مرة أخرى أمام البرق و الرعد تقف...
تنظر للكون ببسمة واضحة حقيقية...
أول بسمة سعادة منذ زمن ترتسم على شفتيها...
تكاد تقفز لتلمس السماء من فرحتها...
أغلقت عينيها عن ألم جسدها من نقص الحبوب...
نعم من شدة فرحها حرمت عليه الحبوب خوفاً أن تتقلص و لو بمقدار شعرة تلك السعادة...
لكن ذلك لم يمنعها أن تقهقه ضاحكة...
بدأ كله مع مكالمة من مهاب...
يطلب أن يلقاها...
تطير فرحاً ظناً أنه اشتاق لها، تلبس أجمل و أكثر ثيابها اغراءً...
تضع في حقيبتها قميص نوم لا يمكن لرجل بدم أحمر أن يصمد أمامه...
تطير لسيارته متلحفة، بنار شوقها و رغبتها به...
لكنها تفاجأ بمنظر جبينه و الضمادة تغطي جرحه...
قلبها يخفق بألم و شلل يتسلل للسانها ألا تسأل...
رغما عنها، توقعت أن يأخذها للشقة ليفرغ ما به من ألم بها، لذلك تفاجأت به يأخذها لمطعم هادئ خال...
تراه مثقلاً بالمهموم، فيخفق قلبها على غير العادة اهتماماً به...
تحاول أن تتواصل مع جانبها الانساني، لتحاول أن تسأله عن سبب ألمه و ضيقه...
بسمته المرة ترتسم على شفتيه...
تشعر به قد وصل لقاع القنوط...
بل حفر نفقاً لا بعد له في قنوطه!
تمد يدها بجرأتها...
تمسك يده بحنان...
تسأله بلمسة انسانية محبة حقيقية...
ما الذي أرقد هذا الألم كله في جوفك؟؟...
يعود يرفع عينيه إليها و كأنه لا يجد حرفاً في فاه يصف ما حل به!
فتشد على يده التي بين أصابعها بدعم حقيقي...
ثم بهدوء متردد يبدأ يتكلم... يخرج ما به بلا ترابط أو تواصل... أمه الحادث... دعد... الطفل... الموت...
و ماجدة!
و بلا تصديق تستمع...
مصدومة لتواسيه، لكنها تجاوزت كل صدمتها مرة واحدة و هي تنهض عن كرسيها غير مبالية بأحد و تجلس جواره لا قابله...
تحتضن ذراعه بيد، و تمسد على كتفيه بالأخرى، و هي تهمس بكلمات لا تعلم متى تعلمتها لتواسيه...
تشعر به ينظر إليها غير مصدق...
و كأنه راهن بتعمد على أغبى و أفشل جواد في العالم...
تمسح على شعره غير مبالية بمكان جلوسها...
تطمئنه و هي تتمنى حقاً لو تحضن رأسه في صدرها لتبثه أي شيء متبقي فيها...
تتألم لأجله، بل تحترق بذات نار الذنب التي تشتعل به...
لحظات لا تعلم تمددها لساعات أم هي دقائق، وجدته ينهض بهدوء ليذهب للمشفى...
تتحرك خلفه بخفة عبر القطرات الضعيفة للمطر...
يوصلها لبيتها بهدوء... تظل نظراته للأمام و هو لا يجد فيه قوة ليودعها، لتفاجئه بأن تميل عبر السيارة تقبله بكل قوتها... بعدها تحتضن رأسه في صدرها بلمحة كاملة لسحب الألم...
ثم تقفز خارجة من السيارة، و لا تنسى أن تميل عبر النافذة، ترجوه أن يطمئنها إن جد جديد...
تسير في البيت المعتم متألمة و قد فهمت لم لم ترى أخوها و زوجته طوال اليوم...
تدخل غرفتها...
تخلع معطفها مع الوشاح الذي يشابه ما علقه بعنقه ذات يوم بحنين...
تبدل ثيابها و هي مرغمة تشعر بالشفقة على ماجدة...
تتناول علبة حبوبها لتحرق المشاعر التي تولدت داخلها...
و فجأة سطعت الفكرة بعقلها و كأنها ضربة الكهرباء المذكورة...
بسمة مجنونة ارتسمت على شفتيها...
علبة الحبوب تسقط أرضا...
عُمْرٌ كامل يمر أمامها بكل تفاصيله و فكرتها المجنونة تتحول من خيال لواقع!
مشاعر مجنونة تتزاحم في جسدها، تدعمها أفكارها الغريبة...
تربعت على السجادة الدافئة في غرفتها، و قد بدأ البرد يتسرب لجسدها، لكن ذلك لم يسمح لها أن تغلق النافذة، فقط وجدت وشاحاً صوفيا ملقى جوارها و لفته حول جسدها...
و على شعر السجادة الناعم أخذت ترسم عدة أسامي بأظفرها...
ماجدة... مهاب... حاتم...
علاء...زياد... دعد...
و... لين!
اتسعت بسمتها و هي ترى الأسماء أمامها...
و كأنها خلية وصل بدأت تصل خطوط بين عدة أسماء...
ماجدة مع حاتم...
دعد مع ماجدة...
حاتم مع مهاب...
زياد مع دعد...
مهاب مع ماجدة...
مهاب مع دعد...
و أخيراً خط واضح قطع كل شيء...
خط لا لبس فيه يصل لين بكل شخص فيهم...
و كأنها هي الحبكة لكل قصصهم...
ابتسمت و هي تعاود حفر اسمها مرة بعد مرة...
و كأنها تثبت هذه الحقيقة الساطعة...
أنا السيدة هنا...
أنا الرابحة، و الرابحة دوماً هنا...
أخيراً وقفت بخفة تنظر لنفسها في المرآة...
كانت جميلة...
تدرك ذلك و ليست بحاجة لمحلل كي يخبرها...
فلتت شعرها الطويل ليصل لفخذيها...
تتأمل الخصل السوداء الحريرية...
بسمة أخرى ترتسم على شفتيها... منظرها راقي و أسرتها عريقة...
نسب يفخر به أي شخص، من عراقة أسرة والدها، و نسب أمها الأميرة...
سر عقمها محفوظ بينها و بين أسرتها...
فتاة تشرف أي عائلة، إن تغاضينا عن طلاقها...
فقط هذه هي الواجهة...
أما في الخلفية، فتقبع الحبوب و الجنون و العقم!
و لأول مرة هذه الحقائق لم تنغص عليها مشاعرها، و بسمتها مازالت متمددة على شفتيها...
و بلا حبوب لأول مرة مدت يدها تطلب رقما حفظته... حاولت كل جهدها أن تزرع ذاك التعاطف في صوتها...
"مهاب أنا معك... دعني أقف معك... بل أريد أن أكون معك... زوجتك... لا يجب أن تعاني لوحدك..."
و هناك... أمام غرفة العناية المركزة حيث ترقد زوجة والده، وقف مهاب غير مصدق...
لا يجد فيه حرفا ليرد، بينما عقله يتأكد من أنه لا يحلم عندما عادت تكمل بصوت متعاطف ثري بألمه...
" مهاب أرجوك ساعدني لأنظف جسدي من هذه السموم، كي أستطيع أن أكون سدناً لك كما تريد!"
***
نهاية الفصل |