عرض مشاركة واحدة
قديم 25-10-18, 09:27 PM   #350

Siaa

نجم روايتي وكاتبة وقاصةفي منتدى قصص من وحي الاعضاءونائبة رئيس تحرير الجريدة الأدبية

 
الصورة الرمزية Siaa

? العضوٌ??? » 379226
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,353
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » Siaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond repute
?? ??? ~
يجب عليك أن تدرك أنك عظيم لثباتك بنفس القوة،رغم كل هذا الاهتزاز~
افتراضي

الفصل الحادي عشر (الجزء الأول)



" و إن روحي تَمتزج بِـروح مَن يَفهمني "

" لا بأس... الضربة ليست قوية على كل حال..."

رسم على وجهه ابتسامة مجاملة للرجل القلق أمامه بعد أن ضرب سيارته بغير قصد.... أصر على ذهاب الرجل من دون أي تدخل.... ومن ثم انحنى ينظر للضربة بلا تركيز..... ومن أين سيأتيه التركيز.... فهذه الأيام مرت عليه بشكل بطيء.. بطيء جدًا وهو كان يعيشها وكأنه خارج نطاق الزمان.... والمكان..... والبشر!
كل ما كان يدركه ويشعر به....أنه يشتاقها.... يشتاقها بقوة كما لم يشتاق لأحد من قبل.....وغيابها الطويل وعدم ثقته برجوعها لم يساعداه أبدًا
إنه يذهب للعمل كل يوم على أمل رؤيتها..... يصعد إلى سطح الشركة على أمل وجودها هناك.. شاردة.... ضعيفة.... مبتسمة....
لكن لا شيء... وكأن أفنان لم تدخل حياته من قبل.... لم يلتقيها قط...
تنهد بهم واعتدل يركب السيارة مبتعدًا بها ومتوجهًا للبيت....
وعندما دخل المنزل استقبلته والدته بالبسمة الحنونة التي لم تغب عن شفتيها يومًا :
" أهلًا بعودتك بني.... تبدو متعبًا...."

حياها بخفوت وسار للداخل بجانبها هامسًا :
" اليوم كان مليء بالعمل...."

ربتت على كتفه مواسية وقالت :
" هل أجهز لك الغداء...."

هز رأسه نافيًا فارتسم على وجهها الاعتراض المشوب بالقلق ومدت كفها تلامس جبينه قائلة بخوف :
" هل أنت مريض بني... حرارتك ليست مرتفعة.."
قال باستكانة غريبة :
" أنا بخير أمي... كل ما في الأمر هو بأنني مرهق لا غير...."

استأذنها ودخل غرفته الواسعة الفارغة.... غرفة لم يشاركه فيها أخ كما كان يحلم... فهو الابن البكر لوالديه وعندما حملت والدته بطفل آخر لم يلبث إلا شهرين ببطنها ثم توفي .......
كان صغيرًا وقتها... متحمسًا لأخ جديد أو أخت جديدة يمضي معهما وقته... وعندما علم بأنه توفي... بكى... وتألم... تألم حقًا... لكن مع مرور الوقت حماسه خفت.... لكنه لم يختفي.....

رمى جسده على السرير وحدق بالحائط بعينين متأملتين.... فجأة فكرة مجنونة طرأت عقله.... أخرج هاتفه من جيبه ورفعه لمستوى وجهه يطلب رقمها الذي حصل عليه....بطريقة ملتوية.....
رنة رنتين... ثم خانته شجاعته ليقفل الخط بسرعة ويهوي بيده الممسكة بالهاتف على السرير ببعض القوة هاتفًا بأنفاس هادرة :
" تبًا....."

أغمض عينيه وخلال دقائق معدودة كان يسمح لنفسه بالغرق في النوم.....نوم لم يكن عميقًا أبدًا.....

********************
أسبوع مر على آخر مرة رأى فيها ماريا... والتي كانت نفس ليلة عقد القران..... اسبوع ظل متوترًا لا يعرف كيف يتصرف.... هل يتصل بها..... أم هل يذهب ليراها.... أم ماذا....
وماريا أثناء ذلك لم يسمع لها صوت وكأنها نسته.... ونست أنه أصبح زوجها....
العمل مر بشكل اعتيادي وعلياء لم تلمح له عن أي شيء...... لكنها بنهاية الأسبوع طفح الكيل معه واتصل بماريا يخبرها بأنه يريد رؤيتها بعيدًا عن المنزل.....وبكل هدوء وافقت....

وهي الآن تجلس أمامه بإحدى المطاعم المفتوحة ونسمات الهواء تتلاعب بحجابها فيهفهف على وجهها برقة.....
ابتلع ريقه ونظر من النافذة بجانبهما حيث ينتظران قدوم الطعام.. وقال بلطف :
" الجو جميل.. رغم أنه بارد...."

لم تبعد نظرها الشارد بعيدًا وقالت بهمس :
" أحب هذا الجو كثيرًا...."

قطب حاجبيه بخفة وقال برقة :
" تحبين الشتاء! ...."

هنا تحرك رأسها للأمام باتجاهه وردت بنبرة غريبة :
" بل أحب البرد..."

قدوم النادل قطع عليه تفكيره وذهوله بها الذي يتزايد يوم بعد يوم.. وبعد أن غادر قال بلباقة :
" تفضلي...."

أخذت تتناول الطعام ببطء وحركات متمرنة... بينما توقف هو عن الأكل وأخذ يراقبها... يراقب كل حركة ولمسة.. كل شيء بها.......
قال ببشاشة :
" كيف هو الطعام... صاحب المطعم أعرفه منذ زمن وهو صديقي لكنه للأسف ليس متواجد اليوم...."

ابتسمت ابتسامة صغيرة لكنها مشعة بتأثيرها وقالت بصدق :
" لذيذ جدًا.... سلمت يداك..."

وضعت المعلقة على الطاولة ثم رفعت رأسها تقول بصوت شديد التهذيب... لا يعلم لمَ أزعجه :
" شكرًا لك... "

شعر باختفاء شهيته فترك ما بيده ونهض يقول بهدوء :
" ما رأيك بأن نجلس بالخارج...."

بالخارج كان هناك بعض الطاولات ويقف إحدى بائعين الذرة أمام عربته ويبيع الرائح والغادي......
رائحة الذرة كانت شهية فنهض متجهًا إليه واشترى علبتين صغيرتين وقدم إحداهما لها قائلًا باستمتاع :
" إنها ذرة.... جربيها تبدو شهية جدًا... "

تقبلتها منه بشكر وجلس بجانبها بدلًا من أن يستقر بالمقعد المقابل..... لا يعرف لكنه لا يريدها أن تكون بعيدة عنه..... ل. آآآه.... لا يعرف حقًا.....
سيطر الصمت على جلستهما... صمت لم يريده... بل يريد... يريد أن يعرفها أكثر... أن يعرف تلك الإنسانة التي جعلته بخلال شهر يبغض وحدته.... ويفك نفسه من قيود الانعزال.... انسانة لم يفكر كثيرًا بالزواج منها......
" لمَ أشعر بأنك منزعجة من أمر ما...."

لم يبدو على وجهها أي تعبير متفاجئ أو مهتم وردت برد لم يقنعه... :
" أنا لست معتادة بعد... هذا كل ما في الأمر... "

طرقت عيناه ودون وعي يتأمل وجهها... بالأصح شامتها الصغيرة التي تستقر بجانب خدها لا يدركها إلا من يدقق بوجهها.. يدقق جدًا.... وهو لم يتوقف عن فعل ذلك كل حين... وكأنه لم يرى امرأة بحياته من قبل.... أو ربما يريد أن يحفظ كل ملامحها في دماغه حتى لا ينساها أبدًا..... فماريا امرأة لا تـُنسى..!

همس برزانة لا تعبر عن الرجفة التي يخبئها صدره :
" أتفهمك..."

ظهر شبح ابتسامة على شفتيها واحتفظت بصمتها فأردف بهدوء :
" لكن مع ذلك... أرغب كثيرًا بالتعرف عليكِ..."

استدارت بوجهها إليه بحركة بطيئة رافعة حاجبها الأيمن بما يشبه الاستنكار لكنها عندما ردت كانت نبرتها باردة... باردة جدًا :
" من يمنعك؟! ...."

شد على قبضته يكتم انفعاله وود لو يقول.... أنتِ من يمنعني... لا أحد غيرك...
أخرج نفسًا خافتًا ثم قال متجاهلًا ردها :
" الجو يصبح أكثر برودة مع الوقت لنذهب...."

باغتها وهو يسحبها من ذراعها بلطف لتنهض ثم يشد سترتها على جسدها باهتمام... ليزيد الطين بلة وهو يحيط كتفيها بذراعه الطويلة ويحثها على السير.....
كل ما شعرته أخفته بداخلها جيدًا..... وتمسكت بتعابير القوة واللامبالاة كمن يتمسك بقشة لتنقذه.... ثم مشت معه......
لكنها رغم ذلك لم تستطع أن تتجاهل لمسته على كتفها... بدت وكأنها مظلة دافئة.. تحميها من البرد.....

عندما أوصلها للمنزل نزل معها... لم يكن يريد الدخول بل فقط أن يودعها قبل مغادرته لكنها استدارت له وقالت :
" هل ستدخل؟..."

هز رأسه نافيًا ثم قال بخفوت :
" لا... لدي بعض الأعمال..."

قالت بنبرة عادية قبل أن تستدير وتدخل :
" حسنًا.. إلى اللقاء..."

أمسك بذراعها بلطف يمنعها من الابتعاد ثم أدارها أليه وهو يقترب منها قليلًا... دارت حدقتاه على كامل وجهها.... ليجد يداه دون وعي منه ترتفعان وتحتضنان هذا الوجه الناعم.....
أحس باضطرابها لكنها اسبلت جفنيها بصمت فهمس :
" وجهك بارد بعض الشيء... "

لم ترد عليه إلا من نفس مرتعش أطلقته شفتيها فاغمض عينيها وانحنى يقبل خدها بارتجاف لتسري هزة تهز جسده بخفة... رباه.. هل هذا تأثيرها.... أم ماذا..... ما هذه المشاعر المتضخمة التي يشعر بها... وكأنه بداخل فيضان... كبير جدًا....

ابتعد وهمس :
" إلى اللقاء...."

أنزل يديه بجانبه وانتظرها لتغادر لكنها ألتزمت مكانها رافعة نظرها له.... ومع أنه يعلم بأنها لا تراه الآن لكنه شعر بتوتر طفيف.... ورغبة كبيرة بأن يضمها لصدره ولو لثانية.....
طرفت عيناه بينما يشاهدها تقترب أكثر ثم ترتفع كفها ببطء وتحط على خده تلامسه..... وكل هذا وهو تحت الذهول والتأثر بشكل كبير..... ابتسمت بخفة وهمست :
" كنت أظن بأنك حليق اللحية..."

أنزلت يدها وتابعت :
" لا تلحقها... حسنًا.."

في لحظة هو مد ذراعيه... وفي نفس اللحظة في ابتعدت ملقية آخر كلمة :
" إلى اللقاء.. وليد"

أنزل ذراعيه جانبًا واتكئ على سيارته يحاول لملمة نبضات قلبه المبعثرة هنا وهناك......
ماريا... إنها تفعل به الأعاجيب.... وهو لا يعترض ولا يريد الأعتراض يومًا....

*************************
بهدوء وبنظرات متبادلة خفية بينه وبين والده كانا يجلسان بمكتب مدير إحدى المصانع الصغيرة... ينتظران قدوم المدير نفسه..... كل شيء حولهما كان يشير لحداثة المكان وبساطته ويبدو أنه بدء العمل منذ فترة قصيرة.....
هز قدمه بتوتر وبشكل مستمر ليقف فور أن دخل المدير.. رجل يبدو بعمر والده والسماحة تبدو على وجهه....
حياهما وجلسوا جميعهما ولأنه لم يكن لديه من الصبر على المجاملات أخرج من جيبه صورة صغيرة وقدمها للرجل قائلاً :
" هل تعرف هذا الرجل...؟"

حدق الرجل بالصورة لبعض لحظات ثم ارتسم على وجهه الفضول وهو يجيب :
" نعم... لقد كان من بين موظفين هذا المصنع..."

وضع يده على المكتب وتقدم بجذعه نحوه وهو يسارع بالقول :
"وأين هو الآن...."

كما ارتفعت آماله عنان السماء نزلت وتحطمت على أرضية الواقع وهو يسمع رد الرجل المُحبط :
" لقد سافر منذ حوالي الشهر... ولم نعد نسمع عنه شيئًا.... "

خبط بكفه عدة مرات على المكتب بغضب ويأس هاتفًا :
" كم أنا غبي.... غبي... غبي..."

ثم نهض يلحقه والده وعند السيارة وقف يهدر بانهيار أعصاب :
" ضاعت شمس يا أبي... ضاعت.... وها هو الزبون الهارب أختفى أيضًا..... كيف سأجدها... كيف.... "

وهنا اختارت السماء أن تبكي معه..... فبدأت تمطر بخفة ثم تزايد المطر بحدة وبلل ثيابه ليهمس بحرقة وقلب نازف :
" شمس..."


يتبع بالجزء الثاني الخميس القادم بإذن الله


Siaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس