الفصل الخامس
ه- وهرب العصفور
طائرة هازلت وايلد الحمراء والبيضاء ذات المقاعد الأربع والتي يقودها بنفسه، ارتفعت في الجو كأنها عصفور صغير تعلم لتوه الطيران فوق المياه والرمال المرجانية لجزر تفصل بين جزيرة صاحبها وبين سانتا لوسيا
تنهدت ليديا وهي تسند راسها إلى ظهر مقعدها مغمضة العينين ؛ تحس بالإرهاق ... فإرادتها الصلبة ضد إرادة كليف ورفضها الخضوع لمغازلته، كانا قد استنفذا كل قوتها. ?م أحست بالغبطة عندما قرر تجاهلها تاركا هازلت يجلس قربها ... فهي بحاجة للدقائق الأربعين التي تستغرقها الرحلة لتجمع قواها الجسدية والفكرية.
تنهدت ثم فتحت عينيها تنظر عبر النافذة. كانت الطائرة الآن فوق اليابسة .. حيث تبدو من بعيد السيارات كألعاب مسرعة فوق الطرق الممتدة على طول المياه الزرقاء اللامعة، التي برسو فيها العديد من اليخوت والمراكب. ثم لم تلبث أن اتسعت رقعة المياه لتصبح خليجاً واسعاً ... انعطفت الطائرة، فشاهدت عن بعد قمم المباني والفنادق ترتفع فوق المياه الزرقاء الخضراء الممتد ة وراءها .
و قريبا ستحط الطائرة ... وقريبا ستكون في أمير الدكاي حيث سترى أبيها وشقيقتها. تصلبت في مقعدها ... لقد نسيت شقيقتها سال، نسبت أن سالي هي من أرادها كليف رفيفة له.
أحست بشعور غريب، هو عبارة عن كراهية فجائية تجاه أختها، صدمتها، إنها تغار من سالي لأن كليف نظر إليها مرة واشتهاها. هزت رأسها بقوة تحاول تحريره من مثل هذه الأفكار ، ولكن هذه الأفكار التصقت به
إذن هذه هي الحقيقة ... أليس كذلك؟ إنها تحبه، وأحبته منذ أن وقع نظرها عليه ... ولكنها لم تقع في حب الساخر زیر النساء، بل وقعت في حب الرجل التعيس الطائش، الصعب الانقياد الذي اكتشفته خلف الحطام، والذي تشوقت لأن تجعله
سعيداً .
لماذا رفضت عرضه بالزواج؟ ألأنها ظنته يرغب في الزواج منها لأسباب أخرى؟ الأنها أعتقدت أنه قد انجذب إليها مؤقتا فقط، ويرغب فيها لأنها صعبة المنال وما إن يحصل على ما يريد حتى يفقد اهتمامه بها، فيتجاهلها ويهجرها في النهاية؟ تماسكت يداها في حضنها في حين ضاقت عيناها وضمت شفتاها ... لا لن تسمح له بأن يفعل هذا بها ... لن تسمح لأي رجل بهذا
حطت الطائرة متقدمة نحو مبنى المطار، فقفز كليف والتفت ليساعدها على النزول ثم دعا هازلت وايلد، وسارا خلف المبنى إلى المدخل الرئيسي حيث كانت سيارات التاكسي متوقفة لإنزال راكب أو إصعاد آخر... وسرعان ما أصبحا في المقعد الخلفي
السيارة انطلقت بهما على طريق المطار ... قال لها كليف:
- أعتقد أنك ترغبين في الذهاب إلى الفندق لرؤية والدك .
- أجل ..، ولكن ليس عليك المجيء معي.
- يجب أن أذهب معك ... إن العادة كما أعرف تقتضي ذهاب العريس إلى والد العروس ليطلبها منه... يراودني إحساس بأن والدك سيسر عندما يعرف ان نواياي تجاهك شريفة بل سيسر أكثر لأنه سيستفيد منها.
- لن تكون لسعادته أي تأثير فيما اشعر به حیال زواجي منك ، فأنا مسؤولة عن نفسي واستطيع تقرير ما أريد ... .
- ولكن سمعتك يا حبيبتي ..
- سمعني هي شأني الخاص، لا شأنك أو شأن أبي كما أنه حالما أعود إلى بلادي حتى ينسى كل شيء فهناك لن يأبه أحد بما حدث هنا..
أحست بشفتيه تلامسان وجنتها، فشهقت غاضبة:
- ابتعد عني ... لا يمكنك معانقني أمام السائق في وضح النهار!
- تعنين خلف السائق
انزلقت يداه إلى كتفها وجذبها إليه ،. فتسمرت نظراتهما للحظات ولم يلبث أن ضمها إليه بقوة رغم بعض السلبية التي أظهرتها في التجاوب معه.
- أحبك. (همس لها في أذنها ) فردت بضعف:
- أنت مجنون. لكنها لم تدفعه عنها فتابع :
- الرجل المغرم عادة مجنون.
- لا يمكن أن تكون قد وقعت في حبي، الأمر مستحيل، كما أني لا أحبك. أنت تريدني لأنني رفضتك، وأنا واثقة من أنني لو استلمت لك بالأمس وتركك تغويني لما طلبت مني الزواج .
- قد تكونين على حق، فأنت تشكلين تحديا لي، وعلى أن أتغلب على هذا التحدي بطريقة ما.
راحت يداه تداعبان عنقها من الكتفين صعوداً إلى فكها.
.-عندما تغضبين تصبحين كالنمرة ، تزأرین وتقفزين، حينها تتملكني الرغبة في اصطيادك .
فقاطعته بصوت هامس غاضب:
- إلى أن أخضع لك، هكذا هو الأمر ... أليس كذلك؟ السيطرة ثم الخضوع ... أنت تسيطر وأنا أخشع ... حسنا ،، أنا أرفض هذه اللعبة ... ولن أتزوجك. فعندما أتزوج، هذا إذا تزوجت، فلن أتزوج رجلا متسلطاً مسيطراً مثلك ... بل سأتزوج رجلا يعادلني. .
- ولكننا متعادلان ... ألم تلاحظي هذا؟ أنت طويلة مثلي، قوية الذراع والإرادة ..
التوى فمه وهو يلمس الضمادة فوق رأسه، وأكمل :
-... ولقد أثبت بطريقة لا ريب فيها أنك ترفضين السيطرة إضافة إلى كل هذا فأنت مشهورة، لا تعبئين البتة بأي تقاليد وتحيين تنفيذ ما تريدين حسب طريقتك مثلي تماماً .. اوه ... بلی ، نحن متعادلان يا ليديا ، نحن فلقتان لحبة واحدة .
- لا ... لا! كيف تقول هذا وأنت ثري بينما أنا لا أملك شيئا؟ لا أملك سوى ما أكسبه من عملي.
تطلعت إلى خارج السيارة، إذ كان لقربه منها تأثير مضاعف على أعصابها، في هذه اللحظة ودت بشدة لو تحيط وجهه بیديها تمسح خطوط المرارة البادية بوضوح حول فمه. أردفت بصوت هامس مرتجف:
- إذا ... لو أنني ، إذا تزوجتك، سيقول الجميع انني تزوجتك طمعا في مالك وهذا ما لن أطيقه أضف إلى ذلك اني أحب وظيفتي وأريد العودة إلى انكلترا لأتابعها مثبتة قدرتي على النجاح كأي محام آخر ... وإذا ... إذا . . . تزوجتك سأضطر إلى التخلي عن الكثير، ولا أظن أنه يمكنني ذلك.
سمعت حفيف القماش بفعل تلامسه مع مقعد السيارة الجلدي فعلمت بارتياح، مع قليل من الأسى، أنه ابتعد عنها ... ثم سمعته يقول بصوت منخفض
- إذن أنت لا تهتمين بما قد يصيب والدك إذا استمريت برفض الزواج منی.
أبقت رأسها ملتفت إلى الناحية الأخرى وهو تقول:
- بلي .... أهتم. ولكنني لست مؤمنة بأنه قد ارتكب أي خطا. و.. وأنا ... أهتم أكثر بما قد يحدث لنا، أنا وانت .، . إذا تزوجنا لأسباب خاطئة ..
اهتز صوتها ثانية، حتى توقفت عن الكلام لتسحب نفسا عميقاً، أردفت بعده قائلة:
- كليف، أرجوك، ستكون كارثة أخرى، ليس بالنسبة لك فقط ..بل لي كذلك .
- لا أصدق أن هذا قد يحدث ... حسنا ... لقد وصلنا إلى طريق مسدودة أخرى. ولكن لا تظني مطلقا أنني استسلمت، فبعد دقائق سنكتشف إذا كنت محقة بشأن والدك وبعدها سأعاود الضغط ثانية، با حبيبې وسأتزوجك قبل نهاية هذا الأسبوع.
ما إن توقف التاكسي خارج مدخل الفندق حتى فتحت ليديا الباب وقفزت خارجه، وبما أنها كانت تعلم أن كليف مضطر التوقف حتى ينقد السائق أجرته ، استغلت الفرصة فحثت الخطی
تجتاز الأبواب المتحركة إلى الفناء المستدير الفاخر ذي السقف العالي والأرض المفروشة بالسجاد السميك ... ومنه رأسا إلى
طاولة الاستعلامات حيث كان موظفان محليان أسمران يعتنيان بالزبائن كان عليها حتى تصل إلى مكتب والدها أن تتجاوزهما.. تحرك أحد السواح مبتعدا حتى تقدمت إلى الموظف.
- هل السيد كندي هنا؟.
- طبعاً.
- أريد الدخول لرؤيته .. أنا ... أنا ابنته ليديا.
نظر الموظف إلى ما وراءها قائلا:
- مساء الخير سيد برودي أثمة ما تريده مني؟.
صاحت ليديا: - أنا وصلت قبله إلى هنا؟ .
أجاب كليف:
- أريد الدخول لرؤية السيد كندي.
- أجل يا سيدي، بإمكانك الدخول فورا. فتح له ليدخل ... فتمتم مشيراً:
- بعدك ليديا.
رفعت راسها عالياً ثم قصدت راسا بابا كتب عليه كلمة المدير.. محاولة التظاهر بأن موظف الاستقبال لا ينظر إليها ولا إلى تنورتها المجعدة ولا إلى قدميها الحافيتين. عند الباب التفتت إلى كليف هامسة:
-اود رؤيته وحدي .
- هذا حقك، لكني لن أدعك. رفع يده ليقرع الباب ... فهسمت بشراسة: لا اريدك أن تدخل معي . لا يمكنك منعی ابتسم لها وكان في ابتسامته دفء وحنان، سبب لها ضيفاً في التنفس..
- ليس معك قضيب حديدي هذه المرة.
في تلك اللحظة أتاها صوت أبيها يقول "أدخل".
نظرت إلى ?لیف نظرة غاضبة ردها لها بابتسامة ثم دفعت ليديا الباب ودخلت إلى غرفة واسعة تملأها أشعة الشمس وتطل على بركة سباحة الفندق .
كان دایفد دون سترته، وقد لف كميه إلى الأعلى، وخفف من رباط ربطة عنقه، يجلس وراء طاولة أنيقة من الخشب براجع بعض الأوراق، عندما سمع الباب يقفل رفع بصره فوق نظارته، وصاح وهو يقف نازعة النظارة
- ليديا! إنها مفاجأة ... لم أكن أعتقد أنك ستعودين بسرعة. تبدين مشعثة قليلاً ...
جالت نظراته في هيئتها وهو يدنو منها فلاحظ وجود كلیف، عندها اتسعت عيناه وتغير التعبير فيهما ... فسال قلقاً:
- ثمة خطأ.
فبدأت ليديا بالقول:
لكن صوت ?ليف العميق علا فوق صوتها:
- يمكن القول إنني اصطدمت بجدار صخري .. هو عناد ليديا ... أعتقد أنك لم تضربها بما يكفي أثناء طفولتها ,, هل وصلتك رسالتي بأنني أخذتها معي؟
بدا الذهول على وجه دايفد:
- كانت الرسالة مثك؟
فهم دايفد، وعبث بشعره
- يا الله!
ثم عاد ببطء إلى كرسيه وغرق فيه، ثم نظر إلى ليديا
- كنت أظنك طوال هذه المدة قد ذهبت مع أبناء آدامز على متن يخت خالهم ... أترين ... أنا لم أستلم الرسالة شخصياً ... بل أحد موظفي الليل ... أظنه لم يفهمها جيداً.. إذ كل ما قاله هو أنك ذهبت في رحلة بحرية مع أصدقاء وستعودين بعد بضعة أيام.
سألته ليديا بسرعة:
- هل اعتقدت سالي هذا أيضا ؟!!.
جلست على حافة الطاولة، فنظر إليها دايفد بحيرة :- أعتقد هذا ... اعني، لم تسألني أي شيء عندما قلت لها إنك ذهبت, أظنك ستسرين إذا عرفت أن هوارد وصل بعد ظهر الأمس .
فسألته: - وهل سرت سالي برؤيته؟
- هذا ما بدا لي ، لقد كانت في الخارج ولم يبدو عليها أي شي، عندما رأته ، و لقد ذهبا ليعيشا في كوخ صيفي على الشاطىء الآخر للجزيرة وحدهما، وأعلن أن من الأفضل لهما أن يكونا معاً ليتحادثا وليتباحثا في شؤونهما .. أظن أنني أريد تفسيرا لما حدث لك لبديا. لقد أخبرت الجميع أنك ذیث مع أبناء آدمز فاین ?نت؟
تقدم كليف نحو الطاولة :
-كانت معي ... لقد دعوت سالي للمجيء معي، ولكني أخذت ليديا بدلا منها، حيث أمضينا معا لبلتين على البخت وأظنك تعرف ما سيقوله الناس وما سيظنونه بشأن ذلك ...
فقاطعته لبديا بحدة:
- أبي .... لا تصغ إليه ... لقد أجبرني على الذهاب معه .. والآن ... الآن ... يحاول ابتزازي ...
فزجرها دايفد وهو يفرك شعره ثانية بارتباك :
- ليديا ... انتبهي لما تقولينه ... فهذا اتهام لا يمكن رميه بخفة! لكنني ما زلت لا أفهم شيئأ .