عرض مشاركة واحدة
قديم 10-07-16, 04:28 PM   #4

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

الفصل الثالث



جلست قرب النافذة و دفنت رأسها بين يديها و ارتسمت في مخيبتها صورة ذلك الرجل الغامض الذي يتطاير الشرر من عينيه !
رغم اسهابها في الحديث عن ابن أخيها، لم تذكر العجوز أي شيء عن نفسها، و ظلت ايبا تجهل ماضيها الغامض. كل ما عرفته عنها أنها تمجد جيلز، و هو بدوره مولع بها الى حد كبير. و هي امرأة سهلة لا يصعب على المرء الاعجاب بها، لأنها ذكية، مرحة، و لطيفة، و ان كانت تتصرف على نحو مفاجئ في بعض الأحيان. بذلت جهدها لاضفاء المتعة على اقامة ايبا في دلهي، مصرة على مصاحبتها كل مساء. و استأجرت سيارة تاكسي خاصة لتنقلها الى الأمكنة التي أحبتها خلال الجولة السريعة و لم تدع أيبا تدفع أي جزء من التكاليف، و ظنت أن جيلز يتحمل كل هذه النفقات بكرمه و سمحاته.
الشرقي حيث ترتفع الأبراج السامقة التي تنتصب على زوايا الضريح، يا لخيال الانسان المترامي، و قدرته العجيبة في تشييد معالم خالدة كهذه، غمرت أيبا موجة من الحزن و التواضع و هي تفكر في آلاف العبيد الذين عملوا و ماتوا هنا من أجل نصب شكل رخامي تعبيرا عن وفاء سلطان مغلي لزوجته المتوفية.
و كانت كلما حدقت في الصرح تتضاءل في ذهنها أهمية كل الوقائع التي قرأتها عنه في الكتب. كان تاج محل جاثما هناك يتحدى الزمن، و ينطق بألف لغة و لغة، و كأنه يعلن خلوده الدائم، و يندمج في أحاسيسها و أهوائها و رغباتها.
أشاحت بنظرها الى البعيد. كان هذا الصرح كل ما توقعته و ما لم تتوقعه. وقفت عاجزة عن وصف مشاعرها الداخلية. كيف يستطيع المرء وصف الألوان لرجل أصيب بالعمى منذ ولادته، أو الألحان الموسيقية لمن ولد أصم؟
بدأ أفراد المجموعة يتجولون في كل اتجاه، لكن أبيا ورفيقتها العجوز ظلتا جالستين على السور الرخامي قرب الضريح. لمست أبيا بفطرتها أن الآنسة بيتمان تراودها أفكار مماثلة، فاجتاحتها مشاعر من التعاطف المرهف. أطلقت تنهيدة مكبوتة، فترامت الى مسامع العجوز حيث نظرت اليها مؤنبة :
-اياك و الدموع يا أبيا
- ان ذرف الدمع لا يفي جماله
-ان السلطان حول دموعه الى رخام و بنى هذا الضريح. و لم يدر في باله أي شيء آخر بعد ذلك.
تنهدت أبيا ثانية :
-لابد أنه أحبها كثيرا ليفكر في بناء هذا الصرح لها.
-أنا شخصيا أكره هذه الأشياء.
فغرت أبيا فاها تعجبا :
-لا يعجبك تاج محل؟
-لا لم أقصد ذلك. لكن اقامة هيكل للحب هو هدر للطاقة و العاطفة . مهما كان المرء يحب شخصا آخر عليه أن يسلم بوفاته، و يتابع حياته بعزم جديد، و يفكر في المستقبل و ليس في الماضي. و عطست العجوز بحدة ثم تابعت :
-أعتقد أنك تعتبريني مجرد عجوز ثرثارة
-لا أبدا
و عطست العجوز مرة أخرى، فانتصبت واقفة :
-يبدو أن الجو بارد قليلا. سآخذ سيارة أجرى الى الفندق و لكن أبقى أنت هنا. سأراك غدا حيث نمتع أنظارنا بمزيد من المشاهد. و لم يخب ظن أبيا. اذ خلبت لبها مدينة أغرا بمناظرها و جلبتها، و كل القصص الظريفة التي جرت أمامها في الشوارع و الهياكل و المقاهي. و بدأ تاج محل في وضح النهار رائعا باهرا مثل روعته في ضوء القمر الفضي.
كان الليل يرخي سدوله عندما عادتا الى فندق كلارك شبراز حيث تقام حفلة رقص هندي في الحديقة بعد تناول العشاء.
لكن قبل انتهاء الحفلة قالت لها العجوز :-أشعر ببعض الارهاق. سأتناول وجبتي في غرفتي.
تمعنت أبيا في ملامحها فلمحت احمرارا بارزا فوق بشرتها الشاحبة. أنت طعامها بسرعة ، وودعت أفراد المجموعة متوجهة الى غرفة العجوز مباشرة للاستفسار عن صحتها.
بدت الآنسة بيتمان في ثياب النوم القطنية الرقيقة أكبر سنا مما تبدو عليه في أثوابها الحريرية ذات الطراز القديم. كان صوتها أبح، و انتابتها نوبة السعال و هي ترحب بأبيا ففقدت قدرتها على الكلام للحظات معدودة.
اقترحت أبيا :
-ألا تظنين أن من الأفضل لك استدعاء الطبيب؟
-ما الفائدة؟ أنا معرضة دائما للاصابة بالالتهاب الشعبي و الانفلونزا. ارتكبت خطأ لا يغتفر بجلوسي عل ذلك السور الرخامي ليلة أمس.
-هل لديك بعض الأدوية هنا؟
-تناولت بعض الأقراص منذ فترة قصيرة. يمكنك جلب قنينة دواء السعال من الحمام.
نزلت أبيا عند رغبتها، و لشد ما كانت دهشتها و هي ترى عدد قناني الدواء المصفوفة حول المغسلة. قالت العجوز بعد نوبة سعال حادة :
-لا أظن أنني سأتجول غدا مع المجموعة. زرت المعالم عندما كنت هنا المرة الماضية، و هي حتما لا تزال كما هي.
-يقال أن معالمها فائقة الجمال و محفوظة على نحو متقن.
-لكنها آثار ميتة لا حياة فيها مثل مدينة بومبي في ايطاليا. كانت منذ أربعمائة سنة المقر الرئيسي لبلاط السلطان، و لكن بعد وفاة السلطان أكبر الشهير تدهور وضعها كثيرا. و لكن من المفيد التمتع بها تبقى منها. قالت أبيا بلهجة حماسية أضحكت العجوز :
-كل شيء في الهند يستحق الزيارة و الرؤية.
-كلامك يذكرني بروعة الصبا و الفتوة.
-و من الرائع أيضا أن يكون الانسان فتي القلب مثلك.
-شكرا يا عزيزتي على كلماتك اللطيفة. تعالي لرؤيتي حالما تعودين غدا.
نهضت أبيا باكرا، و جلست تنتظر وصول الحافلة الصغيرة. لكن ضميرها كان يؤنبها و يدفعها لالقاء نظرة على العجوز قبل مغادرتها المكان. هرعت مسرعة ال غرفة المرأة.
أدركت لتوها أن العجوز تعاني من شيء يتجاوز الزكام العادي. بدا وجهها منتفخا، و عيناها محمرتين. كما خالتها فير قادرة على التركيز لمدة طويلة ، و أخذت تتمتم كلمات غير مفهومة و هي تشيرعلى أبيا بالذهاب و ركوب الحافلة مع الآخرين. و عندئذ قررت أبيا استدعاء الطبيب.
أخبرها موظف الاستقبال عن وجود طبيب يزور نزيلا آخر، و سينتهي من فحصه خلال نصف ساعة. و أضاف الموظف :
- أن دليل الجولة في انتظارك,
أجابت أبيا و هي تعارك خيبة أملها :
- ليذهب بدوني. لن أترك الآنسة بيتمان وحدها.
- يمكننا تكليف خادم للاهتمام بها.
كادت أبيا تبدي موافقتها، غير أن ضميرها ردها، فشكرته ورفضت اقتراحه.
ما أن قلعت الحافلة لتقل المجموعة في جولة سياحية جديدة حتى وصل الطبيب. كان في خريف العمر مائلا الى السمنة، يلف جسمه بسترة هندية ضيقة مزررة حتى عنقه.
فحص العجوز فحصا شاملا، و علت وجهه امارات التجهم مما أخاف أبيا، وأدخل الرعب الى قلبها، أعلن أخيرا :
-انها نزلة صدرية حادة. سأصف لها بعض المضادات ، و لكن لا أتوقع أية نتائج ايجابية قبل مرور أبع و عشرين ساعة.
سألته أبيا :
- هل من الضروري نقلها الى المستشفى؟
- لا ضرورة لذاك الآن. لن أتخذ القرار النهائي حتى أراها ثانية عشية اليوم. و أثناء ذلك سأرسل اليك الأدوية (ثم حملق في وجهها مستفسرا) هل أنت احدى قريبتها؟
- مجرد صديقة. سأبقى هنا طوال اليوم.
هز رأسه علامة الرضا، و غادر الغرفة. جلست أبيا على كرسي بجاني السرير لتتصفح كتابا حول المدينة الصخرية القديمة التي فاتتها زيارتها.
عاد الطبيب في وقت متأخر من المساء حيث كانت صحة العجوز ازدادت سوءا. لاحظت أبيا أنها تتنفس بصعوبة ، و تتمتم بعض الكلمات حول أناس و أمكنة لا تعرف عنها شيئا ، أو تغط في نوم عميق ، مرسلة شخيرا متواصلا.
أكد لها الطبيب :
-لاحاجة الى القلق. ستتحسن حالتها في الصباح.
لم تكن أبيا واثقة من كلامه المطمئن و تزايدت مخاوفها مع اقتراب المساء حيث غرقت العجوز في هذيانها مرة أخرى :
-ما هذا يا جيلز؟ لا تعاملني بهذا الأسلوب فأنا لست طفلة ! طفت العالم مرتين قبل أن تولد، و لا أنوي قضاء بقية حياتي في كرسي للمقعدين. قد أكون طاعنة في السن، و لكنني لست خرفة و لا أعاني من مرض العضال.
ابتسمت أبيا. أن الآنسة بيتمان هي اياها حتى في هذيانها. فكرت أن جليز فقد أعصابه أكثر من مرة معها. و مع أنها لمحته لبرهة خاطفة في مكار هيثرو، لمست لتوها أنه رجل ذو ارادة حديدية. يبدو أنه يتمتع بشخصية مسيطرة، و هو انطباع أكدته أحاديث عمته حوله. خطت أبيا نحو السرير بهدوء. لاحظت أن الآنسة بيتمان ازدادت انكماشا في فراشها، و أدركت أنها تتعافى في وقت قريب. و اذا كان الوضع كذلك، ما هي ردت فعل ابن أخيها لعدم اطلاعه على مرض عمته، و خاصة و هو في الهند؟
ترددت قليلا قبل أن تفتح حقيبة العجوز بحثا عن مفكرة أو دفتر عناوين. و أخيرا عثرت على مفكرة مجلدة قرأت فيها عنوان جيلز فارو و رقم تلفونه في بومباي.
طلبت مخابرة هاتفية لتوها، وراحت تذرع الغرفة جيئة و ذهاب تنتظر جوابا بفارغ الصبر. و أخيرا رن جرس الهاتف فزالت كل مخاوفها و شكوكها و هي تسمع جيلز على الخط، واثقا حادا. قالت بسرعة :
-أنت لا تعرفني. أنا مع عمتك ضمن المجموعة السياحية. و... و... و اصطدمت بك في مطار هيثرو...
قاطعها محتدا :
-ما الذي الم بعمتي؟
استاءت من نفسها و سوء تصرفها، اذ ماذا يهمه من ي أو أين التقاها؟
أخبرته أبيا عن وضع عمته بعجلة :
-يقول الطبيب أنه لا لزوم للقلق و لكن...
-و لكنك قلقة الى حد جعلك تتصلين بي؟
-نعم. لم أكن لأتصل بك لو كانت في انكلترا، أما...
-سأركب أول طائرة. و أعتقد أنني سأصل صباح الغد.
فاجأتها سرعة قراره. قالت :
-ام أتوقع منك المجيء الى هنا، سيد فارو.
-لماذا اتصلت بي اذن؟
-لأضعك في الصورة. و لكن اذا...
-حسنا هذا ما قمت به الآن، و اتركي لي القرار من فضلك.
و أقفل الخط بعد أن شكرها ، فأعادت أبيا السماعة ، يخالجها ارتياح ممزوج بالتوتر. يا له من رجل مزعج ! مع ذلك كانت مغتبطة لاتصالها به، اذ لم تعد تتحمل مسؤولية مرض الآنسة بيتمان وحدها. و اذا حدث طارئ بين الليلة و صباح الغد عندما يصل ابن أخيها ، لن يلومها أحد أو يتهمها بالإهمال.
رفعت سماعة الهاتف مرة أخرى و طلبت وجبة العشاء في غرفتها، ثم مضت نحو النافذة و حدقت في الظلام بحزن يشوبه الحنان. قضت يوما مرهقا و مثبطا للعزيمة. هل صرف اجازة يعني الجلوس ساعات لمراقبة عجوز في حالة من الغيبوبة؟
تثاءبت و تمطت ، متمنية حضور جيلز فارو ليتوالى زمام الأمور مكانها. انها تتوق الآن الى التخلي عن هذه المسؤولية الصعبة ! جلست قرب النافذة مطلقة زفرة حزن صامته ، و دفنت رأسها في راحتيها. و ارتسمت في مخيلتها صورة ذلك الرجل الغامض الذي يتطاير الشرر من عينيه.


تم الفصل الثالث


miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس