عرض مشاركة واحدة
قديم 01-12-18, 12:00 AM   #1108

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الرابع و العشرون ( الجزء الثاني )





دخل شادي مركز العلاج الطبيعي الذي يرتاده والده ليتم إعادة تأهيل جسده بعد الشلل النصفي الذي تعرض له جانبه الأيمن .
الدكتور المتابع أعلمهم أن الإحاطة المعنوية تشكل عاملا مهما في استجابة المريض لذلك قسم الأيام بينه و بين شاهيندا ليأتي أحدهما و يقله بعد انتهاء جلسته مع المدلك و يأخذه إلى الغذاء خارجا و لو رغما عنه .
خاصة و أن الجو داخل البيت جامد جدا كجمود أمه الغريب الذي يرفض أن يزول .
شردت نظراته و هو يتذكر مجافاتها المستمرة لأبيه و تلك الجملة الغريبة التي قالتها له حين كان والده ما يزال في المستشفى ، حالته ليست مستقرة تماما و هي جالسة في البيت بكل هدوء .
" ذهابي إليه من عدمه لن يمنع قدر الله "
هز رأسه بضجر و هو يتوجه كالعادة إلى قاعة الآلات الرياضية المختلفة حيث من المفترض أن يتواجد والده لكنه لم يجده .
خرج من القاعة يتوجه إلى مكتب المسؤول عندما سمع صوت ضحكات أنثوية غير بعيدة ، خطى خطوتين إلى الأمام عندما خيل إليه أنه يسمع صوت أبيه .
قطب جبينه قليلا ثم توجه نحو مصدر الضحكات .
وجده أخيرا في الصالة الفاصلة بين غرف التدليك ، واقفا مستندا بكوعه على زاوية رخامية و هو يتبادل حديثا ما مع فتاتين من العاملات داخل المركز .
تجهمت ملامحه فورا و هو يلاحظ نظراتهما الجانبية إلى بعضهما البعض ، وقف في مكانه و هو يراقب إحداهما تخرج هاتفها من جيب ردائها القصير لتتبادل الأرقام مع والده بينما شبح ابتسامة مستخفة يتراقص على شفتيها .
رأى أباه يستدير مغادرا مكانهما ، يبتسم له ابتسامته النصف مشلولة و هو يلمحه قبل أن يبدأ بالتقدم نحوه ، يعرج بشكل خفيف ليتوقف فجأة و هو يسمع ضحكات الفتاتين المكتومة خلفه .
نقل شادي نظراته منهما إلى وجه أبيه و . . . . .
رأى تلك النظرة الذليلة في عينيه .
ظل متجمدا في مكانه و هو يشاهده يتجاوزه بخطواته الثقيلة ، يهرب بما تبقى من كرامته .
لا يدري كم ثانية مرت عليه بعد أن شيعه بنظره حتى اختفى من المكان ، نظر إلى الأرض قليلا ثم رفع عينه و بدأ بالتقدم نحو الفتاتين .
لاحظ و هو يقترب أن إحداهما عدلت من وقفتها فورا لتبرز صدرها أكثر و هي ترسم ابتسامة ترحيب تخفي في طياتها معنى آخر يعرفه جيدا .
صعدها بنظره ببرود ، فتح فمه ليقول لها شيئا ما و فجأة داهمه إحساس غريب لم يشعر به أبدا من قبل ، شعور بالخواء الشديد ملأ قلبه و روحه .
و لأول مرة في حياته عجز عن رؤية صدرها العامر ، عن تأمل شفتيها المكتنزتين ، عن الاستسلام لتيار الإغواء في عينيها .
كل ما رآه كان الجوع .
جوع وصله من نظراتها إليه ، من الطريقة التي تعرض بها جسدها عليه .
جوع .
جوع يعرفه جيدا ، جوع مألوف له لأنه قضى سنواته الأخيرة يحاول إشباعه و هو يعرف يقينا أن هذا الجوع بالذات لا يشبع .
هذه الرغبة بالذات كلما جاراها كلما التهمت روحه أكثر .
أفاق من أفكاره على صوت الفتاة ليعطيها ظهره و ينصرف و هو مازال يشعر بالخواء .
توقف و هو يرى أحد الشباب العاملين يتوجه نحوه .
- السيد أنور طلب جلسة تدليك استثنائية لظهره و طلب مني إعلامك بأن لا تنتظره لأنه سيعود مع السواق .

أومأ شادي برأسه دون كلام و غادر و هو بالكاد يستطيع الشعور بما حوله ، تزايد الشعور بالخواء داخله و شعر بكمية عبث لا تطاق في هذه الحياة ، حاول أن يسترجع لا مبالاته ، ابتسامته المسترخية ، أي شيء يميز شادي الذي لا يهتم و لكنه عجز تماما .
هل هذه هي الحياة ؟
هل هذه هي الدنيا التي يتكالب عليها هو و غيره ؟
حيث كل شيء قد ينتهي في لحظة ؟
كمية عبث لا تطاق بالفعل ، فكر و خطواته تأخذه إلى مكان سيارته .
وقف فجأة و هو يشعر بأنه لم يعد يعرف أين هو ، من هو ، إلى أين يسير ؟
دائما ما كان يحتقر مؤيد و أمثاله لأنهم لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم ، لا يستطيعون تغليب صوت العقل على صوت الغريزة .
لكن ماذا عنه ؟ ماذا عنه هو شادي ؟
هل يستطيع حقا أن يسيطر على نفسه ؟
لطالما تهافتت النساء عليه دون غيره حتى شعر بأنه أسد وسط الرجال .
و نسي أنه حتى الأسد تدور عليه الدنيا ، لا ترحمه الأيام ، يقسو عليه الزمن .
و يضعف
و يعجز
و يفقد مكانته .
دخل سيارته أخيرا ليجلس لدقائق دون حراك ، يتذكر منظر مشهد ذلك الأسد الهرم الذي رآه مرة يدور بلا هدف داخل محبسه هزيلا متعبا يحني رأسه بذل ليتناول لحوما قديمة غير طازجة لا يدري مصدرها ، يأكلها مجبرا لأنه كبر على الصيد و الملاحقة .
يأكل بذل و هو يتذكر على الأرجح صولاته و جولاته في عالم لن يعود ، عالم مزدهر بالفرائس الحية .
فرائس كثيرة ، متنوعة ، مثيرة ، لا تنتهي ، لا تنتهي ...
يذكر كل ذلك على الأرجح و يواصل التهام ما وضع أمامه ببؤس ، دون أية متعة ، لكنها فقط غريزة الجوع الأقوى منه .
لأن الأسد و لو كان أسدا يظل حيوانا .
و ماذا عنه هو ؟
إلى ماذا سيتحول مع الأيام ؟
ألن يتحول إلى أسد ذليل حبيس مع الوقت ؟
هل سيقدر على السيطرة على نفسه في الوقت المناسب قبل أن يصبح فرجة ؟
قبل أن يصبح أضحوكة ؟
قبل أن يقف يوما ليستقبل في قلبه نظرة الاحتقار الممزوج بالشفقة من عيني ابنه هو ؟
فتح جميع النوافذ و انطلق في الطريق الطويل ، تتابعت النسمات القوية على صفحة وجهه بينما في أعماقه يشعر بالاختناق .
أليس محبوسا داخل حياة لا يعرف غيرها ؟
و سيتسمر حبسه
لأنه ستكون هناك دوما مزيدا من الصدور البارزة ، من الأفخاذ العارية ، من المنحنيات و المنعرجات .
الإغراءَات لن تكف يوما عن التواجد .
و هو إن ظل على وضعه هذا لن يكف يوما عن اللهاث وراءها ، لن يستطيع أن يكتفي أو يرضى .
دوامة كبيرة يشعر بها تأخذه من نفسه و تجرفه بعيدا بعيدا لتخفيه داخل أعماقها المظلمة كما أخفت الملايين قبله .
الملايين الذين نسوا كيف يكونون رجالا .
إن ظل على وضعه هذا سيصبح يوما رخيصا لا يشعر تماما كعاهرة تعودت على بيع جسدها حتى صار ذلك جزءًا من ذاتها و من كينونتها .
سيصبح يوما ما مثل أبيه ...

" أنا ضائع يا رب " ، قالها صوت ما بداخله .
" يا رب ، يا رب ، يا رب " ، أوقف سيارته في أول فراغ يصادفه و هو يكرر النداء الذي بدا له أنه لم يردده منذ زمن سحيق .


………………..........


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس