عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-18, 09:07 PM   #3487

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

مساء الورد اليكم الفصل التاسع

" تنويه هام : لا احلل لاي موقع او جروب نقل فصولي واتمنى من اي قارئة تشوف فصولي يتم نقلها لموقع اخر ان تخبرهم ان هذا غير محلل لهم وارفضه بشكل قاطع "



الفصل التاسع

بيت الصائغ .. قبيل اذان الفجر .. غرفة رعد ..

يصارع الغطاء في نومه .. ساقاه تتحركان بعنف وهو يتقلب في السرير .. جبينه يتصبب عرقاً غزيراً والغطاء يسقط عن السرير أرضا..

انفاسه تتسارع وكأنه يركض في منامه !

هل كان يركض هرباً ام يركض اندفاعاً لانقاذ ما لم يستطع انقاذه ...

يركض في اروقة متداخلة .. في بيتهم القديم .. بيت امه وابيه .. يفتح الابواب يبحث عن شيء مفقود ... تتلاشى انفاسه شيئا فشيئا والهلع يسيطر عليه ...

لقد كان في .. السابعة عشرة .. هكذا يشعر بنفسه .. هكذا يراها ... فتى مراهق في السابعة عشرة ..

ما زال يبحث عن باب محدد والاختناق يباغته والروح تكاد تفارق الجسد.. وقلبه معصور عصراً ..

اخيراً فتح الباب المطلوب .. اخيراً وجده .. لكنه كان يشعر مسبقا بتأخره .. يشعر ببرودة مغادرة الروح للجسد !

هذه غرفة والديه .. غرفة باتت لامه فقط بعد رحيل الاب .. فحافظت على كل ذكرى تركها لها زوجها .. كل لمسة فوضوية منه .. كل عطر استخدمه باسراف وازعجها منه ..

تقدم رعد وجسده يختض ببرودة جليدية حتى وقف جوار السرير يحدق في وجه امه الساكن..

كانت في عينيه .. نائمة.. في رغبات قلبه المعصور.. نائمة .. في وجع الطفل الذي ما زال داخله هي كانت ... نائمة... نائمة .. نائمة !

يرفض أو .. يؤجل الاعتراف بالمحتوم ...

فيحدق فيها رعد بشوق عجيب .. يمد انامله المرتعشة لملامحها التي سكنت الى الابد ..

يلامس برودة بشرتها التي ذبلت .. يلامس شعيراتها البيضاء التي لم تعد تهتم بصباغها منذ وفاة والده ...

انها هنا .. لكنها رحلت .. رحلت .. رحلت ..

بشهقة من اعماق روحه استيقظ رعد من نومه عنوة والانفاس تدخل رئتيه من جديد ...

بضبابية الألم والحلم الرهيب يحدق فيما حوله يستوعب اين هو ...

ثم تحرك لينزل ساقيه عن السرير فتمس قدماه الحافيتان الارض الباردة وتلامس اذناه صوت مكيف الهواء المزعج ..

تتباطأ ردة فعله ليستوعب حالته أكثر ..

وجهه وصدره العاري وكل جسده كان ينضح بالعرق ...

لا .. لم يكن العرق فحسب ما يغسل وجهه ..

بل الدموع .. دموع ما زالت تسيل حتى اللحظة..

اغمض عينيه بقوة ورفع يده لشعره الكثيف يبعثره بين اصابعه حتى نكشه نكشاً !

احنى جذعه وهو يستند بكفيه على حافة السرير من الجانبين ...

اخذ تدريجياً يعود لاستقرار نسبي تتبعه كآبة مباغتة ..

مضت سنوات لم يحلم هذا الحلم !

لماذا عاد اليه الليلة ؟!

هل هي اجواء بيت الصائغ من اعاد له ذكريات طمسها بنفسه ؟!

منذ تركه الوطن قبل عشر سنوات كان قد قرر ان ينسى كل شيء ولا يفكر فيه مرة اخرى...

ربما نجح بالقمع والطمس لتلك الذكريات لكنه لم ينجح بحذفها من اعماقه ...

انها ما زالت هناك حية وتنبض بالحياة ..

منذ وفاة والده ثم تبعتها بعام وفاة امه وحتى مضى عام اخر يوم مغادرته للوطن ...

وآآآه من ذاك اليوم !

عاد للوراء سنة بعد سنة حتى وصل لذاك اليوم الصيفي الحار .. يوم بتاريخ ربما كتاريخ هذا اليوم ...

نهاية عام دراسي .. نهاية مرحلة ..

ظنها مجرد مرحلة دراسية لكنها كان مرحلة حياة بأكملها ...

في منتصف النهار وقد أخذ للتو نتيجة نجاحه بالمرحلة الجامعية الاولى ، فركب سيارته التي اشتراها له عمه ليذهب للمعمل ويبشره بنفسه .. وجها لوجه ..

في الواقع لم يكن يريد ان يحمل البشرى لعمه فقط بل لـ ... حبيبة القلب .. غيداء !

اراد ان يراها ويأخذها في احضانه يذوب فرحاً لانها موجودة في حياته تشاركه نجاحاته...

اغمض رعد عينيه وعادت الذكرى حادة كنصل سكين يضرب في مركز الذاكرة في رأسه فيشقها لتنزف بالذكريات ...

دخل الى مكتب عمه لاهثا فلم يجده ولم يجد سكرتيرته (غيداء) .. ولا يوجد حتى أثر انهما حضرا لهذا اليوم !!

شعر ببعض الاحباط وألهته لهفته وفرحة النجاح عن شعور استغراب لغيابهما معاً !

تحرك ناحية مكتب وميض (مساعد المدير) وساعده الايمن ..

رغم كره رعد التلقائي لوميض الا انه كان يتحمله لاجل عيون غيداء ...

دخل بتلك اللهفة وفوران الشباب في التاسعة عشرة ليسأل وميض باندفاع وابتسامة سعيدة واسعة " اين عمي ؟"

كان وميض بضخامته يكاد يبتلع الكرسي الجلدي الذي يجلس عليه ..

مؤكد هو وسيم بشعره الداكن الكثيف وعيناه الواسعتان ولحيته الانيقة ..

لكن مؤكد ايضا فيه شيء منفر ...

كحركة شفتيه الممتلئتين وهو يرد عليه الآن وقد رسمتا تهكماً وخبثاً " هل نجحت ؟"

يرد رعد بابتسامة فخورة " نعم .. الحمد لله .. أردت أن ابشر عمي بنفسي "

ابتسامة منفرة على تلك الشفتين ثم جملة قالها وميض وهو يعود بظهره للخلف يتأرجع بكرسيه الجلدي الدوار

" اذن تستحق هدية عمك .."

يتساءل رعد بعفوية " هدية عمي ؟ "

نظرات وميض اليه كان فيها انتصارا وشيئا آخر لم يفهمه رعد على الاطلاق بينما يأخذ وميض وقته بالصمت قبل ان يقول

" جواز سفرك وتذكرة السفر الى بلد سياحي مجاور مع مبلغ من المال ستجدها في غرفة نومك .. لقد ارسلتها اليوم الى بيت عمك بيد احد سائقي المصنع والخادمة هناك وضعتهم لك في الدرج الجانبي لسريرك .."

للحظة شعر رعد بالاحباط .. لم يكن يريد السفر ! كيف يسافر ويترك غيداء ؟!

حاول عقله ايجاد عذر لرفض هدية عمه القيمة بينما يضيف وميض

" لو كنت اعرف انك ستتلهف للمجيء هنا حتى تخبر ..عمك.. بنجاحك لما ارسلتهم لك..هناك .."

تردد رعد وهو يقول متلكئا مُحرجاً " لكني.. اخبرت عمي.. اني لا اريد.. السفر ."

عندها بدت ملامح وميض قاسية .. قاسية بشكل ساخر عجيب وهو يرد بكلمات أعجب

" ربما .. هو من يريدك ان تسافر .."

عقد رعد حاجبيه وحدس غير مريح سيطر عليه بينما يتساءل " ماذا تقصد ؟! "

بنفس الملامح قال وميض " عمك عريس .. لقد عقد قرانه صباح اليوم .. باكراً .. "

كانت مفاجأة .. مفاجأة مباغتة صادمة !

تمتم رعد وهو يرفع حاجبيه عاليا

" عمي ... تزوج ؟! "

لتشع عينا وميض بنظرة رهيبة .. شيطانية قاسية تموج بالدناءة والتشفي

" نعم تزوج... وانا كنت شاهداً على العقد في المحكمة .. وكيف لا أكون والعروس هي اختي الصغيرة ... غيداء .. ؟! ثم اوصلت العريسين للفندق بنفسي قبل قليل .. "

خدر .. خدر اقرب للشلل اجتاح جسد رعد بأكمله .. حتى الرؤيا تخدرت .. كل حواسه باتت لا تتفاعل .. بل حتى قلبه تخدر !

لسانه لم يسعفه وهو يتمتم ببلاهة الصدمة

" مـ ..ما...ماذا ... قلـ..ـت؟"

لا يرد وميض بشيء فقط ما زال ينظر نحوه بتلك النظرات الشيطانية المتشفية وكأنه يستمتع باحساس سادي بعذابه ذاك ...

تخلخل توازن رعد فامتدت كفاه عفويا ليستند على حافة مكتب وميض ..

يحاول التنفس والتخلص من حالة الشلل التي سيطرت عليه .. شيئا فشيئا تحول الشلل لغضب.. غضب يتسارع لينتشر في كل اوصاله فتخرج الكلمات من فمه بنبرة مشتعلة

" مستحيل ... لا يمكن .. انت كاذب..."

فجأة نزع وميض ثوب التملق الخبيث الذي كان يمارسه ليظهر الوحش القبيح داخله فانتفض واقفاً وهو يضرب بيده على سطح المكتب الانيق هادرا بصوت كفحيح الافاعي

" حاول ان تفسد على اختي فرحتها ايها الفتى الغر وسأدمرك .. "

يحدقان ببعض ... غضب يواجه غضب ...

غضب عاشق لاجل معشوقته التي يرفض خسارتها وغضب نخاس لاجل بضاعته التي باعها بافضل سعر ولن يرضى بافساد البيعة !

اخذ رعد يتمتم من بين اسنانه بثقة واهية وكأنه لم يستوعب حتى اللحظة ما حصل

" غيداء ... ستتزوجني أنا .. غيداء تحبني انا.."

ضحكة قميئة من وميض ثم هدأت من فورها ليقول باشمئزاز من سذاجة رعد وبكلمات مهددة صريحة " تفوه بهذه الحماقات مرة اخرى وسأجعلك تدفع ثمناً باهظا .. ثمناً يفوق خيالك على تصوره ... كن ذكياً يا رعد وتقبل الامر الواقع .. غيداء تزوجت عبد السلام وانتهى الامر .. تماماً .."

لم يحتمل رعد ليتحرك بزوابعه ويلتف حول المكتب يمسك بخناق وميض وهو يصرخ فيه

" اجبرتها على هذا الزواج ايها الحقير .. هل بعت اختك يا نذل ؟"

عندها اخذ وميض يقهقه بفكاهة ثم يقول

" بعت اختي ؟! غيداء تبيع بلدا بكل سكانه لو شاءت وانا وانت اول المعروضين لو اقتضت مصلحتها .. وقد كانت بمنتهى الذكاء لتخطط وتنفذ حتى تحصل على صفقتها .."

للحظة لم يستوعب رعد لكن الكلمات ضربت جزءا خفياً من افكاره .. افكار كان يتجاهلها عن عمد ويقصيها بحزم ...

يواصل وميض فحيح الافاعي قائلا " غيداء كانت تلهو معك بينما تجر عمك الى فخها من وراء ظهرك .. وانا تركتها تلعب لان كل شيء سيكون لمصلحتي في النهاية .. "

اصابع رعد التي كانت تمسك بمقدمة قميص وميض ارتخت ليبعدها وميض عنه وكأنه يكش الذباب من حوله ثم يعاود الجلوس على كرسيه ليضيف بتهديد جدي صريح " ان فكرت للحظة واحدة ان تفشل ايا من مخططاتي سأخبر عمك انك تهجمت على اختي في المصنع وحاولت اغتصابها .."

رعد يحدق في وجه وميض وهو يعيش حالة لا توصف .. غضب تيه جمود حقائق صاعقة و... برود ثلجي كالموت ! انه ... العذاب ...

جاءه صوت وميض مستمتعاً بعذابه ذاك

" ولك ان تتخيل ماذا سيفعل عمك عندما تشتكيه عروسه من ابن اخيه المراهق !"

ترتعد اوصاله مرارا وعقله يرفض الاستيعاب بينما يتمتم " تشتكيني .. انا ؟!"

فيبدي وميض ملامح التأكيد البريء المتصنع بشكل مسرحي كريه " مؤكد ! غيداء هي من ستخبره بتفاصيل محاولاتك الدنيئة للتهجم عليها .. هنا في المعمل .."

رعدة جديدة تمر عبر عموده الفقري تجعل جسده يختض بينما يتهكم وميض قائلا بقساوة يوضح له ما كان واضحاً من الاساس

" انت غر ابله لانك صدقتها وهي تدفعك هذه الفترة بحجة ان تركز بامتحاناتك .. هي من كانت تريد التركيز بامتحانها الاخير مع عمك ... وقد نجحت أيما نجاح!"

كان رعد يشعر بسخونة الاحتراق في رأسه وهو ينظر لوجه وميض وللمرة الاولى يلاحظ الشبه الشديد بينه وبين اخته الصغرى !

كان كالميت الذي يرفض الموت ..

لا يعرف كيف خرج صوته وهو يقول

" انت احقر ما مر علي .."

فيرد وميض معترفاً وتشع منه التعابير الشيطانية من جديد " نعم .. انا حقير لكني صياد ماهر .. خططت بدقة لأضرب عصفورين بحجر واحد .. احدهما يقع في حضني والاخر يطير فزعاً مني .. وهكذا كان وحصل .. عبد السلام وقع في جيبي وانت ستطير هارباً كما طار اخوك قبلك هاجراً اياك بانانية .."

ما زال رعد يشعر بذاك الشعور انه ميت وانفصل عن جسده يرفض ما يحدث له فينازع فيما انتهى النزاع عليه ليقول " اذن غيداء كانت مجرد ..حجارة ..."

بفخر عجيب يقول وميض مستمتعاً

" تربيتي ... "

تحرك رعد .. تحرك وخطواته تقوده ببطء وكأنها تحمل نعشاً بينما تلاحقه كلمات وميض " سافر رعد ... سافر واستمتع وصاحب الفتيات الجميلات لينسينك حبك الفتي السخيف .. امض الوقت الذي تشاؤه .. شهر .. شهرين .. الى الابد ! "

ساعات امضاها لا يعلم اين اخذته خطواته في العاصمة .. يلف في شوارعها وكأنه كان يلف بنعشه فيها يودعها الوداع الاخير ...

اظلم الليل وهو يترنح مذبوحاً لا يقو حتى على تجميع افكاره ليفهم ما حصل !

من غبائه اخذ يلف على بعض الفنادق المشهورة دون ان يستوعب عما يبحث عنه بالضبط لكنه ايضا لم يجد غيداء ولا عمه ..

لم يعد لبيت عمه حتى منتصف الليل ...

وهناك ماجت روحه بغضب متفجر وقتلته دموع الفتى الغر الذي يبكي حبيبته الخائنة.. خانته وهجرته وها هو وحيد .. ربااااه كم هو وحيد ...

دخل بيت عمه الذي ينتشر فيه الظلام وكأنه يضم عزاء لا زفافاً ...

يهرول على الدرج يتسلقه بانفاس لاهثة ..

لن يبق دقيقة اخرى في الوطن .. سيرحل .. سيهجرهم جميعاً كما هجروه ...

دخل غرفته ثم تحرك لخزانة ملابسه وخلال دقائق كان يجمع كل ما يخصه في حقيبة السفر ...

داخله يموج بانفعال مجنون لا نظير له... يريد الرحيل .. الآن .. يبحث بالادراج عن بغيته حتى وجدها .. جواز سفره وتذكرة سفر وحفنة مغرية من المال ...

فجأة شعر بمن يغلق باب غرفته فالتفت بعنف ليراها !

تقف حافية القدمين بثوب حريري بلون الدم قصير .. فاجر في اغرائه الشيطاني .. شعرها مسترسل حولها .. عيناها الواسعتان فيهما لمعة الدموع !

همست له " كنت اعرف انك ستعود .. لهذا اصريت على عبد السلام ان نبيت في البيت الليلة "

تقدم نحوها وانفاسه تزأر قبل كلماته

" تقولينها هكذا ببساطة ؟! (عبد السلام) ؟! خائنة خائنة .. عودي اليه .. لم اعد اريدك.. "

امسك بذراعيها العاريين يهز جسدها هزاً وهي صامدة لا تقاومه فقط تهمس باسلوبها المهدئ معه " لا تؤلم نفسك هكذا .. انا هنا.."

دفعها بعنف لتتراجع للخلف خطوتين وهو يصرخ فيها " اذهبي اليه .. اذهبي ..."

اقتربت منه خطوة وهي تقول بسيطرة رهيبة

" عبد السلام نائم .. اعطيته منوماً في العصير ولن يستيقظ حتى صباح الغد ولو ملأت البيت صراخاً .."

يرفع قبضتين متوترتين من عنف ما يشعره ليسألها بجنون

" لماذا فعلت هذا بي ؟! لمااااذا ؟"

عادت لمعة الدموع وكأنها تتوجع لحالهما معاً فتهمس له بأنوثة " وهل أملك الخيار ؟ انا مجرد بيدق بيد وميض .."

بأمل واه يقترب منها يسألها باضطراب يحاول ان يكذب على نفسه " هل تقولين انه اكرهك على فعل هذا ؟! هل أكرهك وميض ؟ "

لكنها كانت تعرف ان لا فائدة من خداعه ..

لا تريد خداعه .. انها تريد بقاءه وهو مدرك للحقيقة .. قالت ببساطة

" لا .. لم يُكرهني.. بل رباني على هذا .."

تحجرت عينا رعد وشحبت شفتاه وهو يحدق بلا تصديق فيها ليتمتم " انت... ساقطة !"

ودون ان يفكر كان يرفع كفه ليصفعها

تأوهت " آآآه ..." ثم رفعت يدها لتلامس خدها الساخن المصفوع قبل ان تضيف بنظرة مشتعلة " ربما تعلمت (نظرياً) أعمال الساقطات لأتحضر للدور الذي لعبته .."

ثم أرخت يدها الى جانبها لتتقدم اليه باغراء ونظرات عشق تشع منها هامسة بصوت مبحوح يفيض بالعاطفة التي تكنها له " هذه أنا .. لكنك تحبني .. وانا احبك .. وسط كل قذارات الحياة التي تجعلنا نختار اوسخ الطرق لنصل .."

انحشرت انفاسه رغماً عنه يتأثر بها .. رغماً عنه يتجمد جسده في انتظارها فيتمتم في نضال غير عادل " انت حقيرة .. حقيرة .. انا سأسافر ولن أعود .. لن أعود .."

بدت هلعة ضعيفة للحظة لتقترب جدا وهي تقول بتملك عنيف " لن تتركني .. لن تفعل... وميض حصل على صفقته التي ارادها وعبد السلام حصل على عذريتي قبل ساعات.. لكن ايا منهما لن يحرمني منك .. كفاهما ما اخذاه مني .."

قبل ان يفيق كانت تغيبه من جديد تلصق نفسها به بشوق جنوني تهمس " اشعر بي .. ألم تحلم دوما بلمس جسدي كما تشتهي دون حواجز .."

كان ينهت وعيناه جاحظتان في جوع اجباري لا قبل له على ردعه ...

تقترب واصابعها تعبث بازرار قميصه تفكها على عجل ولهفتها اليه لا تقل عن لهفته اليها..

بمقاومة خرقاء يحاول دفع اصابعها

" أأبـ...ـتعدي .. آآآه ... غيدا...ء..."

حطمته وهي تلامس صدره العاري فيرتجف بقوة فتخلع عنه قميصه ليعاوده شعور المقاومة يحاول دفع اصابعها العابثة به دون ان يملك حتى قدرة النطق فتبتسم بانتصار والنشوى تحرقها كما تحرقه لتقبل عنقه هامسة باغواء شيطاني جعل الغرفة من حولهما وكأنها تشتعل بالنيران " لا تقاوم .. فما بيننا غير قابل للمقاومة.. ما بيننا عشق غرام شغف ... ما بيننا حياااااه ... رعععععد..."

إنهار وهو يضمها بجنون اليه يقبلها بجوع مفترس .. انهار ولم يعد بقادر ان يقول لا ...

خلال دقائق سقط معها على سريره يغرقان اكثر واكثر في وحل قذر يدنسهما معاً .. يشعران بذاك الوحل يلطخهما لكنهما لايقاومانه.. تصرخ غيداء في خضم الانهيار

" كما تخيلتك بالضبط ... حار .. شغووووف.. بالفطرة .. بل انت .. أروع ... أروع يا رعد .."

دموعهما هما الاثنان تسيل وهما يتشبثان ببعض في جنون عاطفة واحتياج فوق ذاك السرير الذي جمعهما في تخبط مشاعر وجوع غريزة .. المشاعر والغريزة اجتمعتا بشراكة ضارية لتنهكه حتى آخر قطرة وتلغي عقله ..

لم يكن يعرف لماذا تسيل دموعه هكذا .. ولا يعرف لماذا تسيل دموعها ....

فقط يعرف انه يريدها معه .. كانت حلمه .. ملجأه .. الدفء والحنان والعشق !

لماذا خسرها ؟! لماذا هي الاخرى ؟!

" آآآآآآآه .. املكني يا رعد .. املكني الآآآآآن "

للحظة اصابة الجمود و رهبة التجربة الاولى تشله لثوانٍ وهو يحدق بعريها المذهب للعقل والادراك .. للحظة غلبه صغر سنه وارتجف كل جسده في تردد اللحظة الحاسمة...

لكنها لم تعتقه وقد ادركت ما يعانيه من تردد طبيعي لمن يمر بتجربة كهذه للمرة الاولى فتحثه بعاطفة مشبوبة وصلت لاوجها واكثر حتى يُتم اخر خطوة..

" املكني رعد... لا تتردد... انا احبك .. اعشقك ... املكني وامنحني تلك البهجة لانسى اي شيء عدا وجودك الآن معك.. املكني وسأكون لك كل ليلة .. كل ليلة عروس لك .. ولن يعلم احد ابدا ... فقط انا وانت ..."

فجأة شعر ببشاعة ما يحصل !

في ظلمة غرفته ينظر اليها وينظر لنفسه فيها.. اجل كانا وجهين لعملة واحدة من البشاعة والقذارة والضحالة .. في الدرك الاسفل منها..

كل شيء تلاشى .. تبخر ...

جدران الغرفة التي كانت تبدو له وكأنها شاشات عرض ضخمة لالعاب نارية تحتفي بهما قد تحولت فجأة لظلام قبيح بارد وخانق ..

تلك الجدران اخذت تطبق على انفاسه وتسخر من فعلته الشنيعة وتلبسه ثوب الخاطئين المُقبر...

ابتعد عنها دفعة واحدة وكأنه يسلخ نفسه من ظلام القبور هذا ... وهي تناديه ...

لكنه لم يكن يسمع .. لم يكن يسمع ..

يرتدي ملابسه وانفاسه باتت كالاحجار الثقال في صدره ...

لم يشعر ان غيداء قد غادرت السرير هي الاخرى بعريها الذي يدعو للمجون وقد اخذت تتعلق بذراعه تحاول منعه من ارتداء قميصه ..

يدفعها موقعاً اياها أرضا دون ان يشعر وقد اهتاج داخله في عنف رهيب يفوق اي اهتياج اخر شعر به اليوم .. ضحكات شيطانية ساخرة لا يعلم من اي مكان انطلقت لتصل مسامع ادراكه وهي توصمه بالعار والخطيئة...

سحب حقيبة سفره وفتح الباب ورحل بخطوات بدت له وكأنه كان يركض هارباً من الجحيم ...

غادر ولم ينظر خلفه .. لا يجرؤ ان ينظر للذنب العظيم الذي ارتكبه ..

لم يخرج من تلك الليلة القميئة الا بنقطة بيضاء واحدة متناهية في الصغر وسط الدنس الذي غرقا فيه..

ربما لا قيمة لها بعد كل ما حصل بينهما ..

لكنها تبقى نقطة بيضاء انه ... لم يخطُ اخر خطوة ليملكها كما اشتهت منه ...

ما زال رعد على جلسته وهو يستعيد ذكرى ذاك اليوم العصيب من حياته ...

تحرك اخيرا ليغادر سريره وهو يمسح وجهه بكفه ... النظرات في عينيه جامدة ترسل القشعريرة لمن يراها ..

لكن لا احد يراه .. لا احد يشعر بخزيه وذنبه الذي سيلاحقه حتى قبره ...

خلال دقائق كان قد اخذ حمامه بهدوء حتى لا يزعج احدا من سكان هذا البيت الكريم الذين استضافوه ...

ارتدى زيا رياضيا خفيفا ليغادر غرفته بنفس الهدوء ... الحمد لله ان المطبخ ملاصق له ولن يؤثر على احد.. انه يحتاج للقهوة .. يشعر بحاجة هائلة لما يعيد اليه تركيزه فيعود لواقعه من جديد حيث يدعي النسيان ....


خرج من غرفته وبينما يغلق الباب بحرص حتى لا يصدر صوتاً أجفله قليلا صوت الحاجة سعاد وهي تقول


" صباح الخير بني .. هل صحوت لتصلي الفجر؟"

التفت نحوها بابتسامة عريضة تلقائية وهو يراها بإزار الصلاة الكحلي ذي الورود البيضاء فيرد تحيتها قائلا بمراوغة " صباح الخير حاجة سوسو.. سأصليها لاحقا.."

تعبس وهي تصر عليه " لا .. اذهب وصليها الآن .. الشمس تشرق .. ثم تعال وجالسني .. لا اشعر برغبة في العودة للنوم .."

يرفع سبابته ليضعها اسفل عينه اليمنى ثم يحركها اسفل اليسرى بالتتابع وهو يقول

" من هذه العين قبل العين الاخرى .. هل ستشربين معي القهوة ..؟ "

فتهز رأسها بحركة طفولية وهي تسأله بفرح

" هل تعرف كيف تعد قهوة تركية ؟"

يغمزها وهو يرد بفخر " كل انواع القهوة تجدينني خبيراً فيها .. فقط اصلي ثم أعود اليك لترشديني اين اجد الاشياء في المطبخ.."



بعد عشر دقائق كانت الحاجة سعاد تضحك من قلبها لفكاهاته بينما هو يمسح الخزانة بالفوطة الخاصة بالمطبخ ليقول بابتسامة عبث شقية " لو رآنا أبودي الآن سيظن بنا الظنون .. وله حق ان يغار عليك .. اذا كنت انا نفسي اغار عليك ..! "


تغرق الحاجة بالضحك وهي تنهره بأمومة قائلة " يا ولد ... كف عن اضحاكي سيتوقف قلبي اقسم بالله ..."

يتقدم منها رعد وبعفوية يميل نحو رأسها ليلثم اعلاه هامساً

" سلم الله قلبك من كل شر.."

بعدها أخذت الحاجة سعاد تهذر وتهذر ..

تكلمه عن رفيقة عمرها بدرية وعن الحاج عقيل الصائغ رحمه الله وعن ابنائها واحفادها واحدا واحدا ... يستمع لها رعد ويستعيد هدوء نفسه تدريجيا ويكاد .. فقط يكاد .. يكاد أن ينسى ما يريد نسيانه ...




بيت العطار .. غرفة رقية ..


الفجر يشق ظلمة الليل ورقية شاردة الانظار تراقبه عبر شباكها بينما يدها تتحرك بشكل آلي بطيء وهي تكوي قميصها ...

اليوم هو امتحانها ما قبل الاخير وغدا سيكون اخر يوم لها كطالبة جامعة ...

كم تشوقت لهذا اليوم .. اليوم الذي تبدأ فيه ببناء مستقبلها بشكل عملي مثمر ...

اذن .. لماذا تشعر بهذه الكآبة ؟!

لماذا تشعر انها تشرد من نفسها بهذه الطريقة؟

لماذا تشعر بالشوق لـ.. ابيها ...

شوق عجيب مرير يوجع القلب ...

تريد ان تتكور في حضنه كما كانت تفعل وهي طفلة صغيرة .. تختبئ هناك لتظن ان حضن والدها هو العالم بأسره ... عالم تملكه هي وحدها ...

انها تذكر حضن ابيها اكثر من ملامح وجهه!

بل تذكر حتى الحكايات التي كانت تنسجها بمخيلتها وتسردها هناك لنفسها وبصوت مسموع.. بينما والدها يستمع ويضحك...

" آآه... "

لسعت نفسها بالمكواة فأخذت تشتم..

ثم تمتمت بحنق " ماذا جرى لاصابعي ؟! لا تكف عن لمس ما يلسعها !"

بغتة قفزت صورة رعد الضاحك لمخيلتها فشعرت بالتوتر الشديد ...

اغمضت عينيها بقوة تحاول محو صورته والتركيز بشكل مختلف فأخذت تحدث نفسها هامسة " تجاهليه رقية .. تجاهليه .. تجاهليه في داخلك وستكونين بخير .. "

ما زالت تغمض عينيها بقوة وهي تشعر ان ثقتها بنفسها تخذلها على نحو غير مسبوق ..!

دوماً كانت ذكية باختيار اهدافها لتحققها..

ذكية حتى بتحديد الاهداف القابلة للتحقق ضمن قدراتها وامكانياتها ..

لكن هذه المرة تشعر ان الهدف من اختارها على نحو قدري ... هدف اختارها ولم تختره !

عاودها شعور الكآبة والحنين فهمست بعينين زرقاوين لامعتين " اشتقت لك .. بابا ..."

يتبع..






التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 10-04-18 الساعة 09:47 PM
كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس