عرض مشاركة واحدة
قديم 17-05-19, 12:28 AM   #2

إيڤ

? العضوٌ??? » 438193
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 23
?  نُقآطِيْ » إيڤ is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الأول


“الموت هو الحقيقة الوحيدة فى الحياة. ما أوجعنى هو غياب من أحببت
وغياب الرائحة والعطر الذى تعودت عليه خياشيمى.
فقدت من يوم رحيلها إحدى حواسى الخمس.”*

ولكنها مع فقدانهم فقدت كل حواسها,ترتدي الأسود منذ وفاتهم..وتتكور على نفسها في سريرها وهي تحتضن ثوب والدتها المفضل..
تشتمه حتى تصل رائحتها لأعماق قلبها الذي صار ينبض بضعف في محاولته لتمسك بالحياة ..
تحتجز نفسها في غرفتها الجديدة في بيتِ لطالما كان ممنوع عليها دخوله,ولطالما كانت غير مرحب بها فيه
تمرر يدها على خدها الممتلئ لتمسح سيلاً من الدموع ..
فتح باب غرفتها بهدوء,أطلّت برأسها من فتحة الباب الصغيرة : نايمه ؟
اغمضت عينيها وهي تمثل النوم
لكن لم يغب عنها اضطراب تنفسها..لذلك تقدمت للداخل,وقفت على راسها تنظر في وجهها وهي ترى رموشها الكثيفة مبلله بدموعها
مدت يدها بتردد لتمسح على شعرها الكستنائي القصير : ليالي
اصحبت تدرك ان لا مهرب لها من هذه التي تسمى " هند ",فتحت عينها اللوزيتين لتنظر الى الأعلى تحديداً الى الوجه الطفولي الذي ينظر اليها
هند : ماتبغي تتغدي معانا
هزت رأسها رافضة,لتعود وتغمض عينيها مجدداً
عادت بخطواتها الى الوراء,وأغلقت الباب خلفها..وهي تعلم تماماً ماهية الشعور الذي تشعر به ليالي..فهي ايضاً فقدت جزءاً منها فين حين ان الجزء الأخير على فراش المرض منذ سنوات
عادت خالية الوفاض الى غرفة الطعام,حيث تلتف العائلة حول الطاولة وتترأس الجدة رأس الطاولة
بنظرات حادة تنظر الى هند وهي تخبرهم ان " الغريبة " كما تحب ان تسميها,ترفض الطعام كما تفعل منذ 10 أيام
جلست هند بجانب اخواتها على الطاولة,وملامح الحزن تكسو وجهها
في حين ما ان الجدة تحاول جاهداً ان لا تتأثر بحفيدتها التي طالما اعتبرتها نكرة كوالدتها تماماً
همست بالرحمة لروح ابنها وزوجته وبدأت بالأكل وتبعها احفادها

بعد وجبة الغداء الدسمة,تعود الجدة الى غرفتها لتأخذ قيلولة الظهر
وفي غرفة المعيشة يجتمع احفادها كعادتهم,يحتسون كوباً من الشاي الأخضر
هند وهي توجه حديثها الى اختها الكبرى : بتروحي لماما اليوم ؟
زفرت في ضيق وهي تنظر الى كوب الشاي خاصتها : مشغولة
هند باستنكار : بس انتي مارحتي لها اخر زيارة..
اضافت الأخرى في ذات الاستنكار: عنود
قامت متهربه من حوارٍ لا تفضل الخوض فيه,تاركتاً اختيها الأصغر منها سناً ينظران اليها في دهشة
هند : رغد اختك هذي فيها شي ؟
رفعت رغد كتفيها دلالة على عدم معرفتها
قامت هي الأخرى من مكانها لتختبئ بين كتبها لتهرب من شعور سيء يجتاحها

وفي الغرفة المجاورة لهند..

تجلس على سجادتها متكئةً على سريرها,عيناها تنظران الى الايطار الذي يحمل صورة عائلتها الصغيرة..
لا تستطيع استيعاب انها لن تعد الطفلة المدللة لوالديها,وان كل الدلال الذي كانت تعيشه قد تناثر واختفى
لا تدرك ايضاً ما الحياة التي تنتظرها وهي تقطن في بيت الجدة,وتشعر بأنه غير مرحبٍ بها
مدت يدها لتمسك بهاتفها الملقى على السرير,تفتحه ببصمة ابهامها وتتجه لاحدى البرامج التي تفضلها..بخفة تكتب كلماتِ كانت تخنقها ثم تضيف اسمها المستعار في الأسفل وتنشرها على الملئ,لتشاركهم جزءاً بسيطاً من مشاعرها المتألمة
كانت تحاول التماسك منذ ان استيقظت,او تحديداً منذ ان رأت والدها في الحلم وهو يحتضنها,ينظر الى كتبها الملقاة على الأرض ويوبخها بسبب اهمالها لدراستها
يخبرها بالحرف الواحد " مهما كان حجم حزنك يابنتي اثنين لا تقصري فيهم..صلاتك ودراستك "
اعتادت ان تسمع منه هذه الجملة,لكن هذه المرة شعرت بأنه كان يكررها على مسمعها دائماً,كي تأخذ بها في هذا الوقت بالتحديد
استجمعت قواها لتحمل جسدها المتهالك الى المكتبة القابعة في زاوية الغرفة
تجلس على الكرسي,تفتح مذكراتها وتضع السماعات في اذنها لتستمع الى المحاضرات التي لم تستطع حضورها..
كان اللجوء الى الدراسة حلُ انتشلها من حزنها دون ان تعلم,فلا تدري كم مضى من الوقت وهي تدرس
وحينما شعرت بتأخر الوقت,ذهبت الى فراشها استعداداً لأول يوم دراسي بعد وفاة والديها

***
صباح اليوم التالي ..

خرجت اخيراً من غرفتها..تحمل حقيبة ظهرِ على كتفِ واحدة..وبيدها الأخرى تمسك باللاب كوت الأبيض ..
في ذات الوقت خرجت هند من غرفتها,ابتسمت بسعادة لرؤية ابنة خالها : صباح الخييير
ليالي : صباح النور
حاوطت كتفها ومشت معاها الى غرفة الطعام : اعطيتي جمال جدولك ؟
استنتجت ليالي ان جمال هو السائق,فهزت رأسها بلا
جلست هند حول الطاولة : صباح الخير رغودة
ثم التفتت لتكمل حديثها مع ليالي : تمام بعطيكِ رقمه وكلميه على الواتس..
عقدت هند حاجبيها : فين امي مريم ؟
رغد : في بيت خالي فهد
هند : ليش في شي ؟
رغد : لا بس حبت تفطر معاهم اليوم
رفعت حاجبها بإستنكار : ماما مريم تطلع بنفسها لبيت خالي وبدون سبب !
رغد : والله حالي حالك استغربت,اكيد عندها شي بس ماتبغى تقوله
التفتت رغد لليالي الصامتة : نورتي السفرة يا دكتورة
ليالي بنبرة باردة : تخصصي تمريض
رغد : ولا تزعلي يا نيرس
ليالي : دحين كلكم تطلعوا بنفس الوقت ؟
رغد : جمال يوصلنا للجامعة,وخالي يوصل حقين المدرسة
ليالي : بس انا بكلية سعود مو بجامعة عزوز
رغد : اممم,ما اعرف كيف بتصير الخطة .. بس خلينا اليوم نطلع بدري ومن بكرا نشوف

***


في الطابق الثاني حيث يعيش فهد..

بعد انتهائهم من وجبة الفطور,التفتت الجدة لإبنها الأكبر : خلي ولدك هذا اللي لا شغله ولا مشغله يوصل البزران..وانا ابغاك بكلمة راس
فهد لزوجته " تهاني " : صحي باسل وخليه يوصل البنات للمدرسة
قام من مكانه وهم في مساعدة والدته,لكنها ازاحت يده عنها بكبرياء..ومشت امامه تتكئ على عكازها
اشاحت وجهها عن المرأه العجوز بغضب..وذهبت لغرفة ولدها تطرق الباب عدة مرات..وهي تعلم انه لن يجيب عليها
فتحت الباب واندفعت داخل الغرفة بغضب,اشعلت الأضواء : باااسسسللللللل
فتح عينيه بسرعة وهو ينهض من مكانه فزعاً : ايش صار !
تهاني : قوم وصل البنات للمدرسة
فرك عينيه بنعاس : فين ابويا ليش ما يوصلهم ؟
اخذت علبة المناديل ورمتها عليه لتصيب بها راسه : ماتستحي وانت تقولها
عاد يحتضن لحافه البارد : بنام يا امييي
تهاني في لهجة آمره : لا يتأخروا البنات عن مدرستهم,ولا ابوك بيكون له تصرف ثاني
ابعد عنه اللحاف بغضب وهو يتأفف..

في غرفة أخرى في البيت ذاته

تجلس مريم على الكرسي ويجلس ولدها امامها..تتكئ بكلتا يديها على عكازها
تأخذ نفساً عميقاً : انا ياولدي اشتريت حصة عبدالله
وعندما طال سكوتها,قال فهد يحثها على الكلام : ايه هذا كلام قديم
مريم : وحابّه اعطي هالبنية نصيبها من ورث ابوها
عقد حاجبيه : بس انتي اعطيتي عبدالله حصته كامله,يعني مالها ورث عندنا
مريم : انا حاسه اني ظلمت ولدي وظلمت هالبنية معاه..خليني اريح ضميري يافهد ولا تناقشني باللي مالك فيه
قال محتجاً : بس يا
قاطعته مريم في حدة : هذي فلوسي وانا حرة اتصرف فيها زي ما ابغى,ولا تخاف ما بكتب لها كل نصيبي يعني لسه بتورثني لما اموت
قام من مكانه ليقبل رأسها : بعيد الشر عنك,وهذا مو تفكيري يالغالية..بس هذي لسه بنت صغيرة ايش بتسوي بالأسهم اللي بالشركة
مريم : وهنا نجي للموضوع الثاني اللي حابه افاتحك فيه
فهد : امريني
مريم : انا ابغى تركي لليالي
جمدت ملامح فهد,تفاجئ كثيراً بتخطيط والدته..هو لا يملك فرصةً للرفض ولا يفضل الموافقة ابداً..
مريم : انا اعرف تركي ما يرد لي طلب
فهد : بس يايمه
قاطعته مريم قائله : هذا أمر مني مو طلب .. تنافش انت وزوجتك بس اعرف ان كلامي بيمشي
صبت ما في جعبتها على رأسه,ليسقط كالماء البارد عليه
لا يعلم كيف يفاتح زوجته وابنه برغبة والدته

***



انتهى دوامها ثقيلاً,تعب لسانها من الرد على التعازي التي انهالت عليها..والسبب يعود في انها أغلقت هاتفها منذ وفاة والديها..فلم يستطع احد ان يتوصل معاها
كانت تنتظر في الفناء الخارجي,ترتدي عباءتها وتحمل حقيبتها بنفس الطريقة..ونظارتها الشمسية تغطي هالاتِ سوداء اسفل عينيها
تنتظر جمال الذي اخبرته عن انتهائها منذ اكثر من نصف ساعة
اعادت الاتصال به لكنه اخبرها ان فهد قد الزمه ببضع اعمال عاجلة لا تحتمل الانتظار
اتكأت على الجدار خلفها,وهي تنظر للسماء المكتظة بالسحب..
يتخيل لها منظر والديها وهم ينظرون اليها من فوق تلك السحب..تخيل طفولي,ولكنه كفيلُ بأن ينشر سعادةً مؤقته في قلبها
رن هاتفها برقم غريب,اجابت على الاتصال بصمت
جاءها صوت رجولي هادئ : ليالي
عقدت حاجبيها : ايوا مين معاي ؟
من الطرف الاخر : انا باسل..ابوي قالي اخذك من الجامعة
خرجت من فناء الجامعة تبحث بعينيها عن السيارة التي وصفها لها ..
القت بنظرة على سائق السيارة بالرغم من انها لا تعرف ملامح هذا المسمى بباسل
لكنه انزل الزجاج المقابل لها وببتسامة : ليالي ! اركبي اركبي
فتحت الباب الخلفي وصعدت ..
حاول محادثتها ولكنها كانت جامدة جداً,ففضل السكوت وتركها في شأنها

***

دخلت المنزل وهي تشعر بأشعة الشمس ما زالت تخترق رأسها..مرت بجانبها دون ان تتفوه بكلمة متجهةً الى غرفتها..لكن صوتاً تعرفه جيداً قد اوقفها
: يهودية انتي ما تسلمي !
التفتت على جدتها الجالسة في احدى الكنبات,ردت بلا مبالاة : السلام عليكم
مريم : تعالي اجلسي ابغاكِ بكلمة راس
عقدت حاجبيها وهي تتخيل الحوارات السيئة التي من الممكن ان تدور بينهما..خاصةً انها لم تتحدث معها منذ ان جاءت الى هنا ولكن نظراتها كانت تكفي لتصل اليها شعور الكره
اعتدلت الجدة في جلستها وحاولت الصمود خلف مشاعرها تجاه هذه اليتيمه : انا قررت ازوجك لحفيدي
توسعت عينيها في صدمة,وسألت مشككةً فيما سمعته : ايش ؟
مريم : اللي سمعتيه..
ليالي وبصوتِ باكي : اهلي ماكملوا شهر من توفوا وانتي تبغي تزوجيني بحفيدك !
مريم : اعرفي ان هذا الشي في مصلحتك
ليالي : أي مصلحه تتكلمي عنها !!!!
مريم وهي تحاول التحكم في اعصابها : انتي مالك احد,مالك لا ام ولا اب ولا اخو يتحمل مسؤوليتك
ردت بغضب وبإنفعال : وانتي ايش تصيري ! انا بنت ولدك هذي الحقيقة ماتقدري تنكريها برفضك لي
مريم بحزن كان واضح في نبرة صوتها : انا مسؤولة عنك لكن كم باقي لي من العمر عشان اعيشه ؟ انتي امانة حمد لي وانا لازم احافظ على امانته
لم تستطع ان تتفوه بكلمة,هي لم تتجاوز الى الان صدمة فقدان والديها..فكيف لها ان تستقبل فكرة زواجها
ولم تفتها نظرة الحزن في عيني جدتها,الشي الذي لم تستطع فهمه .. كيف لكل هذه القسوة ان تتبدل في ثواني الى نظراتِ حزينة
بتردد كبير,قامت من مكانها لتجلس بجانب جدتها..احتضنت يديها المجعدتين : لو خايفة عليّه منجد .. أجلي هالموضوع لوقت ثاني,حسي فيني ارجوكِ,انا مو متقبله فكرة اني اكمل حياتي بدونهم فكيف حأقبل بفكرة الزواج وهم لسه ما كملوا شهر.
مريم : أأجل الموضوع بس ما ح انساه
هزت رأسها تجاري هذه العجوز,وابتعدت عنها متوجهة الى غرفتها
تفرغ كم المشاعر التي تجتاحها في اسطر قصيرة,لعلها تريح قلبها المنهك
اما مريم فكانت تشعر بالضعف تجاه تلك العينين التي تذكرها بولدها,شعور الندم ينهش قلبها الضعيف ويزيد من تعبها الجسدي..هي لا تريد لتلك الصغيرة ان تعيش ما عاشته من ظلم.


***


لم يستطع نسيان حواره مع والدته,يتسائل بينه وبني نفسه عن الطريقة التي سيفاتح بها زوجته .. يعلم برغبتها الملحة في زواج ابنها الأكبر بأبنة شقيقتها..
وفي منتصف الليل,حينما حان وقت النوم..
نزعت الروب الحريري,وجلست بجانبه تنظر اليه ببتسامة
عقد حاجبيه من نظراتها,هو يعلم تماماً ان هناك شيئاً ما تريد قوله لذلك حثها على الحديث : قولي ايش عندك
اعتدلت في جلستها بحماس : انا كلمت اختي على مشاعل
نزع نظارته الطبية عن عينيه في صدمة : أيش سويتي !!!
تهاني : اساساً انا كنت المح لها من زمان,واليوم اكدت عليها
واردفت قائلة قبل زوجها : البنت عرسانها كثيرين,وخفت توافق على واحد فيهم وتقعد حسرة بقلب ولدك
لم يستطع عقله ان يستوعب كمية الصدمات في هذا اليوم
سأل مستفسراً : تركي يبغاها ؟
تهاني : ايه انا فاتحته بالموضوع من قبل وفاة اخوك وما رفض..
نظرت الى تعابير وجهه وقالت : ليش متفاجئ ؟
هز رأسه نافياً تفاجئه,لأن ماهو فيه خليط من مشاعر المفاجئة والصدمة والحيرة

***

في نفس الوقت في مكانِ اخر ليس ببعيد..

نزعت نظارتها الطبية المخصصه للقراءة,والتفت بكرسيها على تلك الجالسة فوق السرير وبين يديها ايطار يحمل صورة عائلية في منتهى السعادة
رفعت نظرها ورأت ابتسامة حزنِ تزين شفتيها
مدت يدها لتمسك بيد ليالي: تمنيت ياليالي اني أكون مكانك..
اردفت وهي تبتسم : حتى في الحزن تظلي احسن مني
قالت ليالي المتعجبة من هذا الحديث : امك للآن عايشه,هذا بحد ذاته نعمة..تخيلي تشتاقي لها ماتلقيها ؟ تخيلي انك كل يوم تصحي تحاولي تتذكري ملامحها,تخافي وترتعبي من فكرة ان ملامحها تنمحي من ذاكرتك
هند : لكن ما تتذكري صوتها..ما تملكي أي ذكرى تجمعك فيها..وكل يوم لما انتي تصحي تحاولي تتذكري ملامحها انا اصحى وانا احس اني سبب اللي هي فيه
لم تكن تملك ليالي أي فكرة عن ما تتحدث عنه هند,لطالما كان والدها يتجنب الحديث عن عائلته التي نفته..هي فقط تعلم ان هند فقدت والدها مبكراً في حين ان أمها رقيدة الفراش منذ 19 سنه أي منذ ولادة التوأم رغد وهند
مسحت هند دموعها وهي تعتذر بطريقة لبقة : اسفة جيت اخفف عنك,بس
صمتت وهي تحاول كتم شهقاتها
قامت ليالي من مكانها واحتضنتها,ليست انانية لكن شعوراً مريحاً مر بداخلها حينما شعرت ان هناك من يقاسمها الحزن,هناك من يتألم كما تتألم هي

***


مرت الليلة الماضية غريبة نوعاً ما لليالي,اما هند فشعرت بأنها سعيدة لمجرد تحدثها وبكائها..
احتفظت ليالي بكلام جدتها ولم تخبر هند عنه,ولكنها تشعر بالفضول نوعاً ما بالشخص الذي تريد جدتها تزويجها به..وجلست الليل كله ترسم خططاً لتهرب من هذا الزواج
لأنها ولو كانت تعرف الجدة بشكل بسيط,فهي تعلم جيداً انها لن تتنازل عن رأيها ابداً
لذلك يجب ان تجد حلاً اخراً..
رأت " باسل " يقف امام سيارته يعبث بهاتفه ..
عندما احس بعينين تنظر اليه,ترك الهاتف وابتسم لها : صباح الخير,متأخره اليوم
لم تعتد محادثة الفتيان من قبل,لذلك كان صعباً عليها ان تعتاد على هذا الكائن الفضولي
سألت في استفسار : انت بتوصلني ؟
فتح لها الباب الخلفي : ايه
زفرت بضيق وصعدت..
كانت تنظر اليه من حين لآخر,ربما هو من تريد جدتها تزويجها به !! لذلك تحاول جمعهما بأي طريقة حتى لو عمل كسائقِ له
لكنه ما زال يبدو صغيراً على الزواج..
ضحكت بسخرية وأضافت في داخلها " على أساس انا الكبيرة "
فتحت مذكرتها تراجع جزءاً من محاضرتها خاصةً ان الطريق مزدحم في هذا الوقت من الصباح

***


بعد تفكيرٍ طويل,قرر ان يخبر ابنه عن قرار امه الذي يعلم جيداً انها لن تغير رأيها فيه
انتظر عند باب الشقة وقتاً طويلاً..لكن لا مجيب
اتصل على رقم ابنه لكن ايضاً لم يكن يجيب على اتصالاته..لم يغب عن عينيه تغير حال ابنه بعد وفاة أخيه,وحالته المتدهوره في العزاء
حتى انه فكر ان ابنه كان يتواصل مع عمه..اخيه الذي انصاع لأوامر والدته وقطع صلته به تماماً..ورفض كل محاولاته في الصلح
زفر بضيق وهو يتذكره,يتذكر جسده البارد على ذلك السرير..كان يصارع الموت وحده,في حين ان زوجته فقدت حياتها قبله بساعات..وابنته تنام على السرير لا تعلم عن مايدور حولها
حينما همّ بالخروج من العمارة,كان ابنه قد همّ بدخولها..
عيناه زائغتان,التعب يغطي ملامح وجهه..يرمي شماغه بأهمال على كتفه
لم يكن هذا ولده الذي عرفه,حتى انه شك في تعاطيه
استوقفه بيده,يبدو انه لم ينتبه على الرجل الواقف امامه
رفع رأسه بيده : تركي !!!
نظر لوالدها في دهشة : وش تسوي هنا ؟
سحبه من معصمه لداخل العمارة حتى وصلوا الى شقته..
سأل وهو يتمنى اجابةً غير التي تدور في رأسه : وش فيه وجهك كذا ! انت تتعاطى
القى بنفسه على الكنب وهو يبتسم : لا طبعاً
جلس والده امامه : اجل وش فيه وجهك كذا !
اسند يديه على ركبته,وغطى وجهه براحة يديه .. يريد ان يقاسمه هذا الحمل الذي اثقل كاهله,ولكن كيف بإستطاعته انه يخبره بشيء كهذا وهل سيغفر والده مافعله !

***

تجلس الجدة وتسترق النظر الى ليالي التي تنظر الى صحنها بشرود..حتى انها لم تجب على سؤال رغد الذي طرحته مجدداً
كم كان والدها يتمنى ان يجمتع على هذه الطاولة مجدداً,كانت ترى الحزن في عينيه في كل المناسبات العائلية..كان بعيداً عنهم لكنه كان يراقبهم..يعرف كل صغيرة وكبيرة تدور في هذا البيت..المؤلم حقاً انه كان يخفي كل شوقه لعائلته حتى لا تشعر والدتها انها السبب في ذلك
كم كان مراعياً لمشاعرها,وكم كان يحبها لدرجة انه خسر عائلته لأجلها
قفز قلبها من مكانه حينما سمعت صوت العصى وهي تضرب الأرض بقوة..عقدت حاجبيها من نظرات الجدة الموجهة اليها
: لا تلعبي بالنعمة كذا,لو ماتبغي تاكلي تقدري تتفضلي
دفعت الكرسي الى الخلف حتى تقوم لكن صوت العصى مر بأذنيها مرة أخرى
: اجلسي كملي اكلك
لم تستطع كبح ابتسامتها,متناقضة جداً هذه الجدة..يجب عليها معاشرتها سنين حتى تستطيع ان تفهم جزءاً صغيراً من شخصيتها
اعادت كرسيها من جديد,ونظرت الى رغد التي سألتها : كيف تخصصك حلو ؟
ابتسمت ليالي,فتخصصها ودراستها يحملون الكم الأكبر من الحب المتبقي في قلبها
لكن الجدة كانت اجابتها اسرع : بخصوص تخصصك..
رفعت يدها لتوقفها : لا تتكلمي عن تخصصي,لان هذا الشي مستحيل اتنازل عنه
نظرت اليها بلا مبالاة : زوجك يتفاهم معاكِ
انزلت يدها ببطئ,كما توقعت..الجدة لن تتنازل عن رأيها
لكن رغد وهند نظروا اليها في صدمة
هند : زوج مين !
قامت من مكانها بغضب مصطنع : اسألي جدتك هي اخبر
وتركتهم ينظرون الى مريم في صمت,لم يملكوا الجرأه التي تجعلهم يخوضوا نقاشاً مع جدتهم او يستفسروا عن شيء لا تريد هي الإفصاح عنه
دخلت غرفتها وهي تفكر في الحلول التي خطرت على بالها..كلها تحتاج الى مجازفة وهي لا تملك الجرأة الكافية للمجازفة خاصةً في حالتها هذه
تشعر انها ضعيفة ومكسورة,تشعر كما لو ان الحياة أطاحت بها ارضاً وهزمتها..كل قوتها التي كانت تتخذها من والدها اختفت
نظرت الى السقف في حيرة,مالذي تستطيع فعله !!
اخذت جوالها لتغرد على التويتر " انا قوية جداً يا ابي,لكن ماهزمني حقاً هو رحيلك "

***


نظر الى صوت التنبيهات في هاتفه,كان تغريدة جديدة كتبتها صاحبة القلب المجروح
" انا قوية جداً يا ابي,لكن ماهزمني حقاً هو رحيلك "
اذاً كل هذا الحزن الذي كان يتخلل كتاباتها الأخيرة بسبب وفاة والدها
لم يتردد في ان يدخل الى حسابها ليلقي اليها تعزية أخرى تحت عدد التعازي التي كتبت اسفل تغريدتها
يبدو ان هناك من يتابعها بشغف..مثلي

***

أوقف سيارته في المواقف المخصصه للفيلا,ينظر بلا هدف الى البيت
كان حديثه مع والده اسوء ما حصل له اليوم,لانه اشبه بالذي يهرب من شيء فيجده امامه
لا يعلم مالذي طرأ على جدته حتى تختاره عريساً مناسباً لتلك التي تسمى بِ " ليالي "
مجرد ذكر اسمها جعل شيئاً في قلبه يهتز,هي لا تعلم الحقيقة وهو لن يجرؤ على اخبارها او اخبار جدته لذلك سيرفضها بكل ما اوتي من قوة
ارتجل من سيارته,فتح الباب الخارجي بمفتاحه الخاص,ثم طرق الباب الخشبي لمنزل جدته
جاءه صوتُ يعرفه جيداً فأجاب : انا تركي
: ثواني بس بخلي الخادمة تفتح الباب
ركضت الى الخادمه تبلغها ثم الى غرفة اختها الكبرى
كان عنود ترتدي قطعة جديدة لم تراها رغد من قبل,نظرت اليها في دهشة : مرا يجنن الفستان..
ابتسمت عنود في برود : شكراً
رغد : متى اشتريتيه ؟
عنود : صديقتي جابته لي هدية
رغد : عندي لكِ فكرة جهنمية
انشغلت عنود بفستانها الجديدة وهي ترد بلا مبالاة على رغد : همم
غمزت رغد للعنود : تركي برا,وش رايك لو تطلعي قد
قاطعتها عنود بتهكم : تراني اختك الكبيرة,وش قلة الحيا ذي
تفاجئت رغد من ردة فعل العنود,لطالما شاركتهم حبها الطفولي لتركي..يبدو ان شيئاً ما قد حدث بينهم او عنود قد تناست تركي
عادت بخطواتها الى الخلف وهي ترفع يديها بإستسلام : معليش ما كنت اقصد
وتركتها في قوقعتها وخرجت
جلست عنود على السرير تحاول كبت دموعها,تنظر الى الفستان في حزنِ شديد,تتمنى لو انها تستطيع ان تمزق هذا الفستان وان تنهي هذه المهزلة من حياتها
لم تعد عنود القديمة..هذا ما ارادت ان توصله الى اخوتها

***

في غرفة الجدة,كان يجلس على السرير ينتظرها تنتهي من صلاتها
وحينما انتهت ساعدها في الجلوس على السرير بجانبه,كانت تحبه ربما اكثر من أبنائها..تحمل له مشاعر مختلفة فهوَ فقط من تستطيع ان تظهر له بدون اقنعتها,بدون قوتها المصطنعه
امسك بيدها ينظر الى عينيها التي تملئها التجاعيد,رأى ذبول هذا الوجه لكنه قد ذبل اسرع ,او ربما يهيئ له
الجدة : من نظرتك هذي اكيد ابوك فتح معاك الموضوع
تركي بهدوء يعكس الاعصار الذي بداخله : ايه
الجدة : ممتاز..يعني نتكلم عن الملكة
تركي : بس انا مابغى اتزوجها يا امي
سحبت يديها من بين يديه : تعصيني
تركي : حاشى لله يا امي .. بس
الجدة بإصرار : اذا ما اخذتها يعني انت تعصيني
تركي بذبول من إصرار جدته : انا مستعد اتزوج أي وحدة انتي تختاريها..لكن ليالي لأ
الجدة في شك : عندك عروسة محدده
تركي : لأ..قلت لك أي عروسة انتي تختاريها..
الجدة في نفس الإصرار : وانا اخترت ليالي
تركي وهو يحاول كبت غضبه : انا ما ابغى اتزوج ليالي
الجدة : اعطيني سبب واحد يمنعك
صمت تركي يفكر في أي سبب قد يقنع جدته,ووجد سبباً قاسياً لكن لابد ان يهرب من هذا الزواج بأي شكلِ من الاشكال
: لانها بنت حمد .. حمد اللي تعبك,حمد اللي كان سبب في ان يكون عندك ضغط وسكر
رفعت يدها بوجهه توقفه : حمد ولدي وانا مسامحته على اللي صار..بس ليالي مالها ذنب..انا خايفه على البنت وانت اكثر واحد انا اقدر آمنك عليها
عقد حاجبيه بعدم فيهم : تخافي عليها من وش ؟ انتي موجودة واعمامها موجودين ..
قالت في حزن لم يخفى على تركي : الدنيا هذي تخوف ياوليدي..وانا ما اقدر اجازف بأمانة حمد
تركي : انا مستعد انها تكون في امانتي,واحافظ عليها لين تتزوج بس مو انا العريس المناسب
الجدة وقد تعبت من هذا النقاش : هذا رأيي ياتركي وان كان لك قلب تعصيني,فأنت ادرى
تركي بحجة ثانية خطرت على باله : بس انتي عارفة ان انا مقدم على الماجستير,والحمدالله درجاتي تؤهلني..يعني
قاطعته : وهذا السبب في صالحك,ملك عليها وخذها معاك تكفيك عن الحرام
كان يعلم في قرارة نفسه انه لن ينتصر,سيخرج مهزوماً من هذه الحرب من جدته..نعم حرب,هو يرى موضوع الزواج من ليالي حرب يجب ان ينتصر فيها
وكما توقع جدته لن تغير رأيها,فيجب عليه ان يتخذ حلاً اخراً يبعده عن هذا الزواج.


قراءة ممتعه.






التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 26-05-19 الساعة 12:03 AM
إيڤ غير متواجد حالياً