عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-18, 05:49 PM   #22

الأسيرة بأفكارها

مشرفة سابقة بمنتدى قلوب أحلام وافتح قلبك، نجم روايتي، حارسة وأسطورة سراديب الحكايات

alkap ~
 
الصورة الرمزية الأسيرة بأفكارها

? العضوٌ??? » 336028
?  التسِجيلٌ » Jan 2015
? مشَارَ?اتْي » 23,577
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » الأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
افتراضي


تركيا ...
اسطنبول ...
البازار الكبير أو ما يسمونه السوق المسقوف وهو من أقدم الأسواق التركية على الإطلاق والذي سمي بهذا الاسم لأنه مغطى بالكامل مع وجود نوافذ تمرر الضوء والهواء للمكان .

وفي المكان المخصص للسيد علاء -عم أحمد- وقفت غادة تتابع معه حركة البيع بفضول غلبته السعادة ...
المكان رائع حقاً!
وما يزيد من روعته هو هذه الفرصة التي منحها لها للتعامل مع الناس دون خوف!
هذا الشيئ الذي احتاجته كثيراً بحكم خبراتها الحياتية السابقة والتي تتوق الآن لتجربته دون رهبة...
لم تكن تعلم أن كلمة البازار تعني الأسواق الشعبية التي يقيمونها ليوم أو يومين على مدار الأسبوع تعرض فيها مختلف السلع على السائحين والزوار ...
السيد علاء كان يختص مثلاً بهذه البقعة الخاصة بالمشغولات اليدوية والخزفية ذات الطابع الإسلامي ...
هذا الأمر الذي برع فيه كثيراً كما يبدو لتحقق تجارته كل هذا الرواج ...

_طبعاً مش فاهمة حاجة من كلامنا....بس معلش ...بكرة تتعلمي.

قالها الرجل بنبرته الطيبة لتلتفت نحوه غادة بامتنان ...
منذ وصلت إلى هنا وهو يعاملها كابنته وربما أكثر ...
ليس فقط هو بل زوجته الحنون التي اعتبرتها هدية القدر لها بعد فقدانها لابنها الوحيد !
مبتلاة هذه العائلة في شبابها !

"ما بيعيشلهمش رجالة"!
طفت هذه الجملة الدارجة على ذهنها من ذاكرتها القديمة بصوت أمها ...
أمها؟!
كم تبدو لها الآن بعالمها الذي لم تذق فيه سوى الألم بعيدة....بعيدة!
هي حتى لم تودعها قبل سفرها!
اكتفت بمكالمة هاتفية باردة طالبة منها الاعتناء بنفسها والعودة ب"عريس"!
وكأنها ببساطة هكذا ستنسى أحمد؟!!

أحمد ...مجرد اسمه كان نسمة باردة داعبت خيالها فابتسمت رغماً عنها وهي تتحسس دبلته التي لم تخلعها من إصبعها ....
تميمة حظها التي لم تزل تنير دربها حياً وميتاً...
ترحمت عليه في سرها قبل أن يقطع أفكارها صوت السيد علاء من جديد:
_لا ما تسرحيش....عايزك تركزي عشان بفكر أسيبلك انتِ الشغلانة دي.

اتسعت عيناها بقلق مدركة عظم ما يطلبه ليقهقه ضاحكاً بطيبته المعهودة مع قوله:
_ما تخافيش كده مش هتقعي في البحر ...واحدة واحدة وهاتبقي بريمو.

ابتسمت وهي ترد بمرح:
_ما تخافش عليّ...أنا أفوت في الحديد .
_أيوة كده ...بنات بلدنا جدعان .
_قوي!
قالتها بمرح صار مميزاً لشخصيتها الجديدة التي تحاول تدعيمها يوماً بعد يوم ...
والتي يبدو لها أنها ستزداد رسوخاً هنا مع هذه الفرصة التي منحها لها القدر ...

وبعد قليل كان الرجل يستعد لإنهاء يوم عمله فاجتهدت في مساعدته لتسير معه بخطوات متمهلة نحو سيارته ...
كان الرجل خفيف الظل يلقي إليها بالنكات طوال الطريق فلا تملك ضحكتها العالية التي صارت تخرج حقاً من القلب ...
والتي علق عليها الرجل بقوله المشاكس:
_ضحكتك دي تجيب بوليس الآداب...لو سمعتك إيناس هتديكي خطب ودروس للصبح!
وضعت غادة كفها على شفتيها ببعض الحرج ليردف بنفس المزاح:
_أيوة كده...اقلبيها "سايلنت" أو حتى "فايبراشن"!

عادت تضحك من جديد خلف كفها وهي تشعر بالمزيد من السكينة في هذه المدينة الرائعة...
ومع هذا الرجل الطيب وزوجته ...
ولم يكادا يصلان للبيت حتى ترجلت من السيارة لتهرول نحو إيناس التي استقبلتها في مدخل البيت الريفي الملحق بمزرعة صغيرة ...
والتي هتفت بها بحنان:
_اتأخرتوا كده ليه ؟!
_ما صدقت أستفرد بيها...انتِ عارفة بقى لي أد إيه ما استفردتش بست حلوة؟!
هتف بها علاء مشاكساً كعهده لتهتف زوجته وترد له مزاحه:
_يا بختك...أنا برضه بقى لي كتير ما شفتش راجل حلو؟!

_هتلاقي أحلى مني؟!
_هو انت حلو أصلاً وأنا مش واخدة بالي!
_إيناااااس!
_علاااااء!
_خلاص ...تنزل المرة دي!!
قالها الرجل أخيراً مقلداً لكنة "عبد الفتاح القصري" في الفيلم القديم لتنطلق غادة ضاحكة دون تحفظ تلك الضحكة المهلكة...
والتي وجدت صداها في قلب ذاك الذي كان يتقدم منهم الآن ليقول بنبرة مهذبة لم تخلُ من ود:
_إزيك يا عمي....كنت معدي بالصدفة قلت آجي أسلم على حضرتك .
=========

_خرجي الأكل للست همسة ...ما فطرتش وربنا يستر شكلها كده مش هترضى تتغدى كمان.
قالتها رئيسة الخدم في فيللا زين الفخمة لترد الخادمة بإشفاق:
_البنت دي بتقطع قلبي ...مش عارفة زين بيه بيعاملها كده ليه ...مخبيها عن الناس ودايماً محبوسة في أوضتها ....هي برضه لها حقوق عليه !
_ششششش...انتِ اتجننتِ واحنا من امتى بنتكلم في حياتهم ؟! زين بيه مفيش في حنية قلبه ...هو أدرى بمصلحتها...ما تنسيش إنها برضه مش طبيعية !
هتفت بها رئيستها مؤنبة وهي تخبطها على رأسها بخفة لكن هذا لم يمنع الخادمة من الاستطراد المشفق:
_والله قلبها طيب ...رغم كلامها القليل بس دخلت قلبي ...ربنا يشفيها ويزيح عنها قادر يا كريم .
_طب بطلي رغي واطلعي لها ...ما تنسيش تقفلي باب أوضتها وراكِ كويس أحسن يحصل زي ما حصل المرة اللي فاتت ...زين بيه مش هيسامحك المرة دي.

هزت الخادمة رأسها لتحمل صينية الطعام نحو الغرفة الخارجية التي صممها زين خصيصاً في زاوية حديقة بيته البعيدة كي تكون لها فلا تغادرها أبداً إلا في زياراتها القليلة للطبيب ...
ولم تكد الخادمة تقترب من الغرفة حتى لمحتها جالسة على كرسيها أمام النافذة تراقب الحديقة بشرود ...
الملاك الصامت!
هكذا كانت تدعوها في نفسها وهي تميز ملامحها شديدة البراءة ...
بشرتها الناعمة ناصعة البياض التي تناقض سواد شعرها الفاحم ...
عيناها المتسعتان بطفولية مع حاجبيها الرقيقين ...
فمها الممتلئ الذي يعلوه أنف دقيق مع وجنتين ممتلئتين حمراوين ...
ونظرتها التي تحمل هماً كبيراً على امرأة بعمرها !!

لهذا تنهدت بأسى وهي تقترب أكثر لتتحكم في الصينية بيد واحدة وتفتح باب الغرفة الموصد دوماً بالمفتاح باليد الأخرى ...
والذي أغلقته خلفها بسرعة بالمفتاح كما يأمرونها كل مرة خشية هروب السيدة الصغيرة...

وضعت صينية الطعام على المائدة لتتوجه نحو المرأة قائلة بحنان:
_عشان خاطري كلي المرة دي ...أنا عملت لك الأصناف اللي بتحبيها ...
لكن المرأة بقيت على شرودها وكأنما هي في عالم آخر ...
هنا خاطرت المرأة بالاقتراب أكثر وقد أمسكت أحد الأطباق محاولةً إطعامها بنفسها ...
لكنها ما كادت تفعل حتى جذبته همسة بقوة لتخبطه في الحائط دون أن تتركه من يدها التي انجرحت به !

_يا دي النهار اللي مش باين ...هاروح في داهية !

هتفت بها الخادمة بجزع وهي تحاول تخليص بقايا الطبق المكسور من همسة قبل أن تتناول منشفة قريبة تكتم بها نزيف يدها مردفة بألم:
_ليه كده يا حبيبتي؟! عورتي نفسك؟!
انتهت كلمتها بدموع إشفاقها وهي تنكب فوق رأس همسة تقبله ...
فرفعت الأخيرة إليها عينيها بنظرة غريبة وكأنها لم تتوقع هذا الحنان الصادق ...

_شكلها بسيطة إن شاء الله....الدم وقف أهه .
قالتها المرأة التي بدت وكأنها تحدث نفسها مع عدم وجود أي رد فعل لمن أمامها ...
لكنها كانت معتادة على هذا كما يبدو ...
تعاملت مع الجرح كما علموها قبل أن تقبل يد همسة بحنان أمومي قائلة:
_ناكل بقا...مش هنبقى اتعورنا وما ناكلش كمان .
لكن همسة أشاحت بوجهها لتعود لشرودها في الحديقة...
_فين زين؟!
ارتفع حاجبا المرأة بدهشة فقد كانت هذه واحدة من المرات القليلة التي سمعتها فيها تتكلم ...
إذن فهي تميز غيابه وتسأل عنه ؟!
ليست فاقدة لعقلها تماماً كما يقولون !!

_زين بيه سافر .
_من غير ما يقوللي.
لم تستطع تمييز مشاعرها المختفية خلف كلماتها القليلة مع نبرتها الشاردة الخالية من الانفعالات ...
لكن العبارة وخزت قلبها بقوة فربتت على رأسها برفق قائلة :
_بكرة يرجع بالسلامة...كلي بقا عشان يلاقيكي كويسة لما ييجي .

وكأنها تتحدث إلى طفلة صغيرة !
لكن همسة في هذه اللحظة بدت حقاً كذلك وهي تخفي وجهها بين كفيها لتبكي كالصغار ...
عانقتها الخادمة بحنان وقد اعتادت نوباتها الانفعالية هذه ...
لتربت على ظهرها أخيراً قائلة بنفس الحنان الصبور:
_هاروح أجيبلك طبق تاني بدل اللي اتكسر ...بس هتاكلي ...ماشي؟!

أسبلت همسة جفنيها في إجابة غير منطوقة بالرضا لتغادرها المرأة بسرعة غير غافلة عن إغلاق الباب خلفها بإحكام ...
ولم تكد تبتعد حتى عادت همسة لشرودها ...
سرب من النمل يسير بحذر على حافة الإفريز الخارجي للنافذة التي وضعوا عليها قضباناً معدنية كي لا تتمكن من الخروج عبرها ...
ظلت تتابعه ببصرها للحظات قبل أن تمد سبابتها لتضعها في طريقه...
هنا توقفت النملة القائدة قليلاً قبل أن تغير مسارها ومسار الجيش خلفها ...
هنا ابتسمت بمرارة وهي تدرك صعوبة وضعها ...
ليتها مثل هذه النملة تستطيع تغيير طريقها متى شاءت....
ليتها!!!
========
انتهت القطعة الأولى...
قراءة ممتعة للجميع ولا تنسوا جميلتنا نرمين من أرائكم ودعمكم..
دمتم بحفظ الله وأمانه...






التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 20-12-18 الساعة 04:39 PM
الأسيرة بأفكارها غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس