عرض مشاركة واحدة
قديم 18-04-19, 02:50 AM   #4

شيري سماحة

? العضوٌ??? » 444044
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » شيري سماحة is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الثالثة


صبر رغم ألمه .. صبر رغم تفهمه لحجج ابنه المتتالية بانشغال زوجته وعدم حضورها بصحبته في زيارته السنوية ، حتى مر عامين أخريين ليخبره ولده بنبأ أثلج ألم صدره قليلاً ألا وهو خبر حمل زوجته ليتبعها بعدة أشهر ميلاد حفيده " علي " تيمناً باسم الجد .. ليتراقص قلبه بأعذب وصلات السعادة ونما أملهُ مرة أخري بعودة ولده بصحبه حفيده المسمى علي اسمه ، فولده بالتأكيد سيرفض تربيته هناك علي غير عادت أجدادهم وأباءهم وفي ظل لغة ليست بلغتهم ...


ولكن صُدم حين أتي ولده الزيارة التالية بدون زوجته أيضا وحفيده .. لا يهم هي فهو أصبح غير مهتماً بها ولا بحضورها ولكن !

ولكن قطعة لحمه وروحه وابن ابنه الذي لم يشاهده حتي تلك اللحظة أين هو !


وكالعادة بحججه الواهية أقنع الجد .. أو هكذا بدر منه أنه يقتنع حتي لا يحرجه أمام شقيقه وزوجته وأطفالهن ..


مرت الأعوام ورزق عاصم بأربعة من الفتيات رضوي ، أميرة ، ندا ، وأخيراً "هنا " بنت العدة شهور .. ليتفاجأ بمرضه الشديد بظهور فيرس c في الكبد ليتبعه وفاته بعدة شهور بسب تأخر اكتشاف المرض !

حشا ظهره و تبخرت قواه ولكنه تحامل علي نفسه وصمد من أجل هؤلاء النسوة مكسوري الجناح .. فمن سيرعاهم أذا سقط ، نعم رحمة الله واسعه والله أكبر ولكن أعدائه يتربصون له والبشر ذئاب مفترسة تنهش بتلذذ في الضعيف !


هنا كثر إلحاحه وبات لديه رغبة قوية وحلم أقوي لرجوع ولده لأرضهُ الأم حتي يرعي بنات أخيه في ظل كبر أعوام عمره وعدم قدرته علي أدارة الشركات ، وأيضاً حتي يري حفيده ذو العشرة أعوام والذي لم يشاهده حتي ذلك الوقت قط إلا من خلال عدة صور أحضرها ولده لهُ في كل زيارة يأتي بها ..

وبالفعل بقرار فريد من نوعه قرر جلال بعد سبعة وعشرون عاماً من تلك الغربة اللعينة بالاكتفاء في مجال البحث والتعلم في تلك البلاد ، فما حققه فيها حتي الأن يكفي ويجب عليه الرجوع لأرض الوطن نهائيًا حتي يعطيها من علمه ونفعته ولو قليل .. فموت شقيقه عاصم أثر به لدرجة مهولة ، مع تفاقم شعوره بفقدانه الشديد له بعد موته ولحاجة فتياته في عمرهن الصغير لمن يرعاهن .. وأيضاً حتي يصلح ما يستطيع اصلاحه ويتطبع ولده بالغة موطن والده الأم ، والذي في ظل انشغاله وسنوات انغراسه في البحث العلمي أتضح له في سهوا لا يقصده بأنه أيقن الإنجليزية تماماً وأصبح يلفظ بها باحترافية بحته ولم يعد يعلم شيئًا علي ما يسمي باللغة العربية !!!



تهللت أساريره بفرحه أقل ما يقال عنها أنها عارمة بعد أن كاد يقضي عليه الحزن بسب موت فلذة كبده البكري ..

وأصبح يعد الأيام والساعات حتي ذلك اليوم الذي أملاه عليه ولده الثاني لحضوره الي وطنه للأبد في أحدي المكالمات الأخيرة بينهم ..

ليتفاجأ في ذلك اليوم بوسائل الأعلام تشن الخبر عبر قنواتها الإخبارية بوصول أبنه إلي أرض جمهورية مصر العربية حقًا ولكن جثة هامدة في صندوق خشبي مغطاه بعلم بلاده !!!


أسترجع موته لله في الحال ولكن أن العين لتدمع وأن القلب ليحزن وأن لفراقهم لمحزنون !

وقع من أنتصابه بعد أن تقطعت أنفاسه وذبح صدره وتجلطت الدماء في عروقه فها قد غادر ولديه الحياة قبلهُ وتركاه وحيداً في وسط فاجعته المؤلمة بموت أبنائه المفاجئ ..

دخل في غيبوبة مطوله مع أيام وشهور من العلاج إلي أن أتم الله عليه بالشفاء أخير بعد عام ليخرج منها بعجز نصفي لا يستطيع الحركة نهائيًا بنصفه الأيمن حتي النطق صار ثقلاً عليه .. ولكن بالأموال تم حضور أكبر الأطباء في ذلك التخصص من دول العالم لعدم قدرته علي السفر لهم وتوالت الجراحات والعلاجات .. ليخرج في النهاية قعيد مقعده الإلكتروني مرة أخري بعد فشل تلك الجراحات ، ولكن بمنحه ألهيه رحيمه به عن طريق تحرك ذراعه بارتعاش ونجاح تحسن النطق ، وبمتابعة دورات العلاج الطبيعي المكثفة نطقه تحسن كثيراً عن ذي قبل ليكون أول ما نطق به أمام زوجة أبنه عاصم وفتياته والمحامي الخاص به وبمثابة أخيه الأصغر لدرايته بكل شيء يخصه .. هو ذلك الاسم الذي شغل ذهنه كثيراً حتي في عز محنته المرضية المميتة " علي " !!!



طرقات متفرقة هادئة علي باب غرفته هي من أخرجته من شروده الحزين بذكرياته القاتلة في توديع الأحباب الذي قتل روحه وجعله يحارب كثيراً من أجل عدم أبعاد فتيات عاصم عنه ولكن النصيب والقدر لهما رأي أخر !

نعم رضوي علي بعد عدة أمتار منهم وأميرة أصر علي ذلك أيضًا وتزوجت بالقرب ولكن عمل زوجها ما جعلها تبتعد في أحدي دول الخليج ..

أما ندا فهي من فلتت من هذا الإصرار الصارم حين رفض رفضاً قاطع تلك الزيجة لبعد استيطان منزل الزوجية ليستمر إلحاح العريس المستمر لمدة عامين منذ أن شاهدها في عامها الثاني بالجامعة لدرجة أنه بكي في أحدي المرات بينهما هما الأثنان ليخبره أنه بات يعشقها وأن لم يتزوجها لن يتزوج من غيرها !

خضع اخيراً بعد أن علم بمدي أخلاقه وسمعته الطيبة في مجال عمله وبعد أن أخذ موافقتها بعد صلاة الاستخارة بالقبول ..

وها هو الأن ينعي فراقها أيضًا !


جاءت تلك الطرقات مرة أخري ولكن متتالية وبصوت أرتفع عن سابقه ليجعله يفيق كلياً من حالته الشاردة مردداً باقتضاب مخيف :

- مين !


تنفست بأريحية حين أتاها صوته الذي طالما تطمئن بأنه حولها ويحوطها فدخلت سريعاً مبتسمه بابتسامة تسرق لب قلبه حين يراها من الوهلة الأولي ..


وبالفعل كأن تعويذة خاصة بها ألقت عليه جعلته يفيق من حالته المغيبة التي دخل بها البيت منذ قليل !..

ليبتسم العجوز علي الفور لرؤيتها ، ولكن لم تكن هذه الابتسامة التي تريدها تلك الجميلة بتقاسيم وجهها العربية الأصيلة والعادية في مجتمعنا ولكن قوة الأيمان بقلبها جعلته ينار في وجه من يراها كالبدر عند اكتماله في منتصف الشهر الهجري ...


دلفت مبتسمه قائله بدلال لا يخرج إلا عليه هو فقط :

- تصدق يا سي جدو لو مش عرفه أخلاقك كويس كنت قلت أنك بتعيش مرحلة حب جديدة لسمح الله !


تهللت ضحكات الجد وانقلبت حالته رأس علي عقب فاهي تلك المرحة الجميلة الصالحة تعيد ما تفعله به دائمًا منذ مولدها لدرجة أنها باتت نسيم العيش الذي يجعله يحيا .. نعم يعشقهم جميعهم ولكن هي حاله خاصة بالنسبة له وذلك الغائب والمتلهف لرؤية وجهه حقاً عن قرب...


- حب أيه يا هنايا أنتِ هتلبسيني تهمه وأنا في سني ده ، وكمان في قاعدتي في الكرسي إللي مكتف حركتي ده !


اقتربت تجلس عند أقدامه علي سطح الأرض الأملس بجواره مردده بتذمر ينفي جملته :

- نعم يا علوه يا جامد أنت .. سن وكرسي أيه إللي هيحكمونا دول ..

ثم استرسلت حديثها بجدية :

- طب وربنا أنت عندي أحسن من شباب اليومين دول إللي متعرفش هو ذكر ولا أنثي من وِسط بنطلونه إللي نازل ولا من شعره إللي مربيه ذي عُرف الديك لمترين فوق رأسه بعد ما يكون طير جانبين شعره في حلقه أستغفر الله العظيم بتنرفزني غير تحريمها كمان ...


علت مرة أخري ضحكاته فمنذ متي توقفت في أي لقاء يجمعه مع تلك المحببة لقلبه مردداً من بينها بخبث :

- يعني أتوكل علي الله وأتجوز زي ما بتقولي يا هنايا !


انقلبت ملامح وجهها رأساً علي عقب لتهتف بحنق شديد :

- طب أعملها كده يا سي جدو ! .. دا أنا وربنا ما أخلي فيها شبه لعروسه نهائيًا ..دا حتي عروسة المولد هتنفر من شكلها !


تهللت ضحكاته مرة أخري بارتفاع ولا يبدوا أنها ستتوقف نهائيًا طالما بصحبة أميرته فهو لا يريد أن يطلق عليها بالشقية فالشقاء من الشيطان وهي بذرة صالحه وضعت في ذريته بالتزامها المبكر وتقربها الي الله وخوفها من محرماته وبعقلها الرزين الواعي الذي يسبق سنها ويدرك جيداً ما عليه فعله !


- رجعتي في كلامك تاني ليه بقا !


عبست بمعالم وجهها مردده باقتضاب عابث :

- مرجعتش ! بس أنت متنساش أن ليك معجبين بيغيروا عليك برده يا جدو الله !!


ذهل لوهله لتتعالي ضحكاته لا يصدق ما يسمعه منها للمرة الأولي ليردد متعجباً :

- غيرة !


- طبعاً يا جميل يا حلو أنت ، وبعدين مستنظر أيه من وحده عندها جد طعمه وزي لهطت القشطة البلدي زيك كده ..



- بس كفاية هتغر وأنسي نفسي وكبر سني وأني...


صمت لم يعد قادراً علي اكمال جملته لاتيان غصه مفاجأة في حلقه أجبرته علي الشرود ثانياً متذكراً حفيده الذي يرغب في فرحته الكبرى التي ستشفي مع زواج فتيات عاصم نار صدره وفراق فلذة كبده بعض الشيء ..


وكأنها قرأت أفكاره بعينيها التي توغلت في معالم وجهه ببطيء مردده بهدوء مريب متأثرة بكلام شقيقتها :

- أنساه يا جدو ! أنا يمكن أول مرة بقولك الكلام ده بس أنا معنتش قادره أشوفك متألم وحزين أكتر من كده ..


أنتبه من شروده علي جملتها التي جذبته جذباً وجعلته يشعر باقتلاع شعر رأس واحده تلو الأخرى ليردد باستنكار بعيون لمعت بميلاد الدموع بها :

- أنسي روحي يا هنا !


هزات من رأسها تنفي جملته وهي تقبض علي يداه بين راحة يداها مردده بترجي :

- لا يا جدو أنسي إللي بايعك ومبيسألش عنك ألا من كل مكالمه فين وفين ويمكن أنت أغلبهم اللي بتعملها .. وناسي كبر سنك وألمك .. والأكتر من ده كله أنه مقدرش أنك أتعلمت الأنجليزية في عز معاناتك دي عشان مجرد بس تسمع نبرة صوته بعد ما كنت بتجيب مترجم في مكالمتكم !


رفع وجهه للأعلى يحدق في نقطة فراغ أمامه مردداً بوهن قلبه الذي مازال يلمس له العذر :

- الله أعلم بظروف كل واحد أيه يا هنا !


رددت بحذر متلعثم :

- ما يمكن يا جدو أتجوز من هناك وكون عيله وبالتالي أستقر ومش عاوز ....


- كفاااااايه !!



هتف بها الجد من هنا لينفر بمقعده المتحرك بعيداً عنها في جنون مخيف وفي فعل سابق من نوعه بحضورها ، فها هي بطفولتها وبسنوات عمرها الضئيلة وعت ذهنه علي واقع مرير قد يحدث في أي لحظة قد يقضي عليه حينها نهائيًا لتضيع سنوات تعبه وشقائه هباءً .. حقيقة مؤلمه قد وعته عليها ليعلو و ينخفض صدره بعنفوانيه مصاحباً بضيق قد يقضي علي أنفاسه وعلي كل غالي بطريقة ، فأن كان بكما فمه ، وصما أذنه بالماضي فلن يظل متكتفاً الأيدي الأن حتي يرتبط حفيده بامرأة من غير ديانته كما فعل ولده من قبل ليضيع نسله ونسل أبن أبنه الوحيد علي تلك الأرض هناك للأبد !!!



علت أصوات أنذار البيت تدوي في جلستهم لتسرع أحدي الخادمات بتلبية ندائه وفتح الباب للقادم ..

لتردد بأجلال وتقدير مختصر رافعه يداها تشير باتجاه محدد :

- أهلا يا شاكر بيه علي بيه في انتظارك في المكتب ..


دلف في صمت سريعاً يكسوه التوتر والاضطراب والقلق من صوت صديقه في المقام الأول في الهاتف قبل أن يكون عميلهُ الأهم في أكبر مكتب للمحاماة في البلاد !


دلف لتتطلع رقيه والدة الفتيات لأبنتها هنا بنظرات مندهشة مردده باستفسار مريب :

- في أيه يا هنا ؟! جدك يطلع من أودته بحاله أصعب من لما دخلها ويروح علي أودة المكتب لا وكمان الأستاذ شاكر المحامي يجي علي وجه السرعة كده يبقي حاجه مطمنش !


ارتبكت معالم وجهها وتملكت الحيرة قلبها قبل هيئتها مردده بخفوت :

- معرفش يا ماما صدقيني كان كويس معايا جو وبدأ يضحك زي كل مرة ويفك عن نفسه بس .. بس


- بس أيه يا هنا !



- معرفش يا ماما بس لما نطقت بأن ينساه وأنه يمكن احتمال يكون أتجوز هناك حالته أتقلبت زي ما أنتِ شايفه كده!


هزت رأسها في صمت يائس فهي باتت تعلم الأن مصابه " الحفيد " الذي يدفعه للجنون القاتل الذي يقتله داخلياً قبل أن يتعدي ويقتل غيره من الأخرين .. لتتذكر محاولات سفره له في امريكا لأكثر من مرة ليتحد الأطباء أجمع علي عدم الذهاب بسب سوء حالته المرضية وقلبه بالأكثر !!


----------------

-----

-


شيري سماحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس