عرض مشاركة واحدة
قديم 08-11-18, 11:50 PM   #836

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الواحد و العشرون





في قاعة الاستقبال ، وضعت شاهيندا كوب القهوة على طرف الأريكة الخشبي و هي تنظر باستغراب إلى أبيها الذي يتجه بخطوات سريعة إلى الباب الخارجي دون أن يهتم حتى بتحيتها .
- صباح الخير بابا ، قالت بهدوء يخفي في طياته الكثير من اللوم .
- صباح النور ، أجابها و هو يعود على عقبيه و ينحني يقبلها بآلية .
- بابا ، سألت بقلق و هي تتبع بطرف أصابعها بقعا محمرة متتابعة على رقبته ، ما هذا ؟
- ماذا ؟ ماذا يوجد برقبتي ؟ سأل و هو يرفع يده يتحسس بشرته .
- يبدو كأنه طفح جلدي .

اضطربت نظراته قليلا أمام عينيها القلقتين ثم قال بلامبالاة متعمدة :
- لا بد أني أكلت شيئا ما لم يلائمني .
- هل ستتناول إفطارك ؟
- كلا ، أجاب بتجهم خفيف و هو يضع يده على معدته ، لدي عسر هضم منذ البارحة .

راقبته ينصرف بينما توقفت عيناها قليلا على كتفيه المنحنيتين على غير عادته .
هذه الأيام ، تشعر أنها تعيش أكبر تمزق في مشاعرها المشدودة بين أبيها و أمها .
والدها بالغ هذه المرة ، بالغ جدا ، يكاد يعلنها صراحة أنه لديه عشيقة و أنه مهووس بها و لا يطيق بعدا عنها .
طوال الوقت شارد بأفكاره بعيدا عنهم و عما يحتاجونه منه ، يقوم من مجلسه فورا ما إن يرن هاتفه و هو لا يحاول حتى إخفاء ابتسامته المستمتعة .
إلى درجة أن أمها التي دائما تحاول الهروب من واقعها المر معه لم تستطع إلا أن ترضخ أمام الأدلة المنثورة أمامها باستفزاز .
لكل هذا هي شخصيا تجد نفسها عاجزة عن الشفقة عليه حتى و هو يبدو لها متعبا مضعضعا كما لم تره أبدا من قبل .
يتجول متوهج الوجه ، لامع العينين كأنه يعاني حمى لا تزول ، وكلما سألته عن حاله لا يجيب سوى بجملة واحدة :
- صداع غبي يلازمني منذ أكثر من أسبوع .

قامت من مكانها لتخرج هي أيضا و قد نسيت أمر قهوتها تماما .
.
..
...
في الساعة السادسة مساءًا ، بعد ساعات قضتها خارج البيت بين المدرسة صباحا و بيت خالتها بعد الظهر ، جلست في ركن منزو من كافتيريا النادي تهز رجليها بتوتر واضح بينما تنتظر قدوم عصام .
مع أنه أخبرها بأن اليوم غير مناسب كونه مرهق جدا و مزاجه غير مظبوط لكنها أصرت لأنها اليوم فعلا تحتاجه .
تحتاج أن تضيع بعض تشتتها داخل محيط اتزانه ، أن تذيب حيرتها في دفء مشاعره نحوها .
تحتاجه جدا و رغم ذلك تأخر ، تأخر جدا .
قامت تسير بخطى بطيئة حتى باب الكافتيريا ، تجولت بعينيها قليلا في الخارج ثم زفرت بتوتر و التفتت تعود إلى كرسيها .
بعد دقائق مملة خانقة أخرى قامت ثانية تتوجه للخارج ، سارت ببطء و هي منشغلة بهاتفها تحاول أن تتصل به عندما شعرت فجأة بسائل حارق ينسكب على ذراعها .
- آي ، صرخت بأعلى صوتها .

حدقت إلى كم سترتها الذي اصطبغ بلون القهوة الأسود ثم رفعت عينيها الملتهبتين إلى النادل الذي وقف ينظر إليها بجمود بعد اصطدامه بها .
تقدمت منه بغضب مشتعل و هي تصرخ في وجهه :
- هل أنت أعمى يا حيوان ؟
ثم ما هذا البرود الذي يسري في دمك يا سافل ، تسكب علي القهوة الساخنة و تقف كالأخرس لا تحاول حتى أن تعتذر .
هل أنت ..
- شاهيندا !

التفتت بسرعة و هي تسمع اسمها منه لتجده فقط على بعد خطوتين منها ، حيته بصوت ما يزال يرتجف غضبا ثم سارت أمامه إلى طاولتهما .
لدقائق طويلة بطيئة ظلا يتبادلان صمتا ثقيلا متوترا قطعه هو أخيرا و هو يقول ببرود :
- ما ذنب ذلك الشاب المسكين لتنفثي عليه كلماتك المسمومة ؟

" مسمومة ؟ " ، نظرت إليه لثوان بذهول ثم قالت بحدة :
- ذنبه أني غاضبة و أن حظه النحس وضعه أمام وجهي .
- و ما ذنب خلق الله أن يتحملوا غضبك و كل هذا القرف الذي يخرج من شفتيك .

" قرف " ، ترددت الكلمة بداخلها و شعور كبير بالخواء يسكن أعماقها .
- أنت لا أنت تعرف ظروفي هذه الأيام ، لا تعرف بكل ما أمر به ، لا تستطيع أن تشعر بكمية الغضب التي تحرقني من الداخل .

نظر إلى وجهها الممتقع و عينيها الذابلتين ثم قال بهدوء :
- أخبرتك أكثر من مرة أن غضبك توجهينه لمن يستحقه ، لكنك تتجاهلين الشخص الذي يؤذيك بالفعل و تستمرين بتوجيه طاقات غضبك نحو أناس لا ذنب لهم مثل ذلك الشاب المسكين .
- ذلك المسكين بسبب غباءه سكب القهوة الساخنة على ذراعي و لم يعتذر حتى .
- و مع ذلك لم يستحق كل تلك الكلمات القاسية ، ضعي نفسك مكانه و افهمي أنه مجرد شاب من بيئة متواضعة كل ذنبه أنه يسعى لكسب قوت يومه .
- و أنت الآن تحاول أن توازن الاختلال المجتمعي الطبقي عن طريق التقليل من شأني ؟ هل هذا ما تفعله عصام ؟

راقبته يزفر بقوة فاشتعلت نار غضبها أكثر و استمرت تقول بنفس الحدة :
- اسمعني جيدا عصام ، أنا عندما أكون غاضبة أصبح عمياء لا أفرق بين أمير أو غفير ، عندما أغضب لا أتحكم فيما أقوله .
و الكلام الذي قلته لذلك الشاب المسكين كنت لأقوله لأي شخص قام معي بنفس الموقف و لو كان ابن وزير و ليحصل ما يحصل و لتنطبق السماء على الأرض ، المهم أن لا أكتم ما بداخلي .
عندما أنفجر في وجه شخص لا أفكر في مركزه الاجتماعي و لا يهمني رصيده البنكي ، هل تفهمني عصام ؟
- ما شاء الله ، قالها ببرود زاد من هيجان أعصابها .

وقفت بحدة و هي تدفع كرسيها إلى الوراء بعنف .
- شاهيندا ، تمتم من بين أسنانه بتحذير لكنها لم تبال ، تشعر بقرف كبير من الوضع برمته .

عادت للجلوس ثم ضربت على سطح الطاولة مرتين و هي تقول بصوت ترتجف نبراته غضبا :
- لماذا تشعرني بأنها يجب أن تكون حربا بيننا
لماذا يجب أن يكون هناك فائز
لماذا تصر أن تكسرني ؟
- أنا لا أريد أن أكسرك ، أنا أريد أن أحطم كل ما هو سيئ بداخلك لأبني بدلا منها صفات أحسن .
- لا تحطمني عصام ، إن كنت تريد كسبي ، احتويني ، أحطني .
- كيف أحتويك يا شاهيندا و أنت شائكة بهذا الشكل ؟

رفت برموشها غير مصدقة .
- شائكة ؟ أنا شائكة ؟
وأي صفة تطلقها على نفسك عصام ؟
طوال الوقت تحقيقات ، أسئلة و استفسارات ،
طوال الوقت افعلي هذا و توقفي عن فعل ذلك .
أنا أتساءل أصلا لماذا أعجبت بي و أنت تظنني بهذا السوء .
- لماذا كنت لأطلب الزواج منك لو كنت أراك بذلك السوء ؟ سأل بصبر .
- لا تسألني أنا ، اسأل نفسك .
كل شيء في أسلوبك ، في ملاحاظاتك لي ، في طريقة تعاملك معي يدل على أنك ندمت على قيامك بهذه الخطوة .
- ندمت ؟
- نعم ندمت ، ألم تلاحظ مثلا أنك تبخل علي حتى بكلمة أحبك .
كل ما قلته لي حتى هذه اللحظة هو أن مشاعرك نحوي قويه جدا .
و صدقني أنا أصدقك ، أضافت و هي ترفع يدها تقاطعه ، أصدقك و جدا كذلك ، مشاعرك نحوي بالفعل قوية للغاية ، لكن دعني فقط أوضح لك ما هي هذه المشاعر ،
مشاعر رفض ، مشاعر غضب ، مشاعر نفور ، مشاعر كره .
- كره ؟ كرر الكلمة و هو يتأملها مضيقا عينيه .
- نعم كره ، في أعماقك مازلت تكرهني ، لم تكف عن كرهي يوما ما لذلك ما إن تتاح لك الفرصة ، عند أول موقف ترى فيه ما لا يعجبك مني تنفجر في وجهي .

صمتت قليلا تستجمع أنفاسها الغاضبة ثم أضافت بصوت أهدأ :
- ربما لا تكرهني شخصيا لكنك تكره كل شيء يتعلق بي
تكره أفكاري ، تكره أسلوب حياتي ، الطريقة التي نشأت عليها و كل شيء و أي شيء يتعلق بي .
و السؤال الآن عصام : هل تريد أن تتزوجني أم تنتقم مني ؟

تنهد بعمق و هو يتأمل ملامحها الشاحبة المرتجفة قبل أن يقول بهدوء يحاول أن يمتص بها غضبها :
- أنا فقط أضع النقاط على الحروف شاهيندا .
- أنت لا تضع نقاطا عصام ، أنت تضع سكاكين .
أنت تجرح ، أنت تمزق ، أنت تدمي .
و أنا تكفيني جراحي قبل أن أعرفك عصام ، تكفيني و زيادة .

رفعت كفا مرتعشة تمسح دمعة هاربة على خدها ثم أضافت بصوت خافت :
- أنت تضغط علي كثيرا يا عصام أكثر من اللازم و تنسى أنه لا يوجد أحد من الممكن أن يتغير بين ليلة و ضحاها .

صمتت طويلا و هي غافلة عن نظراته المسلطة عليها ، غارقة في أفكارها السوداء .
كانت تسعى لأن تختار رجلا أبعد ما يكون عن أبيها لكنها وقعت في ما تهرب منه و أحبت رجلا يحاسبها على حبها له كما يفعل أبوها بالضبط ، اختارت من يؤذيها بمشاعرها نحوه .

ببطء وقفت ثم بدأت تنزع خاتمه من إصبعها .

- شاهيندا ، سمعت صوته المحذر مرة أخرى لكنها تجاهلته تماما بينما تتساءل كيف ستعيد خاتمه له ، هل تلقيه في كوب قهوته أم ترميه له أرضا ؟
أو ربما عليها أن تبتكر هذه المرة و تقوم بحشره داخل حلقه ليختنق به كما تختنق هي بدموعها في هذه اللحظة .
كلا لن تقوم بتغذية مزيد من حقده الطبقي لذلك سيطرت على براكينها الداخلية و وضعت الخاتم على الطاولة بكل الهدوء الذي قدرت عليه .
توقفت يدها الممتدة إلى حقيبتها و هي تسمعه يأمرها بصوت خفيض :
- أعيدي الخاتم لإصبعك شاهيندا .
- أو ماذا ؟ قالت و هي تهز كتفيها باستخفاف ، سيكون هذا آخر لقاء بيننا ؟ فليكن ، بصراحة لم أعد مهتمة .

تجاهلت ذلك التعبير القاتم المعتاد في نظراته إليها ، أعطته ظهرها و سارت مسرعة تبتعد عن كل شيء ، كل شيء .
سمعت خطواته خلفها قبل أن يصبح في ثوان بجانبها .
- تعالي معي ، سأوصلك ، سمعته يقول لها و هي تشيح بوجهها بعيدا عنه حتى لا يرى دموعها الخائنة ، لن تستطيعي القيادة و أنت في هذه الحالة .

بعد قليل ، كانت تجلس بجانبه داخل سيارته و هي تضم شفتيها بقوة كي تمنع شهقاتها من الخروج بينما واصل هو القيادة بصمت دون أن ينظر نحوها و لو نظرة خاطفة .
ما إن توقف أمام بيتها حتى خرجت تعميها دموعها عما حولها لدرجة أنها لم تلاحظ إعادته للخاتم إلى حقيبتها .
توقفت في منتصف المسافة عندما سمعت هاتفها ينطلق بالرنّة الخاصة به هو .
- أحبك ، أتاها صوته مختنقا بعاطفته ، لا تتحركي و إياك أن تستديري ، أنا بالكاد أمنع نفسي عنك .
لا تعرفين ما الذي أتمنى فعله الآن و سبحان من يرزقني الصبر عنك في هذه اللحظة .
أنا جاف معك ، أعترف لك بذلك و لكن ليس لأني لا أحبك .
بل لأني رجل يسعى لأن يؤسس زواجا ناجحا مع المرأة التي يحبها
لست صعلوكا يتسكع مع فتاته على الكرنيش يشتري مشاعرها بكيس من اللب و بعض الكلمات الرخيصة .
أنا أتصرف معك هكذا لأني لا أنوي أخذك في رحله غرامية قصيرة ثم أتخلى عنك أو عن حبك عند أول معترك يصادفنا .
أنت ستصبحين زوجتي يا حبيبتي
زوجتي
زوجتي
حتى آخر عمري
حتى آخر رمق في حياتي .
هذا ما أريده
لكن إن كنا سنبقى هكذا على وضعنا أنا صخرة و أنت صخرة فاصطدامنا سيولد نارا
سيولد حريقا يأخذ في طريقه كل ما هو جميل بيننا و يحوله إلى رماد .
أنا تغيرت من أجلك ، من قال بأني لم أتغير ،
هل تعتقدين أن عصام بطبعه القديم كان ليرضى على نفسه أن يرتبط بفتاة يعتبرها المجتمع أفضل منه في كل شيء تقريبا .
تقولين بأني أضغط عليك ، بالفعل يا حبيبتي لكن ليس لأني أريدك أن تنفري و تَفِرِّي بل لأني توقعت أن لديك في قلبك من العاطفة مثل ما لدي من أجلك .
- بل أكثر يا عصام ، تمكنت من القول أخيرا بين شهقاتها .

تنهد بعمق ثم قال بهدوء حان :
- و الآن أعيدي الخاتم حبيبتي ، أنا مرهق
- لدي شروط أولا عصام .
- قولي ، تمتم باستسلام .
- من الآن فصاعدا تتركني أتصرف على راحتي مع أفراد أسرتك ، أقدم هدايا متى أشاء و كيفما أشاء .
لأنك إن لم تفعل فسأظل مقتنعة بداخلي أنك لم تقبلني تماما في حياتك و أنك مازلت تفصل بيني و بين أفراد عائلتك و تعاملني على أني غريبة .
- موافق يا شاهيندا و لكن على شرط أن لا تكون الهدايا مبالغ في ثمنها .
- المطلوب مني مثلا أن أشتري هدايا لأقاربك من سوق المواد المستعملة ؟
حبيبي اتركني على راحتي تماما في هذا الموضوع ، أنا أهدي الشخص الذي أمامي بناء على قيمته عندي .
و أنت كن مطمئنا على كرامتك مني و لا تقلق لأني لن أهديك أي شيء .
ما رأيك .

أجابها بضحكة هادئة قبل أن يقول بإرهاق :
- هل من حقي أن أذهب لأنام الآن ؟
- على شرط أن تقضي ليلتك تحلم بي لأن هذا ما سأفعله في هذه الليلة .
سأحلم بك حبيبي .

………………………


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس