عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-19, 03:18 AM   #6

إيڤ

? العضوٌ??? » 438193
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 23
?  نُقآطِيْ » إيڤ is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثاني






‏"ثم إنني لا أفهم كيف تغيبُ الأشياء التي بَـدتْ وكأنها ستبقى الى الأبد؟" *





مرّ شهرين كاملين على وجودها في هذا المنزل،وتحديداً في هذه الغرفة
لم تنسى ما حدث قبل بضعة أسابيع،لم تنسى ما فعلته الجده او ان صح القول ماتريد ان تفعله بها
كيف تجرؤ على تزويجها وكأنها قطعة اثاثٍ تهديها الى حفيدها ؟ الى هذه الدرجة هي تبغتها ولا تتقبل وجودها بينهم ؟
لم يمر شهراً كاملاً على وفاتهم حينما فاتحتها الجدة بالأمر..
لن تكذب هي صُدمت في بادئ الأمر،ولكن حينما تذكرت قسوة الجدة ومافعلته بإبنها اختفت تلك الصدمة فمن قطعت علاقتها بإبنها لأكثر من عشرين سنة تستطيع بكل برودة دم ان تجبرها على الزواج
عادت الى واقعها حينما انهى الدكتور المحاضرة،نزعت السماعات من اذنها
لم تفهم شيئاً فهي شاردة،وتخاف من شرودها هذا ان يقضي على حياتها الدراسية
وهو الشيء الوحيد الذي تملكه في الوقت الحالي
ربما تحتاج الى كوب قهوةٍ اخر يعيدها الى وعيّها
خرجت من غرفتها وكان الوقت متأخراً لذا كان المنزل هادئاً جداً
ذهبت الى المطبخ وأعدت كوب القهوة،وهي في طريق عودتها الى الغرفة
سمعت صوتاً غريباً يصدر من احدى الغرف،اقتربت بفضول فكما ذكرت الوقت متأخر
وحسبما رأت فالجميع ينام مبكراً خلال أيام الأسبوع..
همّت بفتح الغرفة المنشودة،لكن ما سمعته كان غريباً جداً
اغرب من ان يكون صوت تألمٍ او بكاء كما اعتقدت في البداية
ابتعدت بدهشة عن الباب،استمرت ترمق الباب في صدمة
ثم هربت الى غرفتها قبل ان تخرج صاحبة الغرفة،فهي لا تريد ان تضع نفسها في موضع المتطفلة او ان تضع صاحبة الغرفة في موقفٍ محرج وأياً كان ما تفعله في الداخل فهو لايهمها ابداً ولا تود معرفته
أغلقت باب غرفتها،وعادت الى مكتبها..


******



تنظر الى طاولة الطعام ببلاهه،يبدو انها لم تستيقظ بعد من نومها
لكن صوت عصى الجدة الذي ضرب الأرض بقسوة كان كافياً ليوقيظها
وقفت بفزع : صص صباح الخير
جلست الجدة على رأس الطاولة : هند وينها
ابتسمت على مضض : انا رغد يا جدة
نعم منذ تسعة عشر عام أي منذ والدتهما والجدة لا تميز بين التوأم،الشبه كبير الى حدٍ ما لكن ما زال هذا يزعجها
مريم بعدم مبالاة : رغد ولا هند المهم اختك وينها
رغد : ماعندها دوام اليوم
مريم : والثانية وينها
رغد : عنود خ
قاطعتها مريم : لا الثانية
: اسمي ليالي
التفتت رغد الى ليالي التي جلست بكل برود على الطاولة …

بعد انتهائهم من الاكل،قالت الجدة موجهة حديثها لرغد : عندك نقاب زايد
رغد : ايه بس ليش ؟
مريم : اعطي هالبازع واحد
ثم التفتت موجهة حديثها الى ليالي : ولا عاد اشوفك طالعه بالشكل
نظرت ليالي الى نفسها،ترتدي عباءه سوداء خالية من الزينه وتلف رأسها بطرحة سوداء دون ان تظهر شعره واحدة من شعرها
ثم ردت بإستنكار وهي تنظر للجدة : حجابي مافيه شي
مريم بهدوء : طول ما انتي عايشه في هالبيت،انتي مجبوره تحترمي قوانينه
ليالي : بس هذا ماله علاقه بحجابي
مريم بذات الهدوء : الا له علاقه،احنا بناتنا محترمات مافي وحده تطلع من البيت وهي كاشفة وجهها
ليالي بإنفعال : بس هذا شي يخصني،وبابا كان راضي
مريم والتي ايضاً بدأ صبرها ينفذ : ابوكِ ميت ولا كان عرفت وش أقول عنه..
قامت من كرسيَها،مشت وهي تتكئ على عكازها،وقفت مقابل ليالي : اعمامك اللي اكبر منك بسنين ما قدروا يوقفوا بوجهي،بتجين انتي يا بنت امس وبتقوليلي لأ !
فتحت ليالي فمها لترد لكنها قاطعتها بصرامة وبطرف اصباعها ضربت رأسها : لو عندك عقل بتفهمي ان الموضوع مو بس عن وجهك اللي بتغطينه وانتي طالعه
ثم تركتها تقف متصنمة وذهبت الى غرفتها..
مدت رغد النقاب لها في تردد،ولكن ليالي ابتعدت عنها وهي تحاول مسك دموعها..
خرجت ضاربه امر جدتها عرض الحائط..
ركبت سيارة السائق التي تقف امام الباب،لم تغب عنها نظراته الغريبة ولكنها تجاهلت الأمر
دقائق وكانت رغد تفتح باب السياره لتركب ..
نظرت ليالي الى رغد وقالت مستفسره عدم تحرك جمال : منتظرين احد ؟
رغد : حسب علمي سمر عندها اوف بعد
ثم وجهت حديثها لجمال : يلا حرك جمال
جمال بلهجة عربيه ركيكة : ماما مريم قول مافي حرك اذا مس ليالي مافي غطي وجه
ضحكت بصدمة : هه .. جدتك هذي مو طبيعية
رغد : مشّي اليوم يا ليالي
غطت وجهها بطرف طرحتها وقالت : تقدر تحرك دحين ولا لازم البس عباية راس بعد
لم يفهم جمال ماتقصده ولكنه حرك سيارته بعد ما اطمئن انه نفذ امر الجدة



******



نظرت اليها في صدمة : جدتك هذي مجنونة ؟
رفعت كتوفها بعدم المعرفة،فهي لا تستبعد الجنون عن هذه العجوز
ثم قالت بصوت مكتوم :كل شي فيها قاسي،ماصبرت عليّه اتجاوز صدمتي ياشيخه ولا جات فاتحتني بالموضوع زي البشر .. تكلمني كأن مابيدي غير اني أقول تم وحاضر
مودة : اشردي
ضحكت ليالي واردفت : قدرتي تضحكني ياهبله
مودة بجدية : ما امزح،انتي مو مجبوره تعيشي تحت رحمتها
ليالي : على أساس مابتقدر تجيبني
مودة : روحي لنور
سكتت تفكر لثواني ثم قالت برفض : مستحيل،نور اللي فيها مكفيها
مودة : ماقلتلك عيشي معها،بس تكوني مسؤوليتها قدام اهل ابوكِ
ليالي : أتوقع لسه ماقدرت اوضحلك الوضع في البيت،عارفه مثل ما يرحم ولا يخلي رحمة ربي تنزل ؟ هذا بالزبط اللي يصير في البيت
مودة : اوف خسارة ماعندي اخوان بعمرك
قهقهت ليالي على مودة،صديقتها منذ الطفولة وهي تعلم انها لن تهدئ حتى تريحها وتخرجها من معضلتها،وهذا مالا تريده،لاتريد تشويشها بهمومها فقالت : اصلاً لما قالت لي سويت دراما وقدرت اقنعها تأجل الموضوع شوي
رفعت حاجبها بإستنكار : واقتنعت !
ليالي : وقتها قلت شكلها تخفي ورا هالقسوة قلب حنون،بس ثاني يوم غيرت رأيي
مودة : طيب ايش حتسوي بموضوع النقاب ؟
ليالي بتكدر : لا تسأليني عن أشياء ما اعرف جوابها
وهي بالفعل لا تعرف مالذي ستفعله،هي واضحة ولا تحب " اللف والدوران " فما حدث اليوم لن تستطيع تكراره كل يوم،لن تستطيع ان تغطي وجهها امامهم ومن خلفهم تمارس طبيعتها .. في الوقت ذاته هي لن تفعل شيئاً لا يقنعها
وان كان اليوم مضى بسلام،فلا زال هناك الغد وبعده


******




يوم الجمعة في الأسبوع ذاته..


تقف خلف النافذة،تتأمل الغيوم الكثيفة التي تغطي الشمس..يبدو انها ستكون ليلة ماطرة
خرجت من تأملها هذا بصوته الرجولي خلف الهاتف الذي بيدها : كيفك ليالي ؟ اسف اتأخرت عليكِ
ليالي : الحمدالله بخير،وبالنسبه لإعتذارك فهو مقبول
: زي كل مرة بقولك انا لما اسألك عن احوالك ما اسأل مجاملة او كسؤال معتاد،فلا تجاوبيني جواب معتاد .. احب اسمع منك ايش سويتي،وكيف قضيتي هالاسبوع
اخذت نفس عميق واجابت : ما كان أسبوع مختلف
: هل مازلتِ متقوقعه على نفسك؟
ليالي : انا مو متقوقعه،انا بس فقدت الناس اللي احبها
: وصديقاتك بالكلية ؟
ليالي : علاقاتي متعدده بس كلها سطحية،مودة فقط اللي اعتبرها شخص قريب مني
: كيفك معاها ؟ هل لسه مبعدتها عنك ؟
ليالي : هالاسبوع رحت لها وكلمتها عادي،هي فهمت اني اقصد بطريقة غير مباشرة ان هذا الوقت اللي احتاجها ترجع فيه جمبي
: طيب هذي خطوة ممتازة تجاه نفسك..يعني انتي مستعده لتقبل الدعم من اللي حولينك
ليالي : مو دعم،انا عمري ما احتجت دعم..
انتظرها تكمل حديثها لكن عندما طال سكوتها قال : الدعم النفسي له اشكال متعدده،مايقتصر فقط على الطبطبة..حاجتك لوجود شخص جنبك حتى لو كان ساكت فهذا يعني احتياجك للدعم
فكرت بالأمر فلم تجد شيئاً تقوله
فأردف قائلاً : اليوم اهلك متجمعين ؟
ليالي : ايه
: وايش مخططة لليوم ؟
كان بسؤاله هذا يريد ان يعرف ما ان كانت ستخرج لتجالسهم ام ستكمل الحجز الانفرادي الذي تعيشه منذ مدة
ليالي : مشكلتي اني افهم نفسي
كان جواباً لا يناسب سؤاله ولكنه حثها على الاسترسال : كيف تشوفي فهمك لنفسك مشكلة ؟
ليالي : لاني بهذي الطريقة اعرف الحل،ولكن ما اقدر اعمله
: ايش اللي خلاكِ تفكري بهالكلام وتقوليه ؟
ليالي : في البداية ما كانت حابّه اقابل أي فرد منهم لمجرد اني ابغى انفرد بنفسي وان نفسيتي ما تسمح..بعدها الوضع صار كبرياء،كيف اقدر اطلع لنّاس اللي رفضوني ورفضوا ماما واتخلّوا عن بابا!
: وهل كان والدك يحشو هذا الكره فيكِ ؟
ليالي بدفاع : بالعكس كان دايماً يذكرهم بالخير..لكن كنت اقدر اشوف الكسر في عيونه وهذا بشكل او بآخر اثر فيني وصرت ما احبهم ولا اشوفهم اهل
نظر الى دفتره ليراجع معلوماته ثم قال : بس هند شاركتك حزنها،وانتي كنتِ سعيدة بهذا
ليالي : كنت سعيدة لاني حسيت اني مش الشخص الوحيد اللي يتألم،لكنها مازالت غريبة عني
: تبغي نصيحتي ؟
ليالي : طبعاً
: اخرجي اليوم واجلسي معاهم،حاولي تعطيهم فرصة..وان كنتِ تشوفي انهم ظلموا والدك الله يرحمه..فلازم تعرفي ان هذا يقتصر على جدتك فقط ..اما البقية فهم يستحقوا فرصة
ليالي : حفكر في الموضوع
: زي ما عودتك اني احب اعطيكِ وجهة نظري عن حالتك خلال المكالمة
انصتت ليالي بتمعن
: انا اشوفك احسن من أول،وزي ما قلت لك سابقاً انتي قوية جداً..تربيتك اثرت فيكِ كثير،ما اعتقد بنحتاج نطول في الجلسات لكن الى الان نحن مستمرين..واعتقد انه الوقت المناسب انك تبدئي ترتبي حياتك الجديدة
أغلقت ليالي الهاتف،وهي تفكر بكلامه..الحقيقة الوحيدة التي لم تكن تعرفها عن نفسها هي انها قوية،قوية بشكلٍ لم تعهده من قبل.



******




في الغرفة الخارجية التي تسمى بِ " الديوانية "
يجلس رجال العائلة،وتتوسطهم الجدة وبشكل رسمي تلقي عليهم الخبر
: ان شاء الله قريب بنفرح بتركي وليالي
عم الصمت في المكان،وتوجهت نظراتهم الى تركي الصامت وهو أيضاً متفاجئ مثلهم
لم يعطي الجدة الموافقة،ولكنها التمست فيه الرفض فقررت ان تضعه امام الامر الواقع
لن يرفض تركي الان بعد ما القت الجدة الخبر،ولم يتفوه فهد بكلمة فهو يخاف من والدته
انهالت عليه المباركات،وكان يرد عليها كرجل آلي،لا يملك ادنى شعور بهذه الفرحة وهذه المباركات
وبعد خروج الجدة،تسلل تركي خلسه وركب سيارته وانطلق بعيداً،بعيداً عن كل هذا الضغط النفسي الذي يعيشه..حتى وان كان سيقبل بها زوجة فلابد له ان يتخلص من هذا العبء الذي يخنقه



******



تقف امام الباب تنتظرها في توتر،وفور دخولها تقفز اليها بتلهف : ايش قالك ؟
ابعدتها عن طريقها بطرف يدها : خليني اجلس اول شي
تبعتها في صمتٍ مطبق لكن داخلها مئة سؤال واستفسار
نظرت اليها الجدة بعد جلوسها : بتقعدين واقفه فوق راسي ؟
جلست بجانبها وهي تستعجلها بالحديث : ايش صار ؟ عرفوا مين اللي صدم سيارتنا
زفرت الجدة بضيق : عمك قال بالحرف الواحد مافي امل نلقى المتسبب بالحادث
نظرت اليها بعيون تملؤوها الدموع : يعني اللي كان سبب في كل اللي صارلي يعيش بسلام بس لان مافي شهود ولا في كاميرات
مريم : لو ان ايمانك قوي بتعرفي ان هذا قدرهم،وهذا يوم مكتوب من قبل لا ينولدوا
ليالي : انا ما اعترض على قضاء ربي وقدره،انا اعتراضي عن اللي سبب الحادث مريم : الله فوق ويعلم بكل شيء،ولو كان مذنب بيعاقبه بأقرب الناس له
لم يعجبها ليالي كلام الجدة،فابتعدت عنها...
في العادة يجب ان تذهب الى غرفتها وتغلق الباب وتبكي،لكنها تشعر بأنها لم تعد تريد فعل ذلك
لم تعد تريد البكاء،ولا الحزن ولا دفن وجهها بالوسادة والصراخ
تريد الخروج من هالة الحزن التي تحيط بها
تذكرت كلامه حينما اخبرها بقوتها،هي قوية وستتجاوز هذه الأيام
ارتدت عباءتها وصعدت الى السطح حيث يجلسن الفتيات
قالت هند مرحبه وهي تراها تدخل من الباب : تو مانور المكان
سمر : افااا،ماهقيتها منك
رغد : ايه من جات ليالي وهند ناسيتنا
هند : خلاص كلكم منورين
جلست ليالي على الأرض بجانب الفتيات وقالت : هذا نورك ياقلبي
هند : انا مبسوطة انك جيتي جلستي معانا
سمر ببتسامه : قصدك اتنازلت وجلست معانا
عقدت ليالي حاجبيها حينما لمست السخرية في نبرة سمر،ولكنها لم ترد عليها فقالت لهند : شكراً هند لأنك لطيفة
قالت " سلمى " : ياهوووو ايش هذي الرسميات
اكتفت ليالي بالابتسام،كانت صامتة اغلب الوقت تتأمل الفتيات..تخمن شخصياتهم
فمن هذه الجلسة شعرت بأن هند هي الأقرب لشخصيتها،رغد وسلمى يحملون نفس الطباع فهم لايهم شيء وجريئين،اسيل هادئة جداً وسمر …
لا تعلم لما تنظر اليها هكذا،ربما لم تتقبلها وربما سمعت بأمر زواجها من تركي
فكما تعلم ان تركي هو ابن تهاني التي تسكن في الطابق العلوي وسمر واسيل بناتها
ثم اخذت تفكر في تهاني،كانت نظراتها تخترقها،هي تعرف السبب جيداً ولا تلومها للامانة لانها محقّه في ردة فعلها…كيف لها ان تقبل بفتاة لا تعرفها او ربما تكرهها من ماسمعته عن والدها وامها
نعم انها محقة،ولن تلومها ابداً.
قطع تأملها أصوات ضجيجٍ تأتي من الأسفل،هرعوا الفتيات الى الطابق السفلي أي الى مصدر الصوت
كانت تهاني حمقه امام الجدة وتصرخ بعصبيه : مين انتي عشان تتحكمي بمستقبل ولدي !!
مريم بلامبالاة: لا تدخلي باللي مايخصك
شهقت تهاني بصدمة : مايخصني ! هذا ولددديييي فاهمه ايش يعني ولدددييي ؟
مريم : ولدك ماهو بزر عشان ترفضين بداله،هو وافق وانتهى الموضوع
تهاني : لانه يخاف منك ومن جبروتك
بدأ صبرها ينفذ،كانت لا تطيق الحديث مع تهاني ولا تحب ان تنزل الى مستوى تفكيرها السطحي
رفعت الجده عصاها امام تهاني : تكلمي بإحترام،لو ما اعرف امك كان قلت ماعرفت تربيكِ بس الشكوى لله
تهاني والتي خرجت عن طورها : ترا تركي حفيييدك مو ولدك وعمره ما بياخذ مكان حمد،لا تعوضي نقصك بولدي
كانت هذه الجملة قاضية بالنسبة لمريم،اشارت الى باب المنزل في غضب : اطلعي برا بيتي،ولا عاد اشوف رقعة وجهك هنا
لملمت تهاني اشيائها وهي تقول : ماني ميته على شوفتك،وولدي انا بعرف كيف امنعه من هالزواج
كل هذا كان يحدث تحت نظر ليالي التي لأول مره تشهد خلافاً عائلياً،وما يحزنها انها السبب وان مايدور هنا يدور عنها وعن حياتها ومستقبلها وهي لا تملك ادنى فكرة او رأي
هند والتي سألت سعاد بفضول : ايش صار ؟
سعاد وهي موجهة نظرها الى ليالي الصامته : الخطبة صارت رسمية
عقدت ليالي حاجبيها : كيف يعني ؟
سعاد : يا عيني عليكِ ماتدريين ! جدتك نشرت خبر خطبتكم
شدت على يدها بغضب،كيف تسمح لنفسها ان تقحم نفسها في حياتها ؟ وان تتخذ قراراً مصيرياً كهذا وهي تعلم برفضها
مازالت الجدة تفعل نفس الشي،وتتصرف بنفس الطريقه وما زالت تدهشها اكثر
لم تشعر بقدميها وهما يقودانها الى غرفة الجدة،فتحت الباب بقوة واقتحمت الغرفة
أغلقت الباب خلفها لأنها لاتريد ان يشهدن الفتيات هذا الشيء
: انا مو موافقة،وقلت لك اني مو موافقه..كيف تسمحي لنفسك تاخذي قرار مهم زي هذا !
مريم بهدوء بالغ : اطلعي برا
ليالي : لا تتعاملي مع الموضوع وكأنك تشتري قطعة اثاث،انا انسانه لي رأيي وانتي !
ضحكت بسخريه واردفت : انتي اللي ماكنتي حابتني،ورفضتي وجودي زي مارفضتي امي واتبريتي من بابا..فكيف تشوفي ان لك حق تدخلي بحياتي ؟ انتي انسانه قاسيه وبسبب قسوتك انا وبابا عشنا طول عمرنا وحيدين،قسوتك هذي بتخليكِ تفقدي كل الناس اللي حولينك وبتموتي وحييدة
لم تتحدث مريم ولكنها اشارت الى الباب بيدٍ مرتجفة : أأأ
تجمدت ليالي وهي ترى الجدة ترتجف،وترتخي ببطئ على السرير،من شدة غضبها لم ترى هدوء الجدة الغريب ولا شحوب وجهها وارتخاء جسدها
ركضت اليها بخوف
: انتي بخيير ؟ جججدة انتي بخير
كانت تدفعها بيدها لكن من شدة ضعف جسدها لم تؤثر في ليالي الجالسه على الارض بتوتر
هي تعرف هذه الاعراض جيداً،صرخت بخوف : هههنننندددد
فتح الباب بسرعه ودخلت هند التي صعقت من المنظر امامها وتجمدت
دخلن الفتيات خلفها
ركضت رغد الى الجدة : ايش فيها ايش صاار
سمر هي الأخرى بغضب : ايش سويتي لها
ليالي والتي لا تملك وقتاً لتجيب عن كل هذا،صرخت في سمر : اتصلي على ابوكِ،لازم نوديها المستشفى
مدت رغد علبة الدواء وهي تقول : يمكن ارتفع ضغط
قاطعتها ليالي بنفي : هذي مو اعراض ضغط..






******




في المستشفى ..



على ممراتها الباردة،ورائحة الموت والألم الخفية التي لم تستطع المنظفات ان تقضي عليها
تقف تضم يديها الى صدرها،عقلها مشتت بين جدتها في الغرفة وبين ذكرياتها السوداء
حينما استيقظت على غرفة بيضاء،ترتدي رداءً باللون الزهري يغطي جسدها
في يدها اليمنى ابرة المغذي،وفي وجهها كدمات من اثر الحادث
حاولت ان تستوعب ما حدث،وحينما عادت لها ذاكرتها صرخت تناديهم
تستطيع ان تسمع صدى صوتها وهي تصرخ،صوتها ما زال يدوي في قلبها
بكائها مازال يطربها كل ليلة..
بلعت ريقها وحاولت اخراج نفسها من هذه الذكريات المؤلمة،وتقدمت الى عمها
وبترددٍ سألته : هذي اول مره يصير فيها كذا !
نظر اليها الاخر بحمق ورد قبل أخيه : انتي ايش جابك !
من خوفه على والدته لم ينتبه لركوبها السياره معهم،وهو الذي قد منع بناته والبقيه من القدوم معهم
قال " عبدالله " : استهدي بالله ياخوي،هي كانت تعاوني بأمي لما ركبتها السياره
ثم التفت الى ليالي : لا والله وانا عمك هذي اول مره،هي محافظه على ادويتها وماتفوت موعد دواء
صمتت ليالي وهي تتذكر كلامها القاسي الذي تبع نقاش الجده الحاد مع تهاني،كان يجب ان تؤخر حديثها قليلاً خاصةً ان الجدة كبيرة في السن ومهما كانت قوية فهي لن تتحمل هذا التعب والضغط النفسي
خرج الطبيب من الغرفة،وطمئنهم ببضع كلمات وان كل مابها هو تعب وارهاق لا اكثر
دخلوا ابناءها اليها،واكتفت ليالي بالنظر من طرف الباب .. لا تعرف ماهي ردة فعل الجدة لو رأتها ولا تريد هي ايضاً ان تتعبها اكثر
يكفيها عذاب الضمير الذي عاشته قبل قليل ...



******



بعد مرور يومان او ربما اكثر ..


يجلسان معاً على الطاولة المطلة على البحر،يحرك هو كوب قهوته بشرود
والأخر ينظر اليه بتمعن ..
قال بعد ما اخذ نفساً عميقاً : ايش تفكر فيه ؟
رفع عينه الى صديقه،هو بين نارين وبين اختيارين احلاهما مر..لا يعرف كيف يتصرف وماذا يفعل
لم يعلم من قبل انه سيء الحظ الى هذه الدرجة،كلا الخيارين لا يرضيان ضميره
وهو لم يكن في موقفٍ صعب كهذا من قبل
كان يرى الخوف والترقب بعيني صديقه،لايستطيع طمئنته ففضل السكوت عن الكلام
همّ صديقه بالحديث لولا ان صوت الهاتف منعه..
عقد تركي حاجبيه من رؤية رقمٍ غريبٍ على شاشة الهاتف،أجاب على الاتصال
وصله صوتٌ ناعم : الو
تركي : اهلاً
سألت بتردد : تركي ؟
تركي : ايه اتفضلي
اخذت نفساً عميقاً وقالت : بكلمك بموضوع شخصي،هل الوقت مناسب !
اثارت تعجبه بكلامها : موضوع شخصي ؟ عفواً مين معاي ؟
كانت تهز قدمها بتوتر وهي تقول : انا ليالي
تجمدت ملامحه حينما سمع اسمها،نظر مطولاً الى صديقه ثم استأذن منه بلباقه
كان يود معرفة الموضوع الشخصي الذي تود الحديث عنه،أيعقل انها عرفت !
سألها بتحفظ : اتفضلي
مازال قدمها يهتز من شدة توترها،لكنها استجمعت قوتها وقالت : ما اعرف كيف افتح معاك الموضوع،لكن أتوقع كلنا رافضين هذا الزواج ومو من الطبيعي اننا ندخل حياة جديدة احنا مو متقبلينها
رجعت به ذاكرته الى ذلك اليوم حينما رفضها بشده في منزل الجدة فسألها : كيف عرفتي اني رافض ؟
ليالي : لان مافي شخص طبيعي بيرضى انه يتزوج بهالطريقه
تركي : هذا زواج تقليدي
ليالي : هذا زواج اجباري،التقليدي اننا نكون مو
صمتت قليلاً لتركز على كلامه ثم قالت بغضبٍ تحاول اخفاءه : انت عادي توافق ؟
تركي : ليش ما أوافق ؟
تضاربت لديها الأفكار،هي تعتقد انه يرفضها على الأقل مثلما ترفضه..لكن مايحدث الان عكس هذا تماماً
ليالي : ان كان عادي عندك تجبرك جدتك على زواج،فهل عادي انك تأخذ وحده ماتبيك ورافضتك !
لم يصلها صوته،نظرت الى شاشة الهاتف .. ما زال على اتصالٍ معها
اعادت الهاتف لأذنها في الوقت الذي قال فيه : عندك امي مريم ان قدرتي تقنعيها ابركها من ساعه،بس لا تتوقعي اني بعصي امرها حتى لو على حساب نفسي..يلا فمان الله
انهى الاتصال،لكنها ماتزال تضع الهاتف على اذنها في صدمة
كان تتوقع من هذا الاتصال نهايةً للمهزلة التي تعيشها .. لكن الصدمة كانت اقوى
على الجانب الاخر،كان يدعو الله ان تكون هذه الفتاة قوية بما فيه الكفاية لمواجهة الجدة واعاقة هذا الزواج،على الأقل تعفيه من معارضة الجدة.


******


لم تحدث أشياء جديدة في الوقت السابق،كانت ليالي تنتظر الوقت المناسب لمفاتحة الجدة بالموضوع وكانت تراقب حالتها الصحية
منذ ثلاثة أيام عادت الجدة الى وضعها الطبيعي،صوت عصاها عاد يدوي في المكان
والوجبات الرئيسية التي يجب على الجميع حضورها،بالاصح عاد الروتين الطبيعي للمنزل
بعد وجبة العشاء،هند ورغد في المجلس يشاهدن التلفاز،عنود كالعاده لا حس لها
والجدة تحمل كوب الأعشاب معها الى الغرفة،دخلتها لتجد ليالي تدور في الغرفة بتوتر ملحوظ
مريم : وش عندك ؟ اكيد جايه تغثيني
ضمت يدها الى صدرها : بكلمك بموضوع
وضعت الجدة كوب الأعشاب على الكومدينه،وجلست على طرف سريرها : وش !
ليالي بهدوء تحاول الحفاظ عليه،حتى لا تسوء حالة الجدة كالمرة الماضيه : انا اتخذت قرار،أتمنى توافقي عليه واعتقد انه انسب قرار للكل
نظرت اليها مريم بتمعن فحثّها ذلك على الاسترسال : انا ابغى اروح لخالتي ببريطانيا
الصمت عم المكان،تنظر ليالي للجدة تنتظر جوابها والجدة تنظر اليها دون أي ردة فعل ظاهرة
بعد هذا الصمت،قالت الجدة : روحي نامي بس وبدون كثرة كلام
صعقت ليالي بردها فقالت بسخريه لا تستطيع اخفاءها : هذا ردك ؟
مريم بحمق : ايه هذا ردي على كلامك الفاضي ..انتي هنا وحالك مايل اجل كيف لو رحتي للكفار
ليالي : انتي رافضتني لاكثر من عشرين سنه،مو قادره افهم ليش الان متمسكة فيني !!
اخذت كوب الأعشاب وهي " تتحلطم " على ليالي التي جعلت كوب الأعشاب الخاص بها يبرد.

اما ليالي فخرجت تحمل امالها الخائبة وتدخل غرفتها لتخبئ نفسها في عالمها
تكبت دموعها،لن تبكي على سببٍ كهذا لن تبكي مهما حصل


******



يوم الجمعة في تاريخٍ يدخل ضمن التواريخ التي لن تنسى..
تهز قدمها بتوتر،تنظر الى سقف غرفتها والظلام الدامس يلفها
تسمع أصواتهم في الخارج،يستعدون لحفل الخطوبة او ان صح القول لجنازتها
تلملم نفسها على السرير،تشعر بالالم في معدتها ونارٌ تشتعل في جسدها
تتلاشى الأفكار تدريجياً من رأسها...


******


على الجانب الاخر..
يلبس " البشت " فوق ثوبه الأبيض،رائحة البخور تفوح منه ويرتدي ساعةً باهظة الثمن في يده اليسرى
" عريس " هذا مايخطر على البال لأول وهلة من رؤيته،لكن وجهه لا يمت للفرح بصلة..ولو كان " البشت " رداءً يُلبس في العزاء لقيل انه ذاهب الى عزاء احد احبائه
رفض الاتصال العشرين من نفس الشخص،لايريد رؤيته ولا الحديث معه،على الأقل في هذا الوقت
كان يجلس في سيارته امام المنزل،يراقب الطريق ينتظر الشيخ يأتي ليحكم عليه بالتعاسه الأبدية
ولم يلبث كثيراً حتى رأى سيارة الشيخ تقف امام المنزل..ارتجل من سيارته ليستقبل الشيخ ..


******



في المجلس الداخلي..
تجلس الجدة وحفيداتها وزوجة ابنها الأصغر ..
همست الى ابنتها : والله تهاني قوية وسوت اللي براسها
اجابت سلمى : اكيد مابتحضر بعد ماطردتها العجوز،وفوق هذا كله العجوز سوت اللي براسها وزوجت تركي
سعاد بسخريه : تلقي الحين علاقتها خربت مع اخواتها بسبب مريم
سلمى : والله يا خالة تهاني بتحقد على العجوز بشكل .. هي خلقه ما تطيقها
سعاد : من حقها،ولدها يحب جدته اكثر من امه اكيد بتحقد
دارت سعاد بعينها لتجد عنود تجلس بعيدةً عنهم وتعبث بهاتفها
قامت من مكانها وجلست بجانبها
أغلقت عنود الهاتف بسرعه والتفتت اليها : هلا
سعاد : والله كدرت خاطري جدتك
عقدت عنود حاجبيها : ليش
سعاد بكذب : عمك من قالي ان تركي بيتزوج قلت بس اكيد العروسه عنود..بس صراحة فاجؤني لما قالو ليالي العروسه
همهمت عنود بعدم مبالاة،ليست في وضعٍ يسمح لها بمجاراة سعاد ونفاقها
لم تجد سعاد متعتها لدى عنود..
انتبهت لتوّها ان العروس ليست موجودة،فقالت بصوتٍ عالي حتى يسمعها من في المجلس : الا العروس وينها ؟ مستحيه !
في بداية الامر لم ترد الجدة ان تخرج ليالي بالغصب حتى لا تفضحها امام خالات تركي ولكن بما انهم لم يأتوا قالت لهند : روحي شوفيها جهزت ولا لأ
ثم اردفت بأسى : هالبنات مدري وش يخترعون قدام المرايا،على وقتنا ..
ثم بدأت تروي عن ايامها القديمة ولم يوقفها سوى صرخة هند
ركضوا جميعاً لهند التي ما تزال تصرخ ..
مريم بغضب : وش هالصراخ ؟ وش صاير
هند : ليالي .. ماتتنفس.




قراءة ممتعه.


إيڤ غير متواجد حالياً