عرض مشاركة واحدة
قديم 29-08-19, 09:46 PM   #513

Siaa

نجم روايتي وكاتبة وقاصةفي منتدى قصص من وحي الاعضاءونائبة رئيس تحرير الجريدة الأدبية

 
الصورة الرمزية Siaa

? العضوٌ??? » 379226
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,353
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » Siaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond repute
?? ??? ~
يجب عليك أن تدرك أنك عظيم لثباتك بنفس القوة،رغم كل هذا الاهتزاز~
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل السابع عشر

من بعيد رأى الأب ابنته سناء قادمة ناحيته وهي تحمل بيدها كوبين ورقيين... وقفت أمامه ومدت له بواحد قائلة بخفوت :
" طعمه ليس لذيذًا كفاية... لكن لا بأس به..."

ارتشف من الشاي الساخن رشفة بسيطة ثم احتضن الكوب بكفيه وهو ينظر أمامه بصمت كما دأب يفعل منذ نصف ساعة مضت... صامت.. مصدوم... حائر.... وعقله يدور وبدور في سلسلة من التشابكات التي لم يستطع فك أي منها.... إنه فقط يحاول ربط وجود ذلك الشاب مع شمس... ما الذي دفعه ليختطفها... وما السبب الذي جعله يقتل نفسه بالنهاية!
لقد كانت عائلة أخيه بسيطة جدًا.. ومحبة جدًا.. وقد كان على دارية بصداقتها مع الأسرة المجاورة لها بالبيت... لكن لم يكن يعلم التفاصيل... كل ما كان يعرفه عنهم أن الزوجة توفت بعد أن أنجبت ولدها ثم بعدها بسنة تزوج الأب حتى يجد من تساعده بتربية ابنه... هذا كل ما كان يعرفه عن العائلة وقد التفاهم مرات معدودة ببيت أخيه... ثم حصل الحريق الذي أودى بالعائلتين وأختفى الابن وهو لم يبذل مجهودًا كبيرًا للبحث عنه...كان وقتها ملكوم على أخيه وزوجته وانشغل بشمس والتفكير بحمايتها وايوائها عنده... كل هذا دفعه لأن ينسى ذلك المراهق.... ثم مرت الشهور والسنين وظن أن كذبته التي اخترعها بهدف تهوين الأمر على شمس الصغيرة قد استمرت ولا شيء قد يكشفها... لكن فجأة كل شيء انقلب.... ما رآه بعيني شمس جعله يخاف... ماذا بالضبط فعل بها ذاك الشاب... وماذا قال لها...

" أبي.."

التفت ببعض الاجفال لسناء وقال بعدم تركيز :
" ها... نعم ابنتي..."

سألت ووجهها قلق :
" بمٓ تفكر..."

تطلع لها بحيرة وعجز... بمَ يفكر!... يفكر بالكثير والكثير... ولا يدري أي تفكير سيوصله للحقيقة وللحل المناسب... وضع الكوب بجانبه ومسح على وجهه قائلًا بخفوت :
" أين والدتك..؟.."

توسعت عينيها وهي تطالعه بتساؤل ثم أجابت ببطء :
" لقد أخبرتك... ذهبت لتغفو قليلًا في مصلى النساء الملحق بالمشفى... كانت متعبة جدًا..."

هز رأسه موافقًا فأردفت سناء وقد عاودها القلق :
" أبي.. هل تظن بأن أمرًا سيئًا حصل لشمس... وضعها يبدو سيء... لكن لحد الآن لم تتكلم عن شيء..."
شحب وجهه قليلًا وهو يدعي بداخله بأن تخيب ظنون ابنته... وظنونه... وقبل أن يرد عليها... فُتح الباب وخرج منه معاوية... بوجهه المتعب وهيئته الذابلة... بصمت رمى جسده على الكرسي أمامهما وأعاد رأسه للخلف وهو يغمض عيناه.... نظر لابنه بحنان وحزن ثم قال بهدوء :
" بني... كيف أصبحت شمس الآن..."

هز معاوية رأسه دون أن ينظر لهما هامسًا :
" بخير.. لقد نامت للتو..."

تنهد بهم وشفقة على ولده... معاوية لا يستحق كل ما حصل...لا يستحق هذا التعب النفسي الذي وُضع فيه... لطالما كان طفلًا ومراهقًا وشابًا رقيق الشعور.. وطيب القلب... يعرف ماذا سيحصل بعد وعن ماذا سيسأله معاوية ويستفسر منه... ولم يكذب خبر.. فمعاوية رفع رأسه ونظر له مباشرة بصلابة قائلًا بجدية :
" أبي..."

استدار الأب لابنته ورمقها بنظرة ذات معنى فتنحنحت ووقفت قائلة بهدوء :
" سأذهب لأرى أمي..."

راقبها وهي تبتعد بينما صوت معاوية يأتيه بتصميم لا يخلو من الارتعاش :
" أريد أن أفهم... كيف وصل لها... ولماذا خطفها... هل يمكن أن أعرف... هل يمكن أبي..."

رفع رأسه لولده وقال بخفوت وهو يحرك أصابعه على مسبحته العتيدة :
" هل ستصدقني إن أخبرتك بأنني لا أجد أي جواب لأسئلتك..."

هم معاوية ليعترض فرفع كفه ليمنعه وتابع بنفس عجزه :
" كل ما أعرفه... أن أخي وزوجته كانا ذات يوم بزيارة لمنزل جيرانهما ووقتها اشتعل الحريق بالمنزل... حريق كبير التهم كل شيء....الشرطة أخبرتني وقتها بشكها إن كان ابن الرجل وزوجته قد مات أو لا... لأنهم لم يعثروا على جثته... لكنهم وضعوا شك آخر بأنه ربما جثته تفحمت وتحولت لرماد.... لهنا وتوقفت عن المتابعة معهم... كنت مشغولًا بأمور الجنازة... عدا عن صدمتي بوفاة أخي وزوجته... وحائرًا ماذا أقول لابنته الصغيرة... وقتها قررت أن أكذب.. لم أكن أستطيع أن أخبرها بأن والديها توفيا بحريق... الأمر مروع لتفهمه وتتقبله طفلة صغيرة... صدقني بني.. لا أعرف كيف ظهر ذلك الولد فجأة... وما دوافعه لاختطافها... الشخص الوحيد الذي يملك إجابة هي.. شمس "

كان معاوية ينصت له باهتمام تحول إلى غضب طفيف ليقول بعدها وهو يضرب فخده بكفه ببعض القوة :
" شمس.. شمس تخبرني!... ألم ترى حالها... إنها منهارة وبالكاد تفتح تتكلم "

نهض الأب وجلس بجانبه يربت على كتفه ويواسيه :
" أعلم ذلك.. لا تقلق بني... كل شيء سيكون بخير.. هي فقط بحاجة لتتعافى وتفيق من صدمتها... سيطول ذلك لكن كونك بجانبها ستكون أفضل معين... لا تقلق بني... "

ضمه ولده لصدره يتركه يريح همومه على كتفه... ولده مجروح... ولن يطبب جراحه إلا هي..
*********************

" حسنًا... سيتم النظر بملفك بإذن الله... يمكنك مراجعتنا بعد ثلاثة أيام"

الرجل العجوز الذي يجلس أمامها يبدو عليه التعب والاجهاد لكن ينظر له بشموخ وكبرياء ...أخذ منها الورقة ثم وقف قائلًا بهدوء بصوته الخشن :
" إن شاء الله.. شكرًا يا ابنتي..."

راقبت ذهابه ببسمة صغيرة ثم اتكأت على المكتب بذراعها قبل أن تختفي بسمتها شيئًا فشيئًا وتزفر بتوتر.... رفعت ساعتها لتجد أن الوقت قد حان.... فوقفت تتجلد بأقصى ما تملكه من قوة وهدوء... وتحركت خارج القسم...
ركبت المصعد.. وأصبعها يأخذ طريقه ليضغط على آخر طابق... السطح...

كانت نظراتها لا تفارق ساعة يدها... كل دقيقة تمر تقترب من الموعد المنشود... وتقترب من قرارها الذي اتخذته بعد ليالٍ من التفكير المزمن.... وسؤالها المستمر بهل تستحق أم لا... لتبرز الإجابة أخيرًا... وهذه المرة كانت بوضوح الشمس... وبقوة الأرض... بحيث لا يمكن أن تهتز أو تتغير

" أفنان..."

انتفضت قليلًا وهي تتعرف على صوته... لتغمض عينيها وتتنفس بهدوء قبل أن تلتفت له بابتسامة أنيقة قائلة :
" مرحبا.. سيد عامر..."

لم يكن يبتسم بل كان ينظر لها بتدقيق شديد وما أن انتهت من جملتها حتى عقد حاجبيه بتساؤل غير منطوق... تقدمت منه تردف بنبرة متلبسة بالقوة :
" أرجو ألا أكون قد عطلتك..."

هز رأسه وقال باعتراض :
" أبدًا... لقد كنت أنتظر هذا الوقت بلهفة"

اهتزت ابتسامتها وهي تحدق بالأرض ببعض الارتعاش قبل أن ترفع رأسها على سؤاله المباشر :
" ما هي إجابتك أفنان..."

ابتلعت ريقها وهي غير قادرة على أن تهرب من حصار عينيه... عينيه اللتين تخبرانها بأنهما لن يتركاها وشأنها.... ولن تنساهما حتى لو حاولت... فتحت فمها وقالت بهدوء رغم كل الأعاصير التي تدور بداخلها :
" لا...لست موافقة"

صمت مريع مرعب ساد على رأسيهما.... وتلكما العينان تتوسعان بصدمة ما لبثت أن تحولت إلى ألم اختفى بسرعة... همس بجمود :
" ماذا..."

وجدت نفسها تقول بانفعال ويديها تهتزان وهما تتمسكان بملابسها :
" لقد أخبرتك سيد عامر... لقد أخبرتك... أنا لست بحالة ووضع يسمح لي بالزواج.... لدي كثير من الأشياء التي يجب أن أفعلها... ومن الأخطاء التي يجب أن أصححها... وصدقني أنت لست مجبرًا لتخوض كل هذا معي... أنا فقط لا أريدك أن تندم يومًا ما.."

قاطعها بنفس النبرة الباردة الصقيعية :
" هل ترفضينني... "

أشاحت بيدها بسرعة وردت بقوة :
" لا.. لا... أنت شاب مناسب لكثير من البنات... وأنا لا أرفضك بل أرفض الزواج.... "

هدأت أنفاسها وهي تحدق بوجهه بضعف وتستطرد :
" أنا لا أستحقك.. وسيأتي يوم وتدرك ذلك "

ابتسمت بحزن عندما لم يجيب بشيء بل بقي ينظر أمامه بصمت... مدت كفها بتردد لتسلم عليه لكن أرجعتها وهي تقبض عليها بكفها الأخرى وقالت بخفوت :
" أنا آسفة سيد عامر... آسفة جدًا.. و..وداعًا."

تجاوزته مبتعدة بسرعة لتتوجع من قبضة قوية منه على ذراعها أعادتها عدة خطوات للخلف بينما هو يهتف بغضب وكأنه قد فاق من صدمته أخيرًا :
" وأنا أيضًا أتذكر جيدًا أنني أخبرتك برفضي التام لأي إجابة لا تخرج من قلبك... وما قلتيه لتوك كان أتفه شيء سمعته بحياتي...."
رفعت عينيها اللامعتين وقالت بمرارة :
" إجابتي خرجت من عقلي... وهو خير من سيسيرني"

حاولت أن تفك ذراعها من قبضته الحديدية هامسة بصوت خفيض :
" اترك ذراعي سيد عامر... رجاءً لا تعقد الأمر.. "

كان ممسكًا بها بثبات... متشبثًا بها برجاء خفي... يشعر بأن الحروف الكلمات قد ضاعت منه.... أين كل ما جهزه من إقناع إن رفضت هي... لقد حاول أن يكيف نفسه على سماع كلمة لا... لكنه عندما سمعها كان وقعها قوي ومزلزل... وكأنها تحمل رسالة عنيفة تخبره بها بأن يحب أفنان... يحبها حب صادق بريء لم يجربه في حياته قط... ولم يشعر به حتى!
فلت ذراعها على حين غرة فنظرت له نظرة أخيرة مبهمة وابتعدت وصوت كعبها يطرق على قلبه....
أنزل ذراعاه بجانبه بتخاذل ثم تحرك مبتعدًا عن المكان الذي جمعهما ذات يوم... لكنه بنفس الوقت كان شاهدًا على ابتعادها...
في مكتبه كان قد رمى جسده على الكرسي بعد أن شبه صرخ على سكرتيرته وهو الذي لم يفعلها بحياته... ثم دخل وأغلق الباب خلفه بالمفتاح...
مد كفه وفتح الجارور الخشبي ثم أخرج منه علبة كرتونية صغيرة مستطيلة الشكل.... حدق بها برغبة بأن يتمرد... لقد مضت فترة طويلة جدًا على تركه للتدخين... لكنه كان يحتفظ بعلبة السجائر حتى ينظر لها كل مرة تعاوده الرغبة في استنشاق ذلك الدخان المسمم
لكن الآن!... الآن لا... لن يخبر نفسه بأي شيء....
ضم شفتيه بتشنج وأخرج عود سيجارة ليولعها ثم يضعها بفمه.... ثم أعاد رأسه للخلف مغلقًا عينيه.... لم يعد يهم شيئًا... ضحك بخفوت وهو يهمس لنفسه :
" ماذا كنت أظن..."

*********************


يتبع...


Siaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس