| منذ ثلاثة أيام من بعد ماحدث مع فارس لم تذهب إلى منزله, ورفضت أن ترد على اتصالات أمل المستفسرة..
تكتفي بالذهاب إلى الجامعة مع داليا, والعودة برفقة السائق, لم تتجرأ حتى على متابعة عادتها المعتادة, بأن تعود مشياً على الأقدام, لا تريد أن تراه مثلما حدث في السابق؛ عندما صادفته عدة مرات..
تحركت ناحية النافذة التي تكشف بيت أمل لها جيداً..
لم تكن تريد رأيته ولن تدعي انها أحبته؛ لكنها جرحت منه, وجعها حقاً تهكمه منها, وسخريته من مظهرها..
لا تعلم ما الذي كان يجري معها في الأسابيع الماضية, عندما اكتشفت انه ابن أمل فأصبحت ملتصقة طوال النهار في منزله, تحاول مناغشته وتجاذب الحديث معه, والذي ينتهي دائمًا, بإقتضاب منه, وعدم تقبله لآرائها!..
كل ما جذبها بفارس أنه مماثل لأحلامها التي تمنتها في شريك حياتها..
زفرت بضيق وهي تبعد وجهها عن النافذة بحدة؛ لتشد الستار بقوة وتبتعد على الفور, عندما لمحته من بعيد يقف وسط حديقة منزلهم المكشوفة لها يحدق بها؛ وكأنه يتبين ما تفكر به, حقاً لم تستطع أن تتبين ملامحه بالطبع؛ ولكنها كانت تشعر كأنه يسخر منها, إذا لم يحاول أن يدعي أنه لا يراها..
تواجهت ناحية مكتبها تحاول أن تجبر عقلها على الدراسة, لم تكن يوماً طالبة كسولة ربما معدلاتها عادية, بل وفي عامها الثاني أخفقت في مادة, ابتسمت رغمًا عنها وهي تتذكر عقاب والدتها لها ؛وكأنها طفلة صغيرة, ولم تقتنع أبدًا بأنها نجحت على كل حال, وسوف تدرس المادة مع باقي مواد الصف الثالث..
تنهدت بضيق وهي تقطع تذكرها, تحاول أن تدمج عقلها بين مواد دراستها لسنتها الأخيرة؛ ولكنها لم تستطع بإستسلام فتحت هاتفها, وقررت أن تعيش إحدى الحكايات مع أبطال رواية نصحتها بها إحدى الصديقات, مخبرة نفسها مواد كلية الآدب قسم التاريخ متواجدة, أين ستذهب سوف تنتظرها..
*********
_آلاء.. آلاء..
أفاقت على هز والدتها لها بنفاذ صبر, وصوتها يخرج حانق مردد اسمها..
تركت هاتفها على الفور بأسف واضح, كانت مندمجة تماماً في قراءتها, ولم تشعر بأمها التي يبدو من ملامح وجهها الساخط, أنها متواجدة في غرفتها منذ زمن..
حاولت أن تجبر نفسها على إبتسامة تهدأ بها من أمامها؛ لعلها تنجو من غضبها, أو سيل سخطها الذي لا ينتهي, والتوجيهات الخانقة التي لا تنضب..
لتفاجئ برد أمها العجيب, إذ بادلتها الإبتسامة على الفور؛ لتجلس أمامها تبدأ في القول بنبرات هادئة:" آلاء حبييتى عاوزاكي في موضوع مهم, ومش عاوزه اسمع رد؛ الا لم تفكرى كويس في كلامي.."
بإهتمام وهي تترك هاتفها, وتوليها كل اهتمامها, سألتها:" خير يا ماما اتفضلي.."
لتضيف محاولة المرح:" كلي اذان صاغية يا سوسن هانم, استر يارب من الدخلة العسكري دي.."
بتحذير قاطعتها سوسن:" آلاء هبل وتريقة مش عاوزه.. اسمعينى كويس لان الكلام في الموضوع دا الاخير, خصوصاً ان والدك كمان مصمم المره دي انك تاخدى قرارك الاخير.."
تسلل القلق إلى قلبها قليلاً, وهي تسألها بتوجس:" فى ايه يا ماما قلقتيني؟.."
أخذت سوسن نفس طويل بعمق, وهي تحاول أن تجعل حديثها هادئ, مقنع ولا تجعل من أمامها تستفزها ككل مرة, وتنجح أن تتهرب من الأمر بجدارة..
_من الاخر يا آلاء في عريس متقدم.. وباباكى المرة دي مصمم انك لازم تقرري, ومتتهربيش زي عوايدك بحجج فارغه..
همت آلاء بالرد لتكمل والدتها سريعاً تقطع عليها حاجتها الدائمة:" عارفه هتقولي دراستك.. احب اقولك ان المفروض دي اخر سنة عندك, والعريس عارف ومعندوش أي مانع نكتب الكتاب وبعدها ينتظرك.."
تململت آلاء في جلستها وبوضوح ظهر الضيق على محياها, لترد قائلة:"
وانا حقيقة يا ماما مش عارفه سر الإصرار دا, امال لو كنت كبيرة شوية كنتو عملتو ايه اعتقد لسه العمر قدامي.."
وقفت سوسن على الفور من مقعدها تنهي الحديث بقوة, راغبة في عدم الخوض في جدال لن تحصل منه على شيء, لتخبرها بنبرات حازمة:" اسمعى يا آلاء من غير رغي كتير, المرة دي انا ووالدك شايفين ان العريس مناسب, ومعندكيش حجه ترفضي تقدري تقولى انه فرصة, وجات لحد عندك, واحتمال تكررها ضعيف عيشي الواقع, ووازنى الامر بعقلك شوية, ومعنديش رد أرده عليكِ تاني.."
زفرت آلاء بضيق وهي تهب واقفة تلحق أمها التي خرجت من غرفتها علي الفور, بدون أن تنتظر ردها..
تهتف من وراءها بإحتجاج:" هو ايه أصله دا يا ماما.. انتي عاملة ذي
خدوهم بالصوت ليغلبكو, فى ايه طيب لا, وبرفض ومش هتجوز.."
لم ترد عليها أمها ليأتيها صوت والدها قاطع قوي محذر:" آلاء الزمي حدودك, وأدبك.. ازاي تكلمي والدتك كدا؟.."
بتلعثم وإرتباك كان ردها:" مهو اصل يا بابا هي بتقول كلام مينفعش.. اصل اقصد...."
قاطعها والدها وهو يرى ارتباكها الواضح, ليقترب منها يهادنها بتعقل وهو يحذر زوجته المتحفزة بعينيه تلتزم الهدوء:" هو ايه اللي مينفعش يا الاء!..
وهو ينفع يعني رفضك كل شوية لاي حد مناسب.."
_اصل يا بابا انت عارف.. انا مش عوزه اتجوز دلوقتي دا من حقي..
ود والدها بوقار يخبرها:" وانا من حقى اطمن عليكِ بعد ما اطمنت على اخوكى يا آلاء.. والمرة دي لو مكنش العريس مناسب, وشايف انه فعلاً اختيار ممتاز ليكِ مكنتش وافقت, وبلغت والدتك اني مصمم المرة دي.."
اطرقت بعينها أرضاً لا تستطيع أن تجد ما ترد بِه, لا تريد زواج مدبر ولا زوج مناسب.. تريد أن تعيش قَصه حب ملتهبة, تخطها بيديها للتغني بنجاحها لأعوام, وتحتفل بإنتصار حبها,
خرج منها زفرة قوية ساخرة
ولكن أين هو البطل الهمام من الأساس؟.. من بين أفكارها قفزت صورة فارس الساخرة الجافة أمام عينيها..
أطبقت جفينها بقوة تحاول أن تمحي ما كان يحدث منذ أن تعرفت به ومواجهته الأخيرة معها.. وجرحه لها..
رددت لنفسها:" مغرور متعجرف.. احذر ما تتمنى يبدو في النهاية أن دعوة أمها وابنة عمتها داليا تحققت؛ ولكن بصورة سيئة..
عندما حسها والداها للرد نفضت رأسها من أفكارها الخاصة بالبارد المتعجرف..
لتقول بقوة وتشدد مندفع كعادتها:" انا مش هوافق يا بابا غير لو شفته.. اعتقد دا من حقي اعرف هو مين على الاقل.. وبعدها أبلغكم قراري.."
زفرت امها بارتياح وجهها يعلوه البشر, همت أن تفصح عن هويته؛
ليقطعها زوجها سريعاً قبل أن تنطق قائلاً:" مش مهم هو مين دلوقتي.. طالما في قبول مبدئي انك تشوفيه ,هحدد معاه موعد ولما تتقبلو هنا إبقي اتعرفي عليه على مهلك.."
سحب يد والدتها على الفور, وهو يتجه إلى غرفتهما الخاصة
تاركين آلاء وراءهما..
ترفع حاجبيها بتعجب, وهي ترى تهرب أبيها الواضح..
نطقت تنعي نفسها:" وافقت مبدئياً, هو سمعني اصلاً وانا بقول مش هوافق.. يا خوفى يا بدران لتكون بترتب ليا مصيبة, ولا حد من قرايبك ما انا عرفاك يا مصطفى يا ابن عامر ابويا, وحفاظك هتوه عن تدبيسك ودماغك.."
**************
دخلت بإندفاع إلى داخل مكتب والدها الذي قرر أن يكون لقاء العريس به بناء على طلبه كما فهمت من أمها, ليتيح لهما نوعًا من الخصوصية
لم تفكر كثيراً في تصرفاتهما الغامضة في اليومين الماضيين, عاقدة عزمها أنها سوف تقوم بطريقة, أو بأخرى بالتخلص منه, ورفضه مباشرة متأكدة أن شرقيته العتيدة واعتزازه الرجولي, سوف ينتفض ويغادر بدون عودة عند رفضها له, أو ربما لا يُعجب بمظهرها البسيط غير المتكلف, وجمالها العادي والذي يقلق أمها علي الدوام وتسعى بإصرار أن تزوجها باكراً خوفاً أن يتركها القطار ..
تسمرت مكانها للحظات غير مستوعبة, وهي تحدق في القامة الرجولية ذات الطول الفارع, والبنية القوية عرفته على الفور حتى, وهو يعطيها ظهره..
لم تستوعب سبب وجوده أو ماذا يفعل في هذا الوقت المفترض بها أن تقابل عريسها (الغامض ) كما أطلقت عليه..
تنبهت أنها كانت متسمرة تحملق به؛ على يد والدها وهو يخاطبها بهدوء:" ادخلي يا آلاء.. اكيد طبعاً تعرفي فارس.."
رمشت بعينيها غير مستوعبة سؤال والدها,
لتنظر إليه تجيبه:" اه يا بابا اعرفه.. بس خير هو بيعمل ايه هنا؟.."
التفت فارس اليهم يتولى الرد, بصوت ذكوري عميق أذهلها بنبرته الحازمة التي ألقاها عليهما:" انا هتولى الرد من هنا يا استاذ مصطفى زي ما اتفقت معاك.."
عبست بعدم فهم حقيقي, وهى ترى والدها يومئ له بهدوء, ويغادر على الفور تارك باب المكتب موارباً..
عقدت يديها على صدرها وهي تنفض عنها أي تشتت مما يحدث, وتضع كل تركيزها في الذي أمامها..
أتاها صوته الرخيم آمرًا:" اقعدى يا آلاء عشان نعرف نتكلم.."
بعناد لم تجبه على طلبه من الأساس لتجيبه على الفور:" نتكلم في ايه يا استاذ فارس, اخر مقابلة بنا اعتقد نهت اي كلام قبل ما يبدأ.."
لم يعلق بكل هدوء تحرك يجلس على المقعد الجلدي المقابل لها, يضع ساق على الأخرى..
أردف بنبرة باردة يخبرها مباشرة:" بصي يا آلاء ياريت تتجنبي اي مقابلة كانت قبل كدا.. انتِ غلطتي, وكان لازم يكون في رد فعل.."
التوى فمها بإستنكار من عجرفته, لترد مستهزئة:" ايه رايك اعتذرلك كمان.."
بنفس نبرته رد:" ياريت.. يفترض انك تعملي كدا.."
زفرت بقوة وهي تخبره بإندفاع لا تطيق أن ترى وجهه في تلك اللحظة:"
بقول ايه يا فارس.. انا مش فيقالك من اصله, اعتقد انت طلبت وانا نفذت الموضوع انتهى, وانا مش بعتذر لحد فلو سمحت سبني في حالي, وخليني افكر اخلص ازاي في المصيبة التانية اللي مستنياني.."
ضحكة خافتة بالكاد, وصلت إلى مسامعها, كانت ردة فعله..
ليخبرها بثقة وهو يسترخي فى جلسته, يرجع ظهر للوراء, ويفرد إحدى ذراعيه على المقعد..
_لا يا آلاء مفيش داعي تقلقي كدا .. انا مصيبتك التانية.. ومعتقدش انكِ هتخلصي مني بإعتبار اني مصيبتك الاولى طبعاً.."
صمتت عاجزة عن الفهم, أو حتى أن تستفسر عما يقول
ليردف متابعاً:" انا العريس.. وانا اللي طلبت من والدك ميقولكيش حاجه غير لما اقابلك بنفسي.. اه ولعلمك عشان تشيلي اي احلام من دماغك.. انا هنا لانك المناسبة.. يعني جواز صالونات مش عشان وقعت فيكِ.."
رفعت يدها تشير نحوه بأصبعها بإتهام حانق:"انت انت.."
صرخت بقوة وهي تترك حجرة المكتب, مغادرة تدب الأرض بغضب, تهتف بحنق:" في أحلامك يا فارس.."
**********
_الموضوع انتهى النقاش فيه يا آلاء, ولازم تختاري دلوقتى الموافقة على واحد من للاتنين اللي متقدمنلك..
نطقها والدها بتشدد غاضب, ونبرات قوية منهِ أي مجادلة, ورفض قاطع منها..
أجابته بتصميم:" وانا مش عاوزه يا بابا اتجوز من اساسه, هتجبرني!.."
هدر والدها بحزم:" آلاء جدالك وتحدي ليا انتهى لحد هنا, هو اسبوع مفيش غيره وتديني رأيك الاخير.. يا هتوافقي على فارس, يا هبلغ عمتك بالموافقه على قريب جوزها اللي بيطلب منك الزواج بإلحاح.."
عقب أن أنهى كلماته كان يوليها ظهره مغادرًا, بدون أي حرف زائد..
نفخت بضيق وهى ترتمي على فراشها تنظر للسقف بحنق, لقد وضعوها فى خانة ضيقه, واختيارات محدودة..
إذًا يعرف كل من أبيها وأمها اللذين يبديان فرحتهما بخطبة فارس لها بدون تحفظ من ستختار..
زفرة أخرى خرجت منها بضيق متأفف من نفسها؛ لأنها بدون تفكير تعلم من سوف تختار حتى وإن كان بارد مستفز؛ ولكنه يظل حلمها الذي تمنته ولم تتعشم أن يتواجد يوماً, وحتى إن وجدته كانت على يقين أنه لن ينظر إليها أو يعيرها اهتمام..
تقلبت على جانبها وهي تمد يدها تسحب هاتفها, تفتح صورة له كانت أخذتها من والدته أمل في سرية..
تأملتها بمشاعر مختلطة, تتذكر كلامه البارد الذي أخبرها به
إذا هو لم يعجب بها, ولم تتحرك مشاعره نحوها, إذًا ما الذي يريده منها, وكيف هي فيها الموصفات المطلوبة؟..
وضعت الهاتف جانبها تحدق في الفراغ بشرود..
تحاول أن تفكر حقاً من يستحق موافقتها, وربط كل حياتها به
مجهول لم تعرف إلى الآن عنه شيء, أم قريبها محمود الذي يعشقها منذ أن رآها أول مرة, وتعرف عنه كل صغيرة وكبيرة..
وأمام حيرتها في صراع بين أحلامها, وجزء صغير من عقلها يخبرها عن الصواب, كان يصيبها النعاس ويتسلل إليها ببطء لتستسلم له..
مخبره نفسها غداً يوماً آخر, وسوف تستطيع حزم أمرها وتأخذ قرارها الأخير..
*************
هل مر شهر منذ أن كانت متحيرة في أخذ أهم قرار في حياتها تحديد مستقبلها..
تسأل نفسها بحيرة وهي تطالع المرأة أمامها ترى انعكاس صورتها بفستانها الذهبي البسيط , مطرز بعناية ببعض الأزهار من الخرز الملون الفضي ينساب بنعومة على جذعها فيرسم بوضوح جسدها الممتلئ قليلاً..
هل اتخذت القرار الصحيح..
هل حقاً سوف تجد به ما رسمته في أحلامها, وتمنته فى شريك حياتها؟!..
وسؤالها الأهم.. ما الذي يريده منها ويجذبه إليها؟.. طوال شهر مضى
يكتفي بإجابات باردة مثله, أم تستطيع القول هادئة ورزينة!..
يخبرها عبرها أنها الإختيار الأمثل, ولكن كيف؟.. يرفض الشرح!..
لا ينجر لمشاكساتها أو جنونها أمام العائلة, وربما هذا ما حبب, والديها فيه وترى نظرات الإعجاب الممزوجة بالرضى, التي يتبادلوها بينهما وهما يراقبان تعامله السلس, والوقور معها..
ولكن عندما ينفردا لبضع دقائق تستطيع القول, أنه يتخذ أسلوب آخر معاكس لما يظهره مع الجميع.. ولكن حتى الآن على مستوى علاقتهما الشخصية يبقى الحال كما أخبرها لا قصة حب خرافية؛ بل زواج صالونات..
********
_رائع جذاب يخطف الأنفاس يا آلاء.. يا بختك يا محظوظه اتمنيتي, ونولتي..
قالتها داليا بنت عمتها, وهي تثير الصخب مع بعض من صديقاتها اللاتي حضرن الحفل..
لم تجبهم بل ارتسمت على شفتيها إبتسامة ساخرة, لو يعلموا أن هذا الرائع الجذاب, لم يتبادل معها أي كلمة رومانسية واحدة.. كما كانت تتمنى؛ بل كل حديثه عن تحديد كتب الكتاب, والزواج الذي يحاول إقناعها به أن يتم بعد إسبوعين من عقد القران, وذلك لأنه ليس لديه الوقت الكافي للانتظار, وكل شيء جاهز, فلِمَ يتأخر إذاً ليس حباً بها, ولكن يريد إنجاز الأمر ويتخلص منه.. هه في أحلامه..
************
إفاقت من شرودها على أصوات زغاريد أمها وأمل التي لا تسعها الأرض من فرحتها تكاد أن تتقافز رقصاً وطرباً..
لتسمع صوت أمل وهي تحتضنها بقوة:" مبروك يا آلاء الف مبروك يا حبيبتي.. مش مصدقة انك بقيتي مرات ابني.."
إبتسامة مجاملة مترددة ارتسمت على شفتيها, شعورها في هذه اللحظة كان مبهم تماماً, ولا تعلم ماهيته..
اقترب منها والدها معانقًا إياها بحنان يهمس لها:" مبروك يا آلاء.. وسامحيني يا حبييتي ان كنت ضغطت عليكي.. بكره تعرفي ان دا الاختيار الصح.."
لم يعطها كالعادة فرصة الرد, وهو يمسك بيدها يعلقها في ذراعه,
ويسحبها من غرفتها في إستعداد لتسليمها لعريسها..
هبطت مع والدها إلى الأسفل بطواعية عجيبة مستسلمة..
فور ظهورها أعلي السلم مع والدها, وقف بهدوء يتقدم بثقل رزين إلى أسفل السلم ينتظرها, عروسه العتيد لقد أصبحت آلاء مصطفى عامر زوجته رسمياً, وإلى هذه اللحظة مقتنع تماماً بالخطوة التي أقدم عليها؛ رغم أنه يلمح في عيون البعض الرفض الواضح, للنتاقض الظاهر بين شخصيته وشخصية آلاء؛ حتى والدته رغم فرحتها ورغم أنها من رشحتها له؛ بل وأصرت عليها وظلت أكثر من عام تقنعه بها؛ إلا أنها الآن تتلمس الفرق الواضح بينهما..
لكن هو رغم لقائهم العجيب, وما حدث حقاً, يعلم جيداً أن آلاء إختياره الصحيح.. أو هذا ما يتمنى إن صح القول..
تناول يدها من يد والدها يبتسم بوجهها, ليجدها تنتفض بمحاولة رافضة لسحبها من بين يديه..
تصنع إبتسامة مجاملة, وهو يشد على يدها بعناد, ويجذبها ناحيته بقوة ولزيادة حنقها المتزايد, مال على الفور يطبع قبل طويلة على جبهتها؛ جعلتها تجمد بين يديه, وتسكن حركتها..
ابتعد عنها يهمس لها بصوت خافت متلاعب:" اهدي يا آلاء, وبلاش جنان الناس بتتفرج علينا وإلا.. بدل ما بوسة راسك هتلاقيني بباركلك بطريقة تاني مش هتعجبك ادام الناس.."
رفعت يدها تشير نحوه بحنق, تمتمت بصوت مكتوم خوفاً من أن يسمعها أحد:" انت انت قليل ادب وكمان...."
قاطعها وهو يسحبها ويتحرك بها بخطوات موزونة, غير مبالي بتعثرها الواضح بسبب الحذاء ذو الكعب العالي الذي ترتديه..
أجلسها على الكرسي بحركة هادئة حنونة مراعية؛ جعلتها تعقد حاجبيا بعدم فهم, أو إدراك لأفعاله؛ ليقطع عليها حيرتها, ويثبت لها وجهة نظرها به, وهو يميل ناحية أذنها يبتر الكلمات في وجهها قائلاً:" احترمي نفسك, وانتي بتتكلمي معايا يا عروسة الهنا.. فاهمه ولا هيبقي ليا تصرف تاني وهو قطع لسانك.."
اعتدل على الفور ليجلس بجانبها, ويوزع الإبتسامات الواسعة بين الحاضرين..
مال عليها يجذب يدها ويحتويها بين يديه رغماً عنها, يأمرها بإقتضاب:" اضحكي عاوز بوقك الجميل الواسع دا زي بيت الفيل.. ميبطلش رسم سعاده.."
بحنق اغتصبت ابتسامة ترسمها على محياها تعلن سعادة واهية تشعر بها الآن, وتوعد قريب بالإنتقام منه..
*************
بعد ساعات من الهرج الذي كان يسود بيتهم وسط الحفل البسيط الذي أقيم..
كان الجميع انسحب بالفعل, وخلا المنزل إلا من أصحابه وعريس (الغفلة) كما تطلق عليه بارد المشاعر, رفض أي مبادرة من الأهل, أو الأصدقاء في محاولة لإقناعه بمراقصتها, اكتفى أن يقبض على يدها طوال الحفل بتزمت, ماذا هل يعتقد أنها ستهرب منه؟!..
ربما كانت سوف تفعلها أكدت لنفسها فمع معاملته الجافة لها, وتحطيمه لكل أحلامها التي حلمت بها في ليلة مثل هذه؛ كانت سوف تفعلها
لقد وضح لها سبب زواجه منها, وإن لم ينطقها إلى هذه اللحظة,
لا حب من النظره الأولى, ولا حتى مطاردات ( قط وفأر) كما تأخذها وتأكد لها ثنايا عالمها الوردي في الروايات..
بل السبب الواضح زوجة مناسبة رشحتها والدته (زواج صالونات) لقد أخبرها سابقاً بوضوح.. فماذا كانت تنتظر منه غير هذا, ربما لم يجبها عن سؤالها اللحوح؛ لأنه لا يوجد لديه إجابه من الأساس, غير رده الجاف والبارد, اختيار مناسب له..
انسحبت بهدوء من وسط الحديث المشترك بين والديها وفارس
لتغادر غرفة الطعام التي كانت أصرت والدتها أن يتناولوا العشاء المتأخر سوياً, بعد أن خرج آخر المدعوين..
توجهت على الفور إلى خارج المنزل؛ لتخلع حذائها العالي وتلقيه بإهمال على الممر الرخامي..
رفعت طرف فستانها بدون اكتراث؛ ليكشف عن طول ساقيها الممتلئ تمشي حافية القدمين على الحشائش متوجهة إلى الحديقة الخلفية وراء المنزل تختبئ من الجميع..
تريد فقط أن تنفرد بنفسها قليلاً بعيد عن عنهم..
شهقت بذعر عندما تسللت إلى خصرها من الخلف يد غليظة توقفها.
التفت برأسها على الفور إلى الوراء, وهي تحاول أن تبعد تلك اليد عنها؛ ليكون أسرع منها, ويده الأخرى تلتف حول ذراعيها تكبلها..
تمتمت بغضب من بين أسنانها تحذره:" ابعد عني احسنلك والا!!...."
ضحك بخفة, وهو يخبرها وكأن غضبها لا يعنيه:" لا خفت يا آلاء.. والا ايه!.."
حاولت أن تهدأ نفسها, وهي تخرج أنفاس متتالية,
لتسأله بعد دقيقة واحده مدعية الهدوء:" عاوز ايه يا فارس مني؟.."
ماذا يريد منها هو نفسه لا يعرف!.. لقد كانت إختيار عقل لم يجعل للمشاعر حساب في تفكيره بها, ربما يعترف لنفسه بها شيء مبهم يجذبه؛ ولكنه مثلها تماماً لا يعرف ما هو..
ربما لأنها جعلته يكتشف جزء منه لم يكن يعلم بوجوده, جزء صبياني مشاكس إعتقد أنه لا يوجد في شخصيته التي تتسم بالرزانة والهدوء, منذ طفولته متحير تجعله على صفيح ساخن, وتستفزه حتى وإن كانت هادئة, أو لم تقم بأي جنون؛ ليخرج جانب سيء غير مكترث, لم يخرجه مع غيرها يوماً..
قاطع تفكيره محاولتها المستميتة لتتحرر منه, تزمجر بشراسة:" سبني يا فارس بقولك.. مش خلاص جواز الصالونات بتاعك تم زي ما انتَ عاوز سبني في حالي شوية بئي.."
بعناد تام شدد من احتضانها, وهو يتمسك بخصرها جيداً, ويرفعها عن الأرض بضع سنتيمترات, يخبرها بنبره عادية؛ وكأنه يخبرها عن أخبار الطقس:" مبقاش حالك بقى حالي, اقًرب الوقت اللي عاوزه, وأبعد وقت ما احدد.."
قاومت يديه الملتفة حولها وهي تزفر بضيق, ليكمل لها وهو ينزلها على الأرض يديرها إليه يسمح لنفسه بتأملها بهيئتها الجديدة عليه, لأول مرة من يوم معرفته بها يراها أنثى كاملة مهتمة ومتانقة (مكياجها) الهادئ أعطى وجهها بريق ساحر وخاطف, بريء!..
فستان الخطوبة الذي اختاره بنفسه بسيط غير مبهرج رسم جسدها الممتلئ بإغراء ونعومة مثيرة..
ساقاها المكتنزتين بإنسيابية واللتين ظهرتا بوضوح من طارف فستانها المرفوع لفوق ركبتيها, مازال طارف فستانها معلق بيدها ويبدو أنها لم تدرك بعد..
قربها أكثر منه, يخبرها بصوت أجش يحاول أن يدارى تأثره بها:" أنتِ مراتى يا آلاء, ومن حقي أعمل اللي عاوزه.."
وضعت يدها بينهما تخبره وهي تعقد حاجبيها:" مجرد انك كتبت الكتاب ومضيت على ورقه, دا يديك الحق انك تقرب, او تبعد, او تعمل اللي عاوزه معايا!.."
هز راسه بتأكيد يخبرها:" ايوه طبعاً.. وانا هحتاج ايه تاني.. العقد بيدينا صلاحيات كتير.."
تصنعت التفكير وهي ترفع حاجب واحد, ترد بقنوط:" غبي مجرد راجل عديم التفكير بعقل مجتمع عقيم, بتلغي حاجات كتير عشان تكون بدايتنا صح لمجرد انهم باركولك وأدوك ورقة, اعتقدت انك خلاص ملكتني.."
قربها منه يغيظها, وهو يخبرها:" انتِ فعلاً ملكي بلاش فلسفة فارغة, واتحكمي في لسانك شوية.."
رفعت عينيها تتطلع إلى وجهه بحيرة, لتسأله مباشرة:" انت حبتني يا فارس.. فيه اي مشاعر اتحركت منك ناحيتي.."
بعبث قربها منه يمرر شفتيه على طول خدها يخبرها:" حب لا مش هكدب عليكِ.. لكن أنتِ مقبولة الشكل بالنسبة ليا.."
وكمان توقف لبرهة ليخبرها بوقاحة صريحة:" وكمان بتثيري فيا رغبتي كراجل, ودا المطلوب على الاقل فى بداية علاقتنا.."
توسعت عيناها من وقاحته الصريحة الغير مراعية لها, لم تستطيع إبداء رد فعل حقيقي..
ليصدمها أكثر وهو يزداد جرأة, وتنتقل قبلاته من خدها, إلى ثغرها العذري أول قبلة لها والتي حلمت بها..
تجمدت في أحضانه تماماً, تنتظر كانت مستسلمة وتنتظر!
قبلته كانت جامحة راغبة..
ولكن كل ما أصابها الإحباط.. عقلها يبحث عن شئيء عما قرأت عنه وحلمت به..
لِمَ لم تعانق روحها النجوم؟.. لِمَ لم ترتفع قدميها عن الأرض وتسبح معه, وفيه في ذلك العالم فوق السحاب الذى كتبوا عنه, وتغنو بِه وأكدوا لها أنه موجود؟!..
هاهو فارس أحلامها أمامها ملتحم معها, يقبلها كما أخبروها جامح حار غير مسيطر؛ لكنه لم يصل إلى خيالها, أو مشاعرها قط..
كل ما هي فيه رغم ناريته إحباط
حاولت أن تزيحه عنها تبعده؛ لينفصل عنها لم تملك إلا
أن تراقبه وهو ينظر إليها..
بأنفاس متلاحقة, وعيناه تراقبان فمها الواسع بشفتيها المنتفختين المغريتين, ويداه تتسللان تحاول الوصول لجيدها,
همس بحرارة, وبوقاحة متعمدة:" خلينا نتمم جوازنا الليلة و أديكِ اول اطفالي, زي ما اتمنيتى فى أول مقابلة لينا.. مش هقدر امنع نفسي عنك, أو اكتفي بمجرد حضن, او قبلات يتيمة.."
شهقت بخجل وهي تزيحه من صدره تهتف بِه:" ابعد عني.. انت اتجننت!.."
عقد حاجبيه وكأنه يستنكر رد فعلها؛ ليخبرها وإبتسامة متلاعبة تتراقص على شفتيه, وهو يزيحها بقوه يلصقها بِجِذْع الشجرة خلفها يحاوطها حتى لا تستطيع الفكاك..
اقترب من وجهها المحمر الملتهب ,لا يعرف هل من قبلاته المتلاحقة, أم من الخجل, أخبرها يدعي بردوه المعتاد:" لا لسه متجننتش.. انا بس بفكرك بأمنيتك اللي قولتيها قبل كدا.. ومش هسيبك غير لما أحققها.."
اقترابه كان خطر مع سكون الليل من حولهما, إصرار عينيه اللتين تشعان شقاوة, أخبرتاها أنه لن يتركها مهما حاولت..
بحسبه بسيطة أن تركته يفعل ما يريد, وتنازلت بعد قرارها بالإبتعاد عنه إثر معاملته الجافة, أنه حتى لم يدرك عدم تفعلها معه ,ولم يلاحظ إحباطها ستخسر كبريائها التي أقسمت أنها لن تتنازل عنه أبداً مرة أخرى من أجله..
وإن قاومته ستخسره؛ ولكن هل هي متاكدة من ربحه من الإساس؟.. البارد يبدو أنه يريدها رغبة كما سمعت منه سابقاً؟!..
عيناها تدورا حولها بعجز, وهو لاهي يكتسحها بواقحته, يخرج من بروده وغموضه..
عندنا تجرأت يده وهو يتمتم لها, يستمر في وقاحته بدون مراعاة لحرجها:"
قبل شهية يا ابتلاء.. مكنتش اعرف ان عندك كل الأنوثة دي, وسط هبلك الواضح للكل!.."
غمغم لها وعيناها تجحظان بصدمة؛ عندما همس بخفوت بكلمة لم تتوقع أن تسمعها من أحد الوقح.. الوقح الحقير ؟!...
عند استمراره في همسه لم تستطع إلا أن تقطع سيل كلماته الجريئة بحركة مفاجأة له, استطاعت أن تلتفت تضع شفتيها على وجنته استلم لها وهو يلتصق بها أكثر إعتقادًا منه, أنها تتفاعل معه..
أخيراً وبدون مقدمات غرزت أسنانها بقوة متناهية, وهي تزيحه من صدره..
ابتعد عنها يسب بعنف:" يا بنت المجانين, وهتوقع منك إيه غير كدا!.."
لم تكتفي.. لن تكون آلاء إن فعلتها في إلتهائه بعضتها؛ عاجلته بضربة قوية بركابتها بين ساقيه..
وهي تهتف به:" وآدي مصدر أطفالك خرب يا فارس أفندي.. ولا هتلحق تديني انا, ولا غيري.."
أردفت بصوت صارخ مستهزأة به:" يا وقح.. يا باااااارد بكرهك.. يا عم الغامض.."
هبط على ركبتيه يتلوى ألمًا, وعيناه تجحظان بوجع ووجهه يحمر, ليقول بصوت متألم مخنوق:" الله يخرب بيتك يا ابْتِلائِي ضيعتي, مستقبلي ونسل العيلة.."
رقابته بإستمتاع حقيقي منتقم, تشعر بنصر غريب ضحكتها علت بصخب مجنون؛ جعلت الدموع تطفر من عينيها إثر رؤيتها له يتلوى, وسبابه بها..
وما أخبرها بِه دقائق مرت؛ ليستعيد هو أنفاسه ويسيطر على ألمه..
عندما استطاعت أن ترى وقوفه السريع, وعيناه الصقريتين بلونهما الزيتوني تحتلهما الشراسة للإنقضاض عليها؛ أمسكت طرف فستانها بين أسنانها وأطلقت لساقيها الرياح..
لم يركض وراها وكم تمنى أن يفعل؛ لكن شخصيته العتيدة رفضت أن يجاريها إلى هذا الحد, هتف من وراء ظهرها غاضباً:" جبانه.."
توقفت عندما ترآئ لها أنها قريبة من بوابة المنزل؛ لتهز كتفيها ببرود تخبره عن بعد:" الجرى نص الجدعنة لما يكون المطارد غبي, وقح يا فارس افندي.."
عندما رأته يتحرك مره أخرى واصلت ركضها إلى المنزل؛ لتدخل مباشرة وتغلق الباب بقوة ورائها, وتصعد مباشرة إلى غرفتها هاربة من التساؤل القلق فى عيني أمها وأمل..
*********** |