عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-19, 10:08 PM   #560

Siaa

نجم روايتي وكاتبة وقاصةفي منتدى قصص من وحي الاعضاءونائبة رئيس تحرير الجريدة الأدبية

 
الصورة الرمزية Siaa

? العضوٌ??? » 379226
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,353
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » Siaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond repute
?? ??? ~
يجب عليك أن تدرك أنك عظيم لثباتك بنفس القوة،رغم كل هذا الاهتزاز~
افتراضي


دخلت علياء بكامل كبريائها وكِبرها.. بكامل قسوتها التي لم تلن مع مرور السنوات بل كل دقيقة تضاف لعمرها كانت تجعلها أكثر صلابة وبرودة... وأقل حنانًا!
لقد احتاجت الكثير من الألم لتدرك أن هذه الدنيا لا تحتاج الرقة... لا تحتاج الرأفة... بل يجب عليك أن تتحول إلى مفترس تقاتل كل من تسوله نفسه للاعتداء على حقك..
لقد اعتادت على هذه الطريقة منذ كانت صبية ومع الوقت أدركت صحتها.. تربيتها على يد أبوين عمليين شقا حياتهما بالكد والتعب حتى تجاوزا كل طبقات المجتمع وصولًا للغنى الفاحش متناسيان إياها فلم ترى منهما قسوة ولم ترى منهما دفئًا... فكبرت وحيدة واشتد عودها حتى أصبح قاسيًا كقسوة قلبها... لم تتعلم منهما إلا شيئًا واحدًا وهو أن المشاعر لا وجود لها بحياتها!

فتحت باب غرفتها ودخلت ثم تخلصت من حقيبتها ومعطفها وبحركات آلية اتسمت بهم كانت توجهت إلى التسريحة الضخمة التي تقبع بمنتصف الغرفة ووقفت أمام المرآة تتأمل وجهها... وجهها الذي لم تزده السنون إلا قسوة حتى أصبح بصلابة الصخر... رمشت ثم أخذت نفس عميق وهي تفتح الجارور لتخرج منه إطار صغير يحمل صورة زوجها الراحل.. رفعت الصورة أمام وجهها تتأمل شكله الذي لم تره منذ سنوات... ابتسامته الهادئة.. بشرته الحنطية المائلة للبياض.. عيناه اللتان تبتسمان معه... كله كان يحمل الكثير من ملامح ماريا... لقد كانا يتشابهان في الشكل والروح...معلقان ببعضهما بشدة... لا زالت تذكر بوضوح عندما أجهش بالبكاء فور أن علم بفقدان ماريا البصر وهي وقتها ماذا فعلت... لم تفعل شيئًا.. تركته وذهبت تلقي كل غضبها ونقمتها على ابنة أختها
ابتسمت ابتسامة صغيرة نادرة وهي تهمس :
" لطالما أغضبني ضعفك... لم تكن ذلك الرجل الذي أردت الزواج منه.... رجل كأبي قاسيًا باردًا لا يهمه في الحياة أي شخص... رجل أستطيع التعامل معه وكأنه شريكي بالعمل وليس زوجي.... لكنك كنت مختلفًا.. لم أستطع فهمك ولم أستطع تقبل عكس ما تربيت عليه واعتدت عليه.."

صمتت وهي تسبل نظراتها وأصابعها تتقلص حول الإطار لتقول بصوت منخفض يحمل رائحة... الندم :
" لكن أتمنى لو أنك تعود... لأخبرك بأنني سعيدة لأنك زوجي... سعيدة وممتنة.... وآسفة "

اجفلت ورنين هاتفها يصدح بالغرفة فوضعت الإطار محله ثم مسحت وجهها وتحركت لترفع الهاتف لأذنها قائلة بهدوء :
"أخبرني... إلى ماذا توصلت..."

جاءها صوت الرجل وهو يرد بعملية :
" أجل سيدتي... لقد رأيت السيد مصعب يتبع الآنسة ماريا لأكثر من مرة وخصوصًا عند ذهابها وإيابها من مركز الأطفال"

برقت عينيها بحدة ثم قالت :
" تابع..."

" لم يكن له تحركات كثيرة... فقط ما أخبرتك به إضافة إلى ذهابه للشركة كالمعتاد"

أغلقت الهاتف بعد حذرته بصوت قاسٍ:
" استمر بمراقبته... إياك أن تغفل عنه ولو لثانية "

توشحت ملامحها بغضب عنيف لم تعبر عنه بينما شفتيها تتحركان بالوعد :
" لقد حذرتك يا مصعب ولم تستمع... بل تجرأت وتجاوزت حدودك!... حسنًا فلترى "

************************

" ماريا... "

انخفضت قليلًا بجسدها وهي تمد ذراعيها بلهفة للصوت الطفولي المحبب لقلبها... تلقفته بيديها ورفعته لصدرها هامسة :
" صغيري... اشتقت لك "

قبلت رقبته وخده وقالت بحب :
" كيف حالك أيها البطل..."

هتف أمام وجهها بحماس وهو يحرك يديه :
" أنا بخير... بابا أنكِ ستأتين لبيتنا لتعيشين معنا... هل هذا صحيح؟.."

خفتت ابتسامتها وتورد وجهها بشكل خفيف وقبل أن ترد عقدت حاجبيها وقدمها العرجاء تقرصها بألم قوي... ربما هذا لأنها حملت الصغير
ترنحت قليلًا لكن يد قوية دافئة حاوطت كتفها وصوت باتت تحب نبراته يقول بلطف :
" هيا صغيري اذهب للعب... "

وضعت الطفل على الأرض ليسارع راكضًا لألعابه بينما التفتت مبتسمة ببعض الحرج وهي تقول بهدوء :
" مرحبًا..."

كان رده قبلة رقيقة على جبينها بينما يده لم تبتعد عن كتفها :
" كيف أنتِ اليوم حبيبتي..."

كلمة حبيبتي والتي تسمعها لأول مرة منه أجفلتها وأفقدتها النطق لبعض لحظات... راقبها وليد برضا وراحة وافتتن باحمرار خديها اللذيذ لكنه لم يقدم على أي حركة تاركًا لها الحرية بأن تقدم هي :
" أنا بخير والحمد لله... وأنت ؟"

" اشتقت لكِ "

قلبه لم يطاوعه على جعلها ترتبك أكثر رغم أنه مغرم بهذا الارتباك.. وهذا التأثر المرسوم على ملامحها ولم تستطع إخفائه... لذا أمسك يدها قائلًا برقة :
" تعالي...أريدك أن تري شيئًا ..."

سارت معه باستسلام... هذه ثاني مرة تأتي إلى بيته... بيته الذي سيصبح بيتها يومًا من الأيام... لم تستطع أن تمانع كثيرًا عندما طلب منها أن يصحبها لهنا لكامل اليوم... تحججت كثيرًا بالبداية لكنها لم تستطع أن تراه يشعر بالخيبة أو الحزن لرفضها.... فاجئها هذا الشعور بقدر ما جعلها تفتح عينيها على كثير من الأشياء في علاقتهما والتي كانت غافلة عنها...

توقف بغتة فتسللت إلى أنفها رائحة طلاء الحائط الحادة... قطبت متسائلة :
" ما هذا المكان؟..."

صوته كان قريبًا منها جدًا وهو يجيب بنبرة غريبة :
" هنا سنقيم حفل زفافنا..."

الدماء انسحبت من وجهها تتراجع خطوة للخلف مرددة ببهوت :
" الزفاف..!"

ابتسم ببعض المرارة وهو ينظر حوله للصالة الكبيرة الملحقة بمنزله حيث قرر أن يعيد طلائها وتزيينها ليقيم بها حفل زفافه... رغم قدرته على إقامة الحفل بأكثر الأماكن فخامة لكنه يعرف أن ماريا لن تحب ذلك... أراد لها شيئًا حميميًا بسيطًا تتذكره كل لحظة
حدث نفسه وهو يراقب وجهها المبهوت :
" لقد كنت تتوقع ردة فعل كهذا فلمَ تشعر بالخيبة الآن!..."

عاد ليبتسم وقال بمرح مصطنع :
" نعم زفافنا... لقد اقترب موعده.. فهو سيأتي بعد أسبوعين من الآن..."
كيف مرت كل هذه الفترة ولم تشعر بها!... كانت تتناسى الزفاف وتحشره بزاوية بعيدة من عقلها متحاشية التفكير به... لكنه اقترب... اقترب دون أن تستعد... دون أن تتقبل
انتفضت قليلًا ويد وليد تمسك كفها بخفة هامسًا :
" ما بكِ... هل أنتِ متعبة... "

رفعت رأسها وتشجعت لتقول وصوتها يرتعش :
" اه... وليد... ألا ترى أن موعد الزفاف قريب جدًا... أظن يجب أن نؤجله قليلًا..."

تجمد وجهه وهو يراقبها وقد ضربت قلبه من الرفض الذي يظهر على وجهها... رفض مخلوط بالخوف... نطق باقتضاب وهو يبتعد :
" لا... "

توسعت عينيها متمتمة :
" لا!... لـ.. لماذا"

جلس على كرسي قريب يحاول بكل قوته أن يسيطر على غضبه الذي بدأ بالفوران... غضب... خيبة... مرارة :
" لا داعٍ للتأجيل... فترة خطبتنا كانت كافية"

تصلبت وهي تغمض عينيها لتعاود إقناعه :
" يجب أن نتعرف على بعضنا أكثر..."

" أنا أعرفك جيدًا... ألا تعرفينني؟... حسنًا بعد الزواج ستتعرفين علي بوضوح أكثر..."

أوجعتها لامبالاته التي تظهر منه لأول مرة...ألا يدرك أنها خائفة بل تكاد تموت رعبًا... يقول بأنه يعرفها!... لو كان يعرفها لفهم رعبها من الزواج... رعبها من تسليم حياتها لشخص آخر....
هتفت بعصبية دون تفكير وبقرار ظنت أنه قاطع :
" لا أريد الزفاف الآن... هذا قراري لك الحق بقبوله أو حتى الانسحاب من هذا الارتباط"

لم تشعر باقترابه بخفة الفهد حتى أمسك ذراعها بقوة ألمتها وهدر أمام وجهها :
" الانسحاب!.. هل هذا ما تريدينه يا ماريا... الهروب...إذًا لماذا أظهرتِ كل هذه المدة قبولك لي... ميلك تجاهي... لم أكن أعرف أنكِ ممثلة بارعة "

سحبت ذراعها منه بينما جبينها يتعرق واستنكرت :
" لست أنا من توجه لها هذا الحديث... إياك"

ضحك بذهول والغضب المجنون يظهر على وجهه ثم رمى كل خيبته بها على شكل كلمات لم يدرك مدة أذاها :
" هيا.. هيا... أظهري وجهك الحقيقي... لا تتخفي تحت ستار الرقة والتقبل بينما أنتِ بداخلك ترفضينني ولا تريني إلا مجرد شخص تزوجك لمصلحة.. هيا... أستطيع رؤية الاتهام بين عينيكِ... لم يستطع فقدانك البصر إخفاؤه..."

الصمت الذي عم الجو كان صمتًا جارحًا... صمتًا يجعل دواخلهما تصرخ وكلًا منهما يقف بالزاوية ينهت.... راقب وجهها الذي بدا في أوج حالاته صدمة وشحوبًا فأطلع آهة خفيفة نادمة... ما هذا الذي قاله... ولمن... لأكثر إنسانة يحبها... لأكثر إنسانة أوجعته وما زالت توجعه...

اقترب منها ببطء وهو يمد ذراعه وفور أن لامس كفها انتفضت ماريا ودفعته صارخة لتخرج من الغرفة وهي تتخبط لكنه لحقها وأمسكها قبل أن تنزل الدرج وتتعثر... ضمها لصدره بينما تقاوم بعنف ليهمس :
" أنا آسف... أنا آسف حبيبتي.."

شهقت وهي تستكين على صدره فقبل رأسها وخدها ثم عاد يهمس بألم :
" حسنًا.. إذا كنتِ تريدين تأجيل الزفاف لا أمانع...فقط لا تبكي.."

هزت رأسها نفيًا ورفعت وجهها إليه قائلة بوجع :
" أرأيت... أنا ألمتك.. ألمتك بخوفي.. بترددي... أنا.. أنا فقط لست معتادة على هذه الحياة الجديدة المقبلة عليها... عشت طوال حياتي على نمط واحد لا غير.. كيف.. كيف سأتعامل مع التغيير... كيف سأتعامل معك دون أن أجرحك..."

احتضن وجهها بين كفيه ثم مسح دمعاتها الغاليات وابتسم لتشهق :
" أنا آسفة... لم أقصد ما قلته... لقد فهمتني بشكل خاطئ "

ضمها من جديد مطمئنًا إياها :
" أهدأي حبيبتي...أنا لم أغضب منك... ولن أفعل "

تمتمت وهي تدفن رأسها بصدره :
" حسنًا... ألن تريني باقي ما جهزته للزفاف"

أبعدها عنه مصدومًا فأهدته أجمل ابتساماتها ليغمض عينيه ويسند رأسه على جبينها دون رد... يشعر بأنه دخل معركة وخرج منها سليمًا... رغم كل الجراح البسيطة... لكنه بقي سليمًا.

يتبع...


Siaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس