عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-19, 12:18 AM   #9

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل السابع



بخطوتين كبيرتين كان بجانبها يدير وجهها بلطف عملي نحوه ، جارته صاحبة البيت و أم تلك الفتاة عرف فور أن حطت عيناه على ملامحها التي اختلطت طيبتها بامتقاعها الشديد .
- متى تعبت هكذا ؟ رفع عينيه نحو الطفلة في ذات اللحظة التي بدأ فيها بفتح حقيبته .

راقبها تهز رأسها ب" لا أعرف " مرارا فتنهد بعمق و هو يشرع في قياس ضغط المرأة المسنة . مرتفع جدا عن العادي و نبض قلبها منخفض نوعا ما عن الطبيعي .
ربت بيده برفق على خدها ففتحت عيناها تتأمله بنظراتها المتعبة .
- حاجة ، أنت تأخذين أدوية للضغط أليس كذلك ؟

أشارت له بنعم فأضاف :
- أريد أن اراها من فضلك .

حولت اتجاه نظراتها نحو الطفلة و لكن الأخيرة كانت قد طارت نحو مكان غرف النوم .
ثوان قليلة و عادت إليه لتناوله كيسا صغيرا ، فتحه يقرأ أسماء الأدوية بسرعة بينما عقله يستوعب و يحلل بسرعة أكبر ثم أخرج تلك البخاخة التي تلازم دائما مكانها داخل حقيبته .
- افتحي فمك يا حاجة من فضلك ، أطلق بختين داخله ثم أضاف بهدوء ، طعمه قوي أعرف لكن أغلقي فمك و تحملي قليلا حتى يسري مفعوله داخلك و ينخفض ضغطك بسرعة .

أطاعت المرأة باستسلام و هي تعود لإسدال أهدابها مواصلة التنفس بصعوبة ملحوظة . عاد يرفع عينيه نحو الطفلة و يأمرها بصوت عملي :
- اتصلي بابنتها .
- ه.. كا..ه .

" هي قادمة " لدهشته فهمها و بدون إشكال .
لأنه كان في نفس اللحظة ينظر داخل عينيها .
و اكتشف أن ما لا تقوله كلماتها تتكفل به نظراتها .
التفت بآلية إلى الوراء مع سماعه لصوت الباب الخارجي يفتح و يغلق ثم اتسعت نظراته بشدة و هو يرى الطفلة تأخذه على حين غرة و تنحني تقبل يده المستقرة على فخذه بينما تهمس :
- شا...هني .

" سامحني " ، مرة أخرى يلتقط كلماتها بشيء أبعد و أعمق من سمعه .
بوجه خلا من تعبيراته راقبها تعود للطيران بخطواتها الخفيفة و تعود مرفقة بجارته الشابة ، متعلقة بيدها و هي تشرح لها ما حصل بكلماتها ، إشاراتها و نظراتها .

- مرحبا دكتور ، وجهت الفتاة حديثها إليه باضطراب ، ما بها ماما ؟
- ضغطها مرتفع جدا و لو لم نلحقها لكان الموضوع تحول حتما إلى جلطة .

كان يتكلم بعمليته المعتادة و مع كل حرف جديد يضيفه راقب الفزع ينمو على ملامحها و يتآكل قناع التماسك الذي كانت ترتديه .
- وهي بخير الآن ؟ تمتمت بهمس ضعيف و هي تركع بجانب أمها و تبدأ بتمرير كفها على جبينها بحنان .
ماما ، ردي علي من فضلك ، أنا بيري .
- لا تستطيع التكلم الآن يا آنسة ، قال بهدوء مطمئن ، أعطيتها للتو دواءًا يخفف الضغط و يجب أن تظل مغلقة الفم حتى تستفيد منه .
من الأفضل تركها تسترخي قليلا ، واصل و هو يغلق حقيبته ، من فضلك اتبعيني إلى الصالون الآخر .

تبعته ممزقة القرار و النظرات بينه و بين جسد أمها المريض .
جلس على الأريكة القديمة و أخرج ورقة بيضاء و بدأ يخط عليها و هو يعود لقراءة أسماء الأدوية .
- على ما يبدو أمك تعرضت لشيء ما جعلها تصل إلى هذه الحالة ، هل لديك فكرة ؟
- كلا ، تركتها هذا الصباح و هي بحالتها العادية .

عاد بنظره إلى الورقة و هو لا يستطيع تحمل الفزع المذعور داخل عينيها المحدّقتين إليه .
- هنا كتبت لك دواء جديدا ستتناوله بشكل وقتي و كتبت لك أيضا الجرعات التي أراها مناسبة لدواءها القديم حتى لا تتعرض إلى هذه النوبة مجددا . لكن طبعا يجب عليها أن تستشير طبيبها الأصلي ، مفهوم يا آنسة ؟
- مفهوم دكتور ، شكرا لك .

دون كلمة إضافية سار عائدا إلى حيث ترقد المرأة المريضة .
- كيف تشعرين الآن يا حاجة .
- الحمد لله دكتور ، غمغمت بلسان ثقيل .
- ابتسمي حاجة . رفعت عينين مستغربتين نحوه .
- حتى نتأكد أنك لا تتعرضين إلى جلطة ، شرح لها و هو يعود لقيس معدل ضغطها .

ابتسمت المرأة بتردد فبادلها ابتسامة مطمئنة قبل أن يوجه حديثه لابنتها مرة أخرى .
- المفروض أنها بخير الآن ، ضغطها انخفض و بدأ يعود إلى معدله الطبيعي ، سأنصرف و إذا لاحظت شيئا ما غير عادي أرسلي لي البنت . و في الأثناء يجب أن تبعديها تماما عن أي ضغوط .
- حاضر دكتور و شكرا لك .

لكنه ترك شكرها لديها للمرة الثانية و هو يدير ظهره إليها و يغادر .

***************************
راقبت بريهان ظهره المبتعد بنظرة محتارة ثم نفضته بسرعة عن أفكارها و عادت لمن تستحق اهتمامها الحقيقي ، جوهرة حياتها ، أمها .
- ماما ، تمتمت و هي تشاهدها تقوم ببطء ترفع جذعها الأعلى و تتخذ وضعية اتكاء ، جلبت لها وسادة إضافية من الأريكة الأخرى ثم ربتت على خدها الذي ضاعت ألوانه و هي تواصل همسها ، ما الذي حصل ماما ؟
- أخوك التيس .
قطبت بريهان جبينها بعدم فهم .
- ما به سامر ؟ ما الذي حدث له ؟ طمئنيني أرجوك .
- حدث له أنه فقد رجولته و شخصيته .
- اهدئي ماما من أجلي أرجوك ، لو التكلم عنه سيرفع ضغطك مرة أخرى فلا داعي لأن تخبرني بأي شيء ، فقط ارتاحي .
- كلا بيري ، أحتاج إلى الفضفضة . أغمضت عينيها قليلا ثم فتحتهما و هي تقول بنبرات أهدأ :
- شقيقك المهزوز ، الضعيف الخنوع قام بكتب عقد تمليك طابق من طوابق الفيلا لتلك الحرباء .
- نهلة ؟
- تلك المصيبة ، نعم .
- و هو اتصل و أخبرك ؟
- كلا طبعا و هل يجرأ ؟ جارتنا القديمة السيدة رجاء عرفت عن الموضوع من زوجها المحامي و أخبرتني .

" حسبي الله و نعم الوكيل فيك يا رجاء " ، تمتمت بريهان في سرها بإخلاص .
بصوت مسموع قالت :
- و لماذا أنت غاضبة ؟
- لماذا أنا غاضبة ؟ حدقت السيدة جلنار في وجه ابنتها الصغرى بصدمة مستنكرة .
الموضوع لا يستحق حسب رأيك ؟
- لا شيء يستحق أن تعرضي نفسك و تعرضيني أنا لكل هذا من أجل طابق لا يسوى عندي حفنة تراب .

تنهدت الأم و هي ترفع ذراعها تغطي بها عينيها و همست كأنها تخاطب نفسها :
- نحن تنازلنا له كي يضمن مستقبله لأنه رجل ضائع و لم يجد فعل شيء بحياته .
- ماما لا تكوني قاسية عليه يكفيه ظروفه و مسؤولياته .
- أنا قاسية عليه بيري ؟ علا صوتها قليلا عن نبرته الطبيعية ثم إزاء نظرات ابنتها المتوسلة استعادت هدوءها و هي تقول :
- كلا حبيبتي لست قاسية ، ليتني كنت أقدر .
ربما لو كنت قاسية لما ضاع مني و من نفسه هكذا بعد وفاة والدك .
- لا تلومي نفسك ماما ، كان كبيرا بما يكفي حينها ، لست السبب .
- يا ابنتي خذيها مني عبرة ، لن تستطيعي أبدا إقناع أم بأنها ليست السبب في ما آلت إليه حال أبناء رحمها .
- و أنت ماما خذيها مني عبرة أنه لا جدوى من لوم نفسك على ضرر حدث و لن تقدري على إلغائه ، وضعت يدها على يد أمها و هي تضيف بينما تمرر أصابع يدها ، اقبلي ابنك كما هو يا ماما لأن غضبك من عدمه لن يغيره .

نظرت إليها السيدة جلنار ثم أشارت بيدها أمامها كأنها تعرض نسيج أيامها و هي تقول بيأس :
- رحم الله أخاك فراس ، كان رجلا بحق ، هذا الذي ظل معنا لا أعرف كنهه ، كيف و لماذا نشأ بهذا الضعف ؟
- لله في خلقه شؤون يا ماما .

لبعض لحظات تركتا لصمت هادئ المجال ليحل بسلامه عليهما قبل أن تقول بريهان بهدوء :
- من وجهة نظري يا ماما و بغض النظر عن حبي لنهلة من عدمه أرى تصرفه عادلا .
سامر لا يكاد يستقر بوظيفة و أحيانا يظل لأسابيع طويلة دون عمل معتمدا على إيجار الطابقين بينما هي تكدح يوميا و تواصل التقدم في وظيفتها و تساعده كما تعرفين .
واجبه نحوها أن يكافئها على كل ذلك و هذا ما فعله ، أكملت جملتها الأخيرة و هي تنظر إلى ملامح أمها بحذر .
- أفهم من كلامك أنك لست غاضبة .
- و لماذا قد أغضب ماما ؟ ألم أتنازل له من تلقاء نفسي ؟
الفيلا ملكه و هو حر ليفعل بها ما يشاء كيفما يشاء .

تنهد عميق صدر عن أمها احتارت كيف تفسره حتى رفعت الأخيرة عينيها إليها تتمتم بهدوء :
- من فضلك يا ابنتي أحضري لي بعض العصير لأطرد طعم الدواء من فمي .
- حاضر ، قالت بريهان و هي تقوم من مكانها فورا .

خرجت عبر القوس و بدأت تميل بجسدها يسارا لتتجه إلى المطبخ قبل أن تتوقف فجأة و هي ترى جارهم الطبيب جالسا على أريكة الصالون التقليدي .

بدهشة حاولت إخفاءها بدأت تتقدم نحوه ببطء ، هل سمع حوراها العائلي الخاص هي و أمها ؟ تساءلت و حرجها يزداد مع كل خطوة .
لكن نظراته الساهمة البعيدة أكدت لها العكس ، هذا رجل مغلف تماما بقوقعة من مشاكله الخاصة تعزله عن كل ما قد يحصل حوله .
توقفت على بعد خطوتين منه و هي تلاحظ ذلك التعبير الذي نقلته ملامحه بكل شفافية ، التعب . جارهم ، هذا الطبيب الغريب الطبع و الأطوار الذي يجلس في هذه اللحظة على أريكة منزلها ، هو رجل متعب .
بل مثقل تعبا .
- دكتور ، تجرأت أخيرا على مخاطبته بهمس ، هل تحتاج شيئا ؟

رفع عينيه إليها بنظرات بدت لها مستكشفة كأنه لم يسبق له أبدا رؤيتها و هذا هو الواقع بالفعل فهو كما هو واضح ينظر دون أن يرى .
راقبته يتململ قليلا في جلسته ثم يسدل جفنيه نصف إسدال و يتمتم بفتور :
- كوب ماء .

" من فضلك " ، أكملت عنه بريهان العبارة التي سقطت منه و هي تنصرف بخطوات سريعة نحو المطبخ .
وجدت سنية تخرج من الحمام فأشارت إليها بيدها لتتبعها ، ناولتها علبتي عصير صغيرتين و أمرتها بأن تشرب واحدة و تأخذ الثانية لأمها ثم فتحت الثلاجة مجددا و تناولت زجاجة مياه جديدة ، أخذت كوبا بعد أن تأكدت من لمعانه و عادت إلى طبيبهم الغريب .
مرة أخرى وجدت نفسها تتوقف فجأة على بعد خطوات صغيرة من مكانه ، الدهشة و كثير من الحرج يلجمانها عن التقدم فالرجل كان بكل بساطة نائما .
أخيرا استطاعت التقدم من مكانه بتردد ، وضعت الصينية على الطاولة أمامه و رفعت عيناها تمشطه بنظرة متأملة .
حطت عيناها بداية على خصلاته .
شعره أسود بنفس درجة سواد مزاجه ، يناقض بطريقة تشد الأنظار بشرته القمحية الفاتحة . توترت أنفاسها و شكله يسرق منها اعترافا مرغما بأن إجهاده لم يخف وسامته و لكن فقره لأي لباقة هو من يجعل المتعاطي معه يسقط شكله من حكمه عنه .
نزلت بنظرها كأنها شيئا ما يجذبها لتواصل رحلة اكتشافه و مثل المرة السابقة التي رأته فيها لم يكن يرتدي بلوزته الطبية البيضاء و مثل تلك المرة الماضية كان لبسه أبعد ما يكون عن الرسمية : قميصا أسود و بنطلونا من الجينز الشاحب ليبدو كمصاص دماء عصري بوجهه الممتقع المرهق .
رن صوت الجرس فبدا أجوف وسط السكون السائد ، عملاقا كأنه يدق داخل عقلها و ضميرها . انتزعت نظراتها الفضولية من الجسد النائم و توجهت خطواتها نحو الطارق اللحوح .
وقفت أمام الباب تترك الجرس يرن ثانية و ثالثة و رابعة عسى ذلك النائم يصحو و لكن نظراتها المختلسة نحوه أنبأتها أنه شيء بعيد الاحتمال .
ترددت لثانية أخرى و أخيرة ثم مدت يدها لتفتح الباب فأي شيء آخر أمامها لتفعله ؟
تنفست بارتياح و هي ترى الوجه الذي برز أمامها .
الشخص المناسب في الوقت المناسب .
بخطوتين تراجعت بريهان تفسح طريقا أمام الفتاة المرتبكة الملامح ،
السكرتيرة .
- آسفة ، تمتمت الأخرى و هي تتقدم بحرج ، الدكتور تأخر جدا و المرضى بدؤوا بصب غضبهم فوق رأسي .

أشارت لها بريهان إلى جهة الصالون و هي تقول مرفقة كلماتها بابتسامة هادئة :
- لا بأس ، تفضلي .

مازج شيء من التهكم ابتسامتها و هي تراقب الأخرى تتوغل داخل الطرقة ، رأسها لا يكاد يستقر في مكانه بينما تدير رقبتها لتسجل أكبر ما تقدر على حمله من تفاصيل .
توقفت الفتاة فجأة و هي تطلق شهقة خافتة ، عيناها مستقرتان على المنظر الذي يقابلها داخل الصالون و شفتاها تتمتمان بهمس غير مصدق :
- الدكتور ..نائم !؟

التفتت إلى بريهان تتأكد فهزت الأخيرة رأسها في صمت .
تقدمت الفتاة بخطوات صارت أسرع و قوامها يتلوى بوضوح داخل البلوزة الضيقة القصيرة و البنطلون الناعم القماش .
سارت بريهان خطوتين إضافيتين فقط و توقفت تراقبهما من بعيد ، تتنهد بنوع من الارتياح و هي تشاهده يبدأ بالتحرك قليلا مستجيبا للمسة الأخرى الخفيفة على كتفه .
عبست دون وعي و هي تشاهده يرفع ستار جفونه أخيرا لتقابل نظراته المشوشة نظرات الأخرى التي لا تستطيع رؤيتها لكنها متأكدة أنها في دفء و حميمية حركاتها و انحنائها الناعم عليه .

" و ما دخلك أنت ؟ وضعت حدا سريعا لأفكارها ، سكرتيرته و متعودة على إيقاظه كما يبدو "

تحول تهكمها لشعور آخر أوقع و أعمق و هي تراه يستند على حافة الأريكة و يقوم بصعوبة واضحة ، رفعت عينيها بتردد و حطت بهما على وجهه لتفاجئ تعبير ألم مسروقا هاربا من سيطرته الدائمة على ملامحه ، رفعت عينيها أكثر و التقت عينيه .
و داخل عتمتهما الباردة البعيدة لمعت نظرة قوية سرعان ما انطفأت كما يفعل شعاع برق في ليلة تتظاهر بأنها ممطرة .

رأته يلتفت ببطء نحو وجه سكرتيرته المتطلعة إليه .
- آسفة دكتور نديم على إيقاظك لكن المرضى ينتظرون حضرتك و الأطفال قلبوا قاعة الانتظار رأسا على عقب .

لم يجبها و لم يبد عليه أصلا أنه فهمها ، فقط مد يده يتناول حقيبته ثم سبقها نحو باب الشقة .
- دكتور شكرا لك ، تمتمت بريهان و هي تخفض عينيها عندما اقترب منها في طريقه للخروج .
- العفو ، أجابها بصوت عملي دون أن يبطئ من سيره .

" و أخيرا ، صدق من قال أن الثالثة ثابتة " ، فكرت بينما تتنهد في سرها قبل أن تلتفت إلى الخلف و هي تشعر بيد تلامس ذراعها .
التفتت بتساؤل صامت إلى وجه الفتاة المتفحص لها .
- أنا آسفة ، قالت السكرتيرة ، نسيت أن أسألك عن الحالة التي استدعيتم الدكتور من أجلها .
- ماما ، ضغطها ارتفع كثيرا و الحمد لله أن الدكتور نديم لحقها قبل أن يتفاقم الوضع .
- الحمد لله على سلامتها .
- شكرا لك ، قالتها بريهان و هي تبدأ تدريجيا بمسح الابتسامة المجاملة عن شفتيها .

أغلقت الباب و مشاعر غريبة تبعثر بعضا من استقرارها ، أهمها تلك المتعة التي شعرت بها و هي تلمح الضيق الواضح في نظرات السكرتيرة عندما نطقت هي اسمه و لم تكتف بلقبه المهني .
- بريهان

تعالى صوت أمها ضعيفا متسائلا فأسرعت بخطواتها إلى غرفتها تاركة استغرابها من نفسها تائها بين حيرة و لامبالاة .

**********************

- شوكت ؟
- نعم نديم أسمعك ، كنت فقط أصرف السكرتيرة .
- أعتذر لأني أتصل بك أثناء دوامك .

تعالت ضحكة قصيرة قطعها صوت الآخر الهادئ يقول بتهكم غير مبطن :
- لا تعتذر و لا تقلق لأني أنوي خصم كل دقيقة من حصتك القادمة معي .

اعتدل في جلسته ، تقطيبة بسيطة تجعد سفح جبينه بينما يتساءل باهتمام :
- أنت تنوي طبعا مواصلة الجلسات معي أم تتصل لتنسحب كعادتك ؟

تنهد نديم بعمق ، تخلل شعره بأصابعه الطويلة ثم غمغم بصوت بالكاد يسمع :
- بالعكس ، أشعر بأني أحتاج إلى جلسة عاجلة .
- ما الذي حصل ؟ تشعر بنوع من الانتكاس ؟

تنهد ثانية و بصوت أعلى ، انتكاس ؟
كلا لا يمكن له أن ينتكس لأنه لم يغادر تلك المرحلة أصلا ، هو فقط يتظاهر ، يخدع نفسه و يخادع غيره .
عبث بأزرار قميصه قليلا ثم تمتم يبدأ اعترافاته :
- اليوم حصل معي شيء غريب .
انفصلت عن الواقع تماما .
- اممم ، انبعثت الهمهمة السيكولوجية المعتادة .

رمى نديم القلم على سطح المكتب بقوة ثم قال :
- نمت داخل بيت جيراني .
- اممممممم .
- استدعوني لحالة عاجلة ، واصل يشرح ، ثم و أنا في طريقي للمغادرة هاجمتني تلك الرعشة من جديد .
انهرت جالسا على الأريكة و لم أستطع الوقوف مجددا ثم لا أدري كيف غرقت في النوم .
- اممم ، حدثني عن جيرانك .

ضيق نديم عينيه بشك ثم قال بفتور :
- سيدة مسنة و ابنتها .
- امممممممممممممم .

صمت نديم تماما و الشك يكبر داخل نظراته ، ترى ما الأفكار أو الأوهام التي تتلاعب داخل عقل شوكت التحليلي في هذه اللحظة ؟
- ما سبب الرعشة هذه المرة ؟

تردد نديم قليلا ثم قال بهدوء :
- عدة انفعالات تعرضت لها بشكل مفاجئ .
- اها ، رن تعبير الانتصار بقوة داخل أذن نديم الشارد ليزداد تقطيبه و يتراجع داخل مقعده دون كلام .
إذن الرعشة أسبابها نفسية كما أخبرتك مرارا و ها أنت بنفسك تلاحظ مرة تلو المرة صحة تشخيصي .

تأفف نديم بملل ، عادت أصابعه لتمسك القلم و يبدأ باعتصاره بينما يتمتم ، عيناه متسمرتان متعلقتان بالفراغ و قلبه يسبح داخل نفس ذلك الفراغ :
- دعنا من الرعشة و أسبابها الآن يا شوكت .
الأهم هو كيف وصل بي الأمر أن أغفو داخل بيت أناس غرباء عني .
كيف أتجنب أن يحصل لي نفس الموقف في المستقبل ؟
- الإنسان ينام لأنه يشعر بالتعب ، لأنه يحتاج الراحة نديم .
تريد أن تتجنب أن يتكرر ذلك معك ببساطة ارحم نفسك ، ارحم عقلك ، ارحم قلبك ، ارحم جسدك .

أغمض نديم عينيه و شفتاه تفغران في محاولة قصيرة للكلام ، محاولة ماتت قبل أن تولد الحروف فاكتفى بالتنهد مرة أخرى .
- لن أعطلك أكثر يا شوكت ، سأتركك لمرضاك ... الآخرين .
احجز لي موعدا في أقرب وقت من فضلك .
- فليكن الغد لو تقدر .
- إن شاء الله .

بعد دقيقة كان يضع هاتفه بجانبه و عقله يجتر نصيحة شوكت الأخيرة و الدائمة له ، ارحم نفسك .
كيف يُرحم الإنسان و هو مازال على قيد الحياة ؟
لأن الرحمة بالنسبة له هي في النسيان و كيف له أن ينسى و هل يقدر أصلا أن يسمح لنفسه بالنسيان .
إذا كانت الذكرى هي الفسحة الوحيدة حيث يعيش حياته التي لن تعود فهل سيرحم نفسه أم سيذبح ذاته و كينونته إذا سمح لقلبه بالهجر و السلوان ؟

*********************


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس