عرض مشاركة واحدة
قديم 03-11-19, 08:41 PM   #150

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثاني عشر

الفصل الثاني عشر:
انعقدت الجلسة في قصر التهامي يترأسها العمدة.. نظرات رجال التهامي كانت متجمدة كما أصواتهم المحتبسة في حناجرهم.. لا تحكي شيئا.. فما من كلمات ترثي الجرم الذي رسوا إليه.. ستُقدم الآن العذراء كقربان لمنع طوفان الثأر و سيول الدم، لاحظ سراج غياب جمال و لم يتعجب بينما جاسر كان متلهفا لرؤيتها و صورة سهام تحتل مخيلته ( هل تشبهها ؟ ) فكر متمنياً حتى قطع هيبة صمتهم طرقات خفيفة على الباب أعقبها دخول نور برفقة جدتها و هما تلقيان السلام.. رد الجمع السلام بينما توسعت عينا الحاج عبدالعزيز بصدمة كما ولديه و هم يناظرون فتحية باستهجان من مشاركتها إياهم الجلسة لتردها لهم بنظرة غير مبالية بل متحدية أيضاً ليبتلعوا اعتراضهم قبل أن يغادر شفاههم، حاولت نور قدر استطاعتها أن تقيم هامتها و أن تحافظ على رأسها مرفوعا دون ان تضع عينيها بعيني أي منهم.. ستتخذ منهج الوسطية كي تنجو فكما قال المثل " لا تكن عصياً فيكسروك و لا لينا فيعصروك ".. سارت بخطوات متمهلة مع جدتها لإحدى الأرائك الثنائية الفارغة لتتخذاها مجلسا.. كانت عينا جاسر تتابعانها حتى استقرت في جلستها و تم على تحديقه بها دون أن يحيد بنظره يحاول إيجاد أي طيف شبه.. لكن لا شيء !! أسبل أهدابه بأسى و قد كان يمني نفسه بصورة حية لحبيبة قلبه لتكون كما ظل شجرة يفيء إليها بعد قيظ صحراء عشقه الجرداء التي هام بها لعقود كريتة..لكن الأقدار تعانده كما العادة.. بينما سراج.. فكان يتابع خطواتها و شبح ابتسامة متخابثة يظهر لمن دقق النظر في شفتيه.. كان يود أن تضع عينيها في عينيه لترى انتصاره فيهما لكنها لم تمنحه هذا المطلب بل استمرت بتجاهل وجوده من الأساس و هي تناظر وجوه الجميع ما عداه الأمر الذي أمعن في إغاظته.. أتى صوت العمدة يستهل الحديث بقوله:
- احنا جايين النهردة عشان نحل كل المشاكل اللي بين العيلتين و ما فيش أحسن من النسب.. و احنا هنا يا حاج ( قالها موجها حديثه للحاج عبدالعزيز ) جايين نطلب إيد بت بتكم لابننا سراج و بكده نقطع كل شر ما بينكم.
أعقب الحاج عبدالعزيز على قوله مؤكدا:
- يا أهلا بيكوا و طلبكم مجاب ان شاء الله بس في حاجتين لازم يتحاكى فيهم بالاول.
جال بأنظاره على الجمع و ثبتهم على سراج ليقول:
- نور و كيف ما قلت مش من عيلة التهامي يعني إن كان هي وافقت فده برغبتها و مش غصب عنيها و بكده هي ليها حقوق و مش هانقبل يتاكل حق من حقها زيها زي أي بنت حرة.
تلجلج العمدة بالرد فزواج وأد الثأر يفتقر للحقوق و المهر :
- بس يا حاج..
قاطعه العم جاسر بإشارة من يده:
- و احنا سدادين و اللي تؤمر بيه العروسة هايكون حاضر ليها.
ليعقب سراج على حديث عمه ساخرا:
- أكيد.. أصل بنات التهامية يتاقلوا بالدهب.
تنفست نور بثقل و قد استشعرت نبرته الساخرة.. ودت لو هشمت كل الأواني الزجاجية من حولها فوق رأسه و لأول مرة من بداية الجلسة ثبتت انظارها عليه ليبتسم.. ابتسامة تشككت بكنهها أهي صادقة أم متلاعبة.. أما هو فما أن حطت نظراتها عليه حتى ابتسم دون وعي.. ابتسم كأن كل نيران غضبه قد انطفأت ما أن فاضت هي ببحور عينيها.. عيناها ككل مرة تأسرانه.. تبعثران كيانه.. و تشج العتمة المتأصلة بداخله لتدخل الشمس و ينجلي الظلام كأنه لم يحل على أرضه يوما.. استفاق على نفسه و هي تشيح بنظرها بتكبر ليسقط في بئر الخيبة من إعراضها و يلعن تحت أنفاسه بسخط و هو يعود لأحاديث الرجال، نظر الحاج عبدالعزيز لابنه مصعب نظرة ذات مغزى فهمها الاخير ليومئ بثقل فيرمي الحاج عبدالعزيز بورقته التي بعثرت باقي الأوراق:
- تاني حاجة احنا بودنا يبقى النسب نسبين و كيف ما هم هياخدوا بتنا احنا كمان يشرفنا ناخد من بيتهم.
تبادل جاسر و سراج النظرات بحيرة و استنكار جليين ليهوي سراج بيده على الطاولة يصرخ دون وعي:
- انتوا اكيد اتهبلتوا في نافوخكم.. عايزيني أجوز اختي لحد منكم !! هه ده عشم ابليس بالجنة.
لم يتدخل جاسر بثورة ابن اخيه في حين بقي الحاج عبدالعزيز يناظره ببرود و أبناؤه من حوله يكادون يتفتقون من كبتهم لغضبهم.. أشار له الحاج عبدالعزيز بيده للتمهل و كظم الغيظ قائلا برفق تشوبه النبرة الدهيَة:
- ما حدش جاب سيرة خيتك يا ولدي.. إحنا طالبين القرب من عمتك لولدي مصعب.. و كيف ما عرفنا انها اتطلقت من كام يوم اكده.
تدخل العمدة هذه المرة متسائلا بذهول:
- اتطلقت؟؟
ثم التفت لجاسر يستجديه التأكيد ليعطيه إيماءة واهنة تنم أنها بالفعل قد أضحت مطلقة.. ليعود يواجه الحاج عبدالعزيز:
- بس زي ما قلت يا حاج هي اتطلقت من كام يوم يبقى لساها بالعدة و ما يصحش الحديت ديه دلوقت.
- لا يصوح يا عمدة و انا ما بقولش اننا هانخلف شرع ربنا لا سمح الله.. جواز سراج على بتنا هايكون مع جواز مصعب على بت محمد حرب لومن تخلص عدتها.. و ديه طبعا ان وافق العريس على الشروط.
كان حديث الحاج باترا لأي مهاترات.. المعادلة بسيطة.. هي معادلة تبادل و أكد عليها قائلا:
- و ان شاء الله بتكم هاتكون معززة مكرمة ببيتنا كيف ما بتنا هاتكون عنديكم.
أرادت الوقوف و التصفيق إلى جانب الانصهار ضحكا.. صدقا قد أبهرها جدها بحنكته.. التفتت من جديد للبركان الثائر و لم تستطع إلا أن تنظر له بتشفي.. وجدته يعيد رأسه للخلف و يأخذ نفسا عميقا كمن يحاول جمح غضبه.. لكن بالنهاية ( هو من جلب الدب لكرمه ).
بينما تعمق جاسر بالتفكير.. تلك ضربة لم يتوقعها و لم تخطر بباله.. حتى هو لا ينكر أنه يريد لأخته الاستقرار بكنف زوج يستحقها لكن " معصب !! ".. فكرة ان اخته ستتزوج من هذه العائلة تجعله يغص اختناقا:
- بس ديه ما كانش اتفاقنا من الاول يا حاج.. احنا قلنا تدونا بتكم مقابيل اننا نقفل سيرة التار و فوقه دلوقت حرق أرضنا.
فكان رد الجد مضمخا بنبرة العشم المزيف:
- كلامك صوح احنا ما اتفقناش على اكده لكن احنا عشمنا بيكم ما زال هانبقى نسايب و حبايب انكم تدونا بتكم لابني.. أصل مصعب بقاله فترة بيفكر يتجوز و لما عرفنا انه خيتك اطلقت قلنا مش هانلاقي أحسن من نسبكوا.
اللعب على حبال الكلمات.. أجاده الحاج و بجدارة ليلجم ألسنتهم عن الرفض.. ليستسلم جاسر و هو يومئ:
- و احنا قابلين.
- كلام إيه ده يا عمي!
هدر بها سراج بحنق و هو يحدج رجال عائلة التهامي بشر.. هذا التبادل سيكبل يديه و يلف حبل النار حول رقبته.. سيصبح عليه أن يحسب حساب عمته التي ستعيش بكنفهم.. وضع جاسر راحة يده فوق يد سراج يضغط عليها كي يهدأ ليستطرد قائلا:
- هاتبقى الفرحة فرحتين.
كز سراج أسنانه غيظا.. لكنه لم يرد الاستسلام.. فارتأى قلب الموازين لصالحه من جديد ليقول بصفاقة:
- بس أنا مش هاقدر استنى تلات شهور.. أنا مستعجل على الجواز.
فغرت نور فاهها من جرأته و قد احتقن وجهها باللون الأرجواني الذي تدفق غزيرا إلى وجنتيها.. حولت انظارها لجدتها التي كانت تزم شفتيها سخطاً مما يحدث فهي لم يكن لديها علم بخطبة ابنها لابنة حرب لكنها ستؤجل الحديث أو المشاحنة بهذا الأمر لوقت لاحق..
- مش تستنى الاول تشوف شروط العروسة.
قالها سالم موجها حديثه لسراج لتنتقل جل الأنظار لنور التي احتبست أنفاسها بغتة حينما ارتكزت الأنظار عليها.. تجاسرت على رهبتها تجمع شجاعتها المبعثرة لمجابهتهم.. أعقب العمدة على حديث سالم قائلا:
- اتكلمي يا بتي و قولي طلباتك.
رفعت رأسها بشموخ أبيَ تتطلع إليهم بنظرات بثتها جل القوة المتأصلة فيها.. أخذت نفسا عميقا لفظته بتأني لتقول بثبات و رزانة:
- أولا متل ما حكى جدي موافقتي على الزواج ما بتعني اني أخضع لما يلحق أي زواج فصلية ( زواج وأد الثأر ) و طلباتي هي الطلبات الطبيعية لأي عروس و الفكرة هون إنه انتوا جايين تخطبوا بنت أردنية و بالتالي بدكوا تلتزموا بعاداتنا بالزواج.
رفع سراج حاجبه الأيسر و هو يتأمل صلافتها في الحديث بابتسامة تضمر الكثير ليقول مستهزئا:
- يعني ايه المطلوب بعد المقدمة دي كلها ؟
امتقع وجهها قليلا لاسلوبه الساخر لترد حديثه:
- يعني يا سيد سراج بدك تجيب جاهة طويلة عريضة من كبارات البلد و يا حبذا لو كان فيها ناس من رجالات الدولة و بتيجوا و بتطلبوا النسب من أهلي هون.
جعد سراج وجهه بضيق معلقا على حديثها بصفاقة:
- و ده ليه ان شاء الله.. يكونش مش مالي عينك.. بعدين ايه رجالات الدولة دول اللي عايزاني اجيبهم!!
ابتسمت بزاوية فمها باستسخاف لتجيبة برفعة حاجب مستفزة:
- اظن انك ما بدك تسمع الاجابة على السؤال الأول.. هاي أولا.. ثانيا الفكرة بالعادات.. و كمان مشان كل البلد تعرف انه سراج حرب طالب يناسب عيلة التهامي و فوق هيك عم بيوسط ناس رفيعة المستوى ليتم الموافقة على شخصه الكريم.. و المقصود برجالات الدولة يعني وزير او نائب في البرلمان.
قالت عبارتها الاخيرة بابتسامة واسعة بانت له مستهزئة..أطبق جفنيه بشدة يحارب رغبة قوية بالانقضاض عليها و صفعها عدة مرات حتى تنسى إسمها.. اصطكت أسنانه بحنق ليقول من بينها:
- و انا اجيبلك منين وزير و الا نائب.. يكونش انا رايح مؤتمر دولي و الا بفتتح مستشفى خيري!!
لتجيبه بكل لؤم يتخفى بقناع البراءة:
- آآآه يعني انت ما بتعرفش؟
ليهب بغتة عن جلسته يصيح بها و قد استحالت بشرة وجهه للحمرة الغاضبة:
- ما تحترمي نفسك بقى.. ايه ما بعرفش دي.
ثم التفت الى الحاج عبد العزيز يقرعه:
- ما تشوف حفيدتك بتقول ايه يا حاج !!
ألقى الحاج عبدالعزيز عليه بنظرة وديعة يجيبه بكل بساطة:
- يا ابني ما تحطش في بالك.. ده بس اختلاف لهجات و الكلام عندهم ليه معنى تاني.. اكيد هي ما تقصدش اللي في بالك.. اقعد يا ولدي.
ليرسل بعدها نظرة لائمة لحفيدته قابلتها برفرفة لأهدابها و هي تزايد على حديث جدها مبررة بنفس نبرة البراءة المزيفة:
- أنا كان قصدي انك ما بتعرفش وزير أو نائب.. عالعموم خلص ما تعصب بنمشيها مدير أمن بس أقل من هيك و الله صعب.. بتعرف الناس مقامات.
لتختم حديثها بابتسامة ملتوية متحدية و كف جدتها يضغط على كفها بمؤازرة لتردف:
- و هاد الشي بيصير طبعا بعد ما أعطي الموافقة النهائية.
قاطعها العم جاسر هذه المرة بتقطيبة جبين و نبرة مستنكرة:
- هو ايه شغل العيال ديه.. يعني بعد كل اللي حصل و جيتنا النهردة و طلباتك الغريبة و لسة مش موافقة؟!!
ابتسمت بتكلف تجيبه:
- لا عمو.. إن كان علي فأنا اعطيت موافقتي.. لكن الفكرة إنه أنا إلي اتنين بمقام أعمام الي.. هم أصدقاء لوالدي الله يرحمه و إلهم قدر عالي عندي و ما بيهون علي يزعلوا مني و طبعا في حال عرفوا بحيثيات هاد الزواج بالتأكيد هايطلبوا مني إني أترك كل شي و أرجع بلدي و بصراحة انا ما بقدر على زعلهم و خاصة عمو نزار.. فقدامهم هايكون الموضوع طبيعي و ما بدي تنجاب سيرة مشاكل و ثأر و هيك.. و موافقتي ما هاتكون نهائية الا لما هم الاتنين يوافقوا.
تنهد بفهم قائلا:
- فهمت.. و إيه كمان يا بتي؟
- ما بيطلعله يتزوج علي لإنه بنت الأجاويد ( قالتها مشيرة لنفسها بكبرياء ) ما بتدخل عليها شريكة و في حال وزه عقله و قرر يثني بيطلقني بالهداوة بعد ما يكتبلي نص ممتلكاته المنقولة و غير المنقولة و هالشي هاكتبه بالعقد و بده يتعهد بهالشي قدامكوا و يتاخد عليه كلمة رجال.
كانت نظرات فتحية سعيدة متشفية و نظرات الرجال من أهلها راضية على عكس نظرات جاسر و سراج الساخطة.. لينطق سراج حينها و مراجل الغضب تغلي بداخله:
- بس انتي كده بتخالفي شرع ربنا هو حلل لينا أربعة .
قالها و هي يشير لها بأربع أصابع لتنظر له بتأفف توضح:
- حد الله بيني و بين إني أخالف شرع الله و كلامك مردود عليك.. الله شرعلي إني أتطلق إذا ما ارتضيت الحياة معك و انا بقولك في حال فكرت تعمل بشرع ربنا أنا كمان بيطلعلي أعمل بيه معادلة سهلة.
زم شفتيه بضيق يحدق بها دون رد فعل لتستمر هي بإملاء شروطها:
- و في حال قررنا ننفصل بشكل طبيعي ( ترمي لغير سبب الزواج بأخرى ) المؤخر هايكون جنيه مصري واحد.
توسعت عينا الجميع دون استثناء لهذا الشرط.. توقع الجميع و أولهم سراج أن تضع مؤخرا مهولا لكنها خالفت توقعاته لتخرج كلماته مغموسة بالذهول:
- معقولة دي؟
- طبعا معقولة الوحدة لما تعوف الزلمة بتكون مستعدة تدفع من جيبتها بس مشان تخلص منه.
عض شفته السفلى و البراكين المتأججة بداخله قد شارفت على لفظ ما بجوفها من حمم ملتهبة.. التفت لعمه يطالعه بعدم تصديق من وقاحتها على حد رأيه ليرفع عمه كلا حاجبيه بقلة الحيلة و يعود كليهما بأنظارهما إليها.. اصطكت اسنان سراج و هو يسأل:
- فاضل اي شروط كمان؟
هزت رأسها نفيا و هي تقول:
- لا هيك كفاها الله.
ليومئ برأسه و علامات الغل من حديثها الغير مستساغ ترتسم على صفحة وجهه.. لينقل أنظاره للحاج عبدالعزيز قائلا بثقة:
- أنا موافق على كل طلبات العروسة.. و المفروض عمتي يكون ليها زي ما هايكون لبنتكوا و الا إيه رأيك يا حج؟
أومئ الحاج عبدالعزيز بموافقة قائلا:
- و ديه اللي هايصير يا ولدي.
لتتدخل الحاجة فتحية لأول مرة بالحوار هادرة باستنكار:
- لاء طبعا يا حاج احنا بتنا بنت بنوت.. لكن بتهم لاه.. يبقى ما يكونلهاش كيف بتنا.
توحشت عينا جاسر و سراج و هم يهبون واقفين و قد آلمهم قولها و جرحهم بصميم كرامتهم ليلتفت جاسر للحاج عبدالعزيز يصيح به:
- و احنا ما طلبناش منكوا تاخدوا بتنا حليلة لولدكوا.. و ان كان ديه قولكوا في بتنا يبقى نفضل على الاتفاق الاولاني.
اتكئ الحاج عبدالعزيز على عصاه تعينه على النهوض و هو يحدج زوجته بنظرات نارية لم تبالي لها هي و لو قليلا فقد أرادت قول أي شيء يغيظهم لتبرد نار قلبها منهم و قد نجحت مساعيها.. تقدم الحاج عبدالعزيز يربت على كتف جاسر يستجديه الهدوء قائلا:
- معلش يا جاسر كلام الحريم ما يتاخدش بيه.. بتكم على راسنا من فوق و ليها زي ما هايكون لبتنا.
كانت تتابع الجدال و خوف تعلم منبعه يغير على جوارحها.. توترت بجلستها لتتململ بعدم ارتياح.. ارتفعت وتيرة انفاسها حتى ظنت أنها ستختنق بها و هي توقن أن القادم لن يكون جميلا فالأمر واضح كوضوح الجذوتان المتقدتان في محجري ذاك الذي يطالعها بنظرات ثاقبة نفذت إلى روحها تبثها نيرانه المستعرة لتشعر بلسعاتها الحارقة، جلس الإثنان من جديد ليقول سالم لنور و والدته:
- إن كان كلامك خولص يا نور تقدري تخشي جوا.
زفرت أنفاسا مرتاحة و أومأت بنعم ناهضة عن مجلسها ليستوقفها سراج قائلا موجها حديثه لجدها:
- ثانية يا عروسة.. انتوا لسة ما سمعتوش شروطي؟
عضت نور باطن خدها و هي تعود لجلستها غصبا تنتظر سماع قوله الذي أتى كالتالي:
- بالنسبة لموعد الجواز.. أنا قلت إني مستعجل و بما إني وافقت على شروط العروسة فما فيش داعي للتأجيل حتى عمتي تخلص عدتها.
قاطعته نور بنبرة رافضة:
- لاء.. أنا من حقي أعيش فترة الخطوبة و أتعرف عليك.. مش يمكن ما أرتاحلك.
انفلتت منه قهقهة صاخبة مستسخفة لحديثها.. و ما أن خفتت حتى نظر لها بنظرات تنضح خبثاً يقول:
- يعني إن ما ارتحتيش ليا ممكن تلغي الجوازة؟
رفعت أكتافها بعدم اكتراث قائلة:
- ليش لاء.. بعيد و بكرر أنا مش مجبورة هون و أنا بدي أعطيك فرصة تثبت إنك بتستحقني ( عند هذه النقطة كاد لسانه أن يتدلى استهزاءً لتردف هي بسفاهة ) أو ممكن خلال هالتلات شهور ييجي قضى ربك و نخلص.
جملتها كانت مبهمة هل تقصد نفسها أم تقصده هو.. و بكل سوء نية و يقين علم انها تقصده هو ليضيق لها عينيه بشر لتجابهه بلوي شفتيها بعدم اكتراث.. هز رأسه بإيماءات عامودية كمن يتوعدها و قال متجاهلا تعليقها الأخير السخيف:
- ماشي يا ست الحسن.. نعمل خطوبة مع كتب الكتاب و الفرح هايكون بعد تلات شهور.
توترت نظراتها لثانية قبل أن تومئ باستسلام ليرجع هو جذعه براحة للخلف و يضيف:
- الشرط التاني بقى انك ما تخرجيش من البيت بعد الجواز غير لما أنا أأذنلك بكده و أهلك تشوفيهم مرة بالشهر.
زوت ما بين حاجبيها و بداخلها ضجيج الكون من الغضب.. هي تحملت الويلات كي تتنعم بحضن عائلتها و هو بكل جبروت يريد سلخها عنهم بغير وجه حق.. اصطبغ وجهها بحمرة الغيظ و أسنانها قد أطبقت على بعض.. حاولت تهدئة نفسها قبل التفوه بشيء تندم عليه لاحقا ليأتيها الفرج من جدها:
- يا ابني يا سراج.. نور تبقى من ريحة بتي ربنا يرحمها برحمته و العمر مش فاضل فيه قد اللي راح.. أنا عارف انه من حقك تحكم عليها باللي قولته لكن أنا بقولك ما تحرمنيش من طلتها عليا عشان أشبع منيها قبل ما ربنا ياخد أمانته.
تباً لهذا العجوز و مناورته بالحديث.. هذا الكهل يمتلك حنكة و عقل داهية لم يهرم بهرم جسده.. كيف له أن يرفض و قد ضرب على وتر الرجولة بداخله و كم سيكون صغيرا في أعين المجتمعين و خاصة العمدة في حال رفضه لمطلبه الإنساني بالظاهر.. هو يعلم ان هذا الكهل لا يبتغي سوى تحجيمه.. حرك ساقه بعصبية مفرطة قبل أن يقول من بين أسنانه يحاول باستماتة قلب الميزان لصالحه من جديد:
- عالعموم إحنا أغلب وقتنا هانكون في مصر ( القاهرة ) و أما نبقى نيجي هنا تبقى تزوركوا و بيتنا دايما مفتوح ليكوا إيمتى ما تحبوا تيجوا تشوفوا بنتكوا تآنسوا.
ابتسم الحاج عبدالعزيز برضى يثني على قوله:
- فيك الخير يا ابني.. بيتكم دايما عامر ان شاء الله.. كده نبقوا اتفقنا في عندك شروط تاني؟
- لا بكفاية كده.
- يبقى نقروا الفاتحة.
كانت تلك كلمات العمدة ليرفع من بعدها الجميع أكفَهم يقرأون فاتحة كتاب الله.. بينما هي.. فقد انسلت الدموية من وجهها ليصفر بشكل مثير للقلق.. لا تعلم هل كانت بداخلها تأمل أن يحدث شيئا ينهي الأمر قبل أن يصل إلى هذا المنتهى.. ما أن سمعت أنهم سيقرأون الفاتحة أحست كأنهم سيقرأونها على روحها و سيوارونها الثرى عقب قليل، لاحظت جدتها حالتها الغير مطمئنة لتمسك بيدها ناهضة تحثها على الخروج من المكان لتستجيب لها كما المغيبة و بينما كانت قدميها تتخطى عتبة الباب حتى سمعت تبادل التهاني و التبريك بين الرجال لتشعر بساقيها تخذلانها و قد استنفذت جل قوتها و طاقتها بالداخل لتسارع جدتها بإغلاق الباب و النداء على الفتيات يساعدنها بإسناد نور المتهاوية.

عقد القران بعد ثلاثة أيام .. هذا ما أخبرها به خالها سالم.. و العقد سيتم في وزارة العدل أي ليس في المنزل كونها ليست مصرية، تنهدت بضيق و اختناق مجحف يلفها من كل اتجاه كما الغاز السام يتسرب لأطرافها فيخدرها حد الشلل.. قاومت شعور الانهزام و هي تمسك بالهاتف تارة و تلقيه بعيدا في التارة الأخرى كأنه جمرة ملتهبة.. هناك مكالمتان لا بد منهما الأولى مع عمها نزار و الثانية مع عمها أحمد فليعنها الله و كما يقال من الأفضل نزع الشوك من الجسد بسرعة و خفة كي لا نشعر بالألم لتشرع بالاتصال الأول بعمها نزار:
- كيفك عمو اشتقتلك كتير و اشتقت لخالتو طمنوني عنكوا.
- حبيبتي احنا بخير و مشتاقينلك بالاكثر.. طمنينا انتي عن أحوالك.. شو مش ناوية تنزلي على الاردن و الا خلص نسيتينا؟!
عضت على شفتها السفلى حرجا و هي لا تعي كيف ستفاتحه بالموضوع.. تلكأت و تلعثمت حتى بات واضحا التوتر على نبرتها ليقاطعها نزار :
- نور شو في.. واضح انك بدك تحكي شغلة و مش عارفة.
- بصراحة عمو خايفة تزعل و تاخد على خاطرك مني.
أتاها جوابه مستنكرا رافضا:
- له يا نور له.. أنا بزعل من الدنيا و ما بزعل منك.. احكي حبيبتي و ما تقلقي و ان شاء الله هتلاقيني بضهرك شو ما كان اللي هاتحكيه.
- ممم .. عمو أنا في شب من هون يعني التقيت فيه كم من مرة ووو.. و بصراحة يعني من الاخر اجا و طلبني من أهلي و أنا وافقت عليه و أهلي شكروا فيه و كمان هم وافقوا و قرأوا الفاتحة مبارح.
صمت.. صمت ثقيل كصمت الموتى في قبورهم.. لم يستوعب كلماتها بادئ الأمر.. تريد الزواج من رجل مصري و الاستقرار بمصر للأبد..ستتركهم للأبد.. ثم من هذا؟ و كيف بالله سيسأل عنه! طفلته و أمانة أمجد تنسل من بين أصابعه و هو يخشى.. يخشى من نسمة هواء تجرحها فما بالكم بهذا الأمر الجلل.. ثم كيف يتم الأمر و يُقضى به دون استشارته ! هم صحيح أهلها لكنه هو عمها بعهد الله و له حق فيها و لربما أكثر منهم، ارتفعت وتيرة أنفاسه و نطق يجرح الصمت الذي لبث لأكثر من دقيقة كمن يحاول ترتيب كلماته حتى لا تفزع منه فيخسرها:
- يعني خلصتوا كل شي؟
- لا عمو لسة كتب الكتاب كمان يومين بس الخطوبة هاتكون تلات شهور.
- يعني خلصتوا كل شي.
قالها هذه المرة بتقرير لا بسؤال يفند أي محاولة منها للمراوغة.. نزلت دموع نور بصمت لكنها حاولت كتم صوت نحيبها بيدها كي لا يصله فيقلق.. توقعت هي صدمته و كم كرهت نفسها على ما تفعله به.. تشفق عليه لكن ما باليد حيلة..
- بتحبيه؟
انعقد حاجبيها بعدم فهم ترد سؤاله:
- شو؟
- سألتك بتحبيه؟
أغمضت عينيها بقوة تجبر نفسها على النطق بها.. فالخداع يؤلم عندما يكون على الأحبة:
- آه بحبه.
أتاها صوته بارد كالصقيع يقول:
- ماشي حبيبتي أنا ما هاعاتبك و ما هاضيع عليكي فرحتك بس ما توقعت منك تهمشيني هيك.. ما علينا أنا راح أحكي مع عمك أحمد و أخليه يسأل عن الشب منيح.. اسمعي منيح يا نور إياكي تكتبي كتاب قبل ما أجيب خبر الشب و أنا راح آجي هاليومين لعندك مشان أقابله.
ابتلعت ريقا جافا لا تعلم كيف ستثنيه عن قدومه:
- شكرا عمو و بتمنى ما تزعل مني إنت بتعز علي كتير و برأيي ما في داعي تغلب حالك و تيجي ان شاء الله ان مشيت الأمور بتيجوا على العرس.
ليقول باترا أي اعتراض منها:
- نوووور.. خلال يومين هاتلاقيني عندك لازم أشوف بعيني و أتأكد بنفسي.. يالله حبيبتي روحي نامي و ارتاحي.. و الله يجيب اللي فيه الخير.
- طيب أنا كنت ناوية أحكي مع عمو أحمد أبلغه.
- ما في داعي أنا ببلغه بس ابعتيلي إسم الشب و أي معلومات بتعرفيها عنه مشان أحمد يسأل عليه.
و انتهت المكالمة عند هذا القدر.. ليلفها الصداع و الغثيان القميء من فرط التوتر و الرهبة من القادم.

جالستها الفتيات يحاولن التخفيف عنها.. كانت تبتسم بمجاملة و بداخلها تتمنى لو يتركنها برفقة حزنها و تلاطم بحور أفكارها.. كانت تستمع لرقية بذهن شارد عن ترتيبات عقد قرانها و الذي سيكون ليلة الغد.. حاولت أن تدخل بجو المرح التي تبثه رقية دون جدوى.. التفتت نحو رحمة ما أن انتبهت لانشغال الفتيات و هن يطالعن الأثواب على شاشة هاتف رقية:
- رحمة حبيبتي صار شي بموضوعك مع محمد؟
رطبت رحمة شفتيها بلسانها تجيب استفهامها بموضوعية:
- خلينا نطمن عليكي الاول يا نور.
- أنا اللي بدي أطمن عليكي قبل ما أطلع من البيت.
تنهدت قبل أن تسرد:
- مش عارفة يا نور.. زمان كان دايما يحاول يكلمني و يشوفني حتى و انا بصده.. لكن بعد ما صارحته بالحقيقة و فهم إني نوعا ما بقيت متقبلة إني ارتبط بجواز.. حاساه بيبعد و بيتجاهلني عن قصد مش فاهمة ليه.
- كيف يعني بيتجاهلك عن قصد؟
رفعت رحمة اكتافها بحيرة تجيب بصوت متهدم:
- مش عارفة يا نور.. شكله بطل عايز يتجوزني.
عقدت نور حاجبيها باستغراب و فكرها يعمل بحسابات تتمنى أن لا تكون صحيحة.. أبعدت الوساوس من رأسها لتقول:
- طيب اتوكلي على الله و ان شاء الله ما في غير كل خير.. تلاقيه مشغول بأخوه.. إلا صحيح شو صار مع جمال؟
- لساته قاعد في شقة مصر و رافض يتواصل مع أي حد مننا.
أومأت و عادت بأنظارها للفتيات لتجد سارة ترمقهما بحزن.. و فهمت نور.. حزنها سببه بُعد جمال و خوفها عليه.. لتقرر أن هناك حديث مؤجل آن وقته مع جدها و أخوالها.

طرقت باب حجرة جدها ليأتيها صوت جدتها تأذن لها بالدخول.. دخلت لتقبل يد جدتها و من ثم يد جدها و جلست معهما بينما كانوا يرمقونها بحيرة.. اصطنعت الهدوء لتقول بتقرير:
- أظن انه هيك الأمور ماشية بالاتجاه السليم و الحمدلله الموضوع قرب يخلص على خير.. بس في شغلتين بدي أحكيهم معك جدو.
أومأ لها دون نطق لتأخذ نفسا عميقا و تطرده بتؤدة:
- أول شي أنا حكيت مع عمو نزار و فهمته انه في شب متقدملي و انا وافقت عليه بس هو أصر إنه ييجي هاليومين على مصر مشان يقعد معكوا و مع سراج.
طمأنها بقوله:
- كل حاجة هاتكون جاهزة لاستقباله يا بتي.. أنا فاهم انه هو شايفك أمانة بعد موت ابوكي.. ما تخافيش كل حاجة هاتمشي زي ما احنا عايزين بإذن الله و سراج فاهم الكلام ديه.
هزت رأسها باتفاق قبل أن تستطرد:
- الموضوع الثاني هو جمال.
استحال وجه الحاج عبدالعزيز للحنق إثر سماع إسمه.. صد بوجهه عنها لتستعطفه بقولها:
- يا جدو بكرا كتب كتاب اخته و ما بيصير أخوها الكبير ما يكون موجود.. و الأمور مع عيلة حرب انحلت و الحمدلله فما في داعي لاستمرار القطيعة مع جمال.
- ديه حط راسي في الوحل.. ولد المركوب بيتصرف كنه عيل مش راجل ملو هدومه يتشد بيه الضهر.
تدخلت جدتها هذه المرة تشد على يد نور:
- معلاش يا سيد الناس.. هو قلبه اتحرق و حرقة القلب قتالة.. اعتبر اللي عملة فورة دم شباب.. حبيبك النبي انك تراضيه و اترجعه البيت.
استشاط غضبا من تعاضدهن في هذه المسألة.. فجمال ليس بفتى غر لا يعلم تداعيات أمر كالذي قام به.. بل واعي و فعلته تدل على حقد متأجج:
- و هو مين اللي يراضي مين يا ام سالم؟!! أنا قلت كلمة و ما لهاش رد.. وشه ما اشوفهوش في البيت ديه لغاية ما يتربى.. و ان كان على كتب كتاب اخته كلموه ييجي ساعة وحدة بس و لسانه ما يخاطبش لساني بالساعة دي و بعدها يرجع مطرح ما كان.
لوت نور شفتيها بأسف بينما نهضت الجدة بتثاقل متوشحة بخيبة الأمل لتستأذن حينها نور و تمضي لحجرتها أملة ان يقتنع جمال بالحضور حالما تحادثه جدتها.
--------------------------
- يا نصيبتي يا نصيبتي.. إيه اللي قاعد بتقوله ديه يا اخوي.. جايبلي عريس و انا لسة ما تمتش العدة.. بعدين مين قالك إني عاوزة أعيده من تاني.. خلاص أنا خدت نصيبي و بكفياني لحد اكده.. غير اكده أنا لا يمكن أوافق أتجوز من عيلة التهامية دول قتلوا خوي كيف عايزني أدخل وسطيهم و ابقى منيهم!!
حدج جاسر أخته نعيمة بنظرات صارمة يبرر دون أسف على ما فعل:
- احنا ادينا كلمة للجماعة يا نعيمة و مش هاتيجي على اخر العمر و تقصري رقابينا.. بعدين هم ادونا بتهم لسراج و طلبوا القرب مننا و طلبوكي انتي و اللي هاتاخديه راجل مش قليل في البلد و عمره ما هايفتحلك سيرة العيال لإنه عنده و مش ناقصه و بخصوص التار القديم فاحنا قفلنا الصفحة دي من زمان و انتي عارفة.
- طب ليه ما قولتلناش انه سراج عايز يخطب يا عمي؟
كان التساؤل من شفتي روح التي لاح الامتعاض على قسمات وجهها كون أخيها قد أقصاها عن معلومة كهذه.. زفر جاسر أنفاسا مغتاظة و هو يجد نفسه محاصرا بتحقيقات نسوية مقيتة بينما ابن اخيه غادر نحو خلوته تاركا اياه يجابه أعاصير نساء البيت وحده:
- ما جاتش فرصة يا روح و الموضوع جيه بسرعة.. ما تخافيش يا روح يا بتي العروسة كيف العسل هاتحبيها قوي و هي برضك هاتحبك حطي ببطنك بطيخة صيفي انتي بس.
ثم التفت يكمل حديثه مع أخته:
- شوفي يا خيتي.. اللي راح راح و احنا اولاد النهردة و انتي لساكي صغيرة يعني ما عجزتيش و لا كرمشتي.. و حقك تعيشي مع راجل يصونك و انا مش دايملك يا خيتي.. صدقيني انا رايد باللي قولته مصلحتك و لو شفت انه ما ينفعش يكون حليل ليكي ما كنتش قبلت .
زاغت أنظارها بقلق و توتر لتضيف عبارتها الاخيرة فينسدل ستار ليلة من أطول ليالي العمر على الجميع:
- خليني أفكر يا اخوي و ربنا يجيب اللي فيه الخير.
----------------------------------------
طرقت باب المكتب قبل أن تلج لداخله.. وجدته يطالع بعض الاوراق الجاثمة على المكتب الفخم أمامه.. رفع عيناه و حرك رأسه بإشارة لها أن تجلس مقابله.. بقي على وضعه عدة دقائق حتى أنهى ما بيده ليستقيم في جلسته و يوليها اهتمامه قائلا بتساؤل:
- ما نمتيش لحد دلوقت ليه يا روح؟
ارتبكت و تعثرت الكلمات على حافة لسانها.. لم يسبق لها أن واجهته بما تظنه تصرفا أو قرارا خاطئاً لكن ما علمته اليوم لا تستطيع ابتلاعه بالرغم من كلمات عمها المهدهدة:
- أنا جيت أتأكد من كلام عمي يا سراج.. انت فعلا ناوي تتجوز بنت اللي قتلوا أبونا؟
زفر أنفاسه بغلظة و هو يغمض عينيه لثانيتين مفكرا أن هذا ما كان ينقصه.. هو تجنب الجلسة معهم لهذا السبب بالذات.. لا يريد لأحد أن يراجعه في قراره لإنه في قرارة نفسه لا يعلم إن كان عادلاً:
- أيوة يا روح أنا هاتجوز نور بنت سهام التهامي.
- ليه يا خوي.. هي البنات خلصت في البلد و ما فاضلش غيرها.. طب قولي انت أصلا قابلتها قبل كده؟
تسللت ابتسامة شقية لشفتيه رغما عنه و هو يتذكر لقاءاته القليلة بها..و كلما تذكرها يتذكر عيناها.. كم يتمنى لو كان رساما لكان تفنن في رسم دفقات الموج بداخلهما، انتبهت لابتسامته الخفيفة و شروده فاختض قلبها أن الرواية التي حيكت و جاهروا بها بعيدة كل البعد عن الحقيقة.. تغضن جبينها و هي تسأله بتلجلج راهب:
- هو انت بتحبها يا سراج؟
ارتجف قلبه حتى سويداؤه و تيبس جسده على إثر سؤالها.. لم يستطع أن يضع عينيه بعينيها و هو يجيبها فمرة أخرى تكتنفه الحيرة بما يخص نور.. لا يعلم ما طبيعة مشاعره تجاهها و لا يريد ان يعلم.. سيحصرها في البوتقة التي رسمها لها و لن يحيد.. ليجيب بنبرة خاوية استشعرت روح انعدام الصدق فيها:
- حب ايه و كلام فارغ ايه اللي بتقولي عليه يا روح.. أنا واخدها تخليص حق.
- و حق أبويا يخلص بيها؟؟
نقر سطح المكتب بسبابته و هو يكتم غيظه من تدخلها السافر.. لكنه يعلم أنه من حقها فهو والدها كما هو والده و في السابق كان هو في نفس مكانها عندما اتهم عمه بالتخاذل في الثأر لوالده و الاستعاضة بالنسب:
- شوفي يا روح موضوع النسب ده مش حاجة طلعنا بيها من قريب.. دي كلمة اديناها من تمانية و عشرين سنة لكن ربك أراد ان الجوازة ما اتمش وقتها و اهو دلوقت فتحنا الدفاتر القديمة مرة تانية.. احنا زمان ادينا كلمة انه موضوع التار هايتقفل قصاد النسب و ما نقدرش نرجع عن كلمة قالها جدي..و دلوقت جيه الوقت ناخد حقنا من الاتفاقية اللي عملناها معاهم.
- بس انت ما كنتش راضي.
قبض على كفه بشدة حتى ابيضت سلامياتها.. هي تجلده بكل بما قال.. بكل الأسس التي وضعها نصب عينيه في السابق و التي في لحظة غرق في زرقة صافية قذفها بعيدا و ألقى بالبندقية التي كان يتشبث بها طوال عمره و ينتظر اللحظة المناسبة للقنص.. أخته تجلده و لا تعلم أنه يجلد نفسه في كل ثانية و حيرته تأكل منه دون رحمة.


وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس