عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-18, 02:15 AM   #9

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

بعد عدة دقائق .. لاح له بناء ضخم من بعيد وصوت عمال .. اقترب منهم ليتبين انها ورشة خشب ضخمة ... عمال كثيرون يحملون اخشابا الى الداخل .. المكان يعج بالصياح والهمة ..

حاول البحث عن كبيرهم او السؤال عن عمل .. سأل اكثر من شخص لكن لم يعطيه احد اي التفاته الكل مشغول في نقل الاخشاب وبعض الصياح من العمال الشباب يتبادلون اتهامات فيما بينهم بالتقاعص عن العمل .. لا أحد ينتبه له او يعير اهتماما لتساؤلاته ..

لوهلة قرر تركهم والرحيل .. لكنه باصرار عاد وشارك بعضهم حمل بعض الالواح .. الالواح ثقيلة جدا وخشنة وجسده ضعيف لا يقوى على ذلك .. لكن عليه ان يستمر ..

انتبه البعض لوجوده وعلت وجوههم علامات استفهام لكنهم سرعان ما انشغلوا بحمل باقي الالواح دونما اهتمام ..

استطاع تمييز صوتا يأتي من بعيد .. تتبعه ليجد رجلا في الخمسينات من العمر يقف يحثهم بصوته العالي للاسراع .. يبدو كأنه رئيسهم في العمل .

بعد حوالي ساعة هدأت الحركة نسبيا وقد دخلت معظم الالواح للمخازن .. ا

قترب من الرجل الخمسيني بتردد والذي سمع العمال ينادونه (عم عبد الحليم ) وسأله أن كان يستطيع الحصول على اي وظيفة هنا في الورشة او المصنع لا يستطيع التحديد فهو مكان ضخم مخصص للموبيليا على ما يبدو من الخارج ..

بدى عم عبد الحليم رجلا شهما طيبا واثنى على تطوعه للمساعدة قبل حتى ان يسأل عن وظيفة واخبره ان ينتظر الحاج ابراهيم سماحه او ابنه المهندس أحمد سماحة ووعده سيتوسط له عندهم ليلحقه بالعمل ..

ابتهج وغمرته الفرحه وردد في سره " يارب .. ساعدني يا رب .. أفرجها انت أعلم بحالي "
واتخذ ركنا في ساحة الورشة يتنظر ..

سينتظر حتى لو أنتظر أياما ..

من بعيد وقف عاملان يتفحصان هذا الشاب الغريب بهيئته الضعيفة بالرغم من عرض كتفيه قليلا إلا أنه يبدو طرياً ناعماً لا يناسب عملا بدنيا أبدا .. أما ملابسه فلا تتناسب مع حرارة الطقس ..

قال احدهما للاخر " ما حكايته يا صابر ؟"

اندفع صابر وهو يلتهم شطيرة فول من ورقة جريدة ملفوفة فوق حجره ليتحدث وفتات الخبر تتطاير من فمه " هذا الشاب يريد العمل .. والحاج عبد الحليم وعده بالمساعدة .. اعتقد انه ليس من هنا برغم انه يتقن اللهجة لكني أكاد اجزم بأنه من اللائجين ."

إلتهم قطعة أخرى من الشطيرة ثم استطرد بفخر وابتسامه برائحة الفول والبصل " اخي تزوج منهم وبت استطيع تبين ملامحهم ولكنتهم الي يخفونها لكنها تظهر في التشديد على بعض الحروف "

فقال الاخر وقد بدت ملامح الغيظ على وجه " وهل نحن نوفر وظائف لابناء البلد حتى نسمح للاجئين بالعمل .. مرتباتنا لا تكفينا والوضع في البلد لا يسر عدو ولا حبيب "

نظر اليه صابر بعينين عاتبتين " لا تقل هذا يا فرج فالحاج سماحه لا يبخل علينا بشيئ وبرغم الظروف التي تمر بها البلد منذ سنوات الا انه لم يسرح احدا من عماله وبيوتنا مفتوحه من خيره "

تذمر فرج وقال بغيظ " يرفض ان يعيد اخي للعمل مع اني توسلت اليه ولابنه الغاضب المتذمر دائما "

فرد صابر " انت تعلم ما فعله اخاك وبرغم من اني لا اطيق المهندس أحمد الا انه لم يظلم اخاك هذه المرة "

استقام فرج بغضب وهو يقول " ومع هذا فإن كان اخي لن يستطيع العمل هنا فلن يستطيع احد "

واتجه نحو الشاب الذي استقبلهم بنظرات متوجسة يتبعه صابر بشطائر الفول والبصل .

جلسا بجانب الشاب الذي بدى متحفزا .. وتولى فرج الحديث قائلا " انت من اللائجين اليس كذلك ؟ "

تطلع اليهم بتساؤل فاسترسل فرج محاولا طمأنته بعد أن لاحت على ملامحه علامات الترقب " انظر يا اخ .. انت تبدو عليك ملامح الاصل الطيب الصالح "

فردد صابر بالفول والبصل " اي والله "

فاكمل فرج " ملعونة الحروب التي تقتل البشر وتجعل شاب مثلك يتضطر للعمل في هذا المكان "

فردد صابر " اي والله "

ثم اكمل فرج " لقد احببتك بدون سبب.. فأنا اتعاطف مع اخواننا اللائجين ولهذا أردت أن أحذرك فيما انت مقدم عليه ابتغاء لمرضات الله "

فردد صابر " اي والله "

اكمل فرج " انصحك أن تذهب من هنا ولا تأتي مرة اخرى أهرب بجلدك يا أخي "

تسأل الشاب بتوجس وحذر " لماذا ؟ "

اعتدل فرج في جلسته وهو يخفض صوته كأنه يفشي سرا " ابن الحاج سماحه شخص لا يطاق لن تستطيع تحمله .. مُتعِب.. كثير الغضب والصراخ لا يعجبه شيء ولا تسمع منه سوى التقريع .. لن يمر يوم دون ينالك غضبه وحذلقته وغروره وعصبيته .. بالرغم من انه لا يفعل شيئا مهما سوى ذلك طيلة النهار "

انتظر فرج صوت صابر ليؤكد كلامه لكنه لم يحصل على شيء فالتفت له ليجده فاغر الفم يتدلى الطعام منه يحدق امامه بنظرات جاحظة فزكه بحركة غير ملحوظة وقال من بين اسنانه " أليس كذلك "

نقل صابر نظره بينهما ثم أومأ برأسه دون كلام ..

فتنحنح الشاب قليلا ثم قال " شكرا لك على تحذيرك لكن لا تخشى علي لقد مررت بالكثير منذ قيام الحرب ولا املك خيارا سوى التحمل "

رد عليه فرج بعصبية " يا اخي لا تجبرني على قول المزيد كان الله حليما ستارا "

لكنه ابدى عدم استعداده لتغيير رأيه ..

فاندفع فرج قائلا " اذن لم تترك لي خيارا سوى اخبارك بالحقيقة "

وتلفت يمينا وشمالا يتأكد من عدم وجود أحدا واقترب برأسه للشاب الذي ارجع رأسه للخلف متحفظا واكمل فرج " أحمد سماحه ابن الحاج " وتمهل قليلا وهو يستغفر الله " انه ... انه غير طبيعي "

رفع الشاب حاجبا وقال متفها " بالطبع ليس طبيعيا مادام يتصرف بهذا الغرور والنزق والعصبية مع العمال "

فقاطعه فرج بغيظ " يا اخ افهم .. انه ليس طبيعيا .. انه .. انه شاذ .. لا ينظر للنساء ولكن الرجال هل فهمت ام اوضح اكثر "

انتفض واقفا يلف ذراعيه حول نفسه بحركة بدت غير منطقية للعاملين كرد فعل ..
بينما سعل صابر سعالا شديدا ملقيا مافي فمه فتناثر الفول بالبصل والخبز على الارض وفرج يضرب بقبضته على ظهره حتى لا يختنق ثم استدار ليرفع رأسه للشاب الذاهل الذي يحضن نفسه مستفيضا " للاسف اخي المسكين كان احد ضحايا هذا الوغد .. انه .. انه ضعيف الهيئة مثلك .. أبيض البشرة مثلك .. عيناه جميلتان مثلك .. ولم يحتمل هذا القرف والتحرشات من ابن الحاج فقرر ترك العمل"

ارتد قليلا الى الخلف واطبق مقدمة القبعة الرياضية على جبينه لتداري عينيه وقد اقشعر بدنه لا إراديا بينما استمر صابر بالسعال اكثر واكثر وفرج يضرب على ظهره ثم استدار موجها كلامه للشاب "انظر إن صابر لا يستطيع استيعاب الامر ويتلوى حزنا على اخي .. هيا يا صابر قم لاعطيك قليلا من الماء سوف تختنق "

ابتعد العاملان وظل فرج يراقب الشاب من بعيد الذي بدى مرتبكا ذاهلا ومترددا ...ثم ابتسم وظهرت اسنانه الصفراء حين رآه يخرج من ساحة الورشة عبر البوابة الكبيرة ويتجه نحو الطريق الرئيسي .

خرج عائدا من حيث أتى يجر اذيال الخيبة والإحباط.. هذا كثير ولن يعيد الموقف مرة اخرى كما حدث معه منذ عامين في اول وظيفة له في هذا البلد .. في صالون الحلاقة الفخم الذي وافق صاحبه ان يوظفه دون حتى ان يسأله عن هويته .. فقط اظهر له وطنيته وتعاطفه مع اللاجئين .. وكم كان سعيدا في سرعة إلتحاقه بعمل يستطيع به أن يعيش في هذا البلد الغريب لكن الفرحة لم تدُم .

فقد بدأ يشعر بأمورٍ ونظراتٍ ورسائل من جانب صاحب العمل ليست طبيعية بالمرة فقرر الرحيل وخاصة عندما عرض عليه صاحب الصالون انه يستطيع الانتقال للسكن معه في شقته الفخمة انسانيةً منه ! .. لن ينسى مدى صدمته في أدراك الحقيقة .. لكنه تغلب عليها سريعا حينما استرجع جملة والده ( البشر هم البشر في كل زمان ومكان .. فيهم الصالح وفيهم الطالح فلا تعمم واحكم بموضوعية دون عواطف ) .

لكن ان يتعرض لهذا الأمر مجدد خلال عامين فهذا كثير .. كثيرا جدا ... استغفر الله في سره .. وقرر السير قليلا يبحث عن سيارة أجرة جماعية تعيده للزحام مرة اخرى ..

الشمس حارقة والبثور في وجهه تحترق خاصا والعرق المالح يتصبب عليها فيكويها ..

لاحت من بعيد سيارة شرطة تقترب ببطئ .. ضربات قلبه قفزت في صدره والادرنالين يضخ الدم حتى رأسه وبات جسده يختض من الخوف .. لم يبقى الا الشرطة ليكتمل هذا اليوم المحبط ..

غريزة البقاء انتصرت بداخله على حروق وجهه وجسده المشتعل بفعل حرارة الطقس ..ليطلق ساقيه للرياح الساخنة على جمر الأسفلت .

يتبع


Shammosah غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس