحة دفعت ابتسامة بيلا للاتساع لدرجة شعرت بألم في عضلات خديها... شكراً يا الله على المساعدة.
"أخبرتكِ سلـــــفاً بأن عاطـــــــفة الأم لا تخـــــطئ أبداً..."
ارتجفت ابتسامة فخورة شفاه السيدة الجميلة ودفعت خصلة شعرها الحالك السواد خلف إذنها قبل أن تعيد ألبوم الصور إلى مكانه في الدرج الأنيق المصقول بعناية.
"أتمنى ألا أخذل ثقتكِ بي إيزابيلا..."
"أنا أؤمـــــــن بكِ سيـــــدتي..." قالت بيلا بصدق وامتنان "ربيــــت 'رالف' و'جو' منذ أن كانا في سنتــــــهما الأولى وأستطيع أن أخبرك بأنـــــهما رائعين ومتفـــــهمين... صحيح إن 'رالف' عنيد جداً ويتظاهر بالقسوة لكنه عاطفي في داخله... ملاكاي الصغيـــــرين سيتقـــــبلانكِ ولا شك لي بشـــــأن نجاحكِ في استــــــحقاق محبتـــــهما"
"أنتِ حقا فتاة رائعة... شكراً للطفكِ ... يؤسفني بأنكِ سترحلين إلى أستراليا قريباً... كنت أتمنى لو تُمددي أقامتك لبعض الوقت..." الخيبة في صوتها الرقيق لامست قلب بيلا التي ارتجفت ابتسامتها، لا تريد التفكير في لحظة الوداع، سيتمزق قلبها لفراق أحبتها أكثر مما هو ممزق بسبب أليكس... لكن الوقت حان لتنضج أخيراً وتقلب صفحة وجعها وتبتسم لمستقبل مشرق... أليكس لم يكن يوماً لها حتى وهو يعترف لها بحبه علناً و يذل نفسه أمام خدم قصر شقيقه... كانت مجرد نزوة في حياته... سوف ينساها كما سبق ونسي أليسيا ديكاتريس... فيما يخصها سوف تنساه... آبى قلبها أم رضي.
"أجلت رحيلي بما فيه الكفايـــــة سيــــدتي"
"يقول مارك بأنكِ قلب أليكس النابض...." أخذها كلام لينيتا على حين غرة شحب وجهها واندفع قلبها المسكين في عد سريع قطع أنفاسها "أفهم لماذا..."
رغم اللكنة الرقيقة التي تبنتها السيدة إلا إن الألم المألوف سحق قلبها بلا رحمة، قلب أليكس النابض؟؟ هي قلب أليكس النابض؟؟ منذ متى؟؟ انتهى الحلم الجميل قبل حتى أن يبدأ، أليكس رحل من حياتها بالرغم من إنها تشعر به سارياً في دمها ويستعمر قلبها، لن تكون يوماً قلبه النابض، وهو سيظل جلادها ومعذبها... أحبها وأذلها كما لم يفعل شخص من قبله... لكن كما قررت بينها وبين نفسها قبل ثوانٍ... عليها نسيانه رغم أنف قلبها... دخل الهواء مثل السم إلى رئتيها وأخفت الدموع التي ضببت الرؤية أمامها عن السيدة، فضلت عدم التعليق، وكيف يمكنها ذلك بينما تتفجر في صدرها عاطفة مكتومة، إن تكلمت فستنفجر في البكاء تماماً كما فعلت في مكتب مارك أنطونيو ذلك المساء، وهذهِ المرأة قربها تتفجر عذوبة وتملك من الرقة ما يغويها للانفجار بحق في النحيب بين ذراعيها.
أدارت وجهها نحو النافدة وألتقطت أنفاساً عميقة لتتمكن من طرد الدموع المهددة، لن تبكي... أقسمت ألا تفعل وأن تمحي الماضي كلياً وترسم طريقاً آخر لمستقبل أفضل... نعم أفضل... بدون أليكسندر ريتشي.
"إيزابيلا؟؟"
بصعوبة استجابت لنداء سيدة القصر، طردت بجهد الغصة المؤلمة في حلقها وتساءلت... متى ستتمكن من تجاوز هذا العذاب؟؟ متى ستتمكن من العيش دون أن يعذبها اسم أليكس؟؟ رسمت شبه ابتسامة على شفتيها بينما تنتظر تعليقاً فضولياً من لينيتا التي اكتفت بتقبل الدموع في عمق عينيها بابتسامة رقيقة...
"كيف يمكننا ألا نقع في حب أولاد إدواردو ريتشي؟؟"
"أنــــا حفيـــــدة السائس... لم يكن من حــــــقي سيدتي..." ندمت على البوح بأفكارها علناً، هذا لن ينجح سوى بتمديد الكلام في سيرة أليكس التي تعذبها.
"لم أكن أكبر منزلة منكِ عندما وقعت بحب مارك..." رأتها تقطب قليلاً ويجد الشحوب رويداً مكانه إلى وجنتيها، اندفعت أصابعها السمراء إلى رقبتها الطويلة تفركها ببعض التوتر وتمتمت بخفوت وكأنها تهذي "أحببته حتى الموت وعدت إلى حياته بعد أن عاقبني القدر على جرم عشقه... إنهما من الريتشي... عندما نقع في حب هذهِ العائلة... نتوقع كل المخاطر...."
زحف الرعب إلى قلب بيلا، بالتأكيد القدر كان أقسى على مارك وهذهِ المرأة التي تبدو مستعدة للقتال حتى آخر قطرة دم لتسعد مجدداً مع رجل حياتها، تجمد الدم في شرايينها بينما تتساءل إن كانت على استعداد لتقاتل مثلها؟؟... لتضحي بالعديد من السنوات في مستشفى الأمراض العقلية وتدفع ثمن البقاء إلى جانب حبيبها مجدداً... هل هي مستعدة للتعاقد مع الشيطان وكسب الرهان؟؟؟
"أخبرني مارك بأن هناك أصطبل للخيول... "
هذا التغيير المفاجئ والمباغت في الكلام أراح بيلا لدرجة أحست مجدداً بالتخاذل في ركبتيها... إنها تعشق هذهِ المرأة من قلبها، على التوأمين أن يحمدا الرب لعودتها إلى حياتهما...لأنها وببساطة رائعة.
"هل يمكنني زيارته؟؟ ولما لا نمتطي بعض الجياد وتعرفيني على 'بيلا تيرا'؟؟"
هزت رأسها بالموافقة، غير قادرة على النطق كلمة واحدة بعد الحديث المحتدم والكلمات المليئة بالمعاني التي تبادلاها، لكن شيء واحد هي متأكدة منه، لينيتا داماتا هي سيدة قصر الدوقية المثالية وكان من حق مارك أنطونيو اعتزال النساء من أجلها، خلقا ليكونا معاً... ليكملا بعضهما... الشيء الذي لا ينطبق عليها هي وأليكس...
أليكس الذي يملك ميولاً سادية، كانت تشعر به يتلذذ بعذابها حتى وهو يعترف لها بحبه المزعوم أمام كل من في البيت، لا يرغب بالخسارة فحسب... خطوبتها مع شقيقه لم تروقه... طفل مدلل يريد استعادة لعبته التي ملها ورماها قبلاً... لعبة أتلفها وخربها بعد أن استلمها كاملة، ارتجفت يدها لأفكارها بعد أن لامست مقبض الباب لتفتحه... كيف يمكنه أن يكتفي بها؟؟ هو الذي يخرج مع فتيات المجتمع الراقي ولا يكتفي بواحدة في سريره؟؟...
"السيــــد لم يجلــــب امرأة إلى القصر منذ أن اشــــتراه واستقر مع التـــــوأمين" الاعتراف خرج عفوياً من شفتيها، كانت تشعر بأن من حق هذهِ المرأة أن تعرف إلى أي مدى يعشقها والد طفليها، ألتقت نظراتها بنظرات لينيتا التي كساهما تعبير يشبه كثيراً...الشعور بالذنب؟؟ الأثم؟...يشبه الانكسار المدوي والمزعج؟ رباه هل أخطأت ببوحها؟ سارعت بالشرح والتفسير "كان وفيـــــاً بشكل دفع كــــل من حولــــه للتســـــاؤل... الصــــــفة التي يتــــــجرد قاموس أليكس منها... الوفاء"
"العذاب وأنا واحد وأتعرف عليه من خلال كلامك...، لن أعلق بشيء بشأن أليكس بينما ذاكرتي فقدت سنوات وسنوات من ماضيها... ما أنا متأكدة منه، إن هذا الأخير يُفوت فرصة عمره بالإنتماء إلى امرأة مثلك..." احتبست أنفاس بيلا بشكل مؤلم و نفت اعتراف لينيتا.
"أنتِ مخطئة... أنا لا شيء"
ابتسامة حزينة داعبت شفاهها الجميلة، لمفاجئتها امتدت يد المرأة لتلامس بحنو وجنتها...
"لو كنتِ لا شيء لما وصفك مارك بقلب أليكس النابض، هو يملك بعد رؤية، وأنا أثق برأيه"
* * * * *
يقع 'بلاتزو سيتيمو سانسو' في الفناء الضيق بين جناحي معرض 'أوفيتسي' وفي نهايته القصر القديم وساحة 'السيادة'، الفندق من أنجح فنادق 'ديكاتريس' في إيطاليا بعد فندق 'بلاتزو ديل فيوري' بالبندقية، وليس موقعه الاستراتيجي ما يجعل فرجينيا ساهمة في الشرفة المعلقة، تنظر إلى المناظر الخلابة دون رؤيتها حقاً.
بلع أندريس تنهداته بعد أن انتهى من دوشه ورمى بمنشفته المبللة في سلة الملابس المستعملة في الحمام الرخامي المتدرج الألوان بين الأبيض والكريمي والأخضر ارتدى بنطال البيجاما وترك جذعه مكشوفاَ، دفع أصابعه في شعره الحالك السواد كليلة فلورانسيا الخالية من النجوم ثم توجه بخطوات واسعة إلى زوجته التي تضم ركبتيها إلى صدرها ويلتصق قميص نومها بجسمها الأهيف وكأنه بشرة ثانية، تأملها قليلاً وغمرته نفس العاطفة التي ازدادت حدة مع سنوات فراقهما، بحق الجحيم... هذهِ المرأة حب حياته... كيف تجرأ على تحدي نفسه بشأنها؟؟
ما الذي ربحه في النهاية؟؟ لا شيء...قد تتعدد وتتشكل النساء في هذهِ الحياة بكل نوع ولون... لكن توجد فرجينيا ديكاتريس واحدة ولا ينوي خسارتها مجدداً.
لم ينجح بإثارة انتباهها حتى وهو يفتح الباب الزجاجي للشرفة ويلتحق بها، جلس مقابلاً لها وتأمل ملامحها الجامدة ونظراتها الرصاصية التائهة للحظة قبل أن يتمتم.
"سوف أقتله..." تمتم بجبين مقبض وبصوت أجوف، نجح بإعادتها إلى الواقع، هزت حاجبيها الرقيقين ببعض الدهشة وعدم الفهم وهمست بخفوت:
"تقتل من؟؟"
"الرجل الذي سرق أفكاركِ مني..."
"أبني دايفيد من يستحوذ على أفكاري"
أبعد كل أثر للتسلية عن وجهه وتبنى ملامح مقتضبة أكثر.
"يبقى منتمياً لقائمة الذكور وقصاصي واحد... أرفض أن يسرق رجلاً أفكار زوجتي التي أغار عليها حتى من مداعبة النسيم... لأنه أيضاً ينتمي لقائمة الذكور..."
نجح برسم الابتسامة على وجهها الجميل، حررت ركبتيها اللتين سجنتهما على صدرها طويلاً ومدت يدها نحو وجهه، ألتقط أصابعها في يده بحنان وطبع قبلة طويلة على راحتها الدافئة... حبها يتغلغل في شرايينه مثل الدم تماماً... إنه متيم بهذهِ المرأة.
"هل كان من الضروري أن نقتص من بعضنا... لما فعلنا بأنفسنا ما فعلناه بحق الجحيم أندريس؟؟"
لم يجب... فهو نفسه لا يجرؤ على طرح هذا السؤال المؤلم... شعر بالهواء يحرق رئتيه... كم من مرة يعذبه هذا السؤال؟ يعترف بأنه تفنن بالاقتصاص منها في شبابه كما فعلت به.. يعترف بأن عذابه كان ضارياً وقاسياً... الابتعاد عنها كان بمثابة حكم بالإعدام حرقاً، لكن الوقت ليس مناسباً للملامة، فرجينيا أمضت يوماً سيئاً جداً بعد حادثة المستشفى وعليه إخراجها من كآبتها لا إتعاسها أكثر، عادت شفاهه تضغط على راحة يدها وسمعها تتنهد وتتمتم بحرقة وكأنها تلوم نفسها..
"فعلتُ كل ما أستطعت كي أكون أمّاً مثالية..."
"أنتِ أمّاً مثالية" ردّ بصدق تعانقت نظراتهما بحرارة وضغط على أصابعها في يده برقة مشجعاً "أنا فخور بكل نجاحات فلورانس، صحيح أنها بركان ثائر متنقل لكنها أبنتنا... كيف لها أن تكون غير ذلك بحق الجحيم؟؟ ورثت أسوأ ما لدي ولديك..."
نجح مجدداً بجعلها تضحك، ترك مكانه وجلس بالقرب منها ثملاً من المشاعر المتفجرة، شهقت من المفاجئة عندما انتزعها من مكانها وكأنها لا تزن شيئاً كي يجلسها بعد ذلك على ركبتيه ويتطلع إلى عينيها المشتعلتان في العتمة الخفيفة.
"يُعجبني دايفيد... هل أنتِ متأكدة بأنه ليس أبني أيضاً؟؟"
هزت نظراتها الزرقاء إلى السماء وازدادت ابتسامتها اتساعاً، فمها جميل... شفاهها لم تفقد شيئاً من حسيتها ولا لونها الزهري، إنهما طريتان وناعمتان كما كانتا عندما قبلها للمرة الأولى في مراهقتها وسجنته قبلتها إلى الأبد، عاد يركز على كلماتها عندما وشوشت:
"لم أقع في سريرك ثانية بعد ما تشاركناه في هذهِ المدينة قبل سنوات طويلة جداً...."
أقطب متظاهراً بالتفكير، وكأنه يشكك في كلامها... ظهرت التسلية على وجه فرجينيا وهزت حاجبيها الرفيعتين بينما يستطرد ببراءة:
"كيف لي أن أعرف؟؟ كنتِ تزورينني كل ليلة..."
"آه أندريس..." وخنقت ضحكتها في كتفه العاري، استنشقت رائحته الرجولية بعمق وأحست بالدموع تحرق مقلتيها...رباه كم تعشق هذا الرجل.
"أكاد أقسم بأن لقائنا في فلورانس لم يكن الأخير... هل كنت أحلم وأهلوس بكِ طيلة السنوات الماضية؟؟؟... أمممم... دعيني أفك الغموض... زوجتي السابقة اتهمتني بأنني أخطأ باسمها مراراً..."
ابتعدت عن كتفه لتتطلع مباشرة إلى عينيه الرائعتين وتعود إلى جديتها:
"كنت تتعمد الخطأ في اسمها؟"
قبل أن يجيب أبعد خصلة من شعرها الداكن ووضعها خلف إذنها ثم قبل ذقنها قبلة خفيفة واستنشق عبيرها حتى الثمالة... بالكاد يصدق إنهما زوج وزوجة أخيراً... رغم الغضب الذي يتآكله كلما فكر بـ فلور وإخفائها عنه إلا إنه يشعر أخيراً بالسكينة بعد حرب مع قلبه دامت لسنوات طويلة.
"لستُ حقيراً إلى هذهِ الدرجة فرجينيا... لكنكِ كنتِ في دمي، اسمك ولساني وجهان لعملة واحدة... كنتِ هوسي وستظلين..."
ابتسامتها تلاشت تدريجياً وانحنت لتقبله بنفس الطريقة التي آتى عليها قبل ثوان، تأثرت رغماً عنها بهذا التبادل العاطفي وهذهِ الحميمية، أسندت جبينها على جبينه وأغمضت عينيها بينما تتخلل أصابعها كتلة شعره الحريرية وتشد رأسه نحوها ببعض اليأس وكأنها ترغب بالالتصاق به إلى الأبد.
"لم تكن المرة الأخيرة هنا في فلورانس أنت محق أندريس... كنت دوماً موجوداً في عقلي، تنتظر فحسب أن أغمض عيناي كي تظهر مجدداً وأعيش معك السعادة التي هدرتها بهروبي منك... أكن كل التقدير لـ روبيرتو... إلا أنني كنت آمل في كل مرة بينما أراه مع 'فلور' أن يتلاشى ويتبخر كي تأخذ أنت مكانه... كنت آمل في أعماقي أن أستيقظ من الكابوس وأجد نفسي مجدداً في عمر العشرين... أن أترك غبائي جانباً وأجثو على قدميك كي تتزوجني... كي أنتمي إليك إلى الأبد"
"اهدئي جينا..." اكتشفت بأنها تبكي بحرارة، واندفعت أصابعه الدافئة لتمسح دموعها برقة بالغة... شعرت بأنها في موطنها وبأن عذاب الماضي وراء ظهرها... أمامه في هذهِ اللحظة بينما يلتقط دموعها بهذهِ الطريقة العذبة ويتجرع ما تشعر به وكأنها نسخة أصلية لروحها لا تشعر بالغربة أبداً... إنها أخيراً حيث كان يجب أن تكون منذ الأزل.
"بسببي فلور تكرهنا معاً..."
"ششش... سوف تتخطى ذلك ما أن تًنجب طفلها..."
"وأنت متى ستتخطى خيانتي لك؟؟؟ أعرف بأنك لم تسامحني"
ابتعدت قليلاً كي تنظر في عينيه، لامس بظهر يده وجنتها المبللة والحارة، كان يتطلع إليها بقلق صادق.
"لا أدري جينا... لكن ما أنا متأكد منه في هذهِ اللحظة هو استعدادي للقيام بأي شيء كي لا أرى دموعك ولا أسمع التعاسة في صوتكِ..."
تنهدت وعادت تسند جبينها على جبينه مجدداً وتستمتع بدفئه ورائحته.
"أحبك كونت أندريس دانته ديكاتريس وسأنتظر عفوك بالتأكيد..."
مرت لحظة صمت وجيزة قبل أن يقول أندريس فجأة:
"أريد منكِ طفلاً..."
ابتعدت عنه وتطلعت إليه بدهشة وكأنه مجنون... طفل؟؟ هل حقاً سمعت أمنية زوجها المجنونة؟؟ دهشتها تحولت إلى رغبة عنيفة في الضحك وهذا بالفعل ما سمحت به حنجرتها، انفجرت في الضحك الشبه الهستيري وعندما انتبهت بأنه لا يشاركها ضحكها توقفت ووجهها محمر وعينيها لامعتين من السخرية:
"في عمري أندريس هل تهذي؟؟"
"مازلتِ تضجين شباباً وحيوية... لن تكوني أول امرأة تنجب بعد الأربعين..."
"رباه لقد جننت بحق..." انفجرت ضاحكة من قلبها مرة ثانية وكأنها سمعت أسخف نكتة في حياتها، راقبته من خلال قهقهتها ينظر إليها بوجهه الجاد وعيناه الخضراوين اللتين فقدتا لونهما المميز بسبب الظلمة الخفيفة التي تلفهما، دوى فجأة جرس باب الجناح، استغلت فرجينيا ذلك لتنحني على شفاهه وتقبلهما بحرارة وتعود للجلوس على مقعدها الذي هجرته قبل قليل دون أن تتوقف عن التعليق بتسلية وسخرية على اقتراح زوجها الذي ذهب لفتح الباب لخدمة الغرف.
تسمر مكانه وقست ملامحه بينما تلتقي عيناه بأخريات زرقاوين وباردتين كالجليد ما إن فتح الباب:
"هل أمي هنا؟؟ أريد مكالمتها"
شعر أندريس بأن الجو الدافئ الذي جاهد لخلقه قبل قليل سيتبخر ما إن تعرف زوجته بشأن وجود أبنها خلف باب جناحها، أحس بأنه من واجبه الدفاع عنها وحمايتها من الهجوم المرسوم على ملامح دايفيد ريتشي... فرجينيا محقة... لا يمكن أن يكون أبنه... إنه صورة مصغرة من روبيرتو ريتشي.
"إن آتيت لتتمم ما قالته لها شقيقتك في المستشفى فوفّر كلامك... فرجينيا ليست بخير وأنت غير مرحب بك هنا"
عادت ملامح دايفيد للقساوة أكثر وزم شفتيه بإحتقار، اختفت وسامة آل ريتشي الأسطورية خلف قناع الكراهية... لو كانت الكراهية سلاحاً لأرتد قتيلاً اللحظة، لكنه لا يخشى هذهِ النظرات ولا هذهِ التعابير، ليس مجبراً على استقبال أحد ليعكر صفو أمسيته مع زوجته:
"لا يناسبك دور زوج الأم كونت اندريس، أقلق بشأن والدتي أكثر منك... ما سيدور بيننا خاص أتمنى أن تُخلي المكان إلى أن أتمم ما جئت لأجله"
قبل أن يجيب شعر بوجود فرجينيا في الجوار، رغماً عنه أحس بالدم يجري بسرعة في شرايينه، مجيء هذا الشاب إلى هنا لن يساعد فرجينيا في نسيان قساوة فلور هذا النهار.
"دايفيد؟؟"
"مرحباً أمي... يبدو بأن زوجكِ يكره زيارتي..."
بدت كلمة 'زوجكِ' من فم الشاب كالشتيمة، هز حاجبيه بتهكم متجاهلاً النظرات القاتلة التي يوجهها إليه، فجأة أدرك بأنه الدخيل في هذهِ اللحظة، ربما حبه لـ فرجينيا مرضي وإحساسه بالحماية اتجاهها قد يخنقها مع الوقت، لا يريد فقدانها أو ارتكاب أخطاء الماضي، ربما يستحق دافيد تفسيراً منها بشأن زواجهما، يعرف ما تبقى عليه فعله، العودة إلى غرفته واستبدال ملابسه والنزول إلى بار الفندق إلى أن ينتهي اللقاء بين الاثنين.
"أدخل أرجوك يا بني... رباه كم أنا سعيدة بمجيئك..."
"سوف أترككما بمفردكما" تمتم وندم على الجفاف الذي تخلل كلماته، هز عينيه إلى فرجينيا التي وضعت يدها على ذراعه وتمتمت مبتسمة:
"ارتدي قميصك فحسب وأبقى... لا يوجد أسرار بيننا هل تذكر؟؟"
أحس بالانتصار والامتنان لكلماتها بينما وجه الشاب إزداد شحوباً واختفى لون عينيه الشفاف وراء غيمة سوداء مهددة.
"لا أظنها فكرة سديدة أمي..."
"أعرف لما أنت هنا دايفيد..." قالت فرجينيا بينما يبتعد هو بإتجاه الشرفة ليرتدي قميص بيجامته ويتمهل في إغلاق أزرارها تاركاً إياهما بمفردهما أكبر مدة ممكنة... "تريد انتقاضي مثل شقيقتك، تريد إخباري بأن زواجي خطأ ارتكبته في حق والدك... كل ما ستقوله دايفيد أعرفه سلفاً فوفر كلماتك... "
"هذا الرجل لا مكان له في عائلتنا أمي..."
"إذا كنت ترفض استقباله بصدر رحب فأنت ترفضني أنا أيضاً دافيد"
عم الصمت فجأة، لم يجرؤ على الالتفات ولا النظر مباشرة إلى الشاب الذي يشعر بنظراته تحرق ظهره.
"أنتِ من أختار أمي وليس نحن..."
تلا هذهِ الكلمات الباردة صدى خطوات رجالية ثم سمع الباب يُفتح ثم يُغلق بهدوء، أغمض عينيه ببعض اليأس، بحق الجحيم ما الذي حدث في هذهِ اللحظة؟؟ هل حقا آتت فرجينيا على قطع صلتها بأبنها من أجله؟؟ استدار لينظر أخيراً إليها... توقع دموعها التي تغسل سلفاً وجهها... توقع نظراتها المنكسرة وبشرتها الشاحبة، لم يتوقع أن تغمز له ببعض التواطئ:
"ما رأيك لو نخرج لنتعشى خارجاً؟؟؟"
"فرجينيا..."
"أكثر شخص مقرب لي هو دايفيد فلا تقلق... لن يمكنه العيش من دوني، سيعود ذات يوم عندما يهدأ..."
* * * * *
عندما وصل دايفيد أخيراً إلى سيارته المركونة في مرآب الفندق كان قد وصل إلى حدود صبره، أعاد رأسه إلى الخلف ما إن جلس وراء عجلة القيادة وأغمض عينيه بإرهاق، ماذا توقع لنهاية هذا اليوم المشئوم؟؟؟
كل ما يأمله في هذهِ اللحظة أن يكون بعيداً جداً عن إيطاليا، في مكان لا يرى فيه فرداً واحداً من عائلته الكبيرة وألا يسمع فيه تذمر فلور ولا والده... يريد أن ينسى صورة والدته مع الكونت أندريس في ذلك الجناح.
مرر يديه على وجهه المشدود الملامح بشكل مؤلم، عندما يعود إلى البيت سيأخذ 'نيكول' في إجازة نهاية الأسبوع، رباه كم يحتاج لرفقتها كي تنسيه جحيم هذهِ الأيام في إيطاليا.
رنة مختنقة من جواله نبهته إلى تلقيه رسالة جديدة، ازدادت أعصابه تشنجاً عندما تعرف على اسم أبنة دراكو فالكوني على شاشته المضيئة والصغيرة، ضغط على الزر ليقرأ الرسالة التي لم يعد يعرف عددها.
تذكر لقائه مع دراكو فالكوني وأدرك بأن مجمل مشاكله بسببه، كيف ستكون ردة فعله إزاء كمية رسائل أبنته المتضرعة؟؟؟ إنه لا يحمل ذرة عاطفة لـ بيانكا وبالمقابل لا ينوي التورط معها لتلقين والدها السافل درساً، لكن لقائهما اليوم يدفعه للتفكير مجدداً بدوافعه... على السافل دفع ثمن معاناة فلور.
ألتقط أنفاساً ليطفئ جحيم أنفاسه الثائرة وركب رقم الفتاة التي أجابته بسرعة وبصوت شاحب مرتجف:
"دايفيد..."
"مررتِ بيوم سيء بيانكا؟؟" سأل بعد ثانية صمت.
"لما تفعل ذلك بي؟؟ أشعر بأنني أحتضر بتجاهلك... أتوسل إليك أمنحني فرصة"
أقطب دايفيد وركز على الأضواء العملية للمرآب دون أن يراها حقاً، أبنة دراكو غارقة في الحب حتى إذنيها ومن السهل جداً إيلام الحقير من خلالها... لكن هل سيتمكن من ذلك دون أن يعيش بقية عمره هانئاً مع المرأة التي يحبها حقاً؟؟ ماذا ستكون ردة فعل نيكول إن عرفت بشأن خططه؟؟
ارتسمت مجدداً ابتسامة دراكو الساخرة أمام عينيه، قبل أن تختفي وتظهر ملامح فلور المشدودة والتعسة والشاحبة.
"لا تقفل الخط... دايفيد سأموت إن تجاهلتني مجدداً"
فرك صدغيه وشعر بأن رأسه سوف ينفجر أمام سلسلة التنويهات التي يرسلها ضميره، لقد كبر على اللعب مع طفلة مثل بيانكا، حتى إنها لا تملك أدنى تجربة ولا تشبه من بعيد أو قريب ما يهواه في النساء، لا تشبه نيكول... فقط لو كانت كذلك، ربما أضحت مهمته سهلة نوعا ما...
"اثبتي بأنكِ لم تعودي طفلة بيانكا وبأن لا دور لـ دراكو على تصرفاتك..."
"سأفعل كل ما تريد..."
أحس بوخزة سيئة في صدره عندما تردد صوتها الممتلئ بالأمل والترقب والقلق، يعرف بأنها مريضة، لسوء حظه إنها كذلك، لكنها الطريقة الوحيدة ليلقن السافل درساً.
"جيد جداً 'بليسما'... سأشرح لكِ ما أتوقعه منكِ فأصغي جيداً..."



أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:25 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.