عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-18, 06:36 PM   #2

bambolina

مشرفةمنتدى الـروايــات الـعـربـيـةوكاتبةفي منتدى قصص من وحي الأعضاء وشاعرة متألقة وحكواتي روايتي وألتراس الأدبي وقلم ذهبي برسائل أنثى وملكة اتقابلنا فين؟

alkap ~
 
الصورة الرمزية bambolina

? العضوٌ??? » 296721
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 8,275
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » bambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   freez
¬» قناتك max
Elk

المقدمة

دخل حسين المنزل بفوضاه وصخبه المعتادان، يخلع بنزق سترته الرسمّية التي يفرضها عليه عمله كمحامٍ، ويرميها على كنبة قريبة فيما يضع حقيبته المتكدّسة بملفات القضايا المهمّة على أخرى بإهمال دوما ما يقرّعه أخاه عليه، بينما يقوم بنهم بتشمّم رائحة الطعام المنزليّ المطهوّ والذي لم يكن ليصدّق قبل أربع سنوات أنّه سيفوح في أرجاء منزلهم يوما، طازجا دافئا يملأ القلب قبل المعدة

قامت عيناه بمسح أرجاء الشقّة مسحا سريعا قبل أن تتوجّه قدماه الطويلتان تلقائيا برشاقة نحو باب غرفة شقيقته ويفتحه برويّة خشية من مقطاعتها فهو يعلم يقينا كيف سيجدها، ما الذي تفعله، وعلى أيّ هيئة ستكون

راقبها كيف تقوم بترتيل الآيات بصوتها الملائكيّ الناعم، مرّة تقرأها حاضرا من مصحفها ذو الغلاف المخمليّ الأحمر، ومرّة تكرّرها مغمضة العينين، تجوّد الآيات مستعذبة حلاوتها ومتفكّرة بتأويلها، تكرّر بعض كلماتها حين تشكّ بصحّة نطقها فتُطَوّع لها فكّها مع لسانها بكثرة التدريب حتّى تخرجها كأجود ما يكون

قطّب حسين ملامحه الوسيمة حين رأى تغيّر ملامحها عند بدءها لآية جديدة استكانت لها بشحوب بينما تقرأها بصوت مرتعش ضعيف يخالف ما كانت تبذله من مجهود منذ دقائق قليلة، اشتدّ عوده يتهيّأ لما يعلم أنّه سيكون بينما يصغي:

"وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ۗ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ (45) الشورى"

ما إن انتهت لميس من قراءتها حتّى انهمرت دموعها وانقطع صوتها فسارع إليها يحتضنها مكفكفا دمعاتها الغالية، تلك الأخت التي عرفاها كبارا فكانا لها نِعم السّند وكانت لهما شيئا لم يفهماه ولم يجدا له مسمّىً بقاموس حياتهم فكيف يفعلان وهي التي احتضنتهما بشعور لم يجرّباه من قبل، ولكنّهما رغم ذلك استكانا إليها، استراحا لما أصبحته لهما فحطّا عندها برحالهم التي أثقلتهمافاحتوتهما ببساطة

شهقات بكاءها كانت تقطّع نياط قلبه فأبعدها عنه بحزم ورفع وجهها بكفّه ينظر لعينيها الزرقاوتين الجميلتين المحاطتين بأهداب شقراء كثيفة، ليشير بنظراته للوحة خشبيه كبيرة تتوسّط الجدار الكبير بغرفتها فيقول لها بحزم: هو إيه اللي مكتوب باللوحة دي يا ميسو؟ ها؟ يا حبيبتي دة أنا جايبهالك أكبر حجم عشان تفضل في وشّك على طول وما تنسيهاش أبدا أعمل إيه أكتر من كدة؟ أقولك؟ أنا بكرة هنزل من الصبح وأجيب لوحة لكلّ حيطه عشان ما اشوفش الدموع في عيونك تاني أبدا!

شبح ابتسامة ارتسم على وجهها ونظرت له بامتنان بينما تمسح بأصابعها المرتعشة البلل الذي يغطّي وجنتيها الحمراوتين قبل أن تتعلّق بتلك الكلمات المنقوشة على اللوحة وتقرأ بصوت مرتعش: بسم الله الرحمن الرحيم... قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر... صدق الله العظيم

أنهت لميس قراءة الآية الكريمة بصوت ناعم متحشرج واستغفرت الله بأفضل ما يكون الاستغفار ثمّ نظرت لأخيها وابتسمت تقول له بحنان: الله ما يحرمني منك يا حبيبي لا إنت ولا محمّد من دونكم ما بعرف شو كان ممكن يصير فيّي!

ابتسم وقال لها ساخرا: ولااااا حاجة كنتي هتبقي ملكة مدلّلة بدل ما إنتي قاعدة معانا لا محصّلة أبلة نظيرة ولا دادة سنيّة

كشّرت لميس وحدجته بنظراتها بسبب سخريته من محاولاتها السابقة الفاشلة في الطبخ وإدارة شؤون المنزل قبل أربع سنوات في بداية استقرارها هنا

وقالت بتهديد مبطّن: طيّب إذا خلّيني أسكّ على طبق الكشري اللي مجهزتلك إيّاه من الضهر!!

ضحك حسين وقال: خلّيني وأسكّ؟ عاملة زيّ اللي بيخلط المنسف بالكشري بطبق واحد.. والله حرام العوج اللي بتعملي بلسانك دة!

ضحكت لميس فتضاعفت فتنتها التي تتزايد بمضيّ الأعوام بشكل معجِز للمنطق فذلك التوهّج المستنير على محيّاها لا علاقة له بعمليّات الترميم الكثيرة التي أجرتها في السنوات السابقة لحروق وجهها وجسدها، بل وكأنّما هو القرب من الله والاستكانة في ظلّه

منشرحا لابتسامتها صفّق قائلا: صلاة النّبي احسن القمر خلاص ضحك والدّنيا نوّرت من تاني

امتلأ قلب لميس بالسعادة جرّاء دلاله لها فاحتضنته وقالت: يخلّيلي إيّاك يا رب

صوت رجوليّ رزين رخيم هادئ اعترض حوارهم قائلا: حسين بس؟

نظرت لميس لأخاها الأكبر والذي لم تغبنه سنواته التسع وثلاثون من جاذبيته شيئا بل على العكس أضافت له نضجا لافتا زاده تباعدا وغموضا محبّب فمحمّد رغم ملامحه العاديّة ببشرته السمراء وشعره الأجعد إلّا أنّه يمتلك جاذبية فطريه تفرضها شخصيته المهيمنة بعيونه العميقة وكلامه القليل

اقتربت منه بتؤدة ونظرت له بدفء واحترام تفرضها السنوات الثمانية التي تفصل ما بين عمرها وعمره، بالإضافة لرزانته التي هي جزء لا ينجزّأ من تكوينه والتي ازدادت تأصّلا فيه بعد عمله كأستاذ جامعيّ في كليّة القانون بالإضافة لعمله بالمحاماة

انحنى بضعة سنتيمترات قليلة لا أكثر رغم طوله ليقبّل جبينها ، فلميس بعكس شقيقتها زوزو القصيرة كانت تشارك أخويها بطول القامة وإن لم تكن تضاهيهما طولا لا سيّما حسين، ربّتت على كتفه بحبّ وقالت بصدق: بتعرف كم بحبّك الله يخلّيلي إيّاك ويحفظك وما يحرمني منكم تنيناتكم أبدا... متى إجيت ما سمعنا صوت الباب

ابتسم برزانة وقال: دلوقت حالا دخلت على طول هنا أوّل ما سمعت وصلة المحبّة المنفردة اللي بتغدروني بيها

تدخّل حسين بالحوار قائلا: ما هو دة الشيء الطبيعي إنّي أبقى محبوب أكتر منّك أوّلا إنت داخل على الأربعين وبدأت تعجّز ، وتانيا أنا دمّي خفيف وسكّر وما ينفعش ما أتحبّش

اعترضت لميس قائلة بصوتها الممطوط ذو النعومة الفطرية: ما تردّ عليه حمّودي حبيبي إنت بعدك سيد الشباب هاد على أساس إنّه هو كتير أصغر منّك كلهم تلات سنين اللي بينك وبينه ، سيبك منّه وتعال دوق الكشري اللي عملتلكم إيّاه تفوّقت فيه على كلّ النساء في مصر

سحبت لميس محمّد إلى المطبخ ومن خلفها سمعت حسين يهمس متعمّدا إسماعها: تفوّقتي؟ إنت كدّاب يابو صلاح طالما تفوّقت يبقى ربّنا يستر أنا شكلي هبات في الحمّام الليلة

!!!

بعد الطعام ابتدأت لميس بتنظيف طاولة الطعام البسيطة الأنيقة الموجودة في زاوية غرفة الجلوس يساعدها محمّد الذي خلع سترته الرسميّة هو الآخر وفكّ بضعة أزرار من قميصه الأبيض مرفوع الكمّين، فيما حسين كعادته الدائمة والتي لا تظهر على جسده المائل إلى النحافة فيما خلا كتفيه، ارتمى على الكنبة بجانبهم عاجز عن التنفّس لشدّة ما تناول من الطعام، فأخته لميس رغم مزاحه المستمرّ حول طهيها قد أصبحت بالفعل وبعد معاناة طويلة لها ولهم طاهية ماهرة، في الحقيقة إنّ وجودها بينهم جعله يدرك أنّ النساء قد يكون لهنّ بعض الفوائد غير الأساسيّة في الحياة لكن رغم كلّ شيء فوجودهنّ لا يعدو كونه رفاهية زائدة يمكن الاستغناء عنها فهو وشقيقه ووالده قد عاشوا سنين طويلة مستغنين عنهنّ فعلا ولم يمسسهم سوء، بل على العكس يكفيهم نعمة الأمن والاطمئنان، ولميس بالنسبة إليه بل إليهما هي الاستثناء الوحيد الذي يشذّ عن القاعدة وذلك لأنّها أختهم فقط ولأنّها... مختلفة باختلاف ظروفها!

استأذنت لميس من شقيقيها بعد أن أنهت توضيب المطبخ لتنام مبكّرا كما هي عادتها التي حفظوها فهي تصحو بثلث الليل الأخير كلّ ليلة تقريبا تصلّي التهجّد وتظلّ مستيقظة إلى ما بعد الشروق فتوقظهم ليذهب كلّ منهم إلى عمله بعد أن يتناول إفطارا تصرّ عليه ثمّ تذهب بنفسها للمركز القرآنيّ حيث تدرس لنيل إجازة في حفظ القرآن وتدريسه وتكتفي بنهارها بقيلولة قصيرة تساعدها على إكمال يومها ما بين طبخ وتنظيف وحفظ ودراسة... وهكذا تسير حياتها على خطّ واحد مستقيم لا اعوجاج فيه، متقشّفة... خوفا من الانفلاتات... متفانية... خوفا من النسيان... ويا ليتها مطمئنّة!

أنهت لميس وِترها وجلست على الأرض تلهج بالدّعاء اللحوح تبدأه بحمد على ما أتمّه الله عليها من نعم تدرك يقينا أنّها لا تستحقّها وليس أوّلها ولا آخرها نعمة الشّفاء من الحروق... وجعها وتشوّهاتها، وتسأله لنفسها الهداية والمغفرة وتلحّ بطلب الهداية والاستكانة لأخويها الذين لم تكن قد فكّرت يوما كيف قد يكون أثّر فيهما غياب والدتهم، كيف من الممكن أن يتربّى أطفال من دون رعاية والدتهم وحنانها أو حتّى دون أيّ تدخّل أنثويّ بتنشأتهم فوالدهم... زوج والدتها السابق يبدو أنّه قد كره النساء جميعهنّ بعد والدتها وعافهنّ كلّهنّ حتّى عزلهنّ عن حياته وحياة ولديه... ولكنّه والحقّ يقال لم يقصّر بتربيتهم بل إنّهم وبفضله بعد فضل الله أضحوا ليكونوا ونِعم الرجال... أخواها اللذان ما إن توفي أبوهما حتّى بحثا عنها وعن شقيقتها زاكية لا سيّما وقد أدركوا أنهّما مثلهما أصبحتا بلا أب أو أمّ

توجّهت لميس لفراشها تتجنّب النظر للمرآة بقدر استطاعتها وأخذت مرهما مرطّبا دعكت به قدميها ويديها كعادة يوميّة ، ثمّ أخذت علبة مرطّب أخرى وأخذت تفرده على بشرة وجهها بأصابع مرتجفة فيما تلهج بالحمد الذي يملأ قلبها فهي حتّى اليوم لا تصدّق أنّها استطاعت فعلا أن تستعيد وجهها ليعود كما كان، وتتخلّص من آثار الحروق على جسدها بدرجة كبيرة تقرب إلى الكمال بعد معاناة طويلة وعمليات كثيرة استنزفت صحتها وكلّفتها الكثير من المال والوقت، على أنّ تلك الآثار الزائلة لم تكن أكبر همّها بل إنّها بقدر ما سعدت باختفاء تشوّهاتها واستعادة جمالها بقدر ما بات الأمر يؤرقها فبداخلها سؤال دائم هل جمالها العائد دليل مغفرة أم... ابتلاء جديد وجب الحذر منه، وعليه بقدر ما كان الوقوف أمام المرآة يوما أحبّ الأشياء إلى نفسها بقدر ما صار اليوم أشدّها رعبا فأصبحت له أكثر تجنّبا

صوت رسالة على تطبيق الواتس آب وصلتها فسارعت لقراءتها ظنّا منها أنّها من شقيقتها زوزو ولكنّها وخلافا لتوقّعها كانت من "منال" جارتهم في البناية وزميلتها في مركز تحفيظ القرآن وهي مثلها أردنية ولكنّها مستقرّة هنا في القاهرة مع زوجها المصري الباشمهندس "جمال"

"كيفك لموس؟ فكّرتي بالموضوع اللي حكيتلك إيّاه؟ حكيت مع أخوي "الكاسر" اليوم وموافق على أيّ طريقة تعارف بتختاريها و وبتريحك... شو رأيك أعطيه حساب الفيس بوك تبعك؟"

شحبت ملامح وجه لميس تلقائيا وقبضت بيدها على صدرها اثر انقباضة ألم اعتصرته فمسّدت عليه برويّة بينما تدعو ببعض آيات الطمأنينة قبل أن تمسك بهاتفها وتكتب

"محتاجة وقت أكتر أفكّر فيه واقتنع قبل ما أحكي لإخواني وأشوف رأيهم... تصبحي على خير"

وهكذا أنهت لميس محاولات صديقتها التي علمت أنّها قد لا تنتهي الليلة لإقناعها بالتعرّف على شقيقها بالأردنّ بغرض الزواج وأغمضت عينيها بإصرار مؤجّلة التفكير بالأمر طاردة شكوكها ومخاوفها، ولكن هيهات فما إن أسدلت أهدابها وتراخى لجام أفكارها حتّى أفلتت سيطرتها على الحاضر وتكالبت ذكرياتها لتأتي تلك العينان المزدريتان من جديد فتمزّقان طمأنينتها الواهية معرّيتان روحها المشوّهة بكثرة الذنوب... غير المغفورة


انتهت المقدمة
قراءة ممتعة

بانتظار آراءكم وتفاعلاتكم

تعليقاتكم تقييماتكم
باختصار
دلعوني


bambolina غير متواجد حالياً  
التوقيع


الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب
https://www.rewity.com/forum/t402401.html
رد مع اقتباس