عرض مشاركة واحدة
قديم 02-08-18, 09:07 PM   #52

Siaa

نجم روايتي وكاتبة وقاصةفي منتدى قصص من وحي الاعضاءونائبة رئيس تحرير الجريدة الأدبية

 
الصورة الرمزية Siaa

? العضوٌ??? » 379226
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,353
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » Siaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond repute
?? ??? ~
يجب عليك أن تدرك أنك عظيم لثباتك بنفس القوة،رغم كل هذا الاهتزاز~
افتراضي

الفصل الأول

"وقت الحياة ليس كافيًا لأعيش معك هذا الحب"

استندت على سور شرفة غرفتها.. الهواء يهب كنسمات لطيفة تداعب وجهها مما جعلها تبتسم بشيٍء من الفرحة.... تحب هذه الأجواء والتي تكون بها السماء زرقاء صافية... والجو منعش خالٍ من التلوث.....
مدت كفها ومررتها بالهواء ببطء وابتسامتها تزداد اتساعًا ثم اخفضتها وهي تسمع صوت خادمتها.... أو ربما مرافقتها الخاصة..... أو ربما... تنهدت... إنها حقًا لا تعرف أي تسمية يمكن أن تطلقها على سكينة التي خدمتها منذ زمن... إنها تأخذ رأيها بكل شيء... هي مرآتها بدل المرآة التي لا تستطيع النظر لها بعينيها... إنها رفيقتها
" لماذا لم تنزلي بعد ماريا... انهم ينتظرونك على الفطور.."

ابتعدت عن الشرفة وأمسكت بالعصا البيضاء خاصتها وهي تتحسس طريقها مستندة على قدمها اليمنى أكثر من الأخرى حتى وصلت لحيث تقف سكينة لتقول بهدوء :
" كنت انتظرك... ما رأيك بملابسي..."

قهقهت سكينة وربتت على كتفها بأمومة :
" جميلة حبيبتي... كالعادة... "

تلمست حجابها وقالت متسائلة :
" والحجاب... هل هو الحجاب الكحليّ اللون ام أنني أخطأت..."

هنا تغيرت ملامح سكينة وقالت بتوبيخ :
"ماريا... ماذا قلنا عن هذه الأسئلة... يجب أن تثقي بقدراتك... ما دمتِ تلمستِ الحجاب وعرفت انه هو المطلوب فإذاً انتهى... "

تشجنت اناملها واطرقت برأسها متمتمة :
" اعتذر... السؤال خرج مني لا إرادياً.. "

ترققت وطار غضبها منها وهي تنظر لحزنها ثم أحاطت كتفيها قائلة بنبرة لطيفة :
" حسنًا دعينا من هذا الحديث الآن...شقيقتك وزوجها اتيا قبل ساعة ...هيا انزلي حتى تفطري معهما ووالدتك..."

ظهرت في عينيها لهفة لم تكن مبالغ بها فهي حتى في ردات فعلها خافتة... هادئة... :
" سأنزل..."

وقفت أمام غرفة المعيشة والتي يجتمع بها في حالات نادرة أفراد العائلة.... المكونة من والدتها وشقيقها... وان زارتهم شقيقتها... على طاولة كبيرة عليها كل من الطعام الكثير.... وحولها من الكلام القليل بل يكاد منعدم.... وهي لا تستطيع أن تكذب وتقول بأنها تحب هذه الاجتماعات.... بل هناك نفور دائمًا تحاول التغلب عليه...

دخلت بخطوات ثابتة محاولة السيطرة على عرجها قدر الإمكان ثم تنحنحت وهي تقول بصوت واثق :
" صباح الخير..."

تقبلت تحيتهم بابتسامة وجلست على مقعدها لتبدأ بالأكل تشاركهم الصمت المعتاد الذي كسره هذه المرة زوج شقيقتها " مصعب" بمرح :
" كيف حالك ماريا.... مضت مدة لم نراكِ فيها.... حتى أنني لا أذكر آخر مرة زرتِ منزلنا بها..."

ضمت شفتيها تكبح التوائهما بمرارة... فالزيارة الأخيرة هذه فتحت لها جرح ظنت انها طببته منذ زمن... :
"قبل اسبوع ... هذه الأيام انا مشغولة قليلًا..."

نطقت والدتها التي كانت تراقب ابنتها الكبرى" مايا "متشنجة الملامح بعين كالصقر موجهة حديثها لماريا :
" أستذهبين اليوم؟... "

أومأت ماريا وهي تمسح فمها ثم وقفت على قدميها قائلة بهدوء هو أقرب للبرود :
" نعم الآن... فأنا لا أحب أن اتأخر عن موعدي أكثر... "

وبخطوات تكاد لا تسمع خرجت وهم يطالعونها بنظرات.... معتذرة....جامدة ...... غامضة

التفتت الام لابنتها قائلة بصرامة :
" ماذا حدث مايا.... ما الذي فعلتيه لماريا... الآن ستخبريني.."

تغضنت ملامح مايا وقالت معترفة... فأمام والدتها لا تستطيع الإنكار أبدًا :
" فقط... بآخر زيارة لماريا عندي ... كانوا صديقاتي هناك واحداهن علقت بشكل غير مقصود عن عمى ماريا أمامها... اقسم كان بشكل عفوي ولم تقصد... لكن ماريا حساسة بشكل مبالغ فيه... "

تصلبت ملامح الام وقالت بصوت جامد :
" وأنتِ... ماذا كان ردك..."

طال صمت مايا وهي تتباعد بنظرها عن والدتها لتبتسم تلك الأخيرة بسخرية وتقول :
" كنت سأُصدم إن فعلتِ عكس ما توقعت... "

" امي... " نادتها بضعف

نهضت الام وهي تلقي نظرة أخيرة على زوج ابنتها الذي لم يبدي اي اعتراض على ما حدث للتو... وكأنه لا يهتم... كما دائمًا يـُظهر... وهذا نوعًا ما يجعلها هي الأخرى غير مهتمة بتوبيخ ابنتها أمامه...

" أرأيت ما حدث مصعب... اقسم لم يكن قصدي ذلك... "

التفت لها مصعب وقال بشرود :
" لماذا لم تخبريني بوقتها..."

هتفت بحنق من بين بكائها :
" مصعبببب..."

مد انامله ومسح دموعها ولا زالت نفس النظرة على وجهه :
" لا تبكِ.."

..................

نوع آخر من السعادة... تشعره وهي بين هؤلاء الأطفال... من هم بنفس حالتها... لن تعطيهم الا الحب ولن يشعروها الا بالحب.... الحب الخالص الذي لا تشوبه شفقة أو حسرة....
مستحيل ان يمر الأسبوع دون أن تزور هذا المركز باليوم الذي خصصته.... أن تعود طفلة وتشاركهم اللعب من دون أن تشعر بالنقص...
استكانت في جلستها وهي تصغي السمع لأصوات الأطفال المحببة لقلبها... تشكر سكينة بأنها اخذتها لهذا المكان وعرفتها عليه.... مركز صغير يحوي عدد من الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة... يتكفل بتعليمهم وتأهيلهم مجانًا ... لم يكن من إحدى المراكز التي ذهبت إليها كثيرًا من قبل في بداية إصابتها بالعمى.... بل كان يعتمد على التطوعات التي تأتيه... وهي من المتطوعين التي لم تتوانى عن تقديم كل المساعدات له من أجل الصغار الذين يملكون كل الحق بالعيش بسعادة وهناء....
شعرت بأحدٍ يقف أمامها وصوت طفولي يقول بتلعثم :
" أيمكن أن تفتحي لي هذه..."
تعرفت على صوته فورًا.... إنه أقرب الأطفال لقلبها بما يملكه من قلب صافٍ وبريء.... لديه متلازمة داون كما عرفت من صاحبة المكان لكنه أكثر الأطفال هنا حيوية ونشاط... اضافة لكونه يتيم الأب والأم
ابتسمت له وأخذت اللعبة منه تزيل الغطاء البلاستيكي عنها ثم مررتها له ليقول بفرحة :
" شكرًا..."
قبلت رأسه وهي تتلمس شعره الناعم ثم جعلته يذهب ليكمل لعبه.... عادت لتتأمل ذلك السواد التي انحبست به منذ عشر سنوات.... سواد حالك لا يدخله اي ضوء.... سواد اعتادت عليه بعد معاناة مع الرفض والانكار... مع التخبط التي عاشته وهي مراهقة اكتشفت فجأة بأنها لن تستطيع رؤية ما حولها مرة أخرى... لن تستطيع رؤية الألوان.... لن ترى غير السواد فقط.... رمشت بخفة تجبر نفسها على عدم العودة لنفس دائرة التفكير هذه...ثم وقفت وهي تهمس بحيرة :
" أين سكينة..."

انتفضت وهي تسمع صوتها يصلها مباشرةً :
" ها أنا هنا..."

وضعت يدها على قلبها وضحكت برقة :
" افزعتني... هيا لنذهب..."

مشت خطوتين ومن غير أن تنتبه كان هناك بعض الألعاب المرمية على الأرض فتعثرت بها وكادت أن توقع على وجهها لولا انها تماسكت باللحظة الأخيرة بينما سكينة تقدمت لتمسك ذراعها تلقائيًا لتهتف بها ماريا بحدة وهي تنفض ذراعها عن مرمى يدها :
" ابتعدي..."

بوجه محمر وانفاس متسارعة انحنت لتلتقط عصاتها من الأرض ثم اعتدلت وسبقت سكينة للخارج بخطوات سريعة لكن حذرة....
استقرت بالسيارة الذي كان السائق ينتظرهما بها ثم أنطلق فور أن أتت سكينة وجلست بجانبها.... اطرقت ماريا برأسها صامتة... بل غاضبة من نفسها لأنها تصرفت بهذه الحدة تجاه سكينة بالذات... ثم استدارت برأسها حيث تجلس الأخيرة وقالت بتردد :
" أنا آسفة..."

شعرت بلمسة خفيفة على كفها وقولها الحنون :
" أنا لا يمكن أن انزعج من صديقتي ماريا..."

ابتسمت باهتزاز ثم عانقت كفها أكثر.... نعم انها صديقتها الوحيدة وهي ليست مستعدة لتخسرها...

يتبع...


Siaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس