عرض مشاركة واحدة
قديم 18-04-19, 02:57 AM   #7

شيري سماحة

? العضوٌ??? » 444044
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » شيري سماحة is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة السادسة

" لا نصدق بأن ساكني قلوبنا بأريحية هو قاتلنا ببطء .. ولا من يريد حمايتنا بكبرياء هو من أقحمنا بذاته في حرب مُحت فيها الكرامة .. وان من يجبر أروحنا بعد الله هو كاسرها !!

واذا ذاقت قلوبنا وجع الانكسار فلا يوجد لدي البشر جبرا .. !

فحين ذاك قُل سلاماً علي قلب مات قبل أن يولد !! "

رجع الجد لنقطة البداية بل وما قبلها وأبتعد الحفيد مطلقاً .. رجع بعد أن أقحم فتاة مفعمة بالحيوية بسنواتها القليلة في مرارة الماضي .. لتحيا حاضراً ليس بحاضرَ .. ومستقبل أنتهي قبل أن يبدأ .. ليقضي علي أحلاماً ماتت قبل أن تولد ، وأنوثة ليس مقدراً لها أن تزدهر ، ومتطلبات للعيش دفست بخزي وكأنها ليست بفتاة كأي فتاة !!

---------------

- جدو .. يا جدو النتيجة طلع…

هتفت "هنا" بتلك الجملة بدلال كعادتها ، وبسعادة تملكت منها بعد أن اقتحمت غرفة مكتبه علي حين غفلة .. ليصمت لسانها عاجزاً عن التكملة ، بعد أن حدقت بنظرة تفصيلية حالتهُ المتيبسة في ظل تساقط دموعه دون توقف من مقلتاه بنظراتها المبهمة في نقطة ما أمامه ..

انتفض قلبها قبل جسدها من هيئته المزرية ، فأسرعت تهرول باتجاههُ بفزع جلي علي معالم وجهها مردده بقلق دون توقف متفحصه وجهه وجسده براحة يداها بارتباك :
- جدو !.. جدو مااالك ! .. جدو في أيه ! .. رد عليا أرجوك !

أجهش في بكاء مرير حين اقتحما صوتها الحاني أذُنه ليخرجه من شروده المعذب لذاته .. مقحماً وجهه بين ذراعيها بعد ان تشبث بوهن بهما .. كأنه يطلب بضعفه المفرط بين يداها العفو والغفران من ذنبٍ عظيم أقترفه في حقها .. العفو والغفران القاتل لأنفاسه وليس لراحته ، والذي قد لا يعطيه لضميره في يوم من الايام مطلقاً لشناعة جرمه !!!

----------------

أغلق الاتصال لا يستطيع الانصات لهذا الهراء أكثر من ذلك ، مطيح بهاتفه بعنف علي طول ذراعه في عرض الحائط الزجاجي من جانبه والذي يطل علي الولاية بأكملها ليسقط الي أشلاء متفرقة ..
مكملاً ثورته المتأججة بتفريغ سطح مكتبه بعنفوانيه هائجة بجميع من عليه ، ليصدح عالياً أصوات التهشم بتوالي في ظل ارتفاع وانخفاض صدره بأنفاس متتالية ..
اتجه بخطي واسعه باتجاه الحائط الزجاجي واضعاً راحة يداه في جيب سرواله مخرجاً أنفاسه المتلهبة دفعة واحده ، محدقاً بمقلتيه في قلب الولاية بغضب جلي من تصرف ذلك العجوز الماكر الذي لولا ذكري والده ما بقي عليه …

دلف بفزع كلا من ذراعه الأيمن جاك ومديرة مكتبه سولا علي أصوات التهشم ليتفحصا بمقلتيهم المنذهلة المكان في صمت تام ..
التفت " علي " بوجهه المتهجم لهم علي أثر صوت انفتاح الباب أمرهم بنبرة صارمه :
- جاك ذلك التوكيل الذي خرج للقاهرة منذ أسبوعين يتم الغاءه فوراً ..

تحرك فم جاك للحديث ليقابله اعتراض " علي " برفع كف يداه في وجهه مرددًا باقتضاب :
- لا أريد الاستماع لأي حديث الآن ،ومن الأفضل لك الأسرع بوقف ذلك التوكيل في الحال وسأشرف علي هذا بذاتي ..

أسرع جاك ملبيًا أمره في صمت كما أمر .. في حين أكمل " علي " حديثه لمديرة مكتبه المرتجفة من هيئته أمرها بنفس تهجمه :
- سولا أريد تنظيف تلك الفوضى علي وجهه السرعة دون ترك أي أثر …

أومأت سولا برأسها بالإيجاب مرددة بملامح مضطربة وصوت متلعثم :
- أمرك سيد " اَلي "x ..

حركت أقدامها من امامه للتنفيذ في الحال كما أمر ، بينما هو أخرج سيجارة باهظة الثمن في حدث نادرًا يأخذه لترويض نفسه الغاضبة ، أشعل اياها بحذر مستنشق دخانها بتمهل ، زافراً أياه ببطء أشد ، عائداً بنظراته مرة أخري لتلك النافذة المتسعة محدقًا لما خلفها بحنق مخيف ساخطًا علي عقل ذلك العجوز واصراره للرجوع لتلك الأرض واصحابها بعقولهم الرجعية وترك انتقامه المنشود !!

---------------

ما هي إلا دقائق وأخفت هنا معالم وجهها بسترة الوجه وتم نقله لغرفته الأرضية ، عن طريق أحد الخدم الذي غادرا فورًا استكانته علي الفراش ..نظرًا لتتبيه الجد الصارم بعدم التجول داخل الفيلا إلا للنساء العاملات فقط من أجل هناهُ ..

هرولت رقية زوجة ولده قلقه بعد علمها بما لحق به ، فزعه عليه باضطراب ظاهرٍ علي ملامح وجهها .. لتصطدم بهنا بحالتها المزرية خارجة من غرفته علي وجه السرعة ..
لتسألها بخوف :
- جدك ماله يا هنا ؟!

أجابتها بتلعثم يصاحب وجهها الشاحب :
- معرفش يا أمي دخلت مكتبه بالصدفة لقيته بحالته دي .. أنا هروح أطلب رضوي أو جوزها يجوا يطمنوا عليه ويطمنونا ..

- طيب يلا يا بنتي ..


رددتها رقيه علي أثر تطلعها لمغادرة هنا بسرعة البرق من أمامها ، لتستدير لداخل الغرفة ملتفته لذلك الراقد بسلام في فراشه لا يصدر عنه إلا أنين بكائه الخافت ..
أسرعت تجلس علي الفراش بجواره حامله كف يداه في راحة يداها قائلة بفزع من حالته التي تشاهدها به لأول مرة مهما بلغ حزنه :
- بابا الحاج مالك .. أيه وصلك للحالة دي ؟!

أغمض عيناه بقوة كأنه يعاقبها أنها برفقته وباقي أعضاء جسده بعد ما صدر منه من جرم .. غير كافياً بأنهيار دموعها الغزيرة دون توقف ..

لتكون دموع الرجال النادرة في جنسهم خير دليل علي ألم قلبه وانتزاع روحه !

تمتم بنبرة خافته ببعض الكلمات المؤنبه لذاته :
- اانا قتلتها .. اانا قضيت عليها وعلي مستقبلها ..

أتسعت مقلتي رقيه بهلع علي أثر كلماته الغامضة المخيفة بعد أن أنصتت لما تفوه به .. لتنحني بأكتافها باتجاهه مردده بقلق :
- بابا الحاج أنت بتقول أيه .. هيا .. هيا مين دي إللي قتلتها وقضيت عليها ..

لتتوالي الهمهمات بخفوت :
- انا بس إللي مفروض أتعاقب .. أنا بس !

فزعت رقية من حالته مردده باندهاش مفرط :
- بعد الشر عنك يا بابا أحنا كلنا فداك متقولش كده ..

ثم انحنت اكثر تربت علي كتفه بحنو مرددة بهدوء نسبي :
- قولي أيه بس اللي وصلك للحالة دي أنا ما صدقت تحسنت شوية من يوم فرح ندا !

فتح عيناه التي طالما عبرت عن حزنه باحمرارهم الظاهري من نزيفهم المستمر .. ولكن الأن الأمر أختلف اختلافا كلياً عما عناه في السابق لتخرج منه بعض الكلمات كذخيرة حيه تقتله قبل أن تصيب غيره :
- أنا عملت جريمة في حق هنا يا رقية .. عملت جريمة معرفش هسامح نفسي عليها ولا لا .. حتي لو في يوم من الأيام سامحتوني أنتم عليها كرأفة براجل مسن ..

هزات صدرت من رأسها تنفي ببطيء ما تسمعه غير مستوعبة تماماً مقصده لتهمس بكلمة واحدة :
- قصدك أيه ؟!

أشاح بوجهه بعيداً عنها في خزي وعار في حقه مردداً بخفوت مؤلم :
- أنا كتبت عقد زواج بين هنا وعلي أبن جلال وشاكر المحامي وثقة في الشهر الxxxxي ..

شبه ابتسامة ميته ارتسمت علي جانبي ثغرها بعدم تصديق لترمقه بنظرات زائغة متفرقة علي معالم وجهه تستنبط جديته…
فزعت من جلستها بصدمه عند ثبات تعبيرات وجهه ، ناهضه علي قدميها الرخوة مردده بهذيان مطلق :
- علي !x .. هنا !.. بنتي !.. انا !.. طب ليه .. ليه يا عمي !

استدار بوجهه الذابل بلا حياة لها ، مع استمرار دموعه بلا توقف مردداً بندم قاتل :
- كنت فاكر أن كده هرجع ليكم راجل في عز شبابه يصون لحمي من بعد موتي .. كنت فاكر أني كده هحافظ علي نسلي أن ميمتدش في الأرض النجسة دي ، وأوقف مهزلة أبني بدأها بطيشه ..

صدح صوتها بأنهيار مصاحباً بذهول مع دموعها التي تسربت بغزارة من مقلتيها الجاحظة :
- ببنتي ! .. ببنتي يا عمي عاوز ترجع وتصلح القديم .. طب كنت عرفني .. طب كنت قولي وانا كنت فديتها بنفسي وعملتك إللي أنت عوزه حتي لو هروح أركع وأتذلل تحت رجليه يرجعلك .. لكن ببنتي !!

- غلطت .. غلطت يا رقية غلطة عمري كنت فاكر أول لما يعرف ممكن يزعل شوية وبعدين يرضي بالأمر الواقع ويقبل بالزواج وينزل بس…


رفعت يداها تزيح دموعها بعنف ليظهر عينان تحدج بهما بقسوة :
- بس هو رفض وعاند أكتر وبنتي إللي اتحطت بينكم أنتم الأتنين .. بنتي إللي أتحكم عليها أنها تعيش كل حياتها علي ذكري جواز لا هو بكفها ولا هو حقيقي وعيشاه .. بنتي هي إللي أتحكم عليها تموت بالحيا .. ومن مين .. منك أنت يا بابا إللي عمري ماكنت أتصور أنك أنت ممكن تأذيها بكلمة في يوم من الأيام ..

قالتها لتركع عند الفراش متشبثة به بكفي يداه ، مبينة ضعفها الداخلي دون إرادة ، منهمرة في البكاء مرة أخري ليتوالى هذيانها بألم :
- بنتي لا يا بابا .. لا أرجوك .. ألحق بنتي قبل ما تضيع وينكتب عليها التعاسة من قبل ما تبدأ حياتها .. أرجوك مدخلهاش بينكم .. أرجوك طلقها منه !

ظلت تهذي بوجع ويأس غير شاعره بتلك العينان الدامعة التي تنزف في صمت من خلف باب الغرفة ..
ظلت تهذي لينفطر مع كلماتها قلب الجد العاجز العليل مردداً من بين دموعه بألم :
- رفض ! .. رفض أن يقبلها أو أن يطلقها لأنه عاوز يعاقبني أن بفكر فيه وعاوز اصون لحمي .. لا وكمان قطع صلته بيا تاني ..
ثم أسترسل حديثه بابتسامة مريرة :
- أنا اللي غلطان كنت هنتظر أية من تربية يهودية !

- لاااااا .. لا .. لا

رددتها رقية بأنهيار تام عند فراشه دافسه به وجهها بقهر .. فقد كانت علي وشك الاطمئنان عليها بعد عدة سنوات قليلة هي الأخرى واكمال رسالتها عن قريب كما حال شقيقاتها حتي يهدأ قلبها ويطمئن ولكن كل شيء قلب رأسا علي عقب ..

قطعت أنينها المقهور حين خرجت كلماته بخفوت يعصر القلب :
- أنا قولت أنتِ إللي هتقويني يا رقية زي ما كنتِ دايما بتقويني في كل اللي مر عليه .. بس الظاهر أن أنا المرادي قتلتك وقتلت نفسي وقتلت هنا في غفوة مني بتأكد علي أني كبرت وخرفت ومعنتش أستحق العيشة بعد كدة…

رفعت رأسها سريعاً بغزة في صدرها مردده بألم وبعيوناً تصب صباً :
- بعد الشر عنك .. لا يمكن ولا هيكون إللي يقول عليك كده .. دي بنتك قبل ما تكون بنت…

بترت جملتها علي دخول هنا بوجه مبتسم متجرعه حلقها بألم مرير فما أنصتّ له مصادفاً يكفي !

نعم يكفي ! لعذاب رجلاً مسن مريض وليس أي رجلاً مسن .. فهو نسيم العيش لوجدانها .. وخيوط الأبوة التي تسربت لها بعد أن تيتمت بقدر الله في الشهور الأولي من حياتها .. والكف المرتعشة التي تقاوم المرض لتربت علي أكتافها فارضة سقف الحماية والأمان فوق رؤوسهم جميعاً …

نعم يكفي فأن أخطئ ذلك العجوز فمن نحن لنعاقبه ..
وأن اعترفا فمن نحن لنعاتبه ..
وأن ندما فنحن جميعاً له فداء !!


----------------------------



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 18-04-19 الساعة 09:51 PM
شيري سماحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس