عرض مشاركة واحدة
قديم 24-09-19, 04:18 AM   #26

امل القادري

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 403898
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 455
?  نُقآطِيْ » امل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond reputeامل القادري has a reputation beyond repute
افتراضي

صباح الخير
جنّة عدن
الفصل الخامس
دخلت تتلفّت حولها تتفقد المكان، تشاهد شباباً وصبايا جالسين حول طاولات أنيقة المظهر، المكان كله يدل على الفخامة والمال.
إرتسمت فوق شفتيها إبتسامة ساخرة، تفكّر، وهل الآن أصبح الفساد عنوان الثراء؟
هل يجب على كل ثري أو ثرية في هذا البلد أن تستغل ثرائها ببيع نفسها للعيون واللمسات؟
هل أصبح معيار التفرّع والسفور يرتبط بمعيار الثراء الذي يتمتع به الشخص؟

« أمان، نحن هنا» نادى أحدهم من الجهة الشمالية « لماذا تأخرت؟»
التفتت ناحية الصوت تشاهد أمان ينتظرها لتتقدمه، ففعلت تضم نفسها خجلاً من عيون الجميع التي إنصبت عليهما فجأة، ترى نفسها غريبة بينهم، غريبة بكل شيئ، إذ أنّها المحجّبة الوحيدة المتواجدة فيه.

وصلت الى الطاولة المعنية تفتّش عن عدن.
« أين عدن؟» سألت
« يبدو أنّه لم يصل بعد» أجابها أمان يفسح لها المجال للجلوس.
« ولكنّك أخبرتني بأنّه هنا» تذمّرت تشعر بأنّه يسخر منها.
تنحنح أحدهم يقول« عدن لا يأتي الى هنا»
شذره أمان بنظرة محذّرة وعاد الى جنّة،
« لقد إتصلت به وأخبرته بأنّك هنا، إنّه أتي» أخبرها يتّخذ بضع خطوات ناحيتها، خطوات تعدّى بها على مساحتها الشخصية، الى درجة شعرت بأنفاسه تلفح بشرتها، وبحركة غبية منه، أمسك بذراعها، بطريقة حميمية، غافلاً عن ردّة فعلها التي أتته سريعاً.
صفعته بكل ما أوتيت من قوّة وغيظ، هادرة به بغضب« إحترم نفسك يا هذا، وإذ كنت محاط بسافرات تقبلن أن تتعدّى على مساحتهن الشخصية برحابة صدر، إعلم أن هناك بالمقابل فتيات محتشمات لا ترضين بهذه الخلاعة»

غطّى أمان وجنته المشتعلة، يحدّق بها بصدمة يشوبها الذهول، لا يصدّق ما تجرأت على القيام به، تبعها بنظراته المتوّعدة، يشاهدها تغادر المكان على عجل،
تلك الحقيرة!
كيف تتجرأ؟
وما زاد الطينة بلّة، هو تلك الأصوات الساخرة التي بدأت تتعالى من حوله، مثيرة تصاعد غيظه حدّ الذروة.
التفت اليهم هادراً بهم جميعاً« أصمتوا»
شبك أنامله بشعره يشتم نفسه على تلك الخطوة الغبية التي إقترفها.
كان يجب أن يكون حذراً معها، لقد ظنّ بأنّه سيتمكن من أن يستميلها، لعلها ترحم عدن وتفك عنه الخناق الذي تحيطه به.
إنّهم بحاجة لعدن بكامل طاقته، وهذا ما يرفض الأخير تقديمه، بحجة أنّه قطع وعد على جنّته بأنّه حالما تسنح له الفرصة سينسحب.
ذلك الغبي
فهم ما يزالون في بداية الطريق
ولا يوقن أن القادم سيكون أروع وأعظم
فكيف به ينسحب ويتخلّى عنهم وهم ما يزالون في بداية سلّم الشهرة ؟

***********************************

إنتهى عدن من محاضراته ونزل الى الطابق الأوّل كعادته ينتظر إنتهاء جنّة، إذ هناك إتفاق بينهما بأن تنتظر قدومه أمام باب القاعة، وصل واجداً أن القاعة فارغة وجنّة ليس لها أثراً بالبهو،
إنتشل هاتفه من جعبته يتصل بها، فلم تجبه.
أرسل لها رسالة نصيّة فلم تجب عليها.
عندها بدأ الذعر يدب بأوصاله، يحاول أن يجد أحداً من زملائها، علّه يعلم شيئاً عنها.
وعندما أخبروه جميعهم بأنّها خرجت من المحاضرة الثانية ولم تحضر الثالثة على الإطلاق فقد رباط جأشه كليّاً، يجول بعقله الف إحتمال والف سبب.

وقف وسط حرم الجامعة يتلفّت حوله بضياع، يتجاهل كل من يحاول أن يلقي عليه سلاماً، أو يحاول أن يفتح معه حديثاً، مشغولاً بهاتفه، يشعر بدمائه تفور بعروقه.
قلقاً عليها حدّ الذروة، خاصّة أنّه ليس من عاداتها ترك المحاضرة ومغادرة الجامعة لوحدها، وحتّى لو طرأ عليها أمراً ما، من المفترض أن تتصل به، أو على الأقل، ترسل له رسالة تعلمه بوضعها.

« إيدن، هل إنتهيت من محاضراتك؟» سأله أمان يقترب منه
« نعم، لقد فعلت» أجابه يولي كل إهتمامه الى هاتفه، مستمراً بمحاولة الإتصال بها.
«هل ستعود مساءً، علينا أن نتحدّث بخصوص العقد مع شركة التسجيلات» سأله أمان غافلاً عن معاناته
« ليس الآن أمان» أجابه يشق دربه نحو سيّارته، ما يزال إهتمامه منصبّاً على هاتفه.
« ما تزال شركة التسجيل تنتظر توقيعك، عليك أن توقع يا رجل، فحال الفرقة واقف عند ذلك التوقيع»
تبعه أمان يحاول إقناعه على توقيع العقد الذي يعاند على رفضه منذ تمّ عرضه عليهم من قبل شركة تسجيل عالمية تعرّفت عليهم عبر الإنستغرام.
إستدار عدن اليه يرمقه بنظرات تتقافز بشرارات الغضب، سائماً من تكرار الموضوع « لقد أخبرتك بأنّي لن أوقّع ذلك العقد، لن أفعل، لن أحترف الغناء، وعندي دراستي أهم من ذلك كله»
عنده دراسته من جهة، وجنّة التي تقف له بالمرصاد من جهة ثانية، ووالده الذي إذ وصل اليه خبر غنائه سيتبرّأ منه، ويغضب عليه الى يوم الدين، عائلته بكل أفرادها، من صغيرها لكبيرها، من المستحيل أن يقبلوا بما يقوم به.
حتّى هو في بعض الأحيان، عندما يفكر كيف تجرأ على الغناء، وهو ما نشأ على تجويد القرآن الكريم وإنشاد الأناشيد الدينية،
يستحي من ربّه، يستحي من ما آل اليه حال قلبه وروحه، يضيق صدره بأنفاسه، يشعر بأنّه على وشك أن ينهار من أثر أزمة قلبية حادّة،
كيف إنجرف وراء مدح أمان له؟
عندما سمع الأخير صوته وهو ينشد في جلسة من جلساتهم الشبابية، كان وقتها سنة ثانية بالجامعة، يجلسون في المقهى، ومن ثمّ لا يذكر كيف بدؤوا بالإنشاد، وعندما أتى الدور عليه، أذهلهم جميعاً بصوته الى درجة عمّ الصمت أرجاء المقهى يتوسّلونه أن لا يتوقّف، وأن يتابع، ففعل بنبرة أكثر ثقة وعمقاً مثيراً إعجاب جميع الحاضرين الذين كانوا ينصتون له بخشوع.
وفي ذات ذلك اليوم، دخل أمان على الخط مباشراً بنصب شباكه بخبث، الى أن تمكن من إقناعه بالغناء لفرقته، فرقة ظنّ عدن أنّها مجرّد هواية لن تخرج من تحت سيطرته، مجرّد مكسب سريع وخفيف، ولن تؤثر على مجريات بقية أمور حياته، بأنّها مجرّد أغنية يغنيها وينشرونها بالإنستغرام، وإذ حصدت عدداً كبيراً من الإعجابات والمتابعين سيكسبون مقابلها أموالاً طائلة.
وعندما إستلم أجره الأوّل، نال منه الطمع، وأغنية جرّت خلفها أخرى فأخرى، الى أن وصل به الأمر أن يرضخ لإقتراحات أمان الملحّة بالغناء بالحفلات الصغيرة التي تُقام في منازل الأثرياء، كحفلات أعياد الميلاد، والسهرات.
ولكنّه في نهاية المطاف، إنجرف خلف وسوسة الشيطان، وإنغرّ بحفنة من الأموال، يحاول جاهداً، إقناع نفسه اللّوامة، بأنّه لا يقترف الخطيئة بالغناء، فوجد نفسه يخطو بالخطيئة خطوة تتبعها خطوة، الأولى كانت متعثرة، مترددة، قلبه وعقله يؤنّبانه، ومن ثمّ وجد نفسه يتجرّد من حشمته الذي نشأ عليها منذ الصغر، حتّى وصل به الأمر أنّه فقد خشوعه بالصلاة، عاجز عن رفع كفيه نحو السماء، والدعاء بالمغفرة والرحمة.
إنّه يهوي، يهوي سريعاً، روحه تخسر خشوعها، وتتجرّد من خجلها ووقارها، وتنقاد خلف أطماع الدنيا وما تحتويها.
ولكنّه بالرغم من كل ذلك، يدرك أنّه بالمقابل سيخسر الكثير، وأوّلهم جنّة، وبصراحة، هو أبداً، ومن المستحيل، أن يختار أي شيئ مقابل جنّة.
الاّ جنّة
الاّ جنّته.

شتم بعصبية، يشبك أنامله بخصال شعره بعنف، زفر بضيق يتلفّت حوله بضياع، ماذا يحصل معها؟
لماذا لا تجيب على إتصالاته؟
لماذا لا ترد على رسائله بالرغم من أنّها تراها.
ولكن أين هي؟

« أنت تعلم بأنّ هذه فرصة لا تعوض، بأنّك ستكسب الملايين بغضون سنة واحدة، أموال طائلة من المستحيل أن تتمكن من الحصول عليها لو عملت لسنوات طوال بالهندسة، بعملك هذا أنت ترفس النعمة، وتتخلّى عنّا جميعاً» صاح به أمان لا يصدّق بأنّه يرفض توقيع العقد، ويشعر بالعجز أمامه، لا يعرف كيف يقنعه، إذ مستقبلهم جميعاً يتوقّف عند توقيعه، شركة التسجيلات كانت واضحة بما تريد، إنّها تريده هو، المطرب ذات الحنجرة الذهبية، وعندما أخبروهم أنّه بإمكانهم توفير مطرب آخر للفرقة، فأخبرهم المحامي بأنّ العقد منصوص لعدن دون سواه، وبأنّ العقد لن يبرم الاّ بتوقيعه هو قبل توقيعهم، وذلك الغبي، ما يزال مصرّاً على الرفض.

ترك عدن أمان خلفه يتجاهل توسّلاته، يسرع بخطواته نحو سيّارته، يشعر بأنّه على وشك فقدان عقله.
وصل الى سيّارته يتفقدها، لربما تكون بداخلها؟
زفر بضيق يخطر على باله أن يتصل بهدير، لربما، لربما تعلم عنها شيئاً ما، لربما تحدّثت اليها.
وعندما فعل وأخبرته الأخيرة بأنّها بالمنزل منذ أكثر من ساعتين، دخلت غرفتها وأقفلت الباب عليها، تنفّس الصعداء، يشعر بأنّه على وشك البكاء.
رفع بصره نحو السماء يحمد الله على سلامتها.
ترك كل شيئ خلفه وعاد هو الآخر الى المنزل، يتوعّد لها......

********************************

رنّ هاتفها للمرّة الألف، وتجاهلته للمرّة الألف
طرقٌ طفيف على باب غرفتها للمرّة المئة، مرفق بصوت هدير القلق.
« جنّة، أقسم لك، إذ لم تفتحي الباب سأسمح لعدن بالصعود اليك، وأنت تعلمينه جيّداً، هذا الباب الذي تختبئين خلفه لن يحميك منه»
تفقّدت هاتفها تقرأ رسالته الأخيرة
-والدي وعمّي وهديل بالمتجر
إذ لم تنزلي الآن حالاً
سأصعد اليك

زفرت بضيق تنزل عن السرير، سترت نفسها بحجابها وعبائتها وفتحت الباب واجدة هدير بوجهها
شذرتها هاتفة بها« حسابك معي عندما أنتهي منه، إنتظريني»
دخلت الحمّام المشترك، غسلت وجهها الشاحب تحاول إخفاء أثر بكائها الذي رصدته هدير بالحال، جففته، ترمق نفسها بالمرآة، لقد إتّخذت قرارها، قرارٌ بالرغم من صعوبته الاّ أنّه ضروري، ضروري لكي تتخلّص من عقدة الذنب الذي تشعر بها في كل مرّة تلتقي نظراتها بنطرات والدها وعمّها وثائر، بل بالأحرى بنظرات كل العائلة، إنّها تحمل سرّ عدن، سرّاً سيدمره ويدمرها معه إذ لم تردعه.

عليها أن تضعه عند حدّه،
نعم،
إذ بالرغم من عشقها له، الاّ أنّها لا تستطيع أن تستمر معه بتلك الطريقة، لن تستطيع أن تعيش معه بالشك والظنون، بالقلق والخوف، وإذ كان سيستمر بما يفعله باليفعل، ولكن من دونها.

إلتوت شفّتها هامّة بمعاودة البكاء المرير، بكاء عجزت عن لجمه لساعات وساعات، حائرة وخائفة، والألم يتآكلها، لا تقوى على رؤيته وإخباره، لا تقوى على مسامحته، والمصيبة الكبرى، لا تثق بنفسها قادرة على طلب الفراق منه.
ستموت من دونه، عدن هو طفولتها ومراهقتها وصباها، أفراحها وأحزانها، قلبها النابض بين جنباتها، وعقلها المشوّش، عدن أنفاسها ونبضها، وروحٌ تسكن بجسدها، كيف ستتمكن من نزع كل هؤلاء وإجبار نفسها على أن تحيا من دونهم.
وعادت للبكاء، شهقت بحرقة تدفن وجهها بين كفيها، تبكي بقهر، إنّها مرهقة، مرهقة التفكير، وضائعة الروح.
« جنّة» أتى صوت هدير من خلف الباب« أنت تخيفيني، ماذا يحصل معكما أنتما الأثنين؟»
مسحت جنّة دموعها، وغسلت وجهها من جديد، تنشّقت بعمق، تحتوي مشاعرها المتبعثرة، وخرجت من الحمّام، ومن دون تعليق، تجاوزت أختها تنزل السلالم نحو الطابق السفلي، فتحت الباب فوجدته أمامها، ينتظرها بلهفة، وقف عن المقعد الحديدي الموجود أمام المنزل، كرسي والدها الذي يجلس عليه مساء، بإنتظار صلاة العشاء.
إستقبلها بسيل من التأنيبات، لا يجد مبرراً لمغادرتها الجامعة وحدها ومن دون إعلامه، وتمنّعها عن الرد على إتصالاته ورسائله المتكررة والملحّة.

« هل جننتي؟ هل فقدتي عقلك، كيف تغادرين حرم الجامعة من دون إعلامي، بل بالأحرى، كيف تتجرأين على المغادرة وحدك، مع من غادرت، تكلّمي؟» صاح بها ينتبه للتو لملامحها البائسة،
مسح كفّيه المتعرقين ببنطاله مصدوماً من هيئتها، من مقلتيها الدامعتين، وأجفانها المتورمة، وأنفها الأحمر.
إنتفض قلبه جزعاً يسألها بقلق واضح بنبرة صوته
« هل أنت بخير؟ ماذا حصل لك؟ » سألها يقترب منها فصدمته بتراجعها رافضة قربه.
عقد حاجبيه هادراً بها بغضب، يجول بعقله الف فكرة « تكلّمي بحق السماء، لماذا غادرت الجامعة من دوني، وما الذي يجري معك؟»
ضمّت جسدها تحتويه بذراعيها،
تشعر بغضبها يعود اليها دفعة واحدة،
تستعيد لحظات حزنها الكئيب،
تستعيد خيبتها التي ذرفتها دموعاً غزيرة بللت وسادتها،
وغيرتها التي ما تنفك تنهش بجوفها بوحشية.
رفعت الهاتف بوجهه تريه صورته التي إستمرت بشحن طاقة غضبها بها منذ رأتها،
وضعتها نصب عينيه هادرة به« أنت السبب بكل ما يجري معي، لقد سئمت من كل ما يجري معك، سئمت من أصحابك الفاسقين، وغيابك وسهراتك السافرة، وما عدّت أرغب بتحمّل كل تلك الأمور، ما عدت أرغب بتجاهل ذلك الحدس بداخلي، الذي ينبئني بأنّ هناك مصيبة قادمة إذ إستمريت على حالك هذا، هل فهمت؟»
أخذ الهاتف من يدها يتفقد الصورة، تغضّنت ملامحه يحاول تذكر الواقعة، رفع بصره اليها تلين ملامحه، مسح على صفحة وجهه يبرر« الأمر ليس كما تظنين»
خطفت هاتفها من يده هاتفة به بحرقة تشوب حروفها« مهما كان تبريرك لي، أنت خرجت من خانة الأبرياء بمجرّد أنّك وضعت نفسك بخانة الشبهات، وأنا من المستحيل أن أعيش معك بالشك، أرى صورك المشبوهة مع معجباتك اللعينات، وأنتظر تبريرك لها كي يطمئن قلبي» صاحت به يتطاير غضبها بكل إتجاه، أخذت بضع أنفاس متحشرجة، رفعت سبّابتها بوجهه مردفة بغصّة«أنت تنسى نفسك عدن، تنسى منبعك وطينتك، تنسى ما أنشأك عليه والدك، أنت تقترف الخطيئة بمجرّد مصاحبتك لهؤلاء، فكيف بك بما تفعله وتشهد عليه معهم؟ أنت تنقاد خلفهم دون أن تشعر، بحيث تجرّأت وكذبت على والدك وخنت ثقته به، وإذ كنت تظن نفسك منيعاً ضدّ مغريات ذلك العالم المبهرج، فأنت واهم، فالله أمرنا بإجتناب الشبهات لأسباب محددة وموثوقة، لأنّ صحبة السوء تلك ستلوّث طهارتك في نهاية المطاف، وإذ لم يكن اليوم فغداً لا محال، وأنا لن أنتظر قدوم ذلك اليوم»
خلعت خاتم خطوبتهما بعصبيةٍ تسببت بجرح إصبعها، فتسرّبت بعض قطرات الدماء منه، قبضت على كفّه ورمته براحته تردف بحدّة وقسوة« إذ كان حبّي لك سيجلب التعاسة لي، فسأدوس عليه وأمزقه، وإذا كان حبّي لك سيجلب العار لعائلتي فسأطعنه بسكين وأدفنه تحت سابع أرض، هل فهمت؟»
أخبرته وهربت من أمامه صافقة الباب خلفها بعنف، تاركة عدن يحدّق بكفّه بذهول، لا يستوعب عقله وقلبه ما حصل، لا تصدق أذنيه ما نطق به لسان معشوقته،
هل ستتخلّى عنه بهذه البساطة!
بعد كل هذه السنوات!
بعد كل هذا الإنتظار؟
بعد أن ذاق طعم جنّته وأدمنها!
هل ستتخلى عنه بكل هذه السهولة والبساطة؟
هل ستقدر على فعلها؟

أغلقت الباب بوجهه وإستندت اليه تشعر بأنها على وشك الإنهيار، أعصابها تتراقص مسبّبة إنتفاض جسدها بعنف.
لا تصدّق بأنّها تجرأت على قول ما قالته، لا تصدّق بأنّ لسانها تمرّد على قلبها وتجرّأ على القسوة والتهديد بالفراق.
خائفة؟
نعم خائفة من أن يختار الغناء عليها، أن يرضخ لثورتها ويتخلى عنها.

شهقت بذعر عندما طرق على الباب خلفها يصيح بها بصوت حاول أن لا يكون صادحاً فيصل لعائلته التي تقطن بالمنزل المجاور.
« جنّة، إفتحي الباب، وهل تعتقدين أن مسألة الفراق تحصل بهذه السهولة؟» صاح بها يرى ظلالها عبر النافذة المحجرّة الزجاج.
« إرحل عدن، أنا، أنا أخذت قراري ولن أتراجع عنه الاّ إذ إبتعدت عن كل ما يخص أمان وشلّته.»
« إفتحي الباب ودعينا نتناقش وجهاً لوجه، كفّي عن تصرفاتك الصبيانية؟»
« أنا ما عدت طفلة عدن، صدّق ذلك، لم أعد تلك الطفلة التي تخاف من تهديداتك ومستعدة لفعل أي شيئ من أجل إرضائك.»
ضحك بسخرية يلقي بجبهته الى النافذة التي تتكئ عليها من الجهة المقابلة، هزّ رأسه عدّة مرات هامساً لها« وهل تنتقمين لنفسك منّي جنّة؟ هل أتى دورك الآن بالتهديد والوعيد؟ ما كنت أتصوّر بأنّي سأسمع منّك كلمة الفراق بيوم من الأيام، لطالما كنت متمسكّة بي، جنّة، ماذا جرى لك؟ »
مسحت دموعها بقهر هاتفة به« الذي حصل بأنّك لم تعد عدن الذي أحببته منذ طفولتي، لم تعد عدن الذي نشأت معه وقربه، عدني أنا يختفي تدريجياً عن هذا الوجود، ليحل مكانه إيدن ذاك، الذي خلقه أمان وشلّته »
« أنت مخطئة جداً» أخبرها يبعد جبهته عن النافذة ويستبدله بكفّه مردفاً« أنا ما زلت كما أنا، لم أتغير، أقسم لك، ولكنّي بذات الوقت، لم أعد ذلك الطفل أو المراهق، بل نضجت وتبدلت حاجاتي وأولوياتي ومسؤولياتي» أسند جبهته الى النافذة مردفاً « وبالنسبة لتلك الصورة، ليست سوى معجبة، حاولت إجتياح خلوتي أثناء فترة إستراحتي، خلال حفلتنا الأخيرة، وأنا بكل بساطة طلبت منها المغادرة، لا بدّ أن من أخذ الصورة لنا، أخذها بلحظة إستقصد فيها تضليل الحقيقة.»
أغمضت مقلتيها تستند الى الباب، تتوسّل جسدها الهدوء والسكينة، شهقت بحرقة تدرك بأنّها إذ إستمرت معه على هذا المنوال، ستبقى كل حياتها تدور معه بحلقات مغلقة، وهذا الأمر سيدمر حبّهما في نهاية المطاف، ومن أجل ذلك بالتحديد، ولأنّها ما تزال متمسّكة به بعزيمة، هتفت به بنبرة حاولت قدر الإمكان إخراجها ثابتة وواثقة، بالرغم من كل الصراعات التي تموج بأعماقها.
« لا تتعب نفسك عدن، مهما قلت ومهما بررت، وحتّى لو كنت صادقاً بما قلته، أنا أخذت قراري، إمّا أنا وإمّا شلّتك تلك »
خيّرته تنتظر ردّه
تنتظر قوله بأنّه من المستحيل أن يتخلّى عنها لأي سبب.
بأنّها بالنسبة اليه أهم من مال وشهرة العالم كلّه.
ولكنّه لم يفعل.
بل إبتعد
رحل وتركها تتلوّى حزنا وتكتوي غضباً
تبكي حسرة وخيبة
صعدت الى غرفتها تجرّ أذيال خسارتها خلفها.
لقد خسرت عدن.
خسرته عند أوّل منعطف بعلاقتهما.
وأكثر ما عزّ عليها
أنّه بعد كل ما مرّا به
بعد كل هذا العشق الذي نشآ عليه منذ الطفولة،
الذي نما بداخلهما وتجذّر وتفرّع!
بعد كل هذا!
يأتي الفراق سهلاً وبسيطاً ومن دون مقاومة؟
كأنّهما غريبان، إرتبطا البارحة وإفترقا اليوم.

تبعتها هدير بصمت، ترى أختها منهارة تماماً، ولكنّها أفهم من أن تسألها عن سبب حالها، بحالتها تلك.
ستنتظر الى أن تهدأ
ولكنّها أبداً لن تسمح لها بترك عدن.
إنّها أكثر من يعلم بحبّهما
وبأنّ كلاهما سيموت دون الآخر
عدن روح جنّة
وجنّة روح عدن
وإذ مات أحدهما
سيتبعه الآخر لا محال.
لا يهمها سبب المشكل
أو عمقه
ولكنّ بكل تأكيد يهمها أن تصلح الأمر بينهما، قبل أن يصل الخبر للعائلة، فيتأزّم الوضع أكثر بينهما.......

***************************************

طرقٌ طفيف على الباب مرفق بصوت والدها المغمّس بالحنان« جنّة، حبيبتي، لقد أخبرتني هديل أنّك مريضة» قال يشق الباب ويطل برأسه داخل غرفتها الكئيبة، يفتّش عنها.
تململت ترفع رأسها عن وسادتها تخبره بنبرة متهدجة« لا تقلق بابا، بردٌ خفيف، ولكنّي سأضطر للتغيّب عن الجامعة اليوم» كذبت عليه تدعو بسرّها أن لا يكتشف كذبتها، تسمع خطواته تدخل اليها، جلس على حافّة سريرها يملس على خصال شعرها بحنان« سلامتك حبيبتي، هل أترك لك هديل في المنزل»
« لا، لا تفعل بابا، أنتم بحاجة اليها بالمحل، وبيت عمّي قريب، سأقصدهم إذ إحتجت لشيئ»
هديل أختها الوسطى إختارت وأصرّت على ترك مدرستها والذهاب مع والدها الى محل الإلكترونيات بعد وفات والدتها، لطالما كرهت المدرسة والدراسة، وعلاماتها كانت بالكاد تتخطى نسبة النجاح، وفي أغلب الأحيان كان تعيد سنتها الدراسية كي تتمكن من جمع علامات تمكّنها من النجاح الى الصف الأعلى، ولهذا الأمر أصرّت على مرافقة والدها الى المحل وتعلّم كيفية إدارته منه، وبعد نقاش طويل وعناد منها، قبل والدها بطلبها على أمل أن تعود يوماً ما عن قرارها وتتابع دراستها التي كانت من الأساس تعاني فيها.
أمّا هدير، عبقرية العائلة، كما يدعوها والدها، نادراً ما تدرس ودائماً عند ظهور نتيجتها تكون من المتفوقين، ذكية، مرحة، ومشاغبة.

بعد أن إطمأن على حالها، عمد عماد على إخبار زوجة عمّها بأنّها نائمة بالمنزل ولن تذهب الى الجامعة، كي تطمئن عليها بين الحين والآخر وغادر مع أخيه وإبنته الى المتجر.

وهدير كانت قد جهزّت نفسها الى مدرستها، ولكن ليس قبل أن أمّنت الطريق لعدن بالصعود اليها، تأكّدت بأنّ الجميع رحلوا الى أشغالهم، وعمدت على إفساح المجال له للدخول الى المنزل.
« إنّها في غرفتها، لم تتوقف عن البكاء منذ البارحة»
أخبرته تشير له لغرفتها« عدن» نادته بنبرة محذّرة « إيّاك ثم إيّاك والخروج من تلك الغرفة قبل أن تصالحها، وإذ لم تفعل، سأقتلك بنفسي»

أخبرته سالبة إبتسامة باردة من عدن، ومأ لها يصعد الدرجات بخطوات رتيبة، يفكّر بالوضع الذي وصلا اليه، بكلامها القاسي الذي رمته بوجهه ليلة البارحة، مكتشفاً أن جنّة قادرة على التخلي عنه بدون تردد، جنّة قادرة على أن تعيش من دونه.

عصر قبضتيه يحاول إحتواء زوبعة المشاعر الذي إغتالته منذ صدامهما، ينمو بداخله خوفٌ لم يكن له وجود من قبل، خوفٌ من فقدانها، خوفٌ من أن يأتي يوماً وتتركه بحق، من أن تحقق وعدها بالفراق وتعاند عليه، سيموت حينها.
سيموت من دون جنّته التي القت لعنتها عليه منذ سنوات طويلة
يوم أخبرته بصوتها الطفولي البريئ
- بأنّها ستدعو الله ليلاً نهاراً كي يحبّها حبّاً جمّاً، ستدعوه كي يجبره على أن يحبّها كثيراً لدرجة أن لا يحب أحداً أكثر منّها الى الأبد.
وها هو فعل
لقد كانت حبّاً وعشقاً وصداقة،
كانت طفولته ومراهقته وصباه
كانت سنده وكاتمة أسراره
كانت عدوّته في بعض الأحيان
ومعشوقته في كل الأحيان.

خرجت هدير من المنزل وأغلقت الباب خلفها، ركضت الى الشارع عندما رأت باص المدرسة وقف أمام منزلها ينتظر قدومها.

وصل عدن الى غرفة جنّة يلملم شتات نفسه،
إنّها المرّة الأولى التي يصعد فيها الى الطابق العلوي من المنزل
وبكل تأكيد المرّة الأولى التي يدخل فيها غرفتها.
والمرّة الأولى التي تؤثر فيه مشكلة بينهما الى هذه الدرجة
لأنّها المرّة الأولى التي يخاف فيها على فقدانها.

وقف أمام الباب المغلق حائراً بكيفية دخوله عليها.
هل يطرق الباب؟
أم يدخل دون إستئذان؟
إذ علمت أنّه خلف الباب لربما تقفله وتمنعه من الدخول.
وعند تلك الخاطرة طرق الباب طرقة طفيفة وشقّه يطل برأسه يتفقدها داخلها.
يراها تدفن رأسها تحت الغطاء تتذمر« لقد سئمت من تطفّلك هدير، الم يأتي باص مدرستك بعد؟ إذهبي قبل أن يغادر من دونك »

أغلق الباب خلفه وتوغّل داخل الغرفة، يجول بنظراته حول تفاصيلها البسيطة، الوانها الهادئة التي تشبهها.
وقف بقرب السرير يرى عشرات الفوط المستعملة الملقات بإهمال فوق المنضدة، مدّ يده يتفقد إيطار صورة مقلوب على قفاه، قَلَبَهُ يبتسم بعفوية، وهو يراقب صورة خطوبتهما.
« الم أقل لك غادري» صاحت جنّة تنتفض من مكانها على وشك مهاجمة أختها، متفاجئة بأنّها عدن، فصرخت عائدة للإحتماء تحت الأغطية، تحاول ستر منامتها السافرة.
« عدن» صاحت به « ما الذي تفعله هنا بحق السماء؟» هتفت بإستنكار «كيف دخلت الى هنا؟» إنهالت عليه بالأسئلة
أعاد عدن الصورة الى مكانها بوضعيتها الصحيحة، وعاد بإنتباهه اليها، يراها تتكوّر تحت الأغطية، كأنّها تحاول حماية نفسها منه.
« لم تتركي لي خياراً آخرا» أخبرها بزفرة يجلس على حافّة سريرها« فأنت ترفضين النزول للحديقة لمتابعة نقاشنا الذي أنهيته بنفسك دون إفساح المجال لي لقول أي شيئ، وترفضين الإجابة على إتصالاتي»
« ماذا تريد؟» سألته، تريده أن يقول ما عنده ويغادر.
رفع بصره اليها يرمقها بنظرات حزينة عصرت قلبها،
قضمت شفّتها تحاول منع ظهور إرتعاشتهما، توشك على معاودة البكاء من جديد،
تشعر بقلبها يتقافز بين أظلاعها، عشقاً
وروحها تهفوا اليه، إشتياقاً

كرمشت الغطاء بأناملها تقظم حزنها،
تتوسّله بنظراتها أن لا يكسر قلبها ويمزق روحها بدعمه لقرارها الذي إتخذته بلحظة عجز
بلحظةٍ شعرت فيها أنّها تقف أمام مفترق طرق،
وعليها أن تختار إحداهما
وإذ لم تتصرف بحكمة، ستخسره الى الأبد
هي لا تريده أن يتركها
لا تقوى على فراقه
ولكنّها ظنّت بأنّها لربما إذ لوت ذراعه سيرضخ
سيعود لرشده
سيعود اليها

إنكمشت على نفسها لا تقوى على رؤية المزيد من نظرة الخيبة والعتاب التي يرمقها بها.
نظرة حزينة لائمة
تخبرها بأنّها طعنته بالصميم

« وهل تقوين على فراقي جنّة، هل تقوين على التخلي عنّي؟»
غامت مقلتيها بالدموع تهزّ برأسها، لا، لن تقوى على فراقه
بل ستموت من بعده

« أنت، أنت لم تترك لي خياراً آخر عدن» تمتمت تتوسّله أن لا يأخذ كلامها على محمل الجد
« ليس هناك من شيئ يجبرك على خيارك جنّة» أخبرها بغصّة « لم أتوقّع بحياتي كلها ولأي سبب من الأسباب أنّ أسمع منك ما سمعته البارحة، أن أدرك بأنّك قادرة على التخلي عنّي بتلك السهولة والبساطة، أنّ تلك الشفتين اللتين كانتا دائماً تفيضان بعبارات تغرقني عشقاً، قادرتين على النطق بتلك القسوة التي طعنت قلبي بالصميم»

شهقت ترفع أناملها المرتعشة تخفي خلفها شفتيها، تقاوم رغبتها بالإرتماء بحضنه وتوسّل غفرانه، تشعر بالألم يجلدها كسياط لاسعة.
رفع عدن بصره اليها، فتعانقت نظراتهما الملتاعة، كلاهما يتوسل مغفرة الآخر،
إنّها المرّة الأولى التي يراها فيها على هذه الحالة.
حالة يدرك جيّداً أنّه السبب فيها، وهذا الأمر يعذّبه جداً
يشعر بدموعها نيراناً تحرق وجدانه.
عقابٌ من الله، هو يستحقه وهي لا تستحقه.
تنهّد عدن بعمق يردف بنبرة مستسلمة خاضعة« وبالرغم من كل هذا، أنا سأحقق لك طلبك، سأفعله من أجلك، سأترك أمان وشلّته، سأترك الغناء وكل ما يربطني به، فقط كي أثبت لك بأنّك بالنسبة لي أغلى من كل شيئ، بأنّي من دونك أنا لا شيئ»
أخبرها ينتشل خاتم خطوبتهما من جعبته، بسط كفّه يطالب بكفّها لإعادته اليها، وهي حدّقت به بصدمة، لا تصدّق ما تسمعه أذنيها، لا تصدّق بأنّها نجحت بخطتها الواهنة، وتمكّنت من إرضاخه.
إبتسمت وسط دموعها، تغمرها غبطة الإنتصار، ضمّت ذراعيها الى صدرها تشعر بسعادتها ستهرب منها،
عدن إختارها هي بالرغم من كل شيئ، نعم، ولماذا لا يفعل، إنّه عدنها، عدنها الذي لطالما أثبت لها مرّة تلو الأخرى أنّها أغلى ما في حياته، أغلى من كل غالي بهذا الوجود.

أعطته كفّها الهزيل، تقبل بعودته، فأخذه يحتويه بين كفّيه لبرهة، يمتص إرتعاشة أناملها، البسها الخاتم ورفعه الى شفتيه، لثمه بشوق،
يشتاق اليها، يشعر بأنّه كان غائب عنها لسنوات وسنوات،
بأنّ أنهاره جفّت بسبب طول هجران أمطار عشقها وحنانها.
شعورٌ يخيفه.
يخيفه فراقها
ميقناً بأنّه لن يتمكن من المضي بحياته من دونها.

تنهّد بعمق يقول بنبرة مهتزة، يشعر بقلبه يتمزّق داخل صدره، إنّه يعلم بأنّه سيؤذيها بطلبه، ولكنّه لن يتمكن من الإطمئنان على مستقبل علاقتهما معاً دون أن يقدم على تنفيذه«ولكن بالمقابل أنا أريد منك شيئاً، شيئاً يزيل هذا الخوف بداخلي، يطمئنّي بأنّك من المستحيل أن تفكّري بهجراني »
عقدت حاجبيها لا تفهم ما يهذي به، لا تفهم مغزى كلامه.
وهو عزم على تنفيذ ما سهر الليل بطوله يفكر به،
يفكّر بقسوة كلماتها التي سقطت عليه كالمهدّة، هدمت حصون ثقته إتجاهها.
يفكّر بتهديداتها المتكرّرة بالهجران، مدركاً بأنّ جنّته على أتم إستعداد للتخلّي عنه.
وهذا الأمر بالذات عمل على حرق ثقته وزرع الشك مكانها، فقرّر أن يجد وسيلة يظمن بها جنّته، كي لا يترك لها خياراً.

إعتلى السرير يبعد الغطاء عن جسدها، يتأمّل ما تكشفه منامتها الحريرية بإنبهار، منامة مؤلّفة من قميص بأزرار، وشورط قصير يبرز جمال ساقيها المثيرين.
رفع بصره الى وجهها، مفتوناً بروعتها وبراءة ملامحها، بالرّغم من تورّم أجفانها من كثرة البكاء.
وقبل أن تحتضن نفسها بمحاولة عفوية لموارات جسدها من نظراته العابثة، أمسك بذراعيها يمنعها،
دنا منها ببطئ، كأنّها فريسة يتفادى إخافتها فتهرب منه،
دنا منها يلتهم ملامحها المنعشة بنظراته الساخنة، تشعر بها كأنّها قبلات فراشية تجول فوق بشرتها، فتشعلها رغبة،
شبك أنامله بخصال شعرها الأسود الفحمي، يتأمّل ملامحها الفاتنة بعشق تام، يراها أجمل النساء على الإطلاق، زوجته، ملكه، له، كيانه، قلبه وروحه وكل ما يربطه بالحياة.
دنا من وجهها يقبل كل عين على حدى، تمتصُّ شفتيه حرارتهما.
إبتعد بعد برهة يفسح لها المجال لإستعادة أنفاسها، يرى أهدابها ترفرف بنعومة، تصارع رغبتها بإبقائهما مغمضتين، علّه يعود لتقبيلهما وبثّ ذلك الشعور المذهل بأوصالها.
« هل تعلمين» سألها بنبرة إخترقت أسماعها كسمفونية عذبة أذابت جليد غضبها وحزنها الذي إستهلك كل طاقتها للقتال،
فتحت عينيها ترمقه بإسترخاء تام، تشعر بأنّها تطفو فوق الغيوم الهشّة.
« أنت أجمل وأروع إمرأة رأتها عيناي» لثم وجنتها الهشّة بلطف مرسلاً شرارة بكامل أنحاء جسدها يشعر به يرتعش مقابل جسده
« فاتنة، ساحرة، وفريدة» لثم شفتيها ينهم منهما عشقه وإشتياقه
« وأنا كرجل، لا أرى سواك إمرأة» لثم عنقها بحرارة فجرّت أعماقها رغبة «ليس هناك من إمرأة قابلتها وتمكّنت من سرقة نظرة إعجاب منّي» رفع بصره اليها يشاهدها خاضعة تماماً لتعويذته
«أتعرفين لماذا؟»
هزّت برأسها ترمقه بأجفان متثاقلة، تغرز أظافرها بساعديه، جسدها يتوسّله أن لا يتوقف عن ما يفعله، وعقلها يخبرها بأنّها لن تخرج سليمة من هذا الفخ.

« لأنّك تسكنين هنا» أشار لعقله
« وهنا» أشار لعينيه
« وهنا» أشار لشفتيه
«وهنا» أشار لصدره
« لأنّك تسكنيني يا معذّبتي»

دفعها برفق كي تستلقي على السرير وإعتلاها، دافناً شفتيه بشفتيها، نهم منهما برفق يفسح المجال لأنامله بفك أزرار قميص منامتها الحريرية، أبعدها عن جسدها ينزل بشفتيه نحو عنقها، فنحرها، تجول أنامله فوق جسدها الهش الخاضع له كليّاً، مغيّبة العقل تماماً، تهفو للمسته التالية كما تهفو رئتيها لنفسها التالي، وتهفو شفتيها لقبلاته، كما يهفو قلبها لنبضته التالية.

إستسلمت له غافلة عن نيّته،
غافلة عن أنّه هذه المرّة سيتخطّى الحدود،
سيذهب بها الى عالمٍ لا عودة منه،
غافلة عن أنّه هذه المرّة سيدمغها، سيضع علامته عليها، سيضمن لنفسه بأنّها له، بأنّها بعد هذه الهمسات المغرية واللمسات المشتعلة، الغيوم الهشة والأزهار الوردية، ستكون له،
له،
قولاً وفعلاً،
جسداً وروحاً،
ولتجرؤ بعد ذلك على تهديده بالفراق.


امل القادري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس