عرض مشاركة واحدة
قديم 18-02-19, 06:46 PM   #5

رانو قنديل

مشرفة الأدبي،المجلة الشبابيةوعالمي خيالي وشاعرة ،نبضٌ متألّق ومميز وحي الكلمة ومحررة ورئيسة الجريدة، كاتبة،قاصة ،مدققة وساحرة واحة الأسمر بقلوب أحلام ،راوي القلوب،ملهمة كلاكيت

alkap ~
 
الصورة الرمزية رانو قنديل

? العضوٌ??? » 313872
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 16,067
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » رانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك NGA
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

المشاركة الثالثة

سارة أشرف


قصة قصيرة بعنوان ..

-
"الضبعُ صائدُ الغزلان".

صوت الجرس يدوى في الأفق ليتناغم مع صرخات الأطفال الفرحةِ بانتهاء اليوم الدراسي.
الجميع يرحل، وتبقي هي وحدها هُنا... الهواءُ يؤرجح تنورتها القصيرة، الشمسُ تقتحم ظلمة جفنيها وتتسلل من بين رموشها السوداءِ الكثيفة، شعرها القصير يُلامس الأرض المغبرة.. يدها وركبتيها جُرِحَوا جراء سقوطها.
الكرسي مقلوب.. عجلاته لا زالت تدور كما تدور الحيرة بفُلكِها عن سبب ذلك التنمر الواقع عليها وهي لم تتخطى بعدُ الثامنة من عمرها.
عقفت فمها في استياءٍ وتحاملت على يديها لترفع وجهها عن الأرض قليلًا وتبدأ في الزحف على بطنها رويدًا رويدًا إلى الكرسي الخاص بها.
تُغالب دموعها فتغلبها الدموع.. وتُصارع عجزها فتصرعه.
وقفتُ أراقبها خلف نافذة الصف بضيقٍ شديد على مُثابرتها كل يومٍ في النهوض، ورأيتُ ذلك الطفل يعدو نحوها هاتفًا باسمها.
دائمًا يأتي لنجدتها.. يمسح عن وجهها الدموع ويساعدها على النهوض إلى كرسيها المتحرك ثم يقسم أن يقتص لها منا.. أو تحديدًا مني أنا.
كل الأطفالِ بالصف يتجنبونها خوفًا من أن أضربهم، يلقبونني بالأسدِ في الصف لشدة بطشي وقوتي.. ولأنني أحكمُ هذه الغابة الصغيرة.
إنها طفلةٌ غبيةٌ بنصفٍ سُفليٍ لا يتحرك.. تأتي لتبتسم في وجوهنا بسذاجةٍ لتحصد تعاطفًا نحوها.
أنا أكره هذا النوع من الفتيات، وأكره ذلك الفتى لمساعدته لها رغم تعرضه للضرب من مجموعتي في كل مرة!!
ألا يسأمُ ذلك؟؟ ألا تردعه كدماتُ وجهه وذراعه تلك؟!
نظرتُ إلى ابتسامتها التي حاكتها على شفتيها له ببراعةٍ -وهي تستوي على كرسيها بمساعدته- رغم أننا دفعناها لتسقط أرضًا.
تبًا.. لا زالت تبتسم!!
جززتُ على قواطعي حنقًا حين خرج ذلك الغبي مسرعًا يهرولُ إلى طبيبة المدرسة لتسعف جرحها الصغير قبل رحيلها.
ما كل هذا الخوف على وجهه؟؟ إنه خدشٌ بركبتيها جراء سقوطها وحسب!
هو حتى لم يلحظ وجودي.. والحقُ أنني.. أظنني أنا من أخفيتُ نفسي عنه ولا أدري لِمَا.
كدتُ ألتفت مبتعدًا عندما أرهف إلى سمعي صوتُ بُكاء.. بل صراخُ شخصٍ مذبوح!
جمدني هذا كُليًا.. جمدني وأجبرني على توجيه رأسي والنظر إلى مصدرِ الصوت.
لقد كانت تبكي وتصرخ وتحاول الوقوف عن كرسيها عنوة.. لقد كانت تضربُ يد الكرسي بقبضتها وتصرخ بقولها: قفي.. قفي..قفي.. يجبُ أن تقفي.. قفي.. قفي يا ريم!!
أنا أقسم أن القشعريرة سرت بجسدي وأن منظرها وهي تُكابدُ عجزها كان أشبه بوليدِ غزال الريم يُحاولُ التخلص من قيدِ رحمٍ استعبده لستة أشهرٍ متتالية.
لربما أسموها ريم لذلك السبب.. لكنها على عكس الغزال سقطت أرضًا غير قادرةٍ على التحرر من عجز قدميها.
استأتُ لذلك كثيرًا.. لقد خيبت أملي هذه الفتاةُ الغبية الضعيفة بعدما ظننتُ أن شيئًا مُسليًا على وشكِ الحدوث.
التفتُ عنها وتركتها أرضًا وغادرت المدرسة.

باليومِ التالي.. هي لم تحضر للصف، وقال المعلم لنا أنها آذت قدمها بشدةٍ لذا ستمكثُ بالبيت إلى أجلٍ غير مُسمى.
لم آبه لذلك.. أظنني فقدتُ للتو وسيلةَ تسليةٍ جيدة، ربما عليَّ البحثُ عن شخصٍ جديد.
نقلتُ عيني بين وجوه الأطفال في الصف.. أوه ياللملل.. لا أحد لديه عجزٌ كعجزها، لن يكون إيذائهم ممتعًا أبدًا.
لقد مر شهرٌ منذ ذلك اليوم.. وأنا أبدًا لم أرها بعد ذلك.
أخبرنا المعلم أنها انتقلت إلى مدينةٍ جديدةٍ لتتلقى العلاج.. وأنها لن تعود إلى المدرسةِ مرةً أخرى بسبب تنمر الأولاد عليها.
هذا سخيفٌ جدًا.. لا أحد يجرؤ على التنمر في هذا الصف غيري، أنا فقط من يتنمرُ عليها أيها المعلمُ الغبي.
عدت ذلك اليوم إلى البيت ليستقبلني صوتُ صراخ والدي.. كالعادة يتشاجر مع والدتي، وإن ضاق ذرعًا ضربها.
توجهتُ إلى غرفتي وأغلقتُ الباب خلفي.. إنهم مزعجون جدًا.
صوته العالي مزعج.. وضعفها وانهزامها أمامه مزعجٌ أكثر ويدفعني للصراخ بها كل يوم.
لماذا تتحملين كل هذا؟؟؟ لماذا تبتسمين رغم كل هذا؟؟
لكنها لم تكن تجيبني.. كانت تذرف دموعها على كتفي وتضمني إلى صدرها لأدفعها بضيقٍ بعيدًا وأغادر المنزل كله.
النساءُ حمقاواتٌ حقًا.. هذا مُقرف.
ابتسامتها تلك تُثير اشمئزازي كثيرًا كما تفعل ابتسامة تلك الطفلة الغبية أيضًا!
إنهما متشابهتان.. في عجزيهما ودموعيهما وابتسامتيهما الساذجتين.
لكن أمي.. لم تبدُ لي كغزالِ ريمٍ أبدًا.

لقد أتممتُ الثالثة والعشرون قبل شهر.. من أنا؟؟ وكيف وصلتُ إلى هنا؟؟
كيفَ يُعقلُ أن تتابع الأيامُ وتتلاحق في سرعةٍ هكذا؟
كل شيءٍ هُنا يجري بسرعة.. الحقول.. الأنهار والأشجار.. وحتى الشمس والقمر يتعاقبان في تتابعٍ دوري، وأنا جالسٌ على مقعدي في القطار مُتجهًا إلى إحدى المدن القريبة مُراقبًا كل هذا التعاقب من نافذتي الصغيرة.
لقد علمتُ قبل مدةٍ أنها انتقلت إلي هذه المدينة.. بل إنني تتبعتُ أخبارها حتى علمتُ بذلك من زميلنا الذي كان يُساعدها دومًا بالصف.
كيف لم ينتقلوا من منزلهم طوال تلك المدة؟؟ ألم يكونوا دائمي الارتحال بسبب التنمر الواقع عليها؟؟
أيعقلُ أنها تعافت واستطاعت تخطي كل ما حدث؟؟
أرجو ذلك حقًا كما أرجو أن أراها.
أريد رؤيتها.. أريد أن أعتذر عن كل ما بدر مني.
أريد أن أخبرها أنه تم التنمرُ عليَّ بعدما رحلَت وأنني شعرتُ حينها بما شعرت به.
كلا.. أنا لم اشعر بذلك، كان لدي قدمانٍ أقف عليهما بعد كل سقطةٍ على خِلافها تمامًا.
هل يمكن أن أجدها حقًا؟؟ هل يمكن أن نلتقي؟؟ هل ستتذكرني؟ أم أنها لم تنسى أبدًا ما فعلته بها؟؟
هل شُفيت قدماها بسبب العلاج أم أنها لا تزال تُشابه غزال الريم وتحتفظُ بصفاته وجماله؟
ماذا؟؟ هل كانت ريم جميلة؟؟
الآن فقط أذكر ذلك.. شعرها الأسود بلونِ الفحم وعينيها المتقدتين حماسًا كجمرتي نارٍ رغم شدة سوادهما، أذكر ضفيرتها الصغيرة وتنورتها القصيرة وأذكر كرسيها المتحرك جيدًا.

أمام منزلها الذي دلني عليه زميلنا بالصف وقفتُ لاهثًا بقلبٍ يكادُ ينخلع من فرطِ التوتر، أقدم قدمًا وأؤخرُ الأخرى ولا أكاد أخطو للأمام خوفًا من أن تزل قدمي بعد ثبوتها.
كيف سأقدم نفسي لعائلتها؟؟ هل أقول أنني زميلٌ قديم؟
لم على زميل قديمٍ أن يأتي بعد تلك السنين؟؟
للاطمئنان على صحتها.. هذا يبدو عذرًا مقبولًا بعض الشيء.. وساذجًا جدًا أيضًا.
بجسارةِ الأسد داخلي طرقتُ الباب وانتظرتُ وهلةً قبل أن أراهُ يُفتَح ومن خلفه ظهرت امرأةٌ عجوزٌ لتسألني بلطف عن هُويتي فأجيبها بأنني زميلٌ قديمٌ لابنتها كما خططت... وها قد سمحت لي بالدخول.

كنتُ أنقلُ بصري على استحياءٍ في كل ركنٍ من أركان المنزل.. أتفقدُ بيتها وحياتها وأدعو سِرًا أن تلمحها عيني ولو للحظة.
كانت السيدةُ هادئةً جدًا ولم تنبس ببنتِ شفةٍ حتى أجلستني في غرفة الاستقبال وأحضرت كوبًا من العصير.
خُيِّلَ إليَّ أن قطراتِ الماءِ الناتجة عن سيلان الثلج في العصير تتأرجحُ ببطئٍ على زُجاج الكأس وكأن xxxxب الساعة توقفت، وأن في عيني هذه السيدة ألفُ حكايةٍ لم تُروى وتولت تجاعيدُ وجهها الشبيهة بالكثبان الرملية حكايتها بدلًا منها.
بدأت السيدةُ حديثها عن ابنتها وطفولتها والتنمر الذي كان يقعُ عليها في كل مدرسةٍ تنتقلُ إليها.. ولكن شيئًا ما في حديثها استدعى كل سيالاتي العصبية للنفور.
هل قالت لتوها.. "ريم رحمها الله"؟؟؟
هل عنت بذلك دُعاءً أم إقرارًا؟؟؟
هل.. هل ماتت ريم؟؟
سألتها في خوفٍ لتُجيب بهز رأسها نفيًا وتقول بأنها انتحرت.. قبل خمسة عشر عامًا!
أجل.. ريم انتحرت في نفس العام الذي غادرت فيه مدينتنا، وفي نفس العام الذي علمت فيه أنها لن تستطيع السير مجددًا.. لأن قدمها تأذت بشدةٍ بسبب السقطة التي سقطتها عن الكرسي.
لهذا كان يركضُ للطبيبة في ذلك اليوم بتلك التعابير الخائفة على وجهه.. لقد علم أنها تأذت كثيرًا حينها... ولهذا لم ينتقل أهلها من منزلهم لخمسة عشر عامًا.
لكن لحظة.. إنها استطاعت التحامل على نفسها والنهوض ثانية بعدما تضررت قدمها كل هذا الضرر!!!
من أي طينٍ خُلقت؟؟ ولأي مدىً كانت يائسةً لتمحو عجزها وتنهض؟
ما الذي فعلتُه بها؟؟ لقد قتلتها.. قتلتُ غزالًا كان يُحاولُ أن يولَد من رَحمِ مُعاناته.
أنا لستُ أسدًا كما زعمتُ دومًا.
الأسود لا تلتهم فرائسها من الخلف أبدًا بل الضباعُ من تفعلُ ذلك.
هذا هو أنا.. ضبعٌ خسيسٌ يلتهم ضحيته من ظهرها ويستغلُ عجزها وضعفها وقلة حيلتها ليُثبت قوته وينتشي فرحًا بكبرياءٍ مُزيف.
سِرتُ في الشوارع أهيمُ على وجهي وأنا أفكر.. كيف يُمكن للغزلان أن تُعاود الحياة ثانيةً؟ كيف تستطيع الضباع أن تلتهم فريستها من الخلف وتنتشي بإزهاق روحها ببطئ؟
كيف يمكنُ للريم أن تبث الندم والخزي والشعور بالذنب داخل صيادها الغادر؟؟ كيف للغزلان أن تجعل الضيع يُمضي بقية حياته في شقاءٍ لفريسته التي التهمها بغدرٍ فقط عندما يغدر به حيوانٌ أقوى؟
وكيفَ يُعقَلُ أن يتمنى الضبع بيأسٍ لو أنه كان يومًا غزال ريمٍ وحيدٍ في غابةٍ ليس بها ضباع.. ولا يشعر بكل هذا الذنبِ يزمل تلافيف قلبه!

*انتهى.












رانو قنديل غير متواجد حالياً  
التوقيع

كرزة هليل
قصة قصيرة لخليل ورنم أبطال روايتي القادمة أسرار الياقوت

روايتي الأخيرة لاڤــا بقلوب أحلام


أعمالي بقلوب أحلام (إضغط على الصورة للدخول)





اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا
رد مع اقتباس