[رانو قنديل]

المشاركة الحادية عشر

ليلى مصطفى (المشرفة)

ادب الرسائل (رسالة جندي)...


إلى نفسي أكتب؛ فما ظل من نفسي في عتمة الحرب سواك.
إلى صفية؛

أخط لك بمداد القلم، أحرفا خجولة يكبلها الحزن، صموتة الشوق وقد غلبه قهر الروح بعد أن فاض الجرح واستوطن. فيخجل الشوق أن يناجيك في حرف والقلب كله إليك يحن. يتردد الحبر ذليلا أمام وصلك وقد جبن، فأي رثاء يغني وأي هجاء يثري مايجيش في الحشا من لوعة تكاد الروح لها تجن. والخوف يقض المضجع كل مرة يذاع عن خبر تفجير في مدينة وطن القلب حيث تسكن المقلتين، فيعيش الفكر معلقا يناجي حروف اسمك في خوف، ولو إستطعت دون ذلك وفداءك؛ لجعلت القلب رفيق الرسالة وجعلت الجسد له ثوب الكفن، جبينه ناصع وقد سطرت بفخر شهيد الوطن.

لكن جسد الوطن يئن، عرسانه كثر، زففنا أشلاءهم بلا دمع ولا كفن، مساجده اغتصبت حرمتها، مدارسه اغتيلت براءتها، فهاهو العدو قد فعل فعلته وقصف الأطفال دون أن ينوبه من الضمير ولو بعض من البعض، فوجب أن يدون التاريخ بدم البراءة أبريل السنة الدموي. كما سبقه مطلعها بحدث الأسرى في حزن. الوطن يابهجة القلب، نساءه ترملت، والأهل فقدوا الابن زاد الزمن؛ فالعدو صهيوني المنشأ والعمل.

سألتني صفية في آخر رسالة؛ كيف نعيش؟، كيف ننام، نأكل، نخرس حواسنا عن الوجع؟، كنت لاجيبك لو كنا نعيش، فالجميع هنا مشغول بالتغافل عن التبديل! واه من التبديل، أن يكون صباحا رفيقي أحمد ومساء عادل، أمس كان صابر بكامل أطرافه واليوم مبتور الساق، والأمس كان هنالك جابر والآن اسمه فقط. لذا هنا لا أحد يعيش هنا الجميع يتنفس أخبار الوطن ويرفض تنفس أخبار الرفقة فالكل هنا غريب في مخيم كبير، نابى التعلق فالفقد على الأبواب قريب، هنا كل شيء يتبدل صفية؛ إلا أنت والوطن.

فاستبحت لقلبي الوجع وحرم على جفن العين الدمع، فلن يكسرنا حر صيف ولا برد شتاء، لن يضعفنا كسر جوع ولا عطش ماء، تعب روح ولا استنزاف جسد، فالأرض قد ارتوت بالدماء وفاضت في الأرواح طلقة صلب ستزار في قلب العدو ولن نسمح له أن يرتاح، مهما طال الأمد ومهما سرق منا العدو وناصره شركائه واستنصر له رفقاء النفاق. إن ارتوت التربة بدم ابنائها الأحمر فهو الوعد.

الوعد أن يلمع فخر النصر في عينيك، كما أراه يلمع في أحلام يقظتي من ذكريات عشقنا، ياصفية القلب، ترفرف نجمة العلم نصرا في الأفق، أن نحقق حقيقة الرؤيا واللقاء، كما أحلم كل يوم، نزف الوطن عريسا، وهديته حق منا في ستة أيام قد سلب.
بك ياصفية القلب،
أحارب مضغة قلب تظلم بالحرب فاسرق رآءها بحروف إسمك ليحيا القلب والحب.