عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-19, 11:41 PM   #511

زمردة عابد

كاتبة في منتدى قصصمن وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية زمردة عابد

? العضوٌ??? » 433039
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 637
?  مُ?إني » 💜💜
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » زمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond reputeزمردة عابد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
وكلّ مَا يأْتِي مِن الله جَمِيل فَالحمْدُ لله دائما -------------------------------------------- ايتًها الّصامتة .. مسَاء الخَير لعَيْنيكِ ، ليديكِ ، لشعْركِ المبعْثر ، لكنزتك المُضْحكة ، لأنامِلك ، لقلمك ... ---------------------------------------
افتراضي


الفصل الثالث عشر



فما في نَعِيمٍ بَعْد فَقْدِك لذًّةٌ
ولا في سُرورٍ لسْتِ فيه سرورُ


" قيس لبنى"



*****


تقف مستندة على عكازها تنتظره حتى انتهى من حديث مع رفقائه حتى التفت ورآها ...

لم تدري أمن الخطأ انتظارها له بهذا الشكل ام لا ؟؟ لكنها تشعر برغبة في اخباره ... مهما كانت ستكون ردة فعله ازاء الخبر ..

تقدم يوسف نحوها يحتضن كتبه باحدى ذراعيه ودقات قلبه في شيء من التسارع ، انه حقا احمق ، وقلبه احمق ، الى من يظن بحق الله يوجه دقاته ؟؟

انها نورهان ابنة الباشا هاشم ، الهانم الصغيرة !!
انها فقط كمثل القمر الذي عليه ان يراه من بعيد فقط كسائر البشر ، لانه بعد كل شيء لن يكون هناك سوى النجوم فقط من ستحظى بقربه ، وتحظى كذلك دوما ، واولا بلقياه ...

لذا عليه ان يتوقف ، وهو واثق انه قادر على ان يتوقف ...



عندما وصل اليها وقبل ان يقول اي شيء ، بادرت هي بالقول بابتسامة صغيرة :
" ازيك ..."

رد الابتسامة مجيبا بهدوء :
" بخير الحمد لله ... ازيك دلوقتي .."
قال مشيرا بعينيه الى قدمها لتتجه ببصرها مثله نحوها قائلة :
" شعور مزعج اني افضل ماشية على رجل واحدة ، وساندة على عكاز .. بس مع ذلك اتعودت شوية .."
اطبق بينهما صمت طفيف جدا ، في حين انتظر هو قول ما جاءت من اجله ، كانت هي تحاول استجماع الكلمات المناسبة لقولها له ، رفعت نظرها اليه وقالت :
" انا كنت مع انور ....خطيبي .... من شوية ..."



" انور خطيبي " جملة لم يدرك مدى صعوبة وقعها بالنسبة له حتى قالتها الان ،مذكرة اياه ايضا ببساطة حدوده معها وما يقوم به الان والذي كان منافيا لمبادئه ، وكان ذلك شيئا اخر ينبغي ان يذكر نفسه به وقد نسيه دوما في حضرتها...

عبس دون ارداته ، يسمر نظره على الارض ، انتظر تتمة حديثها الذي لا يعلم مغزى من اخباره به حتى يغادر ...

اكملت بتلعثم :
" انا وهو ... احنا ..احم .. قررنا فسخ الخطوبة .."

رفع عيناه اليها ، عيناه التي اضاءت بشكل غريب مع جملتها ، كغرابة الفرحة التي اجتاحت بلا مبرر داخله بها



اضافت بحمرة تغزو وجنتيها وهي تنظر الى عيناه مباشرة :
" يمكن الموضوع ميهمكش .. بس انا حسيت ... اني عاوزة اقولك .."

ومر التقاء الاعين في جو من الصمت الطفيف قبل ان تقطع الاتصال
وهي تطرق رأسها بخجل قائلة :
" طب انا ... مش عاوزة هعطلك اكتر من كده ..."
كادت ان تمشي لولا انه قال فجأة :
" استني ..."
ادارت وجهها اليه ، وتابع :
" انا ممكن امشي معاك ... اقصد ... اوصلك .."
رددت بنعومة :
" توصلني ؟!"
هز رأسه بتأكيد، و لاحت ابتسامة على شفتيها وهي تجيبه :
" اوك ..."

لكنها اضافت بشيء من السرعة :
" ممكن تستناني هنا دقيقة ..."



هز رأسه دون فهم ، ومشت بخطوات سريعة الى السائق الذي كان ينتظرها تأمره بالمغادرة بعلة بقائها مع بعض الزميلات ، انتظرت حتى غادر ثم عادت اليه وهي سعيدة بهذه الخطوة الاخرى التي يأخذها اتجاهها ...



يتمشيان على الكورنيش ، عيناه عليها وهي تمشي بجواره تطأطأ رأسها وقبعتها تخفي وجهها .. عقد حاجباه بتفكير ، ثمة شيء خاطىء هنا ؟!!
قال بعد ثوان فجأة دون مقدمات :
" انتي ... مضايقة ؟" ..!
نظرت اليه مجيبه :
" انا ؟! ... ابدااا "
وضع يديه في جيبيه :
" يبقى زعلانة ..."
لم تنفي هذه المرة وهي تقول بأسى ، تنظر الى داخل عينيه :
" انت عرفت ازاي .."


توقف صامتا لثوان قبل ان يعطيها جواب ، ثم قال فجأة بنبرة غريبة دغدغت مشاعرها ، نبرة لم يعي هو لها :
" يمكن وشك اكتر وش شفته في حياتي بيقدر يوصف الحزن بكل اساه ، والفرح بكل بهجته ، وعنيكي ... "
همست :
" عيني مالها ؟؟..."
تنحنح قائلا وهو يهرب بعينيه بعيدا مستكملا مشيه :
" احم ... انا اقصد ان مشاعرك بتبقى واضحة جدا على وشك .. عشان كده حسيت انك زعلانة ..."

سألت :
" وده في رأيك شيء حلو ولا وحش .."

مستفسرا سأل :
" اللي هو ؟؟ ... "

اجابته بهدوء :

" ان المشاعر تكون واضحة على أي حد بالشكل ده في رأيك شيء كويس ، ولا انه يكون قادر يخفي مشاعره عن حتى اقرب الناس ليه .."

نظر اليه مجيبا :
" على حسب ..."

توقفت عيناها عليه تتسآل :
" يعني ؟؟ .."
ملاحظا ما تحاول فعله ، اجاها بدهاء :
" يعني .. انتي بتهربي من السؤال .... زعلانة ليه ؟؟ "

عندما لم تجب مباشرة ، مطرقة برأسها في صمت
قال فجأة ولا يعلم لم يبالي حقا ، او من اين تأتيه الكلمات :
" انت ممكن ..لو حابة يعني .. تفضفضي .. حتى انك ممكن تعتبريني مش موجود ... كأني مثلا زي ..زي .."
قطع كلماته بتفكير وهو يتلفت حوله يبحث عن تشبيه مناسب حتى
التفتت اليه قائلة بابتسامة ممازحة وان شابهها بعض الحزن :
" زي العمود ده ..."
نظر اليها وابتسمت عيناه ابتسامة لم تبلغ حد شفتيه ، يبادلها المزاح قال :
" عمود !! اممم ممكن بردو .... بس افضل لو زي شجرة مثلا ..."


ضحكة خافتة خرجت من شفتيها اخذت تختفي رويدا رويدا حتى بان ذلك الحزن مجددا على ملامحها ... ولم ترغب بان تقول شيئا ، كانت الكلمات ثقيلة جدا لتخرج ، لكنها وجدت نفسها تسأله فجأة بيأس حزين :
" يوسف ..... في رأيك .. ايه اللي ممكن يخلي الانسان يبقى ظالم ...ايه اللي يخليه يستمر في ظلمه ؟!"

اطرق يوسف مستغرقا في صمت طفيف اجابها بعده :
" يمكن احيانا .. انه مش بيبقى عارف ولا حاسس انه بيظلم ... ساعات حتى بيفكر ان اللي بيعمله ده هو الصح ... "


اراد ان يسألها اي ظلم قد تعرضت له هانم رقيقة مثلها ، لكنه نسي ...
نسي كم هي مختلفة ، نسي انها لا تشبه والدها ابدا
ذاك الرجل الذي تقع تحت سيطرته هي الاخرى
أهل تعرضت للظلم منه .. الهذا هي حزينة ؟؟
اراد ان يسألها ذلك ، اراد ان يمحي هذا الحزن الذي في عينيها ، اراد ان يلمع ذلك الامل الجميل في افقها مجددا ...

اراد ان يراه ..

اراد ان ... يرى ابتسامتها ترتسم على وجهها مجددا ...

ضربه تفكيره هذا بعمق حتى ان عيناه اتسعت وهو يحدق بها ...



*****



راقدة في الفراش بلا حول ولا قوة طيلة اليومين السابقين مصابة فيهم بالالفنونزا بعد جولة اخرى خرجتها للسوق مع مديحة بجلباب مبتل لا تملك سواه ..



يومان مرآ لم ترحمها فيهم مخدومتها ، تلقي عليها بالكلمات و الشتائم الجارحة كلما زارتها حيث تنام في ركن صغير من المطبخ ..


يومان لم تذق فيهما طعم النوم ليس والالفنونزا قد وهنتها تماما ، لا رعاية كانت تلقاها كحساء والدتها التي كانت تعده لها فيسكن من الم حلقها قليلا ، ولا حتى حواديت اشرف التي كان يلقيها عليها مهما بلغ عمرها كلما اصابتها هذه الالفنونزا يحاول بها التخفيف عنها... كانت هناك ...



عيناها لاتزال متورمة من كمية الدموع التي ذرفتها طيلة هذان اليومان من بكاء حينا ومن المرض حينا اخرى ... لم تشفى بعد ، ها هي تنهض لتنظف البيت الذي كان ينتظر عودتها وليس هناك من يقوم بتنظيفه غيرها ..


ليس وقد اعتادت كثيرا على العمل دون عينان ، لكن الله قد اعطاها ذكاءً لتحفظ فقط ما يجب فعله دون ان تحتاج لرؤيته والذي عادة ما يتم بشكل ناقص وليس كاملا تماما دونهما ...


جاثية على الارض ، عصرت قطعة القماش المبتلة في السطل الذي بجوارها ، ثم اخذت تمررها على الارض تمسحها ، دون ان تدري كم مرة مسحت فيها حتى هذه البقعة وان ماكان هناك اجزاءً لم تمسحها بعد .. كانت تعمل بجهد وحسب ، وكانت تعمل حسب مقدرتها...



ولم يكن بمقدورها في كل الاحوال ان تنال الثناء او الشفقة من مخدومتها ، فهي في كل الامر كانت ثقيلة عليها كل الثقل ، وبلا فائدة ابدا
وان كانت تبقيها فهي تبقيها فقط لاجل الباشا الذي طلب منها ذلك
وكم بلغت طيبة قلب هذا الباشا ليلقي بفتاة لا حول لها ولا قوة في مكان كهذا !!!!





اتمت الجزء الذي كانت تمسحه ، وعندما حاولت النهوض متكأة على السطل ، جسمها مازال متعبا من اثر الالفنونزا ، و ذراعها يؤلمها بعمق من كم الاشيال التي كانت تمتنع مديحة عن مساعدتها في حملهم و التي لم يكن لجسدها الهش في العادة ان يتحمل ثقلها ..

دون سابق انذار فقد السطل وضعه مع وزنها الذي اتكأت بكلها عليه ، وانزلق ساكبا كل المياة الملوثة الذي يحتويه والذي جعلها تنزلق بشدة على الارض مجددا ، ولم يكن ما تلقته سوى عدد كبير من الضحكات المائعة الموجودة في الجوار على منظرها
وصيحة من احداهن توبخها وتنذرها بان تعيد مسح كل الارض مجددا قبل ان تأتي سيدتها بديعة وتراها ولن يكن في ذلك اية خير

...


قسوة البشر احيانا تكاد تكون اشد فتكا للانسان من أي شيء اخر قد يواجهه في الحياة

وعادة ما تكون تلك القسوة غير مبررة ، غير منطقية
ولا ثمة داعي لان يزعج الفرد نفسه بمعرفة سبب هذه القسوة او مبررها
لانه يبقى في كل الاحوال امرا قبيحا للغاية ان تكون قاسيا بلا قلب ..

وكانت من تلك القسوة ، الا يدرك ، الا يرى احدهم مقدار معاناتك ، مقدار عجزك - حتى وان بدت واضحة كالشمس مثل عمى جنة - فيزيد من قسوته عليك
ذلك العجز الذي لم يمنع مخدومتها بديعة او حتى مديحة من منحها بعض الشفقة او تكليفها بمهام اقل تعبا ، واكثر قدرة لها على القيام بها ...



*يتبع*

..
..
..

يقف عند باب الدار قبل ان يخرج لارضه تلتف حوله بناته من كل جهة كل واحدة منهن تطلب طلبا ، او وريقات من المال ، قالت سارة احدى بناته الكبيرات بصوت عال :
" واني يابا هاتلي فلوس اديها لعمي لما يجي عشان يشتريلي فستان .."
نظر حسنين للمال اذي في يده والذي على وشك النفاذ قائلا لابنته :

" وانتي رايدة الفستان ده لايه يا ست هانم انتي كمان ...."
ردت ابنته عليه برجاء :
" صاحبتي نادية عندها واحد اخوها جابهولها من مصر .. واني كمان لازم يكون عندي واحد زيه .. انت اللي قلت اطلبوا اي حاجة .."


حك حسنين رأسه بعجز ، وقد سبق بالفعل ان اخبرهم يوما ان يطلبوا منه كل ما يريدون وهو سيلبيه لهم .. لكن برغم ذلك ، يبقون كثرة ، وطلباتهن لا تنتهي ، بينما الاموال تنتهي ... ومع ذلك اجابها ولم تكن لديه رغبة في ان يرد طلبها كبقية اخوتها :
" ماشي يا ستي ... لما يجي قوليله طلباتك ايه ، واني هبقى احاسبه ..."


صاحت احدى بنات ندية قائلة ، وقد اخذت اموال طلباتها بالفعل ، لكن طبيعة تقليد الصغار للكبار تغلب :
" واني كمان يابا جيبلي واحد زيهه .."
اجابها حسنين وقد بدأ ينفذ صبره وقد قاموا بتأخيره على الخروج :
" مش انتي طلبتي يا بت ... ولا عشان اختك طلبت حاجة نطلب زيهه .."
" ايوه بس يابا ..."
قاطعها بحدة :
" مفيش بس ... طلبك وخدتيه .. النوبة الجاية ، لما اجي اشوف طلباتكوا تاني فكري كويس قبل ما تطلبي .."


ثم فرقهن بيده من حوله وسار من بينهن خارج الدار ..


تحتقن غضبا ، كانت ندية وهي تقف من بعيد ، ترى حسنين بعين عدم الانصاف بسبب رفضه لطلب ابنتها بينما تقبله من ابنة راضية ..
وان كان حسنين غير منصف كان في ذات الوقت ايضا عادل ، تناقض عجيب
لكنه صحيح ، كان غير منصف بين زوجاته ، لكنه كان عادلا في معاملته لبناته ، يعطي الصغيرة ما يعطيه الكبيرة ، ويحبهن جميعهن بمقدار واحد ...


لكن الغضب هو ما غلب على عقل وقلب ندية ، ولم تكن تحتاج سوى القليل من وسوسة ابليس ليتحول الامر الى غيرة ثم حقدا ، حقدا سينتج افعالا لا تحمد عواقبها فيما بعد ...



*****



يقيداه كلا من نادر وعزت بعد ان تلقى ضربا خفيفا من اشرف ، اثاره تبرز عند عيناه وشفتاه
لقد كان صبري هو مساعدة من الله حين تذكره في ذروة يأسه
حتما لابد ان صبري يعرف شيئا ، وحتى يقر بما يعرفه لن يتركه
هذا ما عزم عليه ، اشتد بداخله ذلك البصيص مجددا ، القى بقبضته في وجهه حتى كادت تتحطم اسنانه بين يديه ، قبض على ياقته يرفع وجهه المتورم اليه صارخا بهياج غاضب :
" انطق راحوا فين ..."

صاح صبري متوسلا :
" سعادة الباشا هيقتلني ... الله يخليك يا اشرف بيه اني عبد المأمور .."
لكن اشرف لكمه مجددا ... فأخرى ، فركلة في بطنه
حتى اذعن الاخير بعد ان اهلكه الضرب وظن انه بالفعل سيموت بين يدي اشرف ان لم يخبره ما يعرفه ، لذا تمسكاً بما تبقى من عمره اخبره من بين انفاسه كل ما يعرفه عنهم من اسم مخدومهم الجديد الى عنوان المكان الذي ذهبوا اليه


افلتاه نادر وعزت ، جذبه اشرف من شعره اليه متوعدا :
" تعرف لو المكان اللي اديتهولي ده طلع غلط ... اقسم بالله موتك لوحده مش هيبقى كفاية ..."


ثم انصرف ومعه صديقاه ، ونشوة الامل في صدره تزداد ، ودعائه السري لله يعلو ، ان يجمعه بمن ملكت الفؤاد قريبا ..



*****



" هاشم باشا بعت لنا خدامة واحدة بس .. وهربت من البيت تاني يوم ، كانت ست كبيرة .. اسمها حميدة .."


كان ذلك ما قاله صاحب البيت الذي من المفترض ان اباه ارسل فيه جنة والدادة
لكن لماذا يقول الرجل انه لم ترسل الا الدادة فقط
قبض على قلبه بالم ، وضاق صدره بالنفس


ماذا فعل ابيه بجنة؟!!.

لم يشأ ان يجعل اليأس يتملكه ، عاد الى السيارة القابعة امام العمارة والتي ينتظره فيها صديقاه ، وفي نيته ايجاد الدادة اولا ، لقد اقترب .. هو يشعر بذلك
ادار محرك السيارة وانطلق بها ، يبحث داخل عقله عن أي طرف خيط ،الاسئلة متعددة ولا جواب واحد حتى
يا ترى الى اين تكون قد ذهبت ؟؟ فالدادة حميدة لا معرفة لها بمصر ؟؟

طرأ شيئا ما برأسه فجأة .. هل من المحتمل ان تكون قد وجدت عملا اخر هنا في هذا الحي ؟؟ ودون ان يعطي مجالا للتفكير اكثر قرر انه لا مانع من البحث ، فقد يصيب تخمينه ... و بدأ فعلا من الشارع الذي تمكث فيه العمارة التي ارسلها اليها ابيه اولا ، ثم الشوارع المجاورة ، يسأل كل من يراه ...
حتى حل عليهم المساء ولم يكن هناك أي شيء ، لا احد يعرفها ولا احد رآها ، وشعر فجأة انه عاد لنقطة الصفر مجددا ، واخذ اليأس يتسلل رويدا الى داخله ..


اوقف سيارته فجأة وصورة امرأة يعرفها جيدا ، امرأة ربته ، وقفت بجواره دوما ، وكانت البلسم لكل جروحه .. تمشي على الرصيف
ترجل من سيارته نحوها ، ومع كل خطوة كان يتألم لهذه الحال الذي وصلت اليه هذه الام ..
حينما وصل اليها توقف امامها معيقا مشيتها ،اذ رفعت وجها محببا اليه
وجها غطاه الحزن ، و ملئته الاتربة في علامة جلية على مقدار الوقت الذي قضته في الشارع
نظر الى عينان بدا انها ذرفت الكثير من الدموع ، يتمتم بتأثر :
" دادة حميدة ..."

غزت الدموع وجهها ما ان رفعتها اليه ورأته ، تعانق بكفيها وجهه ، همست باسمه باكية، وما لبث ان ضمها اليه لتبكي بعمق على صدره ، تشتكي من بين بكائها بهيستيرية :
" جنة يا اشرف .. بنتي .. اخدوا بنتي مني ..."
" دي متعرفش تعيش من غيري .. متعرفش تعيش من غير امها ، امها اللي معرفتش تحميها .... اني كان المفروض احميها ، ومعرفتش ، معرفتش اوفي بوعدي لامينة ، معرفتش احميها زيها ..."
وبين لحظة لم تكد تمر ، فقدت صوتها ، واستسلم جسدها للالم والارهاق ، لتسقط منهارة بين يديه ...

..
..
..

هل يشفق على نفسه ، ام على هذه الام التي فقدت ابنة لم تحملها في رحمها تسعة اشعر .. انما حملتها في قلبها مدى الحياة ..



اراد بشدة ان يغضب ان يكسر ، يقيم الدنيا ولا يقعدها ، لكن ما الفائدة؟؟
كانت جنته محقة ، لم يكن باستطاعته ان يبحث عنها في كل مكان لاسيما ان كان هذا المكان وطنا كاملا كمصر بمختلف محافظاتها ، وسكانها ...


اقترب نحو السرير ، يحمل بين يديه صينية طعام
عيناه اتجهت اليها وهي نائمة بعد وقت طويل من البكاء ، بعد وقت طويل من اخباره كل ما حدث معهم منذ ان غادرا القصر الا ان فرقها والده عن جنة دون ذرة رحمة ...




اتجه ببصره نحو اخته النائمة بجوارها التي قدمت قبل ساعات من عثوره عليها وقد جاءت للبقاء بجواره قبل ان ترى الدادة وتغرق في حضنها ، متألمة لحالها ، قررت ان تهتم بها معه ، حتى وان كانت قد شاركتها بكاءها منذ ذلك الوقت .. والذي لم يساعده كثيرا ...



استيقظت نورهان فور ان شعرت بحركته في الغرفة

نظر اليها و هزت له رأسها تأكيدا لرأيه في ان يقوم بايقاظ الدادة حميدة، فقد كان عليها تناول الطعام كي تسترد بعض عافيتها التي لم تعد موجودة..
وقد نحفت كثيرا ، واختفت الدماء من وجهها


فتحت حميدة عيناها على صوته وهو يوقظها ، وما ان رأته حتى عادت كل الاحداث السابقة من وقت خطردهم من القصر وحتى عندما وجدها تتلاحق في عقلها ، وربما النوم الذي غلبها في نهاية المطاف منذ عدة ساعات قد ساعدها على الهروب ونسيان كل ذلك ، نسيان ان عزيزة قلبها مفقودة ولا تعلم متى قد تراها مجددا ، وان كانت مازالت حية ،معافاة ام لا ..
وبالاحتمال الاخير انهمرت دموعها مجددا ، تجهش بالبكاء ، بكاء لم يكن اشرف يحتمله ، ليس وهو يحمل منه الكثير لكنه يأبى ذرفه ، راحت تبكي نورهان هي الاخرى وهي تضمها اليها ، مما جعله يقترب منهما يحتضهما معا اليه

يبث حميدة طمأنينته ، ويتمنى في اعماقه لو كانت هي التي تفعل ذلك الان ، فهو كان في امد الحاجة الى من يمده بذلك ، لكن ذلك كان دوره هو ، لذا وعد نفسه قبل ان يوعدها بكل ذرة امل حملها في قلبه :
" ورب السما يا دادة ، مش هنام ، مش هرتاح الا ما الاقيها .."

*****



وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)



بنحيب صامت يختلط بتلاوة خاشعة ، كانت تصلي ..
في لقاء خاص مع ربنا .. تناجيه ...


كانت خائفة ، ووحيدة ، وعاجزة ..
لكنها تستلهم من هذه الايات صبرها ، واقتناعا بان الله معها لم يتركها . ..
فتستكين ، وتتحمل ، وتنهض بيوم اخر ، وهي تخبر نفسها ان غدا سيكون افضل ...
وفي كل يوم تعيشه ، تعيشه على انه الاخير
تستمر بذلك ، وهي مقتنعة انه مع زواله ، مع اخره سيأتي الفرج القريب...


فرجا كما يأتى مع صبرك ومقدار تحملك ، يأتي بثقتك ، بالثقة في الله انه فرجا قادم لا محالة مهما كانت قوة الابتلاء ومدته
و ذلك كان اشد الايمان عمقا ، لانه ايمانا متبوعا بيقين
يقين يملأ داخلك ، فلا قدرة لمخلوق بعدها على زعزعته ...



انهت صلاتها في جو من الهدوء والصمت ، تعود ببطىء الى ذلك الحصير الممدد على الارض لتنام عليه بضع ساعات قليلة متبقية ، قبل ان تستيقظ مخدومتها الجديدة ..
تلك التي مع بداية اشراق الشمس ركلتها بقدمها صارخة :
" قومي يا بت .. قومي يا عيني ... لمعي البيت ، ونظفي المطبخ ده ...، وتعالي الاول غيريلي حجرين الشيشة ..."


نهضت تتعثر في قيامها ، تتحسس الحصير الذي كانت تنام عليه وترفعه ، تطويه وتضعه في المخصص له حتى لا تنال شتيمة على تركها له لاحقا .
لم تحتج لان تغير ثيابها حتى لم تعد تبدلها ، فكونها لا تحتاج ان تصاب بالالفنونزا مجددا ، كانت ايضا تخاف من تبديلها في اي غرفة من هذا البيت وهي لا ترى أي شخص موجود فيها ، وان كانت فارغة حقا ام لا ...



حتى اصبحت رائحتها كريهة ، ولا تفتأ تذكرها مديحة بذلك كلما رأتها فتسخر منها امام الفتيات فيضحكن منها .. العمياء ذو الرائحة الكريهة ...



تتحسس بعجز النارجيلة وهي تغير الحجر فتصيبها لسعات النار ككل مرة عندما ترتفع يدها لمكان الجر المشتعل ، مخلفة تشوهات صغيرة في يدها الرقيقة ...



بعد لحظات بسيطة دخل الخواجة جون ، رجلا في منتصف الثلاثينات ، طويل القامة ويمتلك ملامح الاوروبيين من شعر اشقر وعينان زرقاوان ، يرتدي بذلة فخمة و يحمل بين يديه هدية لبديعة مثل المرات السابقة التي حضر بها ..



عيناه التقطت جنة التي تمكث على الارض بجوار النارجيلة ، امتدت يده تلقائيا نحو وجهه يفتل شاربه وعيناه ترميها بنظرات الرغبة ، وهو الذي لم يفت مديحة التي كانت تتابعه بعيناها ، وتكاد تنفجر غيرة ...


*****
دخلت انجي القصر بخطوات لاهثة برغم خطأ انفعالها حقا في هذا الوقت من الحمل

او التحرك حتى بهذا الشكل

لكن نبرات صوت اختها الباكي ، تَحطُمها الذي وصل اليها عبر سماعة الهاتف لم يتحمل منها سوى القدوم بهذا الشكل ، ولم تكن تستطيع الانتظار وقد فتت قلبها اشلاء لهذه الاخت ، تلك التي تقف امامها الان

بكتفين مترخيين ، بوجه شاحب وعينان فقدا الحياة

تقدمت كل واحدة منهما باتجاه الاخرى ، لكن خطوات ليلى كان اوسع ، كانت اكثر حاجة للمواساة ، للعناق . .وبكت ليلى للمرة الثانية بين احضان اختها

بكت كما لو كان العالم قد انتهى
كما لو كانت الزهور قد يبست والسماء اعلنت حدادها بالامطار ، بالبرق والرعد كما لو ان الشمس اختفت ، وبدا الظلام يحيط بظلمائه وضبابه الخانق في كل مكان ..


ولم تدري انجي اكانت تبكي بسبب طفلا لم يكن مقدرا لها ان تملكه بينما قد تجلبه له اخرى
ام تبكي حبيبا قبل ان يكون زوجا ، حبيبا احتل الجزء الاقوى الذي يسكن بين اضلعها ...


بعد وقت استكانت فيهم ليلى بشكل غريب ، وكأنها انطفات
اخذت تحكي لاختها كل شيء بشكل اكثر تفصيلا ،

بذهول ، وغضب ارادت انجي ان تصرخ في اختها " اانت مجنونة ، أي قرار هذا الذي اتخذتيه ، كيف تؤمنين لفتاة كهذه ، هل كنتي تحفرين قبرك بيديك ؟؟ "

لكنها لم تستطع قول ذلك ، بل لا يمكنها قول ذلك ، لانه لم يكن وقت اللوم
فأختها تحتاج اليها الان ، تحتاج ان تجد من يستمع لها ، يستمع فقط ولا يقل شيئا
فلا كلام بدا لائقا كفاية ليقال ، ولا مواساة بدت كافية لتقدم ...

..
..
..

القاهرة
" الزمالك "




تحدق في ذلك الثوب بفكر شارد
ثوب زفافها الابيض الذي ارتدته من اصرارها هي قبل اسبوع مضى ...
تتذكر كيف نظر اليها الباشا باستنكار وهي تطلب المال لتشتريه مادامت لن تقيم حفلا ..

ابتسمت لنفسها بمراره ، حسنا هي رضيت بذلك كله ، رضيت بتلك النظرة ، رضيت بتلك المعاملة ، رضيت فقط كي تأتي هذه اللحظة التي تصبح فيها حرم الباشا مراد ..


الباشا مراد .. تجعد وجهها في سخط وهي تتذكر عندما دعاها ذلك اليوم في مكتبه ، وقد حدث في البداية الامر الذي كانت تحلم به طوال حياته
ولكن ذلك كان في بداية الامر فقط ، حينما تغير الامر في لمح البصر واصبح بدلا ان يعرض عليها الزواج كما تصورت كان يقدم اليها يده ، في سبيل انقاذها ، قائلا
انه لم ولن يحبها ، لكنه برغم ذلك لن يظلمها في الملبس والمشرب والمأوى ..



حسنا لقد صدق .. كان زواجهما بلا حب ..
على الاقل من طرفه هو ، وقد وفر لها بالفعل كل شىء ، بيت فخم في القاهرة ، خادمة ، العديد من الثياب ، وافضل الطعام ..
لكنه لم يقم باي خطوة حتى الان ليتقرب اليها ، عدا الليلة الاولى بالطبع ، التي على ما يبدو قد ندم عليها



كورت يديها كلا جانبيها ، وهي تشتعل غضبا من شبح تلك المرأة التي يلاحقها ، ما الذي لديها هي ولا تملكه كي لا يحبها مراد ..

حسنا هي ستنتقم منها ، ستجلب له الولد باي طريقة ، وستعايرها بنقصها ذاك ، ستقصيها من حياته والقصر الى الابد ..



لكن اولا عليها التعامل مع مراد .. ذهبت الى المنضدة حيث كيس المشتريات الذي طلبته من ولاء الخادمة
كانت زجاجة خمر ، طلبت منها ان تشتريها من اي من تلك الحانات الموجودة في شارع محمد علي

حسنا تلك ستكون البداية فقط ، شيئا لجره الى عرينها ، فقد سمعت انه من يتذوق هذا المشروب ، يدمنه ..


لكنها ستجعله يدمنها هي ، يحبها هي ، ويعتاد عليها هي
ستعطيه كل الدلال ، والحب الذي في قلبها له حتى يراه
ستنسيه زوجته الاخرى ، ستمحوها من عقله ، الى الابد

....

*****


"درب طياب" الازبكية


" سي جون عينه منها يا ستي ... انا مش عاوزة البت دي هنا "
قالت مديحة لبديعة بعد ان اخذتها جانبا وقد ضاقت ذرعا من اهمال الخواجة لها هذه الليلة


بديعة التي طفقت تفكر ، وقد اخذتها مديحة على حين غرةً، ولم تكن تتوقع قط ان يكون الخواجة الانجليزي قد افتتن بتلك الخادمة
وببديهية ادركت الان بسبب تلك الهدايا التي كان يمطرها عليها
وسبب زياراته الكثيرة في الاونة الاخيرة


نظرت الى مديحة مليا ، انها احدى اكبر فتياتها ، ذراعها الايمن
لا تستطيع الاستغناء عنها ايضا ، اقتربت منها قائلة :
" يا بت يا هبلة ، وهو الخواجة هيلاقي الجمال الرباني والعود ال... عند حد تاني ، هي تلاقيها شاغلاه بس دلوقتي
حتة جديدة وعاوز يجربها ..."


لكن ملامح مديحة تغضنت اكثر مما يدعو ان ذلك الاطراء الذي كان في البدء لم يغنيها تماما اذ اضافت محاولة اقناعها :
" يا بت اسمعي مني بس ... سبيه يجربها
بالك الرجالة دي بس تحب تغير ، يوم ما تناوليها اللي في بالها وتجربه .. بترجع تاني للاصل ، اصله خلاص ادمنه ، ونزوة التغيير دي يدوبك وبينساها .."
بدى على ملامح مديحة الاقتناع قليلا وهي تقول :
" يعني انتي في بالك ايه دلوقتي يا ستي .."
" تسيبيه .. واهو بكرة يرجعلك خاضع تاني تحت رجليكي لما يجرب المعصعصة اللي جوا دي .. "
ضحكت مديحة من وصف ستها على جنة وازدادت زهوا وهي تقول :
" الا رأيك كده يا ستي ..."
ضحكت بديعة قائلة :
" الا رأيي ونص ..."
ثم اخذتا في الضحك ، وكل منهما تفكر فيما ستناله من تلك الصفقة التي لا تحتوي على اية ضمير ...



*انتهى الفصل *







التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 03-08-19 الساعة 12:40 PM
زمردة عابد غير متواجد حالياً  
التوقيع



مابين صخر وصخر ينبت الزهر
وما بين عسر وعسر ينبتاليسر

فسبحان من بيده الملك والامر ...
رد مع اقتباس