ـ ماذا حدث يا روزي ؟ لا أظنك ما زلت مستاءة لأنني أفسدت
عليك الغزل مع رينولد , أليس كذلك ؟
سألها غارد هذا بجفاء . التفتت روزي إليه بحذر , وهي تمد يدها
إلى حزام الأمان عندما أعلن المضيف في الطائرة أنهم على وشك
هــــــل نسي غارد , حـقـــــاً , مــــــا حـــــدث تلك الليلة ؟ مـــا قـاله لها ,
والطريقة التي نظر بها إليها ؟ كان مقطباً جبينه قليلاً وهو يربط حزامه ,
وشيء من نفاذ الصبر يوتر فمه .
هذا الصباح , بدا غارد مختلفاً تماماً . من المستحيل أن يكون هو
نفسه ذاك الرجل الذي نبهها إلى ذاته , وإلى نفسها بشكل مثير .
أتراها بالغت فــــي ردة فعــلـها إزاء ما حدث ؟ هل ضخمت الأمور
أكثر مما هي عليه ؟ وهل كان ضرورياً بقاؤها مستيقظة معظم الليل ,
خائفة من مواجهة غارد في الصباح , ومما قد يقوله ؟
وعندمــــا لم يـشـــــر في الصــــباح إلى مــا حدث , شعرت بما يشبه
الخيبة . ليس هذا فقط , وإنما عاد يعاملها وكأنها طفلة مزعجة أكثر
أكثر منها ماذا ؟ امرأة ؟ تملكها انقباض مؤلم في صدرها , وسرت
في وجهها وجسمها حرارة أشعرتها بالضيف .
عندما استقرت الطائرة على المروج , قال غارد لها :
ـ هيا , يا روزي ! ليس علينا أن نرجع بمظهر يدل على أننا
ـ أنا لست مستاءة , أنا . . . متعبة فقط هذا كل شيء .
ـ متعبة . . . بعد رحلة عمل دامت يومين ؟ هذا غريب !
قال غارد ذلك ساخراً , متجاهلاً احمرار وجهها خجلاً , ثم تابع ,
ـ سأوصلك إلى (( مرج الملكة )) وبعد ذلك علي أن أذهب إلى
مكتبي لمراجعة بعض الأمور , ثم إلى شقتي . هل طلبت من السيدة
فرينتون أن تهيئ لنا غرفة .
هـــــــزت روزي رأسها . هي تعلم أنها تتصرف كالنعامة . لكنه حتى
الآن لم تستطع أن تحمل نفسها على مواجهة النواحي العملية التي
ليلة زفافهما , كانت رقدت في الغرفة التي تحتلها منذ طفولتها ,
بينما رقد غارد في واحدة من غرف الضيوف . لكنها تعلم الآن أن لا
سبيل للحفاظ على مظهر زواجهما إذا استمرا في النوم في غرفتين
يفصل بينهما ممر طوله نصف ميل تقريباً .
ـ أنا . . . فكرت في أن هناك غرفتين للضيوف يصل بينهما باب
داخلي ؛ فإذا نظمت الفراش بنفسي , عند ذلك لا يمكن للسيدة
ـ لا يمكن للسيدة فرينتون ماذا ؟ لا يمكنها أن تعلم أننا نرقد في
غرفتين منفصلتين ؟ هذا رائع يا روزي ما دامت لا تعلم . أما إذا انتشر
الخبر بأننا نرقد في غرفتين منفصلتين , فيمكنك أن تثقي بأن محامي
إدوارد سرعان ما يطرق بابنا . . .
ـ ألا توجد غرفة نوم بسريرين ؟
ـ هناك غرفة المخزن , وسيبدو الأمر غريباً شاذاً إذا رقدنا
وفي طريقهما إلى البيت , قال ساخراً :
ـ ابتهجي ! . إنها سنة واحدة فقط . ثم , من يدري ؟ ربما
لكنها , على الفور , تذكرت ما شعرت به الليلة الماضية , فاحمر
ألقى عليها نظرة جانبية وهو يقول محذراً :
ـ حذار , يا روزي ! فقد يعتبر الرجل هذا الكلام تحدياً ويحاول
وفيما كانت روزي تشعر بالتشنج , رافضة كلام غارد , انعطف
بالسيارة صاعداً في طريق البيت , وإذا به يقطع كلامه فجأة ليسألها :
ـ أليست تلك سيارة إدوارد ؟
أجابت بفتور : (( بلى ! )) .
ـ . . . أتساءل ما الذي يفعله هنا . أتظنينه يقيم لنا حفلة ترحيب
بالعودة إلى البيت ؟ يا له من إنسان حساس يهتم بالآخرين !
ـ ما كان إدوارد يوماً حساساً . كانت له دوماً دوافعه الخفية .
ـ . . . وليس هناك مكافآت لمن يتكهن بها هذه المرة , أليس
عندما نظرت روزي إليه مستفهمة , قال مفسراً :
ـ المنزل , يا روزي , المنزل ! .
ـ لكن فات أوان ذلك , هو يعلم الآن أننا متزوجان .
أخذت تتساءل بقلق عما يفعله إدوارد في البيت . إنه يعلم مقدار
كراهيتها له وعدم رغبتها في وجوده .
نبهها غارد وهو يفتح الباب الثقيل :
ـ ابتسمي يا روزي , ابتسمي !
عندما أمسك لها الباب لتمر , كان عليها أن تحتك به في
مرورها , فبدا وكأنه يلفها بذراعيه وعندما التفتت إليه لتقول إن آخر
شيء تفكر فيه هو الابتسام , نظر إليها متمتماً :
ـ وضعك هذا جيد جداً , وإذا ازددت اقتراباً مني وفتحت فمك
قليلاً ربما يظن الناظر أنك تريدينني أن أقبلك . . .
أن يقبلها ! بدا السخط في عيني روزي . وقبل أن تقول شيئاً ,
أسرعت السيدة فرينتون إلى الردهة , تستقبلها بقلق بادٍ على وجهها :
ـ آه , يا روزي ! . . أعني يا سيدتي . . .
ـ يمكنك مخاطبتي باسمي , يا سيدة فرينتون , يبدو عليك
قبل أن تجيب المرأة , سمعت روزي شخصاً يهبط السلم ,
وعندما رفعت بصرها رأت أنه إدوارد يبتسم لها ابتسامة التسامح
ـ آه , روزي . . . وغارد !
هتف بذلك , ثم تبددت ابتسامته وهو يهز رأسه باكتئاب :
ـ آسف للخبر السيئ ! اكتشفنا الأسبوع الماضي أن العيب الذي
كان ظهر في بناء بيتنا وكنا نظنه بسيطاً , وهو في الواقع خطر جداً .
لذلك لم نجد أمامنا سوى الانتقال إلى هنا أثناء قيام العمال
والمهندسين بعملهم . وقد تملك مرغريت القلق بشأن انتقالنا إلى هنا
من دون إعلامكم بذلك . لكنني وبختها على هذا العناء , وإلا ما فائدة
القرابة إذا لم يساعد الأقرباء بعضهم بعضاً عند الحاجة ؟ وإلى أين
نذهب ؟ كان من المستحيل علينا الانتقال إلى فندق بكل أوراقي
السرية , كما أن الضجيج سيصيب مرغريت بالصداع الرهيب الذي
يعادوها في مثل هذا الحال . ثم عندما تبدأ العطلة الدراسية ويعود
الولدان . . . قلت على الفور إن علينا الانتقال إلى هنا . ما زالت
مرغريت في البيت تشرف عل نقل آخر الأمتعة . لكنها سرعان ما
تصل . لقد سمحت لنفسي بإعطاء السيدة فرينتون الأمر بتجهيز جناح
الجد لنا . علينا طبعاً أن نحضر سريرين من غرفة المخزن . إننا نفضل
هذا النوع من الأسرة هذه الأيام , لأن مرغريت لا تستطيع النوم
ساد صمت مطبق أخذت روزي أثناءه تحدق في إدوارد , غير
ـ أنا مدرك طبعاً أنكما عريسان , لكنني أتعهد لكما بأنكما لن
تشعرا بوجودنا هنا , كما ستجدين في مرغريت عوناً لك في شؤون
البيت , يا عزيزتي روزي . إنها معتادة على إدارة البيوت الواسعة ,
وتنظيم الحفلات , وسائر الأمور المشابهة .
جذبت روزي نفساً متقطعاً , وفتحت فمها ثم عادت فأقفلته , غير
واثقة مما عليها أن تقول . بدلاً من الكلام نظرت إلى غارد متوسلة .
الحمد الله أنه معها ههنا . إنه يعرف كيف يتعامل مع إدوارد وكيف
يحمله على مغادرة المنزل . لكنها ذهلت وهي تراه , بدلاً من أن يأمر
إدوارد بالمغادرة على الفور , يقول له بلهجة عادية :
ـ جناح جد روزي ! أظن أنه الجناح الرئيسي في المنزل !
ثم أضاف بهجة اهتمام بدت لها زائفة :
ـ آه , عرفت من السيدة فرينتون أنكما , أنت و روزي , لا
تستعملانه . يبدو أنها , في الواقع لا تعلم أين ستنامان . . .
أخذ ينقل نظرات الثعلب بينها وبين غارد , ثم عاد يقول :
ـ وطبعاً , الحمام الملحق بالجناح الرئيسي . . .
ـ ولهذا السبب , مع الأسف , عليك أن تختار غرفة أخرى .
هكذا قاطعه غارد بهدوء بينما اتسعت عينا روزي ذاهلة غير
مصدقة . ما الذي يقوله غارد ؟ لماذا لم يخبر إدوارد بأن عليه المغادرة
أجفلت حين مد غارد ذراعه حولها , وجذبها إليه . تصلب جسدها
رافضاً بغضب وهي تحملق فيه , بينما يتابع :
ـ كنا , أنا و روزي , نتحدث لتونا أثناء رحلة العودة عن تجديد
ذلك القسم من المنزل . إنني , في الواقع , أنوي الاتصال بالمهندس
غداً . لأكون صادقاً معك , يا إدوارد , أعتقد أنك ستجد غرف الطابق
العلوي أكثر ملاءمة . . . خصوصاً , مع قدوم العطلة المدرسية
وحضور الأولاد . وطبعاً , لأننا عريسان جديدان نرغب في العزلة ,
ثم التفت إلى روزي قائلاً برقة :
ـ أليس كذلك , يا حبيبتي ؟
لم ينتظر جواباً منها , لحسن الحظ , وكذلك إدوارد . قال إدوارد
ـ أفهم من كلامك عن الطابق العلوي أنك تعني غرفتي النوم في
طابق الأمتعة القديمة , طابق الخدم . . .
ـ هذا صحيح ! والآن , نرجو المعذرة , يا إدوارد , لأن علينا القيام
ببعض الأمور . وبما أنك لست ضيفاً ههنا , فإنك لا تتوقع منا البقاء
معك احتفاءً بك , آه , كما أظنك لن تستطيع استدعاء السيدة فرينتون
لمساعدتكم . آسف لأنني أتصرف بشكل تدعوه روزي تزمتً تقليدياً !
يا إدوارد . . . أنا أعلم أنك لن تتأثر بما سأقول ؛ و حيث أننا سنعيش
تحت سقف وأحد , أعرف أنك ستتفهم رغبتي في عدم دخولك أنت
أو أسرتك إلى المكتبة و المكتب بما أنني عريس , أحب أن أمضي
كل ما أستطيعه من وقت مع عروسي , وهذا يعني أنني سأعمل , قدر
ثم أضاف مبتسماً في وجه روزي الساخط :
ـ ليس عليك أن تقلقي من هذه الناحية , يا حبيبتي , سأقوم بكل
الترتيبات مع الفنيين بخصوص الفاكس والكومبيوتر وغير ذلك .
آه . . . هذه أنت سيدة فرينتون ؟ أنا و روزي قادمان من رحلة متعبة .
هلا أحضرتِ لنا غداء خفيفاً إلى غرفة الجلوس الشتوية ! لن أدعوك
للغداء معنا , يا إدوارد , لأنني أعلم كم أنت مشغول . . . آسف
لحظك السيء ! أعني بالنسبة إل تصدع بيتك .
أضف غارد ذلك بينما أخذ إدوارد ينظر إليه بحذر .
كان ضغط أصابع غارد المؤلم تقريباً على ذراع روزي هو الذي
منعها من أن تنفجر غاضبة قبل أن يصلا إلى الصالة الشتوية الصغيرة
المبطنة جدرانها بالخشب . ولكن عندما أصبحا هناك , انغلق الباب
خلفهما بأمان , نفضت نفسها بعيداً وسألته بغضب والدموع تنفر
ـ لماذا لم تطلب من إدوارد مغادرة البيت ؟ لماذا تركته يظن أن
لا بأس في بقائه هنا ؟ إنك تعلم أنه لن يستطيع البقاء . لا أريده هنا! لا
أصدق أنه لا يملك مكاناً آخر يذهب إليه . إنه يفعل هذا فقط
ـ لأنه يريد أن يتجسس علينا , لأنه . . .
حولت عينيها إلى ناحية أخرى . لقد بدأت تدرك معنى وجود
إدوارد في هذا البيت والغرض منه . ظنت في البداية أنه انتقل إلى هنا
ليغيظهما فقط . لكن غارد جعلها تعلم أن إدوار ذو غرض أشـــــد لؤماً
وخطورة . وهذه الخطورة جعلت الدم يهرب من وجهها مخلفاً شحـوباً
ـ تقول إنه يرتاب في أننا لسنا . . . أن زواجنا . . . ولكنها مجرد
قالت ذلك وهي تذرع أرض الغرفة متوترة الأعصاب , ثم اقتربت
من غارد تنظر إليه متوسلة كأنها تطلب الموافقة على كلامها .
ـ في هذه المرحلة , نعم . إنما لا تقللي من شأنه يا روزي . إنه
ـ إذا كنت تظن ذلك حقاً , لماذا إذن تركته يبقى هنا ؟ كان عليك
ـ وأجازف بتقوية شكوكه ؟ لا . . . لا أستطيع القيام بذلك . كنت
أنذرتك أن شيئاً كهذا ربما يحدث , وذلك منذ البداية .
ـ لا , أنت لم تخبرني . إنك لم تقل شيئاً عن انتقال إدوارد
ـ ليس بالضبط . لكنني أشرت لك إلى المجازفة التي نحن
مقدمان عليها . وكذلك حذرتك من أنني لن اسمح أبداً بتعريض
سمعتي , الشخصية والعملية , للخطر بهذا الزواج . لا تخدعي
نفسك , يا روزي , لن يكون المنزل وحده ما سنواجه خسارته لو أن
إدوارد استطاع رفع دعوى ضدنا . . . الناس يواجهون أحكاماً بالسجن
وسكت وهو يهز رأسه . شحب وجه روزي ذهولاً , وهمست :
ـ السجن ! . . لا ! . . لا! . . إنك تحاول إخافتي فقط .
توترت روزي وقطب غارد جبينه عندما سمعا طرقاً على الباب .
دخلت السيدة فرينتون حاملة صينية واسعة , فهدأت روزي
قليلاً . . لكن توترها سرعان ما عاد إليها نظرت مديرة المنزل
إليهما بقلق , ثم انفجرت تقول :
ـ لا أريد أن أقول شيئاً ليس من شأني , لكنني اشتغلت عند جدك
مدة طويلة . . . وقد بدأ السيد إدوارد يلقي علي كثيراً من الأسئلة .
ـ أي نوع من الأسئلة , يا سيدة فرينتون ؟
أخذت روزي تتسائل : كيف يستطيع الاحتفاظ بهدوئه في مثل
هذه الحال ؟ ألم يخبرها لتوه أن الوضع دقيق وخطر ؟ ! . . . السجن ! . .
ـ حسناً , أراد أن يعلم أي غرفة ستستعملانها أنت و روزي .
مثلاً , قال إنه لا يريد أن يزعج أي شخص بأخذ الغرفة التي يريد .
وقال إنه لاحظ أن أشياء روزي ما زالت في غرفتها . . .
شهقت روزي ثائرة . كيف تجرأ إدوارد على دخول غرفتها ؟ لو
كان جدها ما زال حياً , لما سمح مطلقاً . . .
لو كان جدها ما زال حياً لما حدث أي من هذه الأمور , ولما
كانت احتاجت إلى الزواج من غارد . لما شعرت بحاجة إلى الكذب
والخداع . شعرت بالدموع الحارة تتجمع في مآقيها .
ـ قلت له إنني لا أعرف أية غرفة ستستعملان , لكنه ظل يلح علي
بالأسئلة . سألني عن الغرفة التي بتما فيها بعد الزفاف . . .
واحمر وجه السيدة فرينتون خجلاً و هي تنظر إليهما .
ـ لا بأس , يا سيدة فرينتون . كنا , في الحقيقة , سنتباحث معك
في أمر غرفة النوم , لأنني واثق من حسن تفهمك . هناك غرفة معينة
لا تريد روزي استعمالها , وذلك لأسباب عاطفية . غرفة أبيها , مثلاً ,
وكذلك غرفة جدها . وقد سبق وأخبرتها بأنني لا أستطيع مشاركتها
قال غارد ذلك بلطف , جاعلاً روزي تنظر إليه ساخطة . ذلك
أنهما لم يتحدثا في مثل هذه الأشياء . وإذا كان يظن أنه يتظارف . .
فمن الواضح أن مديرة المنزل تعلم أن ليس بإمكانهما استعمال تلك
الغرفة , خصوصاً أن ليس فيها سوى سرير فردي .
ـ كنا فكرنا في القيام بجولة في أنحاء البيت لنختار غرفتنا رغم
أنني أعتقد أن أية غرفة نختارها ستكون مؤقتة , إذ أن أغلب الغرف
ينبغي تحديثها . أنا شخصياً أفضل الحمامات الواسعة , وذلك لأسباب
أضاف غار ذلك بمكر ناظراً إلى روزي , ما جعلهما , هي
ومديرة المنزل , تحمران خجلاً . وتابع يقول :
ـ لكن روزي تصر على شراء أحدث طرازاً , وأعترف أنني
سأفتقد الدوش القوي الذي في شقتي . . .
انتظرت روزي حتى خرجت مديرة المنزل , ثم هزت رأسها
غاضبة عندما سألها غارد عما إذا كانت تريد أن تأكل شيئاً , متسائلة
كيف يمكنه أن يأكل الفطائر بمثل هذا الهدوء وكأن شيئاً لم يحدث .
ـ إنك تعلم أننا سبق وقررنا أي غرفة سنستعمل . . .
قاطعها قائلاً وهو يضع صحنه جانباً ثم ينتصب واقفاً :
ـ هذا في الماضي . أما الآن , فقد تغيرت الأمور يا روزي , ولهذا
عليك أن تنامي في غرفتي طوال مدة وجود إدوارد وأسرته ههنا .
ـ في غرفتك ؟ وأين ستنام أنت ؟
كانت قد تكهنت بالجواب مسبقاً , والنظرة التي رمقها بها أكدت
أسوأ شكوكها . قالت بسرعة :
ـ آه , كلا . لا , لا . . ليس ذلك ! لن أشاركك غرفتك . . يا غارد ,
وأنام في نفس . . . لا , لا أستطيع !
ـ ليس دينا خيار آخر . إما أن تشاركيني الغرفة و الفراش , يا
روزي , وإما تشاركي شخصاً آخر في أحد سجون المملكة المتحدة .
ـ لا , لا ! إنك تحاول إخافتي فقط .
ـ ماذا ؟ أتظنينني حقاً متلهفاً إلى أي امرأة فألجأ إلى إخافتك كي
تنامي معي ! اكبري , يا روزي ! ليس هذا الأمر ما يقلقني حالياً , وإنما
قال غارد ذلك ساخراً , بينما أخذت تعض شفتها قلقة . ثم سألته
ـ هل تعني هذا حقاً ؟ هل تظن حقاً أن إدوارد يرتاب في أمرنا .
صدرت عنها رجفة خفيفة وبدا الخوف في عينيها , وهي تتابع :
ـ إننا لن نذهب حقاً إلى السجن , يا غارد , أليس كذلك ؟ أعني ,
ـ وكأننا ماذا ؟ وكأننا ارتكبنا ذنباً في تآمرنا معاً لحرمان إدوارد
من إرثه ؟ أشك في أن المحكمة ستتساهل في أمر كهذا . هذا طبعاً إذا
اخترت أن تتجاهلي نصيحتي و تجازفي . . .
سارعت روزي تنفي ذلك . كانت قد بدأت حقاً تشعر بالخوف .
ـ إنني لست أسعد منك بهذا الوضع . وافقت أن أتزوجك , يا
روزي , لا لأنام معك . وصدقيني إذا كان هناك طريقة أحمل بها
إدوارد على مغادرة البيت دون أن أزيد من شكوكه , لما تأخرت
لم يكن غارد يريد أن ينام معها , أن يشاركها سريره ! قطبت
روزي حاجبيها مشككة في كلامه .
وهذه المشاعر الضبابية الغريبة التي تملكتها , هل هي خيبة أمل
وجرح في الكرامة لهذا الرفض ؟ لا , بكل تأكيد !
ـ وهكذا . . يبدو أن هذه الغرفة هي الأكثر ملاءمة . إلا إذا كنت
تفضلين واحدة من الأخريات !
هزت روزي رأسها بصمت . لقد أمضيا لتوهما ساعة كاملة
كانت روزي توقفت لحظة قصيرة أمام الغرفتين المتصلتين اللتين
سبق وتحدثت عنهما , لكن غارد أمسك بذراعها يجرها بعيداً , وهو
ـ اعتبري نفسك محظوظة لتمكني من دفع إدوارد بعيداً عن
طابقنا , وإلا كنا رأيناه في الغرفة التالية متلصصاُ علينا , مسجلاً بلهفة
عندما رأى تغير ملامحها , عبس ساخراً :
ـ أتجدين هذا كلاماً منفراً ؟ حسناً , صدقيني أنه لا شيء يذكر
بالنسبة لما قد تسمعينه في المحكمة . . .
كانا الآن يقفان في غرفة واسعة في الطرف المقابل من البيت ,
من الغرف التي كانوا , هي وأبوها و جدها , يحتلونها . وقفت روزي
صامتة تتأمل السرير الضخم ذا الأربعة أعمدة .
هذه الغرفة , بسريرها الواسع المريح , وخشبها الدافئ الذي
يبطن الجدران , و مدفأتها , حتى الأريكة العميقة تحت النافذة . . .
هذه الغرفة ربما كانت في وقت ما ملجأ لامرأة أخرى تشعر فيه
بالراحة والسلام , وربما بمتعة الحب . . . لكنها , هي روزي , لا
يمكنها أن تراها بهذا الشكل . عضت شفتها بعنف , محاولة صد ما
أدركت , لأول مرة في حياتها تقريباً , أنها تشعر بالخوف ! ليس
من غارد , مهما بلغ تهربها من مشاركته الغرفة . . والسرير . .
لا , ما كانت تخافه هو الخطر الذي كشف لها عنه . سألته بصوت
ـ نحن لا يمكن . . . إننا لن نذهب حقاً إلى السجن , أليس
ـ ماذا تريدينني أن أقول لك , يا روزي ؟ أن أكذب عليك بكلمات
حلوة لأخفف عنك ؟ إنك أنت التي تصرين على أنك امرأة ولست
ـ ولكن إذا اعتقد إدوارد أننا ننام مع بعضنا البعض , أننا متزوجان
حقاً , أتظنه سيتوقف إذ ذاك عن الارتياب فينا ؟
ـ من المؤكد , عندئذ تصبح شكوكه واهية الأساس إنما لا
تقللي من شأن إدوارد , يا روزي . إنه كاذب خداع . ومثل كل
الكذابين الخداعين , يعرف تماماً كيف يميز هذه الخصال في
ـ لا أظن أحداً نام في هذه الغرفة منذ حفلة عيد ميلاد جدي
قالت روزي ذلك بصوت متوتر , متجاهلة كلام غارد , ثم تقدمت
كان المخمل الذي يغطي الأريكة قديماً باهت اللون كالستائر
وغطاء السرير , لكنه ما زال سميكاً ناعماً ينطق بالترف ولا يماثله أي
نسيج عصري , في شهر العسل . . .
كان في صوت نبرة لم تسمعها منه من قبل . بدا وكأنه يشعر
نحوها بالعطف . . . بالشفقة . . .
ـ روزي , أنا أعلم أن هذا ليس أمراً سهلاً بالنسبة إليك . . .
تصلب جسم روزي وهي تلاحظ تقدمه نحوها من الخلف .
تحولت عن النافذة مندفعة في الحديث :
ـ إننا بحاجة إلى ملاءات نظيفة و . . . مناشف . هنالك بعض
الملاءات , كما أظن , كبيرة الحجم . . . إنها إرلندية وكانت جزءاً من
جهاز جدتي إنه سرير كبير الحجم جداً . . .
ـ نعم , سرير كبير الحجم جداً , أكثر اتساعاً مما نحتاجه وكذلك
ـ نعم , وسادتان مستطيلتان إنك تضعينهما على طول السرير
فتقسمانه إلى قسمين . في وقت ما , لم تكن أي رواية عاطفية تخلو
من (( وسادة خالية )) . . . أو هذا ما سمعت عنه !
ـ لا يمكننا استعمالهما رغم وجودهما . ربما يراهما إدوارد !
تهدج صوتها فجأة والدمع يفيض من عينيها ثم صرخت بتعاسة :
ـ لم أتصور قط أن الأمر سيكون بهذا الشكل . كل ما فكرت فيه
هو حماية المنزل , هذا كل شيء !
ـ نعم , أعرف هذا . هيا ابكي ما شئت , هذا يخفف عنك .
قال غارد ذلك وهو يجتاز الغرفة ويأخذها بين ذراعيه بحنان
لم يكن لديها وقت للاحتجاج أو الرفض . كان رجلاً مختلفاً .
أدركت ذلك وهي تستكين إلى صدره وذراعيه الدافئتين . أشعرها
بمبلغ ما كانت تحس به من وحدة . . . لقد رحل أبوها وجدها ولم
يعد لها أحباب تلجأ إليهم لتشكو أحزانها ومشاكلها .
هذه الأفكار جعلت دموعها تفيض بغزارة مبللة قميص غارد
القطني الأبيض . قالت محتجة وهي تشهق مع الكلمات :
بدا صوت غارد حنوناً مغرياً في أذنيها , بنفس الحنان الذي تشعر
ـ أنا خائفة يا غارد . ماذا سنفعل ؟
اعترافها الهامس هذا جعل ذراعيه تشتدان حولها قليلاً . لا بد أن
غارد خائف هو أيضاً , كما أخذت روزي تفكر , وإلا لما ضخم من
خطورة موقفهما بهذا الشكل .
ـ حسناً , هناك طريقة واحدة يمكننا بها التخلص من إدوارد !
انتفضت روزي ورفعت رأسها عن كتفه تحدق فيه غير مصدقة :
ـ أتعني أن نخبره بالحقيقة ؟ نعترف بأننا تعمدنا خداعه ؟ لا . . .
أحبطت عندما تركها غارد فجأة مبتعداً عنها بجفاء وفتور , ثم
وقف مديراً لها ظهره وهو يقول بصوت خشن :
ـ الحق معك ! لا يمكننا القيام بذلك ! اسمعي , علي أن أذهب
إلى المكتب الآن وسأحاول العودة بأسرع وقت ممكن . أما إدوارد ,
فسيكون مشغولاً بنقل أوراقه السرية , وسيكف عن مطاردتك أثناء
ماذا حدث للتناغم الذي كان بينهما منذ لحظات فقط ؟ أين ذهب
كل ذلك ؟ ولكن , كان عليها أولاً أن تسأل نفسها من أين جاء ذلك ,
كما حدثت نفسها والتعب يتملكها , وعما إذا حدث ذلك فعلاً أم أنها
كانت مجرد تخيلات . . . هكذا أخذت روزي تتساءل بقلق بعد
لم يحدث بينهما تقارب عاطفي قط , من قبل . . . ومع ذلك ,
يمكنها أن تقسم أنها شعرت , حين أخذها غارد بين ذراعيه , بأنه يريد
أن يواسيها من كل قلبه , أن يطمئنها , أن يتقرب منها . .
غارد يريد أن يتقرب منها ؟! ها هي ذي الآن تسمح لمخيلتها بأن
لا شك أنه , في الواقع , يلعن اليوم الذي وصلت به الحماقة إلى
ـ كل ما أجروه هو أن تقدر ما نفعله لأجلك .
همست بذلك للمنزل وهي تلمس الجدار, عندما فتحت باب
ـ ما أجمل فرش السرير اللائق بالملاءات !
هتفت السيدة فرينتون بذلك راضية وهي تتراجع إلى الخلف
لتبدي إعجابها بما أنجزته مع روزي .
السرير ذو الأعمدة الأربعة , وكذلك كل قطعة من الأثاث في
الغرفة , بما في ذلك خشب الجدران . كل ذلك صُقل ولمع , وغسلت
النوافذ . صنابير المياه النحاسية في الحمام دُعكت حتى أصبحت
كالذهب , وأخيراً , فُرش السرير بالملاءات والبطانيات والغطاء
نظراً لاتساع السرير , احتاج فرشه إليهما معاً . واستاءت روزي
داخلياً عندما قالت مديرة المنزل إن الأسرة العصرية تجعل الحياة
ـ إنك تتعبين كثيراً في العثور على غطــاء لسرير بهذا الحجم
يكفي اتساعه لنوم الأسرة كلها , أليس كذلك يا روزي ؟
أُسرة ! . . ومرت أمام عيني روزي سحابة صغيرة وهي تنظر
تملكها شعور بالفـــراغ . . إحســـاس مؤلم بالوحــدة البالغة , بعدم
وجود شخص حميم يشاركهما حياتها , إنه شعور لم تعرفه من قبل .
شعور تملكها , لأول مرة , عصر هذا اليوم , بعد أن أبعد غارد من
حولها ذراعيه . وتملكتها قشعريرة أقلقتها .
عندما كتب جدها وصيته , كان يريد أن يبقى البيت ضمن
الأسرة . أن يعيش أحد فيه . أن يحبه أحفاده . ثم أخذت روزي تحدث
نفسها بثقة : غارد سيحبه ويعيش فيه ! سيحمي المنزل ! وفي النهاية ,
تملكها الذعر لعنف الشعور بالوحشة الذي اكتسحها , خصوصاً
وهي لا تعلم نماماً سبب شعورها هذا . . هل هو التفكير في أن أولاد
غار لن ينشأوا في (( مرج الملكة )) , كما نشأت هي , أم التفكير في أن
أولاد غارد هم الذين سينشأون فيه ؟
ومع ذلك , لم يحدث قط أن شعرت نحو المنزل بنزعة التملك .
لا نحو المنزل ولا نحو غارد , وإنما العكس .
القشعريرة البسيطة أصبحت رجفة عنيفة عندما أخذت الأفكار
والتصورات تُلهب مخيلتها , فحاولت إخمادها بالحديث إلى مدبرة
المنزل , محدثة نفسها بأن وجود إدوارد في البيت هو وحده مصدر
: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :