عرض مشاركة واحدة
قديم 10-07-16, 04:41 PM   #8

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

الفصل السابع



"طالما أنك توجه الي الاهانة كلما تحدثنا، فأرجوك أن تتجنب الكلام معي قدر الامكان" فأجاب :"هل تزعجك الحقيقة؟"
ساورت أبيا الشكوك حول ذهابها الى أوديبور و التخلي عن الآنسة بيتمان. لكنها عللت نفسها أن جيلز فارو، رغم أفكاره المعوجة، يضمر حبا عميقا لعمته، و سيبذل جهده في الاعتناء بها.
و هكذا دخلت الطمأنينة الى قلبها، و تمتعت باقامتها في ذلك الفندق القديم المطل على بحيرة اصطناعية كبيرة تشكل أحد معالم المدينة البارزة، و كان يقع وسط عدد من بحيرات شبيهة. انه قصر مهاراجه الصيفي الذي أضحى فندقا الآن. و في ذلك أقام مسافرو الدرجة الأولى. أما أبيا فنزلت في "قصر الشتاء" الذي وجدته مصدر غبطة دائمة. كانت تزينه ألواح الزجاج الملونة و فسيفساء الخرف، وضم متحفه الخاص أروع مجموعة من الرسوم و المنمنمات:
و بدا السوق أيضا يفيض حيوية، فراحت تنتقل من حانوت صغير الى آخر، تراقب الصاغة يصنعون أدق القلادات و الأساور التي تتبرج بها النساء الهنديات. و لم تستطع تمالك نفسها فاشترت قلادة ممتلألئة أدهشها ثمنها البخس، فابتاعت معها سوارا لمعصها.
و كانت تمر في مخيلتها من وقت لآخر صورة الآنسة بيتمان و ابن أخيها. و ازدادت دقات قلبها اضطرابا ذات مرة عندما لمحت شابا طويلا. الى أن استدار فأدركت أنه رجل غريب. و ما استساغت فكرة اقامتها في منزله في بومباي، فقررت تجاهل الموضوع مؤقتا. ستدرس المسألة عند ذهابها الى هناك.
علت الدهشة وجه الدليل السياحي شيران عندما انبأته أنها ستتخلى عن أفراد مجموعتها فور وصولها الى مومباي. خال أنه ارتكب خطأ ما، فسارت الى طمأنته و التأكيد له أن المسألة لا علاقة لها به. أوضحت له:
-سأعمل لدى الآنسة بيتمان. و من الأفضل أن أقيم معها. علق للسيد شيران:
-اذن أتمنى لك التوفيق، فهي تحاول طرد شبح هذا الرجل الكريه من ذهنها، و لا فائدة من التحدث عنه.
و هكذا وصلت الى بومباي ظهر اليوم التالي عقب رحلة رتيبة في الطائرة فوق صحراء قاحلة. غير أن المطر كان يزدحم بالناس المنتشرين في كل زاوية. و كان معظمهم يجلس على الأرض غير عابئ بثيابه الأنيقة و ذلك في انتظار حجز مقعد على الطائرة الداخلية الوحيدة.
أرسل جيلز فارو سيارة ليموزين لنقلها من المطار. كان السائق يرتدي بذلة رمادية و يطلق لحية سوداء مجعدة، و يعتمر عمامة.
و فاجأها باتقانه اللغة الانجليزية حيث راح يفسر لها كل المعالم و المناظر التي يمران بقربها أو عبرها، و هما في طريقهما الى المدينة.
و ارتفعت على جانبي الطريق الرئيسي بنايات أسمنت شاهقة بدت مثل أحياء الفقراء ذات الأكواخ المتواضعة، مع فارق الحداثة و المظهر. أحست أبيا بقلق عميق و هي تتأمل أحياء البؤس الممتدة وراء جدران تحاول سترها وحجبها بدون طائل. و ازعجها أن هذه الأحياء تقوم وسط مجتمع بومباي التجاري المزدهر، و كأنها الدليل الساطع على قساوة الانسان تجاه أخيه الانسان.
سألت السائق في محاولة التغاضي عن الفقر المحيط بها:
-هل يقطن السيد فارو في المدينة نفسها؟
-نعم يا سيدتي، انه يقطن في حي تلة ماليبار. انه من أجمل أحياء بومباي.
هذا ما توقعته من السيد فارو، يختار الأفضل و الأحسن لنفسه. فكرت أبيا صامتة و كأنها تنتقده و تنتقد نفسها في آن معا. فهي بعد أن أطلعت على سبب تصرفاته الرعناء، عليها أن تتفهم وضعه و تتجاهل فظاظة مراسه. قال السائق:
-نكاد أن نصل
و انطلقت السيارة وسط طريق تحيط بها الأشجار الباسقة، و يترامى البحر على جانبها الأيمن. و كانت مدينة بومباي مبنية على جزر متعددة موصولة بممرات معبدة حيث يلمح المرء من وقت لآخر مياه المحيط الهندي تتلألأ في البعيد. أبطأت السيارة سرعتها وهما يمران عبر بوابتين من الحديد، و انعطفت في درب جانبي حيث توقفت أمام منزل مكون من ثلاث طبقات.
و أدركت أبيا لتوها أن المنزل كان ذات يوم قصرا فخما. وما ان صعدت الدرجات الرخامية و أصبحت داخل البهو المربع العريض حتى ازداد يقينها. و أطل جيلز فارو بقامته الفارعة حيث تقدم منها و عيناه تلمعان لمعانا عجيبا. خفق قلبها باضطراب، و هي تنظر اليه
يحدجها بوجه بارد، باهت. سألها بخفة:
-هل كانت رحلتك مريحة؟
-نعم شكرا.
استطرد و هو يتوجه نحو الأبواب الزجاجية في آخر البهو:
-عمتي في الحديقة.
تمنت أبيا لو تمضي الى غرفتها أولا لاستعادة بعض نشاطها، لكنها رفضت أن تتقدم اليه بأي طلـب. كان رجلا بالغا الاهمال رغم آراء عمته عنه، و الى حد جعله لا يلاحظ حرارة الجو و التضاق ملابسها بجسمها و تصبب عرقها. فكت قبة فستانها قليلا، و سارت وراءه على مضض.
كان يرتدي بذلة رسمية رمادية و ربطة عنق سوداء، و خالته يرتدي الملابي الرسمية اياها حتة ولو كان يتناول طعامه وحيدا وسط الأدغال.
تراقصت غمازة رقيقة في وجنتيها، فعضت شفتها لتحول دون غرقها في قهقهة عالية. فتح الأبواب الزجاجية، وقادها عبر حديقة خضراء في اتجاه حوض سباحة. كانت الآنسة بيتمان تجلس على الحافة، تتقي الشمس تحت مظلة مخططة بالألوان البيضاء و الزرقاء. كانت تضع فوق طاولة أمامها أبريقا من عصير الفاكهة المبرد و عددا من الأكواب، اضافة الى آلة تسجيل و دفتر.
رحبت العجوز بأبيا قائلة:
-ها قد باشرت بالعمل كما تلاحظين. لا تصديقي من يقول لك أن الابداع يموت مع التقدم في السن. و أنا أهم دليل على ذلك.
أعلن ابن أخيها مازحا:
-لكنك ظتهرة فريدة من نوعها !
-اذا كان الاحتفاظ بالصحة و العافية و محبة العمل ظاهرة فريدة فأنت على حق. لكن كثيرين من الناس يتخذون أعمارهم ذريعة للتكاسل و عدم انتاج أي شيء. اياك أن تقع في هذا الفخ يا جيلز. ان القيام بعمل نتمتع به يحافظ على نضارة الشباب.
قال متسائلا:
-لكن كم من الناس يتمتعون بعملك، فلا تتظاهر بعكس ذلك، أظن بعض الأحيان أنك جعلته بديلا لأي شيء آخر.
قال مشيحا بوجهه:
-انه قرار اتخذته منذ عدة سنوات.
ألقت عمته نظرة سريعة على أبيا، ثم ركزت على ابن أخيها ثانية:
-هل تنوي أن تعيش بقية حياتك كرجل عازب؟
-هذا ما أنوي فعله.
-و ماذا ستفعل بشركة فارو للهندسة و الأموال التي سترثها مني؟
قال بصوت جاف:
-ثمة جمعيات خيرية كثيرة تستحق التبرعات. و الآن أود انهاء ببعض الأعمال.
أجابت عمته باستياء:
-يا لحدة الطباع ! هل ستتناول غداءك هنا اليوم؟
-كلا سأراك وقت العشاء.
-و لكنك ستصحبنا الى حفلة شاندريس؟
تساءل:
-هل تعافيت تماما للذهاب الى الحفلة؟
-لماذا تريد تحويلي الى امرأة عاجزة ! ما التقيت بعائلة شاندريس منذ وجودهم في لندن، و أتوق لرؤية العائلة مرة أخرى.
-يمكنني دعوة العائلة لتناول العشاء معنا.
استشاطت العجوز غيظا:
-بالله عليك، أريد الخروج و زيارة الناس.
هز بكتفيه تأففا و مضى في سبيله، فجلست أبيا على أحد الكراسي. و افترضت أنها بدأت عملها منذ تلك اللحظة، مع أن واجبتها لم تكن محددة. ذكرت الآنسة بيتمان شيئا حول الشغل
كسكرتيرة، فهل آلة التسجيل لها علاقة بالموضوع؟
قالت:
-اذا كانت توجد آلة كاتبة فسأباشر نسخ الشريط.
علت ابتسامة وجه العجوز المتجعد:
-الآن أثناء الاجازة؟ هل تظنين أنني تاجرة رقيق يا ابنتي؟ ان رحلتك الخاصة بدأت بعد أن ألغيت رحلتك مع شركة كينغ السياحية.
اندهشت أبيا:
-رحلتي الخاصة؟ ماذا تقصدين؟
تألقت عينا العجوز السوداوان:
-لا بأس. اعتبريها سرا مخفيا، فأنا كاتبة روايات بوليسية، و يحق لي أن أكون غامضة.
ساورت أبيا الشكوك:
-سأكون أكثر سعادة لو قمت ببعض الأعمال و أنا هنا، و الا شعرت بالذنب لعدم بقائي في فندق.
حذجتها الآنسة بيتمان:
-ما هذا الهراء؟ حسنا. سأساعدك على تخفيف وطأة الشعور بالذنب. أول شيء أريده منك، اذا كنت ترغبين فعلا في العمل معي، هو أن تطيعيني طاعة مطلقة و تامة.
أدركت أبيا مغزى ما يمكن وراء هذه العبارة، و أن الآنسة بيتمان لا ترغب في الافصاح عنه. افتر تغرها:
-انك عجوز ديكتاتورية. سأطيعك اذا وجدت الأوامر ملائمة لي.
تنهدت الآنسة بيتمان:
-يبدو أنني استخدمت فتاة سليطة اللسان ! لكن لا بأس، لديك حسنات و ايجابيات أخرى كثيرة. و أتمنى لو يستطيع جيلز اكتشاف بعض هذه الايجابيات.
توردت وجنتا أبيا وبدلت الموضوع بسرعة:
-ماذا جرى لسكرتيريك السابقة؟
-سرقت بعض الدراهم وولت الأدبار. كانت في حاجة ماسة الى الدراهم، و ليس من أجل نفسها، من أجل رجل نذل تعرفه. كنت أتمنى أن تظل معي بعض الوقت لتكتشف حقيقة هذا الوغد، و لكنها لم تفعل للأسف الشديد.
-ماذا جرى لها؟ هل استعادتها الدراهم؟
-لم أحاول استعادتها. ألح علي جيلز لرفع دعوى في المحكمة، فأبيت. أن الدراهم التي سرقتها ضئيلة جدا بالنسبة الي، و يبدو أنها في حاجة ماسة الى الحصول عليها.
سألت أبيا:
-يا لك من امرأة غفورة طيبة القلب.
-لم لا؟ هي التي ستتضرر في نهاية الأمر !
استوعبت أبيا هذا القول ثم قالت:
-أذهلني استخدامك لي بدون أية توصيات.
-انك شفافة كالزجاج يا عزيزتي !
-يا له من تعبير يدل على مدى غبائي !
توجهت عينا العجوز:
-لم أقل أنك زجاج عادي غير مزخرف.
قهقهت أبيا و قفزت على قدميها. مضت الى حوض السباحة. و ألقى جسمها ظلا فوق المياه، و انساب نسيم هادئ يلاعب موجهات صغيرة، فتمعج ظلها قليلا.
قالت و هي تشث الهواء بذراعيها:
-يا ليتني كنت طويلة لقامة شقراء و مثيرة عوض هذا المنظر البائس كالفأرة.
أنبتها الآنسة بيتمان:
-لست فأرة عادية، بل فأرة ذات شعر ذهبي و عينين بنيتين حالمتين. كفي عن الاستخفاف بنفسك !أتيت على ذكر كل هذا من قبل.
مسحت أبيا جبينها المتصبب عرقا:
-ان الطقس حار. هل أستطيع ارتداء ملابس خفيفة؟
-اذهبي عبر الحديقة الى المطبخ. ستجدين أنديرا هناك. انها الطاهية و مدبرة المنزل.
أعجبت أبيا الفكرة و سارت بجانب الجدران الرخامية الى ان تنشقت رائحة الطعام فأدركت اقترابها من المطبخ. كان الباب الخلفي مشروعا، و تقف فتاة هندية في الوسط منكبة على سحق التوابل بمدقة الهاون. لمحت أبيا، فابتسمت بحياء، و نادت بصوت أقرب الى الفحيح حيث ظهرت على الفور امرأة سمينة من وراء باب الخزانة.
استفهمت:
-نعم يا آنسة، هل تريدين شرب الشاي؟
قالت أبيا بمرح:
-لا شكرا. أبحث عن غرفة نومي. أنا سكرتيرة الآنسة بيتمان و قالت لي أن أسأل عن أنديرا.
قالت المرأة السمينة:
-أنا أنديرا.
و قادت أبيا عبر المطبخ الكبير الى البهو الرئيسي. صاحت بصوت جهوري، فهرع على اثره خادم مطيع. قالت له:
-خذ الآنسة الى غرفتها فورا.
طأطأ راسه و صعد مع أبيا السلم الرخامي اللولبي الى أن بلغا غرفة نوم واسعة مطلة على الحديقة. بدت قطع الأثاث ضخمة مثل الغرفة التي تضمها، و خاصة ذلك السرير الذي يتسع لعائلة بأكملها، و تلك الخزانة الهائلة التي تبتلع كل ما تملكه أبيا، علاوة على أثاث الغرفة. و تدلت فوق النوافذ ستائر ذهبية مطرزة تلامس أطرافها سجادات هندية سمكية. و يؤدي باب في الجهة اليسرى الى غرفة حمام يربض فيها حوض كبير و تنتصب قربه مغسلة ذات حنفيات مطلبة بالذهب تنسجم ألوانها مع المناشف الصفر.
خلعت أبيا ملابسها بسرعة و استحمت، ثم ارتدت فستانا جديدا خفيفا و عادت الى الحديقة حيث كانت الآنسة بيتمان منكبة على دفترها تسجل فيه أفكارها.
سألتها:
-ما رأيك بهذا العنوان:"جريمة قتل بفقاعات الهواء"؟
أجابت أبيا بسرعة:
-ان القتل لا يروق لي أبدا.
و بدا على وجهها القرف، فضحكت العجوز:
-لست اذن من المعجبات بروايتي؟
-أنا معجبة برواياتك. و لكن اقرأ كتبك شغفا بوضفك للأشخاص أكثر من جرائم القتل التي يرتكبونها.
أطبقت دفتي الدفتر بحدة:
-هذا ما يقوله جيلز أيضا. أتمنى أن ترتدي فستانا جميلا هذا المساء يا أبيا. تقيم عائلة شاندريس دائما حفلات بهجة، و أ،ا متأكدة أنك ستقضين وقتا ممتعا.
سألتها أبيا متوجسة:
-هل تفكرين باصطحابي معك؟
تمعنت في قسمات وجهها:
-طبعا. أنت رفيقة و سكرتيرة، و أتوقع منك مصاحبتي حيثما أذهب. ستبدين رائعة فيثوب هندي ! هل أنت مستعدة لارتداء الساري؟
سألت أبيا:
-كيف ستكون ردة فعل الهنود؟
-سيطيرون فرحا.
-اذن الجواب نعم.
قالت الآنسة بيتمان:
-عندي عدة أنواع من هذه الأزياء.و كلها مجرد قطع طويلة من القماش، أربعة أو خمسة أمتار. عليك ارتداء بلوزة، و تنورة ملائمة.سأطلب من لالا أخذ قياسك و المباشرة بالخياطة.
استفسرت أبيا:
-لالا؟
-الخادمة في الطابق العلوي. انها خياطةبارعة. هيا بنا يا ابنتي. ازداد فضول أبيا و هي تترقب هذه المفاجأة السارة،و لحقت بالآنسة بيتمان الى غرفة نومها حيث رنت جرسا فظهرت فتاة هندية هيفاء القوام. كانت تكبر أبيا ببضع سنوات، وذات ملامح بالغة النعومةو كأنها احدى المنمنمات التي تزين جدران الغرفة. أبلغتها العجوز كل ما هو مطلوب منها، فاختفت عن الأنظار ثم رجعت تحمل شريط قياس. أخذت مقاييس أبيا برشاقة فائقة، أمعنت فيها النظر ثم غادرت.
ابتسمت العجوز قائلة:
-ستكون البلوزة و التنورة جاهزتين عند الساعة الخامسة هذا المساء. و الآن اختاري لون الساري.
و أشارت الى صندوق كبير مصنوع من خشب داكن مرصع بالعاج مثل تحفة أثرية. فتحته أبيا باعتناء، و شهقت فرحا و هي ترى الأقمشة المزركشة في داخله كأنها جوهرة براقة. تمتمت:
-لا أعرف ماذا أختار.
اقتربت منا العجوز قائلة:
-فلأساعدك اذن.
و سحبت قطعة حريرية وردية الألوان مطرزة بلون ذهبي. رفعتها عاليا أمام عيني أبيا:
-هذا اللون يلائم بشرتك تماما. انه يضفي عليك وهجا خاصا. استدارت أبيا نحو المرآة تتأمل قطعة القماش فوق جسمها.لم يسعفها خيالها على تصورها فستان من الساري، فقررت تقبل رأي العجوز.
و تأك لها في المساء أن اختيار ذلك اللون كان اختيارا مثاليا. نعم انه يضفي على بشرتها وهجا خاصا و يلفت النظر طبيعته الؤلؤية. و حتى شعرها بدا أكثر لمعانا تضيء ضفائره ببريق ذهبي خلاب. و هكذا خلقت الخادمة لالا من قطعة قماش ثوبا فضفاضا يلف جسمها بأناقة مدهشة لم تألفها من قبل. قالت لالا بصوتها الرخيم:
-يذهلك عدد النساء الأوروبيات اللاتي يعشقن ارتداء الساري، و لكنه لا يلائم معظمهن. أما أنت فيلائمك جدا لرشاقة قوامك. تقبلت أبيا هذا الاطراء و هي تعرف مغزاه الحقيقي. ابتسمت:
(سأحاول تبني مشية تلائم الساري، فلا أحرك ذراعي كثيرا.
خطت أبيا بعض خطوات متعثرة، فحدجتها الفتاة الهندية ثم أطلقت ضحكة رنانة. قالت
-عظيم، عظيم أنت الآن سيدة هندية متكاملة.
استدارت أبيا نحو المرآة و أخذت تمعن النظر في ثوبها:
-مازال يعوزه شيء ما. و لا أدري ما هو.
و مدت لالا لتوها يدها نحو عنقها و ادنيها و نزعت بسرعة قلادة الذهب و الأقراط المتدلية الطويلة و أعطتها لأبيا قائلة:
-خذيها على سبيل الاعارة. هذا ما ينقصك.
قبلت أبيا عرضها دون تردد و أدركت كم هي صائبة فورا.
ابتسمت:
-هذه بادرة لطيفة منك. شكرا.
قالت لالا:
-سأخبرك غدا أين يمكنك شراء جواهر مماثلة.انها ليست باهظة الثمن.
-و لكنها توحي بالتبرج مع فستان غربي. و لا أنوي لبس الساري مرة ثانية.
-يمكنك شراء شيء أبسط. انك تبدين رائعة في هذه المجوهرات.
سألتها
مشيرة الى القلادة حول عنقها:
-ألا يدل هذا النوع من المجوهرات على أن المرأة متزوجة؟ حنت لالا رأسها كاشفة عن علامة حمراء في أعلى جبهتها، قالت:
-ليس دائما. ان علامة كهذه برهان لا يخطئ.
أجابت أبيا بتعجب:
-لم أكن أعرف أنك متزوجة.
-منذ احد عشر عاما.
-هذا مستحيل. كم هو عمرك؟
-أربعة وعشرون عاما. خطبني زوجي عندما كنت في الثالثة من عمري و عقدت زواجي عندما أصبحت في ثالثة عشرة.
نظرت أبيا الى لالا بحزن و اشفاق. ما معنى حياة امرأة تعقد خطبتها على رجل لا تعرفه ثم تتزوجه و هي لم تبلغ سن الرشد؟ ارتأت أبيا الاعتصام بالصمت و هي فتاة أجنبية لا يجوز لها اثارة مواضيع كهذه. سألتها:
-هل عنك أولاد؟
-عندي صبيان.تتولى حماتي الاعتناء بهما أثناء النهار. و أنت ألست مخطوبة؟
طافت ابتسامة باهتة فوق ثغر أبيا:
-لا. لم أصدق أحدا من الرجال بعد.
-و هل يقلقك ذلك؟
-لست قلقة حتى الآن. حصلت لتوي على وظيفة جديدة مع الآنسة بيتمان.
و كادت أن تشرح لها مدى انزعاجها من جيلز فارو، ثم قررت تجاهل الأمر مع لالا. الأفضل أن تنساه و كأنه غير موجود.
قالت لالا.
-ربما صادفك الحظ قريبا. ان هذا الساري سيجذب الأنظار اليك.
-خاصة اذا زلّت قدمي في هذه التنورة !
انحنت باحترام، و مضت لالا في سبيلها، متهادية في مشيتها على نحو دفع أبيا الى تقليدها، محاولة التدرب على الأسلوب الهندي في السير.
هبطت السلم الى غرفة الاستقبال. لم تجد أحدا هناك فتنفست الصعداء. لم يشغل بالها رأي العجوز بل ما اعتادت سماعه من جيلز فارو. توجهت الى النافذة متوترة الأعصاب، و ألقت نظرة على الحديقة شبه المعتمة. أحست بحركة خفيفة. استدارت لترى الرجل الذي كان يشغل أفكارها.
انتصب أمامها ببذلة ضاربة الى السواد، و قميص حريري شفاف و عبق في جو الغرفة عبير عطر منعش و هو يتقدم منها، فأحست بوجوده أكثر من أي وقت مضى، و :أن تفرسه في وجهها زادها ادراكا لكل اشارة تصدر عنه.
قال أخيرا:
-يا للعجب ! تحولت الفأرة العادية الى فراشة زاهية الألوان.
-أشعر و كأني شخص آخر.
-ربما أصبحت هكذا منذ الآن فصاعدا. هل هذه هدية من عمتي؟
-يا لك من رجل حاذق !
-انها ليست الحذاقة يا آنسة وست. هذه هي عادة عمتي المزمنة.تجمع اللقطاء مثل التقاط الكلب للبراغيث. و تنفق عليهم كل ما تستطيع، ثم تجلس لتلقي الصدمات و نكران الجميل.
و انهارت كل محاولات أبيا في السيطرة على أعصابها أماما هذا الهجوم الدنيء. قالت:
-طالما أنك توجه الى اهانة كلما تحدثنا، فأرجوك أن تتجنب الكلام
معي قدر الامكان.
-هل تزعجك الحقيقة؟
ردت:
-لا. يزعجني أن تصدر علي أحكامك نتيجة سلبية الآخرين.
ارتسمت امارات الغضب على وجهه، فاتكأ على كرسي وراءه، واضعا يده في جيبه سترته:
-لا أؤمن أن المودة تباع و تشترى كالسلعة، و كذلك الولاء.
قالت:
-هذا هو رأي. ان المودة الحقيقية لا تشترى بل تنبثق عفويا.
-ثماما مثل علاقتك بعمتي؟
قالت متحدية:
-لا أعرف عمتك مدة كافية لأشعر بالولاء أو المودة لها. لا تحاول نصب شرك لي بالتحاذق علي. أنت تظن أن اعتنائي بعمتك في أغرا تكمن وراءه نوايا خفية. و لكن هذه طبيعتي. كنت اعتنيت بأي انسان في وضع كهذا، حتى أنت.
تقوس حاجباه:
-يا لك من ملاك طاهر. سأتذكرك عندما أحتاج اليك.
كادت أن تخرج من الغرفة حتى عندما رأته يستدير ليرحب بعمته.و بدت بثوبها الحريري الأسود الطويل أكثر أناقة من أي وقت مضى، ورغم رفعها طرف الفستان حيث كشفت عن انتعالها حذاءها الأسود المعتاد. قالت العجوز:
-الراحة أهم من الزي السائد. أنك في غاية الجمال يا عزيزتي أبيا. ألا توافق يا جيلز؟
-لا يمكن القول أن الآنسة أبيا وست جميلة.
-يا لك من رجل فظ القلب !كيف تصفها اذن؟
انتظرت أبيا جوابه محمرة الوجنتين. لاح بريق ابتسامة ساخرة حول فمه، و سمر عينيه الواسعتين محدقا فيها، ثم تكلم متوجها
بالحديث الى عمته.
-أصفها بقولي أنها شمعة صغيرة وردية اللون، ذلك النوع من الشموع الذي يضاء في الهياكل.
سألت العجوز أبيا:
-و ما رأيك في هذا الاطراء يا عزيزتي؟
-أظن أن سيد فارو يعني أنني أذوب كالشمعة و أضمحل من الوجود.
عاتبته عمته بخفة.
-هل هذا صحيح يا جيلز؟
-لا أبالي كثيرا مما يطرأ علي وضع الآنسة وست.
خرج صوت جيلز فارو باهتا غير عابئ بما تعاني منه أبيا، فتاقت الى صفع وجهه بقوة لم يسبق لأي رجل أن أثار فيها كل هذا التعصب من قبل.
-من الأفضل أن أغادر الآن.
قالها بكل هدوء و سار أمامهما نحو السيارة المنتظرة في الخارج.


تم الفصل السابع


miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس