تهدهد خلود الصغير يونس بين ذراعيها وعيناها تلمعان بدموع شفافة .. فتهمس لامه
" اللهم صل على النبي .. حفظه الله من كل مكروه واسعدك به يا حبيبة "
تمتمت حبيبة بالشكر ثم سارعت خلود لتسلم الرضيع اليها وهي تخفي تأثرها وتستأذن لمغادرة بيت العطار بعد جلسة سمر دافئة قضتها معهن ..
تحركت اسيا من جلستها على الاريكة ببعض الصعوبة وعيناها على خلود تفيض بالتأثر لحالتها الواضحة فقالت لها
" انتظريني خلود سأعود معك .."
فاسندتها خلود عفوياً لتقف وهي تقول بطيبة " سمي باسم الله ..."
تنظر اليها اسيا بمحبة كبيرة تكنها لها ثم تقول بصدق " انت نعمة من الله يا خلود وشذرة محظوظة بك انت و خليل لانه تربيتك ويحمل قلبك.."
توردت خلود بخجل وهي تتمتم لها بالشكر والدعاء ثم سلمت على الخالة ابتهال تبعتها بالسلام على بنات العطار وهي تحتضنهن وتقبلهن .. حتى وصلت الى رباب فتبسمت اكثر وظلت ممسكة بها للحظات أطول مما جعل رباب تبدي بعض الدهشة لتسألها خلود دون مقدمات " انت حامل .. اليس كذلك ؟"
اتسعت عينا رباب وهي تسأل " كيف عرفتِ ؟"
تشع تعابير خلود حناناً وغبظة وهي ترد عليها
" لقد حلمت بك .."
تشهق ابتهال وهي تقترب من رباب تسألها
" انت حامل بنيتي ؟!"
ترد رباب وهي مشوشة قليلا وتتورد بخجل
" اجل امي .. كنت... سأخبركم الليلة .. اجريت الاختبار وانا في رحلتي .."
قالت خلود بصوت حالم وهي تستذكر منامها
" ستنجبين ولدا مميزا مبهراً عين الله تحرسه.. ابيض البشرة اشقر الشعر .. يأتي للدنيا ومعه يأتي كل الخير .."
تدمع عينا ابتهال من الوصف فتأخذ خلود في حضنها تضمها بقوة وهي تقول " اقسم بالله انت هي كل الخير يا ام سعاد.."
تسأل حبيبة بفضول وهي تربت على ظهر رضيعها " لكن ماذا حلمت بالضبط يا خلود ؟"
ردت خلود ببشاشة وهي تبتعد عن احتضان الخالة ابتهال " حلمت الحاج عقيل يعطيني ديكا ابيضا بعرف ذهبي وقال لي ان اوصله لرباب .."
اخذت رقية تزغرد بشقاوة وهي تقرص رباب لتتناوب بنات العطار على قرصها ومناغشتها ورباب تضحك .. فقط اسيا تنظر الى وجه خلود وتلك الابتسامة منها تعصر القلب ..
الحي الصناعي .. الجانب الغربي
اخذت اشجان تشتم باقذر الشتائم وهي تعيد الاتصال دون ان تحصل على نتيجة ..
دخلت عليها بتول فتصرخ فيها اشجان قائلة
" لماذا لا يرد .. هاتفه مغلق على الدوام .. بل يقول الخط فيه خطأ .. منذ اسبوع وخليل مختفٍ.. ماذا يجري ؟! اين هو ؟ "
ردت بتول بفتور وهي تقترب من سريرها " قلت لك هناك من سرق هاتفه .."
اخذت اشجان تشتم بتول هذه المرة دون ان تأبه بتول لشتائمها وقد اعتادتها منها فتقول اشجان بعدها وهي تنهت من الانفعال الذي لايحتمله جسدها المريض
" لكنه... يستطيع... يستطيع .. التقديم للحصول على شريحة جديدة في .. نفس الرقم .. انا لست جاهلة لتخدعيني .."
ثم ترفع سبابتها نحو بتول وتضيف بعينين لامعتين بدموع الهلع والخوف " لن اسامحك ابدا ان كنت تكذبين .. "
تطلعت اليها بتول وهي تفهم جيدا سر الهلع والخوف الذي ينتاب اشجان .. انها تدرك ان خليل ينسحب نهائيا من حياتها وهي مرعوبة من فقدانه ..
بعزم قررت بتول اتمام مهمتها التي تعاهدت مع ابي سعاد لانجازها قائلة بجمودها المعهود " انا اخبرك بما قاله لي ابو سعاد .. لا اكثر .."
لاح التذلل والتوسل في عيني اشجان وهي تسأل باختناق " ولماذا لا يتصل خليل من هاتف حذيفة .. او من اي هاتف اخر .. "
ردت بتول وهي تضع قدح الماء جوار اشجان قائلة باقتضاب " اسأليه عندما يتصل بك .. انا ليس لدي اجابات .." ثم تركتها وحيدة تتقلب في السرير كأنها تنازع الموت ...
عيناها جاحظتان وسط وجهها النحيل الشاحب وهي تردد بارتعاب " اين تركتني يا خليل .. لا يمكن انك تتخلى عني نهائيا ..لقد وعدتني الاعتناء .. وعدتني البقاء معي .."
لا تعلم كيف خطرت لها ذكرى امها فوجدت نفسها تخنقها الغصة وهي تناجيها " اماااه.."
بيت عبد السلام العبيدي .. اخر الليل
همست الخادمة بصوت خافت عبر الهاتف
" اجل سيدي .. انا اراقبها على الدوام في البيت لا تقلق .. لكنها باتت تخرج كثيرا ولا استطيع مرافقتها بالتأكيد .."
يأتيها صوت وميض بنبرته الباردة الآمرة
" ألم تسمعي لها اي مكالمة مع احد ؟"
فترد الخادمة " اظنها بدأت تشك بي ولا تتكلم بالهاتف امامي الا نادرا وبصوت منخفض لا استطيع سماعه .. "
ينهي وميض الاتصال وهو يحثها بنوع من القسوة على الانتباه لسيدتها غيداء اكثر وبذل جهد مضاعف لمعرفة المعلومات..
على كرسيه الجلدي في مكتبه الفخم في المصنع يجلس وميض وعيناه تومضان بالظلمة..
ينظر حوله ويشعر بالفخر .. يكاد لا يحب مفارقة هذا المصنع حتى اواخر الليل ..
لكنه منذ وفاة عبد السلام وينغص عليه شعور بالخطر يتربص بـ(املاكه) وما قضى السنوات الطويلة من عمره للحصول عليه وتنميته ليكون ثروة ضخمة ..
يشتد السواد في عينيه اكثر واكثر وهو يفكر انه يفضل الموت على القبول بالتخلي عن شبر واحد من املاكه هذه .. ثم يتمتم بقسوة مخيفة " ماذا تخططين يا غيداء ؟!"