عرض مشاركة واحدة
قديم 18-07-19, 06:20 AM   #4

بيت المرام

? العضوٌ??? » 449192
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 6
?  نُقآطِيْ » بيت المرام is on a distinguished road
افتراضي






#بعد_منتصف_الليل
المتسوّلة ( قصة قصيرة )





في خضم يومك المشحون يا أمي، أين أقبع من أولويات أهتماماتك؟!
●طفلة أنا في الثامنة، تقف بأنكسار أمام باب منزلها، وفي عينيها نظرة أستجداء، لديها أمل بقلبها الصغير أن تتذكر والدتها اليوم معانقتها أو حتى منحها قبلة صغيرة قبل ذهابها إلى المدرسة، لكنها دوما ما تذهب مصحوبة بخيبة أمل :
_ لا تشرُدي كعادتك في الفصل، كوني يقظة ومنتبهة لدرسك.
أدركْت مع الوقت كم أنتِ مضغوطة بين عملك خارج المنزل وعملك داخله، متطلبات أربعة أطفال وزوج لا يُساعد مطلقا، فشعرت بالشفقة تجاهك :
_ أنظري يا أمي، لقد رتبت الفراش .
_ هذا واجب عليكِ ، وإن سُمِيَ ما فعلتيه ترتيبا !
قالتها ساخرة، وهي تعيد ترتيب الفراش، بينما تجتاح قلبي الأخضر غِصة و أشعر برغبة في البكاء.
●مراهقة أنا في الخامسة عشر ، أقف مترددة أمام المرآة، بينما أمي تشاركني الحجرة، مشغولة كعادتها بشيء ما، لأخرق جدار الصمت القائم بيننا :
- أمي، هل أنا جميلة؟، يبدو لي أحيانا أن رأسي أصغر من جسدي!
تلتفت لي أمي برهة، تشبثت فيها بذاك الأمل وقد أضحى واهنا، لتقتله هي بضحكة رنانة قاسية أنخرطت فيها غير مبالية بمشاعري، ثم تركتني بعدها دونما تعقيب، تخترقُني برودة لا أعرف مصدرها، أتخبط في خضم يم ثائر من الظنون والوساوس.
●فتاة عشرينية أنا، أفتتح حياتي العاطفية المتعطشة لمشاعر الحب والأهتمام بشدة، بقصة حب فاشلة، أعود بعدها إلى المنزل أحمل بين جنباتي قلب مكلوم يأّن ويصرخ، يود أن يرتمي بصدر أحدهم ليجهش بالبكاء.
أجد أمي تجلس بحجرة المعيشة تشرب قهوتها، أدخل عليها ساهمة، لأجلس على أحد مقاعد.
ضايقها أختراقي لوقت أسترخاءها، فسألت حانقة :
_ماذا هناك ؟
أَلتفت إليها أُمعن النظر في ملامح وجهها، لأرى عينين خلت من أي أهتمام :
_ لا شيء!
أَجبتُها بمرارة وأنا أترحم في نفسي على ذاك الأمل المسكين القابع داخل قبر شاهده تحت قدميها .
وفي نهاية عقدي الثاني كنت قد ألقيت بنفسي في أحضان الزواج؛ فقط لأبتعد عنها، فقد ضقت ذرعا أن تجمعنا جدران منزل واحد وتفصل بيننا عوالم وأكوان!
●امرأه أنا على مشارف الأربعينات، تأقلم زوجي وأطفالي مع برودة مشاعري وشرودي شبه الدائم، جاهدت كثيرا لأشعرهم بحبي، ولأكُن عكس أمي في كل شيء، لكني آمنت في النهاية بأن فاقد الشيء فعلا لا يستطيع أن يعطيه .
من فترة أصاب أمي مرض أقعدها عن الحركة؛ أتفقنا أنا وأخوتي على أن يستقبلها كل منا في منزله فترة من الزمن؛ وهكذا نتشارك في العناية بها.
عندما جاءت إلى منزلي كانت دائمة الشكوى؛ فهي وحيدة أغلب الوقت، بينما أفراد هذا المنزل بأمورهم منشغلين. هذا الصباح بينما أضع لها إفطارها وأدويتها في عُجالةعلى منضدة بجوارها في غرفتها، كانت تتابعني صامتة على غير عادتها، وما أن أنتهيت حتى توجهت مسرعة نحو باب الغرفة حتى لا أتأخر عن العمل عندما وصلني صوتها مرتعشا بأنكسار:
_ أتسامحيني يوما؟!
تجمدت مكاني برهة، ثم أستدرت ببطء لأصتطدم بعينيها مشبعتان بالدموع، تطل منهما نظرة أستجداء أعرفها جيدا، هرعت إليها أضمها إلى صدري، وأحتضن معها طفلة في الثامنة لم تزل واقفة بأنكسار على باب الحياة في أنتظار أن تفتحه لها أمها بكلمة واحدة :
_ أُحبُك !

تمت
رشا فوزي



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 22-09-19 الساعة 06:41 PM
بيت المرام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس