عرض مشاركة واحدة
قديم 12-09-18, 10:12 PM   #10772

blue me

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وكاتبة وقاصة بقلوب أحلام

 
الصورة الرمزية blue me

? العضوٌ??? » 102522
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 15,125
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » blue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond reputeblue me has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك action
افتراضي

بدا المطر وكأنه لن يتوقف قبل فترة طويلة جدا ... غرفة لقمان الواسعة والخافتة الإضاءة .. كانت هادئة تماما مقارنة بالجو العاصف خارجا .. كان لقمان ما يزال فوق الأرض المغطاة بالسجاد الوثير ... ظهره مستند إلى الجدار أسفل النافذة ... بينما يحتضن بحر بين ذراعيه ... رأسها بميل فوق كتفه السليمة .. لفترة طويلة لم يتحدث أحدهما ... وكأنه يكتفي بوجود الآخر إلى جانبه ...
أو كأنه يخشى الحديث الذي يعرف كل منهما أنه سيدور بينهما عاجلا أم آجلا ...
عندما تكلم لقمان أخيرا .. صوته كان عميقا .. إنما خاليا من الحياة وهو يقول :- في ليلة كهذه ... قُتِل فتى صغير لم يتجاوز الرابعة عشرة لأنني ووشيت به عندما حاول أن يهرب ..
انتظر ردة فعلها المزدرية .. أن يشعر بتشنجها رفضا .. إلا أنها لم تتحرك على الإطلاق ... عيناها كانتا لا تنظران إليه وهي تسأله :- كم كان عمرك ؟
:- لا أذكر حقا ... ربما كنت في حدود الخامسة عشرة ..
:- لماذا وشيت به ؟؟
صمت للحظات .. قبل أن يقول بصوت أجش :- ربما لأنني كنت أكثر جبنا مما ينبغي .. أنا كنت الوحيد من الفتيان الذي امتلك مكانا يذهب إليه حقا .. ورغم هذا .. أنا لم أفكر قط بالهرب ..
تمتمت مكررة السؤال :- لماذا وشيت به إذن ؟
لماذا وشى به ؟ هه .. هل يمتلك الشجاعة كي يقولها ؟؟؟
قال بصوت ميت :- لأنه طلب مني أن أفعل ..
رفع رأسه ... مسندا إياه إلى الجدار .. وقال :- لقد ذبحوه هناك أمام عيني ... تحت المطر .. كنت قادرا على رؤية السيول تغسل دمائه التي سالت غزيرة فوق الرصيف .. الطريقة التي انتفض فيها جسده الانتفاضة الأخيرة قبل أن يسكن تماما .. قبل أن يموت ... لم يكن هناك لوم في نظراته .. لم يكن هناك خوف من الموت .. لقد كان امتنانا .. لأنني منحته أخيرا الخلاص الذي كان ينشده .. في تلك اللحظة .. كان من الصعب علي أن أتذكر بأنه هو من أخبرني في اليوم السابق عن خطته للهروب .. بأنه من طلب مني أن أشي به ..
أغمض عينيه بقوة وهو يقول :- منذ ذلك الحين اتخذت قرارا ... بألا أسمح لطفل آخر أن يصل إلى هذا الحد من اليأس .. إلا أنني لم أعرف بأنني عندما كنت أمدهم بالقوة ... أقف إلى جانبهم .. أحميهم .. كنت أقيدهم بي .. لم يحاول أحدهم الفرار مجددا ... لا لأنهم كانوا سعداء .. لا لأنهم كانوا آمنين .. لا لأنهم نالوا ما لن يتمكنوا من نيله في مكان آخر ... بل لأنهم امتلكوا ما يكفي من التعلق بي بحيث بات من الصعب عليهم الخروج عن نطاق حمايتي ...
زفر بقوة وهو يتابع :- طبعا ... مع الوقت ... بدأ الفتيان يختفون فجأة ... الواحد تلو الآخر يخرجون بلا رجعة ... لم يعرف أحدنا أنهم قد وجدوا طريقة للتخلص من الفتيان الذين باتوا أكبر عمرا من أن يقدموا لهم أي عائد مادي .. بأنهم قد بدأوا يتخلصون منهم عن طريق بيع أعضائهم ..
كانت تعرف مدى ما كان هذا الجزء من القصة يسبب الألم للقمان .. الآن هي تعرف السبب .. هو يعتقد بأنه سبب غير مباشر لبقاء الفتيان وعجزهم عن الهرب ... أهذا ما حدث حقا ؟ أم أنه ما كان الرجل يغذي عقله به طوال السنوات التي كان فيها أسيره ... موهما إياه بأنه لم يكن أكثر من طوق كان يقيد به أعناق فتيانه ؟
تمتمت :- أنت لا تستطيع أن تلوم نفسك لأنك كنت رحيما بهم خلال تلك الفترة .. أن تعزي مصابهم إلى مساعدتك لهم .. هل كنت تفضل لو أنك أضفت المزيد من الألم إلى حياتهم ؟
قال بصوت تشبع بالألم :- هذا ما فعلته بالضبط .... هذا ما أفعله دائما ... أنا كنت القيد الذي ربطهم بذلك المكان .. بالضبط كما قال ..
هتفت بخشونة :- ربما كنت قيدهم .... إلا أنك من حررهم في النهاية ..
أطلق ضحكة مريرة وهو يقول :- هه .... هذا صحيح ... لبعضهم ... لو كان الأمر انتهى بهم كذلك الفتى الذي ذبح أمام عيني لكان أفضل ..
رفعت رأسها إليه وهي تقول :- أنت لا تصدق هذا حقا ... هل كنت تتمنى لو أنك فشلت في إنقاذ ثروت قبل سنوات ومات بالفعل بدلا من أن يعيش حرا حتى الآن ؟
صمت للحظة ... ثم قال :- وهل الحياة التي يعيشها ثروت ... حياة ؟
:- ربما عليك أن تسأله ... وتفهم منه إن كان ناقما عليك لأنك أنقذته .. أم أنه ممتن للفرصة التي منحته إياها كي يعيش ..
ضحك قائلا :- هو لن يخبرك بالحقيقة ... بأنني كما كنت أقيده في الماضي ... أنا أقيده الآن ... أنا كذلك الوسم الذي يشوه صدره ... كهذا الوسم الذي يحرق جسدي .. شيء لا يمكن انتزاعه أو الخلاص منه ..
قالت بصوت مكتوم :- أنت تعرف بأنك تستطيع التخلص منه بعملية واحدة .. أكرم سيكون سعيدا جدا بالقيام بها ..
:- تخلصي من ندبتك .... لأتخلص منها أنا الآخر ..
التقت نظراتهما طويلا .. وكأنهما كانا من خلالها يخوضان معركة إرادة صامتة .. انتهت بأن قال :- إلا أنك لن تفعلي ... أنت لن ترغبي بأن تتخلصي منها .. لأنني أيضا أتابع تقييدك إلي منذ عرفتني .. هذا ما أفعله عادة إن كنت لا تعلمين .. أن أقيد من حولي .. ثم أخنقهم بي ..
أطبقت فمها بقوة وكأنها حاول منع نفسها من فقدان أعصابها مجددا .. مما جعله يوشك على أن يضحك بمرارة وهو يفكر بأنه لم ير قط هذا الجانب الناري من بحره التي بدت دائما رغم قوتها بهدوء المحيط ... ربما هو نسي أن المحيط أيضا يمكن له أن يهيج تحت تأثير العاصفة المناسبة .. يده ارتفعت تلامس الندبة البيضاء وهو يقول بهدوء :- ربما يكمن مفتاح حريتك بهذه الندبة ... ربما إن تخلصت منها .. تخلصت من عبء حاجتك للبقاء ..
تشنجت وهي تقول :- لماذا تظنني أحتاج للبقاء ؟
:- لأنك بحاجة لسبب منطقي يفسر عودتك إلى الوطن .. أنت تظنين بأنك لا تمتلكين مكانا تلجئين إليه سواي .. وتستخدمين غضبك مني وحاجتك للانتقام كي تبقي .. لأنك أيضا أنبل من أن تتخلي عني الآن بعد اختطافي ..
قالت بمرارة :- هه ... لعلمك .. أنا لست نبيلة إلى هذا الحد الذي تظنه .. وبدلا من أن تفكر بحريتي ومفتاحها .. لم لا تفكر بقيدك الذي تأبى أن تنتزعه من حول عنقك ؟؟ ذاك الذي تقيد نفسك به منذ ما يزيد عن العشرين عاما ..
ابتسم بحزن وهو يقول :- ما من قيد إلا وله مفتاح ... إلا قيدي أنا ... لا مفتاح له ..
قالت بصوت مكتوم :- هذا غير صحيح ..
:- أنت قلتها ... أكثر من عشرين عاما وأنا أبحث عن طريقة أحرر نفسي بها بدون فائدة ... إذ أن قيدي يكمن بروحي التي تأبى إلا أن تشدني إلى الهوة المظلمة التي كنت وما زلت أعيش فيها ..
ربت على صدره .. الألم الذي كان يرتسم في عينيه لم يكن جسديا على الإطلاق :- تمر السنوات .. أظن نفسي قد تخطيت الماضي .. إلا أن الماضي لم يغادرني يوما .. هو كان دائما هنا ..
في تلك اللحظة .. كانت بحر قادرة على رؤية الألم الذي لم يسمح لقمان لأحد قط بأن يراه .. أن تراه هي الآن .. يعني أن ما حدث خلال فترة اختطافه .. دمر جزءا عظيما من جدران لقمان التي قضى حياته كلها يبنيها .. الآن .. وهو عاري الحصون .. يقف عاجزا عن التعاطي مع كل تلك المشاعر التي كانت تحتشد داخل صدره .. في الموضع نفسه الذي كان يربت عليه قبل لحظات وهو يتحدث بألم ..
همست :- نستطيع دائما أن نكسر ما لا نمتلك له مفتاحا ..
أطلق ضحكة مريرة وهو يقول :- قيدي لا يمكن تحطيمه بالقوة يا بحر ... هو أشبه بالفولاذ .. إن حاولت حرقه , فإنه لا يذوب .. هو يكوي ما تحته لا أكثر ..
وجدت نظراتها تتجه نحو قميصه المفتوح ... حيث تلك العلامة الغير مغطاة فوق صدره .. ترتجف وهي تتخيل الألم العظيم الذي أحس به حينها .. تتمنى لو أن ذلك الرجل يعود إل الحياة مجددا .. كي تتمكن من قتله بنفسها ..
همست :- أنا لا أصدقك ...





يتبع ..


blue me غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس