عرض مشاركة واحدة
قديم 29-03-20, 08:13 PM   #3

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بعد اثنين و عشرين سنة....دار الحاج عبد العليم
كان جالسا لوحده في الديوان بعد أن انصرف أخوه حامد و ولداه حين دخل ليث حاملا حقيبة سفره , وقف يستقبله بعناق حار كعادته قائلا وقد افترت شفتاه عن ابتسامة صافية " حمدا لله على سلامتك بني ".ليضيف بعتاب رقيق.."لا تطل الغيبة مرة أخرى هكذا " انتقلت ابتسامته إلى ليث الذي قال بأسف "كيف حالك يا أبي ... ..مررت حقا بعذاب مر طوال أسابيع , وكأن الأساتذة اتفقوا علينا !لم أرتح يوما واحدا أنتقل من بحث إلى مشروع إلى امتحان ...الحمد لله مر كل شيء على خير".ربّت فاتح على كتفه مواسيا " لا بأس عليك بني ...المهم أن تحقق ما تصبو إليه....إذهب لرؤية أمك فقد كانت تعد الأيام و الليالي شوقا لرؤيتك"
أومأ ليث موافقا و إستأذن مغادرا لكن ما إن وصل إلى باب المجلس إستدار إلى أبيه مقطبا جبينه بحيرة "إلتقيت الشيخ عباس في محطة الحافلات طلب مني أن أبلغك تحياته و تشدق أنه لن يتراجع عن مطلبه و لا عن وعوده بالمقابل" ...ضيق عينيه مضيفا بريبة" ماذا يريد منك ؟"
بهت فاتح وقد انسحب الدم من وجهه...إذا الكلب وسع نطاق لعبه , و هاهو انتقل للمجاهرة علنا بمطلبه الوقح ...منذ شهور و هو يصادفه في كل مكان تقريبا بمناسبة أو بدونها ...توجس منه خيفة و من وده المزعوم فهو معروف بين العشائر جميعا بغلظته و طبعه الحاد المفتقر للذوق و اللباقة إلى أن صحّت شكوكه حين أبدى نواياه أخيرا بصراحة و يا ليته لم يفعل.تماسك فاتح حينها بشق الأنفس و لولا تربيته لأوسعه ضربا ...لكنه تصرف بحكمة وظل يماطله و يتحجج كل مرة.. علّه يملّ و يعدل عن جنونه ذاك.....الوغد كحرباء ملونة... خدع به حقا حين توقف عن ملاحقته منذ شهر ....فظنه قد أذعن أخيرا واستسلم للأمر الواقع ...لكن يبدو انه غيّر أسلوبه و انتقل إلى مستوى آخر..عديم الشرف.. ..اقترب من ليث يطمئنه بعد أن لاحظ توجسه من ردة فعله محاولا قدر الإمكان إدعاء اللامبالاة" لا نشغل بالك بني ...يريدني أن أكون شريكه في بعض الأعمال ...لكني أرفض أن تكون لي علاقة بشخص مشبوه مثله".. اختلجت عضلة في فك ليث و طحن أسنانه غيظا ليقول بثورة "القذر..... ماله و مالنا !...لو لم يكن ابن عم شيخ العشيرة لبصقت في وجهه دون أن أبالي"
ربت فاتح على كتفه يهدئه و أردف يوصيه مشددا على كل حرف" كل ما ستفعله هو أن لا تشغل بالك بما يلهيك عن مستقبلك و دراستك ...خاصة من هم على شاكلة عباس ....إسمعني جيدا ....إياك ثم إياك أن تحتك به لا من قريب و لا من بعيد..."
................................
ألم تكتفي بعد من تناول الطعام بمفردك أماه؟ تشنجت وقفتها حين سمعت صوته الأجش الحزين لكنها ظلت تناظر سكون الليل من النافذة دون أن تستدير نحوه .....وضع الصينية على المائدة الخشبية المدوّرة التي تقشرت أجزاء كبيرة من دهانها وقد ترك الدهر عليها آثاره كما يفعل مع كل شيء فان في هذه الحياة ....لازال بريق لونها الأبيض الناصع مطبوعا في ذاكرته حيث كان يتحلق حولها مع والديه وأخواته الأربعة ... يجلس دوما في حجر والده رحمه الله يطعمه بيده يناغشه و يلاعبه بينما تراقبهما أمه بفخر و سعادة امرأة لم يحرمها الله من إنجاب الولد....ابتسم بحزن مشفقا عليها...نقلت العديد من الأشياء إلى جناحها الخاص خفية بعد أن إدعت أنها أحرقت كل شيء قديم....وهاهي لا تزال تستخدم هذه المائدة...التي تسامرت عليها رفقة والده آلاف الليالي...رغم خيبات الأمل التي تجرعتها منه بصمت إلا أنها تحن إليه حتى و إن أنكرت و كابرت ظاهريا....نفض عنه ذكريات أيام الزمن الجميل التي لن تزيده إلا حزنا على حزنه و إتجه نحوها ينوي مصالحتها و إنهاء هذا العبث...منذ أسبوع وهي تخاصمه بينما قرر هو مجاراتها فتركها تتصرف على هواها و تنفس عن غضبها بطرقها الطفولية الخاصة ...ربت على كتفها قائلا بصوت حنون مسّ قلبها رغما عنها "إلى متى هذا الجفاء يا سيدة تماضر....ألن تتنازلي قليلا و تصالحيني !...نفضت كفه عن كتفها مصرة على عدم توجيه و لو كلمة واحدة إليه ...لقد تعبت و سئمت و ملّت كل شيء من حولها و لن تلين هذه المرة حتى يحقق لها ما تتمنى ....حك جبهته و تنهد بتعب ...وجع رأسه هذا لا يرضى أن يبارحه منذ أيام و أمه العزيزة لا تفعل شيئا سوى ان تزيد الطين بلة ... تنهيدته تلك فسرتها تماضر على انها إستسلام أخيرا لتبتسم بزهو بينما شعور بالإنتصار يكتسح روحها سرعان ما انحسرت موجة السعادة لتحل محلها الدهشة حين سمعته يقول بهدوء " إذا سيكون علي توديعك دون أن أملي عيني بالنظر إلى وجهك الجميل ...سأتوجه فجر الغد بإذن الله نحو العاصمة"

التفتت نحوه بسرعة خاطفة و قد احتقن وجهها الذي لم تفلح السنوات و التجاعيد في طمس جماله ....استفزها وجهه الهادئ أكثر حين ذكرها بوجه والده الذي كان يواجه الحالات النادرة التي كانت تفقد فيها أعصابها بسكينة مغيظة لينتهي الأمر دوما بضرب اعتراضاتها عرض الحائط...فباتت كبركان غاضب يهدد بالإنفجار في أي لحظة....زأرت في وجهه بنبرة نارية تعكس كل ما يعتمل في دواخلها " قررت الهرب إذا ....وماذا عن كلام بيننا تركناه معلّقا؟"

تأمل عينيها بضع ثوان ...لونهما الداكن ناسب تماما قسوة طبيعية تسكنهما ..يخالطها شجن غريب و مرارة ....قال بعد لحظات مبتسما و كأنه يتحدى التوتر الذي أبى أن يفارق علاقتهما كأم و إبنها " أعتقد أني كبرت على الهروب يا أمي ثم إني لا أذكر أننا تركنا أي حوار مفتوح دون أن نصل إلى نتيجة مرضية"
ضربت الأرض بقدمها تستشيط غضبا ثم رفعت أصبعها نحوه توبخه بنبرة خائبة الأمل" نتيجة مرضية لك أنت ....أنت وحدك ....و كأنني لست أمك ...لا تفعل أبدا ما يفرح قلبي ....أنت تماما كالمرحوم والدك ....ما الذي فعلته لكما لتتفقا على مناكفتي و معارضة كل ما أقوله"
شحب وجهه لنبرة الإتهام في صوتها ليردف برجاء خافت " معاذ الله أن أحزنك أماه....أتوسل إليك كفي عن تهويل الأمور"
أمسكت كفه اليمنى تضمها بين يديها بينما تقول بصوت ملهوف أودعته كل ضعفها الأمومي تسترجي مشاعره المرهفة " أنا لم أطلب الكثير يا وحيدي .....انظر إلينا حالنا ميسور و الحمد لله ....هل من الصعب عليك أن تتزوج ثانية و تملأ عيني بالنظر إلى أحفاد أتوق إلى المزيد منهم"
لقد سئم هذا الموضوع حقا متى ستتوقف أمه عن نقارها هذا !! كانت قد بدأت تلمّح للأمر منذ أن إكتشفوا الحالة التي تعاني منها شمس فتارة ترمي الكلام على مسمعه وتارة على صفية لتتحول إلى الأسلوب المباشر دون مواربة أو تلميح بعد ولادة زهرة ....تركها تعبر عن رأيها مع إبداء رفضه للأمر بلطف دون أن يجرحها متفهما رغبتها الشديدة و هوسها الذي كان يتنامى كلما خسرت صفية جنينا آخر .....أربعة.....كانوا أربع حالات إجهاض بعد زهرة كادت آخرها أن تودي بحياة حبيبة عمره منذ ما يقارب السنتين حينها جن جنونه حين أثارت تماضر الموضوع مجددا بحجة إراحة صفية التي أضنتها المحاولات اليائسة....لم تفهم حينها ...ولن تفهم أبدا أنه كان يحاول إرضاءها على طريقته ...أن يمنحها المزيد من الأحفاد دون الحاجة للزواج مجددا ..فلو اهتمت برأيه لأدركت أنه راض بما وهبه الله من ذرية ولا يرغب إطلاقا في المزيد..رغم كل هذا يعذرها ....فلا ذنب لها و لا سيطرة على طبيعتها المتعطشة والتي لا ريب توقدت من جديد بعد أن أنجبت زوجة أخيه الأصغر غير الشقيق إبنا آخر منذ أسبوعين ...ما يخيفه أكثر أنها هذه المرة تضغط عليه بشراسة رهيبة جدا قد....قد تجعله يرضخ لها مرغما .
إرتعش قلبه رعبا عند هذه النقطة فأغمض عينيه غير قادر على مواجهتها أكثر و تمتم بضيق و إنزعاج واضحين" إرحميني يا أمي ....وصلت إلى سن يميل فيه الإنسان إلى الراحة..... ولا طاقة لي لزوجة ثانية أبدا"...
تلك الأصابع التي كانت تداعب كفه بدفئ منذ ثوان انتهى بها الحال تحفر لحمه بقسوة .... إنفعالها بلغ أقصى حد لتهسهس من بين أسنانها بفحيح مشتعل " من يسمع كلامك يظنك قد تجاوزت السبعين بينما انت لم تبلغ الخمسين حتى ... والدك كان أذكى منك في هذا الجانب تزوج علي و ضمن لنفسه ثلاث أبناء آخرين ...أنا تعذبت ....دفنت حية ....لكني صبرت ....صبرت لأجلك فقط و انظر إلى نفسك الآن....كبرت ما شاء الله وصرت تنكر علي حقا من حقوقي"
تشنجت ملامحه بألم وقال يحاول جاهدا إفهامها كلاما ملّ من تكراره " لا يمكنني أن أتزوج على صفية و أنت أدرى لماذا"
لوحت بيدها دلالة على سأمها وأردفت تبصق الكلام بصقا وقد لوت شفتيها بإشمئزاز" ليسمع الرجال كلامك السخيف هذا و سترى ماذا سيقال عنك....أنت رجل يا فاتح...و الرجل لا يسيّر حياته أبدا وفق مشاعره....أبوك أيضا قال انه أحبني و تزوجني رغم انف الجميع....ثم ماذا حصل!..تزوج علي بكل سهولة و بساطة دون ان يبالي بكبريائي الذي أرقته حين تشبثت بقدميه أتوسله كالمجنونة ..خسر حبي حينها ولم يخف عني انكساره الذي كان جليا في عينيه....بتّ الآن افهمه جيدا ....فهو فعل ما كان في صالحه مدركا انه لن يحظى بشيء ما لم يضحي بشيء آخر"
هز رأسه بينما يقول مشددا على كل حرف بتأكيد "أنا لست أبي ....ولن أكون ".....
برقت عيناها بجنون و صاحت بهذيان تتشبث بقميصه تهزه بقوة"تلك الأفعى المرقطة هي من تسحر لك ...لابد أنها هي من طلبت منك أن تذهب الى العاصمة حين لاحظت ضغطي عليك هذه المرة و خافت من رضوخك ....آه لو كان الأمر بيدي لما تزوجتها ابدا ....على أساس أنها إبنة اخي ....بنت الكلب ....لو كانت تحبك لزوجتك بيديها ...لا أن تضغط عليك و تستغل إجهاضاتها المتكررة تلك لتكسب تعاطفك"
أمسك وجهها بين يديه يحاول إلجام غضبها المستعر ودمدم بخيبة":
ما تجهلينه هو أن صفية أيضا غاضبة مني و قد ترجتني أن أتزوج عليها دون أن أخبرك أنها هي من غيّرت رأيي"
ضحكت ضحكة غير طبيعية أخافته عليها لتقول واثقة من قدرتها على فهم نوايا البشر الخبيثة مهما حاولوا إخفاءها "أكيد ستمثل أنها في صفي .... فهي تدرك انك لن تقبل أبدا ......أفق يا أعمى أفق قبل فوات الأوان"
لم يعد يحتمل مزاجها السوداوي هذا و قد أثقلت قلبه بشحنات سلبية فضيعة تصبها بلا توقف عليه ليرفع صوته في وجهها على غير عادته "توقفي أمي عن جنونك هذا بالله عليك ....هل مثلت لك يوما أكثر من ثور للإستيلاد" ....
لكنها لم تكن أبدا في وضع يوحي أنها قد ترتدع و تتوقف بل علا صراخها على صوته أكثر و راحت تقذف الكلام دون أن تزنه في عقلها و قد تخلت عن حذرها المعتاد " على أساس انك أنجبت عشرين ابنا يا نابغة زمانك .....المحروسة المجنونة و الأخرى نرجو من الله أن لا تفاجئنا كأختها ....."ويا ليت لسانها قطع قبل أن تقول ما قالته ....ليت عينيها عميت قبل أن ترى تأثير كلماتها عليه.....جمد تماما و قد انسحب الدم من وجهه فبات شاحبا شحوب الموتى بينما ارتد رأسه للوراء و كأنه تلقى صفعة منها ....ولو تلقى لكان أهون عليه مما سمعه للتو .... سارعت تحاول تدارك نفسها تواصل بصوت مهتز خافت " إضافة إلى التوأم...... طبعا ......" لم تتحمل الجمود الذي أبى أن يغادر محياه رغم محاولتها الصغيرة البائسة فأخفضت عينيها و قد اهتزت حدقتيها رعبا بينما توزع نظراتها أرضا .... أخذت تمسد يديها ببعضهما بينما متاريس عقلها تدور بسرعة رهيبة مفكرة في ما قد تطيب به خاطره المكسور ....ستظل نبرة صوته المعذبة تلك محفورة في أقاصي ذاكرتها ما حيت حين قال بأنفاس مثقلة كمن يلفظ أنفاسه الأخيرة " لم يبق إذا ما يقال ......تصبحين على خير......أو ربما إلى لقاء قريب فكما سبق و قلت لك أنا ذاهب إلى العاصمة" ...أطبقت جفنيها بقوة حين شعرت بشفاهه تقبل أعلى رأسها كما اعتاد أن يفعل كل ليلة ......شدت عبايتها المطرزة بشكل مبالغ فيه بقوة حتى أن خرزات التطريز انغرزت في لحمها تقاوم إرتعاشة البرد التي اكتسحتها بابتعاده عنها ....تغرغرت عيناها بدموع إنفجرت دفعة واحدة و صاحت فيه تهذي ببؤس تدافع بيأس عن نفسها و إن كانت مدركة في قرارة نفسها أنها إرتكبت خطئا فادحا...فادحا جدا بينما تراه بتشوش من خلف دموعها يغادر غرفتها متخاذلا و قد تهدلت أكتافه " أنا أمك ...أمك ....يحق لي أن أقول لك ما أريد دون أن تشتكي ....يحق لي ....يحق لي ..... أهرب ...فهذا كل ما تجيده ....اهرب .... "
هرولت سمية على طول الرواق حين سمعت صراخها الذي وصل إلى غرفتها .....التاع قلبها لمرأى أمها تفترش الأرض و قد سكنت تماما بشكل مريب ....عيناها شاردتان في نقطة ما تغطيهما صفحة زجاجية من الدموع التي توقفت عن الجريان و قد ساح الكحل فحفر أخاديد بشعة على وجنتيها ....سارعت ترفعها عن الأرض قائلة بلوعة" أماه....ما هذه الحال؟"
لم تتزحزح من مكانها وظلت لثوان على حالها ذاك لتلتفت ببطء أخيرا تتأمل ملامح إبنتها عن قرب ....تتبعت كل تجعيدة ....كل خط و دائرة سواء كانت محفورة بعمق أو برقة حول عينيها....شفتيها و جبهتها ....قست عيناها أكثر لتدفعها عنها ترفض مساعدتها و تردف ببرود واتهام " أنت أيضا حانقة علي ...مثله تماما"
رفعت سمية حاجبيها بدهشة و فغرت فاها قليلا و قد توقفت عن محاولة سحبها ...واصلت تماضر بخشونة شارحة حين لاحظت نظرات ابنتها المتسائلة " أنا أبذل جهدي لأفعل ما في صالحكم و لكن..أنتم ..أنتم....تعتبرونني دائما مجرد أنانية أسعى بكل قوتي لأفسد حياتكم .....لم تروا أبدا تضحياتي ولم تعجبكم يوما تصرفاتي ...."
دمدمت سمية بتذمر خافت و قد عقدت حاجبيها بحيرة" من أين خرج هذا الكلام يا أمي ....لم أفهم حرفا واحدا....هل بدر مني ما أغضبك ؟؟"
كزت تماضرعلى ضروسها و دفعتها و هي تهتف بصوت مجروح عازمة على إفراغ قلبها الليلة حتى آخر قطرة " هل أبدو لك كحمقاء هنا...رأيت مشاعرك التي تتبجحين ببراعتك في إخفاءها مرات و مرات في عينيك ....غضبك ...إحساسك السخيف بالظلم من قراراتي المجحفة في حقك كما تزعمين يا عديمة العقل و المنطق.....مثل أخيك تماما ....تظنون إذعانكم السخيف ذاك سينطلي علي لأفرح ببرّكم الرائع بي ...يمكنني أن أرى عدم الرضا بسهولة ....أنت مثلا ...تجرئي الآن و أنكري أمامي أنك لا تحملينني ذنب عنوستك و قد تجاوزت الأربعين...تجرئي و أنكري انك لا تتمنين لو أنني متّ مكان أبيك "
فغرت سميه فاها أكثر بصدمة و قد شحب وجهها تماما فبات كورقة صفراء باهتة متساقطة في عز الخريف وقد غادرتها الحياة بلا رجعة سرعان ما التوت شفتاها ببطء في ابتسامة حزينة مرتعشة حين أدركت أخيرا بيت القصيد قالت بعد لحظات و صوتها يرتجف ككل جزء من روحها المعذبة " الإنسان يولد يا أمي فتولد أقداره معه......مسطورة في اللوح المحفوظ .... قد لا يملك القدرة على تغييرها ولكنه منح حق الاختيار ....اختيار الطريقة التي توصله إليها ....يمكنك أن تستنتجي من كلامي هذا أني أدرك انك لست السبب...لكن بما أنك أثرت هذا الموضوع دعيني أخبرك أن ما رأيته في عيني كانت نظرات أسف عليك .....كان يؤسفني حقا أن ترفضي خاطبا لأن نسبه لا يرقى إلى مستوانا رغم صلاحه و استقامته أو أن تنفري آخر منا بشروطك التعجيزية الخيالية ..لم يكن أي منهم جميعا مقدرا لي على أي حال لكن الأسباب التي كانت تفرق مساراتنا كانت مؤلمة لقلبي كثيرا...."
رفعت سمية يدها تتلمس أثر الصفعة المدوية التي هوت على خدها ...لم تكن لسعاتها الحارقة تضاهي الألم الذي نفخت أمها رماده في قلبها ليشتعل من جديد دون أدنى جهد يذكر كانت تناظر أمها التي رفعت ذقنها بدفاعية و قد زاغت نظراتها و تسارعت أنفاسها مظهرة تلجلجها الداخلي رغم ما تبديه من ثبات وقررت حينها أن تنهي هذا الحوار الليلي التعيس قائلة بفتور " آمل أن تكوني قد ارتحت قليلا الآن .....بما انك تفرغين دوما غضبك علي ....يمكنني أن أستشعر أن ما حدث بينك و بين فاتح جدّي هذه المرة..." و أضافت في آخر لحظة تمسك مقبض الباب تنوي إغلاقه "قد لا تصدقينني ...لكني لم أتمن يوما أن تموتي مكان أبي .....و لن تصدقي السبب لذا فلأذخره ليوم أدعو الله ليل نهار أن يرينيه "
هوت تماضر على فراشها أخيرا بعد أن غادرت سمية هي الأخرى ....تداخلت كل الصور بين عينيها و تماوجت الأصوات داخل رأسها ...حيرة شديدة تلفها من كل جانب كسديم كثيف يحجب الرؤية بوضوح.....أيعقل أن يكونوا محقين جميعا بينما هي.... مخطئة ؟ ....مخطئة؟ ...مستحيل... إنهم يبالغون فقط ....و لا يعرفون كيف يسيرون حياتهم تماما كأطفال صغار....أما هي فأم ..و الأم لا تؤذي أبناءها ...سيدركون أنهم ظلموها و سيأتون صاغرين يرجون سماحا عند قدميها .....و على هذه الأفكار أغمضت عينيها بقهر علّها تغرق في نوم عميق بما يكفي ليمحو ما كان


يتبـــــــــــــع


ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس