عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-18, 05:40 PM   #19

الأسيرة بأفكارها

مشرفة سابقة بمنتدى قلوب أحلام وافتح قلبك، نجم روايتي، حارسة وأسطورة سراديب الحكايات

alkap ~
 
الصورة الرمزية الأسيرة بأفكارها

? العضوٌ??? » 336028
?  التسِجيلٌ » Jan 2015
? مشَارَ?اتْي » 23,577
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » الأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
افتراضي


_أشرف!
تمتمت بها بين دموعها وهي تقف أمام فراشه في المشفى ...
لم تستطع الصبر عندما تأخرت عليها هانيا لتجد نفسها -على غير عادتها- تأتي إلى هنا وحدها ...
لقد أنقذوا حياته على آخر لحظة كما أخبرها الطبيب بالخارج لكنها وحدها تعلم أن الأمر لم ينتهِ ...
قلبها الذي توقف عن النبض منذ سمعت الخبر وحتى رأته الآن أمامها لن ينسى هذا الفزع الذي عاشه...
كيف فعلت به هذا؟!
كيف وجدت القوة؟!
أي قوة؟!!!
تخليها عنه كان منتهى الضعف!!
بل منتهى الحقارة بعدما كان بينهما من حب العمر!!

_أشرف ...انت سامعني؟!

فتح عينيه بوهن لتتسعا قليلاً عندما رآها قبل أن يعاود إغماضهما لتنهار جالسة جواره على طرف الفراش غارقة بدموعها ...
ذراعاها يتشبثان به مع كلماتها المبعثرة:

_لا...ما تغمضش تاني...افتح عينيك ...أنا عارفة إنك زعلان مني....أنا آسفة...بس ...انت فاهمني...انت الوحيد اللي فاهمني من غير ما أتكلم ...فاهم أد إيه بتعذب وانت مش معايا ...

انتهت كلماتها بفيض آخر من دموعها التي استسلمت لها للحظات ...
قبل أن تعاود رفع وجهها نحوه مردفة :
_أنا مش عايشة وانت بعيد...مش عارفة نفسي من غيرك...كل الوشوش بقت شبه بعضها وكل يوم بقى زي اللي قبله...عايشة بس على أمل إنك ترجع زي الأول وترجع لي كل حاجة معاك ...

ارتجف جفناه المغمضان وقد كانت هذه الاستجابة الوحيدة التي نالتها ...
لتهمس له بعدها بألم:
_أنا لما قفلت الشباك ما قفلتوش في وشك انت...قفلته في وش خوفي وعجزي وقلة حيلتي...الحرب اللي بعيشها كل يوم ومش عارفة أتصرف فيها لوحدي...انت عارف إني عمري ما خدت قرار لوحدي...عمرك ما سبتني أحس الإحساس ده ...أنا مش ندلة ولا بايعة...أنا تايهة يا أشرف...تايهة وخايفة ومرعوبة ومش عارفة أعمل إيه ...

لم تكد تتم عبارتها حتى ألقت نفسها على صدره من جديد ...
حتى وهو بهذا الوهن لايزال قادراً على منحها الدعم!

_انتِ بتعملي إيه هنا؟!

الهتاف المستنكر خلفها أجفلها لتنتفض مكانها وهي تلتفت نحو نشوة التي اقتربت منها مردفة:
_ليكِ عين تيجي لحد هنا بعد اللي عملتيه ؟! اتفضلي اخرجي .

مزيج من الشعور بالإهانة وقلة الحيلة جعلها تتيبس مكانها ...
لكن ...لا بأس !
أشرف سيتصرف كالعادة !
حتى وهو في هذه الظروف سيعنف شقيقته ويطلب منها هي البقاء!
صحيح؟!

لكن صمته الذي طال رغم فتحه لعينيه مراقباً الموقف جعل شفتيها ترتجفان وهي تلتفت نحوه متمتمة بتساؤل:
_أشرف...أخرج؟!
_......
باستنكار تكررها:
_أخرج؟!
_....
بعدم تصديق:
_أخرج؟!
_.....
برجاء:
_أخرج؟!

كانت تتمتم بها في كل مرة بشعور مختلف لكن جوابه الصامت ظل كما هو ...
لقد خذلها كما خذلته...
جازاها عن سلبيتها سلبية...والبادي أظلم !

_أخويا هيقوم بالسلامة بيكي أو من غيرك...هيقوم عشان نفسه وعشاني وعشان بنتي وعشان مصنع أبونا يرجع زي زمان ...ودلوقت من فضلك سيبيه عشان هو محتاج يرتاح .

قالتها نشوة بنفس النبرة اللائمة لتتجمد دموع رانيا على وجنتيها وهي تعود ببصرها نحو أشرف الذي نظر إليها نظرة لم تفهمها ...
لأول مرة لا تجد لغته سبيلاً لأذنيها ...
قبل أن يشيح بوجهه عنها في حركة قاتلة لامرأة بوضعها !!

لم تشعر بنفسها كيف لملمت ذراعيها اللذين كانا متشبثين به جوارها ...
كيف حملتها قدماها لتقف ...
لتغادر الغرفة ...
لتهبط درج الطابق دون وعي ...
الطنين الذي طغا على كل ما حولها يجتاح أذنيها ...
خاسرة!
خاسرة!
هل بعد كل هذا خسران ؟!

_رانيا!
ظل يامن يرددها بقلق وهو يجدها على هذا الحال أمام مكتب
الاستقبال في المشفى لتلتفت نحوه تغمغم بعدم تصديق:
_أشرف طردني ...خلاص ما بقاش عايزني .

عقد حاجبيه بقوة وهو يتأوه بخفوت ليربت على ساعدها قائلاً بنبرته المهتزة:
_المهم إنه بخير...معلش...هو أكيد لسه مش في وعيه ...


قالها ليجذب جسدها المتيبس نحو الخارج بينما يبذل ما بقي من طاقته كي يسيطر على انفعالاته ...
_هنرجع له بكرة يكون بقى أهدى ...المهم إننا اتطمننا عليه ...

_أشرف طردني...
ظلت تتمتم بها شبه واعية طوال الطريق وكأنها لا تصدق أنه فعلها هكذا ببساطة...
بينما كان يرمقها هو بنظرة آسفة وقلبه يكاد يتمزق من مشهدها الموجع هذا ...
ها هو ذا حصاد يده !!
"بنات قلبه" اللائي قضى عمره يحاول حمايتهن وإسعادهن الآن هو سبب تعاستهن كلهن!

_احنا رايحين فين؟!
سألته وهي تستعيد بعض إدراكها مراقبة الطريق الذي تسير به السيارة ليخبرها باقتضاب عن حادث هانيا محاولاً التلطف ...
ظلت تصرخ بجزع للحظات فاضطر لإيقاف السيارة كي يهدئها ....
كان يعلم أن الأمر لن يكون يسيراً مع شخصيتها هي بالذات ،
والتي زادتها مواجهتها الأخيرة مع أشرف انكساراً ...
لهذا ظل يحاول تهدئتها متوقعاً المزيد من دموعها ...
لكنه لم يتوقع صراخها الهائج وهي تواجهه لأول مرة بهذه الحدة:
_ابعد عني...ماعدتش هاسمع كلامك...انت السبب في كل اللي حصل لي ...في كل اللي بيحصل لنا كلنا ...انت السبب .

ارتد بوجهه عنها مصعوقاً من هجومها المفاجئ قبل أن يجتاح
الألم ملامحه بعدم نكران ...
هو لم يكن يحتاج أن يسمعها ...
هو يحترق بها في كل لحظة...
ويبدو أنه سيظل يفعل طويلاً...
========
سيارته تتوقف في مكانه المنعزل المفضل بعدما أقلّ رانيا للمشفى ليترك كل شيئ خلفه ويأتي إلى هنا ...
لم يعد يستطع التظاهر ...
لم يعد يملك رغبته في أن ينهار وحده ...
كما تعود طوال عمره ...

يترجل من السيارة ليتحرك بضع خطوات ...
السماء مظلمة تماماً هذه الليلة وكأن الكون بأسره ساخطٌ عليه !


رأسه يفور بأفكاره والمشاهد تتوالى بعينيه تباعاً...


_ابنك مات خلاص يا يامن....ما عدتش محتاج تخطط عشان تخلص مني ومنه...مات من غير ما تحضنه مرة واحدة ...خللي شكوكك تنفعك وانت بتتعذب كل يوم بذنبه .

بصوت سيلين الغاضب يسمعها فتكوي صدره بالندم ...
صور الصغير التي طالما تهرب منها تطفو الآن تباعاً في ذاكرته لتسيل دموعه دون توقف ...

_وانت مكلمني عشان أواسيك؟! للأسف مش هاقدر ...وعلى فكرة...انت ما خسرتش ابنك من سيلين بس...انت خسرت ابنك مني أنا كمان.

بصوت ياسمين مستحدث القسوة تدوي في ذاكرته فلا يشعر بساقيه يتخاذلان ليسقط مكانه على الأرض ...
يريد الصراخ هاهنا حيث لا يسمعه أحد...
يريد الاختباء...كما كان يفعل وهو بعد طفل صغير عندما كان يخشى بطش أبيه أو يخجل من عار أمه...
يريد الهروب من ذنوبه...من همومه...بل من نفسه !!

مشهد هانيا غائبة عن الوعي وأمامها رامز الذي ساعد -هو- في زيادة الهوة بينهما ....
مشهد داليا بثوبها الممزق ليلة وجدها في قسم الشرطة ومشهدها بعد محاولتها الفاشلة للانتحار ...
مشهد رانيا المصعوقة بعدما حدث واتهامها له بأنه السبب ...

مشهد تلو مشهد ...
خنجر تلو خنجر يطعن في صدره وهو عاجز عن مقاومة الألم...

يفتح كفيه ببطء أمام عينيه وكأنما يروعه أن يراهما الآن ...
خالييْن!
حقيقة ومجازاً!!
حصاد هذا العمر كله الآن...صفر!

لقد سقط في بئر الخسران الذي ظل عمره يدور بحذر على حافته ...
وليته سقط وحده...بل جذب كل من أحبهم ليسقطوا معه !

هنا لم يشعر بنفسه وأنامله تمتد لتقبض على حفنة من التراب قبل أن يرفعها ليسقطها على رأسه !!

رائحة التراب المبلل بالندى في هذا الوقت تزكم أنفه وتعاند كل طباعه الوسواسية بالنظافة لكنه لا يبالي...
بل بدا وكأنه يعاقب نفسه بنفسه !!


_يامن!
بوجل يهمس بها مروان الذي وصل لتوه بعدما أدرك بحدسه لأين سيلتجئ يامن في هذه الظروف...
ليروعه المنظر!!!
يامن جالس على الأرض يبكي ويهيل على رأسه التراب...
حتى أنه لم ينتبه لوجوده!!

أجل...
حتى عندما جلس قبالته على الأرض لم يتوقف عن وضع التراب على رأسه بحركة آلية بطيئة تزامنت مع بكائه المرتجف...
هز مروان كتفيه بقوة يحاول إعادته لحالته الطبيعية مع هتافه المنفعل:
_امسك نفسك يا يامن ...كل حاجة هتتحل .
لكن الأخير بدا وكأنه في عالم آخر من هواجسه السوداء التي ابتلعت روحه في ظلمتها ...

لهذا جذبه مروان ببعض العنف ليوقفه مكانه قسراً بينما يهتف بنفس القلق :
_اتكلم...طلع اللي جواك ...أنا عارف إن اللي حصل مش سهل...بس ما تسيبش نفسك تنهار ...انت أقوى من كده...
_أنا ؟! أنا ؟!
يتمتم بها يامن وسط بكائه و نظراته الزائغة ليشد مروان على ساعديه فيلتفت نحوه مردفاً بتشتت:
_أنا مش عايز أبقى أنا ...زهقت إني أبقى أنا...

صرخ بعبارته الأخيرة فجأة ليشق صوته صمت المكان حولهم ...
فدمعت عينا مروان وهو يراه ينفض ذراعيه هو عنه ليستمر في صراخه الموجع:
_مش عايز أبقى حريص...مش عايز أبقى موسوس...مش عايز أمشي جنب الحيط وأنا فاهم إني كده في أمان...مش عايز أتظلم بس خايف أظلم...مش عايز أتجرح بس غصب عني بجرح....أعمل إيه ؟! أعمل إيه؟!!

صمت مروان قليلاً محاولاً منحه الوقت الكافي لاستيعاب انفعالاته ...
كان يعلم أن ما يمر به صديقه ليس بالهيّن!


الطوفان الذي بدأ بفضيحة ياسمين التي تناقلها الناس،
مروراً بطلاقه لها رغم أنه يدرك أنه لم يعشق امرأة كما عشقها ...
وفساد حياة بنات خالته اللاتي يعدهن بناته هو ...
وانتهاء بأحداث الليلة العصيبة...
كل هذا يحمله يامن على عاتقه وحده !

_ساعدني يا مروان .
تمتم بها يامن أخيراً وهو يستند بجبهته على كتف صديقه وكأنما استنزفته انفعالات الدقائق الأخيرة كلها ...
ليربت مروان على ظهره قائلاً:
_انت عارف إن انت صاحب عمري وعمري ما أتخلى عنك.

ظل يامن على وضعه للحظات قبل أن يرفع إليه عينيه بقوله:
_عايزك تشوفلي دكتور كويس ...عايز...أتعالج.

تلكأت حروفه الأخيرة فاضحة عذاباته لتتسع عينا مروان بتأثر وهو يدرك قيمة اعتراف رجل كيامن بهذا الأمر ...
لكنه أيضاً كان يعرف أنه يحتاج هذا فعلاً...
لهذا صمت قليلاً قبل أن يرد:
_أعرف حد كويس جداً...بس هتثق في رأيي؟!
أومأ يامن برأسه وهو يرفع إليه عينين منهكتين ليستخرج مروان من حافظته بطاقة بعينها ناوله إياها ...

_ياقوت سليمان...لو فعلاً بتثق فيا هتثق في اختياري .
========






التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 20-12-18 الساعة 04:38 PM
الأسيرة بأفكارها غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس