الفصل الثامن للمرة الرابعة في نفس الشهر تجد نادية نفسها مضطرة للقدوم إلى المطعم .
هذه المرة لأن سخان المياه بحاجة إلى قطعة غيار لن يشتريها أحد غيرها طبعا .
أبوها لا يمكن أن يخالف تعاليم كتاب مصارفيه الشهرية المقدس .
سيتدفأ الفأر في حضن القط قبل أن يصرف السيد سليمان سليل عائلة المعلاوي قرشا إضافيا عما كان قد قرره .
فليقفز ثمن العملة ، فلتشتعل الأسعار ، فليستحموا جميعا بالمياه الباردة أو حتى بمياه الصرف ، فليحصل كل هذا و أكثر قبل أن يفكر السيد سليمان بطعن محفظته و التسبب في نزيف نقوده منها .
تنهدت نادية و هي تشاهد الآلة الحديثة تقوم بتقطيع اللحم إلى شرائح ، ينتابها شعور أن هذا ما فعله والدها بحياتها و نفسيتها .
هي عبارة شرائح ، مزقت ، قطعت و لن تعود أبدا كما كانت .
تناولت الشرائح المتوسطة الحجم ثم بدأت بإغراقها داخل وعاء " التتبيلة " .
- نادية ، انطلق اسمها من بين شفتي " زميلتها " فتمتمت دون أن تلتفت .
- ماذا الآن ؟
- هل بإمكانك أن تناوليني " البابا غنوج " من فضلك ؟
انتفض جزء بداخلها كرها لدى سماعها لاسم السلطة الشهيرة ، في هذه اللحظة تكره أي شيء يحتوي على كلمة بابا .
تأففت بنزق و قالت دون أن تغير من وضعها المنحني :
- انتظري قليلا حتى أخرج يدي الثالثة .
- ما به مزاجك اليوم ؟ لوت الأخرى فمها الواسع و هي تخطو وراءها لتتناول الطبق بنفسها .
تجاهلتها نادية و هي تتحرك لتضع اللحم المتبل داخل الثلاجة .
مزاجها ؟ كيف تريده أن يكون ؟
مع أب كأبيها يشعرهم طوال الوقت أنه يؤويهم بمقابل .
مع رجل رصيده في البنك يكفي لفتح ثلاث بيوت لكنه يحصر عمره و أعمارهم داخل شقة متواضعة .
- نادية ، انبعث اسمها ثانية من فم زميل آخر لها ، نادل على ما تذكر .
التفتت إليه عابسة دون كلام .
- الأستاذ مدحت يطلب منك بشكل شخصي أن تنضمي لنا اليوم لأن مجموعة من زبائنه المهمين فاجئوه بزيارة غير متوقعة .
- كلا طبعا ، امسح الفكرة من دماغك و من دماغ الأستاذ صفوت .
- مدحت .
- أيا كان ، تعرف أني لا أعمل سوى خلف الكواليس .
*
*
بعد ربع ساعة ، قدم أثناءها الأستاذ مدحت مدير المطعم شخصيا إليها بلحمه و شحمه و وجهه السمين المبتسم ، كانت داخل استراحة الموظفين تكمل وضع اللمسات الأخيرة على طقم عملها .
أدخلت أطراف القميص الأحمر الغامق داخل التنورة الرمادية الحالكة ، سوت أكمامها و هي تُملِّس الشريط الفضي الرقيق الذي يزينها ثم انحنت تنتعل الحذاء الأسود اللامع العالي الكعب .
فرقت شعرها من المنتصف و جمعته أعلى عنقها في عقدة بسيطة و تنفست بغير رضا و هي تعاين التناقض الواضح بين جدية تعابيرها و المظهر المغري لانحناءَاتها الأنثوية .
رمشت بعينيها عدة مرات ثم رفعت رأسها بشموخ لا تشعر به و خرجت تستقبل بقوامها الرشيق النظرات المعتادة .
سارت هنا و هناك ، بين الطاولات التي كانت ضمن نطاق خدمتها ، شفتاها تتقلصان و تتمددان بين ابتسامات تافهة المعنى و جمود فارغ من العاطفة بينما بداخلها تنشط خلاياها الساخرة و هي تصنف زبائنها .
فكما عودوها على تقييمها و غيرها بناءًا على كرم منحنياتها ، تعودت مثلهم على فرزهم و تقسيمهم ضمن أجناس مختلفة .
الشباب على الطاولة رقم أربعة مثلا هم قطعا من فصيلة الزواحف ، نظراتهم تدِبّ على كل شبر فيها بلزوجة مقرفة .
الرجل المقابل لزوجته على الطاولة رقم خمسة ينتمي إلى الفأريات ، عيناه صغيرتان متلصصتان ، تقرضان ما تقدران عليه منها أو من زميلتها كلما غفلت عنه قطته .
كانت تعود من المطبخ ، تحمل بيدها طلب الطاولة السادسة حين استدار صاحب الظهر العريض نحوها .
من الجوارح ، صنفته دون تردد و هي تخفض عينيها تتحاشى حدة الصقر في نظراته المتباطئة عليها .
لم يكن سوى ذلك الضابط ، عرفت و هي ترفع عينيها تغرق في ظلمة حدقتيه .
رجل معطوب الذمة ، فقير الضمير و إلا من أين له أن يتغدى داخل مطعم كهذا ؟
لص ، سارق ، مبتز أطلقت عليه أحكامها دون رحمة .
و بكل ثقة .
إذن لماذا تشعر بنفسها تخطو نحوه كالمسحورة .
لماذا لا تضايقها لمحة الإعجاب داخل عينيه كما تفعل بقية الأعين . ******************** بوجه عابس دخلت نادية شقة أسرتها و هي تقفل هاتفها فورا .
محتارة في أمرها ، هكذا تصف حالتها اليوم .
سارت ببطء تشق الصالون العتيق الأثاث ثم البهو المتوسط الطول الباهت الطلاء حتى وصلت غرفتها فدفعت الباب و دخلت .
ألقت حقيبتها بإهمال لم يكن أبدا من عادتها لكن هذا طبيعي في ظل الحالة الغريبة التي تعيشها اليوم .
جلست على طرف سريرها ، ساهمة التعابير ثم فتحت هاتفها تتصل بأحد المحلات القريبة للوجبات الحاضرة .
ربما حين تملأ معدتها الخاوية قد يعود لعقلها شيء من اتزانه .
وضعت الهاتف بعد انتهاء المكالمة و وقفت تسير مطأطأة الرأس .
وقفت أخيرا بعد دقائق قضتها تقطع مساحة غرفتها الصغيرة ذهابا و إيابا ، خطواتها مرتبكة حائرة متعثرة تماما كأفكارها .
ما الذي يحصل لها بالظبط ؟
منذ لقائها به هذا الصباح لم تستطع لفظه خارج لجة أفكارها .
بل كل ما مضت دقيقة إضافية توغل هو و هيأته الطاغية ليطرد ما عداه و تظل ذبذباته وحدها ترتفع داخل أثير عقلها .
لأول مرة في حياتها يقدر شعور على السيطرة على أعماقها .
قبلا ، لم تشعر أصلا بوجود هذه الأعماق لديها .
مسطحة المشاعر ، مسطحة التوقعات ، هكذا صيرتها الحياة و مقاديرها .
عندما كان الآخرون يكلمونها عن الحب و المشاعر كانت تشعر كأنهم بدأوا التحدث بلغة نائية ، كلماتها غريبة عصية على عقلها العملي الواقعي .
إذن ما الذي يحصل ؟ و مع من ؟
مع شخص لم تره سوى مرتين و كلاهما في موقف يصب ضد صورة الرجولة التي تحملها داخل ذاتها .
ربما هذه مكافأة القدر لك نادية ، فكرت بمرارة ، لأنك لطالما لمت الأخريات على عماهن في اختياراتهن ، على تنازلهن المهين و قبولهن بمن لا يقبل .
أغمضت عينيها و أحاطت جسدها بذراعيها بقوة و ذكرى نظراته لها تعود لتعتقل اهتمامها و تكبر و تسيطر فتعود هي لنفس اللحظة ، أنثى ضائعة في أحاسيس لم يسبق على جسدها و قلبها اختبارها .
يعود قلبها ليخفق بعنف و أنفاسها تتلاحق باضطراب و هي ترى نفسها داخل عينيه كأنه يرى أحلامه الذكورية فيها و لدهشتها لم يزعجها ذلك و لم يحبطها و لم يجعلها تشعر بالمهانة .
على العكس وجدت نبتا غريبا ينمو و يزدهر ، يظهر و يلوح في رجفة جارفة اعترت ساقيها ، في حمرة متوهجة طغت على شحوب خديها ، في لمعة عينيها و هي تستجيب للنداء الملح داخل عينيه ، في خفقة قلب ، في دوخة رأس و في و في و في ...
ما الذي يحصل لها بالضبط ؟ *********************** بعد أسبوع ،
جلس اصف داخل مكتبه في مبنى شرطة المرور في ذلك الحي الناشط من العاصمة ، أغمض عينيه للحظة عرف أنها لن تطول قبل أن يقتحم أحد الأمناء عليه مكتبه يقحمه في مشكلة أخرى من مشاكل وظيفتهم التي لا تنتهي .
ما إن أسدل جفنيه حتى تراءى طيفها أمامه ، تتوجه نحوه هو كأن الكون بأسره خلق ليعيش معها هي هذه اللحظة ، أنثى كما يشتهيها ، تتخبط خطوتها بخجل واضح ، تقترب منه بسيقان ناعمة تلتف فتلف أفكارا عنيفة المراس حولها و حول ما يريده منها ، أفكارا لم يكن يجب عليها أن تكون .
تنهد و هو لا يزال مغمض العينين ، يشتكي نفسه لنفسه فمنذ متى كانت الأمور معه كما يفترض منها أن تكون .
- ليس لدي وقت لك ، تمتم يخاطبها ، ساكنة أفكاره ، و لا مكان لك لدي فقلبي لم يخلو بعد و ربما لن يخلو منها .
فتح عينيه تدريجيا و أمضى ثوان يتأمل الموجودات داخل مكتبه و في الأخير و كعادة جميع هذه الأيام الأخيرة عاندته يداه و هما تتناولان هاتفه ، تبحثان في إصرار عن اسمها و تتأملان رقمها .
الرقم الذي أخذه من مدير المطعم مستغلا اسم أسرته و لأول مرة أيضا رتبته الحكومية .
في نفس المساء كان يجلس القرفصاء داخل حديقة بيتهم يتسلى برمي الطبق البلاستيكي إلى السور المقابل و يراقب كلبه " إيجل " eagle و هو يلتقطها بدقة فائقة و يعود له نهما إلى رمية أخرى .
رمى الطبق مرة و هو يفرقع بأصابعه و تبدأ ابتسامة فخر بالظهور حين سمع خطوات أمه مسرعة بشكل يخالف طبيعتها الهادئة .
- خيرا حاجة ، قال و حدسه يستقبلها قبل حتى أن يستدير نحوها .
لحظات و كانت واقفة أمامه تشرف عليه بنظرات بعيدة ، تأمل وجهها بصمت ، تعبيراتها حملت غربة كبيرة لم يستطع أن يميز شيئا منها سوى ذلك اللوم المألوف الذي سكن منذ مدة روحها تجاهه .
- خيرا يا حاجة ، نطق ثانية يضع حدا لصمتها المتألم .
- هو خير لي أكيد لكن لك بني لست متأكدة ، ثبت عينين قاتمتين متحفزتين داخل مقلتيها فأضافت ببرود ، حضرتها خُطبت و
قطعت كلماتها تبحث عن شيء ضائع داخل قسماته الجامدة ربما هو التأثر ، الصدمة لكنها لم تجده فواصلت :
- و بعد أسبوع عقد قرانها . **************** في منتصف قاعة الفصل العامرة بصخب الشباب كأنهم يجلسون وسط مقهى شعبي عام ، جلست إيثار لوحدها بعد أن فصلت ذاتها عنهم و عن شوشرتهم ، وضعت السماعات داخل أذنيها و أعطت الإذن لعقلها بالشرود مع اللحن الهادئ الناعم المتضاد تماما مع المشهد المتشكل أمام عينيها لذلك أغمضتهما حتى تكون عزلتها أعمق و أكثر روقانا .
كانت قد اندمجت تماما و شفتاها تتحركان ببطء تهمسان بكلمات تلك الأغنية العاطفية الراقية المعاني حين أخرجها عنوة من رقة حلمها صوت يحمل خشونة رجولية ، أحد زملائها الذين لا تطيق معظمهم .
فتحت عينيها نصف فتحة ، ترفض يقظة تامة من نشوتها ، رفعت نحو وجه زميلها نظرة متسائلة .
- هل أستطيع الجلوس بجانبك ؟
لم يكن لزجا لكنه لم يكن ظريفا كذلك لذلك اكتفت بالإيماء نحوه دون اهتمام .
- هل أستطيع التعرف عليك .
هذه المرة لم تتعب رأسها بالإيماء و اكتفت بالصمت .
- أنا أدعى ماجد .
طبعا كانت تعرف اسمه و هو كان يعرف أكثر من اسمها فهما زميلين منذ أشهر لكن بما أنه بدأ هذا الحوار التافه فعليها أن تجاريه ثم ... تربيه .
- ما اسمك ، واصل يقول دون إحساس .
- ليس لدي اسم ، ردت عليه دون أن تلتفت .
شعرت به يتأملها بغباء لكنها استمرت تتشاغل بهاتفها عنه ، ترن على بسنت ، زميلتها الجديدة التي تكاد ترتقي إلى رتبة صديقة لكنها ستخسر هذه المكانة لو لم تظهر حالا و تنقذها من المتشرد الذي يلازم الكرسي بجانبها ، ينفخ صدرها مللا و غيظا و هو يواصل افتعال مواضيع تافهة لا تهم أحدا سواه .
- الآن تذكرت اسمك ، قال بصوت عال أكيد سمعه الآخرون حولهما فالتفتت نحوه بنفور مستهجن .
لكنه على ما يبدو لديه نقص شديد في فيتامين الكرامة لأنه ثبت عينيه الناعستين داخل عينيها الجامدتين ، تنهد و قال بوله :
- إيثار آه إيثار .
تنهدت مثله و أجابته في سرها و هي تعود لتطرق برأسها :
" أنت الذي سيشفيني تماما من أبناء جنسك . "
بدأ الهاتف في يدها بالاهتزاز فخفضت بصرها تقرأ الرسالة التي استقبلها :
- أنا وصلت و أنرت .
رفعت عينيها و تنفست بارتياح و هي ترى بسنت تلوح أخيرا من فوهة الباب .
- عن إذنك ، التفتت تكلم الثرثار الذي بجوارها .
- تفضلي ، أجابها بلهفة فورية .
حركت يدها من الأسفل إلى الأعلى في إشارة واضحة و قالت ببرود :
- صديقتي وصلت و أنت تجلس مكانها .
- أنا .. أنا ، تمتم بحرج و البلادة تخيم على ملامحه ، نظر إلى بسنت التي اقتربت و وقفت تنتظر في ابتسامة صامتة ثم وقف و انصرف بارتباك واضح .
- مسكين ، تعبير من الأسف ارتسم على ملامح بسنت المتراخية ، ضحية أخرى تنضم إلى قائمة المطرودين من قلبك .
- لم يعتبه أصلا ليطرد منه ، قالت إيثار و يداها في الطريق إلى وجهها لنزع نظاراتها .
لماذا تأخرت ؟ صارت نبرتها هجومية و هي تلتفت إلى زميلتها .
لكن بسنت كالعادة وجدت الطريقة المثلى لتأخذ الحديث إلى وجهة مختلفة ، تأملتها مطولا ، اتسعت عيناها ثم ضاقتا ثم لمعتا ببريق غريب لم تفهمه إيثار فتململت في جلستها على الكرسي القديم ثم قالت بتوتر :
- هل أضعت شيئا ما في وجهي ؟
أجابتها الأخرى بسؤال آخر :
- أتعرفين أنك أجمل بدون نظارات ؟
- كل الناس يبدون أجمل دون نظارات .
- نعم بالفعل ، بدأت تقول معترفة ، ذكرى معينة ضربتها فتراجعت تهز رأسها عدة مرات ، كلا ، كلا ليس جميعهم .
صمتت للحظات ، مدت يدها خلالها تتناول نظارات إيثار ، وضعتها على عينيها تأملت نفسها قليلا في شاشة هاتفها ثم نزعتها برشاقة و أعادتها لمكانها ، فرشت عدة أوراق على سطح الطاولة أمامها ثم استندت بكلتا ذراعيها و بدأت تقول بشرود :
- في إحدى المرات عرفتني إحدى صديقاتي بأحدهم ، مطت شفتيها المطليتين بلون وردي فاتح ثم أكملت ، كلمته لفترة على الهاتف و أعجبني فوافقت على الخروج معه و هكذا جلسنا ذلك اليوم في أحد المقاهي ، كان وسيما يضع نظارات ذات إطار أسود لامع و كنت على وشك الموافقة على رفع علاقتنا إلى مستوى أعلى و في آخر لحظة و الكلمة في طريقها لتخرج من شفتي رفع يده إلى وجهه و نزع عنه النظارات .
- و ما الذي حصل ؟ تمتمت إيثار بضجر واضح .
- فزعت جدا من شكله لكني سيطرت على ملامح وجهي ثم ........
بلا بلا بلا ، هكذا رنت بقية الكلمات داخل أذني إيثار و هي تكاد تتقيأ من شدة تفاهة العالم و الناس .
- لا أعرف حتى اللحظة إن كان عرف حقا ، استمرت الأخرى تقول اهتمامها المنصب على ذاتها يمنعها من ملاحظة برود إيثار الصارخ .
- هل تظنينه عرف ؟ ألحت ثانية فزفرت إيثار و تمتمت بلامبالاة :
- السؤال الأهم هو لماذا اختار أن ينزع نظاراته في تلك اللحظة ؟
- ياي ! تصوري ما الذي كان ليحدث لو لم يفعل ؟
- لا شيء رهيب بالعكس كانت مجموعتك ستزيد شخصا مميزا يبدو بشعا دون نظاراته .
ضيقت بسنت عينيها و نفس النظرة الغريبة تعود لتحتل عينيها قبل أن تدير كلاهما وجهها رغما عنها و لغط خفيف أتبعه صمت شبه تام جعل جميع الأنظار تتوجه نحو الباب يراقبون الرجل الطويل الجسد نوعا ما ، الجدي الملامح ، حاد النظرات يدخل عليهم .
- صباح الخير ، انطلقت عباراته مسرعة غير مترفقة بذهنهم الخامل المتفاجئ ، أنا الدكتور أكرم فهمي كريم سأكون مدرسكم المعوض بدل الدكتورة إيناس التي ستغيب المدة المتبقية بسبب إجازة الأمومة .
لم تسمع إيثار بقية كلماته و قلبها يدق في حلقها ، تتخاصم نبضاته ، تتزاحم أيها تستقبله ، تتسع عيناها لهفة و هي تركض هنا و هناك تنادي نظرة منه ليلتقي عينيها و يجد فيها تساؤلاتها الطويلة الكثيرة عنه و ربما يجيبها عنها بنظرة اهتمام يخصها بها كما في تلك المرة .
بتوق متزايد راقبته يتحرك في الفصل ، سرعة أنفساها تتناغم مع خطواته و التفاتاته ، تصل إلى ذروتها حين يقترب من مكانها و تكاد تقتنص نظرته ثم تذوي و تخفت حين يعود للابتعاد .
أخيرا ، بقلب واجف مترقب ، رأته يحمل لائحة الأسماء و يبدأ بالمناداة على أسماء الطلبة .
ابتلعت ريقها بصوت خيل لها أن الصف بكامله سمعه و هو يصل لاسمها أخيرا .
- إيثار جاد الله ، نطقه ببطء فعل الأعاجيب بقلبها لتقفز دقاته و تتعالى صرخاته و تثبت عينين متسعتين على وجهه .
أخيرا وضع حدا لترقبها ، للهفتها و جميع اضطراب مشاعرها و هو يرفع عينيه ليلتقي نظراتها الحائرة المتحيرة .
رفرفت إيثار برموشها الطويلة عدة مرات و هي تتلقى نظراته نحوها .
في البداية كانت نظرة عدم معرفة
ثم نظرة برود تؤكد لها أنه ليس لديه ما تبحث عنه .
و أخيرا نظرة تجاهل تام لها و هو ينتقل بصوت رافقت الرسمية نبراته إلى الاسم التالي .
****************
التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 08-09-19 الساعة 02:44 AM |