التمهيد:
في عام 2040 حدث انقلاب كارثي في مناخ الارض نتيجة للتلوث الشديد الذي اصابها من جراء عبث الانسان في مقدرات الطبيعة وتلويثها بمخلفاته الصناعية ,وكانت الحرب العالمية الثالثة -التي اُستخدِمت فيها اشد اسلحة الدمار الشامل والتي اتت على مدنٍ بأكملها وقضت على حيـاة المليارات من الناس - القشة التي قسمت وفتت التوازن الطبيعي للارض ومناخها , فعصفت اعاصيرلم يشهد لها مثيلٌ من قبل ,واكتسحت الفياضانات العالم وغرقت دولٌ باكملها ... أخيراً انقلبت الطبيعة على الانسان , واخذت بثأرها منه بعد ان انهكها ردحاً من الزمن...
استمر الاضطراب المناخي لنحو عشرين عاماً قبل ان يستقر به الحال , ومن نجا من البشر من هذه الكارثـــة حاولوا بصعوبة التأقلم مع الواقع الجديد المضطرب وكان اكبر همهم النجاة من الانقراض بسبب ضياع اليابسة , فقد غمرت مياه المحيطات الارض بعد ان ذاب معظم جليد القطبين نتيجة الأحتباس الحراري ,فغرقت القارات المعروفة و لم يتبقى سوى رقاعٍ صغيرة متبعثرة من الارض بالكاد تصلح للعيش عليها ..
ومن حسن الحظ انه وقبل وقوع الكارثة بأعوام استطاع عالمٌ فرنسي يدعى (لويس مارسيل جاستون) أن يرسم سيناريو متوقع لما سيحصل وما سيكون علية وضع الارض بعد الكارثة التي كان يتوقعها ,وعمد برفقة مجموعة من العلماء من مختلف العالم لاعداد برنامج انقاذ يؤهل من سينجو من الكارثة على الصمود والحفاظ على الجنس البشري من الانقراض,وقد حصل على تمويل بعض المتفهمين الذين لم يرضوا بالمشاركة بالحرب المجنونة , واطلق على برنامجه اسم ( -survivalسيرفايفل) اي النجاة.
وقام مشروع ( -survivalسيرفايفل) في بداياته على ارسال قمر صناعي ليدور في مدارٍ آمنٍ حول الارض ليعمل على تزويدهم بالبيانات الازمة عن وضع الارض ومناخيها وماهي افضل الاماكن المتوقع نجاتها من الكارثة المرتقبة ,وقد تمكنوا بفضل تلك المعلومات من انشاء مستعمرة قوية منيعة في مكان محصن بين سلسلةٍ جبلية اختيرت بعناية تبعاً لدراسة جيولوجية دقيقة وتفصيلية ,حيث أمل العلماء ان تنجو من الكارثة المناخية المرتقبة كما نجت من الحرب العالمية المدمرة التي سبقتها ...وقد اقيمت فيها مستعمرةٌ كبيرة سميت (المدينة الفاضلة ) تيمناً بما جاء في كتاب افلاطون علها تكون بداية جديدة وفاضلة للحياة البشرية ,حيث سيعيش قاطنوها كما كانوا يأملون بسلام وتسامح ومحبة نابذين العنف والحرب والكراهية التي دمرت الارض...لذا كان اهم شروطها ان يتم انتقاء سكانها ممن يعتنقون تلك المبادئ ويعملون على اعمارها ,وقد وقع الاختيار على نخبة من العلماء والمفكرين والفنانين والحرفيين المبدعين من حول العالم ليكونوا نواة للحضارة الانسانية القادمة ...
وكحال المدينة الفاضلة التي رسمها افلاطون , فمدينتهم الفاضلة يجب ان تكون دولةً مبنية على العدالة وإفرادها يحبون العدالة ومقسمة لطبقات وفق ما جاء في كتابه الذي صار الدستور المتبع في المدينة ..فهناك طبقة الحكام وهم عبارة عن مجلس امناء منتخبون يمثلون فئات المجتمع النقي (اي ممن تم انتخابهم واختيارهم من نخبة البشر ليكونوا نواة المجتمع الأولى )
ويعتمد مجلس الامناء مبدأ الشورى والتصويت وينتخبون حاكماً بينهم كل عشرة اعوام أو في حال وفاة الحاكم الحالي ...ثم تليها طبقة الجيش وهم المسؤلون عن حماية وامن المدينة والدفاع عنها ضد اي خطر او تهديد ,وتنقسم هذه الطبقة لمستويات حسب رتبهم العسكرية , ومن ثم وفي قاعدة الهرم السكاني تأتي طبقة الصناع والعمال والحرفيين وهم نفسهم ينقسمون لطبقتين ....النقيون وهم الذين تم انتخابهم منذ البداية ليكون حرفين ماهرة في مجتمع المدينة الفاضل ويتولون الأشراف والأدارة ,وغير النقيون وهم الطبقة الدنيا في مجتمع المدينة الفاضلة ومعظم افرادهم من سلالة غير نقية (اي غير منتخبين ومختارين) وغالباً كانوا ممن تقطعت بهم السبل من البشر الناجين من الكارثة و لجأوا للمدينة الفاضلة بعد ذلك للنجاة بأرواحهم ...
ورغم نجاح المشروع في اولة وقيام المدينه الفاضلة كما خطط لها ,الا ان سكانها واجهوا عددة مشاكل كان ابرزها واخطرها غرق مركز التحكم بالقمر الصناعي المعرف بالمرصد قبل تمكنهم من نقله الى المدينه الفاضلة ,لذا صار من الصعب معرفة حال الارض بعد غرق القارت المعروفة.....
اما ثاني تلك المشاكل فكانت تدفق اعدادٍ من اللاجئين الذين نجو من الكارثة وتقطعت بهم السبل في مراكب وسفن في عرض البحر معظمهم سمعوا عن المدينة الفاضلة وسعوا للوصول اليها للنجاة من الكارثة ,فلم يكن امام حكومة المدينة الفاضلة الا ان سعت لتوطينهم ,لكن!!! خارج إطار مدينتهم الفاضلة على اعتبار انهم اشخاص غير منتخبين وقد يحملون الفكر الهمجي المدمر الذي قد يهدد سلامة مجتمعهم .. لذا اُنشأت لهم مخيمات ايواء خارج اطار المدينة الفاضلة وسكانها المنتخبين (ذو الدماء النقية) ..
في البداية اقيمت للوافدين الجدد قريتين الأولى حول ارض المصانع وسميت (industrious اي الكادحون ) والثانية سميت (ريفيجيز Refugees) اي اللاجئون وهي القرية الاكبر حيث احتوت اعداداً كبيرة من اللاجئين ,واقيمت في القسم الجنوبي الغربي لما اصبح يعرف بجزيرة كازمايا والتي كانت فيما مضى ارضاً جبليةً مرتفعة لكن مع غرق الارض صارت تشبه الجزيرة.
مع توالي السنين زادت اعداد اللاجئين نتيجة التوالد غير المنظم بينهم ,ففاقت اعدادهم حد استيعاب مخيمات الإواء لهم ,فلجأ البعض لأنشاء قرى هامشية عائمة سميت ((بقرى الصفيح )),تم بناؤها من بقايا الردم الذي يُعثر علية في فرق البحث,وقد اصبح الاجئون الناجون يشكلون طبقةً دنيا لمجتمع المدينة الفاضلة (مجتمع غير نقي ) لا يتمتعون بايٍ من الحقوق او الامتيازات التي يتمتع بها سكان المدينة الفاضلة (المجتمع النقي) ,وعليهم أن يعملوا بالأعمال-الدنيا - التي توكل أليهم دون تذمرٍ او رفض على اعتبار أنها ضريبةٌ اقامتهم على ارض الجزيرة الأم ...فصار هؤلاء الاجئون يعملون في الاعمال الاقل شئناً كالعمل في صيد السمك والمصانع ومكبات الخردى واعادة التدوير...و شيئاً فشيئاً صارت الفجوة الفارقةٌ بينهم وبين سكان المدينة الفاضلة تتسع مع مضي الزمن ..حتى صارت حياتهم كطبقة من الخدم والعبيد بالنسبة لسكان المدينة الفاضلة (ذو الدماء النقية) كما يصطلح على تسميتهم ,فبدأ البعض من أفراد هذه الطبقة الكادحة والمهضومة الحقوق يطالبون بالأنصاف وتحسين ظروفهم المعيشية ,لكن مع تعنت سكان المدينة الفاضلة وعدم رغبتهم بمشاركة نعيمهم – المستحق – مع من يعتبرونهم ادنى منهم شئناً وقعت ما تعرف بثورة المصانع والتي قامت حكومة المدينة الفاضلة بقمعها بكل قسوة وحزم , فبنظرهم هم وحدهم اصحاب الحق في مدينتهم الجميلة وهؤلاء اللاجئون يعيشون بفضلهم...
انتهت الثورة بهزيمة الثائرين , واصدرت حكومة المدينة الفاضلة احكاماً قاسية ضد المشتركين فأعدم المحرضون .. وعوقب باقي المشاركين بأجبارهم بالقيام بالأعمال الشاقة المؤبدة في المصانع أو في تصنيف الخردى أو تدوير النفيات اما المتمردين المشاركين من قرى الصفيح فقد الزمت كل عائلة منهم على تقديم احد افرادها للعمل في خدمة البحث ...
تنويه ...هذه الرواية كان مخطط لها أن تكون من ثلاثة اجزاء منفصلة كل جزء سيتحدث عن قسم من سكان المدينة الفاضلة,لم اتمكن سوى من انهاء جزء واحد فقط ادعو لي بأن انهي كتابة الأجزاء الثلاثة ,والآن سأترككم مع الجزء الأول وهو يتحدث عن فرق البحث وسكان قرى الصفيح...