عرض مشاركة واحدة
قديم 26-08-15, 11:19 PM   #1860

eman nassar

نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية eman nassar

? العضوٌ??? » 289978
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,167
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » eman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
افتراضي

لا تذكر كيف وجدت نفسها في غرفتها على سريرها...
لا تذكر من نقلها لهناك...
لكنها انتفضت مرة واحدة و هي تتذكر كل ما حدث مرة واحدة، لتجد يداً حانية تمتد لتهدئها...
"لا شيء هنا سيدتي... اطمئني... أنت بخير..."
إلا أن ذلك لم يوقف تلفتها حولها بجنون، و كأن الكابوس لم ينتهي...
لحظات مرت، و عيناها متسعة بقوة و فزع، لتجد مدبرة المنزل تخترق كل قواعدها و تضمها بهدوء مطمئن...
لحظات أخذت ترتجف خلالها بصمت، بينما تتذكر ما حدث...
كيف انقلب مرة واحدة عليها...
أغلقت عينيها برعب و هي تعي أنها لم تمتلكه قط... فقط ظلاً له أو صورة مزيفة ترقد جوارها كل يوم... أما هو فظل كما هو... بعيد بعد مجرة أخرى عنها!
يا ربي...
كم هي مؤلمة قسوته و ظلاماته...
لم تعاتبه، حتى في مخيلتها لم تفعل، فهذا هو زياد...
لكنها وجدت العتب يجلدها هي...
عاد جسها ينتفض و هي تسمعه يصرخ بجنون يخاطب لين الغائبة...
تنفسها عاد يتسارع و هي تدرك أنه فعلاً فقد عقله...
إلا أن فكرة برزت في عقلها، أنه استطاع أن يصل للين...
دارت بعينها بتساؤل لمدبرة المنزل الي عادت لتحفظها المهذب...
"هل عادت لين؟؟"
همست برعب احتقرت نفسها لأنه خوفاً عليه أن يتهور و يقتلها...
هزت المرأة رأسها بنفي متهيب، لتتيقن أنه فعلاً جن...
و بلحظة أدركت أنه كان من الأول مجنون و الدليل فعلته المرعبة بها...
ساكنة تماماً مكانها و كأنها تخشى أن يتذكرها ليكمل افراغ جنونه بها...
لحظات لا تدرك طولها مرت قبل أن يحمل المكان الهدوء المترقب...
هدوء ينتظر المصيبة المقبلة!
ابتلعت ريقها و هي ترى المدبرة تخرج باعتذار من غرفتها...
ثوان مرت و هي تحدق بظلالها، ثم قفزت خارجة و كلها خوف أن يصعد إليها...
وجدت قدميها تنطلق بتلقائية لغرفة مكتبها...
و بيد مرتجفة أقفلت القفل مرتين...
وقفت للحظات تحاول ضبط تنفسها لكن ذلك كان عسير...
الرعب الذي يسري في جسدها من موقف اليوم مازال يسري في جسدها...
أضاءت كل الانوار... وقفت للحظات مرعوبة أن يظهر لها ذلك الكائن مرة أخرى...
جلست على الأريكة و هي تحاول أن تستعيد دعد القوية، لكنها انتفضت مع صوت ما، لتعود تحاول ان تضبط تنفسها مع طنين جهاز التدفئة...
حواسها رغماً عنها يقظة...
بطرف عينها ترى أشياء تعلم أنها خيالية...
شدت على عينيها تطرد الصورة لتراها تبرق خلف جفونها...
أخيراً بإنهاك و استسلام أسندت رأسها على يدها، و هي لم تعد قادرة على المقاومة...
"أمي...."
همست بفقد و هي تتمنى لو تحضنها و تمتص هذا الخوف...
كم تريدها الآن... بأنانية تريد حمايتها...
و كأن الواقع قرر أن المخاوف المجنونة أخف وطئة منه، لذلك برز بكل قوته يدهسها...
و بانفجار كبت الفقد مع الوحدة، مع الظلم الذي نالها،
انفجرت تبكي...
تبكي و كأنها آخر مرة يحق لها أن تنادي ذاك الاسم...
تبكي و كأن الجنون الذي وقع عليها كان محفزاً لتستوعب فقدها الحقيقي...
عادت تهمس بوحدة محرقة...
"أمي... أرجوكِ تعالي..."
الحرق فيها يشتعل بغليان و القيح فيه ينسكب ليزيد الألم...
لا تدري كم مر من الوقت و هي على هذا الحال،
غير عالمة أن شخصاً آخر يسند رأسه على باب الغرفة يكاد يصاب بجلطة في قلبه مع صوت بكائها...
فاقد لكل شيء حتى حلمه المستحيل بالراحة معها...
فقط يستجلب الألم الذي صنعه بها ليكمل بلمسة فنيه انكساره التام...
مبارك زياد...
لقد وصلت مرة أخرى زياد، لقمة التفوق في الخسران...
***
عادت من ذكرياتها بما حل بها...
ابتسمت بمرارة، و هي تتذكر كيف استيقظت صباحاً لتنطلق للمشفى بدون انتظار له، و قد علمت أنه سقط من كل حياتها...
فقط تؤجل النكبة التي منه و فيه، لتستطعم نكبة فقدان أمها...
و بدون كلام نظر إليها حاتم بنظرات مدققة، و بينما تحاول أن ترسم بسمة ما فقط لأجله، وجدته يتقدم ليحضنها بهدوء...
لحظات و هي تشعر بشيء من المرار بها يتقلص بقربه، ليفلتها بصمت و هو يعود لهدوئه الذي يقتل فيها الأمل...
لم تره تائه ضائع إلا عندما فجعته بما تعلم...
و بعدما فهم كامل حال زوجته، سقط الجبل مرة واحدة...
لم يبكِ أمامها، لكنه سقط... تحطم... ينظر حوله بحيرة و كأنه سيجدها تخبره بما يجب عليه فعله...
منظره بهذه الطريقة حرقها، لتحاول بقوة من جينات أمها فيها، أن تواسيه...
و كما مع أمها وجدا في الصمت راحة من ذلة الكلام...
"مهاب لا يرد عليّ... هل عندك علم عن حاله؟؟"
فوجئت بالسؤال يخرج منه... يمكنها أن تخمن لكنها تخاف من نتيجة تخمينها، بينما الرجل يكمل بذات الهدوء...
"من منظرك بالأمس حينما أخبرتك بزواج مهاب، أكاد أجزم أنه زواج بالسر..."
لم تنفي كلامه، و لم تؤكد عليه، ليكمل بعد غمضة عين...
"لو رأيت مهاب، بعد الآن دعد، أو سمعت عنه... فيمكنك أن تخبريه أنني لم أعد والـ................"
فوجئ بها تقاطعه بسرعة...
"أرجوك لا تقلها... يكفيه ما فيه... أنت لم ترى الذنب الذي يعيشه بعد حادثة أمي... أرجوك لا تقلها... مهاب رجل جيد... نحن لا نعرف ما حدث بينهما ليفعلا ذلك... لذلك لا تسقط اللوم كله عليه..."
نظر لعينيها التي تعاظم السواد تحتهما... ثم تحدث بمرار لم يداريه...
"لم أعد أعرفه دعد... لقد تغير كثيراً... بعد عني أميالاً... لكن أن يصل الأمر للعبث مع الشرف... ليس ابني من يفعل ذلك... رباه... إنه شرف و ليس شيء أقل!"
ابتسمت بمرارة و هي تتذكر جنون زياد... رحمة من الله منعت القشعريرة من السير على ظهرها بحضور حاتم...
"لكنه ليس وحده الملام... أنت لا تعرف لين... "
توقفت بسرعة و هي تغلق عينيها مع شفتيها بيأس، ألا تغتابها... أخيراً عادت تتحدث بهدوء...
"عمي، لا تكن عليه مع كل النكبات فتخسره تماماً... مهاب على الحافة... و أعلم أن زوجـ... زوجي مجنون، لذلك حمله كامل المسؤولية... لكن الزواج لم يتم بالإكراه، و لم يجبرها على شيء... لذلك، لا تضعضع صخرته الوحيدة و تتركه يهوي فتخسره تماماً..."
ظل الرجل ينظر إليها بثوان و فخر لا يحق له أن يشعر به، أنه يجلس جوار قطعة من ماجدة... بسمة مرة ارتسمت على شفتيه و هو يهز رأسه موافق دون كلام...
ظلا كذلك لوقت طويل دون أن يحتسباه من الزمن...
فقط أمل غبي مجنون أن تقهر كل كلام الأطباء و تنهض...
ذلك الأمل كان مؤلم لدرجة، أنهما يخافا أن يأملاه...
***
أخيراً استطاعت أن تتحرر من الحجاب الأسود و الثياب السوداء...
كان ثاني لون تكرهه بعد الرمادي...
تركت الثوب يسقط أرضاً و هي تخرج منامة قطنية لونها أزرق هادئ...
رقدت بعقل فارغ على السرير في غرفة علمت أنها جهزت لأجلها منذ زمن... لكنها لم تدخلها إلا بعد رحيل سيدة الدار.
ابتسمت بحنين و هي تمرر يديها على النقوش الأنيقة لمفرش السرير...
لونه بنفسجي هادئ تلائم بدرجاته ليتصاعد لوردي...
ذوقها في الأثاث و كأن دعد التي اختارتهم...
استلقت على السرير و هي تتذكر ما حدث منذ ثلاثة أيام...
للأمانة هي لا تتذكر أي شيء...
لقد تم الأمر بسرعة خيالية، لتستيقظ و هي في هذه الغرفة، على خبر وفاة و ميلاد!
شعرت بغصة معتادة في حلقها، و هي تودع أمها على مائدة الجراح، و قد انتهت فورما أدت آخر مهمة لها...
قلبها في مكان ما، و قرنتيها، و نخاعها...
لا تفهم كيف وجدت كتفا اشتاقت بجنون لسيدها تدعمها...
غصباً يحتضنها بينما هي جامدة لا تصدق...
يكاد يبكِ بدلا عنها، بينما هي جامدة...
رغم استعدادها لرحيلها، و رغم حفظها لكامل الأدعية إلا أن صدمة الفقد كانت أقوى...
اعتدلت و هي تتذكر تسارع الأحداث...
عزاء... ثياب سود... كفن... قبر...
و طفلة!
على خلاف كل الصور كانت طفلة...
طفلة في حضانة تصارع الدنيا كلها لتعيش...
رئتاها كانت غير مكتملة... بحاجة للبقاء في الحضانة لفترة طويلة...
المهين هنا، انها لم ترها حتى الآن...
لا تدري لم تشعر أنها سرقت حياة أمها، رغم إيمانها التام أن عمر أمها قد انقضى لكن هذه الطفلة تمثل لها غصة تخنقها...
نهضت من على السرير لتتحرك ناحية النافذة... أخذت تتأمل القمر المضيء في سماء صافية، بطريقة لا تلائم ليالي الشتاء...
كان يوم موت أمها يوماً جميلاً صحواً توقف فيه المطر... لا تدري أهي اشارة لكي لا تيأس، أم أن الطفلة تلك تحمل في طياتها أمل جديد...
تنفست بهدوء الهواء النظيف بعدما فتحت النافذة، و هي تفتقد للأمان من ذلك الصدر الذي امتص معها صدمة الموت... زياد القريب البعيد...
تشعر به حولها في كل مكان...
لا تفهم كيف وقف جوار مهاب و والده في العزاء...
يفاجئها بطريقة تفقدها عقلها...
تماسكه و تجاوزه عن كل ما فات يرعبها...
يضمها بصمت وقتما اختلت بنفسها في الحديقة الخلفية بعدما دفنت أمها، و كأنها فهمت معنى الموت...
يواسيها بذراعه... بصدره... بشده عليها... بمشاعر تتسرب دون ارادة منه إليها...
لكن شفتاه مطبقتان، و كأنه قرر الصيام عن الكلام...
و المشكلة أن هذا يخيفها...
بل يرعبها...
لم يعتذر، و كأن اليأس قد اكتمل فيه...
لم يطلب الغفران...
لم ينظر لعينيها و كله خوف أن يرى ما يفقده آخر قوة فيه...
لم يحاول أن يدافع عن قضيته و قد سقطت العقوبة عليه قبل المحاكمة و الإدانة، و شهادة الشهود!
نعم زياد لم يصم عن الكلام، بل الكلام صام عنه!
و بجنون وحدتها، و بتوق لصوته وجدت نفسها تتجاوز كرماتها و رغبتها بأن يعتذر و يعتذر و يعتذر، حتى تفكر أن ترضى، وجدت نفسها تتصل عليه و هي تحلم بأن تسمع صوته...
***
بتهيب لا تدري لم يسري في جسدها وجدت نفسها تقود في هذا الوقت المبكر من الصباح لبيتها...
عدم رد زياد على هاتفها بالأمس ليلاً أفزعها...
بترقب دفعت البوابة متجاهلة أن تطرق الباب و حنين مع خشية يتسللان لمشاعرها...
تجاهلت الشاعرية في شوقها لبيتها و افتقادها لأركانه، و أيضاً بقوة أكبر تجاهلت الرجفة في جسدها و هي تسير بسرعة أقرب للركض أمام غرفة المكتب، لتصعد متوجهة لغرفة النوم و هي تشعر بخفقان قوي في قلبها...
***
صمت بليغ يحلق بين الاثنين...
هو توقف لثوان يحدق بها بافتقاد مجنون، و هي تحدق بما يفعله بلا تصديق...
لحظات ثم همست بادراك متأخر...
"أنت مسافر؟؟"
منظر حقيبة التخييم الضخمة الكبيرة على السرير... جوارها ضروريات يعرفها هو جيداً...
ضروريات اعتاد عليها في سفره القديم و الذي بدأت به الحكاية...
ترك ما بيده و أخذ يحدق بها...
يخاف أن يبرز أي شيء على السطح...
يخاف أن يظهر أي شيء...
لكنه مشتاق...
يا الله كم هو مشتاق...
و للأسف، يعلم أنه لا يحق له أن يشتاق...
يعلم دوماً انها أفضل شيء حدث له...
و يعلم أنها حدث و انتهى!
لذلك هو لن يكمل تلويثها ببقائها في عالمه القذر!
"أنا آسف دعد!"
صدمت من الكلمة... و صدمت أكثر و هو يكمل بهدوء...
"شيء لم أعتذر عنه قط... كم أتمنى لو يعود الزمن بي قليلاً لأعتذر من المعنية الأولى لكن القدر حكم عليك أن تتلقي التعازي... و الاعتذارات!"
خفق قلبها لثوان برعب شديد، بينما هو يكمل بذات الهدوء و إن عادت يداه تكملان تعبئة الحقيبة...
"أنا أعتذر بالنيابة عن عائلة الصانع لما فعلناه بأمك قديماً... كان تصرفاً حقيراً... و أعلمك أنني قبل أن أتزوجك كنت قد حللت مشكلتها تماماً... لقد كنتما من وقتها بأمان... أعتذر لكما أننا جعلناكم تمران بكل ما مررتم به... كان تصرفاً حقيراً من قبلنا أن نستغل فتاة منا، و أمها بتلك الحقارة!"
ثم رفع عينيه الميتة لعينيها المصدومة...
"لا أدري إن كنت تصدقي أم لا تصدقي... لكن يهمني كثيراً أن تقبلي اعتذاري... كما يهمني أكثر أن تقبلي اعتذاري، عن المشورة القانونية التي استطعنا أنا و علاء أن نوصلها إليكم بطريقة ملتوية!"
تنفست بعمق أشد و هي تتذكر هذا الأمر...
كانت قد نوت أن تتمرد على خوف أمها و تعود لحضن جدتها... لذلك و بسرية حاولت التواصل مع محامي في الوطن لتفهم وضعهما القانوني...
و وجدت أنه أشركها في كل تهم أمها القديمة...
بل خدعها بإضافة أنها ملاحقة مثل أمها لأن مصانع الصانع أفلست، بينما هي لم تتحمل نصيبها من الخسارة، غير مدركة أنها كانت قاصر، و أن الخسران، لا يؤثر بها، بل على وصيها و هو زياد!
كل هذا جعلها تقنط من العودة للوطن، إلى أن تغلب الحنين على كلتاهما، خصوصاً مع خبر وفاة جدتها الغالية...
و بالمال الذي بدأت دعد تحصده و أمها تخبئه، وجدتا القدرة على الحصول على هويات جديدة... و ماضي قديم دفن بطياته و اسقط منه حتى خبر زواجها، خصوصاً بعدما علمت أن زياد الصانع أصلاً كان قد طلقها!
و الآن ابن الصانع يعتذر عن كل هذه البلبلة!
ظلت تنظر إليه بوجوم و رغما عنها شعرت بمرارة الظلم الذي سقط عليها...
ذلك المرار الذي انتقل كاملا لزياد، ليبتسم به ساخراً من نفسه...
"ماذا كنت أظن؟؟ فعلا الغفران كثير على من هم بدناءتنا... هل تعلمين دعد؟؟... ربما يريحك ما حدث للين... رغم كل شيء الدنيا دوارة، و الديون تتسدد بطرق لا ممكنة!"
لحظات مرت و يده التي تحاول أن تتصرف بلا مبالة رفضت الطاعة و توقفت عن العمل، و بدلاً من ذلك ارتفعت بتلقائية لمكان كان به حلق في أذنه...
لكنه ببتر لكل ما يمت لها بصلة كان قد خلعه كما خلع اسمها من حياته!
"لماذا تعتذر الآن زياد؟؟"
أفاق من أفكاره على تساؤلها الهادي، ليرفع عينيه إليها بنظراتها التي بدء الفهم يتسرب لنظراتها...
ابتسم بسمة هادئة و هو يرفع بلوزة قطنية بكمين طويلين أمام وجهها و هو يرد ببساطة...
"أملاً ببعض الراحة!"
"لأين أنت ذاهب زياد؟؟"
تنهد و هو لا يعلم حقاً الجواب، ليرد بصدق...
"لا أدري... فقط سأغادر..."
"لأين زياد..."
الصوت الذي يسأل بدأ يحتد و الصرامة تشع منه... بسمة شوق لها برزت رغماً عنه قبل أن يقتلها، و هو يتشاغل بنظره عنها...
"لأي مكان دعد... لم أكذب عليك بأي حرف... أنا بحاجة لأن أغادر... أنا بحاجة لأن أسافر... بحاجة لأن أتنفس... أي هواء آخر... فقط بحاجة لنفس... نفس أخير... أنا فقط أريد أخرج من هنا!"
ثم نظر حوله و تنفسه يتصاعد و صمت انفعالاته بدأ يتقلص...
"أنا بحاجة لأن أكون في أي مكان إلا هنا... هنا يخنقني... يذكرني بخيباتي... يذكرني بفشلي... يذكرني بعجزي... يذكرني..."
"بي!"
فوجئ بها تقاطعه و هي تقطع المسافة بينهما في خطوتين لتكون مقابلة له...
"يذكرك بي... أأنا خيبة زياد... أأنا فشل آخر!"
حدق بها لثوان و هي قريبة بعيدة في وقفتها، لحظات قصيرة حاول أن يكبت شوقه ناحيتها، و كله كراهية لظلمه لها، قبل أن يهز رأسه من فشل الحلم بها...
"بل أنت كنت حلماً جميلاً ، حاول أن يتسلل لكابوسي الطويل... أنا أحررك دعد مني... أتركيني، هذا خير لك... أتركيني و ابقي نظيفة... أتركيني..."
"أنت لست الوحيد الموتور هنا زياد... أنت لا تحررنني... و لا تتكارم علي... أنت تفر بجبنك كما كل مرة من أي مواجهة حقيقية!"
ابتلع ريقه و كأنها أصابت بدقة محترفة الهدف، و رغم أنها رأت امتقاع وجهه إلا أنها أكملت بصرامة...
"أنت تفر من المحاولة زياد... تعتذر عن حدث عاش و مات و انقضى عليه عقد من الزمان، و تخشى أن تطلب الغفران على ظلمك لي... بل تخشى أن تطلب الغرفان منك لجرمك بحق أختك... نعم، أنت تؤمن أن ما حدث لأختك هو خطؤك وحدك... أنت تظن أنك الملام وحدك في هذه الجريمة..."ثم هزت رأسها المنهك و هي تحاول أن تتعقل..." أنت بحاجة لمواجهة الحقيقة زياد... لين.............."
"لا تذكري اسمها في بيتي... هل تفهمين؟؟"
قاطعها بصراخ جمدها لثوان، لكنها عادت تهز رأسها و هي تقول بقوة...
"لن أذكر اسمها... هل هذا ما تريده... نسقطها... نمحوها... نخرج الألبومات و نقص صورتها... نقيم حفلاً في الخارج و نحرق كل حاجياتها... بل نحرق كامل ماضيها، علنا نتطهر من ذكراها... هل هذا يريحك... لا لن يفعل... أنت تريد أن تفر من مواجهة ذكراها... من مواجهة كل المصائب... من أثرها الباقي بك... تبتر عضواً منك و لا تهتم!.. ماذا أيضا؟؟... تفر من فعلتك بي... تفر من علاء... من كل شيء... بجبن أنت تفر زياد..."
رفع رأسه لأعلى، و هو شعر بعجز مريع، قبل أن يعود بنظراته اليائسة لدعد...
"ما الذي تريدينه مني دعد؟؟... ما الذي تأملينه مني؟؟... أنت لا تعلمين شيء مما بداخلي... أنت لا تعلمين كم.............
يا إلهي دعد!!... كانت مدمنة... لعامين مدمنة... هل تفهمين؟؟" نظر للسقف و العجز مع القهر مازالا يشتعلان فيه، و لا يظن أنه قد يبرأ منهما أبدا...
"كل هذا بكفة، و كونها متزوجة بكفة أخرى... متزوجة بالسر... تخرج إليه و تبات معه... كل هذا و هي تأكل صباحا على مائدتي... تشاركني يومي... تحدثني... تنظر إلي... و بالليل... بغفلة مني... يا ربي... هل تفهمين ما أنا... هل تفهمين؟؟"
هزت رأسها برفض لما يقول...
"أنت مجنون لتحمل نفسك كل هذا اللوم... المرأة إن أرادت أن تفعل أي شيء ستفعله على الرغم من كل شيء... علاء أخبرني كامل قصتها بالأمس عندما اتصلت عليه اطمئن عليك... لين فعلت كل هذا لتنتقم منك... هل ستسعدها بأن تبكي على ما فعلته بك... هل ستجعلها ترتوي بثمالة كأس نجاح انتقامها منك!"
مرت لحظات و سؤالها معلق ينتظر من الجواب، ثم هز رأسه بيأس و هو يعود ليكمل ملئ حقيبته بتجاهل تام لها... أما هي فتجمدت غير مصدقة لما يفعل... حتى عندما أغلق السحاب، و تأكد من احكام اغلاقها... حتى و هو يحملها على ظهره مجرباً ثقلها... حتى و هو يفعل ذلك ظلت غير مصدقة...
أخيراً تجرأ و رفع عينيه لعينيها... بسمة محبة لا تعلم كيف تجاوزت كل شيء كسهم موجه لقلبها...
"تذكري دعد، أنني أحبك... كثيراً أحبك... لذلك، كل مرة أحاول أن أفسد ما بيننا... لأنني لا أستحقك... أنت تحتاجين لحياة سليمة بلا عقد... لحياة نظيفة بلا ماضي قاتل... أنت بحاجة لأن تتطهري مني و من كل ما كنت فيه!"
ثم أغلق عينيه و هو يستصعب القول و الفعل، بينما فهم يتسرب لعقلها، لتخرج حروفها مرتجفة...
"انت لن تعود؟؟"
مط شفتيه للأسفل بمعنى لا يدري، قبل أن يتجه لباب الحجرة...
"كنت سأمر عليك، ببيت زوج أمك... لقد أردت أن أعطيك هذا الملف بكامل حقوقكم القديمة مع فائدة تقادميه... أظن أنه يخصك الآن..."
وجدت نفسها تقاطعه بفقدان عقل، و هي تلقي الملف لآخر الغرفة بفقدان عقل...
"أيها المجنون... ألم تفهم شيء من الأشهر الفائتة... ألم تفهم أنني أحبك، لدرجة أن جرمك بدا و كأنه لم يحدث..."
"لكنه حدث..."
قالها ببساطة و هو ينزل الدرج... لحظات تجمدت قبل ان تلحقه بسرعة...
"زياد أقسم أنك لو غادرت لن أغفر لك... هذه المرة لن أفعل... أقسم لك أنك لو فعلتها و غادرت، فسأتركك... طلقني... هل سمعت؟؟... طلقني... لا تتركني هكذا..."
ابتلع ريقه بعجز، و هو يتمنى لو يخرج الكلمة... لكنها كانت ثقيلة بمرار على لسانه...
ليهز رأسه بقلة حيلة، ثم تجاهلها، و هو يكمل النزول، فأكملت صارخة...
"زياد أيها الجبان... طلقني... لا تتركني معلقة... و أقسم بعدها أن أتزوج أول طالب لي... سأقهرك زياد... سأنجب أولاداً منه... سأفعل بك أسوأ مما فعلت بك لين... سأدمرك، كما دمرتني... لو غادرت فسأدمرك زياد... سأحرق قلبك... لو كنت كما تقول تحبني، فسأرسل لك صوري معه... سأحرق آخر نبضة في قلبك... سأدمرك بأسوأ طريقة... زياد لو غادرت فسأفعلها..."
رفع رأسه أخيراً و هي أعلى الدرج، بينما هو يقف بينه و بين الباب مسافة مترين...
لحظات مرت و هي تتمنى لو ترى عيني حبيبها التي تشع بأي انفعال لا هذا الميت... لتهمس بآخر ما تملك من قوة، علها توقظه...
"زياد.... لن تخرج من باب هذا المنزل إلا و أنت قد حررتني!!"
***
نهاية الفصل!




eman nassar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس