عرض مشاركة واحدة
قديم 06-11-18, 09:09 PM   #7823

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

حي الـ(....)

امام بوابة بيت العطار ترجلت شذرة من السيارة وهي تلقي تحية المساء فتنسحب تاركة رقية ورعد بمفردهما ..

أرخى رعد رأسه للخلف مغمضاً عينيه وكأنه عاد للتو من رحلة طويلة مضنية ...

يده تتحرك لتبحث عن يدها حتى وجدها فيقول بابتسامة مشاكسة محببة " يدك صغيرة .. كأنها يد طفلة .. حتى خداك كخدود الاطفال التي تستفزني دوماً لاشاكسهم واعضها ..."

يفتح عينيه وهو يميل بوجهه جانبا ناظرا اليها فيراها عابسة بطفولية وانوثتها مستاءة !

يمد يده الاخرى ليقرص خدها هامسا بصوت مبحوح " كلك اشبه بطفلة يا كل الرقة .. لكن داخلك .. جبارة عنيدة .."

انفردت ملامحها وهي تنظر اليه وحدسها ينبؤها انه يريد قول شيء مهم ..

يبتلع ريقه وهو يبعد يده عن خدها بينما يده الاخرى تشدد احتضان كفها ليسألها بهمس أجش " هل تظنين .. ان عمي... يسامحني ..؟"

تعقد حاجبيها وهي تدعي عدم الفهم وتسأله

" يسامحك على ماذا بالضبط ؟"

يكتسح الألم وجهه حتى شحبت بشرته ثم يقولها صريحة

" لاني طعنته في .. عرضه .. في شرفه .. وهو .. غافل ... وتركته غافلا حتى موته .."

عبوسها هذه المرة كان حقيقيا وابدت غضبا موجهاً اليه وهي تواجهه بما يحتاج سماعه اللحظة " توقف عن التفكير بالامر بهذا الشكل .. تلك المرأة المهووسة تتغذى على شعورك بالذنب.. لقد راقبتها الليلة بتمعن .. من نظرة عينيها .. من نبرة صوتها وهي تكلمك ... كل شيء فيها توظفه لتشعرك بالذنب .. تشعرك ان القذارة تجمعكما لتسحبك اليها.. انها مقززة وتكاد حقاً تثير شفقتي.. "

يتمتم بشرود وكأنه يعود للماضي " ربما .. انت محقة .."

تشده اليها بالكلام وهي تقول بجدية " فكر بشكل ايجابي .. مؤكد حاولت معك بعد عودتك وانت قاومتها.. على الاقل انا شهدت مقاومتك لها ليلة دار الازياء.. هل تذكر .. كنت ستخنقها لولا تدخلي .. خفت عليك ان تفعلها وتتورط بالجرم بسببها .."

يهز رأسه وكأنه يجد رأس خيط يتتبعه ثم يقول معترفاً " هل تعلمين ... تلك الليلة في دار الازياء كانت المرة الاولى التي اواجه ما حصل بشكل مختلف .. كان شعورا مخيفاً .. شعرت وكأن روحي تفارقني وتتفرج علي معها.. وكأنها تريني نفسي قبل عشر سنوات .. تريني نفسي معها .. كيف كنت .. شعرت بالشلل وكأن اللحظة توقفت وانا انظر للماضي بتجرد عجيب .. ثم .. انتابتني ثورة غضب مهول .. حتى اني اوشكت ان افرغه فيكِ انت .. شعرت بالغضب يكتسحني ويسحقني سحقاً .. لقد شعرت .. شعرت .. بالغضب والتشتت لاجل ذاك المراهق الوحيد التائه الذي تحمل فوق ما يستطيع تحمله او التعامل معه .. مراهق يمر بتجربة لا يستوعبها على الاطلاق ولا يملك خبرة او احداً يوجهه.."

اخذت تشجعه ليستمر وهي تقول " نعم .. هذا ما اريدك ان تفعله دوماً .. انظر لـ(رعد المراهق) بعيني رعد (الناضج) اشفق عليه من هذا الذنب العظيم الذي تحمّله اياه فوق طاقته طوال هذه السنوات .. سامحه يا رعد .. سامح نفسك .. "

اغمض عينيه من جديد وما زال الخزي يلاحقه رغما عن أنفه .. لم يكن سهلا ان يمحوه ...

قال بهمس عميق مؤثر " لسنوات طويلة لم استطع المسامحة .. كنت فقط.. اخدّر نفسي بتجاهل .. وجود.. الذنب .."

لم يكن يراها .. لم يكن يشعر كم لمس موضعا حساسا داخلها .. كانت تفهمه .. تفهمه جدا بل وتتفهم حالته اكثر مما يتفهمها هو ..

قالت بنبرة مبهمة ومعبرة بطريقة متناقضة

" انت كنت تتجاهل.... الألم.. ! "

كانت تعبر عنه لكنها تعبر عن نفسها في ذات الوقت ...

فتح رعد عينيه وهي شعر بنبرة صوتها الغريبة كما اثارت انتباهه بتلك الجملة ..

نعم .. هو كان يتجاهل الذنب لانه يتألم منه.. كان يهرب فعليا من ذاك الألم ...

ينظر الآن الى وجه رقية وتعابيرها الساهمة المبهمة ويتساءل في نفسه عن سرّها الذي تخفيه ...

همس اسمها فتنبهت اليه وابتسمت فجأة وكأنها تخفي بابتسامتها هذه لحظتها العابرة..

عيناه لم تنخدعا بالابتسامة فتطالبانها بصمت ان تتكلم .. فترتعش ابتسامة رقية وهي تهمس " في يوم ما سأحكي لك حكاية طلبت سماعها مني .. حكاية فتاة صغيرة اسمها كل الرقة .. قررت ان ترمي وراء ظهرها اي حدث يؤذيها فـ..ـيضعفها .. الضعف ألم .. وانا امقت الألم .... وان لم استطع منعه من الوقوع فاستطيع بارادتي الصلبة أن أمحوه..."

ثم رفعت يدها لتفرقع باصبعيها وهي تضيف بارادة حديدية " امحوه هكذا ... وكأنه غير موجود .. وكأنه لم يحصل اصلا .."

رغم الصلابة والشجاعة والارادة الا ان عينيها دمعتا.. كانت خلابة بقوتها وضعفها معاً ..

كانت نابضة بهما معاً ولا تخش شيئا ..

همس بصوت أجش " احكيها لي اليوم "

تهز رأسها وهي ترد " لا .. ليس اليوم ..."

يدها اخذت تبحث عن عتلة الباب وهي تضيف

" اذهب ونم .. انت مرهق .."

لكنه لم يفلتها وهو يصر بإلحاح

" اريدك معي.. تعالي لنخرج الى مكان سوية.. سيارة عبد الرحمن ستبقى معي حتى عودته من السفر .."

ثم يرفع كفها لفمه يلثم باطنه بطريقة عاطفية دافئة وهو يضيف بصوت مبحوح

" كما ان هناك أمر آخر .. لم اطلعك عليه حتى اللحظة .."

عاد اليها ذاك الحدس ينبض داخلها .. هناك شيء اخر يقض مضجعه ويريد البوح به ..

يطبع المزيد من القبلات في راحة يدها فترتعش وهي تهمس له " حسن .. سأخبر امي وأعود اليك .."

يرفع عينيه اليها فيبدو خطيرا للغاية بتلك النظرة ثم يبتسم ليبدو جذاباً وخطراً اكثر ثم يقول بعدها وهو يشير برأسه لملابسها

" واخلعي هذا الرداء الاسود .. البسي شيئا محبباً حلواً شقياً مثلك .."

تهز رأسها وهي تبتسم لـ(خطورته) المثيرة تلك هامسة " نعم .."

لم تمض اكثر من عشر دقائق عندما عادت اليه بهية شقية ببنطال مخطط ابيض وكحلي وبلوزة نارية ...

تبرجها كامل وشعرها مرتب بتسريحة بسيطة تلائم ما ترتديه ...

حالما جلست جواره يهز رأسه وهو يضحك متسائلا " اتمنى ان اعرف كيف تفعلينها ؟! كيف تغيرين هيئتك بهذه السرعة !"

ترفع حاجبيها بغرور وترد " انها الارادة .. بالاضافة الى .. سحري الخاص .."

قالت الكلمتين الاخيريتين وهي تحرك اصابعها في الهواء كامواج البحر فيباغتها ليميل فجأة محاولا عض تلك الاصابع لكنها اسرع منه فتنقذها من عضته ...

يضحك بينما تسأله " الى اين ستأخذني يا عضّاض؟"

فيرد وهو يشغل السيارة " افضل ان تأخذينني انت .."

***


بعد اقل من نصف ساعة كانا في مطعم عائلي مفتوح على ضفاف النهر ..

فاختارت رقية مائدة منعزلة لتجلس معه ...

تمتمت رقية وهي تتطلع لسطح النهر

" بدأ حر الصيف يتراجع .. انها رائحة شهر ايلول قادمة .. هل تعلم ان معدتي ما زالت تنقبض توترا مع رائحة ايلول ؟! رائحة المدرسة والامتحانات ..."

يضحك رعد وهو يشاكسها بالقول " ألم أقل لك انك مجرد طفلة .."

هددته بالقول وهي تعبس في وجهه " أعدها مرة اخرى وستجد الطفلة داخلي ترميك في النهر وسترمي خلفك كل من يحاول اخراجك .."

يضحك ملء شدقيه بينما يأتي النادل ليسألهما عن طلباتهما للطعام ..

بعد انسحاب النادل وهو يدون الطلبات تراجع رعد في كرسيه وقد تلاشى مرحه وتطايرت ضحكته .. ظل يحدق في وجه رقية لبضع لحظات دون ان ينطق بكلمة .. ثم أرخى نظراته للمائدة امامه ليقول بجدية وتوتر واضح " احتاج ان .. اخبرك بأمر .. لم استطع البوح به أول الامس ... لكني .. لا استطيع ابقاؤه لنفسي اكثر من هذا .. "

تساءلت وهي تخفي توترها بشق الانفس

" ما هو ؟"

قالها بصوت خافت " لقد قتلته ..."

ظلت رقية للحظات لا تستوعب حقاً ما يعنيه ليرفع عينيه اليها مفسرا" غيداء قتلت عمي .."

بدت متشككة ومحتارة وهي تسأله " ماذا تقصد ؟! هل تقصد جريمة قتل ؟! لكن كيف قتلته ؟ ألم يمت بأزمة قلبية ؟ "

رد بتصلب " أزمة قلبية بسبب الحبوب الزرقاء.."

تضيق رقية عينيها وهي تتمتم " هل تقصد.. حبوب الـ..."

قاطعها مؤكدا بتوتر مضاعف ويده تلتف حول قدح الماء امامه يعتصره " نعم .. كانت تدفعه لتناولها .. الازمة التي تعرض لها مؤخرا كانت بسبب تلك الحبوب .."

تعقد رقية حاجبيه وهي تخالفه الرأي بالقول " اذن هو من قتل نفسه لا هي .. هو من اختار القبول بالمخاطرة كي يحصل على متعته ويرضي زوجته الشابة بما يفوق قدرته وصحته.. "

ينفعل رعد بعض الشيء وهو يرد على كلامها بالقول " انت لا تفهمين .. غيداء قالتها لي صراحة في المستشفى .. انها تدفعه لتناولها عن عمد وبغيتها موته .. ارادت موته كي ...كي ..."

ارتفع حاجبا رقية عاليا وبدلا من ان تبدي الصدمة فكل ما ظهر على وجهها هو الدهشة والمفاجأة .. ثم قالت وعيناها تلمعان وكأنها تتفرج على فيلم (أكشن) متمتمة

" يا بنت المجانين ! "

كان رعد ما بين حالتين .. اما ان يضحك او.. يضحك ! ردة فعلها كانت عجيبة وغير متوقعة و ... مذهلة ...

لا يعرف كيف فعلتها لتقذف به من فوهة بركان التوتر والشعور بالذنب الى جزيرة مجنونة خلابة تتراقص هي من حوله وتنسيه العالم اجمع وكأن لا عالم حقيقي الا هي...

سألها وهو يريد خنقها وعضها وتقبيلها في لحظة واحدة " ألا يخيفك شيء ! الا يصدمك شيء ! "

تبدو مستغربة منه حقا وهي تسأله " وهل اخافك انت وصدمك ؟!"

يهز رأسه بحيرة وهو يرد بصدق " لا اعلم .. "

تهز رأسه وهي توبخه بطريقتها الخاصة " انت غبي ! سمحت لها أن تتلاعب بعقلك وهي تبثك هذه الافكار .. ماذا جرى لك يا رعد .. لماذا انت بهذا الغباء فيما يخص افعالها المكشوفة لطفل... تشعرني وكأنها امرأة داهية مخيفة كالوحوش لكنها مجرد يائسة بائسة تريد تعويض نفسها عن سنين عمرها الضائعة.." مدت يدها لتفك اصابعه عن القدح الذي يعتصره ثم تضيف بمنطق هادئ

" اسمعني يا رعد .. لنكن عمليين دون مشاعر تشوشنا .. لو كانت غيداء حقا تعمدت فعلها فعمك كان رجلا بالغا ليقرر مدى خطورة ما يتعاطاه كما لن تستطيع اثبات تعمدها مهما حاولت.. "

ثم تلف يدها حول يده وتكمل بفكاهة " اما انت فلا علاقة لك باسباب تلك المرأة المختلة .. والا ستكون مسؤولا حتى عن قتلها المحتمل لخادمتها المسكينة هذه الليلة بعد ان اغضبناها كالجحيم وتركناها تشد بشعرها وسط الشارع .."

لم يصدق نفسه وهو يقهقه ضاحكاً وخيالها الفكاهي يطال خياله ويصور له الخادمة تركض في بيت عمه وغيداء تطاردها بالمقشة ..

تهدأ ضحكاته وتتشابك اصابعه بين اصابعها فيقول لها وهو يتنشق الهواء بعمق " انت محقة يا دمية .. هذا هواء أيلول .. والعودة للمدارس... انه يذكرني بوالديّ رحمهما الله... ابي كان يأخذني في هذا الوقت من السنة الى شارع المتنبي يقلب في الكتب ويتلو اشعار الزهاوي والجواهري ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب .. اسماء محفورة في ذاكرتي رغم اني لم أحب الشعر العربي يوماً لكني احببتها من لسان ابي .. "

كانت انتقالته الى موضوع اخر بهذه السلاسة ساحرا للغاية .. رغم كل ما عاناه ويعانيه فلديه مرونة وحب للحياة ...

تمتمت رقية بالرحمة لوالديه وهي تتذكر والدها عندما كان ياخذها هو الاخر في هذا الوقت لشراء القرطاسية والدفاتر وحقيبة مدرسة جديدة ..

كان يخصها بالدلال لانه يعرف توترها الطبيعي في ايلول مع بداية العام الدراسي الجديد .. على عكس رباب التي كانت تغيظها وهي تبدو في قمة الحماس والنشاط لتبدأ الدراسة ...

أطرقت وهي تخفي غصتها عنه ... غصة من الذكريات ...

وصل الطعام فشغلهما معاً فيأكلان بنهم ويضحكان لفكاهات لا معنى لها .. لقد كانا جائعين للضحك .. كلاهما احتاجاها الليلة..

يتبع...


كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس