عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-19, 11:54 PM   #2

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

المقدمة

خطت نادية خارج معقل شقة أسرتها تسير مسرعة .
تشعر بنفسها منتعشة ، منتشية ، كأنما تخلصت أخيرا من شرنقة أعبائها .
مشت في الشارع الخلفي لعمارتهم السكنية و ابتسامة واسعة تنبض حية بين شفتيها .
كانت تفكر كيف ستنجح اليوم في تهشيم جدار الروتين .
كيف ستنتشل نفسها الحقيقية التي اختفت طويلا وراءه .
تباطأت خطواتها و هي تقترب من الشارع الرئيسي قبل أن تتوقف لتتأمل مظهرها لبضع لحظات في الزجاج اللامع لأحد المحلات المغلقة في هذا الوقت من الصباح .
فكت ربطة شعرها ثم أعادت جمعه في شكل ذيل حصان أكثر حزما ، بادلت انعكاسها نظرة راضية أخيرة ثم ابتسمت له و رمت له غمزة خفيفة و عادت للسير .
بعد دقائق كانت تستقل سيارة " أوبر" فخمة تدلل بها نفسها المحرومة و جسدها الذي حُشر طوال أربعة أسابيع تقريبا داخل قبضة المواصلات العامة .
فتحت النافذة على آخرها و أعادت رأسها إلى الخلف تصغي لرياح تبدو كأنها تضحك داخل أذنيها .
ببطء مستمتع أغمضت عينيها البندقيتين راضخة للشمس تمشط ملامحها بأشعتها الدافئة قبل أن يكسر تدفقها ظل كبير قاتم لإحدى المباني الشاهقة التي يمرون بها .
تقلصت ابتسامتها لثوان قليلة و شيء من البرد يتسلل عبر حاجز قماش بلوزتها فترتجف لا شعوريا .
عادت الشمس تهزم الظلال فرجعت لنادية ابتسامتها.
تحركت أناملها تخط أشكالا عشوائية ناعمة على قماش حقيبتها و داخل ذهنها يتردد وعد حاسم :
" سأكسرك أيها الملل كما كسرت الشمس ذلك الظل ، سأقوم بتفتيتك إلى ندف صغيرة و أذيبك في زخم هذا اليوم الذي أشعر بشدة أنه لن يكون كغيره من الأيام "

**
**
بعد دقائق ،
جلسن ثلاثتهن ، نادية ، إيثار و بريهان ، متقاربات ، متهامسات أغلب الوقت ، بينهن طاولة مستديرة صغيرة الحجم كمعظم طاولات المكان .
المقهى الراقي التفاصيل و الرواد الذي اختارته نادية لتكنز لحظات بذخ ثمينة تتصدى بها لعراء الأيام القادمة .
من فوق كرسيها الزهري الكساء رفعت إيثار عينيها تتأمل فضاء الفخامة حولها .
تنقلت بمقلتيها لتقعا على الباب الرئيسي ، راقبت بشرود كيف تتعانق المرايا عند أطرافه .
حوالي الشرفات الأربعة الواسعة تراقصت الستائر بنعومة تبعد أذيالها الشفافة عن أيادي نسيم عابثة ، مر بأزهار ساكنة على غصونها ، أخذ بعضا من تويجاتها في رحلة بلا عودة ثم بعثرها أخيرا على الأرضية الرخامية .
عادت نظرة إيثار الناعمة لتحط على حواف الفنجان برفق كأنها تخشى أن تخدشه ، فكرها تعلق في شبكة من صمت ، نوعا ما تعيس .
- الأمر وحشي ، أسدلت جفنيها و هي تغمغمها .
- ما هو هذا الأمر الوحشي ؟

بشرود تساءلت بريهان ، تبعد عينيها عن شكل غامض ولد من ذوبان الرغوة داخل دوامة قهوتها السوداء ، كانت قد أمضت اللحظات السابقة تراقبه .
بصوت شبه هامس ، أوضحت إيثار .
- وحشي أن تعبث الرياح بالورود الأصيلة و ترميها أرضا لتداس تحت الأقدام بينما المزيفة مصانة داخل حصن مزهريتها .

وشاح من الظلال مر على وجه نادية يطمس مؤقتا معالم نظراتها .
هل هو التعاطف ما تظن أنها تراه ، فكرت إيثار .
فليكن لأنها تريده .
- ما الذي يحدث معك ؟ تساءلت نادية بعد صمت ، كالعادة بابتسام ، كالعادة باهتمام .
- اختبارات منتصف السنة أكيد ، أجابت بريهان بدلا عنها .

الإشراقة داخل عيني نادية أظلمت مؤقتا تحت ذكرى أيام كانت قاتمة ، وعرة .
أيام مضت و لن تعود ، تذكرت فتنهدت ارتياحا .
- قلبي معك حبيبتي لكني أطمئنك بأنك ستعيشين ، قالت و صوتها يتلون بمرحها المعتاد بينما تمد يدها تربت على ذراع إيثار .
- هناك شيء آخر أود أن أخبركما به ، تمتمت إيثار بتردد و كوب القهوة يلامس شفتيها .

رشفت رشفة بطيئة طويلة ثم ركنت إلى صمت أطول .
- هل تحتاجين أن نشحنك لكي تتكلمي ؟! تمتمت ناديةرافعة حاجبيها بتسلية .

راقصت إيثار فنجانها بين أصابعها عدة ثوان ثم قالت و عيناها متسمرتان عليه :
- هناك شاب كلما تقابلت عيني بعينه يغمزني .
- امم ، مطت نادية شفتيها بتعبير غير مفهوم ثم سألت ، و لم يحاول أن يكلمك
- أنا لم أسمح له بأن يحاول .
- إذن تجاهليه ، دعيه يغمز حتى يصاب بالشلل في جفنه .

كانت تلك بريهان بآرائها العاقلة المتزنة حول كل شخص و أي موضوع .
- هي لا تحكي لنا كي تسمع منك هذا ، تدخلت نادية ، ألق ماكر يلمع داخل ذهب عينيها ، هي بالتأكيد حاولت تجاهله لكنها لم تستطع .
و السؤال الآن هو لماذا ؟

رسمت ملامح تفكير عميق ثم مطت شفتيها مجددا و هي تقول بتقرير :
- أكيد لأنه وسيم ، التفتت نحو إيثار تسألها وهي تسند خدها على يدها مقلدة لها ، أخبريني إيثو بمقياسي أنا للوسامة كم تبلغ وسامته ؟
كان دور إيثار هذه المرة لتمط شفتيها بينما تبرطم :
- بمقياسك أنت لا يوجد أصلا رجل وسيم .
ضحكت نادية بأريحية فخورة ثم قالت بينما أصابعها تجول بين خصلاتها باختيال مضحك :
- معاييري عالية لسوء حظهم ، نظرت إلى بريهان و أضافت بتهكم ، استعملي مقياس بيري إذن .
- بمقياس ملكة الجليد لا يوجد أصلا رجال !!

أطلقت نادية ضحكة أخرى هذه المرة برنة أعلى ثم لملمت قهقهاتها و هي تلاحظ بعد النظرات الذكورية الغير مستساغة ، مالت تكلم بريهان بمرح خافت :
- قضينا على كل آمال البنت المسكينة و عقدناها فوق عقدها ، بريق عينيها ظل متسليا لكن صوتها تحول إلى الجدية و هي تضيف ، على فكرة يليق بك جدا .
- من ؟ ماذا ؟ همست بريهان و نظراتها تتشتت بين وجه نادية و بين فستانها .
- لقب ملكة الجليد ، حلو جدا و مناسب لك إلى أبعد حد ، مالت نحوها أكثر و همست بمكر ، يليق بك أكثر من اسمك الحالي حتى اسألي ابن خالك شريف الذي سلخت كرامته رفضا و هو سيؤكد لك .

ضحكت بريهان بتحفظها الرقيق الهادئ أما إيثار فبالكاد ابتسمت ، تنهدت في سرها و تباعدت عنهما بأفكارها .
أطرقت برأسها تخفي نظراتها في شاشة هاتفها المشوشة مثلها.
هي مختلفة عنهما ، فكرت بتعاسة .
ليس لديها ذلك التوازن الذي تحظيان هما به و لا ذلك الاستقرار النفسي .
هي هزيلة القرار ، تعرف نفسها جيدا لذلك تبعد نفسها عن مواقف الضعف كونها متأكدة من سرعة وقوعها.
تشعر بنفسها كالعجينة الرخوة يسهل تشكيلها و نحت أي كيان منها .
لذلك هي اختارت صحبتهما ، ببساطة لأنهما تحميانها من نفسها و تشكلان حاجزا بينها و بين السقوط .
ربما تكون مثلهما لا تهتم كثيرا لأمر الرجال.
ربما تكون كذلك أحيانا .
لكن أغلب الوقت ينتابها ذلك الضعف .
و لم تجد له حتى اللحظة حلا .
مشكلتها أنها حين يهتم بها رجل ، حتى لو كانت أسهمه منخفضة لديها ، تفقد مناعتها و لامبالاتها .
نظرة اهتمام ، كلمة مختارة بعناية تستطيع خلال دقائق دك حصون اجتهدت سنوات في بنائها .
أسدلت جفنيها و هي تذكر ذلك الموقف عندما استقلت المصعد في العمارة الفخمة التي يعمل فيها خالها .
كيف فُتح الباب و دخل عليها نجم السينما الأوسم مغادرا قاعة الرياضة الشهيرة التي تقع في نفس العمارة .
كان مثالا للرجولة و الجاذبية المستفزة و رغم ذلك لم يحرك فيها شعرة .
السبب كان بسيطا .
هو نظر إليها نظرة عدم اهتمام مؤدبة هي بادلته نظرة لا مبالاة مهذبة و لم يعن لها شيئا .
لم يبدو لها سوى جسد جذاب تكمله ملامح فتاكة كالتي تراها في صفحات المجلات لكنها لم تشعر معه بالاختناق أو انعدام الأكسيجين أو أي من تلك المشاعر المهتاجة التي تجعلها تحتقر نفسها بشدة كلما غمز لها الشاب الآخر مع أنه لا يقارن بأي شكل من الأشكال بنجم السينما الذي احتوتها معه أربعة أمتار مربعة .

**
**

بعد قليل خرجت ثلاثتهن تاركات خيالاتهن الوردية داخل جدران المقهى و بين أغلفة المنيو البراقة .
توقفن عن السير و بريهان تتوجه لطفل يجلس على الناصية وحيدا مع كرتونة مناديله الورقية .
اشترت منه ثلاث علب خبأت التي تخصها في غياهب حقيبتها الواسعة و قدمت الأخيرتين لرفيقتيها .
تناولتها نادية مبتسمة و هي تسترجع حديث فتى إيثار الغامز .
بلمعة مكر في عينيها الشبه مغمضتين أمام غزو أشعة الشمس لعدستيها قالت للطفل تفتعل الجدية :
- أخبرني يا بطل ؟
- تفضلي يا أبلة .
- متى تظن أن صنارتنا ستغمز ؟

لم يفهم مغزى سؤالها لكن ذكاءه الفطري التقط تهكمها المبطن .
- غدا ، بعفوية عابثة أجابها.
- غدا !! رفعت حاجبيها باندهاش مستمتع .
سؤال آخر يا بطل ، أضافت و هي لا تستطيع سجن ابتسامتها أكثر :
أخبرني كيف سيكون ؟
- دافئا ؟ تمتم محتارا و هو يحك رأسه بعدم فهم ، في الغالب تقصد الجو لكنه غير متأكد .
- دافئ ، هزت كتفيها بطيش مرح و هي تستدير لبريهان تشير لها بيدها و تقول :دورك
- و أنا ، استجابت الأخيرة رغما عنها ، أريد أن أعرف كيف يكون ؟

للطفل بدأ الأمر يصير غامضا أكثر و مملا أكثر ، فكر قليلا ثم قال بنزق :
- سيكون طويلا .
- طويلا ، رددت بريهان بخيبة حقيقية ، هي تعطيها الدافئ و أنا تعطيني طويلا بلا صفات .

تململ الطفل في وقفته ، هيأته تنطق ضجرا لكن إيثار لم ترحمه .
- الآن حان دوري ، أخبرني كيف سيكون ؟

هل يستغفلنه أم ما الذي يحصل بالضبط ؟
حط بنظراته العابسة على عقدة ما بين حاجبي الفتاة الأخيرة ثم قال بفتور :
- سيكون صعبا .

زاد عبوسه و هو يشاهد مهرجان الضحك الذي اهتز به كامل جسد نادية .
بتنهد عميق دل أن ما يخفيه في جعبة نفسه أكبر بكثير من سنوات عمره ، انحنى ليأخذ كرتونته و ينصرف .
قبل أن يشرع في أولى خطواته ، أوقفته يد نادية ، استدار بتوتر ففوجئ بها تلوح أمامه بورقة عشرية ثم بلطف تضعها داخل كفه الصغيرة .
كان مازال مذهولا حين شعر بوشوشتها الناعمة قريبا من أذنه و هي تقول :
- عدني أن تكبر لتصير كريما .

قبل أن يفتح فمه كانت الفتاتان الأخريان تدسان له ورقتين مماثلتين و الأقصر بينهن تقول له بشبه غضب :
- مع أنك لا تستحقها لأنك تنبأت لي بالأسوأ .

لم يغضب و كيف له أن يغضب و هو يتلقى للتو مبلغا كهذا دون أن يتعب ، دون أن ينتظر في بؤس ، دون أن تشتعل فروة رأسه حرا و غضبا ، يتلقى نقودا دون طعم المهانة المعتاد .
نظر نحو أجسادهن المبتعدة التي اتخذت شكلا شبحيا غامضا وراء ستار دموعه الخفيفة ثم داخل قلبه الصغير تكونت أمنية صغيرة من أجله و من أجلهن .
**********************



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 08-08-20 الساعة 10:28 PM
نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس