آخـــر اللعبة . . . الندم !
استيقظت روزي فزعة . كان هناك شخص يقرع باب الغرفة . ثم
صوت إدوارد يناديها وينادي غارد .
شعرت بالتوتر عندما أدركت أن سبب شعورها اللذيذ بالدفء
وكراهيتها الاستيقاظ هو أنها كانت , أثناء نومها , قد انتقلت من
مكانها في طرف السرير لتصبح الآن مستلقية ببراءة في وسطه بجانب
ـ لا بأس يا روزي . إبقي هنا بينما أذهب أنا لأعرف ما يريد .
قال غارد ذلك وهو يجلس , ثم أضاء المصباح الذي بجانب
السرير , ونزل إلى الأرض . رأته من طرف عينها يتناول معطفه
المنزلي ويضعه على جسده , فتنهدت بارتياح .
سمعت غارد يسأل متجهماً , وهو يفتح الباب ساداً إياه بجسمه
ـ نعم يا إدوارد , ماذا هناك ؟ .
ـ إنها مرغريت . هل روزي . . . ؟
ـ ماذا حدث , يا إدوارد ؟ ما بها مرغريت ؟
ـ إنها . . . لديها صداع . . وكنت أتساءل عما إذا كان لدى
روزي أسبرين أو ما أشبه . لم نجد عندنا شيئاً من ذلك .
ـ صداع ؟ أتوقظنا الساعة الثانية صباحاً لأن زوجتك لديها
ـ حسناً , إنه صداع شديد من نوع الشقيقة ! .
ـ إذا كان لدى مرغريت مرض الشقيقة , لا أظن مجرد الأسبرين
حاولت روزي أن تجلس قليلاً , ساترة نفسها بالملاءة , وهي
ـ آسفة , يا إدوارد ! ليس لدي شيء هنا . يمكنك أن تجد شيئاً من
ذلك في خزانة الأدوية في المطبخ . مسكينة مرغريت ! لا بد أنها تتألم
ـ حسناً ! سأنزل لأحضر لها شيئاً . آسف للإزعاج ! . . .
لم يكن في صوته ما يدل على الأسف . هكذا لاحظت روزي
بضيق , بينما غارد يرد الباب .
عادت روزي تعبر عن أسفها مجدداً :
ـ نعم , مسكينة مارغريت لو كان لديها مرض الشقيقة حقاً ! أنا
شخصياً أشك في ذلك , وفي الواقع . . .
ـ ماذا تعني ؟ تريد أن تقول إن إدوارد أيقظنا متعمداً لكي
ـ أننا نائمان معاً حقاً . إنه احتمال قوي !
العنف الذي بدا على وجه غارد جعل قلب روزي يخفق قلقاً .
حولت وجهها عنه وهي تعض على شفتها .
وعندما عاد إلى السرير وأطفأ النور , انخفض السرير قليلاً تحت
وزنه . همست روزي بصوت خافت :
ـ غارد , إلى أي حد تظن إدوارد يشك فينا ؟ أعني لا بد أنه تكهن
بشيء جعله يأتي إلى هنا , أليس كذلك ؟
قال غارد ذلك بعد لحظة صمت , وعندما تأوهت روزي بكرب
ـ ولكن لا فائدة من التوصل بسرعة إلى الاستنتاجات , أو
القلق , وفي الواقع , لم ير شيئاً هنا الليلة يثبت ظنونه . . . بل على
أدركت روزي أن غارد يقول الحقيقة , لكنها ما زالت تشعر
ـ ذهب إدوارد الآن , عودي إلى النوم !
ـ لا أستطيع . أنا خائفة يا غارد . ماذا لو عرف إدوارد و . . .
سمعت حفيف ملاءات السرير عندما استدار غارد إلى المصباح
يضيئه , ثم يقول لها بهدوء وهو ينظر إليها :
ـ لا شيء هناك لتخافي منه . . . ما هذا يا روزي ؟ هل تبكين
هزت رأسها بسرعة , لكنها أدركت أنه لا بد رأى الشك يلمع في
عينيها . قالت بصوت مختنق :
ـ قلت لي إننا سنذهب إلى السجن .
ـ بل قلت إننا ربما نذهب .
رأت صدره يتسع وهو يجذب نفساً عميقاً . شعرت بقشعريرة
غريبة تسري في جسمها . لكنها اندفعت في الكلام تخمدها , فقالت
ـ لم أكن أتصور أنني سأخاف من شخص مثل إدوارد .
ـ وأنا لم أكن أتصور أن يوماً سيأتي تعترفين لي بأنك خائفة من
أي شيء ! لا بأس , يا روزي . أعدك بأن كل شيء سيصبح على ما
عندما مد يديه يأخذها بين ذراعيه , منعتها الدهشة من الكلام .
منذ زمن بعيد لم يحتضنها أحد مواسياً ومخففاً عنها . أخذت تتساءل
بينما كان غارد يرد شعرها عن وجهها . همست تقول :
ـ ما زلت لا أستطيع التصديق أن إدوارد يفعل شيئاً كهذا . أن
يأتي إلى هنا في منتصف الليل لكي يتأكد . . .
ـ كفى حديثاً عن ذلك . لقد ذهب الآن .
ـ نعم , أعرف ( ورفعت رأسها عن كتفه لتنظر في عينيه ) ولكن ,
لو لم يجدنا معاً يا غارد . . . لو أنك كنت نائماً على كرسي , أو لم
ـ مرتدية قميص نومك ! سبق وقلت لك , يا روزي , إنسي هذا !
ارتجفت فجأة ودفنت وجهها في كتفه , قائلة :
ـ لا أستطيع ! لا أستطيع !
لم تستجب لضغط يده على كتفها يبعدها عنه . لم تشأ أن تبتعد
عنه , لم تشأ أن تعود إلى ناحيتها الباردة الموحشة من السرير . لم
ـ روزي . . . إنك تعلمين ما سيحدث إذا لم تتركيني , أليس
تتركه ؟ اتسعت عيناها ذهولاً عندما أدركت ما يعنيه . إنها تريد أن
تبقى بجانبه كما هي الآن , بالضبط على مقربة منه .
أتراه سمع الاضطراب في صوتها ؟
اتسعت عيناها وهو يحيط وجهها بيديه , وعيناه أشد ظلاماً
عضت روزي باطن شفتها بأسنانها متوترة .
سمعت غارد يتمتم بذلك , قبل أن ينحني ليعانقها . لم يسبق أن
عرفت روزي أحاسيس عميقة كهذه التي تشعر بها وهو يحتضنها .
كان تأثيرها أشبه بالصدمة .
ابتعد غارد عنها قليلاً وقال بصوت اختلطت فيه الرقة بالشك .
ـ أتعلمين كم حلمت بأن أراك , جميلة ورقيقة . . . ؟ أنت حقاً
كان وقع كلماته على قلبها كنار أذابته أكثر فأكثر .
ـ يا لك من ساحرة يا روزي ! لو لم أكن أعرفك لاعتقدت . . .
خنقت المشاعر صوت غارد فلم يكمل جملته . جرفهما الشوق
الدفين كل باتجاه الآخر . ولم يعد للتردد مكان في هذه اللحظة .
أدركت أنها أحبت غارد وأنه يحبها أيضاً . روعة تلك المشاعر
أثارت الخوف في نفسها . حبها لغارد كان شيئاً جديداً طرأ عليها .
اكتسحها الذعر مجدداً فأشاحت بوجهها عنه , شاعرة بالتوتر الذي
تملكه وجعله يبتعد عنها قليلاً لينظر إليها .
دفعها التوتر إلى الاندفاع في الكلام , غير واثقة من أنها تريد أن
ـ حسناً , على الأقل لن يتمكن إدوارد الآن من الادعاء بان زواجنا
تصلب جسد غارد ثم قال باختصار وهو يبتعد عنها كلياً :
ـ هل هذا سبب كل ما حدث بيننا ؟!
أخذ يشتم بصوت خافت , ثم تابع يقول :
ـ يا إلهي ! . . . بينما أنا ظننت في الواقع . . .
هتفت باسمه مترددة , لكنه لم يكن يستمع إليها . . . حتى إنه لم
ينظر إليها . . . وتملكتها التعاسة وهو يبتعد عنها إلى الناحية الخالية
من السرير ثم يطفئ المصباح . قال متجهماً وهو يوليها ظهره :
ـ نامي يا روزي ! فقط نامي . . .
تكورت روزي بشكل كرة صغيرة حزينة . تملكها الألم واختنقت
بالدموع فلم تستطع أن تفسر له موقفها ومبلغ الصعوبة التي وجدتها
لتتعود على حقيقة مشاعرها نحوه . . .
لعله لم يشعر نحوها بنفس ما شعرت هي نحوه ! لعلها أخطأت
في التعبير ! ولكنه يعلم تماماً رأيها في الزواج وأنه لا يمكنها التمادي
وعندما ابتدأت الدموع تنهمر على وجنتيها , عضت شفتها بشدة
لتمنع نفسها من إصدار أي صوت ينم على ذلك .
فتحت روزي عينيها بحذر , لكن الأمر كان على ما يرام , كانت
وحدها في الفراش , ويبدو أنها وحدها في الغرفة أيضاً .
جلست ببطء , تلف حولها ملاءات السرير .
تحول الحذر إلى شوق كئيب وهي تنظر إلى مكان غارد الخالي
كانت حمقاء الليلة الماضية عندما تركت غارد يبتعد عنها دون أن
تخبره بشعورها نحوه . أما اليوم , فسيكون الأمر مختلفاً . حدثت
نفسها بذلك متفائلة . ولكن , أين ذهب غارد ؟
أبعدت عنها أغطية الســــرير , ثم قطبت جبينــها حـــيــن تذكـــرت أن
ليس لديها ملابس نظيفة . عليها أن ترتدي ملابس أمس ثم تذهب إلى
غرفتها القديمة . ازداد تقطيـبـها عندمـا وقعت عينـاهـا على كومة من
الملابس الداخلية البيضاء على كرسي , هي ملابسها .
هنالك شخص مـــا , هـــو غارد بالتـأكيـــد , توقع ما هي بحاجة إليه .
وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها .
كان غارد على صواب تماماً ! استقرت على هذا الرأي وهي
تخرج من الحمام بعد أن اغتسلت وارتدت ثيابها . لم تكن قمصان
نومها , وهي فتاة , تصلح حقاً لامرأة متزوجة ! ثم إنها ليست ضرورية
حاولت روزي , أن تبعد عن ذهنها هذه الأفكـــار غير اللائقة .
لكنها حين نظرت في المرآة , أدركت أن توهج وجهها وتألق عينيها
يفضحانها . وحين يراها غارد , سيتذكر على الفور الليلة الماضية .
فتحت باب غرفة النوم ورأسها يدور , ثم أسرعت تهبط السلم .
لم تتصور قط أن حبها لشخص ما سيثير مشاعرها إلى هذا الحد . لكن
غارد حبيب جداً إلى قلبها . تنفست بسعادة غامرة .
عندما و صلت روزي إلى أسفل السلم , كانت السيدة فرينتون
سألتها روزي بلهفة وعلى شفتيها ابتسامة سعيدة .
بدت الحيرة على وجه السيدة فرينتون لسؤال روزي وكأنه
ـ لقد خرج , يا آنسة روزي . أمرني أن أتركك تنامين لأنك
أمضيت ليلة مزعجة , وأن أخبرك بأنه سيعود متأخراً هذه الليلة . قال
شيئاً عن تناوله العشاء مع زبون بالغ الأهمية في لندن .
شحب وجه روزي , وتحولت بهجتها إلى ارتباك .
لماذا لم يوقظها غارد ويقل لها شيئاً ؟ كيف يتركها بهذا الشكل
بعد الليلة الماضية , دون كلمة ؟ دون ذكر لما حدث ؟ بدا النهار أمامها
فارغاً , مليئاً بالساعات التي تمضي بطيئة بينما هي تنتظر عودة غارد .
ـ هل يمكنني إحضار الفطور لك ؟
هزت روزي رأسها صامتة وهي تبتلع غصة في حلقها .
بعد ذلك بعشر دقائق , كانت وحدها في المكتبة تنظر باكتئاب
من النافذة عندما انفتح الباب . فكرت لحظة في أنه غارد . انتعشت
روحها والتفتت بابتسامة ترحيب دافئة . لكن ليس غارد من دخل إلى
المكتبة وإنما إدوارد . قال :
ـ أليس غارد هنا ؟ حسناً , لا تقولي إنني لم أحاول تحذيرك . إنك
تعلمين سبب زواجه منك , أليس كذلك , يا روزي ؟
أرادت أن تطرده , لكن الكلمات التصقت في حلقها . وبدلاً من
ذلك , أشاحت عنه بوجهها , محاولة إسكاته بتجاهلها له . لكن
ـ إنك لا تريدين سماع الحقيقة , أليس كذلك ؟ ألا يمكنك
مواجهتها ؟ حسناً , يا عزيزتي روزي . علينا جميعاً , مع الأسف , أن
نواجه أموراً كريهة من وقت لآخر ! أنا , مثلاً , عندما علمت أنني لن
أرث هذا المكان , وجدت ذلك أمراً كريهاً للغاية .
ـ إنك علمت شروط وصية جدي .
ـ آه , هذا صحيح ! كما أنني لم أكن الوحيد الذي علم بذلك
حينذاك , أليس كذلك يا روزي ؟ ألم يســاورك الشك حين عرض غارد
عليــك الزواج ؟ كان يعــــرفك منذ زمن طويل , ولو كان يريدك لكــان
ـ ليس علي أن أستمع إلى كلامك هذا , يا إدوارد ! مشاعر غارد
ومشاعري وزواجنا هي أمور خاصة ليس لك شأن بها .
ـ بل لي شأن بها . اكبري يا روزي وواجهي الحقائق , إنه
تزوجك لسبب واحد فقط , تزوجك لأجل (( مرج الملكة )) . وهو لن
يستقر حتى يطمئن إلى أن ولده سيرث . لو كان يحبك لتزوجك منذ
قال ذلك بغلاظة بينما شهقت روزي ذهولاً وقد شحب وجهها .
وزاد إدوارد من قسوته وهو يضيف :
ـ ولماذا يرغب فيك رجل مثله ؟ بإمكانه أن يحصل على أيه امرأة
يريدها . . . أية امرأة . لا أريد أن أجرحك , يا روزي . ( قال ذلك
متصنعاً رقة تثير الغثيان ) إنني فقط أحاول أن أساعدك . . . أحميك .
يمكنك أن تتركيه الآن , قبل فوات الأوان . اخبريه بأنك رأيت من
تصرفاته ما يدل على عدم حبه لك . إنك تعلمين أنه لا يريدك , أليس
كذلك يا روزي ؟ لو كان يحبك حقاً , لكان معك هنا الآن . هل
تعلمين حتى أين هو أو مع من ؟
لم تجرؤ روزي على الاستدارة نحوه وموجهته كيلا يرى الألم
في عينيها . لقد تزوجها غارد لأجل (( مرج الملكة )) . هذا صحيح
طبعاً . . . وهي تعلم ذلك . دائماً كانت تعلم . ما الذي جعلها بهذه
ـ إدوارد , هـــــل لــــي بدقيقة من وقـــتـــك ؟ لم أعثـــــر على مفاتيح
أحســـت روزي بالارتياح وهي تسمع صــــوت مرغريت آتياً من عند
لاحظت تذمر إدوارد وهو يتبع زوجته إلى الردهة . أحست مجدداً
بالأسى على مرغريت لزواجها من رجل لا يحبها , متسائلة كيف
يمكنها احتمال البقاء معه ؟
لعل وضعها مع غارد يشبه على نحو ما وضع مرغريت مع
لم يحبها غارد , بينما بلغت بها الحماقة أن ظنت أنه يحبها . . .
أو أن بإمكانه ذلك . إن تغير مشاعرها نحوه بهذا الشكل لا يعني أن
مشاعره هو أيضاً تغيرت . كيف تصرفت بكل ذاك الغباء ؟ وكيف
يمكنها أن تواجهه بعد الآن ؟ الحمد لله أن إدوارد جعلها , دون قصد
منه , تدرك الحقيقة قبل أن تخبر غارد بأنها تحبه .
ابتلعت ريقها بألم . وعلى الرغم من تحطم قلبها , فإن كرامتها
على الأقل ستبقى محفوظة . وإذا واجهها غارد بما حدث بينهما ,
ستقول له ببساطة إن ذلك كان بسبب خوفها من أن يكتشف إدوارد
: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :