عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-19, 08:46 PM   #1

Fatimah Aliyo

? العضوٌ??? » 445225
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 1
?  نُقآطِيْ » Fatimah Aliyo is on a distinguished road
افتراضي في طليطلة .. ثعلباً


بسم الله الرحمن الرحيم




.



.



.




طافت ملك بعينيها أرجاء المكتبة الفارغة ، مرجحة وجود العم إقبال في المخزن .. بدت مترددة ، فقد مرت فترة زمنية ليست قصيرة أبداً منذ زيارتها اﻷخيرة لمكتبتها المحبوبة ، وقد ظنت أنها ودعتها للأبد .. ترى كيف سيكون ردة فعل العم إقبال حين يكتشف وجودها .. ربما سيندهش .. لكنها تتمنى أﻻ يظهر صدمته علناً كالباقين .

اشتاقت أن يستقبلها بملامحه الطيبة والمهلهلة ، وتسمع عبارته اﻷبوية الدافئة " مرحباً بك في مكتبتك يا ابنتي "

توجهت للركن الذي كان المفضل لها في وقت ما ، ومسحت عينيها بهدوء الرفوف التي تحمل أدوات بكل ما يخص الخط العربي . التقطت قصبة ديسفولي من بين عديد من مثيلاتها متباينة المقاسات كالتي كانت تقتنيها والتي فقدتهم جميعاً ضمن مجموعتها العزيزة ، وفقدت كل ماله صلة بهذا الفن .. حتى شغفها !

فجأة ظنت أنها تتوهم .. فقد انجذب بصرها لﻷرضية المكسوة بالبساط الوبري الترابي اللون .. وظنت أنها تتخيل ذيل ذو فرو أبيض نقي ومذهل ! منبهرة استدارت كي تلقي نظرة على المخلوق الغريب المتواجد في مكان ليس بمكانه .. ولكن بدلاً من أن تجده فوجئت بنفسها تقف مواجهةً لرجل غريب في الوقت الذي ظنت أنها وحيدة .

" هل أنت بخير سيدتي؟ "
اكتستها البلادة وهي تقابل تحديق الرجل الغريب حائرة ، وغلبها فضولها فالتفتت ببحثٍ خفي تحاول اكتشاف مخبأ ذلك الكائن الفاتن ! لقد شعرت به وهو يفر ، أجل ، كان خلف قدمها تماماً وشعرت بنعومة فروته على كاحلها !

عادت بانتباهها للغريب ونظراته التي تسعى للاطمئنان عليها ما زالت محتفظة بلطافتها ، متجاوز فظاظتها بتجاهلها له .. بائعٌ مساعد ؟ وللعم إقبال ؟ لطالما كان العم إقبال عنيداً من هذه الناحية وبترديده دوماً حول قدرته على إدارة مكتبته الصغيرة بنفسه ، ولكن أين هو العم إقبال ؟

انبعث الصوت الخافت بتهذيب مجدداً : " العم إقبال يقضي إجازة مع أسرته في هذه الفترة ، إنما ﻻ داعي للقلق بمقدوري خدمتك طالما استطعت "
كانت عيناها على الممر المؤدي إلى مخزن العم إقبال حين خاطبها .. فوجهت إليه نظرة طويلة حتى انتبهت مجفلة إلى أنها تحدق به !

إن في هذا الشخص تباين ملفت ، هيئته تبدو كالغراب بسواد ملابسه التي تبرز نحوله ، وبشعره المسترسل ، في تناقض تام مع سحنته الشاحبة والشديدة البياض كالرخام النقيّ .

واﻵن تستوعب ، إنه يحدثها بالعربية ! هزت رأسها في حركة غير مرئية وكأنها تنحي اﻷفكار التي سببت التشوش لها ، وقالت ببرود : " شكراً لك "

عاودها صوته بنفس النبرة الرخيمة الناعمة متسائلاً : " إذاً ، ماذا تحتاجين باﻹضافة لقصبة الديسفولي ؟ "

بعد لحظة من الصمت والجمود قررت أن تجيب : " أريد مجموعة متكاملة ، تحوي كل ما سأحتاجه في الخط العربي "

انطلق صوت الشاب مرحباً ببشاشة : " تسرني خدمتك وسأنجز طلبك بأقل ما يتطلب من وقت ، وفي أثناء ذلك يمكنك اﻻستراحة ، تفضلي من هنا سيدتي "

كانت ملك تجلس بهدوء في المقعد الذي قدمه لها الرجل والذي كان يقدمه لها سابقاً العم إقبال .. بينما شاردة تلاعب خصلة داكنة من شعرها المعقود بشكل ذيل حصان .. وقد تراءت لها هيئته عائداً من داخل المخزن . في رأسها عدة أفكار وتساؤﻻت فضولية حاولت إخمادها أو تأجيلها إلى أوان آخر حين ترى العم إقبال .

ولكن سمحت لنفسها بسؤالٍ وحيد : " هل تعمل هنا منذ فترة طويلة ؟ "
ﻻحظت ابتسامته التلقائية بينما يضع الصندوق الكرتوني فوق طاولة المحاسب ، وفكرت فيما تراقبه يفتح الصندوق أن له يدين أنيقتين وصافيتين للغاية كأنهما تعودان ﻷمير مدلل ، وحتى صوته الرقيق كارستقراطي مهذب : " لن أقول هذا ، ولكن أعتبر نفسي أصبحت أرى هذا المكان جزء ﻻ يتجزأ مني ، هذه المكتبة القديمة توحي بأجواء شاعرية دافئة تحثك على البقاء ، هل تتفقين معي ؟ "

لن تعلن له بأنها توافقه بالطبع ، ولكنه عبّر باختصار عما تشعر به اتجاه هذه المكتبة ، وبذات شعور الدفء الذي يتسلل إليها خلال زياراتها القديمة .
انشغلت بمداعبة حاملة للميداليات وأذنها تتابع أصوات إخراجه بقية الأدوات من الصندوق . واختارت ميدالية ذات شكل بطيخ لطيفة ، في اللحظة التي سمعته يمنح لها اﻹذن بالتمعن في أغراضها وتجريب ما شاءت .

"إذن تتفقين معي ؟"
هل ينوي مواصلة نفس الحديث؟ تمنت برجاء أن تهرب من ذلك ، لذا راوغت قائلة وهي تراقبه يساعدها في وضع خيوط الحرير اللؤلؤية في المحبرة نصف الممتلئة : "ربما كل مافي اﻷمر أنك منبهر ، ﻷنك لم تجرب دخول مكتبة من قبل"
" أو ربما ﻷنه ﻻ وجود لمكتبة عتيقة منذ العهد اﻷندلسي"
بانت في عينيها لمعان الضحك ، لقد فهمت ما قال لكنه يصف اﻷمر وكأنما عايش ذلك العصر . تأملت مرة أخرى ملامحه النقية البياض وتناقضها مع صوته العربي .. بعد تدقيق استنتجت أنه ليس أسبانيّ أو حتى اوروبيّ الهيئة .. عجزت عن وصف العرق الذي قد يعود له .. ولكن ما تأكدت منه أﻻ وجود للمحة عربية في سحنته .

أمسكت بقصبة بامبو عريضة وبدأت تخط على ورق كوشيه أملس ، إنها لم تفقد مهارتها بالكلية ، ولكن تحتاج إلى تمرين ..

" طير يجوب في السماء بﻻ همِّ "

تراجعت قليلاً تقيم ما كتبت ، بالنسبة لتوترها أثناء تحكمها بسير القصبة ، فالنتيجة رائعة .

" جميل ومبهر "

ابتسمت ملك مسرورة ﻷول مرة تجاوباً لعبارة المديح واﻹعجاب ، فتابع رفيقها قائلاً : " تستحقين العلامة الكاملة ، إنك تتفوقين علي "

" هل تكتب ! "
اندفعت بلهفة لم تقصدها ، ولكن امتنت إلى أنه لم ينتبه لهذا وهو يمسك بالقصبة العاجية اللون ويكتب ...

" في طُليطلةِ ثعلباً .. في الهوى بات متيماً " .




.



.



.




انتهت




Fatimah Aliyo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس