عرض مشاركة واحدة
قديم 26-11-17, 07:30 PM   #6

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

4 ـ

الوجه الآخـــر للزواج


ـ ماذا ستفعلين ؟

شعرت روزي بالتعاسة وهي تلاحظ الذهول والغضب في صوت

رالف .

مضى أكثر من أسبوع قبل أن تستطيع حمـل نفسها على إخباره

بزواجها . ليس لأنها كانت تتوقع منه ردة الفعل هذه , بل لأنها خافت

من أن يتكهن بالحقيقة .

كان بيتر ,مثل غارد , قد حذرها من الوضع الخطر الذي ستضع

نفسها فيه إذا ما تملكت الناس الشكوك في أن زواجها ما هو إلا حيلة

لترث المنزل , قائلاً :

ـ ربما نعلم , أنا و أنت , مبلغ ما تتضمنه دوافعك من إيثار وحب

للغير , ولكن الآخرين قد لا يعلمون ذلك .

ـ قال غارد إن إدوارد ربما يرفع دعوى احتيال ضدنا . هل هذا

صحيح ؟

قال بيتر حينذاك , بحــذر :

ـ هذا محتمل , ولكن عليه أن يقدم دليلاً كافياً يثبت زيف

الزواج . وأن يتمكن مثلاً من إثبات استحالة إنجاب طفل من هذا

الزواج . . .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

ـ لكنك تعلم أن هذا صحيح .

ـ أنا أعلم وأنت تعلمين , وكذلك غارد , لكن غيرنا لا يعلم

بذلك , ولا يجب أن يعلم .

تجنبت روزي إخبار رالف عن الزواج , خوفاً من أن لا يستطيع

تمثيل دور الزوجة الغارقة في الحب . ولكن , في النهاية , لم يكن

حبها لغارد ما سألها رالف عنه , وإنما حب غارد لها .

ـ بالله عليك يا روزي , ألا ترين مــاذا يهدف إليه ؟ إنه يريد الشيء

الذي يعلم أن أمواله لا يمكنها شراؤه .

ـ أتعني أنــا ؟

فقال متجهمــاً :

ـ كلا , بل أعني منزل (( مرج الملكة )) . رغبته الدائمة في ذلك

المنزل ليست سراً , وقد رفض جدك أن يبعه إياه .:

قاطعته حينذاك , متشاغلة بتسوية ثنيات ثوبها :

ـ أنا وغارد نحب بعضنا بعضاً , يا راف .

ـ آه يا روزي . . . ألا يمكنك أن تري ؟رجل مثل غارد لا يقع

في الغرام . .

سكت فجأة واحمر وجهه قليلاً .

ـ اسمعي , لا أريد أن أسبب لك ألمـاً , يا روزي . إنك فتاة

جذابة . . . فتاة بالغة الجاذبية . . . أمـا بالنسبة للخبرة . . . فأنت

وغارد كأنكمـا , تقريباً , من كوكبين مختلفين . لقد رأيت بنفسك , هنا

في الملجأ , ما يمكن أن تسببه العلاقات غير المتوازنة من تعاسة .

الألم الناشئ عن زواج غير متكافئ . هل ترين حقاً أنكمـا متماثلان

في كــل شيء ؟ أنك وهو . . . ؟

أخذت تكرر قولها :

ـ إننا مغرمان ببعضنا , و . .

فقاطعها قائلاً :

ـ وهو سيعلمك كل ما تجهلينه من أمر العلاقة العاطفية , كلام

فارغ! إذا كنت تعتقدين ذلك حقاً , أنت إذن لست الشخص الذي

أعرفه . إنه سيستمتع بالعبث معك عدة أسابيع , بكل تأكيد , ومن

الممكن , عدة أشهر . . . ولكن بعد ذلك . . . لا تقدمي على هذا

الزواج, يا روزي ّ لستِ بحاجة للزواج به , أنت . . .

ـ بل أنا بحاجة إلى ذلك .

نطقت بهذا الاعتراف الهادئ الحزين قبل أن تتمكن من منع

نفسها . خرجت هذه الكلمات رقيقة خافتة لدرجة أن رالف لم يتمكن

من سماعها .

رفعت بصرها إلى باب المكتب الذي انفتح فجأة واندفعت منه

امرأة مصحوبة بولدين صغيرين , طالبة التحدث إلى رالف . كانت

(( ليز فيليبس )) إحدى زبائن الملجأ المنتظمات . إنها غالباً ما تهجر

زوجها القاسي العنيف , معلنة بأن لا قوة على الأرض تجعلها تعود

إليه , لتعود إليه بعد أسابيع من تركه .

كانت روزي ترى ببراءة , وذلك في بداية عملها في الملجأ , أن

هذه المرأة تحب زوجها , ولذلك تعود إليه بعد كل خلاف . وكان

رالف يجيبها :

ـ نعم , كمـا يحب مدمن الكحول شرابه , ومدمن المخدرات

جرعــاته .

إنها مدمنة عليه . . على عنف علاقتهما , جزء منها يحتاج

ويشتاق إلى ما تراه إثارة في علاقتهما . ولكن مقابل كل (( ليز فيليبس ))

هنا , هناك مئة امرأة يرغبن بصدق في إنهاء علاقاتهن والبدء من

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ

جديد , وهن بحاجة إلى مساعدتنا .

سألته ذات مرة بحيرة :

ـ وكيف تميز الفرق ؟

ـ بالخبرة . ككـل شيء آخــر .

ذلك الحين , ظنت أن رالف قاسٍ بغير حق . لكنها الآن أصبحت

أكثر حكمة . وها هي للمرة الأولى , تفكر في مشاكلها الخاصة أكثر

ممـا تفكر في الملجأ ونزلاته .

لم يبد السرور على غارد حين أخبرته بأنها ستدعو رالف إلى

حفلة زفافهما . لكن روزي أصرت على الأمر .

كان بيتر هو الذي سيحتل مكان ولي أمرها في الكنيسة , كما أن

المدعوون إلى الاحتفال يتجاوزون بضعة أشخاص .

بقي على موعد الزواج يومان , وبعد ذلك يصبحان زوجاً

وزوجة . كان هذا وضعاً لم تستطع مخيلتها استيعابه . هي وغارد . . .

زوج و زوجة . . . وهي وغارد مشتركان في حيلة إذا ما اكتشفها

أحــد . . .

هل كل العرائس يتملكهن مثل هذا الشعور ؟ أم برودة يـديها

وجمود ذهنها هما فقط بسبب ظروف زواجها غير العادية ؟ هكذا

أخذت روزي تتساءل بتوتر حين وقفت السيارة أمام الكنيسة وخرج

منها بيتر .

هذا الصباح , وهي ترتدي ثوب الزفاف وتقف أمام المرآة , بينما

السيدة فرينتون تساعدها وتعتني بها , تملكها من الغم والكرب

والشعور بالذنب ما أوشكت معه أن تمزق الثوب وتهرب . لكن بيتر

كان قد وصل حينذاك حاملاً الأزهـار التي أرسلها غارد إليها , ومـا

لبثت أن تطورت الأحداث على نحو تصعب مقاومته .

وها هي ذي الآن , تدخل الكنسية الشامخة , مارة بالنافذة الأثرية

الملونة , التي كانت هدية من أحد أسلافها , بثوب زفافها الساتان

العاجي اللون الذي كان لأمها من قبلها . ومع ذلك , كان عليها أن

تعصر نفسها , بالرغم مما فقدته من وزن في الأسبوع الأخير . . . فقد

كان خصر أمها بالغ النحافة . وما زال بين ثنياته أثر من عطر تذكرت

روزي أن أمها كانت تستعمله , وعندما تعطرت به شعرت وكأنها

تحمل جزءاً من أمها .

دفعت هذه الذكريات دموعاً حارة إلى عينيها أخذت تغالبها

بعنف .

كان خمارها أبيض , في ما مضى , لكنه بمرور الزمن , أصبــح

عاجي اللون , وقد ورثته عن جدتها . ارتداؤها لهذه الملابس التي

سبق وارتديت بحب كبير , جعلها تشعر بنوع من التعويض عن نقص

مشاعرها الحالية

زواج ؟ لم يكن هذا زواجاً وإنما اتفاقية عمل , وهذا كل شــيء .

إنه عقد . . .

شعرت بجو الكنيسة بارداً . برودة البلاط تحت قدميها تخللت

نعل حذائها الرقيق . كانت الكنيسة خالية بشكل كئيب . لم يكن سوى

الصفين الأولين من المقاعد مشغولاً . شخص مـا , لا بد أنه غارد ,

زين المكان بباقات ضخمة من الأزهار البيضاء والعاجية اللون , ما

أسبغ دفئاً خفف من عتمة المكان وصرامته .

عندما وقع نظرها على غارد , اضطربت خطواتها قليلاً . ومع أنها

كبحت آهة الضيق فلم يسمعها , إلا أنه التفت إليها . بدا شارد الذهن .

كان من الصعب التصور أنها على وشك الزواج به . ارتجفت , وسرها

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

أن الخمار أخفى ما ارتسم على ملامحها . قال بيتر لها محذراً :

ـ إدوارد ! لم تكن روزي لاحظت وجوده في الكنيسة . لكنه رأته

الآن مصحوباً بزوجته وولديه . . . نسختين شاحبتين مقهورتين عن

أمهما . الشعر مسرح إلى الخلف , ويلبسان زيهما المدرسي ,

امتعضت روزي قليلاً وحولت عينيها عن أطول الولدين .

إنها تحرمه , بزواجها من غارد , من وراثة (( مرج الملكة )) .

ولكن , إذا ورثه إدوارد , فلن يكون هناك (( مرج الملكة )) كي يرثه هذا

الولد !

تعلقت بهذه الفكرة تلتمس فيها العزاء حين وصلت أخيراً إلى

جانب غارد .

أهـي جلجلة أجراس الكنيسة المبتهجة التي تشعرها بالغثيان , أم

لعلها صدمة تلك اللحظة عندما رفع غارد خمارها ونظر في أعماق

عينيها , بعد أن أعلنهما الكاهن زوجاً و زوجة ؟ أوشكت , لجزء من

الثانية , أن تنخدع بتلك المشاعر الرقيقة التي نطقت بها عيناه وهو

ينظر في عينيها , ظناً منها أنها حقيقة !

كانت هناك مجموعة من الناس تدور حولها . من أين جـاؤوا ؟

ميزت بينهم مجموعة من النساء قدمت من الملجأ , أناساً كانوا

يعرفون أباها وجدها . كلهم باسمون ضاحكون , يلقون بالتعليقات

المازحة عن فجائية هذا الزواج . كلهم ما عدا إدوارد .

توجسن روزي خيفة وهي ترى الحقد في عينيه . كانت تعلم

دائماً أنه لا يحبها . لكن ذلك لم يكن يقلقها قط , فهي لم تكن تحبه

أيضاً , لكنها الآن تدرك أن كراهيته لها مختلفة . إنها الآن تقف بينه

وبين ما يتوق إليه ويعتبره حقاً له , وتملكتها قشعريرة .

ـ ما هذا ؟ مـاذا حدث ؟

أجفلت دهشة لسؤال غارد . لم تكن تتوقع منه أن يلاحظ

قشعريرة التوجس الصغيرة التي تملكتها . إذ كان يبدو مستغرقاً في

حديث مع بيتر بحيث لا يدع له مجالاً للانتباه إليها .

ـ لا شــيء !.

أجابته بذلك , مدركـة أن إدوارد ما زال يراقبها , بل يراقبهما معاً .

قال لها أحدهم :

ـ ثوبك جميل جداً !.

أجابت شاردة الذهن :

ـ شكراً , إنه ثوب أمـي !.

ـ هذا ما توقعته ! .

كان هذا غارد! إلتفتت إليه بدهشة فعاد يقول :

ـ كان أبوك يضع صورتها على مكتبه وهي ترتديه , إنه يلائمك ,

ولونه ينسجم مع لون بشرتك . إن له نفس اللون الدافئ . .

قال ذلك وهو يلامس عنقها بأصابعه . نبهته بصوت خافت

مختنق :

ـ إدوارد يراقبنا !

ـ نعم أعرف هذا .

سـألته باضطراب :

ـ أتظنه يشك فـي شيء ؟

ـ إذا كان الأمر كذلك , فهذه ستوقفه عند حده .

ـ هذه . . . ؟

ورفعت بصرها إليه مستفهمة , ثم جمدت في مكانها وهي تراه

يأخذها بين ذراعيه ويعانقها بطريقة تظهر للمشاهدين رجلاً بالغ

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

الشغف بعروسه إلى ح لم تمنعه نظرات المتحفظين المستنكرة من

إظهـار شعوره

وعلى غير توقع منها , ومن خلف جفنيها المغمضين , شعرت

بالدمع يحرق عينيها .

ليس هذا الوقت مناسباً للانفعالات العاطفية ! ليس وقتاً لمقارنة

مشاعر أمها , حين ارتدت هذا الثوب , بمشاعرها هي الآن . .

عندما ترك غارد روزي , تنهدت زوجة إدوارد بحسد , قائلة :

ـ آه ! يا لشاعرية هذا المشهد ! . . . يا ليت أبوك . . .

سمعت روزي غارد يقول بهدوء :

ـ كان جون يعلم بشعوري نحو روزي .

أقرت روزي في نفسها بصحة قوله , ولكن ليس بهذا المعنى

تماماً . إنها تتذكر ما قاله أبوها مرة بشيء من الحسد , عن أن بإمكان

غارد أن يحصل على المرأة التي يريد .

كانت روزي في السابعة عشرة حينذاك , فتصرفت تبعاً لذلك إذ

قالت لأبيها متحدية :

ـ إنه لا يستطيع الحصول علي ! .

ضحك أبوها , قائلاً :

ـ أنت لم تصبحي امرأة بعد , يا حلوتي . وأنا أشك كثيراً في أن

غارد سيرغب فيك , على كل حال , لأنه يعرف جيداً أي صغيرة

سليطة اللسان أنت أحياناً . . .

سمعت روزي إدوارد يسألها :

ـ أين ستذهبان في شهر العسل ؟ أم غير مسموح لنا بالسؤال ؟

أجاب غارد عنها :

ـ لسانا ذاهبين إلى أي مكان , ليس حالياً على الأقل . لدي اجتماع

في بروكسل بعد يومين لم أستطع التملص منه . سنذهب , أنا

و روزي , إلى هناك غداً صباحاً .

يذهبان إلى هناك ؟! نظرت روزي إليه , لكنه كان ينظر في اتجاه

آخـر يجيب زوجة الكاهن عن بعض الأسئلة . وهكذا كان عليها أن

تنتظر إلى أن يصبحا وحدهما في سيارة الزفاف , لتسأله بضيق :

ـ لماذا أخبرت إدوارد أننا سنذهب معاً إلى بروكسل ؟ سيشك فـي

الأمر عندما يكشف أنني لم أذهب معك .

همست بهذا السؤال رغم أن الزجاج بينهما وبين السائق كان

مغلقاً , وهي تفكر بتعاسة في عواقب الخداع . . إذ يبقى الشخص

حريصاً . . . حذراً . . . شاعراً بالذنب . . .

ـ لن يكون هناك ما يدعوه إلى الشك , لأنني عنيت ما قلته .

سألته ساخطة :

ـ أتعني أنك تتوقع مني مرافقتك إلى بروكسل حتى دون

استشارتي ؟ لكنني لن أستطيع ذلك . . . المفروض أنني سأكون في

عملي في الملجأ . . .

ـ لا تكوني سخيفة , يا روزي ! رغم أن رالف يكرس نفسه لعمل

الخير , إلا أنه لن يتوقع عودتك إلى العمل بهذه السرعة .

قالت بتحد :

ـ لكنني أنا أريد ذلك .

فقال محذراً :

ـ إذا فعلت ذلك , ستعرضيننا للخطر , الزواج يتطلب أكثر من

مجرد طقوس كنسية .

أشاحت بوجهها عنه بغضب . إنها تعرف جيداً ما هي متطلبات

إتمام الزواج . لكن زواجهما لن يتضمن ذلك الجزء المعين , وغارد

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

يعلم هذا . تابع غارد بهدوء :

ـ إنه يتطلب درجة معينة من العلاقة الحميمة يقوم بها الأزواج .

لكن علينا , أنا وأنت , أن نعثر على طريقة أخرى , إننا بحاجة إلى

قضاء بعض الوقت بمفردنا لنثبت نفسنا في دورنا الجديد , يا روزي .

وعندما لم تجب , قال متصلباً :

ـ أنت التي أردت هذا الزواج , يا روزي ! . . .

قاطعته بغضب :

ـ لإنقاذ المنزل , وليس لأن . . .

في أعماقها , كانت تشعر أن غارد على حق , لكن آخر ما كانت

تريده هو أن تمضي معه وقتاً بمفردهما . إن هذا , في نظرها , يعقد

المشكلة بدلاً من أن يحلها . قالت بلهجة تنذر بالخطر :

ـ لا أريد أن أذهب معك , يا غارد! لا أريد أن أعود لأرى الناس

ينظرون إلينا . . . متفحصين . . . متخيلين . . . معتقدين . . .

قال رافعاً حاجبيه متحدياً :

ـ ماذا ؟

تمتمت متجنبة النظر إليه مباشرة :

ـ أنت تعلم ! .

ـ يظنون أننا كنا معاً في السرير ؟ وأن رحلة العمل ما هي إلا قصة

خيالية ؟

رأت من زاوية عينها كيف كان يطيل النظر إلى صدرها , فاحمر

وجهها على الفور . قال ساخراً :

ـ يا لهذا الخجل ! سوف تختبئين إذن لو أخبرتك كيف أريد أن

تتصرف معي زوجتي التي أحب !

فقاطعته :

ـ أنا أعرف كيف تحب أن تهزأ مني , يا غارد ! نعم , أنا أخجل

عندما تتحدث عن مثل . . . مثل هذه الأشياء الخاص جداً . صحيح ,

أن خبرتي لا يمكن مقارنتها بخبرتك , ولكنني أفضل أن أكون دائماً

كما أنا .

و عندما لم يحاول مقاطعتها أو السخرية منها , أضافت بشيء من

الثقـة .

ـ أفضل ألا أفعل .

ـ سؤال صغير فقط , يا روزي . لماذا لا تريدين أن تفعلي هذا ؟

أجابت بصوت متهدج :

ـ أنت تعلم السبب .

قال ساخراً :

ـ لأنك تدخرين نفسك لرجل أحلامك ؟ وماذا يحدث إذا لم

تعثري عليه , يا روزي ؟ ألم يسبق أن سألت نفسك هذا السؤال ؟

ألقى غارد عليها هذا السؤال بعنف بالغ غير متوقع , ما جعلها

ترتجف .


* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :

5 ـ

امـــرأة لا طفلــة !


ـ لكن هذا ليس فندقاً !.

قالت روزي محتجة عندما صعد غارد بسيارتهما المستأجرة في

طريق خاص ثم أوقفها أمام مدخل قصر مهيب مبني بالحجر .

منذ أعلن غارد أنها ستذهب معه إلى بروكسل , أخذت روزي

تحتج وتجادل , ولكن من ون جدوى . ذات مرة انفجرت فيه

غاضبة :

ـ وما المفروض أن أقوم به أنا أثناء وجودك في الاجتماعات ؟

ـ لم يخطر ببالي قط أنك أنانية إلى هذا الحد !

حملقت فيه آنذاك بارتياب , وساورتها شكوك في دوافعه الخفية ,

وخيل إليها أنها تعلم جيداً ما هي . إنها ليست حمقاء . . . وكان

ردهـا :

ـ لست ذاهبة معك , يا غارد ! ولا أريد الذهاب ! .

ولكن , بطريقة أو بأخرى , لم تنفع كل احتجاجاتها . وها هي

ذي الآن هنا تنظر إليه بقنوط , ساخطة لقدرته على البقاء هادئاً في

حين كانت مشاعرها تضطرب اضطراباً شديداً .

لم تكن معتادة على أن لها زوج , وكرهت افتراض غارد بأنه هو

الذي يقرر ما يجب أو لا يجب عمله .

أجاب الآن بهدوء :

ـ لا , إنه ليس فندقاً . إنه بيت خاص . و (( المدام )) صاحبة القصر

هي سيدة فرنسية . وبدلاً من أن تبيع البيت بعد وفاة زوجها , قررت

أن تزيد دخلها بتأجير غرفه . ومثل أكثر الفرنسيات , هي ليست

طاهية ممتازة فحسب , وإنما مضيفة ممتاز وماهرة جداً في توفير

أسباب الراحة .

قطبت روزي جبينها . شيء ما في صوت غارد وهو يتكلم عن

صاحبة القصر ضايقها . ومن دون حاجة إلى مزيد من الوصف ,

تصورتها روزي على الفور إحدى تينك الفرنسيات الأنيقات دائمات

الشباب اللواتي تشعر , هي شخصياً , بالخوف منهن .

ـ لكن , قلت إن لديك عملاً في بروكسل , وهذا المكان يبعد

عنها أميالاً ! .

ـ ليس أكثر من ساعتين بقليل في السيارة . و هذا كل شيء !

وإقامتي هنا تعطيني عذراً لئلا أتورط في أحداث بروكسل السياسية .

فكرت في أنك ستحبين هذا المكان . كنت تقولين دائماً إنك تفضلين

الريف على المدينة .

ابتعدت روزي بنظراتها عنه . كان صحيحاً أنها تفضل الريف ,

وربما كانت ستستمتع بهذه الرحلة في أحوال عادية . لكنها , في

العادة , ما كانت لتأتي إلى هنا مع غارد , زوجة له .

في هذه الأثناء , كان غارد قد نزل من السيارة واستدار ليفتح لها

الباب . ورغم تفضيلها الكنزة والبنطلون عادة , إلا أنها كانت ترتدي

تنورة صوفية طويلة وصداراً مناسباً تحته قميص حريري بني اللون ,

وفوق كل ذلك سترة مناسبة أحضرتها معها تحسباً للبرد . كانت

ارتدت هذه الملابس لعلمها أنها تُظهرها نحيفة , ما جعلها مسرورة

عندما انفتح باب القصر وبرزت امرأة غارد الفرنسية .

كانت ترتدي السواد . . تنورة سوداء من الكريب اشتبهت روزي

في أنها من إحدى دور الأزياء , فوقها قميص بسيط من الساتان

ووشاح من الكشمير حول كتفيها . عقد اللآليء الذي كان يتألق حول

عنقها , والمؤلف من ثلاثة حبال , لا بد أنه حقيقي , وكذلك الخواتم

الماسية في أصابعها والقرطان في أذنيها . ولكن ليست أناقتها هي التي

أذهلت روزي , التي أخذت كارهة تصعد السلم خلف غارد , وإنما

عمرهـا .

لم تكن المرأة , كما توقعت روزي بين الخمسين والستين من

عمرها , وإنما أقرب إلى الأربعين . إنها أقرب إلى غارد في العمر

منها هي . أما لماذا شعرت بمثل هذا العداء نحو (( المدام )) فلم يكن

لديها جواب . وأما أنه شعور متبادل , فالأمر واضح !

التفتت (( المدام )) إلى غارد , متجاهلة روزي تماماً , لتقول له

ببرودة :

ـ آه , لم أدرك أنك ستحضر معك . . . صديقة !

قال غارد بحزم وهو يقدم روزي :

ـ روزي هي زوجتي .

أكانت صديقة أم زوجة , لم يشكل ذلك أي فرق بالنسبة إلى

(( المدام )) كان واضحاً أن وجود روزي لم يسرها .

ـ وضعتك في جناحك المعتاد .

أخبرت غارد بذلك وهي تقف بينهما بشكل جعلها تواجه غارد ,

مديرة ظهرها لروزي , ثم أخذت تتحدث إليه بلغتها الفرنسية .

لكن روزي تتحدث الفرنسية بطلاقة . كان لديها موهبة تعلم

اللغات , نمتها سنوات إقامتها في ألمانيا مع والدها . وفرنسيتها , في

الواقع , أكثر طلاقة من فرنسية غارد بكثير . كانت (( المدام )) تقول :

ـ وعلى كل حال , إذا كنت تفضل غرفة أخرى . . .

غرفة أخرى ! . . وخفق قلب روزي بضيق . كانت تفترض أن

إقامتها ستكون في فندق كبير , وفي غرفتين منفصلتين . كما

افترضت أن رغبة غارد في مشاركتها غرفة واحدة ستكون ضعيفة مثل

رغبتها هي .

قال غارد للمدام :

ـ لا ! جناحي المعتاد مناسب تماماً !

الردهة الواسعة , المعرضة لتيارات الهواء , جعلت روزي

مسرورة بتنورتها الطويلة .

كان منزلها (( مرج الملكة )) أكثر دفئاً بسقفه المنخفض والخشب

السميك الذي يغطي الجدران . لكن هذا المكان , بغرفة العالية

السقوف , وجدرانه الحجرية العارية , لا بد أنه يسكون كابوساً . . .

بالنسبة إلى الدفء . هكذا أخذت روزي تحدث نفسها , فيما كانت

المرأة تتقدمها صاعدة السلم الحجري .

كانت السجادة التي تغطيه , رغم أنها بالية تقريباً , مطرزة بما

افترضت روزي أنه شعار أسرة الزوج الراحل . وقفت تتفحصها عن

قرب , متسائلة عما إذا كانت ترجمتها صحيحة لما قرأته في ناحية

منها . ومفاده أن إحدى سيدات القصر كانت في وقت ما عشيقة

للملك وولدت منه طفلاً .

كانت (( المدام )) تصعد الدرج مع غارد , جنباً إلى جنب , معربة

بالفرنسية عن أسفها لأن وجود زوجته معه يعني أنهما لن يتناولا

العشاء بمفردهما . أجابها هو بالانكليزية بكياسة بالغة :

ـ مع الأسف ! لكنني واثق من أن روزي ستستمتع بتذوق طعامك

اللذيذ .

قوله هذا جعل روزي تحملق فيه . لم يكن ثمة حاجة لأن يتدرب

هنا على تمثيل دور الزوج المحب .

كادت تقول أن بإمكانهما , هو و المدام , أن يستمتعا بالجلوس

وحدهما قدر ما يشاءان من المرات , دون أي مانع من ناحيتها .

لكنها بدلاً من ذلك , قالت للمدام بابتسامة باردة ولغة فرنسية طليقة

بأنها , في الواقع , تتشوق إلى طعامها اللذيذ .

لم تقل المدام شيئاً , بل نظرت إليها بعينين ضيقتين , وزمت فهما

المصبوغ باللون القرمزي . ولم تعد تتحدث إلى غارد بالفرنسية , وهي

تقودهما خلال الممر ثم تقف أمام باب من الخشب الثقيل قائلة

لروزي بتكلف ودون قناعة :

ـ أنا واثقة من أن كل شيء سيكون حسب رغبتكما !.

وهذه المرة , جاء دور روزي لتكون شاردة الذهن غير متجاوبة .

عندما تركتهما المرأة , خطر في ذهنها أن العلاقة بينها و بين غارد

هي أعمق بكثير من تلك التي بين المضيفة والنزيل . لكن من الغريب

أنها لم تفصح عن شكوكها هذه , علماً أن تسرعها كان على الدوام

مدار مزاح في أسرتها . كانت تعلم , آسفة , أنها تميل إلى الكلام قبل

التفكير , ولكن بالنسبة إلى حياة غارد الشخصية , وخبرته مع النساء ,

لم يكن الإدلاء بتعليقات غير حذرة من شأنه أن يمنح غارد الفرصة

لتعييرها ببراءتها وجهلها .

لم تكن تشعر بمثل هذا الضيق مع الرجال الآخرين , وإنما

العكس تماماً . عندما تجاوزت غارد داخلة إلى غرفة الجلوس في

الجناح , شمت على الفور رائحة عطر المدام في الجو . أخذت

تتفحص ما يحيط بها بصمت . الأثاث المذهب , المرآة الضخمة

المذهبة فوق المدفأة , الأغطية المطرزة باليد , والستائر الحريرية

القديمة الطراز . كما أضفت زهريات تحتوي على زنابق بيضاء أناقة

على الغرفة .

أدركت روزي ذلك وهي تنظر إلى البساط (( الأوبيسون )) الذي

بهت لونه , مقطبة الجبين , شاعرة بالرهبة من هذا الجو القديم

المحيط بها .

ـ أنا عادة أستعمل غرفة النوم هذه .

سمعت غارد يقول هذا من خلفها وهو يفتح أحد البابين اللذين

يؤديان إلى خارج الغرفة .

ـ إن لها حمامها الخاص خلافاً للغرفة الأخرى . ولكن إذا كنت

تفضلين . . .

ما تفضله هو أن تكون الآن في بيتها وحدها , كما يعلم جيداً .

ـ هذا لا يهمني . ولكن أليس الأفضل لك أن تنام في الغرفة ذات

الحمام ؟ وبعد , أنا واثقة من أن المدام تتوقع أن تكون مستعداً

تماماً حين تنضم إليها لعشائكما المنفرد! .

ـ أتغارين ؟!

هذا اللوم الرقيق غير المتوقع , جعلها تصمت ذاهلة .

تغار . . . كيف يمكن أن تكون كذلك ؟ إن غارد لا يعني لها

شيئاً . المشاعر الوحيدة التي بينهما هي سخريته منها وبغضها العقيم

له . تغار . . . هذا مستحيل ! . . . إن غارد يعلم ذلك , فلماذا إذن

يرميها بالغيرة ؟

هزت رأسها غير قادرة على الإنكار . ولماذا تفعل وليس هناك ما

تنكره ؟ بدلاً من ذلك , أشاحت بوجهها عنه وهي تقول بغضب :

ـ لم أكن أريد القدوم إلى هنا , يا غارد .

ـ ربمــــــا هــــــذا صحيــح , ولكنك هــــنا الآن . أنت هنــا , وأثناء

وجودنا . .

عندما أخذت تبتعد عنه , توجه نحوها ساداً طريقها إلى باب غرفة

النوم .

ـ انظري إلي يا روزي . إنك لم تعودي طفلة لكي يُسمح لك

بالهرب من النقاش لإنقاذ ماء وجهك حين تعرفين أنك خاسرة .

فنظرت إليه بمرارة :

ـ النقاش ؟ وهل هناك من هو مسموح له بأن يناقشك , يا غارد ؟

إنك كُلي القدرة . . كلك رأي . . وكلك معرفة . استمر إذن . . ماذا

عن (( أثناء وجودنا هنا ))؟ يمكنني الجلوس كطفلة مطيعة بينما أنت

و المدام . . .

قال متجهماً :

ـ لا شيء بيني وبين الكونتيسة !

ـ ربما كلامك صحيح . لكنها تحب أن يكون ذلك .

استمر يقول متجاهلاً تعليقها :

ـ أكرر أن لا شيء بيننا . ولو كان هذا موجوداً . . .

فساعدته على إتمام كلامه , ساخرة :

ـ لكان ذلك ليس من شأني .

ـ ربما هذا صحيح . ولكنه ليس ما كنت أريد قوله . ما كنت أريد

قوله يا روزي هو أن عليك أن تحاولي وضع عداوتك لي جانباً ,

وتستخدمي المنطق والتعقل بدلاً من إطلاق مشاعرك . إن سبب

إصراري على إحضارك معي في هذه الرحلة هو أن نمنح نفسنا وقتاً

نعتاد فيه على وضعنا . . . الجديد . هل من التعقل إذن أن أفعل ذلك

ثم أحضرك إلى منزل عشيقتي ؟ ليس عليك أن تقلقي , يا عزيزتي ,

عندما ألح عليك بالمجيء معي في رحلة عمل , وإنما عندما أبداً

باصطناع المعاذير لئلا آخذك معي . . .

لأمر ما , كان يبتسم , وهذا ما أثار غضب روزي فصعد الدم إلى

وجهها . قال ساخراً وهو يلمس وجنتها بأنامل باردة :

ـ كثير من المشاعر المتوقدة وقليل من المنافذ لتصريفها !

أمرته قائلة بحرارة :

ـ كفى استعلاءً يا غارد ! أنا لست طفلة !

اختفت ابتسامته ليحل مكانها نظرة تقييم هادئة :

ـ لست طفلة ؟ ليت هذا صحيح !




ـ لا , شكراً , لا أريد مزيداً من الشراب !

رفضت روزي ذلك وهي تهز رأسها محاولة كبت تثاؤبها .

لم يبالغ غارد في مدح موهبة (( المدام )) في الطهي . لكن روزي لم

تستمتع حقاً بالطعام . فالطريقة التي تعمدت فيها المدام استبعادها من

الحديث , مقتصرة على غارد , جعلتها تشعر إزاءها بالتسلية أولاً , ثم

بالضيق بعد ذلك . وتوخياً للإنصاف , كان عليها أن تعترف بأن غارد

بذل وسعه لكي يوقف سلوك المدام السيء , محاولاً إدخال روزي في

الحديث , لكن روزي تعبت من هذه اللعبة وتمنت لو تعتذر ثم تهرب

إلى سريرها . قالت بهدوء :

ـ في الواقع , إذا لم يكن هناك مانع , أريد أن أذهب إلى النوم .

ثم وقفت قبل أن يتمكن غارد من قول شيء . حيت مضيفتها

بتكلف , مادحة الطعام . قال غارد بصوت هادئ غير متوقع :

ـ أظنني سآتي معك .

قالت باحتجاج :

ـ كلا , بل إبق هنا !

لكن غارد كان سبق وأمسك بمرفقها , مضيفاً شكره إلى شكرها ,

وهو يسير معها نحو الباب . عندما أصبحا في الردهة , قالت له بحدة :

ـ ما كان يتوجب عليك ذلك . كان يمكنك البقاء .

قال ساخراً :

ـ وأترك عروسي وحدها ؟

حملقت فيه مزمومة الشفتين وقالت غاضبة :

ـ لا حاجة للسخرية بهذا الشكل ! لست حمقاء على الإطلاق , يا

غارد ! أنا أعلم جيداً أنك . . .

عندما سكتت , قال بسرعة :

ـ أنني ماذا ؟

لكن روزي رفضت الجواب مكتفية بهزة من رأسها . ما الفائدة

من قول ما يعرفانه , هما الاثنان؟ أنها آخر امرأة كان غارد سيفكر في

الزواج بها , كما أنه آخر رجل كانت تريد الزواج به .

عادت تكرر اعتراضها السابق , وبانفعال هذه المرة :

ـ لا أدري لماذا أحضرتني إلى هنا ! ما المفروض أن أفعله بنفسي

حين تكون في بروكسل ؟ أطلب من المدام أن تعلمني الطهي ؟

ـ إنك لن تبقي هـنا , بل سترافقينني .

ـ مـاذا ؟!

ـ أظنك ستجدين السيد (( ديبوا )) على شيء من الأهمية . وحيث

أنه لا يتكلم الانكليزية , وفرنسيتي ضعيفة نوعاً ما , سأكون شاكراً

مساعدتك .

ماذا يعني غارد بقوله إنها ستجد السيد (( ديبوا )) مهماً ؟ إن عمل

غارد يتضمن تفاصيل معقدة جداً وبرامج على الكمبيوتر , وهو

موضوع لا تعرف عنه روزي إلا القليل , كما يعلم غارد جديداً . تابع

غارد يقول وكأنه يقرأ أفكارها :

ـ السيد ديبوا عالم خبير بالبيئة . وهو المتحدث باسم مجموعة

بالغة النفوذ في السوق الأوروبية المشتركة تطالب بمزيد من السيطرة

على فساد البيئة في الأرياف . وحيث أنني أعلم اهتمامك بهذا الأمـر ,

ستجدان الكثير لتتحدثا عنه .

ليس من عادة غارد أن يعطيها رأياً لا يتضمن نوعاً من السخرية ,

ما جعلها , لأول مرة , لا تعرف ماذا تقول .

ـ وطبعاً , وجودك معي سيوفر علي أجر مترجم .

نظرت إليه ساخطة . للمرة الأولى تخدع به فتظنه يعتبرها نداً

له . . . امرأة راشدة . تملكها حنق كاد يدفعها إلى رفض الذهاب

معه . لكن البقاء في القصر وحدها لم يكن شيئاً ساراً .

قال لها وهو يفتح باب جناحها :

ـ لدي بعض الملاحظات أريد قراءتها . إذا كنت تريدين استعمال

الحمام أولاً . . .

أدركت أن عليها أن تشكر لباقته هذه , لكنها بدلاً من ذلك ,

شعرت بالانزعاج والارتباك كطفل أرسل إلى النوم لئلا يزعج وجوده

الكبار . هل ادعاء غارد بأنه سيقوم ببعض الأعمال , ليس إلا عذراً

للعودة إلى الطابق السفلي لموافاة المدام ؟

لو كان غارد يريد البقاء مع المرأة الفرنسية , لما كان بحاجة إلى

الكذب ! هكذا فكرت روزي بغضب , إنه حر تماماً من هذه الناحية ,

أو هما الاثنان كذلك .

لماذا إذن شعرت بالضيق حين رأيت فم المدام القرمزي يهمس

شيئاً في أذن غارد ؟

سبب ذلك , كما أخذت روزي تفكر باستياء , ليس سلوك المدام

المريب , و إنما هو استياءها من طعامها الدسم في معدتها .

عندما وافقت بيتر على القيام بمحاولة إنقاذ المنزل , لم تدرك

بالضبط ما عليها أن تواجهه . فكرت في هذا باكتئاب وهي تخلع

ملابسها وتنزل في حوض الحمام الضخم . كان ضغط أحداث

الأسبوعين الأخيرين أكثر مما توقعت . . ومما تريد أن تعترف به .

مضت لحظة , أثناء تناولها فطور يوم الزفاف , نظرت فيما حولها

إلى الوجوه المألوفة . فشعرت فجأة , بلهفة قوية إلى أبيها وجدها

ليخففا عنها . وإذ ملأت الدموع عينيها وخنقتها , أكبت فوق صحنها ,

آملة ألا يكون أحد قد لاحظ ذلك . كان غارد مستغرقاً في حديث مع

زوجة إدوارد , أو هكذا ظنت , ما جعلها تشعر بمزيد من الخجل

عندما دس في يدها منديلاً كبيراً نظيفاً , قائلاً بهدوء :

ـ أنا أيضاً أفتقدهما , يا روزي ! إنه , على الأقل , شعور مشترك .

اغرورقت عيناها الآن بالدموع , على غير توقع منها . أخذت

تغالبها غاضبة . ماذا حدث لها هذه الأيام ؟ لم تكن قط من النوع

الذي يبكي بسهولة .

قد تكون المدام سخية بالنسبة للطعام , لكنها بخيلة بالنسبة للماء

الساخن . أخذت روزي تفكر في ذلك وهي تغتسل بسرعة وتقفز إلى

خارج الحوض , لتلف نفسها بمنشفة كبيرة بيضاء ثم تبدأ بتنشيف

جسمها بسرعة لتبدد بذلك ذكرياتها غير المرغوب فيها .

عندما ارتدت قميصها القطني بالصورة الكاريكاتورية المطبوعة

عليه من الأمام , نظرت في المرآة وعبست .

اعترفت بأن أحداً لن يصدق أنها عروس سعيدة إذا ما رأى

صورتها على هذا النحو .

عندما يتزوج غارد , أو إذا تزوج , لا يمكن أن يكون ذلك بفتاة أو

امرأة ترتدي ليلة عرسها قميصاً قطنياً وملابس داخلية عادية , التقطت

ملابسها التي كانت خلعتها , ثم توجهت إلى غرفتها منادية عندما

دخلتها :

ـ انتهيت من الحمام الآن , يا غارد ؟

سكوت ! أتراه سمعها ؟ قطبت جبينها وهي تعض باطن شفتها ,

ناقلة نظراتها بين باب غرفتها المغلق وبين السرير . . . آخر ما كانت

تريده هو أن يوقظها طرق غارد على بابها ليعرف أين هي .

تأوهت بصوت خافت ثم سارت إلى الباب تفتحه . كان غارد

جالساً إلى المكتب أمام النافذة , ورأسه فوق أوراق منشورة أمامه .

أخذت تراقبه لبضع ثوانٍ. كان شيئاً نادراً , بالنسبة إليها , أن تتمكن

من مراقبته دون أن يلحظها . يا له من رجل بالغ الوسامة ! اعترفت

لنفسها بذلك وقد خفق قلبها . رجل تتمنى معظم النساء الزواج منه .

لكنها ليست واحدة منهن . . عندما تتزوج . . .

ـ ماذا حدث , يا روزي ؟

ألقى بهذا السؤال الهادئ من دون أن يرفع رأسه أو ينظر إليها ,

موضحاً بذلك أنه لم يكن غافلاً عن وجودها . وأضاف متجهماً :

ـ إذا كنتِ ستخبرينني بأنك لا تستطيعين النوم من دون دميتك ,

إذن فأنا آسف . . .

أظلمت عيناها غضباً . إنها لم تنم مع دميتها منذ سنوات . حسناً ,

فقط أثناء الأسابيع الأخيرة , عندما حطمها فقدها لأبيها وجدها .

قالت له بكبرياء :

ـ جئت لأخبرك بأنني خرجت من الحمام .

ـ أتريدين فنجان قهوة قبل النوم ؟

فاجأها سؤاله . اتسعت عيناها قليلاً واحمر وجهها عندما وضع

من يده الأوراق التي يدرسها ثم التفت إليها . شعرت بأنها تحب

أن تتناول فنجان قهوة , لكنها كانت خجلى من كونها في قميص

النوم .

قالت بضيق :

ـ الأفضل . . . الأفضل أن أذهب لألقي علي رداء آخر . . .

أنا . . .

أجفلت عندما وقف , رافعاً حاجبيه الأسودين بسخرية وهو يتقدم

نحوها .

ـ هذه حشمة بالغة يا روزي ! لكنها غير ضرورية . أظن لدي ما

يكفي من السيطرة على مشاعري فلا أستسلم لإغراء منظرك بقميص

النوم . ثم إن قميصك هذا ليس شديد الإغراء , أليس كذلك ؟ إنه ليس

قميص عروس , بالضبط كما . . .

ـ أظنك عندما تذهب إلى سريرك ستلبس بيجاما حريرية .

دافعت روزي عن نفسها بهذا القول متذكرة رواية كان البطل فيها

يرتدي تلك الملابس . وتابعت تقول :

ـ ولكن لمعلوماتك الخاصة . . .

سكتت فجأة عندما أخذ غارد يضحك . لم تكن رأته يضحك من

قبل إلا نادراً . ولأمر ما , سبب ضحكه هذا , لها , طعنة مؤلمة في

صدرها .

سألته بارتياب :

ـ ما هذا , ولماذا تضحك ؟

قال يهز رأسه والمرح بادٍ في عينيه :

ـ لا يا روزي ! أنا لا أرتدي بيجاما حريرية . أنا , في الواقع لا

أرتدي شيئاً على الإطلاق .

قال جملته الأخيرة , وهو يحدق فيها بإمعان .

لم تستطع روزي منع وجهها من الاحمرار خجلاً وارتباكاً . ليس

فقط لما قاله , حتى ولا لضحكه هذا , وإنما للصورة المفزعة التي

تمثلته فيها عارياً .

غصت بريقها , وقد منعتها صدمة مشاعرها من ملاحظة كيف

تحول الهزل في عيني غارد إلى تفحص دقيق . قطب جبينه لما بدا

على وجهها من شحوب وألم .

سمعته يقول لها فجأة :

ـ اذهبي إلى سريرك , يا روزي ! لقد عانيت كثيراً من التوتر

والإجهاد , مؤخراً تصبحين على خير . . .

شعرت روزي بأن كل هذا كثير عليها , فقالت بصوت خنقته

الدموع :

ـ أنا لست طفلة , يا غارد . أنا امرأة . . راشدة , وقد حان

الوقت لأن تدرك هذه الحقيقة وتعاملني على أساسها .

غالبت بغضب دموعها التي كانت تحجب عنها الرؤية , وإذا بها

تسمع صوت غارد يقول محذراً :

ـ لا تغريني , يا روزي ! لا تغريني ! .

* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :



Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس