عرض مشاركة واحدة
قديم 14-09-18, 08:04 PM   #16

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الثالث


قبل عشرين سنة .
جلست كاميليا مع أمها في مكانهما المعتاد ، تحت شجرة التوت في نهاية حديقة المصحة .
بعد حديث قصير معظمه من جهتها كالعادة ، ابتعدت كاميليا قليلا و بدأت في جمع بعض الحبات المتساقطة . لا تدري لم تحب جدا ثمار التوت ربما لكونها صغيرة ، حلوة ، غير معقدة على عكس أيامها التي تزداد صعوبة .
كل يوم تتوجه إلى الخارج ، ترفع وجهها تستقبل دفء شمس الصباح اللذيذ و هي تحاول أن تقنع نفسها أنه سيكون يوما مختلفا .
يوما يحمل طعما آخر ، ربما طعم السعادة التي افتقدتها منذ زمن طويل قصير.
منذ أن اختارت أمها أن تستسلم أخيرا و بقوة لاكتئابها و تغرق بملء إرادتها في أعمق أعماقه .
التفتت فجأة لتجد أمها تحدق بها و لأول مرة منذ أشهر ترى نفسها بوضوح في عينيها ، ترى شيئا محسوسا غير تلك النظرات البعيدة الغائمة .
تأملتها والدتها بحزن ثم قالت بهدوء :
- كاميليا ، سامحيني يا ابنتي .
- ماما ، هزت رأسها عدة مرات تحاول أن تنفي إحساس الذنب الذي قرأته في نظراتها إليها ، لا تقلقي علي أنا بخير .
- لا يمكن أبدا أن تكوني بخير مع أم مثلي .

فتحت كاميليا فمها بسرعة لتنكر لكن أمها قاطعتها بلطف و هي تقول :
- أريدك أن تعرفي أن العيب في أنا ، في تركيبي ،
تأكدي أنك كنت أكثر من كافية لتسعديني لكني أنا هي العاجزة عن الشعور بالسعادة ، أنا هي الناقصة يا ابنتي .
أما أنت …

توفقت قليلا و هي تربت على خدها بحنان :
- أما أنت يا كاميليا فكل منايا في هذه الدنيا هو أن أراك كاملة .
- كاملة بدونك جواري ؟ لا أعتقد أن هذا ممكن يا أمي ، قالتها و هي تحضن أصابع أمها المرتجفة بكفها ، قالتها و هي تعض على شفتيها حتى لا تبكي فجميعهم هنا أوصوها أن تكون دائما هادئة ، متمالكة لنفسها عندما تتحدث مع أمها .

أخفضت بصرها و تنفست بعمق في محاولة لإعادة دموعها المتمردة من حيث أتت.
- كاميليا ، سمعت أمها تناديها بلطف .

رفعت عينيها إليها لتجدها تنظر إليها واحدة من نظراتها الحانية ، تلك النظرات التي تشعرها بأن الدنيا جميعها بما فيها أضيق عليها من قلب أمها .
- اسمعي نصيحتي و لا تكتمي أبدا دموعك و في ذات الوقت لا تطلقي لها العنان أكثر من الضروري .

أغمضت كاميليا عينيها باستسلام و هي تشعر بدموعها تسيل دافئة على صفحة خدها البارد بينما تواصل الاستماع إلى أمها .
- لا تسيطري عليها و لا تتركيها تسيطري عليك .
نظرت إليها كاميليا بحيرة .
- سأخبرك كيف نتصرف مع الحزن و صدقيني كلامي أفضل من كلام كل أخصائيي العالم فلا أحد رافقه الحزن بقدر ما رافقني .
- أعلم يا ماما .
- الحزن يا ابنتي لا نتجاهله و لا نغرق فيه ، لكي نتجاوزه علينا أن نتعامل معه .
- و كيف نتعامل معه يا ماما ؟

لأول مرة تبتسم أمها ابتسامة صافية و هي تجيبها بمرح ساخر :
- لو كنت أعرف لما كنت أقضي أوقاتي في هذا المكان .


قهقهت كاميليا رغم بعض الدموع التي مازالت تبلل وجهها ، شاركتها أمها ضحكاتها لبعض الوقت ثم بدأتا تتحدثان .
عن الأشياء التي تعودتا أن تقوما بها معا ، عن أشياء أخرى لم تسنح لهما الفرصة بعد للقيام بها ، عن الماضي ، عن الحاضر ، عن المستقبل ثم شيئا فشيئا خبت ابتسامة أمها و ارتخت ملامح وجهها و تثاءبت بعمق في علامة واضحة . وقفت كاميليا و تأبطت ذراعها و أخذتها إلى غرفتها لتستريح أمضت بعض الدقائق تتأكد أن كل أسباب الراحة متوفرة لأمها ثم خرجت عندما انتظمت أنفاس هذه الأخيرة في ما يبدو أنه نوم هادئ .
خرجت تسير على مهل نحو البوابة الحديدية عندما شاهدته يترجل من سيارته ، ينحني ليأخذ حقيبته الطبية ثم يتجه نحو المبنى الذي تقع فيه مكاتب الأطباء .
- دكتور ، نادته بأعلى صوتها .

من بين جميع أطباء المؤسسة كان هو الأفضل برأيها ، ربما لأنه مازال يحمل هم مهنته على كتفيه لذلك كلما التقت به كانت تستغل الفرصة لتتحدث إليه .
- خيرا يا كاميليا ، سألها بصوته العميق و هو يبطئ قليلا من سرعة خطواته دون أن يتوقف على السير .
- خيرا يا دكتور ، همهمت و هي لا تعرف تماما ما الذي تريد أن تقوله .

سارت بصمت و هي تواكب خطواته التي عادت إلى سرعتها و أخيرا قالت ما إن توقفا أمام مكتبه :
- ماما ضحكت اليوم يا دكتور ، ضحكة لم أسمعها منذ وقت طويل و ليس هذا فقط بل أشعر بتحسن واضح في مزاجها ككل .
ما رأيك يا دكتور ؟
- رأيي أنها استجابت للدواء الجديد .
- و هل هذا جيد ؟
- ما رأيك أنت ؟ سألها بتسلية .
- لا أدري ، رفعت نظراتها إليه و هي تستمر بصوت أخفت ، أعني هل من الجيد أن مزاج الإنسان تتحكم فيه حبة دواء في حين لا تقدر كل المشاعر التي تقدم له بدون حساب أن تفعل ذلك .

خفضت نظراتها تخفي دموعا لمعت في عينيها . حين رفعتهما وجدته ينظر إليها نظرة غريبة لم تستطع فهمها .
استند على إطار الباب و بدأ يكلمها بهدوء يخالطه الكثير من الحنان :
- أؤكد لك يا كاميليا و بحكم خبرتي أن الأدوية بمفردها لا تساهم أبدا في كبح تقدم أي مرض . كوني واثقة أن رعايتك المستمرة لها ، تحدثك معها حتى لو كانت تبدو لك غائبة لا تصغي كل هذا أكيد ساهم في تحسنها.

ساد صمت بسيط قطعته و هي تقول بحرج :
- هل تمانع يا دكتور أن أسألك عن شيء آخر ؟
- بالطبع لا أمانع يا كاميليا ، اسألي ما تشائين من أسئلة ما دمت قادرا على الإجابة عليها.
- في الواقع يا دكتور أنا قرأت عن الاكتئاب و عرفت أن بعض أسبابه هي أسباب وراثية و أنا… أنا أصبحت خائفة جدا أن أعاني مثل ما تعاني أمي .

ابتسم بتفهم و أجابها ببطء :
- أقوى مضاد طبيعي للاكتئاب يا كاميليا هو التفاعل :مع نفسك ، مع الناس ، مع الطبيعة . تفاعلي دائما و لا تتركي نفسك أبدا لأفكارك .
- كيف أتفاعل مع نفسي ؟ تساءلت بحيرة .
- اكتبي مذكراتك ، اهزمي السواد الذي تشعرين به يتكون داخلك بطرحه على الورقة أمامك و حينها ستتعلمين كيف تتحكمين فيه كما تتحكمين في كلماتك التي تعبرين بها عنه .
.
..

في تلك الليلة دخلت كاميليا لتلقي نظرة طويلة كعادتها على غرفة والدتها الخالية منها منذ أكثر من شهر تنفست بعمق تحاول أن تخزن داخل رئتيها شيئا من عبق صاحبتها ثم جلست أمام التسريحة و انحنى رأسها الذهبي على دفترها الذي اشترته منذ ساعات قليلة . جالت عيناها الحزينتان على الصفحة القاحلة المنتظرة في ترقب صامت .
لم يمض كثير من الوقت حتى بدأت أناملها الشابة تبوح بأولى كلماتها .
و لعدة دقائق لم يعد يسمع سوى الدبيب الساحر للقلم و هو يرسم أفكارا كانت لوقت قريب حبيسة عقل صاحبتها .

………………………………..


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس