عرض مشاركة واحدة
قديم 26-02-19, 04:42 PM   #73

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,973
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الثاني




وقف في القاعة الرحبة ذات الأرضية اللامعة ينتظر وصول حقائبه .

لدقائق ظل ينظر متفحصا لحزام النقل ثم زفر بملل و هو يشيح بوجهه ، يحفظ حظه جيدا ، ستكون حقائبه طبعا آخر ما يصل ، هذا إن لم ينسوا أن يشحنوها كما فعلوها معه سابقا .

تلفت حوله يشغل فكره بمراقبة الوجوه المختلفة الملامح لأناس مختلفي الاتجاهات يجمعهم مكان واحد و غاية واحدة ، كل سينتظر حقيبته ثم يأخذها و يغادر .

و هكذا هي الحياة : كل ينتظر نصيبه ليأخذه معه ، يحمله ثقيلا كان أم خفيفا ثم يرحل .

تنهد بشيء من الراحة و هو يرى حقيبته الضخمة تصل أخيرا ، قبل أن تصل يده إليها كانت يد أحد الحمالين تسبقه .

- عنك يا باشا


أعاد يده إلى جانبه مستسلما .

- هل هناك واحدة أخرى يا أستاذ .

- واحدة و أهلكتني فما بالك لو كانت هناك أخرى ؟ تمتم بمرارة اكتسحت صوته رغما عنه .


نظر الرجل باتجاهه بعدم فهم فأشار بيده إلى الأمام ليسبقه الآخر و يلحقه هو بخطوات متمهلة .

بعد لحظات كان يسلمه إكراميته و يستدير خارجا من المطار .

تخطى البوابة الزجاجية الآلية و رفع كفه تلقائيا يحمي عينيه من أشعة شمسهم : حارقة ككل شيء آخر في بلاده ، حارقة كمزيج العوز و الغبن و القهر الذي التهب بهم كيانه حتى هاجر ما إن تجاوز العشرين بأشهر ، تاركا كل ما يبغضه و في ذات الوقت كل ما يعشقه .

تنهد بعمق ينبئ عن قلب حافل زاخر ثم رفع يدا كسولة يشير إلى إحدى سيارات الأجرة .


.

..



بعد يومين و المساء يأتي فاردا جناحيه يزيح عن كاهله حمل يوم آخر ، جلس في مقهى الحي ، منزويا في ركنه الهادئ يراقب من حوله بينما يجذب أنفاسا عميقة متتالية من الشيشة بجانبه .

لمدة ربع ساعة ظل يحاول تكييف دماغه ، تطويع أفكاره و إرسالها في فضاء من الفراغ قبل أن يستسلم أخيرا و يبعد المبسم عن شفتيه و هو يشعر فجأة بملل شديد يخنق قلبه .

مرة أخرى تأمل الوجوه الغريبة و كالعادة لم ير سوى نظرات خبت شعلة الحياة بداخلها و شفاه جامدة وأخرى منحنية في بؤس .

هز رأسه يتساءل بخواء هل الحال أصبح بهذا السوء مع الجميع أم أن سواد نفسيته هو ما ينعكس على مرايا وجوه من حوله ؟

أغمض عينيه و جذب نفسا آخر أعمق من كل ما سبقه ليركز على قرقرة الشيشة يحاول أن يطرد بها أفكاره .

صوت صاخب أيقظه من لحظة نشوته القصيرة ففتح عينيه بضيق ليرى رجلا يوليه ظهره ، يبدو من نوعية ثيابه و استواء كتفيه أنه في أوج سنوات رجولته .

كان يتبادل مع أحد الشباب الجالسين بعض مزاح العصر الحالي ، ذلك الكلام الملتوي الذي يخفي في براءته تلميحات أكثر من وقحة .

التصقت عيناه برقبة الرجل العضلية بشيء من الحسد و هو عاجز عن تذكر آخر مرة ضحك فيها بهذا الانطلاق .

ظل يتابعه بنظراته حتى رآه يسكت عن الكلام و يبتعد قليلا ليستقبل مكالمة على ما يبدو مهمة ، استدار يواجهه أخيرا و هو يقفل الخط و يعود إلى مكانه .

- يوسف ، تمتم بخفوت بينما يتفحص الملامح المألوفة جدا للشاب .

- يوسف ، علا بها صوته و ليل عينيه يعانق الخضرة المميزة لحدقتي الأخير .

- خالد ، سمع اسمه الذي اشتاقه كثيرا بالحروف العربية الأصيلة .

كيف حالك يا رجل ؟ سأله و هو يقترب منه .


وقف عند وصوله و مد يده يصافحه ليشد عليها الآخر بقبضته القوية قبل أن يمد ذراعه و يعانقه بأريحية لا يجيدها سوى أبناء البلد .

- متى عدت ؟

- منذ يومين .

- يومين و أتيت ركضا للمقهى ؟!

- اشتقت لرائحة شبابي ، تمتم و هو يعود للجلوس مشيرا له باحتلال الكرسي المجاور .

- على ما أذكر شبابك قضيته بين أحضان الإيطاليات .

- ذلك كان شبابي الضائع .

- اللهم ضياعا كضياعه ، انطلق بها صوته مع ضحكاته .

- أعوذ بالله ، تمتم خالد بعبوس فوري ، استغفر ربك .

- أستغفر الله ، سارع يوسف يقول بشيء من الحرج .


حرج اختفى بعد ثوان قليلة و هو يسأله بلهفة متعمدة :

- كيف هن بنات روما ؟

- بخير و يرسلن السلام لك .

- حلوات كعادتهن أكيد ، جميلات ، لذيذات ، مريحات ، تنهد بحرقة و هو يغمض عينيه بينما يهز رأسه بحسرة على نفسه المحرومة .

- من ناحية مريحات فصدقني سيرحنك راحة لن تفوقها غير راحة القبر .

- قبر ؟ فتح يوسف عينه يناظره باستهجان ، لماذا هذه السيرة الآن ؟

- لكي تتذكر أن الله حق و تتذكر أيضا أن هناك زوجة غافلة تنتظرك في شقتك .

- زوجة ؟ كرر اللفظ كأنه يكتشفه للتو .

- سمعت أنك تزوجت ؟

- تقصد كنت ، تمتم بعدم اهتمام قبل أن يطلق صفيرا طويلا من شفتيه باتجاه باب المقهى .

- أنا هنا ، قال بصوت عال يشير للواقف في المدخل يدير عينيه حوله ، انظر على من قبضت متلبسا بتهمة الحنين .


تقدم منهما أحمد بابتسامة هادئة بعثت مفعولا ملطفا آنيا في قلبيهما فورا لتسترخي ملامحهما بابتسامة مماثلة .

- الحمد لله على سلامتك ، قال بترحيب صادق ، كيف حال الأسرة الكريمة و العمل ؟

- ها هي الأسئلة الحقيقية ، علق خالد و هو يهز رأسه نحو يوسف ، ليس مثل البعض .

- الحمد لله على كل حال ، و أنت ؟ أخبارك و الوالدة ؟

- الحمد لله ، و أنت ، حضرة النقيب يوسف ؟ سأل أحمد بتهكم غير خفي ، كيف حال العمل معك ؟

- كالعادة مثلي مثل كل من في الجيش ، نشقى و نتعب من أجل هذا الشعب ، تنهد بافتعال و هو يثبت عينيه داخل عينيه .


و كما توقع تحفز الأخير في جلسته و هو يقول بضجر :

- و أنا من موقعي هذا و بالنيابة عن الشعب الذي أتعبكم أقول لكم أرجوكم يكفي ،

استريحوا و أريحوا و دعونا نخدم أنفسنا بأنفسنا .

- و نجعل البلد بوفيه مفتوح ؟ تساءل يوسف باسترخاء مغيظ أرفقه بهزة حاجب مستفزة ، هل هذا كلام ؟

- الشيشة يا حضرات ، انفض النقاش الحاد الذي كان محتوما بهذه الكلمات القليلة من النادل المرح .


التفت له خالد بابتسامة عرفان :

- ابن حلال و جئت في وقتك تماما

لو تأخرت دقيقتين لاضطررنا أنا و أنت أن نفك خناقهما من بعضهما البعض .


رفع يوسف عينيه إلى النادل الفضولي يصرفه بنظرة صارمة ثم استند على الطاولة بذارعيه يقول مغيرا الموضوع :

- إذن اليوم سهرة للصبح " شباب " مثل أيام زمان .

- أنا و أنت أكيد ، لا أحد ينتظر عودتي أصلا لكن أحمد لن يستطيع التأخر على زوجته .

أو ربما هي لا تمانع ، أضاف بتردد متأملا صمت صديقه الذي وجم و اختفت ابتسامته فجأة .

- أؤكد لك أنها لا تمانع أبدا ، تمتم يوسف بهدوء ساخر .

طلق منذ شهر ، أضاف يشرح أمام نظرات الآخر المتنقلة بحيرة بينهما .

- سبحان الله ، هز خالد رأسه مرتين مستغربا ، جذب نفسا طويلا من الشيشة ثم غمغم بشرود :

الثلاثي المرح .

- لا تقل أنك أيضا نجوت ؟ تساءل يوسف و هو يسعل قليلا من المفاجأة قبل أن يصمت مقطبا جبينه ثم يضم شفتيه و يبدأ بنفث الدخان على شكل دوائر صغيرة انجذبت عينا خالد تتبعانها حتى لحظة اضمحلالها و عودتها عدما .


لدقائق تاهت أفكار كل منهم تتلوى متمايلة بين سحب الدخان الخارج من شفاههم بينما همس القرقرة الرتيب يحدث أثره على جفونهم التي تثاقلت دون أن يشعروا .

- المُطَلَّقون ، كسر صوت أحمد الخافت صمتهم المشحون .

- المُطَلِّقون من فضلك ، صحح يوسف بفخر .

- شباب ، أنا جعت ، وقف خالد يتمطى بكسل .

سأدعوكم على بيتزا ما رأيكم ؟

- إيطالي الذوق و الأهواء و يقول أنه اشتاق للبلد ، سنقبل طبعا ، ماذا كنت تظن ؟

- هيا إذن .

- أنا سأنتظركم هنا ، قال أحمد بهدوء .

- قم و لا تفسدها علينا كعادتك ، برطم يوسف و هو يسحبه سحبا من ذراعه .


سارا بخطواتهما المعتادة لتوقفهما عبارات خالد المتذمرة :

- ألا تراعيان فرق الثمان سنوات التي بيننا ؟


وصل إلى مكانهما يسبقه صوت لهاثه ، ابتسم أحمد بتهكم خفيف بينما قال يوسف بصراحته الفجة :

- تقصد نراعي الفرق في حجم البطن بيننا و بينك .

- أتعرف ما الذي يقوله صديقي التركي دائما ؟ قال خالد بصوته المتراخي و هو يواصل سيره بجوارهما .

يقول رجل بلا بطن هو منزل بلا شرفة .

- اللهم اجعلنا بيوتا بلا شرفة ، رفع يوسف صوته فورا بالدعاء .


أمّن أحمد في سره بينما اكتفى خالد بنظرة جانبية للشاب الآخر قبل أن يقول و ابتسامة واسعة ساخرة تلمع داخل عينيه و تلوح على شفتيه :

- و نحن ننتظر البيتزا يا شباب سأحكي لكم قصة أغرب بيتزا قُدِّمَت لي في حياتي .

..........................



التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 28-02-19 الساعة 01:51 PM
نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس