الموضوع
:
يمينك *مكتملة* *مميزة*
عرض مشاركة واحدة
29-03-19, 03:55 AM
#
297
نغم
كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
?
العضوٌ???
»
394926
?
التسِجيلٌ
»
Mar 2017
?
مشَارَ?اتْي
»
2,972
?
الًجنِس
»
?
دولتي
»
?
نُقآطِيْ
»
¬»
الفصل السادس
في غرفة نومها، جلست الدكتورة نور الهدى على طرف سريرها تتأمل ذرّات الغبار الرقيقة تسبح بنعومة داخل دفقات الضوء الشاحب، ابتسمت بزاوية فمها لثوان ثم تنهدت بعمق بينما تخرج لوحتها الرقمية من حقيبتها و تدخل بلمسة إصبع هادئة إلى ملف التسجيلات الصوتية .
كان يحتوي بدوره على عدة ملفات بأسماء زبائنها المختلفة ، توقفت سبابتها عند ذلك الاسم " مدام جيهان " ، تراجعت بظهرها إلى الوراء تستلقي على المرتبة اللطيفة ثم ضغطت بخفة و بدأت بالاستماع .
- حدثيني عن عيوبه ؟
- كان جاهلا، فظا و ظالما .
- أريدك أن تخبريني عن عيوبه بشكل أوضح ، يعني مع كل عيب ضعي لي موقفا تفصيليا له ، هل يمكنك التذكر ؟
- طبعا .
" طبعا " ، كررت الدكتورة اللفظ بابتسامة انتقلت إلى زاوية فمها الأخرى بينما تواصل الاستماع إلى كلمات المرأة الأخرى اللاهثة غضبا .
- بقية العيوب ؟ سمعت صوتها يتساءل .
- حقود و لا يعود أبدا عن موقفه .
" انظروا من يتكلم عن الحقد ؟ " خرجت الكلمات بشبه همس من شفاه الدكتورة في حين ضغطت بإصبعها على ملف آخر بتاريخ متقدم بمدة لا بأس به عن الآخر .
- مدام جيهان ، من كلامك عن طليقك في المرات السابقة أتوقع أنه شخص مكروه نوعا ما من الآخرين ؟
- كلا طبعا، تردد صوت الأخرى داخل جنبات الغرفة الساكنة يحمل بين طياته شيئا من الارتباك، عيوبه ليست ظاهرة إلى ذلك الحد لا أنكر .
على الأقل ليس للآخرين .
- ما أكثر ما كان يزعجك منه ؟
- لا يجيد اختيار ألفاظه ، يرمي الكلام كيفما اتفق في وجه سامعه .
- دائما أو عند الغضب .
- عند الغضب في الأغلب و الفترة الأخيرة صار دائما غاضبا .
- الفترة الأخيرة ، امم، أخبريني مدام جيهان ، كيف كان قبل الزواج ؟
- كان هادئا ، هادئا جدا
- ما الذي جعله هكذا ؟
- لست أنا بالتأكيد .
- سأصيغ الفكرة بطريقة مختلفة : أنت ترين أنه تغير بعد الزواج ؟
- أكيد و كثيرا جدا .
- و أنت مدام جيهان ؟ هل أنت نفس ما كنتها قبل زواجك
- نعم و لا .
- نعم بنسبة كم من عشرة
- لا أقدر على التحديد دكتورة لكن أكيد تغيرت كثيرا لدرجة أني أحيانا لا أعرفني .
- مدام جيهان ، سمعت الدكتورة صوتها يرتفع بعد صمت بسيط ، أخبريني كيف تبدو لك الصخرة عندما ترينها ؟
صلبة، أليس كذلك ؟
- أكيد .
- هل إذا فتحتها و بحثت داخلها ستجدين نارا
- كلا طبعا .
- و مع ذلك إذا ضغطت عليها بصخرة أخرى ستتولد النار .
- يعني أنا ضغطت عليه إلى حد الانفجار ؟
- كلا لأكون عادلة ، أعتقد أن كلا منكما ضغط على الآخر بالإضافة إلى تعقيدات الحياة التي لم يتوقعها أي منكما .
و الآن و قد وصلنا إلى هذه النقطة دعينا نتوقف عندها قليلا و سؤالي لك هو :
ما هو أكثر شيء شكل ضغطا عليك في فترة زواجك منه ؟
شردت الدكتورة تكاد تستحضر صورة المرأة الأخرى بجلستها المتحفزة ، باضطراب أنفاسها ، بالمرارة التي تشكلت في عمق عينيها، ذات المرارة التي تسمعها الآن في صوتها و هي تجيب سؤالها :
- أمه .
- أمه ؟
حدثيني عنها كيف كانت .
- إنسانة مؤذية ، كلماتها دائما مغموسة في سم قلبها و أحيانا، لحظة صمت ثم أضافت ، أحيانا أعذره على فظاظته معي ، ألم يتربى على يديها ؟
- متى شعرت لأول مرة بأذاها ؟
- منذ البداية، ردت جيهان فورا و بغضب نقله التسجيل الصوتي بأمانة .
تصوري أنها حين باركت لي في حفل خطوبتي منه قالت لي : مبروك عليك ابني .
كأنها تمن به علي .
تصوري أنها قالت أكثر من مرة لي و لأمي و لكل من يريد أن يسمع أنها كانت تريد له الزواج بأختي لأني كبيرة عليه مع أني أصغره بسنتين بينما أختي تصغره بأكثر من عشر سنوات .
تصوري أنها كانت تقول لكل من هب و دب أن شكلي لم يصبح مقبولا إلا حين تكرم ابنها علي و تزوجني .
- و طبعا أنت حاسبته هو على كل كلمة قالتها أمه لك ؟
- و لم لا أحاسبه و هو يستمع و يصمت و لا يقول كلمة حق ؟
لماذا عندما تتكلم هي عني يكون الأمر مقبولا بينما لا يحق لي انتقادها بشيء ؟
و صدقيني أنا لم أنقل لك سوى الخفيف البسيط العادي .
- ماذا كان رأيه هو عن الموضوع ؟ هذا إذا كنت صارحته .
- لم أصارحه بكل تصرفاتها طبعا ، لست من ذلك النوع ، لم أرد أن أنغص حياته و حياتي بسببها .
سكتت عن الكلام لينقل التسجيل صمتهما المشترك الذي تخللته أصوات الحياة البعيدة المتسللة إلى غرفة المكتب من النافدة النصف مفتوحة .
- لا أدري إن كان إحساسي في محله أم لا لكني شعرت بأنها تعاقبني على استيلائي على ابنها .
أحيانا دكتورة أتساءل ما السبب ؟
ما السبب وراء كل ما حصل لي ؟
هل أنا نحس إلى تلك الدرجة ؟
عندما ارتبطت به كنت أعرف أني سأرتبط بعائلته كذلك و كانت نيتي حسنة صدقيني ،
كل ما أردته هو عائلة مرحبة بي و حماة لطيفة .
" حماة لطيفة " ، أوقفت الدكتورة نور الهدى التسجيل و هي تعيد رأسها إلى الخلف تطلق ضحكة خافتة لم يذبل فيها طعم مرارة أيام سابقة .
أيام مضت و لن تعود .
" حماة لطيفة " ؟
كائن أسطوري سمعت عنه لكنها لم تقابله أبدا وجها لوجه .
عادت تضغط على الزر لتستمع إلى نفسها و هي تقول :
- مدام جيهان
دعيني أخبرك عن أصناف الحموات المتوفرات و بكثرة،
توجد الحماة المؤذية القاسية
توجد الحماة الجبارة المتسلطة
توجد الحماة التي تتدخل في كل شؤون حياتك من الكوب الذي تشربين فيه حتى المدرسة التي تختارينها لأولادك .
توجد الحماة الغليظة التي تتكلم عنك بالسوء في وجهك
و توجد الحماة " اللطيفة " التي تتكلم عنك بالسوء من وراء ظهرك
و أحيانا صدقيني النوع الثاني يكون أكثر ضرا .
- اعذريني دكتورة ، انطلق صوت جيهان عاليا يعترض ، لكن صديقتي حماتها لطيفة و مراعية جدا لها و ابنة خالي كذلك حماتها ..
- و جارتك حماتها تنغص عليها حياتها و قريبتك الأخرى في عراك دائم مع حماتها و هذه و تلك و الكثيرات ممن تعرفينهن أو تسمعين عنهن ، هل أنا مخطئة ؟
- كلا، قالت الأخرى و قد عاد التردد إلى صوتها لكني..
- لكنك اخترت أن تنظري إلى أشياء و تغضي طرفك عن أشياء أخرى .
أصغ إلي مدام جيهان ، أنا أوافقك تماما حين قلت أنها تشعر بأنك سرقت منها ابنها .
من منظورها الخاص أنت استوليت على عزيز قلبها ، على ابن رحمها ، على غالي عمرها ، هكذا تشعر كل أم عندما يتزوج ابنها و دعيني أخبرك أنها كلما شعرت بكبر مكانة زوجته داخل قلبه كلما ازدادت شراسة في تعاملها معها .
عاد الصمت ليحتل الجو بينهما لدقائق قصيرة قبل أن يشقه صوتها هي هذه المرة .
- هل لك أن تخبريني عن خلفية حماتك .
- اسألي و أنا سأجيب، تمتمت جيهان
- كم كان الفارق في العمر بينها و بين زوجها ؟
- كبيرا جدا ، خمسة عشر عاما على ما أعتقد .
- هل كان زواجا عن حب ؟
- كلا أبدا ، لم يخبرني زوجي الكثير و لكني فهمت أنه كان زواج صالونات جدا حتى أنهما لم تكن بينهما فترة خطوبة .
- إذن حماتك هي امرأة من جملة نساء كثيرات يحملن على كاهلهن ثقلا كبيرا من الشعور بالدونية .
- أعلم ، تجلت المرارة في صوت الأخرى ، كان شعورها بالنقص تجاهي أكثر من واضح و لكن ما ذنبي أنا لكي تخرج عقدها في ذاتي .
- لا ذنب لك و لا ذنب للكثيرات غيرك ، للأسف هذا كله نتاج العديد من التراكمات على مدى أجيال و أجيال و اختلال في العديد من المفاهيم .
سمعت صدى نقرات قلمها الرتيبة ثم انبعث صوتها ثانية :
- اسمعيني مدام جيهان ، سأكلمك انطلاقا من تجربتي الخاصة و تجارب العشرات غيري .
بالنسبة لي ليست مهمة أي زوجة أن تصلح ما أفسده الدهر و عبثت به الظروف بل يكمن دورها في التأقلم مع الوضع ثم النجاة منه .
و صدقيني الحماة تكون في أعتى حالاتها في السنوات الأولى من زواج ابنها لأنها تحارب حربا تعرف مسبقا خسارتها فيها .
تحارب و هي في قرارة نفسها تعرف أن ابنها بماله ، بجسده ، بقلبه ، بفكره لم يعد ملكها.
و الزوجة القوية الذكية هي التي تصبر ليس ضعفا بل لأنها تعرف أنها ستكون الفائزة .
مع تبخر آخر الكلمات ، مدت الدكتورة نور الهدى يدها إلى لوحتها تعيدها إلى حقيبتها قبل أن تتمطى بقوة تنفض عنها متعلقات الزمن و البشر و الأيام لتقف و تخرج إلى الشارع تواصل حربها ضد الحياة : تلك التي لطالما كانت وفية في خياناتها المستمرة لها .
………………………..
نغم
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى نغم
البحث عن كل مشاركات نغم