عرض مشاركة واحدة
قديم 28-09-17, 06:27 PM   #5

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,585
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



2 ـ

أغسطس قيصر


عند الساعة السابعة , وقفت هارييت تنظر من واجهة متجرها إلى

العاصفة في الخارج . كانت قد ذهبت إلى بيتها وغيرت ملابسها وعادت

بسرعة لئلا تجعله ينتظر طويلاً . ـ

لكن يبدو أنه ليس دقيقاً في مواعيده فقد مضت الساعة السابعة منذ

عشر دقائق ولم يظهر بعد أي أثر له . وعند السابعة والربع تمتمت بشتيمة لا

تتلفظ بها سيدة مهذبة , ثم استعدت لمغادرة المتجر باستياء .

أقفلت المتجر وأخذت تحدق ساخطة إلى المطر المنهمر عندما توقفت

سيارة عند المنعطف وامتدت من بابها يد أمسكت بها , وأطبقت عليها قبضة

جبارة سحبتها إلى الداخل بسرعة .

ـ أعتذر لتأخري . لقد أعاقني المطر . المسرحية , لحسن الحظ , لا تبدأ

قبل الثامنة , لذا أظننا سنصل في الوقت المناسب .

سألته غير مصدقة : (( أنت حتماً لا تعني أنك وجدت تذكرتين ؟ )) .

ـ بلى طبعاً . لمــــاذا تشكين بي ؟

ـ ومن رشوت ؟

فقال ضاحكاً : (( كان الأمر أكثر نزاهة من ذلك بقليل )) .

ـ أعجبني هذا .

وأعجبها أكثر عندما اكتشفت أنه حجز أفضل مقصورة في المسرح . لا

شك في أن لهذا الرجل علاقات جيدة .

قدم ماركو إليها الكرسي الأقرب إلى خشبة المسرح , ما مكنه من النظر

إليها وإلى العرض في الوقت نفسه . لم يجدها رائعة الجمال , فقد كانت أكثر

نحافة مما ينبغي بقليل , لكنها بليونة عارضات الأزياء , كما أنها أنيقة , أو

على الأقل يمكنها أن تكون كذلك إذا اهتمت بمظهرها . ـ

ثوب السهرة الذي ارتدته لم يكن سيئاً جداً , كان طوله يصل إلى

الكاحل , ويظهر رشاقة حركاتها . بدا لونه الأحمر القاتم رائعاً مع أنه لا

يتناسب مع شعرها البني المائل للاحمرار , وكان شعرها منسدلاً على كتفيها .

لو أنها ترفعه لكي يكشف عن وجهها وعنقها الطويل لكان ذلك أفضل ـ

بكثير . أليس هناك من يخبرها بهذه الأشياء ؟

حليها القليلة لم تكن جميلة ولا متلائمة مع بعضها البعض . فقد يلائمها

أن تتزين بالذهب , وأن تختار حلياً كبيرة تتناسب مع شخصيتها القوية

الهادئة .

التفكير بالذهب ذكره بالقلادة , لكن مزاجه الآن جيد ولا يحمل لها أي

نية سيئة . وعلى أي حال محاورتهما الغاضبة كانت مفيدة لكسر الجليد

بينهما .

كان العرض المسرحي عبارة عن موسيقى عصرية بالغة الظرف حلوة

الأنغام . بدا الراقصون سريعي الحركة وبالغي الحيوية , وقد استمتعتا بذلك

معاً , وغادرا المسرح مسرورين . كان المطر قد توقف والسيارة تنتظرهما في

الخارج . ـ

قال ماركو : (( أعرف مطعماً صغيراً يقدم ألذ الأطباق في لندن )) .

ثم أخذها إلى مكان لم تسمع به من قبل رغم أنها من سكان لندن ,

ودهشت قليلاً عن دخولها مطعماً فرنسياً لكنها ما لبثت أن أدركت بالضبط

ما يريه . . . فإذا كان ينوي حقاً أن يعبث معها ويوقعها في شباكه عليه أن

يثير دهشتها في البداية . ـ

ـ ربما كان علي أن أسألك إذا كنت تحبين الطعام الفرنسي .

ألقى عليها هذا السؤال بعد أن جلسا معاً إلى مائدة هادئة .

ـ أحبه بقدر ما أحب الطعام الإيطالي تقريباً .

قالت هذا بالفرنسية . وقد يكون هذا زهواً منها , لكنها شعرت بأن

عرض مواهبها كلها قد يكون فكرة حسنة .

ـ أنت طبعاً غير متعصبة قومياً . عليك أن تكوني كذلك نظراً إلى نوع

عملك . هل تتكلمين الإسبانية ؟

ـ نعم , واليونانية واللاتينية أيضاً .

ـ اليونانية الحديثة أم القديمة ؟

ـ كلاهما .

وتجنبت أن تبدو في صوتها نبرة الاضطراب .

ـ طبعاً .

قال هذا بابتسامة خفيفة وهو يميل برأسه احتراماً .

كان الطعام لذيذاً حقاً . وكان ماركو خير مضيف , إذ بقي يسألها عما

ترغب بع من دون أن يضغط عليها بما يقترحه . وناسبها ذوقه تماماً .

بدا الضوء خافتاً عند مائدتهما , فهو عبارة عن شمعتين يتراقص لهبهما

على وجهيهما . بدا لها وسيماً للغاية وأنيقاً ببذلته الرسمية وقميصه الأبيض

الذي أبرز لون بشرته البرونزي . أما شفتاه الرقيقتان . فكانتا تبرزان ابتسامته

النادرة وتمنحانها مظهراً ساخراً كان يسرها . ـ

لفتت عيناه انتباهها , فهما بنيتان داكنتان إلى حد السواد , تظللهما

جبهة عالية وحاجبان سميكان , ما أضفى على وجهه لمحة من الغموض

أثارت فضولها . من حسن الحظ أن ألومبيا نبهتها إلى ما سيجري , وإلا

لفوجئت تماماً , و لربما وجدته جذاباً إلى حد خطير . انتهزت الفرصة

وقررت أن تربكه قليلاً لمجرد الهزل .

فسألته ببراءة : (( ما الذي جاء بك إلى لندن ؟ العمل ؟ )) .

لعل السؤال فاجأه , لكنه لم يظهر ذلك : (( قليلاً , كما يجب أن أزور

اللايدي دولسي مادوكس التي أصبحت خطيبة ابن عمي غويدو منذ أسابيع

قليلة )) . ـ

ـ هل هي ابنة اللورد مادوكس ؟

ـ نعم , أتعرفينها ؟

ـ جاءت إلى المتجر مرتين .

ـ شارية أم بائعة ؟

ـ بائعة .

وسكتت فجأة وقد أحست بأنها تدوس في حقل ألغام . فقال ماركو :

(( ربما كانت تبيع تحفاً من منزل أسلافها لكي تسدد ديون أبيها . فقد عرفت

أنه مقامر كبير )) .

ـ نعم , لكنني لا أحب أن أتكلم عن الآخرين . ـ

ـ هذا شيء معروف . دلوسي مضطرة للعمل لتعيش . وكانت تعمل

وكيلة لمؤسسة استعلامات خاصة عندما جاءت إلى فينيسيا وتعرفت إلى

غويدو . ما رأيك فيها ؟

فقالت بحسد : (( إنها رائعة الجمال , بشعرها الطويل الأشقر ذاك , هل

مازال على حاله ؟ )) . ـ

ـ نعم هي رائعة الجمال , وستبقي غويدو منضبطاً .

فضحكت : (( هل هو بحاجة إلى ذلك ؟ )) .

ـ بكل تأكيد , فغويدو ليس لديه أي حس بالمسؤولية . هذا قول عمي

فرانسيسكو بالمناسبة , الكونت كالـﭭـاني . كان متلهفاً ليتزوج غويدو وينجب

له وريثاُ .

ـ أليس لديه أبناء ؟

ـ لا . واللقب سيكون من نصيب أحد أبناء إخوته , والمفروض أن

يكون ليو , الأخ الأكبر غير الشقيق لغويدو . ولكن لأسباب قانونية , حُرم

من اللقب . ـ

ـ هذا فظيع !

ـ ليو لا يظن هذا . فهو لا يريد أن يكون كونت , المشكلة أن غويدو

أيضاً لا يريد , لكن ذلك سيصبح قدره , وهكذا حاول عمي أن يجد له

عروساً مناسبة , ثم تخلى عن ذلك بائساً عندما وقع غويدو في غرام دولسي .

وعمي أيضاً , وقع في غرام مدبرة منزله منذ سنوات , وقد استطاع أخيراً

إقناعها بأن تتزوجه . إنه في السبعينات , وهي في الستينات , وهما الآن أشبه

بعصافير الحب .

فهتفت هارييت : (( كم هذا جميل ! )) .

ـ هذا صحيح , لكنه ليس رأي الجميع . فأمي مشمئزة لأنه تزوج

(( خادمة )) , كما تسميها .

ـ هل يهتم الناس بأمور كهذه هذه الأيام ؟

ـ البعض فقط . أمي رقيقة القلب , لكن نظرتها إلى هذا الأمر قديمة

الطراز .

ـ ماذا عنك أنت ؟

ـ أنا لا اتخذ دوماَ الطرق العصرية . أنا أتخذ قراراتي بعد طول تفكير .

ـ مدير أو صاحب مصرف مضطر إلى هذا , بطبيعة الحال .

ـ ليس دوماً , لدي سمعة بأنني أنجرف أحياناً .

فسألته بشكل غير إرادي : (( أنت ؟ )) .

فقال بجد : (( كنت معروفاً بتهوري أحياناً )) .

ـ لما فيه المصلحة طبعاً .

ـ طبعاً . ـ

أخذت تتأمله لترى إن كان جاداً أم لا . وتكهن هو بما تفعل , فنظر

إليها بجفاء رافعاً حاجبيه وكأنه يسألها إن كانت تحققت من الأمر الآن .

طالت اللحظة فازداد شعوراً بالضيق وهو ينتبه إلى أن شيئاً في سلوكها قد

تغير . ـ

سألها ليعيدها إلى الواقع : (( أتريدين مزيداً من العصير ؟ )) .

ـ آسفة , ماذا قلت ؟

ـ العصير ؟

ـ آه , لا . شكراً . سبق وقلت إن وجهك مألوف . يا ليتني أستطيع أن

أتذكـــر . . .

ـ ربما أذكرك حبيب سابق .

ـ آه , لا , منذ دهر وأنا وحيدة .

تمتمت بذلك وما زالت نظراتها شاخصة إليه .

لقد حيرته فهي تارة محنكة , وتارة خرقاء , ومع ذلك أصبح لديه

فكرة جيدة عنها .

سألها أثنــاء تنــاولها الطعــام : (( لِمَ أنت وأولمبيا من جنسيتين

مختلفتين ؟ )) .

فقالت بسرعة : (( لا , بل كلتانا إيطاليتان )) .

ـ نعم , من ناحية . . .

ـ من كل النواحــي . ـ

قاطعته بنبرة متمردة وأكملت : (( وُلدت في إيطاليا وأبي إيطالي واسمي

إيطالي )) .

رأى لمعان الغضب في عينيها الواسعتين : (( أنا آسف , لم أكن أنوي أن

أجرحك )) . ـ

ـ ألم تخبرك أولمبيا بالقصة ؟

ـ ليس تماماً . أنا أعلم أن أباك تزوج مرتين , ولكن , بطبيعة الحال ,

أولمبيا لا تعلم سوى القليل عن زوجته الأولى .

ـ أحبته أمي بشكل هائل , لكنه تخلى عنها عندما كنت في الخامسة من

عمري . أخبرتني أنه طردنا , نحن الاثنتين , من البيت .

سألها بصدمة حقيقية : (( هل أخبرتك أمك بذلك وأنت طفلة ؟ )) .

بدت شاردة الذهن : (( لكنني لم أصدقها . كنت أعبد أبي وكان يحبني

كثيراً . وعندما كان يعود إلى البيت كان ينادي اسمي أولاً . وظننت أن الأمر

سيبقى دوماً بهذا الشكل )) .

وعندما سكتت قال لها برفق : (( تابعي كلامك )) .

ـ لقد أقام علاقة مع امرأة أخرى . أراد طلاقاً سريعاً , فطردنا . قالت

أمي إنه أرغمها على العودة إلى إنكلترا مهدداً إياها بعدم إعطائها فلساً

واحداً , إذا لم تفعل . ـ

فكر ماركو في غويزيب ديستينو , الرجل البدين الأناني ذي العينين

الباردتين . ولم يكن صعباً أن يصدق هذه القصة تماماً .

سألها بعطف : (( لا بد أن حياتك أصبحت حزينة بعد ذلك ؟ )) .

ـ عشت على أمل أن يدعوني لزيارته , لكنه لم يفعل قط , لم أفهم ما

فعلته لكي ينقلب ضدي . لم تنسه أمي يوماً , وبقيت حزينة حتى آخر يوم في

حياتها , لم تعش بعده سوى اثني عشر عاماً , ثم ألم بها المرض وماتت . عند

ذلك ظننته سيرسل إلي ليأخذني , لكنه لم يفعل . كنت على وشك دخول

الكلية يومها وقال إنه لا يريدني أن أقطع دراستي .

تمتم ماركو شيئاً أشبه بالشتيمة , وقالت هارييت بجفاء : (( أظنني

تأخرت في فهم الوضع . كم كنت غبية ! )) . ـ

ـ هذا هو الأمر الوحيد الذي لا يمكن لأحد أن يتهمك به .

واخذ ماركو ينظر إليها باهتمام جديد . فقالت تصرف الأمر من

ذهنها : (( وما الذي تعرفه عني ؟ أنا غبية بالنسبة إلى الناس , لأنني لا أعرف

الكثير عنهم في الواقع )) . ـ

ـ أو ربما تعرفين الكثير من الأشخاص السيئين .

قال هذا وهو يفكر في الأب الذي طردها من بيته بكل أنانية , والأم التي

حـمـلت الطفلة عبء أحزانها : (( هل رفضك أبوك كلياً ؟ )) .

ـ لا . لقد حافظ على شيء من المظاهر عندما لم يستطع تجنب ذلك .

درست في روما لمدة سنة , وقد اخترت ذلك متعمدة لأنه سيكون مرغماً على

أن يوليني بعض الاهتمام . حتى أنني ظننت أنه سيدعوني إلى السكن معه .

ـ لكنه لم يفعل ؟

ـ دعاني إلى العشاء عدة مرات , فكانت زوجته تحدق إلي طوال الوقت .

لكن أولمبيا كانت دوماً لطيفة ودوداً معي . وقد أصبحنا صديقتين . وبعد

ذلك أخد أبي يرسل إلي المال من وقت لآخر .

ـ هل ساعدك في المتجر ؟

ـ لا , لقد فتحته بالمال الذي ورثته من جدي .

ـ كان بإمكان أبيك أن يساعدك , كما كان عليه أن يواجه تلك المرأة .

ـ أتعني زوجته . هل تعرفها ؟

ـ وأكرهها أيضاً , كما يكرهها معظم الناس . طبعاً كانت مصممة على

أن تبقيك بعيدة عن أبيك , يا لك من فتاة مسكينة ! لم يكن لديك حظ في

ذلك . ـ

ـ أظنني أعرف هذا الآن . لكنني حينذاك , ظننت أن بإمكاني أن أستميله

بالعمل الجيد , فأتعلم اللغات , وأنجح في الامتحانات وأكون إيطالية قدر

الإمكان . ـ

كان اهتمام ماركو يزداد بنشأتها الغريبة التي جعلت منها شخصية غير

عادية . فسألها بفضول : (( هل ظننتني حقاً مبعوثاً من الحكمة ؟ )) .

فأطلقت ضحكة صغيرة : (( لوهلة , نعم , ظننتني أصبحت أميزهم

الآن . دوماً أفكر في أن أموري المالية ستتحسن وأسدد ديوني . . . حسناً , إنها

تتحسن أحياناً ولكنها سرعان ما تسوء مرة أخرى )) .

ـ ولكن لماذا ؟ متجرك ذاك يجب أن يكون منجم ذهب . وبضاعتك من

الدرجة الأولى . صحيح أنك أخطأت بالنسبة إلى القلادة الأثرية , ولكن . . .

ـ أنا لم أخطئ . . . لا بأس . أحياناً أكون في القمة وإذا بي أرى قطعة

رائعة حقاً أشعر بأن علي الحصول عليها , فتكون ضربة تعصف بكل ما جمعته

من مال .

ـ لماذا لا تبيعين متجرك ؟

ـ أبيعه ؟ أبداً . إنه حياتي .

ـ هناك أشياء أهم من الآثار .

ـ هذا غير صحيح .

ـ تبدين واثقة من ذلك . ـ

ـ إنها ليست آثاراً فقط , بل هي عوالم أخرى تنفتح أمامي . إنك ترى

فيها آفاقاً فسيحة كانت منذ آلف السنين . . .

وشردت أفكارها مرة أخرى . وإذ أدرك أن من المستحيل أن يوقف هذا

السيل , جلس يصغي إليها ويفكر فيها في آن معاً . راح اهتمامه بها يزداد مع

مرور السهرة , بدت مثيرة للفضول , ذكية مثقفة وسريعة البديهة . ومن ـ

المؤسف أنها لم تكن رائعة الجمال . . . أو هذا رأيه فيها حالياً . . . فقد كان

من الصعب معرفة ذلك وشعرها يغطي معظم وجهها . لكن عينيها

الخضراوين كانتا تنفثان ناراً عندما تتكلم عن (( العوالم الأخرى )) التي أحبتها ,

وفي عينيها هاتين رأى نوعاً من الجمال .

وصلت هارييت بجدالها المحموم إلى نهايته , فسألته بقلق : (( أنت لا

تظنني مجنونة , أليس كذلك ؟ )) . ـ

ـ أنت شغوفة بعملك وذلك ليس جنوناً بل حسن حظ . إن إنقاذ

متجرك شيء يعنيك أنت أكثر من أي شخص آخر في العالم . وربما بإمكاني

أن أساعدك . كم تحتاجين لتتخلصي من ديونك ؟

ذكرت له رقماً كبيراً جعله يشعر بأنها غارقة في هوة عميقة فقال : (( إنه

مبلغ كبير لكن لكل شيء حل . أظننا في وضع نستطيع فيه أن نساعد بعضنا .

يمكنني أن أعطيك قرضاً يحل مشاكلك )) . ـ

ـ ولكن لماذا تفعل ذلك ؟

ـ لأنني أريد شيئاً بالمقابل .

ـ هذا طبيعي , ولكن ما هو ؟

فتردد قليلاً : (( قد ترين اقتراحي هذا غريباً نوعاً ما لكنني فكرت فيه

جيداً , وأؤكد لك أنه مناسب لكلينا . أريد أن تأتي إلى روما معي وتكوني

ضيفة أمي لفترة )) .

ـ هل أنت واثق من قبولها ذلك ؟

ـ ستكون مسرورة . جدتك كانت أعز صديقة لها وجُل ما ترجوه هو أن

تتحد أسرتانا , باختصار , إنها تحاول أن تزوجني !

ـ تزوجك ممن ؟ ـ

سألته ذلك مدعية جهلها بالموضوع .

ـ منك أنت . ـ

كانت تعلم أن هذه اللحظة ستحين عاجلاً أم آجلاً , ومع ذلك تملكها

الحرج . نظرت إليه جالساً في الزاوية وضوء الشمعة يتراقص على وجهه ,

فبدا لها فجأة وسيماً جداً . . . قوياً جداً . . . جذاباً جداً . . . أشبه بعاصفة

لا تقاوم تخترق حياتها جارفة كل شيء أمامها . . .

قالت محاولة كسب الوقت : (( مهلك لحظة . . . ما عادت الأمور تسير

على هذا النحو في أيامنا هذه )) .

ـ الزواج ما زال يجري بهذا الشكل في بعض المجتمعات . يعرفون

الأشخاص المناسبين ببعضهم البعض , آخذين بعين الاعتبار منافع هذا

التحالف . والداي تزوجا هكذا , وكان زواجهما سعيداً جداً . كانا

منسجمين تماماً من دون أن تعميهما مشاعر هي أعنف من أن تدوم .

ـ وأنت تطلب مني . . . ؟ ـ

ـ أن تفكري في ذلك . القرار النهائي نتخذه فيما بعد , بعد أن نعرف

بعضنا بشكل أفضل . وفي الوقت نفسه أحل لك مشاكلك المالية . فإذا

تزوجنا سأمحو الدين , وإلا سنتفرق كصديقين ويمكنك إن تعيدي إلي المال

بشروط سهلة . ـ

ـ أوه , أنت تسرد الأمور بسرعة , لا يمكنني أن أستوعب .

وكان هذا صحيحاً . فقد ظنت أنها مستعدة لهذا جيداً , ولكن كل شيء

بدا لها مختلفاً إلى حد خطف أنفاسها .

ـ لن تخسري شيئاً . في أسوأ الأحوال تكونين قد أخذت قرضاً من دون

فائدة ينقذ متجرك .

سألته بخشونة : (( ولكن ماذا ستستفيد أنت ؟ لا يمكنك أن تتزوج فقط

لترضـي أمــك )) .

بدا لها وكأنه تردد لحظة قبل أن يجيب بقليل من الإرغام : (( بل يمكنني ,

إذا كانت تلك هي رغبتي . لقد حان الوقت لكي أستقر وأؤسس أسرة

ويناسبني أن أرتب ذلك بهذا الشكل , ذلك سيمنحنا وقتاً للتفكير . تعودين

أنت معي وتجربين الحياة في بلادي . . . أعني بلادك . . . وتفكرين في ما إذا

كنت تحبين العيش فيها بصورة دائمة . إذا انسجمتما أنت وأمي , سنتحدث

في أمر الزواج )) . ـ

ـ وماذا عن انسجامنا معاً نحن الاثنين ؟

ـ هذا ما أرجوه , وإلا لن ننجح في زواجنا , أنا واثق من أنك ستكونين

أماً ممتازة لأولادنا , وبعد ذلك لن تجديني غير عقلاني .

سألته وقد ابتدأت عيناها تشردان : (( بالنسبة إلى ماذا ؟ )) .

ـ نحن لسنا مراهقين . لذا لن يتدخل الواحد منا في حرية الآخر .

حاولت أن تتفحص وجهه لكنها لم تستطع لأنه كان في الظل . وأخيراً

سألته : (( أليس لديك مانع في القيام بذلك بهذه الطريقة ؟ ما هو شعورك حيال

ذلك ؟ )) . ـ

فقال بفتور مفاجئ : (( لا حاجة بنا إلى مناقشة المشاعر )) .

ـ لكنك خططت لزواجك وكأنه اتفاقية عمل .

ـ أحياناً تكون النتائج عظيمة .

الإحكام والدقة الفائقة في لهجته أرسلت قشعريرة في كيانها . وحده

الرجل الذي بنى سياجاً حول نفسه يتصرف بهذا الشكل . وتساءلت عن

مدى ارتفاع ذلك السياج , ولماذا يحتاجه .

وماذا عن سياجك أنت حول نفسك ؟ تمتم بذلك صوت في داخلها .

أنت تعلمين أنه موجود , ولطالما فكرت أن العقل أسلم من القلب . ربما

كلاكما من الطينة نفسها فأحس هو بذلك !

رفضت هذه الفكرة بسرعة , لكنها بقيت تزعجها : (( إذا تزوجنا ,

ستتوقع مني أن آتي لأعيش معك , أليس كذلك ؟ )) . ـ

فأجفل قليلاً : (( هذا هو الترتيب المعتاد )) .

ـ لكنني إذا انتقلت إلى روما , سأفقد المتجر الذي أحاول أن أنقذه .

ـ يمكنك أن تسلمي متجرك لمن يديره , أو تنقليه إلى روما . وربما

تجدين من الأفضل أن يكون هناك أنا واثق من أن هناك أشياء كثيرة لم

تكتشفيها بعد .

لمس بهذا وتراً حساساً , فقالت من دون أن تواجه عينيه : (( أظن أن

معارفك كثيرون جداً )) . ـ

ـ ليس إلى هذا الحد . لكنني أعرف كثيراً من الناس يمكن أن ينفعوك .

فكرت أنه لا بد يعرف البارون أورازيو مانيللي . ولربما زار قصره

بمخزنه الفسيح الذي يخفي نفائس لا تعد ولا تحصى . منذ سنوات وهارييت

تراسل البارون , طالبة الترخيص لها بدراسة كهف (( علاء الدين )) ذاك ,

وكان رفض طلبها . ولكن بصفتها خطيبة ماركو . . .

كبحت هذا الإغراء لكنه بقي يهمس في داخلها . . وقالت : (( ستكون

زيارة غير مُلزمة لكلينا )) .

ـ هذا مفهوم .

ـ وبإمكاننا أن نفترق ببساطة إن لم ينجح ذلك .

ـ نفترق كصديقين . ولكن في الوقت نفسه , ستجد أمي السرور في

صحبتك . ـ

ممزقة بين الضمير والإغراء , أخذت تحدق في وجهه وكأنها كانت ترجو

أن تجد الجواب فيه . وفجأة وجدت الجواب , وهتفت بصوت خافت :

(( وجدتها . لقد تذكرت الآن أين رأيت وجهك )) .

فقال بتسلية : (( أنا مسرور . بمن أذكرك يا ترى ؟ )) .

ـ بالإمبرطور قيصر أغسطس .

ـ المعذرة , لم أسمع جيداً .

ـ إنه تمثال برونزي عندي في المتجر . وجهه كوجهك تماماً .

ـ كلام فارغ ومجرد تخيلات . ـ

ـ لا , ليس تخيلات . تعال معي وسأريك إياه .

ـ ماذا ؟

ـ فلنذهب لقد انتهينا من الطعام , أليس كذلك ؟

فقال : (( نعم , لقد انتهينا , هيا بنا )) . ـ

ماركو هو عادة ممن يتولون زمام القيادة , فيتبعهم الآخرون , لكنه

وجدها تكتسحه بحماستها وسرعتها . عادا إلى متجرها وأضاءت النور فوق

التمثال , ثم سألته باختصار : (( والآن , هل هذا أنت أم لا ؟ )) .

فقال مذهولاً : (( لا , ما من شبه على الإطلاق . هل اجتزت كل تلك

المسافة لكي أنظر إلى هذا ؟ )) .

ـ أنا لا أتخيل ذلك , إنه أنت , أنظر مجدداً . أنظر .

لم ينظر , بل أطلق ضحكة رقيقة وكأنما هناك شيء غامض قد سره ,

وتقدم ليقف أمامها واضعاً يداً على كتفها وبيده الأخرى رفع ذقنها ليستطيع

النظر إلى عينيها . شعرت بأنفاسه الدافئة على بشرتها ما أرسل رجفة خفيفة

في كيانها . ثم قال ساخراً : (( الرجل العاقل يبدأ حياته من هذه النقطة )).

ـ وأنت رجل عاقل جداً , أليس كذلك ؟

أزاح عن جبينه خصلة شعر: (( ربما لست عاقلاً كما كنت أظن . وأنا

أعلم أنك مثلي , فأنت مجنونة تماماً )) . ـ

ـ أظنني كذلك . لأن المرأة العاقلة لا ترضى حتى أن تفكر في عرضك .

ـ هذا صحيح وعلي أن أكون شاكراً إذن .

قال هذا وهو ينظر إلى وجهها , ومازال يبتسم محدقاً في عينيها . وفجأة

تبددت ابتسامته , وتراجع إلى الخلف : (( هل يمكنك الاستعداد للسفر خلال

يومين ؟ )) . ـ

ألقى هذا السؤال بتهذيب بارد , ومنعها الذهول من الكلام . فما إن بدأ

قلبها ينبض لقربه منها , حتى ابتعد متعمداً مغلقاً الباب على ما كان يمكن أن

يحدث بينهما , تمالكت أنفاسها وأجابت بصوت يماثل صوته : (( بما أن علي

أن أتحدث كنساء الأعمال , هل سأحصل على المال خلاص هذه المدة ؟ )) .

ـ ستحصلين عليه ظهر الغد .

ـ لكنك لم تر دفاتري .

ـ وهل أنا بحاجة إلى ذلك ؟ أنا واثق من أنها فظيعة .

ـ ربما كان المبلغ أكبر من مقدرتك .

ـ لا تقلقي . ـ

أطلقت ضحكة قصيرة حادة يشوبها التوتر والغضب : (( إذن , ربما علي

أن أتزوجك لأجل أموالك )) .

ـ أظن ذلك . أليس هذا ما كنا نتناقش فيه ؟

شملته بنظرة تمرد وهي تشبك ذراعيها على صدرها : (( لا استطيع أن

أهزمك أليس كذلك ؟ )) . ـ

ـ أحاول أن أضمن ربحي مع الجميع , إنها الطريقة الفضلى لبلوغ . . .

ـ القمة . . .

أكملت له كلماته فأومأ لها باحترام وقال : (( دعيني أقلك إلى بيتك )) .

ـ لا , أشكرك .

تلاشى غضبها عندما اطمأنت إلى مصير عملها الذي تحبه أكثر من أي

شيء في العالم . وبابتسامة مفاجئة عامرة بالبهجة قالت : (( أريد أن أبقى

وحيدة هنا فترة , بعد أن أصبح المكان آمناً )) .

فقال بحزم : (( سأنتظرك في الخارج . لقد حل منتصف الليل ولن أدعك

هنا وحدك مع هذه التحف , فريسة للناهبين وربما أسوأ من ذلك . موتك

لن يناسبني على الإطلاق )) .

فقالت بلطف : (( لا , لأنه سيكون عليك أن تراجع خطتك من جديد )) .

أمسك بيدها : (( يسرني أن أتعامل مع امرأة تفهم ما هو مهم . سأكون

خارج المتجر )) .

أمسك بيدها لحظة , ثم رفعها إلى شفتيه ليطبع عليها قبلة خفيفة قبل أن

يخرج . ـ

عندما أصبحت وحدها , نظرت إلى يدها التي كانت لا تزال تخزها .

راحت ترتجف وقلبها يخفق بشدة , ولكنها لم تعرف ما إذا كان ذلك بسبب

السرور أو بسبب الخشية . لقد هدد تحكمها بنفسها . أخذت تفرك بغضب

قفا يدها حتى أيقنت بأن ذلك التأثير قد تبدد . ثم نظرت حولها فتألقت

عيناها , إنها آمنة . ولو لفترة على الأقل . ـ

عـــــاد إليـــها طبعــها الغـــاضب ففكـــرت أن الخطوبة بإمكانـــها أن تستــمـر فقط

إلى أن تنتهي من دراسة (( قصر مانيللي )) . لم لا ؟ لقد شملها بنظرة وكأنها سلعة

يمكنه أن يستفــيــد منــهـــا , فلمـــاذا لا ينبغي لها أن تفعـــل معه الشيء نفسه ؟

وتملكتها موجة ثانية مــــن الاستياء للطريقة التي اقتـــرب فيها مـنـهـا , ثم عاد

فتراجع , لن يكون من السهل التعامل مع رجل مسيطر عل نفسه إلى هذا

الحـــد , وارتسم وجهه في ذهنــها فسقطت عينــاها على وجه أوغسطس

البرونزي . . . كان الوجهان متشابهين تماماً . . . مهما كان رأي ماركو .

وتذكرت كلمات أولمبيا : ( أنفه رائع , ورأســـه أرستقراطـي , وفمه جميل

صارم ) . وكان ذلك صحيحاً , لكن الغريب أنها الوحيدة التي رأت ذلك في

رجــل حي .


* * *


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس